اسئلة مسيحية

المساكن التى أقام بها بولس الرسول



المساكن التى أقام بها بولس الرسول

المساكن التى أقام بها
بولس
الرسول

مقدمة

يهوذا- ليديا

سجان فيلبي- ياسون

أكيلا وبريسكيلا- يوستس

فيلبس المبشر- مناسون

بوبليوس رئيس هذا الموضع

 

مقدمة

في
سفر الأعمال نجد عشرة منازل أقام فيها بولس. نرى فيها بيوتاً متنوعة، كل منها كان
متوافقاً مع تعليم الرسول بولس. ويمدنا بالأسس التي تضمن لبيوتنا البركة والحفظ.
ونحن لا ننظر إلى بولس كخادم مكرس لله فقط بل كان يُمثل كل مقاصد الله التي خدم
بها وأعلنها.

والعدو
يسعى جاهداً إلى إزعاج وقلقلة وانقسام بيوت القديسين: “لا تكمن أيها الشرير
لمسكن الصديق. لا تُخرب ربعه (أو منزله)” (أمثال24: 15). إنه مما يميز هذا
العالم الخراب والتشويش الذي يتسلل إلى بيوتنا. ونحتاج أن نسهر ضد هذه الشرور حتى
وإن ظهرت كثعالب صغيرة (نشيد الأنشاد2: 15). والتلفزيون من أكثر الأدوات الفعالة
التي يستخدمها إبليس لكي يطرد الهدوء من البيت ويُدخل عقبات كثيرة تعرقل التقوى
ومخافة الرب.

 

يهوذا-
ليديا

والبيت
الأول هو الذي يُلفت انتباهنا هو بيت يهوذا (أعمال9: 10- 19). وقبل ذلك ولوقت كان
بولس الذي هو شاول، من طرسوس، وكان مقداماً للذين يقاومون المسيحية، وباجتهاد
وذكاء كان يرسم الخطط للإمساك بأولئك الذين يتبعون ويحبون الرب يسوع. ويا له من
يوم مشهود عندما أشرق عليه نور من السماء فسقط على الأرض وعرف يسوع كالرب. ولقد
تغيرت حياته تغييراً كاملاً وبسرعة مدهشة فذلك العملاق المتدين الذكي صار كطفل
صغير تُمسكه الأيدي لتقوده.

وأُقتيد
إلى بيت يهوذا وهناك استرد بصره. وهذه الحادثة تشير إلى النفس التي تنال البصيرة
الروحية. فإذا عرفنا أن الخلاص في مجمله هو عمل الله المُطلق، ولكنه يستخدمنا نحن
لقيادة النفوس إلى المسيح وإلى معرفته معرفة أعمق. وهذا ما يمثله لنا بيت يهوذا.
كما نجد ملامح أخرى نستقيها من هذا البيت يمكن تطبيقها على أنفسنا خاصة في مجال
مساعدة الآخرين- وهي أربعة نقط 1-المكان (ع11)، 2-الصلاة (ع11)، 3-الطعام (ع19)،
4-الشركة (ع19).

كان
يهوذا يسكن في شارع يُدعى المستقيم. أنحن كذلك؟ أم أن تعاملاتنا تتصف بالالتواء
والخداع؟ ولا ننسى قول الرسول: “معتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس”
(رومية12: 17 قارن أيضاً 2كورنثوس8: 21 مع1 تسالونيكي 5: 22). ليتنا نحرص دائماً
ليكون سيرنا أمام عيني الله وأن تصبح أعمالنا مرضية أمامه. وإن كان الآخرون لا
يعرفون دوافع قلوبنا، فإننا نحتاج أيضاً أن نعتني بسلوكنا الظاهري لكي نتجنب كل ما
يثير الشُبهات أو الشكوك فتعكس تأثيراً سيئاً على الرب وعلى الشهادة التي نحملها،
هذا بالإضافة إلى وجوب نقاوة دوافعنا

وأريد
أن أكون أكثر صراحة معك يا قارئي: أندفع ديوننا عندما نُطالب بها (رومية13: 8).
أنُسدد الضرائب التي هي من حق الحكومة (مت22: 21). أنحن صادقون فيما نتكلم (أمثال
16- 19)، وهل أقوالنا وتصرفاتنا فوق أي شبهة (مزمور19: 14، 1تيموثاوس4: 12)؟ هذا
ما يعنيه عملياً قولنا (رمزياً) إننا نسكن في زقاق يُدعى المستقيم. أما إن كنا
نسكن في زقاق غامض أو مشبوه فلنتحرك نحو زقاق المستقيم.

وعندما
وصل حنانيا إلى بيت يهوذا، وجد شاول يصلي. أهذه هي الروح التي تسود بيوتنا؟ أم
ينفجر منها بركان الغضب، والنقد اللاذع، والكلمات القاسية، وعدم التسليم، والغيرة،
والاغتياب، والتسليات الجسدية؟ وإن كنا كذلك، فليتنا نتضع أمام الله ونحكم على هذه
الخطايا. إننا لا نتوقع أن يكون لنا بيوت سعيدة ومُسرة إن كنا نسمح للجسد أن يجد
مجاله “لأنه حيث الغيرة والتحزب فهناك التشويش وكل أمر رديء” (يعقوب3: 16).

وعندما
أبصر شاول تناول طعاماً فتقوى. ربما تمتلئ دواليب المطبخ من أنواع الأطعمة
لأجسادنا، ولكن هل نحن قادرون على تجهيز الطعام الروحي؟ قد تكون لنا رفوف مليئة من
كتب التفاسير وقواميس الكتاب ومع ذلك تكون نفوسنا جائعة. إنه يلزمنا أن نتغذى على
الكلمة لأنفسنا لكي نُقدمها مناسبة ونافعة لهم. وأحياناً فإن شهيتنا الروحية
للطعام الجيد تقل بالوجبات الخفيفة قليلة الفائدة، ثم ألا نجد أن شهيتنا لأمور
الله قد تتعوق عندما نأكل وجبات خفيفة وسريعة أو بالحري عندما نلتهم الكثير من
الآداب وثقافات هذا العالم؟ فإن كنا ما نقرأه يُضعف رغبتنا لكلمة الله ويُقلل من
تقديرنا لكنوز الكلمة، ومتى تحققنا من ضررها علينا فلنسعى بالنعمة أن نطرح جانباً
في العقائد الدينية.

لقد
دُعي شاول ليتناول طعاماً ويكون في شركة مع بقية القديسين. ويا لها من أهمية تلك
الشركة مع إخوتنا. لقد قيل عن هؤلاء الإخوة أنهم “التلاميذ” الذين
اتبعوا الرب. ونحتاج إلى رفقة أولئك الذين يقدمون عوناُ روحياً لنا (مزمور119: 63،
ملاخي3: 16). وبالتأكيد فلا بد أن تتوفر لنا الرغبة الجادة لتقديم العون والرعاية
لكل الإخوة، ولكن من خلال كلمة الله تبرر أهمية حفظ شركتنا مع الذين يسيرون في
الحق، ولا يعني هذا بأي حال أن ندّعي أننا أفضل من غيرنا، بل نُعبّر عن شديد
احتياجنا للذين يسلكون في الحق لئلا ننحرف إلى طريق آخر.

إن
الاستقامة في كل طرقنا، والصلاة، والتغذية الروحية، والشركة مع القديسين جميعها
ضرورية لنا إذا ابتغينا تقدم نفوسنا ومساعدة الآخرين في الطريق الصحيح. ولعل تلك
الاختبارات إذا توافرت تُزين بيوتنا.

في
أعمال 16 دُعي بولس برؤيا أن يذهب إلى مكدونية (أع16: 11- 15).. وقد ألزمت ليديا
بولس والذين معه أن يمكثوا في بيتها. وكانت دعوتها مبنية على سؤالها لهم إن كانوا
قد حكموا على كونها مؤمنة بالرب. أهذا السؤال نريد أن نطرحه على الأتقياء لكي
يجيبوننا عليه؟ ثم ماذا وجدوا في ليديا لكي يعطوها قراراً محدداً؟ في الحقيقة لا
بد أنهم رأوا في ليديا ما يستحق الثناء، وهذا ما نريد أن نتأمله فيما قرأناه عرضاً.
ومن المفيد أن نلاحظ هذه السمات الإيجابية التي كانت ليديا لتكون في حياتنا نحن.
كانت ليديا بائعة أرجوان. وربما كانت أرملة، وإن كان الكتاب لم يشير إلى ذلك،
وكانت مسئولة عن إعاشة الذين في بيتها، ولا بد أنها كانت تبيع أثواب الأرجوان
لتسدد حاجتها. ومع هذه الالتزامات، فقد وجدت وقتاً لتصلي مع سائر النساء في يوم
السبت. وربما كان يوم السبت ضرورياً للعمل، ولكن كان أمامها أولوية أخرى. إنه سؤال
يفحصنا نحن، أنضع المكسب الأرضي أولاً قبل الفائدة الروحية؟. وإذا كان يوم السبت
راحة لبعض منا فالسؤال هنا كيف نقضي وقتنا الفائض؟ كانت لليديا عادة الذهاب إلى
اجتماع الصلاة. أهي عادتنا نحن أن نكون في اجتماع الصلاة؟ لقد حكم بولس على ليديا
بأنها مؤمنة بالرب فما هو حُكمه علينا نحن؟

كانت
تذهب خارج المدينة بجانب النهر، لا لكي تستجم، بل لكي تصلي. إنها صورة مصغرة لأن
نطرح بعيداً العالم وتشويشه (المدينة) لتكون لنا أفكار نقية ومتجددة بكلمة الله
التي يقودها لنفوسنا روح الله (النهر). وهناك كان بولس يخدم وليديا تُصغي جيداً
للكلمة. كم هو مُسّر لنفوسنا لا أن نُصغي فقط، بل أن نسمع بشغف لخدمة الكلمة.
فأحياناً تنشغل أذهان الإخوة كثيراً بما عليهم أن يقولوه من تأملات وتعليقات بعدما
ينتهي المتكلم في اجتماع قراءة الكتاب، وغالباً ما يجهلون ما قاله الأخ في كلامه
لأنهم كانوا منصرفين عنه. فهذا يتطلب منا مجهوداً فعلياً لنصغي جيداً، وتدريباً
شخصياً لنُصغي باهتمام للكلمة.

ولقد
فتح الرب قلب ليديا لتُصغي إلى الكلمة وتتجاوب في العبادة والسجود. فإن كانت
قلوبنا صحيحة فسيكون لنا كلاهما من الإصغاء والتجاوب ومن المهم أن نتجاوب في الشكر
والسجود لله كيفما كان قياس معرفتنا. لقد اعتمدت هي وأهل بيتها وصاروا في رباط
خارجي بالمسيح وانفصال عن العالم الوثني.

ومن
الملذ لنا أيضاً أن نعرف أن ليديا كانت تعيش في منطقة مكدونية مع أن مدينتها
ثياتيرا وهي على الجانب الآخر من بحر إيجة في آسيا. وكان الروح قد منع بولس أن
يتكلم بالكلمة في آسيا، وكانت ليديا قد أتت من آسيا إلى مكدونية لتسمع الكلمة. وكم
يعزي نفوسنا أن نرى الله يهيمن على كل شيء قاصداً البركة. وفي رؤيا يوحنا، نجده
يخاطب الكنيسة في ثياتيرا (رؤيا2: 18- 29) ويحذرها من جهة “المرأة
إيزابل” مشيراً إلى حالتهم الروحية. ومع أن “ليديا” كانت من
ثياتيرا ولكنها لم تكن هناك. لتدلل على انفصالها من روح إيزابل. كان خضوع ليديا
وتقواها من الأمور الحلوة إذا قورنت بالمباينة مع إيزابل في طرقها المتعالية
والبارعة الحيل.

بقيت
لنا نقطة هامة نذكرها من جهة بقاء بولس ورفاقه في بيت ليديا. فلم تكن ليديا وحدها
في ذلك البيت، بل كانت مسئولة عن بيتها، ولذلك لا نجد شُبهة شر لرجال يبقون في
البيت. ونحن نذكر هذه الزاوية لما نراه من ازدياد النشاط المشترك للشبان والشابات
غير المتزوجين وما يصاحبه من انحلال أدبي وتداخل عاطفي. إنها خطوات محددة تقود إلى
السقوط في الزنا. ولكن متى توفرت الحساسية لقيادة الرب وتوجيهه في أي علاقة كانت،
فإنه سيحفظ من السقوط في هذه الخطية بالذات. ربما يسخر البعض من حكمة الله هذه
ويقول إنها نصائح قديمة، ولكن يوماً ما سيعترف هؤلاء قائلين “هوذا قد حمقتُ
وضللتُ كثيراً جداً” (1صم26: 21). كم نحتاج أن نتذكر أن “المتكل على
قلبه هو جاهل” (أم28: 26)، ومن يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط” (1كو10:
12).

 

سجان
فيلبي- ياسون

بعد
ذلك عاد بولس وسيلا إلى بيت ليديا بعد أن قضيا وقتاً في السجن، وقبل أن يعودا بقيا
في بيت سجان فيلبي وقتاً (أعمال16: 23- 34). وكان هذا السجان قد أوسع خادما الله
ضربات كثيرة بالعصي لساعات طويلة حتى جرّحهما. ونحو نصف الليل وفي الظلمة الحالكة
كان بولس وسيلا يصليان ويسبحان الله والمسجونون يسمعونهما. واستجاب الله إذ أرسل
زلزلة عظيمة فاستيقظ السجان بجسده وبنفسه أيضاً. وطلب ضوءاً. لم يطلب فقط أن يرى
ما حدث ولكنه أراد النور لنفسه التي كانت في ظلمة نصف الليل. ألنا تدريبات داخلية
في امتلاك النور لنفوسنا؟ أم أننا تحولنا وهجرنا تلك التدريبات التي كنا نمتلكها
قبلاً؟ “من يعمل الحق يأتي إلى النور”. “كل من يعمل الشر يبغض
النور” (يو3: 21و 20). وهل نحن سعداء أن تكون طرقنا مكشوفة بنور كلمة الله؟.

وكان
تجاوب السجان عند سماعه الإنجيل البسيط هو تغيير حياته بالكامل، مُشبّهاً بتجديد
بولس. وحافظ السجن القاسي والفظ أصبح الحاني الرقيق، فقد غسلّهما من الجراحات
بالماء لشفائهما وإنعاشهما. إن الكثير من القديسين لهم أحزان وأوجاع كثيرة ونفعل
حسناً أن نستخدم ماء الكلمة بلطف للتطهير والتسكين والإنعاش. وربما نكون أكثر
اعتياداً على استخدام الكلمة لتخترق كالسيف أو كنور نُسلطه مباشرة ولكننا نحتاج أن
نستخدمها كذلك للتعزية والتشجيع. ربما سببنا جروحاً للقديسين كما فعل السجان،
أيمكننا أن نعود لشفاء تلك الجروح ونُصحح ما أفسدناه؟ ثم قدّم لهما السجان مائدة،
ولكن ما كان أعظم من شكر بولس له لأجل ما أظهر من رحمة من نحو جسده، هو فرح بولس
مع الملائكة بخاطئ يتوب. ومن المشجع أن حافظ السجن قَبِلَ كلمة الخلاص التي سمعها
من بولس لتكون لأهل بيته أيضاً. إذ سمح لكلمة الرب بسلطانها أن تُكرز لكل بيته.
واعتمد أيضاً جميعهم ليصبح الكل في ارتباط خارجي بالرب يسوع المسيح.

ومن
فيلبي، سافر بولس إلى تسالونيكي حيث قُبل في بيت ياسون (أعمال17: 5- 9). وفي
الثلاثة البيوت السابقة التي أقام فيها بولس رأينا الملامح الأدبية التي تتوافق مع
خدمة الرسول، أما في بيت ياسون فنرى نتائج قبول بولس وخدمته. فالاضطهاد والاتهامات
الكاذبة ليست من الأشياء السهلة التي نقبلها. ونحن نهرب منها إذا رأينا ظلالها من
بعيد. ومع ذلك فالذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يُضطهدون (2تي3: 12).
وهناك عنصران أساسيان قاوما بولس، ونجدهما في سفر الأعمال: اليهودي والأممي.
والاضطهاد والمقاومة أتت من كل منهما. وهكذا نجد هذين العنصرين يقاوموننا حتى ذلك
اليوم: الأممي الذي يتحدث بالشر على المؤمن لأنه لا يجري معه إلى فيض الخلاعة
(1بط4: 3- 4). والامتناع عن السير مع العالم في حفلاته واتباع أساليب الجسد قد تضع
المؤمن في مساءلة واتهام قانوني. ونحتاج أن نتذكر أنه تأتينا الضغوط والاضطهادات
من هذا الجانب.

وبالإضافة
إلى ذلك، فهناك مقاومة من العنصر اليهودي. لقد دُعي المؤمن أن يخرج إلى المسيح
خارج المحلة (اليهودية) حاملاً عاره (عب13: 13). والمفاهيم اليهودية تخللت إلى
المسيحية. وحاول الإنسان أن يجعل المسيحية عقيدة أرضية فأدخلوا إليها كل شراك
المحلة. وعلينا أن نتبع مسيحاً مرفوضاً وأن نترك الناموس، والكهنوت الخاص المرسوم،
والهيكل، وبقية الموضوعات اليهودية وما يتبعها. فالمسيح في المجد هو المشغولية
المحددة لقلوبنا.

لقد
حُسب ياسون، عندما قبل بولس، أنه يعمل ضد أحكام قيصر. ويا له من اتهام كاذب، لقد
أطاع بولس الله وهذا أتى به وبالذين مثله (نظير ياسون) إلى تصادم مع اليهودي
والأممي على السواء.

 

أكيلا
وبريسكيلا- يوستس

تحرك
بولس إلى بيريه، ثم أثينا، ووصل إلى كورنثوس وأقام في بيت مع أكيلا وبرسكيلا (أع18:
1- 3) كانت كورنثوس مدينة مليئة بالشر والرذيلة. ولقد تأثر القديسون هناك بطرق
الكورنثيين كما نرى في الرسالة الأولى التي أرسلها بولس لهذه الكنيسة. وعلى أية
حال فإننا نجد هناك نقطاً مضيئة مثل بيت استفانوس، إذ رتبوا أنفسهم لخدمة الرب
وشعبه (1كو16: 15). ومن الأمور المشجعة أن نرى ليس فقط الأفراد بل البيوت تعمل
لأجل الرب وسط شر العالم وتشويش الكنيسة المحلية. لقد تحرّك أكيلا وبرسكيلا من
روما إلى كورنثوس. وأخيراً اتجها إلى أفسس. وتحركهما هذا يشرح بطريقة رمزية،
الترتيب الصحيح لنمو النفس: فالرسالة إلى رومية تضع أسس حقائق الإنجيل ومركز
المؤمن في هذا العالم. والرسالة الأولى إلى كورنثوس تعطينا تعاليم تخص الكنيسة
المحلية، والخطوة الواضحة التالية لنفس قد قبلت الإنجيل مرة. ثم يجب أن تكتسب
فهماً وتمتعاً لأسمى الحقائق الواردة في رسالة أفسس. ولا يمكننا أن نُحرز تقدماً
لنفوسنا بعيداً عن اختبارات النفس والتدقيق في السلوك.

ثم
نلاحظ أن أكيلا وبرسكيلا اتصفا بمسلك السائح الغريب، فقد كانا صانعا خيام. ومن
الصعب علينا أن نبقى في بساطة العيش مع أنه يمكننا أن نكون أغنياء، أما أكيلا
وبرسكيلا فقد عاشا في بساطة لأنهما استمرا مع الرسول بولس في خدمته. قد نواجه ظروف
ومواقف نشعر فيها بعدم الرضى. فربما نمتلك مسكناً فخماً ولكننا نعاني من الضغوط
والصراعات. وعلى الرغم من مظهر الغنى غير أنه يحيطنا الفراغ والقلوب الجريحة. إنه
من امتيازنا ومسئوليتنا كذلك أن ننصرف عن مسراتنا الذاتية لنعطي أنفسنا وبيوتنا أيضاً
لخدمة الرب. إنه بذلك نعطي مكاناً لبولس أن يقيم، المكان الذي يتوافق أدبياً مع
تعليمه. والكتاب يُعلّمنا صراحة أن الغنى لا يهب السعادة. ونجد في سليمان مثلاً
قوياً للشخص الذي كانت له كل الموارد الأرضية بوفرة هائلة ومعها كآبة النفس (قارن
أيضاً أمثال15: 16- 17، 16: 8و19، 17: 1). ليت اختيارنا يقع على ما يسميه الله في
الأعداد السابقة “خير” أو “أفضل”.

هل
حياتنا تتصف بالاعتدال؟ أنُسدّد ما علينا من فواتير وكمبيالات أم نتصرف بوسائل غير
أمينة؟ “المقترض عبد للمقرض” (أمثال22: 7). وليس لنا أن نُعطي الرب
مالاً، إن كان هذا المال قد اقترضناه من آخرين ولم نُسدده. فإن كنا نسلك كغرباء
وسائحين هنا فلنا أن نساعد الآخرين بما يمنحه لنا الرب. ليت قلوبنا تتسع لأعواز
الآخرين، لكي نعطي وكأنه ذبيحة منا، لا ذبيحة من غيرنا (ممن نقترض منهم ولا نسدد
لهم).

بعد
ذلك ينتقل بولس إلى بيت يوستس (أعمال18: 7- 11). واسم يوستس
justus
معناه رجل بار ومستقيم. وكان بيته ملاصقاً للمجمع- مكان الاجتماع. وإن كنا في
المسيحية اليوم لا نُعلّق أهمية كبرى على مباني الكنائس، غير أنه من وجهة عملية لا
بد من توفر القاعة للاجتماع المحلي. ويلزم أن تتوفر الرغبة الحارة لنجتمع للصلاة
معاً ولقراءة الكلمة وبصفة خاصة أيضاً لنذكر الرب في موته (عبرانيين10: 25). وفي
تخطيطنا اليومي يجب أن تأخذ الاجتماعات الأولوية المطلقة، وعلينا أن نرتب ساعات
عملنا اليومي إذ نضع في اعتبارنا ألا ننشغل بالعمل في ساعة الاجتماع.

ومن
غير المحبذ أن يسكن الإخوة بعيداً عن مكان الاجتماع المحلي، فيصرفون جهداً شاقاً
وطاقات كثيرة حتى يصلوا إلى الاجتماع(1). ومن الشِباك المنصوبة لنا أن نترك مكان
الاجتماع لنرحل إلى أماكن بعيدة لأجل الربح والمكسب. ليت الرب يعيننا فنطلب أولاً
ملكوت الله وبره وكل هذه الأشياء (أي الحاجات الضرورية) تُزاد لنا (لوقا12: 31).
ومن المفضل أن نقطن بجوار مكان الاجتماع، فلن تصبح لأمور الله أهمية ونحن غائبين
عن الاجتماعات، فذلك يُظهرنا بأننا لا نريد أن نُعطي وقتاً قليلاً للرب، مع أنه
أعطانا كل شيء، لقد كانت نتيجة مباركة من بقاء بولس مع يوستس.

 

(1)
يتحدث الكاتب عن بيئتهم الأمريكية أو الكندية التي يقطعون فيها أميالاً طويلة
ليتمكنوا من الوصول إلى الاجتماع.

 

فيلبس
المبشر- مناسون

ثم
نقرأ عن بيت فيلبس المبشر (أعمال21: 8- 14). وفيلبس هو الرجل الوحيد المشار إليه
في الكتاب أنه مبشر. ونقرأ شيئاً عن أعماله في الإصحاحات الأولى من هذا السفر، ومع
مجهوداته نرى حقيقة أخرى فقد كانت له أربع بنات يتمسكن بالحق. نعم فالإنجيل كان له
قوة في بيته. لقد كان أميناً فيما للغير (لوقا16: 12، أعمال6: 4- 6)- أي في الخدمة
المالية الموكولة إليه بين الأرامل في الكنيسة- فأصبح موضع ثقة واتصف بالغنى
الحقيقي. أما بناته فكُنَّ يتنبأن، ومن الواضح أنهن كُنّ يمارسن خدمة النبوة في
مجالهنّ الخاص، لأن بولس كان قد جاءه التحذير من السفر إلى أورشليم بواسطة أغابوس
الذي أرسله الله من اليهودية على الرغم من وجوده في بيت فيلبس. والله لا يعمل إلا
طبقاً لمبادئ كلمته. ونحن نسعد فعلاً عندما نرى الأخوات يرتضين أن يعملن داخل
المجال المُعطى لهن من الله. إنه مجال واسع لخدمة الأخوات ولكن لا يتخذن مكان
التسلط على الرجل (1تي2: 12).

وفي
النهاية نقول أن بنات فيلبس كُنّ عذارى ألعل الطهارة هي سمة بيوتنا؟ إن العدو يسعى
بخططه أن يُفسد بيوتنا. أيمكننا أن نستثني من ذلك دولاب ملابسنا. لقد كانت خلدة
النبية حارسة الثياب ولم يكن أمراً غير متوقع أن تعرف فكر الله في أيام الخراب
(2ملوك22: 14- 20). والكثير من الشابات تركن المقادس وحماية بيت آبائهن وفي تمرد
وطيش فقدن تعففهن سريعاً. ولا ننسى المرأة الصخَّابة الجامحة في أمثال7 الملقَة
بكلامها والتي لا تستقر قدماها في بيتها، وهي زانية متملقة، مدفوعة بشهواتها
البغيضة. ويا لها من مفارقة هائلة أن نرى أخوات لهن الروح الوديع الهادئ (1بط3: 4)،
وثيابهن تتفق مع روحهن.

وكان
لبولس مسرة في البقاء مع شخص صرف حياته في خدمة الإنجيل. ولقد اتخذ بولس ذات
الخطوة التي اتخذها فيلبس قبلاً من جهة خدمة الإنجيل. ومما لا شك فيه إنه امتياز
لنفوسنا أن نُصغي إلى الحديث الذي كان يدور بينهما. ومن المهم كذلك لأولئك
الناشطين في عمل الإنجيل أن يضعوا أيديهم في يد بولس. دعونا ألا نبالغ في التأكيد
على بساطة الإنجيل ويكون ذلك على حساب مقاصد الله.

ومن
البيت السعيد لفيلبس، انتقل بولس بعد ذلك إلى بيت مناسون الذي من قبرص ولا يقال
شيئاً كثيراً عن مناسون ولكنه تلميذ قديم. إنها شهادة عظيمة أن نرى أخاً قديماً أو
أختاً في اتباع مستمر للرب، وقد نجد كثيرين ممن كان لديهم موهبة بارزة وهم لم
يتوقفوا فقط عن أن يكونوا تلاميذ للرب بل تركوا طريق الطاعة. إن بولس قَدَّر أمانة
هذا الأخ وهكذا نحن نُقدّره. وعلينا أن نحسب أولئك الشيوخ المدبرين حسناً أهلاً
لكرامة مضاعفة. كرامة لأجل شيخوختهم، وكرامة مضافة لأجل الأسلوب الذي به يمارسون
مسئولياتهم الموضوع على عاتقهم من قبل الله. ولا ننسى هذا العقاب الخطير الذي نزل
على الصبية الذين سخروا بصلعة أليشع (2ملوك2: 24). وربما تعلّم أولئك الصبية أسلوب
الكلام هذا من والديهم المتكاسلين؟ فكيف نسوا التحذير “من أمام الأشيب تقوم
وتحترم وجه الشيخ وتخشى إلهك” (لاويين19: 32).

إن
رغبة الله أن يتوافق الشيوخ والشباب معاً في وحدة وانسجام (انظر زكريا 8: 4). ولا
يجب أن يكون هناك بين قديسي الله ما يسمى بصراع الأجيال. وكم يكون مهماً أن يدعو
الإخوة الشباب الشيوخ لبيوتهم، وأن يسعى الإخوة الشيوخ إلى أن تمتد شركتهم بالصغار.
إنه اجتماع مبارك بل وبيت سعيد الذي يتوافر فيه الاحترام المتبادل بين الصغار
والكبار على السواء (مزمور133: 1).

إن
الكثير من الشيوخ القديسين الأعزاء مثل مناسون يعيشون في جزيرة نائية أو أماكن
منعزلة وبعيدة. إنهم محرومون من شركة الأصدقاء. فهل أولئك الذين منا يتمتعون
بالصحة والطاقة يذهبون إليهم؟ لقد فعل بولس كذلك.

 

بوبليوس
رئيس هذا الموضع

وبعد
أن أُنقذ بولس من غرق السفينة بصورة معجزية، رسا مع الذين معه في جزيرة تُدعى
مليطة. فقبله بوبليوس رئيس هذا الموضع في بيته ثلاثة أيام (أعمال28: 7- 8). وحدث
أن والد بوبليوس أصابته حمى وإسهال شديد (سَحج). وفي بعض الأحيان تحدث في بيوتنا
تلك الإصابات الروحية من الحمى والإسهال الشديد. فمن يصاب بالحمى يسخن ويحتد، ولا
يقدر أن يفكر تفكيراً صحيحاً ويصبح ضعيفاً. وكم يكون نافعاً أن يهدئ الزوج زوجته
وهي تندفع باحتداد، أو أن تقوم الزوجة بتسكين مشاعر زوجها التي قد تكون غليظة،
عندما تثور مسائل تؤدي إلى الانقسام. وهذه تتطلب حساسية واقتراب من الرب. وربما
الذي يعاني من الإسهال لا يقدر أن يتخلص من السموم أو البكتريا التي دخلت جسمه،
ومن وجهة روحية ربما تكون أفكارنا تسممت خلال اليوم بفلسفات أو بأشياء أخلاقية أو
بمبادئ العالم. فلو كان بولس مقيما ًمعنا لشُفينا من هذه الأمراض التي تهاجم
بيوتنا كثيراً.

ويأتي
هنا إلى آخر منزل ورد في سفر الأعمال، بيت استأجره لنفسه (أعمال28: 30- 31). ولقد
رأينا تسعة منازل سابقة وتميزت تلك المنازل بنوعية الخدمة التي كان يقوم بها بولس.
أما هنا فنجد بيتاً خاصاً له ومن امتيازنا أن نسكن نحن معه. وبصورة عملية معناه أن
نسلك حسناً بموجب خدمة بولس بالنظر إلى الكنيسة- ذلك لأن البيت الذي استأجره بولس
صورة مصغرة للكنيسة في الأيام الأخيرة.

وربما
كانت السنتان اللتان قضاهما بولس في هذا البيت إشارة إلى الألفين من السنين في
تاريخ الكنيسة، ولعل استئجار بولس للمسكن يعطينا صفة الكنيسة السماوية وأنها لا
تمتلك شيئاً أرضياً. لقد دفع بولس ثمن طريقه. ولم يكن مديناً لهذا العالم المدني
أو الديني. أما تقييده بالسلسلة (ع20) فتشير إلى أنه ليس حراً لكي يكرز في كل مكان،
بل في بيته الذي استأجره لنفسه يمكنه أن يمارس حريته الكاملة. ولم تكن خدمة بولس
مُرحباً بها في أماكن دينية كثيرة، ولكن في داخل الكنائس المحلية لم يكن أحد يمنع
إعلان هذه الخدمة. كانت خدمته عن المسيح والأمور المرتبطة به. ألا يحدث ذلك في
اجتماعاتنا.

كان
يقبل إليه الجميع (يهوداً وأمماً) الذين يدخلون إليه، أما الذين رفضوا خدمته فقد
تحولوا بعيداً. إنه لم يُبدل تعليمه لكي يكسب أناساً مستخدماً أساليب التوفيق.

ليت
الله يُحسن إلينا لكي لا تكون بيوتنا في توافق أدبي مع خدمة بولس فقط، بل لكي نسير
في الحق الكنسي، وعواطفنا مُثبتة وعيوننا على الرب يسوع المسيح.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى