علم الكتاب المقدس

برهان جديد يتطلب قرار



برهان جديد يتطلب قرار

برهان
جديد يتطلب قرار

إجابات
لأسئلة تتحدى المسيحيين فى القرن الحادى والعشرين

چوش
ماكدويل

الفهرس

هل المسيحية قابلة للتصديق؟

دليل المستخدم

تمهيد

ماذا؟ هل هذا كتاب جديد؟

لماذا هذه الطبعة المنقحة؟

كيفية الاستفادة من الكتاب؟

لقد غير حياتي

البرهان على صحة الكتاب المقدس

1- الكتاب المقدس كتاب فريد

2- كيف وصل إلينا الكتاب المقدس

3- هل العهد الجديد موثوق تاريخياً

4- هل العهد القديم موثوق تاريخياً

البراهين المؤيدة لشخصية يسوع

5- يسوع رجل التاريخ

6- لو لم يكن يسوع هو الله فهو يستحق جائزة الأوسكار

7- معضلة الألوهية: الاحتمال المثَّلث – رب أو كاذب أو مجنون

8- برهان الألوهية: نبوات من العهد القديم تحققت في يسوع المسيح

9- برهان الألوهية: القيامة – خدعة أم حقيقة تاريخية؟

10- برهان الألوهية: القضية العظمى

أدلة مع وضد المسيحية: القسم الأول:

11- هل الكتاب المقدس من الله؟

12- الافتراضات المسبقة لمعارضي ما فوق الطبيعة

13- علم الآثار ونقد الكتاب المقدس

الفرضية الوثائقية

14- دراسة تمهيدية للفرضية الوثائقية

15- دراسة تمهيدية للنقد الكتابي

16- مقدمة لأسفار موسى الخمسة

17- تطور الفرضية الوثائقية

18- القواعد الإجرائية

19- الافتراضات الوثائقية

20- الخلاصات التي توصل إليها النقد العالي الراديكالي

21- برهان أن موسى هو كاتب التوراه

22- ظاهرة الأسماء الإلهية

23- تكرار الروايات والتناقضات المزعومة

24- المتنافرات

25- الاختلاف الداخلي

26- فكرة ختامية بشأن الفرضية الوثائقية

النقد الكتابي والعهد الجديد

27- نقد الشكل والعهد الجديد

28- مذهب الشك التاريخي

29- الهجوم على يسوع

30- خاتمة على نقد الشكل

31- اللاهوت الحديث والنقد الكتابي

الحقيقة أم الاستنتاجات المنطقية

32- طبيعة الحقيقة

33- معرفية الحقيقة

34- إجابة على ما بعد الحداثة

35- إجابة على مذهب الشك

36- الرد على اللاأدرية

37- الرد على المذاهب الباطنية

38- التأكيد في مقابل اليقين

39- الدفاع عن المعجزات

40- هل التاريخ معلوم

41- أسماء الأشخاص الواردة بهذا الكتاب

42- الحقائق الروحية
الأربع

 

هل المسيحية قابلة للتصديق؟

بقلم:
وليم ر. برايت

رئيس
ومؤسس الحملة الجامعية العالمية للإيمان بالمسيح

أروهيد
سبيرنجس- سان بيرناردينو- كاليفورنيا – الولايات المتحدة

هل
هناك أساس عقلي للإيمان بيسوع المسيح كابن الله؟ يجيب العلماء، ومعهم ملايين
الأشخاص من طلاب وغيرهم على مرّ القرون، على هذا السؤال بقوة قائلين نعم. وحول هذا
الموضوع يدور كتاب برهان جديد يتطلب قراراً للكاتب جوش مكدويل.

لقد
خدم «جوش مكدويل» منذ عام 1964 كممثل متنقل للحملة الجامعية العالمية للإيمان
بالمسيح (
Campus Crusade for
Christ International

ومن خلال شهادته وتعليمه الملهم قدم التنوير والتشجيع والمساعدة والتحدي أيضاً
لأكثر من سبعة ملايين طالب وأستاذ في أكثر من سبعمائة جامعة في أربع وثمانين دولة.
إن خبرة جوش كمتحدث في التجمعات الطلابية – من اجتماعات صغيرة وكبيرة، ومحاضرات
ومئات الجلسات الإرشادية والمناظرات، بالإضافة إلى تخرجه بدرجة امتياز في معهد
لاهوت تالبوت وأبحاثه المستفيضة في مجال البراهين التاريخية للإيمان المسيحى – هذه
الخبرة أهلته بحق للحديث والكتابة عن مصداقية المسيحية.

يوماً
سأل أحد الكتبة يسوع قائلاً: يا معلم أية وصية هي العظمى في الناموس؟ فأجاب يسوع: تحب
الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى (مت
22: 37، 38). لقد خلقنا الله قادرين على التفكير واكتساب المعرفة وتمييز الحقيقة.
إن الله يريدنا أن نستخدم عقولنا.

يقول
الرسول بطرس ناصحاً: « قدسوا الرب الإله في قلوبكم مستعدين دائماً لمجاوبة كل من
يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم » (1 بط 3: 15).

ولهذا
السبب تؤكد خدمة الحملة الجامعية للإيمان بالمسيح على أهمية تدريب المسيحيين على
اختبار الحياة الفياضة المفرحة وتقديمها للآخرين، تلك الحياة المتاحة لكل من يضع
ثقته في يسوع المسيح. لقد قامت معاهد تدريب القادة، والمعاهد الإنجيلية العلمانية،
ومعاهد دراسات الكتاب المقدس، وغيرها من برامج التدريب، بإعداد مئات الألوف من
الأشخاص حتى يقدموا أسباباً صحيحة مقنعة وأدلة تاريخية وموثقة لإيمانهم بيسوع
المسيح.

على
مدى خمسة وخمسين عاماً شاركت فيها المجتمع الأكاديمي في دراسة الأخبار السارة
للمخلِّص، لم أقابل غير أفراد قلائل من الباحثين الذين اهتموا بدراسة أمينة لتوضيح
البراهين الدالة على أن يسوع المسيح هو ابن الله ومخلص البشر وكانت نتيجتهم في
النهاية هي إنكار تلك الحقيقة. وبالنسبة لي فإن الأدلة على ألوهية الرب يسوع
المسيح هي أدلة قاطعة لأي باحث عن الحقيقة يتصف بالموضوعية والأمانة. ومع ذلك،
فليس كل الذين من تحدثت إليهم قد قبلوه كمخلِّص ورب. ولا يرجع هذا إلى عدم قدرتهم
على التصديق – بل ببساطة إلى عدم رغبتهم في ذلك.

فعلى
سبيل المثال جاء أحد الأطباء النفسيين المشهورين إلى « أروهيد سبيرنجس » طلباً
للمشورة، وكان هذا الطبيب في حيرة من أمره، ولقد اعترف صراحة أنه لم يكن يرغب
أبداً في التفكير في المسيح كمخلِّص شخصي له خوفاً من اقتناعه بذلك وبالتالي سوف
يتحتم عليه أن يغيِّر أسلوب حياته. ويعترف ملحدون آخرون منهم شخصيات معروفة أمثال
«ألدوس هكسلي وبرتراند راسل» برفضهم للتدبر العقلي للحقائق التاريخية الأساسية
لميلاد وحياة وتعاليم ومعجزات وموت وقيامة يسوع الناصري. وأما من قبلوه أمثال «أس.
سي. لويس وس. إ. م. جود ومالكولم ماجريدج» فقد وجدوا الأدلة القاطعة التي دفعتهم
إلى قبول شهادة يسوع المسيح الحقيقية عن نفسه ألا وهي أنه ابن الله وربهم
ومخلِّصهم الشخصي.

إن
الدراسة المتمعنة والمصحوبة بروح الصلاة للمادة الموجودة بين دفتي هذا الكتاب من
شأنها أن تهييء القارئ لتقديم البشارة المفرحة بشكل مقنع وواعٍ. إلا أننا نود أن
نقدم كلمة تحذير وتوجيه أخيرة وهي ألا يجب افتراض أن الشخص الطبيعي تساوره الشكوك
بشأن ألوهية يسوع المسيح. إن السواد الأعظم من البشر بمختلف ثقافاتهم لا يحتاجون
لإقناعهم بألوهيته أو باحتياجهم له كمخلص. ولكنهم بالحري يحتاجون لمن يخبرهم عن
كيفية قبوله مخلصاً ورباً.

ومن
ثم فإن الشخص المسيحي نفسه هو الذي سوف يجني الفائدة العظمى من قراءته لهذا الكتاب.
إن هذا الكتاب يثبِّت إيمان القاريء في المسيح، وفي الوقت ذاته يقدم له البرهان
الذي يمكنه من إعلان إيمانه بشكل فعال للآخرين.

ثم
قال لتوما: هات إصبعك إلى هنا وأبصر يدي وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن
بل مؤمناً! أجاب توما وقال له: ربي وإلهي! قال له يسوع: لأنك رأيتني يا توما آمنت!
طوبى للذين آمنوا ولم يروا (يو 20: 27 – 29).

 

دليل المستخدم

بقلم:
بيل ويلسون محرر مشروع الطبعة المنقحة

تحذير!
هذا الكتاب هو كتاب خطير ودراسة محتوياته يمكن أن تُغير فكرك تماماً.

تنبيه!
إذا كنت تتوقع أن هذا الكتاب هو كتاب عادي يمكنك قراءته وأنت متكئ على الأريكة
تشرب فنجاناً ساخناً من الكاكاو، فمن الأفضل أن تعيد النظر في ذلك. فما أن تأخذ
الأفكار في التدفق عليك، إلا وقد تجد نفسك باحثاً عن قلمك ودفترك لتدوين أفكارك
حتى يمكنك طرحها على أحد أصدقائك في المرة القادمة التى تريد فيها أن تقدم له
براهين البشارة المفرحة بالرب يسوع المسيح.

ولعلك
تقول: مهلاً، انتظر. هل أقدم أنا براهين البشارة؟ لقد جلست فقط لقراءة كتاب. حسناً،
يجب أن تعرف أن هذه بعض مذكرات المحاضرات الشخصية لجوش مكدويل، وعندما ترى قوة
الحجج والبراهين فقد ترغب في تقديم بعض من أفكارك ودفوعك الشخصية. إن أحد أقوى
دوافع جوش لتأليف كتاب «برهان يتطلب قراراً » بجزئيه الأول والثاني هو في المقام
الأول تسليح الآخرين بمعلومات منظمة وموثقة يمكنهم استخدامها لتقديم المسيح بشكل
منطقي للآخرين. وفى هذه الطبعة المنقحة والمزيَّدة للمجلدين – بعد أن أصبحا الآن
في مجلد واحد – ستجد براهين أحدث لإيمانك لم تعرفها من قبل.

وفي
هذا الكتاب كمّ كبير من المادة سهلة الاستخدام التى تحتاج إلى بعض الوقت لدراستها
واستيعابها. إن كنت هذا النوع من البشر الذين يحبون التحديات الكبرى، وكنت تريد
تقوية إيمانك وشهادتك بكل ما يصل إليك من حقائق فابدأ القراءة حالاً ولا تتوانى.

ولعل
الاحتمال الأكبر هو أنك سوف تحتاج إلى معلومات مختلفة في أوقات مختلفة ولأغراض
مختلفة. فإن كنت علمانياً أو طالباً بالتعليم الثانوى أو طالباً بإحدى الكليات أو
خادماً مسيحياً غير متفرغ قد لا تجد متسعاً من الوقت. وربما أنك لم تختبر الدخول
في علاقة شخصية مع الله بالإيمان بيسوع المسيح، وتبحث عن بعض الإجابات لأسئلتك.
ومهما كانت حالتك، فإن بضعة تلميحات تقرأها في دليل المستخدِم هذا توفر عليك وقتاً
ضائعاً في الوصول إلى جزئية معينة تحتاجها.

إذا
لم تكن بعد مؤمناً

الجزء
الذى يظهر تحت عنوان: «لقد غيّر حياتي» قبل المقدمة سوف يكون ذا أهمية عظمى
بالنسبة لك. واليوم يتساءل الكثيرون: هل يمكن ليسوع المسيح أن يحدث تغييراً في
حياتى الآن؟ في هذه الصفحات الافتتاحية يحدثنا جوش عن الأثر الذى أحدثه المسيح في
حياته الشخصية. يالروعة المسيحية! إن الرب يسوع لم يكن له أثر عميق في نفوس البشر
خلال عصره فقط كما تدلل على ذلك البراهين التاريخية، ولكنه لا يزال يحدث تغييراً
في حياة هؤلاء الذين يؤمنون به ويتبعونه.

لكل
من يقرأ هذا الكتاب

حتى
يتسنى فهم البراهين المقدمة في هذا المجلد بصورة أفضل، يجب دراسة فهرس المحتويات
بعناية قبل مواصلة القراءة. يتناول الجزء الأول بشكل رئيسى إلى أى مدى يمكن الثقة
بالكتاب المقدس. أما الجزء الثانى فيقدم البراهين التاريخية والأدلة المؤيدة
لألوهية الرب يسوع.

ويتناول
الجزء الثالث بشكل أساسي اثنين من التحديات التاريخية التى تواجه الإيمان المسيحي
من قبّل النقاد الكتابيين المتطرفين: (1) الفرضية الوثائقية (التي استخدمها الكثير
من العلماء في الماضي لإنكار صحة الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم ونسبتها
إلى موسى النبي). (2) نقد الشكل (الذي استخدمه العلماء في الماضي لإنكار صحة
روايات الإنجيل عن الرب يسوع – الأسفار الأربعة الأولى من العهد الجديد).

الجزء
الرابع هو جزء جديد تماماً وهو مخصص للموضوعات التالية: (1) برهان إمكانية معرفة
الحقيقة. (2) ردود على رؤى عالمية مختلفة. (3) دفاع عن وجود المعجزات (4) برهان
إمكانية معرفة التاريخ. وأخيراً يقدم ملحق الكتاب أربع مقالات قوية تتناول نقد
الكتاب المقدس.

إن
أى مسيحى يقدم إيمانه بالمسيح للآخرين سرعان ما يدرك أن هناك أسئلة معينة عن
المسيحية تظهر مراراً وتكراراً. وبقليل من الجهد يمكن الإجابة على تسعين بالمائة
من هذه الأسئلة.

يجيب
الجزءان الأول والثاني عن بعض الاعتراضات والأسئلة الشائعة:

لا
يختلف الكتاب المقدس عن أي كتاب آخر)راجع الفصول 1،3، 4).

كيف
يمكنني الثقة بالكتاب المقدس بينما لم تقرِّه الكنيسة رسمياً إلا بعد 350 عاماً من
صلب المسيح؟ (راجع الفصول 2، 3، 4).

ليس
لدينا الكتابات الأصلية لكُتَّاب الكتاب المقدس، كيف يمكننا التأكد من صحة وصدق ما
لدينا الآن؟ (راجع الفصلين الثالث والرابع).

كيف
يمكنني الإيمان بيسوع وكل ما نعرفه عنه كتبه كُتَّاب مسيحيون منحازون؟ (راجع الفصل
الخامس).

لم
يدَّعي يسوع أبداً بأنه الله؟ كيف يدَّعي المسيحيون أنه الله؟ (راجع الفصول 6- 10).

كيف
يقول المسيحيون إن يسوع قام من الأموات جسدياً؟ هناك تفسيرات محتملة كثيرة لمسألة
القيامة؟)راجع الفصل التاسع).

ماذا
يقول علم الآثار عن الأحداث التي سجلها لنا الكتاب المقدس؟ (راجع الفصول 3، 4، 13).

إذا
كان الكتاب المقدس صحيحاً وكان يسوع هو الله، فما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لي؟
(راجع الفصل الحادي عشر).

وتتناول
الأجزاء الثاني والثالث والرابع ما يلي:

يقول
الكثير من الفلاسفة باستحالة حدوث المعجزات، فما هو رأيك؟ (راجع الفصلين 12، 39).

يقول
الكثير من نقاد الكتاب المقدس إن موسى لم يكتب الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب
المقدس، فما هو رأيك؟ (راجع الجزء الثالث، القسم الثاني).

يقول
أستاذي إن الأناجيل لا تقدم سوى صورة مشوهة لذكريات غير واضحة المعالم قالها
مسيحيو القرن الأول عن يسوع، فما هو رأيك؟ (راجع الجزء الثالث، القسم الثالث).

اسمع
كثيراً عن منتدى يسوع، ولكنه يبدو عدائياً في موقف تجاه يسوع. فما هي حقيقة الأمر؟
(راجع الفصل 29).

 

تمهيد

يعتقد
البعض أن الإيمان يتطلب عدم التفكير، وكذا التسليم بأمور لا منطقية ولا يمكن
التحقق منها. ويظنون أن البحث والاجتهاد في الفكر يفقد الإيمان عمقه وروحانيته.
وهذا الاعتقاد يقود إلى فكر ديني مشوش ومستند على تصورات ذاتية غير قابلة للبرهان
أو المناقشة.

غير
أن الإيمان المسيحي بعيد كل البعد عن هذه الصورة الخاطئة، فهو إيمان يمكن أن
نعرِّضه للبحث والدراسة، وهو قائم على أساسات راسخة منحها لنا الله لكي نستطيع
دائماً أن نتثبت من حقيقة إيماننا، ونعلنه بلا شكوك أو ريبة. ولكن كيف يمكننا أن
نصل إلى البراهين الراسخة التي تدعم الإيمان وتساعدنا في التيقن من صحة ما نؤمن به
من عقائد؟

هذا
الكتاب يجيب على هذا السؤال من خلال جهد بحثي فريد قام به فريق متكامل من الباحثين
بقيادة الكاتب والباحث الشهير جوش مكدويل. وهو يهدف إلى مناقشة الكثير من القضايا
الإيمانية الجوهرية بشأن مدى ثقتنا في صحة ودقة الكتاب المقدس، وإيماننا بشخص الرب
يسوع المسيح. كما يهتم بتناول أهم الأفكار والفلسفات الحديثة التي تواجه المسيحية،
ويرد عليها بأسلوب موضوعي وشامل وقاطع.

يسعدنا
أن نهدي هذا العمل المتميز إلى كل من لديه إيمان باحث عن فهم، وإلى كل من يبتغي أن
يؤسس إيمانه على الصخر لا الرمل.

 

ماذا؟ هل هذا كتاب جديد؟

لا
يعد هذا المؤلف كتاباً بالمعنى المألوف. إنه عبارة عن مجموعة من المذكرات التي
أعددتها لسلسلة محاضراتي: «المسيحية خدعة أم حقيقة تاريخية؟ ». لطالما كانت هناك
حاجة ماسة إلى توثيق البراهين التاريخية للإيمان المسيحي. وكثيراً ما يتساءل
الطلاب والأساتذة والأشخاص العلمانيين بالكنيسة قائلين: كيف يمكننا توثيق واستخدام
ما تعلِّم به أنت وغيرك من المرشدين؟.

بعد
نشر المجلد الأول « برهان يتطلب قراراً » طلب مني الكثيرون من الطلاب والأساتذة
والرعاة مواداً تتعلق بالفرضية الوثائقية ونقد الشكل. إن طلاب الجامعة غالباً ما
يجدون أنفسهم يدرسون تحت إشراف أساتذة منحازين إلى وجهة نظر أو رؤية واحدة. وبسبب
قلة خبراتهم ومعلوماتهم فإن هؤلاء الطلاب لا يتم تعليمهم بل يتم التأثير عليهم
وتوجيههم للاقتناع بأفكار معينة. ولما لم يكن لديهم أي أساس أو مصدر يمكنهم من
خلاله تكوين رأي أو رد فعل مضاد لما يتم تلقينهم إياه، فإنهم غالباً ما يقبلون تلك
الأفكار رغماً عنهم. لطالما كانت هناك حاجة إلى العمل في اتجاه مضاد للرؤية
الواحدة التي تقدمها الكثير من المقررات والكتب الجامعية في هذين الموضوعين. ومن
ثم كان من الضروري أن نقدم المجلد الثاني من «برهان يتطلب قراراً».

لقد
أضحت الأسس التي يرتكز عليها كل من الفرضية الوثائقية ونقد الشكل عتيقة بالية. ومع
ذلك فالكثير من هذه المبادئ لايزال الأساتذة في الجامعات والمعاهد يروِّجون لها.
علاوة على ذلك فغالباً ما تكون هذه المبادئ الخاطئة هي نقطة البداية التي ينطلق
منها النقاد في دراساتهم للكتاب المقدس من أمثال هؤلاء النقاد الذين يتبعون ل «
منتدى يسوع
Jesus Seminar » أو الأساتذة الذين يقومون بتدريس موضوعات كتابية. إن هذه الطبعة
الجديدة تجدِّد الدم في هذا الحوار وتمده بأحدث الرؤى.

 

لماذا هذه الطبعة المنقحة؟

منذ
الطبعة الأولي لكتاب « برهان يتطلب قراراً» التي نشرت عام 1972 وتم تنقيحها ونشرها
مرة أخري عام 1979، ظهرت اكتشافات هامة جديدة تقدم مزيداً من الدعم للبرهان
التاريخي للإيمان المسيحي. فعلي سبيل المثال، كانت هناك اكتشافات أثرية جديدة.
ولقد عززت هذه الاكتشافات من مصداقية كلاً من العهد القديم والعهد الجديد.

إلا
أنه على مدى العشرين عاماً الماضية تأثرت ثقافتنا تأثراً كبيراً بالنظرة الفلسفية
التي يطلق عليها ما بعد الحداثة. واليوم يتساءل الناس عن ضرورة أو أهمية البرهان
على الإيمان المسيحي. إن منطق الشك الموجود على أرضنا وفي كل أنحاء العالم أتاح
الفرصة للفكر المضلل لمشروعات مثل «منتدى يسوع » أن تشوش وتبلبل فكر الناس بشأن
الهوية الحقيقية ليسوع المسيح.

ومن
خلال تقديم أحدث المعلومات، آمل أن تسلِّح هذه الطبعة الثالثة من كتاب «برهان
يتطلب قراراً » المسيحيين في القرن الحادي والعشرين بالثقة واليقين في سعيهم لفهم
إيمانهم والدفاع عنه.

 

كيفية الاستفادة من الكتاب؟

تهدف
هذه المذكرات إلى مساعدة الإخوة والأخوات في المسيح يسوع في كتابة الأبحاث وإلقاء
المحاضرات وتقديم عقيدتهم عن المسيح والكتاب المقدس، وعلاقة المسيحية بالقرن
الحادي والعشرين من خلال الحوارات داخل الفصول الدراسية أو الحوارات الشخصية مع
زملاء العمل أو الجيران.

لقد
عّلق الطلاب على كيفية استخدامهم لمذكرات المحاضرات هذه في الجامعة فقال أحدهم: استخدمت
مذكرات محاضراتك في الإعداد لثلاثة أحاديث ألقيتها في فصلي. وكان أولها عن الثقة
بالكتاب المقدس والثانية عن يسوع المسيح والثالثة عن القيامة.

وكتب
آخر قائلاً: إن المواد التي كتبتها شجعت الكثيرين منا هنا على التحدث في فصولنا..
إن شجاعة المسيحيين بدأت تظهر في كل مكان.

بينما
قال آخر: استخدمت هذه المذكرات في التحضير لخطاب في إحدى مسابقات الخطابة. ولقد
فزت في المسابقة وسوف ألقي نفس الخطبة عند التخرج. شكراً جزيلاً يا أخي.

وقال
أحد الأساتذة: لقد زَّودني كتابك بالكثير من المادة التي كنت أبحث عنها لأقدمها
لفصلي. شكراً جزيلاً.

وقال
أحد الرعاة: إن المعرفة التي اكتسبتها من قراءة كتابك أجابت على الشكوك المستمرة
التي كانت تساورني منذ دراستي بمعهد اللاهوت.

وقال
أحد العلمانيين: ساعدتني أبحاثك على تقييم المواد التي طُلب مني تدريسها في مدرسة
الأحد.

وأخيراً
قال طالب جامعي آخر: لو كنت قد حصلت على هذه الأبحاث العام الماضي، لكان بوسعي
الرد ببراعة على جميع أدلة النفي تقريباً التي أدلى بها أستاذ العهد القديم في
فصلي.

انتبه
إلى موقفك

إن
هدفنا من استخدام مذكرات المحاضرات هذه هو تمجيد وتعظيم الرب يسوع المسيح وليس
الفوز في إحدي المناظرات. فالبرهان ليس لإثبات كلمة الله ولكن بالحري لتقديم أساس
الإيمان. ويجب على المرء أن يتحلى بروح الوداعة والوقار عند استخدامه للبراهين
للدفاع عن العقائد المسيحية: « بل قدسوا الرب الإله في قلوبكم، مستعدين دائماً
لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم، بوداعة وخوف » (1 بط 3: 15).

فإذا
ما استعملت هذه المذكرات بعناية يمكن أن تحضّ المرء على التفكير الأمين في الرب
يسوع المسيح وتوجهه مرة أخرى إلى الموضوع الأساسي ألا وهو الإنجيل، وكما يقول
الكتاب المقدس في (1كو 15: 1-4).

عندما
أتحدث عن المسيح مع شخص لديه شكوك فدائماً ما أقدم له معلومات كافية تجيب على
أسئلته، ثم أحوِّل مجرى الحديث مرة أخرى إلى علاقة هذا الشخص مع المسيح. إن تقديم
برهان الإيمان المسيحي لا يجب أن يستخدم أبداً كبديل عن تقديم كلمة الله.

لماذا
حقوق الطبع؟

حقوق
الطبع محفوظة لهذه المذكرات، ليس للحد من استخدامها ولكن لحمايتها من سوء
الاستخدام ولحفظ حقوق المؤلفين والناشرين الذين أخذت عنهم وقمت بالتوثيق لهم.

لماذا
هذا الشكل التخطيطي؟

لما
كانت هذه المذكرات مدوَّنة على هذا الشكل التخطيطي ولما لم يتم تناول مواضع
الانتقال بين المفاهيم المختلفة بشكل مفصل، فإن الاستخدام الأمثل لهذه المادة هو
دراسة المرء للأجزاء المختلفة كل على حدة لتكوين عقائده الشخصية. ومن ثم تصبح
الرسالة نابعة من الشخص نفسه وليست ترديداً لآراء شخص آخر.

ولكن
الشكل التخطيطي لهذه المذكرات يمكن أن يؤدي بالمرء إلى سوء فهم فكرة أو مفهوم معين،
لذا يجب توخي الحذر في استنباط النتائج عند عدم وضوح المعنى. وهنا يمكن إعطاء
الأمر مزيداً من البحث والدراسة والرجوع إلى مصادر أخرى.

استثمار
الحياة

أنصح
القارئ بإضافة الكتب التالية إلى مكتبته حيث تتصل موضوعاتها بالجزءين الأول
والثاني من هذا الكتاب. وهي أيضاً كتب قيِّمة يمكن إهداؤها أو بيعها إلى مكتبة
الجامعة:

1- Archer, Gleason. A survey of
Old Testament Introduction. Moody Press

2- Bruce, F.F. The Books and the
Parchments. Fleming Revell.

3- Bruce, F.F. The New Testament
Documents: Are They Reliable? InterVarsity Press.

4- Geisler, Norman L., and
William E. Nix. A General Introduction to the Bible. Moody Press.

5- Henry, Carl (ed). Revlation
and the Bible, Baker Book House.

6- Kitchen, K.A. Ancient Orient
and Old Testament. InterVaristy Press.

7- Little, Paul. Know why You
Believe. InterVaristy Press.

8- Montgomery,John Warwick. History
and Christianity. InterVaristy Press.

9- Montgomery,John Warwick. Shapes
of the Past. Edwards Brothers.

10- Pinnock, Clark. Set Forth
Your Case. Craig Press.

11- Ramm, Bernard, Protestant
Christian Evidence, Moody Press.

12- Smith, Wilbur. Therefore
Stand. Baker Book House.

13- Stoner, Peter, Science
Speaks, Moody Press.

14- Stott, John R.W. Basic
Christianity, InterVarsity Press.

15- Thomas, Griffith,
Christianity Is Christ. Moody Press.

كما أنصح بالكتب
التالية وهي تتصل بالجزء الثالث

1- Cassuto, U. The Documentary
Hypothesis. Magnes Press. The
Hebrew University.

2- Free, Joseph P. Archaeology
and Bible History. Scripture Press.

3- Guthrie, Donald. New Testament
Introduction. interVarsity Press.

4- Harrison, R.K. Introduction to
the Old Testment, Wm. B. Eerdmans Publishing Company.

5- Kistemaker, Simon, The Gospels
in Current Study. Baker Book House.

6- Ladd, G.E. The New Testament
and Criticism. Wm. B. Eerdmans Publishing Co.

وتلك ثلاثة كتب ممتازة
لفهم نقد العهد الجديد
:

7- Marshall, Howard I, Luke:
Historian and Theologian, Zondervan Publishing House.

8- McNight, Edgar V. What Is Form
Criticism? Fortress Press (any in this series).

9- Perrin, Norman. What
is Redaction Criticism? Fortress Press.

وهذا كتاب ممتاز لفهم
الأشكال طبقاً لنقد الشكل
:

 Montgomery, Robert M. and
Richard W. Stegner. Auxiliary Studies in the Bible: Forms in the Gospels, The
pronouncement Story. Abingdon Press.

 

لقد غير حياتي

كتب
توما الأكويني: «هناك عطش للسعادة وفهْم مغزى الحياة داخل كل نفس». عندما كنت
مراهقاً،كنت مثالاً حياً لهذه المقولة. أردت أن أكون سعيداً وأن أجد معنى لحياتي،
كنت أبحث عن إجابات لثلاثة أسئلة أساسية: من أنا؟ لماذا أنا هنا؟ إلى أين سوف
أذهب؟ إنها أصعب أسئلة يواجهها المرء في الحياة، وفي تقديري أن تسعين بالمائة من
الناس ممن لا تزيد أعمارهم عن الأربعين لا يمكنهم الإجابة على هذه الأسئلة. لكن
كان داخلي عطش لأعرف معنى الحياة. وبدأت أبحث عن إجابة وأنا لا زلت طالباً يافعاً.

وحيث
نشأت، كان يبدو أن الجميع يهتمون بالدين فاعتقدت أنني ربما أجد إجابة لأسئلتي إذا
ما أصبحت متديناً، ومن ثم بدأت في حضور الاجتماعات بالكنيسة. وانخرطت في ذلك
تماماً. فكنت أذهب إلى الكنيسة صباحاً وبعد الظهر ومساءَ. ولكنني اعتقدت أنني ذهبت
إلى المكان الخطأ، لأنني شعرت بحالة أسوأ داخل الكنيسة مما كنت عليه خارجها. فكان
الشئ الوحيد الذي استفدته من تجربتي الدينية هو حصولي على خمسة وسبعين سنتاً في
الأسبوع، كنت أضع ربع دولار في طبق التقدمات وآخذ منه دولاراً، وهكذا أستطيع شراء
كوب من الآيس كريم.

نشأت
في مزرعة بولاية ميتشجن حيث يتصف معظم المزارعين بالواقعية والعملية الصارمة. فكان
أبي، الذي كان يعمل مزارعاً، يقول لي: إذا وجدت شيئاً غير صالح للاستخدام فضعه
جانباً. ومن ثم وضعت الدين جانباً.

ثم
فكرت في العلم لعلي أجد فيه ضالتي في رحلة البحث عن السعادة ومعنى الحياة. ومن ثم
التحقت بالجامعة. ويالخيبة الأمل! لعلَّ الوقت الذي أمضيته من حياتي داخل الحرم
الجامعي يفوق الوقت الذي أمضاه أي شخص في التاريخ. يمكنك أن تجد الكثير من الأشياء
في الجامعة، ولكن أن تلتحق بها سعياً وراء الحقيقة ومعنى الحياة هو قضية خاسرة لا
محالة.

ومن
المؤكد أنني كنت واحداً من أقل الطلاب شعبية على الإطلاق في الكلية التابعة لأول
جامعة التحقت بها. فقد كنت أتردد على أساتذتي في مكاتبهم بحثاً عن إجابات لأسئلتى.
وعندما كانوا يرونني قادماً، كانوا يطفئون الأنوار، ويسدلون الستائر ويغلقون
الأبواب حتى لا يضطرون للحديث معى. وسرعان ما أدركت أن الجامعة ليس بها ما أبحث
عنه من إجابات. فأساتذة الجامعة وزملائي الطلاب لديهم الكثير من المشكلات
والإحباطات والتساؤلات المحيرة عن الحياة مثلي تماماً. ومنذ بضع سنوات رأيت طالباً
سائراً في الحرم الجامعي وعلي ظهره لافتة تقول: لا تتبعني فأنا تائه. هكذا بدا لي
كل شخص في الجامعة. ولم يكن العلم هو الحل.

ومن
ثم قررت أن أجرِّب طريق المكانة الاجتماعية. وقد بدا لي أن هذا هو الطريق الصحيح.
وما على المرء إلا أن يجد قضية نبيلة ويخلص لها فيصبح مشهوراً. وفي الجامعة كان
رؤساء اتحادات الطلاب هم الأكثر وجاهة ومكانة فضلاً عن تحكمهم في الأمور المالية.
ومن ثم ترددت على المكاتب الطلابية المختلفة وانتُخبت. كان شعوراً رائعاً أن أعرف
جميع من في الحرم الجامعي، وأتخذ القرارات الهامة، وأنفق أموال الجامعة كيفما أشاء.
ولكن سرعان ما ذهب عني هذا الشعور تماماً كما حدث مع سائر الأشياء الأخري التي
جربَّتها.

كنت
أستيقظ صباح كل اثنين ولديَّ إحساس بالصداع بسبب الطريقة التي أمضيت بها ليلة
الأمس ولسان حالي يقول: «ها هي خمسة أيام أخرى مملة ورتيبة». وبالنسبة لي كانت
السعادة تنحصر في ليالي أيام ثلاثة الجمعة والسبت والأحد، وبعدها تبدأ دورة الحياة
المملة من جديد. لقد شعرت بخيبة الأمل بل واليأس. كنت أسعى لأجد ذاتي وهدفي في
الحياة. لكن كل ما جرَّبته تركني خاوياً ولم يجب على تساؤلاتي.

وفي
ذلك الوقت لاحظت مجموعة صغيرة من البشر في الجامعة مكوَّنة من ثمانية طلاب ينتمون
إلى كليتين مختلفتين. كان هناك شيئاً مختلفاً في هؤلاء الطلاب. لقد بدا وكأنهم
يعرفون طريقهم في الحياة كما كان لديهم شيئاً يعجبني كثيراً في البشر ألا وهو
اليقين. فأنا حقاً أحب أن اجتمع بأشخاص لديهم اليقين حتى لو كانت معتقداتهم تختلف
عن معتقداتي. فهناك قوة دافعة معينة في حياة ذوي المعتقدات الراسخة، وأنا أحب هذه
القوة.

ولكن
كان يوجد شيء آخر لاحظته في هذه المجموعة. وكان هذا الشئ هو المحبة. فأفراد هذه
المجموعة من الطلاب والأساتذة لم يقدموا فقط المحبة لبعضهم البعض، ولكنهم أبدوا المحبة
والعناية بأشخاص خارج المجموعة. لم يكونوا يتحدثون عن المحبة وحسب، بل كانوا
بالفعل يحبون الآخرين. كان هذا الأمر غريباً عني تماماً وأردت أن يكون عندي. ومن
ثم قررت أن أنضم إلى هذه المجموعة.

وبعد
حوالي أسبوعين، كنت أتحدث مع بعض أفراد هذه المجموعة المجتمعين بمقر اتحاد الطلاب.
وتطرقنا إلى الحديث عن الله. كنت متقلقلاً بالنسبة لهذا الموضوع ولكني تمالكت نفسي
لإخفاء ذلك.

اعتدلت
مستنداً إلى ظهر مقعدي متظاهراً بعدم الاهتمام، وقلت متبرِّماً: المسيحية.. إنها
للضعفاء وليست للأذكياء. ولكن في قرارة نفسي أردت أن يكون عندي هذا الشيء الذي
لديهم. ولكن بسبب غروري ومركزي في الجامعة لم أظهر ذلك أمامهم، ثم التفت إلى إحدي
فتيات هذه المجموعة وقلت لها: قولي لي ما الذي غيَّر حياتكم؟ لماذا أنتم مختلفون
هكذا عن سائر الطلاّب في الجامعة؟.

نظرت
إلى عيني مباشرة وقالت عبارة من كلمتين لم أكن أتوقع سماعها في حوار ذكي داخل
الجامعة كهذا الحوار. قالت: يسوع المسيح.

قلت
بحدة: يسوع المسيح؟ لا تتحدثي إليَّ بمثل هذا الكلام الفارغ. لقد سئمت الدين
والكتاب المقدس والكنيسة.

أجابت
بسرعة: أنا لم أقل ‘الدين’ ولكني قلت ‘يسوع المسيح’.

أندهشت
لشجاعة الفتاة ويقينها واعتذرت عن تصرفي ثم قلت لها: ولكنني سئمت الدين والمتدينين
ولا أريد شيئاً من هذا القبيل.

وإذا
بأصدقائي الجدد يضعون أمامي تحدياً لم أستطع تصديقه. وكان التحدي أنه باعتباري
طالباً دارساً للقانون علىَّ أن أدرس من الناحية العقلية والمنطقية صحة الفرض القائل
بأن يسوع المسيح هو ابن الله. اعتبرت الأمر مجرد مزحة وأن هؤلاء المسيحيين حمقى،
إذ كيف يمكن لشئ هش وضعيف كالمسيحية أن يرقى إلى مستوى الدراسة المنطقية؟ وسخرت من
تحديهم لى.

ولكنهم
لم يتخلوا عن موقفهم. واستمروا في تحديهم لي يوماً بعد يوم حتى ضيَّقوا عليَّ الخناق.
ولما سئمت إصرارهم وإلحاحهم قبلت أخيراً تحديهم ليس لشئ سوي أن أفند مزاعمهم. قررت
أن أؤلف كتاباً يجعل من المسيحية مزحة عقلية. تركت الجامعة وطُفت الولايات المتحدة
وأوروبا أجمع الأدلة والبراهين لإثبات أن المسيحية ليست إلا كذباً وخداعاً.

وفي
أحد الأيام وبينما كنت جالساً في إحدى مكتبات لندن بإنجلترا شعرت وكأن صوتاً داخلي
يقول لي: «ليس لديك يا جوش دليل تستند إليه». ولكنني أخمدت هذا الشعور في الحال.
إلا أن هذا الصوت أخذ يتردد داخلي كل يوم منذ ذلك الحين. وكلما بحثت أكثر، كلما
كنت أسمع هذا الصوت. عدت إلى الولايات المتحدة وإلى الجامعة ولكن النوم فارق
أجفاني. فلو أنني خلدت إلى النوم في العاشرة مساءَ، كان من الممكن أن أظل مستيقظاً
حتى الرابعة صباحاً محاولاً أن أدفع عني البراهين القوية التي جمعتها والتي تثبت
أن يسوع المسيح هو ابن الله.

بدأت
أدرك أنني غير أمين في تفكيري إذ كان عقلي يقول لي إن المسيح هو بالحقيقة ابن الله
ولكن إرادتي كانت تسلك مسلكاً آخر. لقد عزمت بشدة على أن أجد الحقيقة، ولكنني لم
أكن أرغب في اتِّباعها حين عرفتها. بدأت أشعر أن الرب يسوع نفسه يضع أمامي تحدياً
بقوله في (رؤيا 3: 20) «هنذا واقف على الباب وأقرع إن سمع أحد صوتي وفتح الباب،
أدخل إليه وأتعشي معه وهو معي». ولكن أن أصبح مسيحياً أمر من شأنه أن يحطم ذاتي.
فلو أنني فكرت في طريقة أسرع من هذه لأفسد كل أوقاتي الطيبة لما وجدت.

وكان
عليَّ أن أحسم هذا الصراع الداخلي لأنه كان يقودني إلى حافة الجنون. كنت دائماً
أعتبر نفسي شخصاً متفتح العقل، لذلك قررت أن أضع تعاليم المسيح موضع الاختبار. وفي
إحدى الليالي بمنزلي في مدينة يونيون بولاية ميتشجن، في نهاية السنة الثانية
لدراستي بالجامعة صرت مسيحياً. ويقول قائل: «كيف تعرف أنك صرت مسيحياً؟» كنت هناك
مع أحد أصدقائي المسيحيين وصليت ذاكراً أربعة أمور هي أساس علاقتي بالله.

أولاً:
قلت مصلياً: «أيها الرب يسوع شكراً لموتك من أجلي على الصليب». وأدركت أنني لو كنت
الشخص الوحيد في هذا العالم، لكان المسيح قد مات من أجلي أيضاً. ربما تعتقد أن
الأدلة العقلية التي لا تدحض هي التي جعلتني أؤمن بالمسيح. كلا، إن هذه الأدلة
ليست إلا طريقة الله الخاصة في الدخول إلى حياتى. أما ما جعلني أؤمن بالمسيح هو
إدراكي لمحبته لي وموته من أجلي.

ثانياً:
قلت مصلياً: « أعترف بأنني خاطئ». ولم تكن هناك حاجة لأن يخبرني أحد بذلك. كنت
أعرف أن هناك أشياء في حياتي لا تتفق وطبيعة الله القدوس البار الكامل. يقول
الكتاب المقدس: «إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل، حتى يغفر لنا خطايانا
ويطهرنا من كل إثم». (1يو 1: 9). ولذلك قلت: «يارب اغفر لي».

ثالثاً:
قلت مصلياً: «الآن وعلي قدر استطاعتي أفتح لك أبواب حياتي من الداخل وأضع ثقتي فيك
مخلصاً ورباً. تولَّي أنت قيادة حياتي. غيرني مبتدئاً من الداخل. اجعلني على
الصورة التي خلقتني لها».

وأخيراً
قلت مصلياً: «شكراً لدخولك إلى حياتى».

لم
يحدث أي شئ بعد أن صليت. فلم تظهر الصواعق في السماء. ولم أعطى جناحي ملاك. وإن
كان شيئاً قد حدث، فإنني شعرت بحالة أسوأ بعدما صليت، شعرت بالاعتلال الجسدى. كنت
أخاف أن أكون قد اتخذت قراراً عاطفياً يمكن أن أندم عليه فكرياً فيما بعد. ولكنني
كنت أخاف أكثر مما سيقوله عني أصدقائي عندما يعلمون بالأمر. لقد شعرت حقاً أنني
ضللت الطريق.

ولكن
على مدى الثمانية عشر شهراً التالية تغيرت حياتي بالكامل. وكان من أهم وأكبر
التغيرات التي حدثت لي هو طريقة رؤيتي للآخرين. أثناء فترة دراستي بالجامعة، وضعت
رؤية للخمسة والعشرين سنة التالية من حياتي. كان هدفي الأسمى هو أن أصبح حاكماً
لولاية ميتشجن، وعزمت أن أحقق هدفي عن طريق استخدام الناس حتى أصعد سلم النجاح
السياسي – فكان تصوري عن الآخرين أنهم أدوات يجب استغلالها. ولكن بعد أن وضعت ثقتي
في المسيح تغير فكري. فبدلاً من استخدام الآخرين لخدمتى، أردت أن أكون أداة
تُستخدم لخدمة الأخرين. لقد أصبحت غيرياً بعد أن كنت أنانياً وكانت هذه نقطة
تحوُّل هامة في حياتي.

شيء
آخر بدأ يتغير في حياتي ألا وهو طبعي الحاد. إذ كان غضبي يستشيط إذا ما نظر أحدهم
لي شذراً. ولا زالت آثار الجروح ظاهرة على جسدي من جرَّاء إحدي المشاجرات كنت فيها
على وشك أن أقتل رجلاً وذلك في أثناء فترة دراستي بالسنة الثانية بالجامعة. وحدَّة
الطبع هذه كانت متأصلة فىَّ لدرجة أنني لم أحاول تغييرها بشكل واع. وفي أحد الأيام
عندما واجهتني أزمة والتي كانت من الممكن في الأحوال العادية أن تثير حفيظتى،
أكتشفت أن حدَّة طبعي قد تلاشت. وبالطبع فإني لست كاملاً، ولكن التغيير الذي حدث
لحياتي كان هاماً وخطيراً.

ولعل
أهم تغيير حدث لي يتعلق بالكراهية والحنق. نشأت مفعماً بالكراهية الموجهة بشكل
رئيسي إلى رجل واحد كنت أكرهه أكثر من أي شخص آخر على وجه الأرض. كنت أحتقر كل شئ
يمثله هذا الرجل بالنسبة لى. وأتذكر أنني لما كنت صبياً صغيراً كنت وأنا راقد في
فراشي ليلاً أفكر في طريقة أقتل بها هذا الرجل دون أن تلقي الشرطة القبض عليَّ.
كان هذا الرجل هو أبي.

وفي
فترة نشأتى،كان أبي هو سكِّير البلدة. فلم أكد أراه صاحياً قط حتى أن أصدقائي
بالمدرسة كانوا يتبادلون النكات ساخرين منه وهو يرقد في حالة مزرية على الأرض وسط
البلدة. وكان لسخريتهم أثر عميق في نفسي، ولكنني ما أبديت هذا لأحد قط. كنت أمزح
معهم وظلت آلامي سراً داخلي.

كنت
أحياناً أجد أمي في الحظيرة ترقد وسط أكوام السماد خلف الأبقار بعد أن ضربها أبي
بخرطوم المياه حتى لم تستطع النهوض. ولا يهدأ حنقي عليه حتى آخذ على نفسي هذا
العهد: عندما أصبح قوياً بما فيه الكفاية سوف أقتله.

وعندما
كنا نتوقع استقبال بعض الزوَّار يكون أبي ثملاً، كنت آخذ بعنقه وأجرُّه إلى
الحظيرة وأوثقه. ثم أقود شاحنته إلى خلف صومعة الأعلاف حيث أتركها هناك وأخبر
الجميع أن لديه موعداً، وهكذا لا تتعرض العائلة إلى موقف محرج. وعندما كنت أوثق
يديه ورجليه،كنت ألفّ جزءاً من الحبل حول عنقه. كنت أتمنى أن يحاول الفكاك فيختنق.

وقبل
تخرجي بشهرين في المدرسة الثانوية عدت إلى المنزل لأسمع بكاء أمي. ركضت إلى حجرتها
حيث رأيتها تجلس على الفراش. قالت لى: لقد كسر أبوك قلبي يا بني. أخذتني أمي بين
ذراعيها وأحتضنتني قائلة: لقد فقدت الرغبة في الحياة. كل ما أتمناه أن أحيا حتى
تتخرَّج ثم أموت.

وبعد
مرور شهرين تخرجت وفي الجمعة التالية ماتت أمى. أعتقد أنها ماتت بعد أن انكسر
قلبها. وأبغضت أبي لهذا السبب. وإذا لم أترك المنزل بعد الجنازة بأشهر قلائل
لألتحق بالكلية، فربما كنت قد قتلته.

ولكن
بعد أن قررت أن أضع ثقتي في يسوع كمخلِّص ورب، غمرت محبة الله حياتي. إذ انتزع
بغضتي لأبي وحوَّلها إلى محبة. وبعد أن صرت مسيحياً بخمسة أشهر، إذا بي أنظر إلى
أبي وأقول له: أبي إنني أحبك. لم أكن أريد أن أحب هذا الرجل ولكنني أحببته. لقد
غيرَّت محبة الله قلبي.

وبعد
أن انتقلت إلى جامعة ويتون، حدث لي حادث سيارة خطير كنت فيها ضحية لسائق مخمور.
انتقلت من المستشفى إلى المنزل حتى أتعافى، وجاء أبي لرؤيتي. ولاحظت أنه كان
صاحياً في ذلك اليوم. بدا عليه القلق وهو يذرع الحجرة جيئة وذهاباً، ثم قال فجأة: كيف
يمكنك أن تحب أباً مثلي؟

أجبته:
أبي، منذ ستة أشهر كنت أكرهك وأحتقرك. لكنني وضعت ثقتي في يسوع المسيح ونلت غفران
الله وهو غيَّر حياتي. لا يمكنني شرح كل شئ يا أبي. لكن الله انتزع مني كراهيتي لك
وأبدلها بالمحبة.

تحدثنا
لما يقرب من الساعة ثم قال لي: يا بني، إن كان الله يستطيع أن يفعل بحياتي ما فعل
بحياتك فإنني أريد أن أعطيه الفرصة ليفعل ذلك. وصلَّي قائلاً: يا الله، إن كنت أنت
بالحقيقة هو الإله وكان يسوع قد مات على الصليب كي يغفر لي ما فعلته بعائلتى،
فإنني أحتاج إليك. وإن كان يسوع يستطيع أن يفعل بحياتي مثلما فعل في حياة ابني،
إذاً فإنني أريد أن أضع ثقتي فيه كمخلص ورب. إن سماعي صوت أبي وهو يردد هذه الصلاة
من أعماق قلبه كان من أسعد اللحظات في حياتي.

بعد
أن وضعت ثقتي في المسيح، تغيرت حياتي تغيراً جذرياً في فترة تتراوح بين ستة إلى ثمانية
عشر شهراً. لكن حياة أبي تغيرت أمام عيني مباشرة،كما لو أن شخصاً مد يده إلى
أعماقه وأضاء مصباحاً هناك. ولم يعد أبي إلى معاقرة الخمر إلا مرة واحدة فقط بعد
ذلك الحين. ولم يصل الشراب إلى أبعد من شفتيه، وكانت تلك هي المرة الوحيدة بعد
أربعين سنة من الإدمان! ومنذ ذلك الحين لم يعد بحاجة إليه. وبعد أربعة عشر شهراً
مات أبي من جرَّاء مضاعفات إدمان الخمر. ولكن أثناء فترة الأربعة عشر شهراً هذه
سلّم أكثر من مائة شخص في محيط بلدتنا الصغيرة حياتهم للرب يسوع المسيح بسبب
التغيير الذي رأوه في حياة أبي «سكِّير البلدة».

يمكنك
السخرية والازدراء بالمسيحية. لكنها مجدية وفعاَّلة. إذا وضعت ثقتك في المسيح
وبدأت تراقب مواقفك وأفعالك فإن الرب يسوع المسيح على استعداد أن يغيِّر حياتك.

ليست
المسيحية أمراً مفروضاً عليك، فكل منا يود أن يحيا بالطريقة التي يحبها. كل ما
يمكنني فعله هو أن أخبرك بما عرفته واختبرته، وبعد ذلك فالخيار لك.

وربما
تساعدك الصلاة التي رددتها: «أيها الرب يسوع، أنا بحاجة إليك. شكراً لموتك على
الصليب من أجلى. اغفر لي وطهِّرني. الآن أضع ثقتي فيك مخلصاً ورباً. غيرني إلى
الصورة التي خلقتني لأحياها. في اسم المسيح، آمين».

جوش
مكدويل

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى