كتب

الفصل الخامس



الفصل الخامس

الفصل الخامس

مولد مريم والطفل يسوع المسمى
بإنجيل يعقوب التمهيدي

 

1 – مقدمة الكتاب:

 هذا الكتاب له عدة
أسماء مذكورة على عدد من المخطوطات اليونانية والسريانية، فيذكر اسمه في أقدم
مخطوطة له (
Papyrus Bodmer V) ب ” ميلاد مريم “، وسمي ب ” تاريخ
يعقوب
“، و ” رواية يعقوب “، أو حتى بدون ذكر لاسم
يعقوب في الكثير من المخطوطات. وكان أول من أطلق عليه اسم ” الإنجيل
الأوَّلي
” هو الراهب اليسوعي الفرنسي جوليّوم بوستيل
(Guillaume
postel)
الذي ترجمه إلى اللاتينية
سنة 1552م. وله أسم أخر في الترجمة السريانية هو: ” تاريخ يعقوب عن مولد
كلية القداسة ودائمة البتولية والدة الله وابنها يسوع المسيح
“. ويشير
إليه أوريجانوس ب ” كتاب يعقوب “. وقد ذكر في مرسوم البابا
جلاسيوس الذي استبعده من دائرة الأسفار القانونية، ووصفه الأبوكريفي، باسم ” إنجيل
يعقوب الصغير الأبوكريفي
“.

 كما سمي ب ” الأوَّلي
” أو ” التمهيدي ” لأنه يذكر أحداث تختص بكيفية الحبل
بالعذراء القديسة مريم وميلادها وكذلك بأحداث تختص بميلاد الرب يسوع المسيح
وطفولته لم تذكر في الأناجيل القانونية خاصة الإنجيل للقديس متى والإنجيل للقديس
لوقا. وقد كتبت بعد ذلك، كما سنرى، مجموعة من أناجيل الطفولة والميلاد اعتمدت
بالدرجة الأولى على هذا الكتاب وعلى الكتاب المسمى بإنجيل توما الإسرائيلي الخاص
بطفولة المخلص. ويرى ب. بيترز
(P.Peeters)، أن مصدر هذه الأعمال هو سرياني فريد مكتوب قبل العام 400م. وربما
يكون قد ضم كتابات مرجعها شرقي وحتى بوذي. ويرى ج. ميشل
(J.Michl) إمكانية وجود كتيَّب خاص بالطفولة الإلهية من القرن الثاني
الميلادي، ويبدو أنه كتُب حوالي سنة 150م. ويؤكد يوستينوس وجود مثل هذا الكتاب
وكذلك أوريجانوس
وأكليمندس الإسكندري. ويزعم المؤلف أنه يعقوب
أخو يسوع من زواج سابق ليوسف. ويضم أقدم روايات عن طفولة القديسة مريم ونشأتها في
الهيكل، وولادة يسوع العذراوية. وقد احتُفظ بهذا النص في أصله اليوناني، وفي
ترجمات سريانية، وأرمينية، وقبطية، وسلافونية، وعربية، ولاتينية 000 مع تغييرات
متعددة. وكان منتشرا في الشرق ومعروف جيدا للآباء اليونانيين، ولكنهم لم يعتبروه
قط ككتاب قانوني. وقد حرمة في الكنيسة الغربية الباباوات ديدمسوس (382م) وانوسنت
الأول (405م) والبابا جلاسيوس (496م).

2 – مؤلف الكتاب
وموضوعه:

 يزعم الكاتب أنه يعقوب
أخو الرب، وأنه ابن يوسف من زيجة سابقة قبل العذراء. ولكن هذا الزعم غير صحيح لأن
الكتاب نفسه لم تكتب أقدم رواياته قبل سنة 150م، وأنه كتب (الكتاب) بعد موت
هيرودس، والذي يفترض أنه هيرودس أغريباس. ويرى بعض العلماء أنه من المحتمل أن يكون
فيه فقرات كانت مكتوبة بالعبرية، وأنه استخدم مصادر متنوعة، شفوية ومكتوبة، منها
ما جاء في كل من الإنجيل للقديس متى والإنجيل للقديس لوقا، مع وجود تقليد بدائي
يقول بزواج سابق ليوسف البار قبل أن تُخطب له العذراء القديسة مريم، وأنه أنجب من
زيجته السابقة أخوة يسوع، إلى جانب كم كبير من العهد القديم، خاصة قصة صموئيل
النبي في طفولته والتي وظفها جيداً في روايته لقصة يواقيم وزوجته حنة، والدا
العذراء، وعدم أنجابهما لأطفال، وأنطلق بخيال حر يؤلف رواياته، كما يرى البعض أنه
يمكن أن يكون هناك شيء من التقليد الشفوي الذي استخدمه في ذلك العمل، خاصة ميلاد
الطفل يسوع في كهف في بيت لحم.

 ويرى بعض العلماء مثل
ساندي في كتابه، ” الأناجيل في القرن الثاني “، أن يوستينوس الشهيد قد
أشار إليه، خاصة في ذكره لميلاد يسوع في كهف في بيت لحم ونسب مريم لداود، مما قد
يدل على أنه كان معروفاً في صورة أقدم، في النصف الأول من القرن الثاني، سنة 150م.
وهناك فصول عديدة كتبت لاحقاً على مراحل متعددة.

 ويستنتج بروفيسور أور من
تغير أسلوب الكلام من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم أن أصل الكتاب هو مصدر أسيني
أبيوني، وأنه من جمع جملة كتَّاب مما يعلل الاختلاف الكبير في تحديد تاريخ كتابته،
فالبعض يرجع به إلى القرن الأول، وزاهن وكروجر يرجعان به إلى العقد الأول من القرن
الثاني، ويرجع به آخرون إلى النصف الثاني من القرن الثاني. بينما يرجع به آخرون
(مثل هارناك) – في صورته الحالية – إلى منتصف القرن الرابع.

 ومن دراستنا لنص
الكتاب ومحتواه يتضح أن الكاتب الذي جمعه، أو محرره النهائي، من أصل غير يهودي ولا
صلة له بفلسطين حيث يوجد في الكتاب أخطاء دينية وتاريخية وجغرافية كثيرة، وهي
أخطاء لا تخفي على أي دارس أو يهودي فلسطيني من عصر المسيح، مثل كلامه عن نشأة
العذراء وتربيتها في الهيكل، وهذا مستحيل، وطرد يواقيم لكونه عاقر ولم يكن ذلك من
عادات اليهود. وربما يكون الكاتب من أصل يوناني أو أنه من اليهود الدخلاء الذين
اعتنقوا المسيحية، وكان هدفه وغايته هو تأكيد قداسة العذراء القديسة مريم وتمجيدها
والتأكيد على دوام بتوليتها.

 ويتكون الكتاب من
ثلاثة أقسام، يختص القسم الأول منه بميلاد العذراء الإعجازي الذي يستوحي فيه قصة
ميلاد صموئيل النبي بل ويتخذ من اسم حنة أم صموئيل اسما لوالدة القديسة مريم
وتربيتها منذ لحظة طفولتها في الهيكل إلى مرحلة النضج الأنثوي. ويتكلم القسم
الثاني عن نضج العذراء كأنثى واستحالة بقائها في الهيكل وخطبتها ليوسف النجار
بطريقة إعجازية ليكون لها حارساً، ويقول هذا الكتاب أنه، يوسف، كان أرملاً وله
أولاد من زواجه الأول، وهذا ما جعل البعض يقول أنهم أخوة المسيح المذكورين في
الإنجيل القانوني الموحى به بالروح القدس ”
يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان
(مت13: 55؛27: 56؛ مر6: 3)، واعتمد علي هذا الرأي أوريجانوس. ويركز الكتاب بصورة
كبيرة على دوام بتولية العذراء قبل الحبل وبعد الميلاد، ليؤكد على هذه العقيدة
التي كانت سائدة في الكنيسة الأولى كلها. ويركز قسمه الأخير على زيارة المجوس
وهروب العائلة المقدسة إلى مصر، ويذكر قصة تقول باختفاء الطفل يوحنا المعمدان هو
وأمه في الجبال ومقتل زكريا والده بيد هيرودس الملك.

 وباختصار فهو يقدم قصة
ميلاد العذراء ودخولها الهيكل وخطبتها ليوسف وميلاد الطفل يسوع وما حدث وقت ميلاده
ثم اختباء يوحنا المعمدان وحمايته بصورة إعجازية، بشكل أسطوري يشبع فضول من كانوا
يتوقون لمعرفة أحداث ما لم تذكره الأناجيل القانونية عن هذه الفترة من حياة الرب
يسوع المسيح.

3 – نص الكتاب:

 نقدم هنا نص الكتاب
مترجماً عن عدة ترجمات إنجليزية وأن كنا قد اعتمدنا بالدرجة الأولى على ترجمة
اسكندر شديد اللبنانية، مع وضع عناوين جانبية لكل فصل تشرح موضوعه ومحتواه.

الفصل الأول: لا يحق لك
أن تقدم قربانك، لأنك لم تنجب ذرية في إسرائيل:

 نقرأ في سجلات أسباط
إسرائيل الاثنى عشر أن يواقيم كان غنيّاً جداً ويقدَّم لله قرابين مضاعفة، قائلا
في قلبه: ” لتكن خيراتي للشعب كلّه، من أجل مغفرة خطاياي لدى الله، ليُشفق
الربّ عليَّ “. وحلَّ عيد الربّ الكبير وكان أبناء إسرائيل يأتون بقرابينهم،
فاحتجَّ راؤبين على يواقيم، قائلاَّ: ” لا يحق لك أن تقدم قربانك، لأنك لم
تنجب ذرية في إسرائيل “.

 فاستولى على يواقيم
حزن عظيم، ومضى يراجع سلاسل انساب الأسباط الاثنى عشر، قائلاً في سرَّه: ”
سوف أرى إنْ كنت الوحيد في أسباط إسرائيل الذي لم ينجب ذرية في إسرائيل “.
وبتفحُّص سجلات الماضي، رأى أن الأبرار كلهم أنجبوا ذرية، لأنه تذكَّر إبراهيم
الأب الذي رزقه الله، في أيامه الأخيرة، إسحق ابناً فأغتم يواقيم لذلك ولم يشأ
الظهور ثانية أمام امرأته؛ فمضى إلى الصحراء، ونصب فيها خيمته، وصام أربعين يوماً
وأربعين ليلة، قائلا في قلبه: ” لن أتناول طعاماً ولا شراباً؛ وصلاتي ستكون
طعامي الوحيد “.

الفصل الثاني: حزن حنة
بسبب عدم إنجابها لذرية:

 وكانت امرأته حنة
تعاني حزناً مضاعفاً، وكانت فريسة ألم مضاعف، وقائلة: ” أنني ارثي لترملي
وعقمي “. إلا أن عيد الربّ الكبير حلّ، فقالت يهوديت خادمة حنة، لها: ”
إلى متى تستسلمين للحزن؟ ليس مسموحاً لك بالبكاء، لأننا في العيد الكبير.

خذي إذاً هذا الرداء
وزيَّني رأسك. فأنا خادمتك، وأما أنت فسوف تشبهين ملكة “. فأجابت حنة: ”
ابتعدي عنى، لا أريد أن أفعل شيئاً من ذلك. إن الله أذلَّني بشدة. أخشى أن يعاقبني
الله بسبب خطيئتك “. فأجابت الخادمة يهوديت: ” ماذا أقول لك، ما دمت لا
تريدين سماع صوتي؟ أن الله أغلق بحقًّ بطنك لئلا تُرزقي طفلاً لإسرائيل “.
وحزنت حنة جداً وخعلت ثياب حدادها؛ وزيَّنت رأسها وارتدت ملابس عرس. ونزلت، نحو
الساعة التاسعة، إلى الحديقة لتتنزَّه، وإذ رأت شجرة الغار، جلست تحتها، ووجَّهت
صلواتها إلى الربّ، قائلة: “يا إله آبائي، باركني واستجبْ صلاتي، كما باركت
أحشاء سارة ورزقتها إسحق ابناً “.

الفصل الثالث: حنة ترثي
نفسها لعدم إنجابها:

 ورأت على شجرة الغار،
وهى ترفع عينَيها إلى السماء، عشَّاً للعصافير، فأنشدت مرثاة لنفسها قائلة: ”
وا أسفاه! بماذا يمكنني أن أقارن؟ لمَنْ أدين بالحياة لأكون ملعونة هكذا في حضور
أبناء إسرائيل؟ أنهم يسخرون منى ويحقَّرونني وقد طردوني من هيكل الربّ. وا أسفاه!
بمن أُشبه؟ أيمكنني أن أُقارن بطيور السماء؟ لكن الطيور مثمرة أمامك، ياربّ.
أيمكنني أن أُقارَن بحيوانات الأرض؟ لكنها مثمرة أمامك يا ربّ. لا، لا يمكنني أن
أُقارن بالبحر، لأنه مسكون بأسماك، ولا بالأرض، لأنها تعطى ثماراً في أوانها،
وتبارك الربّ “.

الفصل الرابع: بشارة
الملاك لحنة ويواقيم بإنجاب نسل:

 وإذا بملاك الربّ قد
ظهر لها وقال: “يا حنة، أن الله سمع صلاتك؛ سوف تحبلين وتلدين، ونسلك يحكىً
عنه في العالم كله “. فقالت حنة: ” حي هو الرب، إلهي؛ سواء كان من ألده
ذكراً أم أنثى فسوف أُقدمه للربّ، وسوف يكرَّس حياته للخدمة ألإلهية “. وإذا
بملاكَين أتيا، قائلين لها: “هوذا، يواقيم، زوجك، يصل مع قطعانه “. ونزل
ملاك الربّ نحوه، قائلاً: ” يا يواقيم، يا يواقيم، أن الله سمع صلاتك، وستحبل
امرأتك حنة “. ونزل يواقيم ونادى رعاته، قائلاً: ” أحضروا لي هنا عشر
نعاج سليمة وبلا عيب، وسأنذرها للربّ إلهي. وأحضروا لي اثني عشر عجلاً بلا عيب،
وسوف أقدّمها للكهنة وشيوخ بيت إسرائيل، وائتوني بمئة كبش، وهذه الكباش كلّها
ستكون للشعب كلّه “. وإذا بيواقيم آتٍ مع
قطعانه،
وكانت حنة عند باب منزلها، فلمحت يواقيم آتياً مع قطعانه؛ فركضت وارتمت على عنقه،
قائلةً: ” اعلم الآن أن الرب إلهي باركني، لأنني كنت أرملة ولم أعُدْ كذلك؛
وكنت عاقراً وحبلت “. وارتاح يواقيم في اليوم نفسه في منزله.

الفصل الخامس: حنة تحبل
وتلد:

 وفي الغد، قدَّم
يواقيم قرابينه وقال في نفسه: ” إذا كان الربّ قد باركني، فلتكن لي علامة
ظاهرة على عصابة جبين رئيس الكهنة”. وقدَّم يواقيم تقدماته، ونظر إلى
العصابة، حين صعد إلى مذبح الرب، ولم يرَ خطيئة فيه. فقال يواقيم: ” اعلم
الآن أن الربّ استجابني وغفر لي كلّ خطاياي “. ونزل مبرراً من بيت الربّ
وأقبل إلى منزله. وحبلت حنة، وفي الشهر التاسع ولدت وقالت لقابلتها: ” ماذا
ولدت؟ ” فأجابت الأخرى: ” بنتاً “. فقالت حنة: ” نفسي ابتهجت
هذه الساعة “. وأرضعت حنة طفلتها وأسمتها مريم.

الفصل السادس: وليمة
الفرح بميلاد مريم وتقديمها للهيكل:

 ونمت الطفلة من يوم
إلى يوم. وعندما بلغت من العمر ستة أشهر، وضعتها أُمها أرضاً لترى إنْ كانت ستقف.
فسارت سبع خطوات وجاءت ترتمي في ذراعَي أُمها. فقالت حنة: ” ليحَي الربّ
إلهي؛ لن تسيري على الأرض حتى أُقدَّمك في هيكل الربّ “. وصنعت محرابا في
حجرة نومها، وكانت تبعد عنها كلّ ما كان مُنَجَّساً.

 وأحضرت بناتاً
عبرانيات بلا عيب للاعتناء بالطفلة. وعندما أتمَّت عامها الأول، أقام يواقيم وليمة
كبرى، ودعا الكهنة والكتبة ومجلس الشيوخ كلَه وكلَ شعب إسرائيل. وأحضر الطفلة
للكهنة، فباركوها قائلين: ” يا إله آبائنا، بارك هذه الطفلة وأعطها اسماً
يُعظَّم في كلّ الأجيال “. وقال الشعب كلّه: ” آمين، ليكن كذلك “.
وقدَّمها أبواها للكهنة فباركوها، قائلين: ” يا إله المجد، تطلع لهذه الطفلة
وامنحها بركةً لا تعرف أي انقطاع “. وحملتها أُمها وأرضعتها، وأنشدت للرب
الإله، قائلةً:

 ” سأنشد مدائح
الربّ إلهي، لأنه تطلع إليّ وخلَّصني من تعييرات أعدائي. وأعطاني الربّ إلهي ثمرة
عدل مضاعفة في حضرته. مَنْ يُعلن لأبناء راؤبين أن لحنة طفلاً؟ اسمعي كلّك، يا
أسباط إسرائيل الاثني عشر، اعلمي أن حنة تُرضع “. ووضعت الطفلة في المكان
الذي طهَّرته، وخرجت، وخدمت المدعوين، وحين انتهت الوليمة وهم في ملء السعادة
يمجدون إله إسرائيل.

الفصل السابع: مريم
تدخل الهيكل:

 عندما بلغت مربم الثانية
من عمرها، قال يواقيم لحنة، زوجته: ” لنقُدْها إلى هيكل الله، ولنتمَّم النذر
الذي نذرناه، لئلا يغضب الله ولا يقبل تقدماتنا “. فقالت حنة: ” لننتظر
العام الثالث، خوفاً من أن تعاود إلى أبيها وأمها “. فقال يواقيم: ”
لننتظر “. وبلغت الطفلة عامها الثالث، فقال يواقيم: ” نادوا عذارى
العبرانيين اللواتي بلا عيب، وليحملن مصابيح ويُشعلْنها، وعلى الطفلة ألا تلتفت
إلى الوراء وألا يبتعد ذهنها عن بيت الله “. وصنعت العذارى كما أمر به، ودخلن
الهيكل. واستقبل الكاهن الطفلة وقبَّلها وقال: ” يا مريم، أن الرب عظّم اسمك
في جميع الأجيال، وفي آخر الأيام، سيُظهر الله فيك خلاص أبناء إسرائيل “.
ووضعها على درجة المذبح الثالثة، فسكب الله نعمته عليها، فارتعشت فرحاً وهي ترقص
برجليها وقد أحبها كلّ بيت إسرائيل.

الفصل الثامن: مريم
تتلقّى طعامها من يد الملائكة:

 ونزل أبواها متعجبين،
شاكرَين الله ومسبَّحينن لأن الطفلة لم تلتفت إليهما. وكانت مريم في هيكل الربّ
مثل اليمامة وكانت تتلقّى طعامها من يد الملائكة.

 وعندما بلغت الثانية
عشرة من عمرها، اجتمع الكهنة في هيكل الربّ وقالوا: ” هوذا مريم قد بلغت عمر
الأثنى عشر عاما في الهيكل؛ فماذا سنفعل في شأنها، لئلا تمس قداسة هيكل الربّ
إلهنا دنس ما؟ “. وقال الكهنة لرئيس الكهنة: ” أذْهَبْ وقف أمام هيكل
الربّ وصلَّ من أجلها، وما يُظهرُه الله لك، نمتثل له “. فدخل رئيس الكهنة
إلى قدس الأقداس، وقد لبس رداءه الكهنوتي المزيَّن باثنى عشر جُرساً، وصلى من أجل
مريم. وإّذا بملاك الربّ يظهر له قائلاً: ” يا زكريا، يا زكريا، أُخْرُجْ
واستدع مَنْ هم أرامل وسط الشعب، وليأت كلّ واحد بعصى، ومَنْ يختاره الله بعلامة
يكون الزوج الُمعطى لمريم ليحفظها “.وخرج المنادون في كل بلاد اليهودية، وبوق
بوق الربّ وهرع الجميع.

الفصل التاسع: حمامة
تخرج من عصا يوسف:

 وأتى يوسف كالآخرين،
وقد تخلَّى عن فأسه، وإذ اجتمعوا، مضَوا نحو رئيس الكهنة، ومعهم عصيهم. فأخذ
الكاهن عصا كلّ واحد، ودخل الهيكل وصلى وخرج بعد ذلك وأعاد إلى كلّ واحد عصاه التي
جاء بها، فلم تظهر أي علامة؛ لكنه عندما أعاد إلى يوسف عصاه، خرجت منها حمامة،
حطّت على رأس يوسف. فقال رئيس الكهنة ليوسف: ” لقد اختيارك الله لتقبُّل
عذراء الربّ هذه وتحفظها قربك “. فقَّدم يوسف اعتراضات قائلا: ” لي
أولاد وأنا شيخ، وهي فتاة صغيرة جداً؛ وأخشى أن أكون عرضة للسخرية بالنسبة إلى
أبناء إسرائيل “. فأجاب رئيس الكهنة يوسف: ” خاف الربّ إلهك وتذكَّر كيف
عاقب الله عصيان داثان، وأبيرام وقورح، وكيف انفتحت الأرض وابتعلتهم، لأنهم تجرأوا
على اعتراض أوامر الله. خاف إذاً، يا يوسف أن يحصل كذلك لبيتك “. فتقبَّل
يوسف مريم مرتعباً وقال لها: ” أنني أتقبَّلك من هيكل الربّ وأترك لك المسكن،
وأذهب لأزاول مهنتي نجاراً وأعود إليك. وليحفظك الله كلّ الأيام “.

الفصل العاشر: اختيار
مريم لتغزل ستارة لهيكل الرب:

 وعُقد اجتماع للكهنة
وقالوا: ” لنصنع حجاباً (ستارة)أو بساطاً لهيكل الربّ “. فقال رئيس
الكهنة: ” أحضروا ليَّ عذارى سبط داود اللواتي بلا عيب “. وبحث
المستشارون ووُجدوا سبعاً من تلك العذارى. ورأى رئيس الكهنة أمامه مريم التي كانت
من سبط داود وكانت بلا عيب أمام الله. فقال: ” اختاروا لي بالقرعة مَنْ تغزل
خيط ذهب ونارىّ وكتان رفيع وحرير وبرتقالي مُحْمَرّ وقرمزي “. وحصلت مريم
بالقرعة على الأُرجوان الخالص والقرمز، وإذ تسلَّمتهما، ذهبت إلى بيتها. وفي الوقت
نفسه، أصبح زكريا أبكم، وحلَّ صموئيل محلَّه. إلى وقت كلام زكريا ثانيةً. وأخذت
مريم تغزل، وقد تسلَّمت الأرجوان والقرمز.

الفصل الحادي عشر:
بشارة الملاك للعذراء بالحبل وميلاد ابن الله:

 ومضت بجرتها لتملأها
بماءَّ، فإذا بها تسمع صوتاً يقول: ” السلام لك، يا مريم، يا ممتلئة نعمة،
الربّ معك: مباركة أنت في النساء “. ونظرت مريم حولها يميناًً ويساراًً لتعرف
من أين يأتي ذلك الصوت. وعادت إلى بيتها، وقد ارتجفت، ووضعت الجرَّة، وإذ تناولت
الأُرجوان، جلست على مقعدها لتعمل. وإذا بملاك الربّ واقفا أمامها قائلا: ”
لا تخافي يا مريم؛ لأنك وجدت نعمة عند الربّ وها أنت ستحبلين حسب كلمته “.
وكانت مريم تقول في نفسها، وقد سمعته: ” هل أحبل من الله وأضع كما تلد
الأُخريات؟ ” فقال لها ملاك الربّ: ” لن يكون الأمر كذلك يا مريم، لأن
قوة الله تظلَّلك، لذلك المولود منك قدوس ويُدعى ابن الله. وتُسمينه يسوع؛ لأنه
يخلص شعبه من خطاياهم. وها أن نسيبتك أليصابات حبلت بابن في شيخوختها، والتي كانت
تُدعى عاقراً هي في شهرها السادس، فما من مستحيل على الله؟” فقالت له مريم:
” إنني أمَة الربّ؛ ليكن لي بحسب كلامك “.

الفصل الثاني عشر: مريم
تزور أَليصابات:

 وإذ أنهت الأرجوان
والقرمز، حملتهما إلى رئيس الكهنة. فباركها، وقال: ” يا مريم، أن اسمك ممجَّد
وستكونين مباركة في كلّ الأرض “. ومضت مريم، وقد شعرت بسرور عظيم، إلى
أَّليصابات، نسيبتها، وقرعت بابها. فركضت أَّليصابات إلى بابها، لتفتح، وإذ لمحت
مريم قالت: ” من أين لي هذا أن تأتي أٌم ربى لزيارتي؟ لأن الذي بداخلي ارتكض
وباركك “. وكانت الأسرار التي أعلنها رئيس الملائكة جبرائيل لمريم محجوبة
عنها. وقالت، رافعةً عينيها إلى السماء: ” مَنْ أنا إذاً لتدعوني كلّ الأجيال
مغبوطة؟ “. فمكثت ثلاثة أشهر عند أليصابات. وكانت بطنها تكبر يوماً فيوماً،
ومن خوفها انزوت مريم في منزلها واختبأت عن أنظار بني إسرائيل. وكانت في السادسة
عشرة من العمر عندما حدث ذلك.

الفصل الثالث عشر: شك
يوسف في مريم بسبب حبلها:

 ولما كانت مريم في
الشهر السادس من حبلها، عاد يوسف إلى البيت من عند مبانيه، فلاحظ وهو داخلّ البيت
أن مريم حبلى، فأنطرح أرضاً، وخفض رأسه، واستسلم لحزن عميق، قائلاً: ” كيف
أٌبرَّر نفسي أمام الله؟ كيف أٌصلى من أجل هذه البتول؟ لقد استلمتها عذراء من هيكل
الربّ الإله، ولم أحفظها. مَنْ هو الذي ارتكب هذا الفعل الرديء في بيتي ومَنْ أغوى
العذراء؟ ألَمْ تتجدَّد قصة آدم من أجلى؟ ففي وقت مجده، دخلت الحيَّة، ووجدت حواء
وحيدة، وخدعتها؛ ولقد حدث لي الأمر نفسه حقاً “. ونهض يوسف من فوق الكيس الذي
أنطرح عليه، وقال لمريم: ” أنت التي كنت صاحبة قيمة فائقة في عيني الربّ،
لماذا تصرفت على هذا النحو، ولماذا نسيت الربّ إلهك، لقد تربيت في قدس
الأقداس؟ أوكنت تتلقّين الطعام من يد الملائكة
، لمَاذا تخلَّيت عن
واجباتك؟” وكانت مريم تبكى بمرارة شديدة، وأجابت: ” أنا طاهرة، ولم أعرف
رجلاً “. فقال لها يوسف: ” ومن إذاً فكيف حبلت؟ ” فأجابت مريم:
” حي هو الرب إلهي؛ أنني أٌشهدَّه على اننى لا أعلم كيف صار الأمر هكذا
“.

الفصل الرابع عشر:
الملاك يخبر يوسف بحقيقة حبل مريم:

 وقال يوسف في نفسه،
وهو مذهول: ” ماذا أفعل بها؟ ” وقال: ” إذا أخفيتُ خطيئتها، فسوف
أُعتبر مذنباً بحسب شريعة الربّ؛ وإذا اتهمتها علانية أمام بني إسرائيل، فأخشى أن
يكون ما فيها من ملاك، وان أُسلَّم الدم البريء لحكم الموت؟ ماذا أفعل بها إذاً؟
أتركها سرّاً “. وكان منشغلاً بهذه الأفكار خلال الليل. وإذا بملاك الربّ
يظهر له أثناء نومه، ويقول له: ” لا تخف الاحتفاظ بهذه البتول؛ لأن الذي فيها
هو من الروح القدس، فستلد أبناً وتسميَّه أنت يسوع؛ لأنه يخلص شعبه من خطاياهم “.
فنهض يوسف من النوم ومجَّد إله إسرائيل الذي أغدق نعمته عليه وحافظ عليها.

الفصل الخامس عشر: يوسف
يتهم بأنه دنس مريم:

 وجاء حنان الكاتب إلى
يوسف وقال له: ” لمَ لم تأت إلى اجتماعنا؟ ” فأجابه يوسف: ” كنت
متعباً من رحلتي التي قطعتها، وأردت أن أرتاح في اليوم الأول “. وإذ التفت
الكاتب، رأى مريم حبلى، فمضى مسرعاً نحو رئيس الكهنة، وقال له: ” إن يوسف،
الذي تثق به، اخطأ في شكل خطير “. فقال رئيس الكهنة: ” ماذا فعل؟ ”
فأجاب الكاتب: ” لقد دنَّس العذراء التي استلمها من هيكل الربّ، وتزوجها
سراً، واختبأ من أبناء إسرائيل “. فأجاب رئيس الكهنة: ” هل فعل يوسف
ذلك؟ هل أرَتكب هذه الجريمة؟ ” فقال الكاتب حنانيا: ” أرسلْ كهنة، وسوف
يرَون أن مريم حبلى “. ومضى الكهنة، ووجدوا صدق قول الكاتب. فقادوا مريم
ويوسف ليُحاكما، وقال رئيس الكهنة: ” يا مريم، كيف تصرَّفت هكذا، ولمَ خسرت
نفسك، أنت التي ربيت في قدس الأقداس، وتلقَّيت الطعام من يد الملائكة،
وسمعت أسرار الربّ واغتبطت في حضرته؟ ” وكانت تبكى بمرارة كبيرة، وأجابت:
” حي هو الربّ إلهي، اننى طاهرة في حضرة الربّ، ولم أعرف رجلاً “. فقال
رئيس الكهنة ليوسف: ” لماذاَ تصرَّفت هكذا؟ ” فقال يوسف: ” حي هو
الربّ الإله وحي هو
مسيحه؛ أنني أشهدَّها على اننى طاهر من كلّ
علاقة بها “. وأجاب رئيس الكهنة: ” لا تُدْل بشهادة زور، بل قُل
الحقيقة؛ لقد تزوَّجتها سرّاً وأخفيتها عن أبناء إسرائيل، ولم تحن رأسك تحت يد
العلىّ القدير، ليكون نسلك مباركاً “.

الفصل السادس عشر:
امتحان يوسف ومريم وبراءة مريم:

 وقال رئيس الكهنة
أيضاًُ: ” أعدْ هذه العذراء التي تسلّمتها من هيكل الربّ “. وكان يوسف
يذرف دموعاً كثيرة، فقال له رئيس الكهنة: “سوف أسقيك ماء إدانة الربّ، وسوف
تظهر خطيئتك أمام عينيك “. واخذ رئيس الكهنة الماء وسقى منه يوسف، ثم أرسله
إلى الأماكن العالية، فعاد يوسف منها في صحة تامة. وشربت مريم منه أيضاً، ومضت إلى
الجبال، وعادت من دون أن تعانى أيّ ألم. وصُعقَ الشعب كله دهشةً من عدم ظهور خطيئة
فيهما. وقال رئيس الكهنة: ” أن الله لم يُظهر خطيئتكما، وأنا لن أدينكما
“. وصرفهما مغفوراً لهما. وأخذ يوسف مريم، وأعادها إلى بيته، بفرح وهو يمجد
إله إسرائيل.

الفصل السابع عشر: ذهاب
يوسف ومريم إلى بيت لحم:

 وأصدر الإمبراطور
أُوغسطس قيصر قراراً بأن كلّ الذين ولدوا في بيت لحم عليهم أن يكتتبوا. فقال يوسف:
” سوف أُسجَّل أبنَيَّّ، ولكن ماذا أفعل بشأن هذه المرأة؟ بأي صفة أُقيَّدها؟
أبصفتها زوجة؟ أنها ليست زوجتي، ولقد تقبَّلتها أمانة من هيكل الربّ. أأقول أنها
ابنتي؟ لكن كلّ أبناء إسرائيل يعلمون أنها ليست ابنتي. ماذا أفعل إذاً بشأنها؟
“. وأسرج يوسف أتاناً أركب مريم عليها. وكان يوسف وسمعان يتبعان على بعد
ثلاثة أميال. ولما التفت يوسف، رأى مريم حزينة، فقال في نفسه: ” أن ما فيها
يكدَّرها “. وعندما التفت مجدداً، رأى أنها تضحك، فقال لها: ” يا مريم
ما السبب في أن وجهك تارةً حزين وتارةً فَرح؟ “. فقالت مريم ليوسف: “هذا
لأنني أرى شعبَين أمام عينَي؛ واحد يبكى وينوح والآخر يضحك ويستسلم للفرح “.
وقالت له مريم، عندما وصلوا إلى منتصف الدرب: “أنزلني عن أتاني، لان ما في
يضغط علىَّ للغاية، وأنزلها يوسف من فوق الأتان وقال لها: “أين أقودك، فهذا
المكان قفر؟

الفصل الثامن عشر: تجمد
كل الأشياء في لحظة واحدة:

 وإذ وجد في ذلك الموضع
مغارة، أدخل مريم إليها، وترك ابنه ليحرسها، ماضياً بنفسه إلى بيت لحم ليأتي
بقابلة. وحين كان سائراً، رأى القطب حيث السماء كانت جامدة، والهواء مظلماً،
والطيور متوسط طيرانها. وإذ نظر إلى الأرض، رأى وعاءً مليئاً لحماً مُحضَّراً،
وعماَّلاً متمدَّدين وأيديهم في الوعاء. ولحظة الأكل لم يكونوا يأكلون، ومَنْ
كانوا يمدُّون أيديهم لم يكونوا يتناولون شيئاً، ومَنْ كانوا يريدون إيصال شيء ما
إلى فمهم، لم يكونوا يوصلون شيئاً، وكلهم كانوا مركزين أنظارهم لأعلى إلى فوق.
وكانت النعاج مشتَّتة، ولكنها لا تسير، بل كانت لابثةً في أماكنها جامدة. والراعي
الرافع يده ليضربها بعصاه، كانت يده باقية من دون انخفاض. وإذ نظر من ناحية نهر،
رأى كباشاً يلامس فمها الماء، لكنها لم تكن تشرب، فكلّ الأشياء كانت في تلك اللحظة
جامدة.

الفصل التاسع عشر:
امتلاء المغارة بالنور عند ميلاد المسيح:

 وإذا بامرأة نازلة من
الجبال قالت له: “أسألك إلى أين تذهب؟” فأجاب يوسف: “اننى أبحث عن
قابلة من نسل العبرانيين “. فقالت له: “أَأنت من نسل إسرائيل؟”
فردَّ بنعم. إذاك قالت: ” مَنْ هي تلك المرأة التي تلد في هذه المغارة؟
“. فأجاب: ” أنها خطيبتي “. فقالت: ” أليست زوجتك؟ “.
فقال يوسف: ” أنها ليست زوجتي، بل هي مريم التي ربيت في هيكل الربّ وحبلت من
الروح القدس “. قالت له القابلة: ” أهذا ممكن؟ “. فقال: ”
تعالى انظري ذلك “. ومضت القابلة معه. وتوقفت حين أصبحت أمام المغارة. وإذا
بسحابة مضيئة تغطى تلك المغارة. وقالت القابلة: ” أن نفسي تجمَّدت اليوم، لأن
عينَيّ رأتا معجزات “. وفجأة امتلأت المغارة ضياء حاداً لدرجة أن العين لم
تستطع تأمُّله، وحين خفت ذلك النور قليلاً، رُؤى الطفل. وكانت أمه مريم تُرضعه.
فصاحت القابلة: “هذا يوم عظيم بالنسبة إلىَّ، لأنني رأيت منظراً بهياً
“. وخرجت من المغارة، وكانت سالومي قبالتها. فقالت القابلة لسالومي: ”
لدَّى معجزات عظمى أرويها لك: ” أن عذراء ولدت ولا تزال عذراء “. وقالت
سالومي: ” حي هو الرب، إلهي؛ إذا لم أتأكد بنفسي، فلن أُصدَّقك “.

الفصل العشرون: سالومي
تشك في بتولية العذراء وعقابها بسبب ذلك:

 دخلت القابلة المغارة
وقالت لمريم: ” نامي، لأن صراعاً عظيماً ينتظرك “. وإذ لمستها سالومي،
خرجت وهى تقول: ” الويل لي، أنا الخائنة والكافرة، لأنني جرَّبت الله الحي.
وان يدي التي تحرقها نار آكلة تسقط وتنفصل عن ذراعي “. وسجدت أمام الله،
وقالت: “يا إله آبائنا، تذكَّرني، لأنني من نسل إبراهيم، وإسحق، ويعقوب، ولا
تَخزني أمام أبناء إسرائيل، بل أعدْني إلى أهلي. أنت تعلم، يا ربّ، اننى باسمك كنت
أُنجز معالجاتي وشفاءاتي كلها، لست طامحة إلى مكافأة إلا منك “. فظهر لها
ملاك الربّ وقال لها: “يا سالومي، يا سالومي، أن الربّ سمعك؛ مدَّى يدك إلى
الطفل، واحمليه؛ فسيكون لك الخلاص والفرح “. ودنت سالومي من الطفل وحملته في
ذراعيها، وهى تقول: ” سأسجد لكَ، لأن ملكاً عظيماً وُلد في إسرائيل “.
وشفيت على الفور، وخرجت من المغارة مُبَرَّأة. وسُمع صوت بالقرب منها يقول: ”
لا تُعلني المعجزات التي رأيتها، إلى أن يدخل الطفل أُورشليم “.

الفصل الواحد والعشرون:
النجم يرشد المجوس إلى الكهف:

 وإذا بيوسف يستعدّ
للذهاب إلى اليهودية. وعلا صَخَبً عظيم في بيت لحم، لأن المجوس كانوا قد وصلوا،
قائلين: ” أين هو الذي وُلد ملكا”ً لليهود؟ لقد رأينا نجمه في الشرق،
وجئنا لنعبده “. ولما سمع هيرودس ذلك أضطرب، وبعث برُسل إلى المجوس. واستدعى
أُمراء الكهنة، واخذ يستجوبهم، قائلاً: ” عما هو مكتوب عن المسيح؟ أين يولد؟
“. فقالوا: “في بيت لحم اليهودية، فهذا ما هو مكتوب “. فصرفهم
هيرودس، واستجوب المجوس قائلاً: ” أعملوني أين رأيتم العلامة التي تشير إلى
الملك الوليد؟ “. فقال المجوس: ” لقد ارتفع نجمه ساطعاً، وفاق بضيائه
نجوم السماء الأخرى إلى حد أننا ما عدنا رأيناها. وعرفنا هكذا أن ملكاً عظيماً
وُلد في إسرائيل وجئنا لنسجد له “. فقال لهم هيرودس: “هيّا، وابحثوا
عنه، وإذا وجدتموه، تعالوا أعلموني بذلك لأذهب وأسجد له “. ومضى المجوس، وإذا
بالنجم الذي رأَوه في الشرق يرشدهم إلى أن بلغوا المغارة، وتوقَّف فوق مدخل
المغارة. ورأى المجوس طفلاً مع مريم أُمه، فسجدوا له. وإذ اخرجوا تقدمات من
خزائنهم، أهدَوه ذهباً، وبخوراً ومرّاً. وإذ أعلمهم الملاك بأن عليهم ألا يعودوا
إلى هيرودس، سلكوا درباً أخرى للعودة إلى بلادهم.

الفصل الثاني والعشرون:
الجبل يحتضن أليصابات وابنها والملاك يحرسهما:

 واستولى الحنق على
هيرودس، لأن المجوس خدعوه، فأرسل جنوده ليقتلوا كلّ الأطفال الذين كانوا في بيت
لحم، من عمر سنتين وأدنى. وامتلأت مريم خشيةً، عندما علمت أنهم يقتلون الأطفال؛
فأخذت الطفل، وإذ لفَّته بأقمطة، أضجعته في مذود الثيران. وهربت أَليصابات إلى
الجبال عندما أُعلمت بأنهم يبحثون عن يوحنا، وكانت تنظر حولها لترى أين يمكنها
إخفاؤه ولم تجد أي موضع مناسب. فقالت بصوت عال وهى تنوح: ” يا جبل الله،
تقبَّل الأُم مع ابنها. وانفرج على الفور الجبل الذي لم تكن تستطيع تسلُّقه
وتقبَّلها. وكان يضيئهما نور عجائبي، وملاك الربّ معهما ويحرسهما.

الفصل الثالث والعشرون:
هيرودس يقتل زكريا الكاهن:

 خلال ذلك الوقت، كان
هيردوس يبحث عن يوحنا، وأرسل بعض ضباطه إلى أبيه زكريا، قائلين: ” أين خبَّأت
ابنك؟ “. فأجاب: ” أنا الكاهن العامل في خدمة الله، وأقف اهتماماتي على
هيكل الربّ؛ لا أعلم أين ابني “. وخرج المبعوثون ونقلوا ذلك إلى هيرودس. فقال
بغضب: ” ابنه هو الذي سيملك على بنى إسرائيل “. وأرسلهم مجدداً إلى
زكريا قائلين: ” تكلَّم بصدق، أين ابنك؟ ألا تعلم أن دمك في متناول
يدي؟” وعندما نقل الرسل إلى زكريا كلام الملك، قال: “اننى أُشهَّد الله
على أنني أجهل أين هو ابني. أهرقْ دمي. إذا شئت؛ إن الله يتقبَّل روحي، لأنك تكون
قد أرقت دماً بريئاً “.وقُتل زكريا في رواق هيكل الربّ، قرب حاجز المذبح.

الفصل الرابع والعشرون:
الأسباط تبكى زكريا بسبب مقتله:

 ومضى الكهنة إلى
الهيكل في موعد السلام. ولم يكن زكريا في استقبالهم لمنحهم البركة، وفقاً للعادة.
وعندما لم يظهر لهم، لم يجرأوا على الدخول. ودخل أحدهم الهيكل، وكان أكثر إقداماً
من الآخرين، وعاد يُنبئ الكهنة بأن زكريا قُتل. ودخلوا إذاك، ورأوا ما صنُع؛ وكانت
كسوات الهيكل تُطلق عويلاً، وكانت مشقوقة من أعلى إلى أسفل. ولكن لم يُعثَر على
جسده، أما دمه فكان في رواق الهيكل، كتلةً شبيهةً بصخر. وخرجوا مذعورين، وأعلنوا
للشعب أن زكريا قُتل. وبكته أسباط الشعب ثلاثة أيام وثلاث ليال. وبعد تلك الأيام
الثلاثة، اجتمع الكهنة لينتخبوا واحداً مكانه. وحلَّت القرعة على سمعان. وأُنبئ
بواسطة الروح القدس بأنه لم يمت قبل أن يعاين المسيح.

الفصل الخامس والعشرون:
يعقوب يلجأ إلى الصحراء:

 أنا، يعقوب، الذي كتب
هذه القصة، لجأت إلى الصحراء، إبان تمرُّد أثاره في أُورشليم المدعو هيرودس، ولم
أعُدْ إلا بعدما هدأت البلبة. أنني أحمد الله الذي منحنى مهمة كتابة هذه القصة.
لتكن النعمة مع الذين يخشَون سيَّدنا يسوع المسيح، الذي له المجد والقوة مع الآب
الأبدي والروح القدس المحيي، الآن، ودائماً، وإلى أبد الآبدين. آمين.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى