اللاهوت الدفاعي

الفصل الثامن



الفصل الثامن

الفصل الثامن

انتقال وحفظ كلمة الله واستحالة تحريف العهد القديم

 

هناك أربع مراحل أو حلقات في سلسلة وصول كلمة
الله إلينا وهى ؛ الوحي الإلهي وقانونية الأسفار الإلهية المقدسة وانتقال كلمة
الله عبر العصور والأزمنة حتى وصلت إلينا، وترجمتها إلى جميع اللغات في كل العصور:

1 – فبالوحي الإلهي كلمنا الله وأعلن لنا عن
ذاته بوسائل الإعلان الكثيرة عن طريق الأنبياء الذين تسلموا كلمة الله ثم دونوها
بوحي الروح القدس في أسفار مقدسة.

2 – وبالقانونية أدرك الذين كانوا معاصرون
للأنبياء، والتي أرسلت كلمة الله إليهم أصلاً وعاصروا نزولها ووحيها وحفظوها قبل
أن تدون في أسفار ثم دونت في أيامهم وجمعت في مجموعات أمامهم، أنها كلمة الله
وأسفاره المقدسة الموحى بها من الله وحفظوها لنا.

3 – ثم انتقلت إلينا اسفار العهد القديم عبر
العصور في رحلة استغرقت من حوالي 3500 سنة إلى حوالي 2400.

4 – ترجمة هذه الأسفار إلى لغات كثيرة عبر
العصور والأزمنة.

 وقد
بينا في الفصول السابقة وحي كل كلمة بل وكل حرف وكل نقطة في كل أسفار الكتاب
المقدس بعهديه، القديم والجديد، وثقة وتأكد شعب الله في القديم وآباء وشعب الكنيسة
في القرون الأولى للمسيحية من أن كل ما كتب بالروح القدس وسلم إليهم من الله
بواسطة أنبيائه ورسله في العهدين هو كلمة الله الحية ذات السلطان والمعصومة من
الخطأ والتي لا يمكن أن تتغير أو تتبدل أو تحرف أو تلغى أو تنسخ، والتي وعد الله
أن يحفظها بقوله في سفر ارميا “ أنى أنا ساهر على كلمتي لأجريها
” (ار12: 1) وقوله في سفر اشعياء ” أما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد
” (اش8: 40). ويؤكد القديس بطرس بالروح وهو يستشهد بالآية الأخيرة على أنها
تنطبق على كل ما تكلم به الله من خلال أنبيائه ورسله سواء في العهد القديم أو في
العهد الجديد فيقول ” وأما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد وهذه هي
الكلمة التي بشرتم بها
” (1بط25: 1).

 كما حذر
الله من الزيادة عليها أو النقص منها ؛ ” لا تزيدوا على الكلام الذي أنا
أوصيكم به ولا تنقصوا منه لكي تحفظوا وصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها

” (تث2: 4). ” كل الكلام الذي أوصيكم به احرصوا لتعملوه لا تزد عليه
ولا تنقص منه
” (تث32: 12).” الكلام الذي أوصيتك أن تتكلم به
إليهم لا تنقص كلمة
” (ار2: 26).

” لأني اشهد لكل من يسمع أقوال نبوة هذا
الكتاب أن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب
وان كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن
المدينة المقدسة ومن المكتوب في هذا الكتاب
” (رؤ18: 22،19).

 كما
تبين أيضا شهادة المؤرخين القدماء، سواء الذين أرخوا لعصور ما قبل الميلاد أو
الذين عاصروا بداية انتشار الكنيسة المسيحية في القرنين الأول والثاني للميلاد،
وشهادة علماء الآثار، عن طريق السجلات الحجرية والحفريات والمخطوطات التي لا تزال
باقية في أماكنها الطبيعية أو المحفوظة في المتاحف في جميع أنحاء العالم، لصحة
وتاريخية كل الأحداث والروايات والوقائع التي ذكرت في جميع أسفار الكتاب المقدس
بعهديه، القديم والجديد، بل وشهادة بعضهم للعقائد والحقائق المسيحية التي آمنت بها
الكنيسة في فجرها الباكر مثل عقيدة لاهوت المسيح وحقيقة تجسده وصلبه. والتي
سندرسها فى كتاب لاحق.

 والسؤال
الآن هو كيف وصلت إلينا كلمة الله منذ تدوين التوراة وحتى الآن؟ وإلى أي اللغات
ترجمت؟ وما هي الوسائل التي وصلت بها إلينا؟ وهل وصلت إلينا هي هي كما سلمها
الأنبياء ورسل المسيح؟ وهل حفظها الله بالفعل في رحلتها إلينا عبر التاريخ
والبلاد؟ وهل لدينا، الآن، ما يؤكد أن الأنبياء والرسل هم الذين كتبوا نفس الأسفار
الموجودة لدينا الآن؟

وللإجابة على هذه الأسئلة علينا أن ندرس الوسائل
التي وصلت بها كلمة الله إلينا لنتأكد من صحة كل كلمة في كل أسفار الكتاب المقدس
وكيفية حفظ الله لكتابه في كل العصور وعلى مر الأجيال وعبر القارات.

 تكلم
الله مع البشرية من خلال الأنبياء باللغات التي كان يتكلم بها ويفهمها البشر، في
كل جيل وبحسب ما كان يسود كل عصر من لغة وأسلوب في الحديث والمخاطبة. ومن ثم فقد
كتبت كلمة الله في الأسفار المقدسة، الكتاب المقدس، بلغة البشر التي كان يتكلم بها
الإنسان واستخدم في كتابتها نفس المواد التي كانت مستخدمة في كل عصر من العصور من
النقش على الحجر إلى استخدام الحبر والورق..الخ.

 

1- اللغة والكتاب المقدس 

ترجع الأصول اللغوية لأهم اللغات إلى سام وحام
ابني نوح وتسمى باللغات السامية والحامية، ومن أهم اللغات الحامية ؛ اللغة المصرية
القديمة (والمعروفة حالياً بالقبطية) ولهجات البربر في شمال أفريقيا ولهجات
الصحراء الجنوبية وهى ؛

السودانية والبانتو والبوشمان. أما اللغات
السامية فتضم أربعة تقسيمات هي:

1 – التقسيم الشرقي ؛ الأكادية
المسماة بالآشورية في عصور النصوص القديمة والبابلية المتأخرة، والتي كانت اللغة
العامة لكل جنوب أسيا في فترة صعود الإمبراطورية الآشورية ثم البابلية في القرن 14
ق. م.

2 – القسم الجنوبي ؛ اللغة
العربية في الجزيرة العربية واللغة الإثيوبية في إثيوبيا.

3 – القسم الشمالي ؛ اللغة الآمورية
والآرامية التي كانت لغة المسيح وتلاميذه،

 والآمورية هي لغة السوريان وقد كتب بها
بعض أجزاء العهد القديم، سواء في الكتابة أو أسماء الأماكن (أنظر تك 22: 10؛ 47:
31؛ 2مل26: 18؛ عز7: 4-1: 6؛ 12: 7-26؛ اش11: 36؛ ار11: 10؛ دا4: 2-28: 7).

4 – القسم الجنوبي الشمالي ؛ الذي يضم
أقسام كنعانية وأيضاً عناصر آرامية تتمثل في أربع لهجات هي:

أ – الأوجراتية المستخدمة في الألواح الطينية
التي اكتشفت في جنوب سوريا سنة 1929م وقدمت للعلماء مفتاح للهجات الكنعانية
والفينيقية التي قدمت حروف الألف باء للغات الأخرى وسهلت عملية الكتابة، وتطور
عنها لهجتان للعبرية: الموآبية والعمونية ويمثلها الحجر الموآبى (850 ق م).

ب – العبرية التي كتب بها معظم أجزاء العهد
القديم والتي تعتبر من أقدم لغات العالم ويرجع تاريخها إلى ما قبل سنة 2000 ق. م
وقد وردت اقدم إشارة لاستخدامها في تكوين (47: 31) عندما دعا لابان خال يعقوب
(حوالي سنة 1950 ق. م) كومة من الحجارة باللغة الآرامية ” يجر سهدوثا ”
بينما دعاها يعقوب بالعبرية ” جلعيد “. ودعيت في 2ملوك (26: 18،28) ب
” اللغة اليهودية ” ودعيت في سفر اشعياء (18: 19) ب ” لغة كنعان
” ودعيت في مقدمة سفر يشوع بن سيراخ ب ” اللغة العبرية “. وهى
تتكون من 22 حرفاً ساكنا وكانت تكتب حتى سنة 1000 ق. م بحروف ساكنة

فقط، بدون حروف العلة (ه، و، ى – هيه، واو،
يودا). وكان على القراء، وهم في الأغلب من الأنبياء والكهنة والكتبة، أن يدركوا
النطق الصحيح من الذاكرة. وحوالي سنة 900ق م بدأ الكتبة يستخدمون حروف العلة
الثلاثة كحروف نصف ساكنة، فاستخدموا ال “هيه ” لتنطق همزة ” ء
” في آخر الكلمة وأحياناً ” واو ” قصيرة، ثم استخدموا هذه الحروف
الثلاثة حوالي سنة 600 ق. م كحروف متحركة. وفى الفترة من 500إلى 1000م ميز
الماسوريين (حفظة التقليد – وخلفاء الكتبة) 14 صوتا متحركا ثم وضعوا حركات الفتح
والكسر والضم والسكون. 

 

2- الكتابة قبل الأسفار
المقدسة
 

(أ) تاريخ الكتابة

زعم النقاد في القرون الثلاثة السابقة
(17و18و19م) أن الكتابة لم تكن معروفة في زمن موسى النبي (ما بين 1500إلى 1400
ق.م) وبالتالي فلم يكن هو الذي كتب التوراة من وجهة نظرهم!! وقد برهنت الحفريات
الأثرية الحديثة التي اكتشفت في أماكن كثيرة عكس ذلك تماماً، فقد برهنت على أن
أقدم النصوص التي وصلت إلينا والتي اكتشفت في مصر ومنطقة ما بين النهرين، العراق
وسوريا حالياً ترجع إلى ما قبل سنة3000 ق م، حيث وجد في مدينة أوراكا، أراكا
حالياً (أرك في تكوين10: 10)، ألواح طينية مكتوبة بالخط المسماري أو
الاسفينى، لأنه يشبه الإسفين، ترجع إلى سنة 3500 ق م وهى عبارة عن رسوم وصور. كما
اكتشفت الهيروغليفية المصرية القديمة، والتي كانت من الكتابة التصويرية والهجائية
وعناصر صوتية مقطعية، في مناطق كثيرة بمصر وترجع إلى حوالي 3100 ق م. ومما اكتشفت
في مصر منها كتابات الحكيم بتاح حتب وترجع إلى سنة2700 ق م.

 ثم
تطورت اللغة الصورية المرسومة إلى حروف هجائية (ألف باء) في الفترة ما بين سنة
2000 إلى 1500ق م. وكانت هذه الكتابة، التي أخذت أصلاً عن الهيروغليفية منتشرة
وشائعة الاستخدام في سوريا وفلسطين، وقد وجدت في منطقة سرابة الخادم بسيناء أقدم
كتابة مكتوبة بالحروف الهجائية كتبها ساميون آسيويون كانوا يعملون في أحد المناجم
هناك وترجع إلى حوالي سنة 1800 ق م. كما وجد في تل دويرعايد (لافيش، يش 3: 10)
بالقرب من أورشليم نقش على خنجر يرجع تاريخه إلى حوالي سنة 1600 ق م. كما وجد
أيضاً نقش ملكي للملك شافاط بعل ملك جيبال (بيبلوس) يرجع إلى سنة 1600 ق م. كما
اكتشفت كتابة بالحروف الهجائية أيضاً في منطقة رأس شمرا، أوجاريت القديمة، في شمال
سوريا، ترجع إلى سنة 1400 ق م. ثم نقل الفينيقيون هذه الحروف إلى الإغريق الذين
أضافوا إليها الحروف المتحركة، لأنها كانت قاصرة على الحروف الساكنة فقط، وغيروا
اتجاه كتابتها من اليمين إلى اليسار ثم انتشرت عنهم بعد ذلك.

 

(2) المواد التي كان يكتب عليها

1
– الأحجار ؛
كانت الكتابة تكتب قديماً بالحفر أو النقش على الصخور
والأحجار في المباني وقواعد التماثيل والألواح الحجرية والأواني الحجرية.

2 -الخزف ؛ حيث كانت النقوش تحفر
أو تدهن أو تختم

على الخزف ثم تحرق بعد ذلك.

3 – الأسطح الجبسية ؛ كانت تطلى
بعض الأحجار بالجبس وينقش عليها.

4
المعادن ؛

(كالبرونز والفضة والذهب والرصاص): مثل التماثيل والأواني والعملات المالية والحلي
وأحياناً الأدراج التي كانت الكتابة تحفر عليها.

5 – العاج ؛ الذي كانت تصنع منه
ألواح ويطلى سطحها بالشمع ثم يكتب عليها.

6 – الخشب ؛ وكانت تصنع منه أيضا
ألواح ويطلى سطحها بالشمع ويكتب عليها بأدوات حادة.

7 – الطين ؛ الذي كان يصنع منه
السومريون ألواح ويكتبون عليها وهى طرية ثم تجفف وتحرق بعد ذلك. وقد وجدت فرن في
أوجاريت لحرق الطين ترجع لسنة 1200 ق م وبداخلها بعض الألواح لم تحرق بعد.

8 – ورق البردي Papyrus: والذي كان يستخرج من نبات البردي بمصر وتصنع

منه لفائف طويلة وتلصق صفحاته معاً، وتوجد منه
لفائف ترجع إلى سنة 2700 ق م. وكان قد صنع قبل ذلك بمئات السنين، وكان يصدر إلى
مدينة جبلا الفينيقية ومن هناك يعاد تصديره إلى اليونان في الألف الثاني قبل
الميلاد. وكان في الإمكان الكتابة عليه أكثر من مرة بعد إزالة الكتابة القديمة.

9 – الجلد والرقوق ؛ وقد أستخدم
الجلد بصفة عامة حوالي سنة 4000 ق م. وأستخدم للكتابة عليه في مصر وآسيا الغربية.
وكانت تستخدم هذه الجلود بعد معالجتها معالجة خاصة لتصبح رفيعة ومتينة، وتخيط
صفحاتها معاً لتكون لفائف أو أدراج طويلة مثل ورق البردي.

10
الورق ؛

أخترع الورق في الصين قبل ميلاد المسيح من الخرق البالية ولكنه لم يصل إلى فلسطين إلا
بعد القرن السادس الميلادي، وترجع أقدم نصوص دينية يهودية كتبت عليه إلى سنة 100م.

11 – النسيج ؛ كتبت بعض النصوص
قديماً على الكتان الذي كان يلف به

موياوات قدماء المصريين ويوجد منه الآن نص في
متحف زغرب بيوغوسلافيا.

 

(3) أدوات الكتابة وأشكال النصوص المكتوبة

 كان
يكتب بالحفر أو النقش على الألواح سواء المطلية بالشمع أو الألواح الطينية بآلات
حادة مدببة، كما استخدمت أقلام من خشب أو قصب للكتابة بها على ألواح

الطين. واستخدمت الفرش أيضاً في الكتابة أو
النقش أو الرسم بالسوائل. وكانت تصنع من نبات الأسل وكان ينقش بها على الأواني قبل
الحرق. واستخدمت أقلام القصب أيضاً للكتابة بالحبر الأسود أو الأحمر، وأستخدم ريش
الطيور كأقلام للكتابة، بالحبر، في بداية العصور الوسطى. وكان الحبر الأسود يصنع
من الكربون المخلوط بالصمغ، ويصنع الحبر الأحمر من أكسيد الحديد أو من لون المغرة
للكتابة على ورق البردي والجلد والأسطح الملساء. وكانت الأحبار توضع عند قدماء
المصريين في لوحات خشبية ذات تجويفين، واحد للحبر الأسود

 وآخر للحبر الأحمر، كما استخدمت الدواة
أيضا. وقد وجدت آواني حجرية للحبر في منطقة قمران شبيهة بالتي استخدمت في عصور
الرومان.

 

3
الكتابة والكتاب المقدس
 

 كتبت
الأسفار المقدسة في العهد القديم باللغة العبرية واللغة الآرامية، وكتب العهد
الجديد باللغة اليونانية الكيونية التي كانت منتشرة في منطقة البحر المتوسط أيام
السيد المسيح والرسل. واستخدمت في كتابة كل أسفار الكتاب المقدس المواد التي كانت
مستخدمه، فقد كتب موسى النبي، الذي نشأ وتربى في مصر مع بنى إسرائيل الذين خرجوا
من مصر، الشريعة على أحجار مطلية بالجبس (تث2: 27 -4)، وكتبت الوصايا العشر على
ألواح من حجارة (خر32؛ أنظر 12: 24؛ 18: 31؛15: 32؛-16؛1: 34،28؛ تث22: 5؛2:
27-3؛ يش31: 8-32)، وكتبوا على الألواح الطينية (ار17: 13 ؛ اش1: 4) وعلى ألواح من
خشب، قال الله لاشعياء ” خذ لنفسك لوحاً كبيراً وأكتب عليه بقلم ” (اش1:
8)، وعلى ورق البردي، كما يذكر كتاب عزدراس الأبوكريفى (2عز24: 14). وأستخدم القلم
المصنوع من القصب (حز1: 45)، والمصنوع من الرصاص (أى24: 19)، والحديد (أي 1: 17)،
وكتبوا بالحبر (ار18: 36). واستخدموا الكتاب ” السفر ” مثلما في
قوله: ” سفر توراة موسى “..الخ، استخدموا الدرج الذي كان يصنع من الجلود
أو ورق البردي و” الرقوق ” (ار36؛مز7: 40؛2تى13: 4).

 

ثانياً – انتشار وحفظ
مخطوطات العهد القديم

1- انتشار مخطوطات العهد القديم ودقة نسخها

انتشرت الأسفار المقدسة بين شعب الله في القديم
وشعوب العالم المؤمن في العهد الجديد عن طريق نسخ الكتاب المقدس التي كانت تنسخ
يدوياً، تكتب يدوياً بخط اليد، لأن العالم لم يعرف الطباعة قبل سنة 1453م. وكانت
تسمى هذه النسخ ب ” المخطوطات ” ومفردها ” مخطوطة ” لأنها
كانت مكتوبة أو مخطوطة بخط اليد.

 وكانت
الأسفار المقدسة تحفظ في العهد القديم إلى جوار تابوت العهد في خيمة الاجتماع ثم
في الهيكل، هيكل سليمان ثم الهيكل الذي بناه زربابل بعد السبي ثم في هيكل هيرودس
أيام السيد المسيح وتلاميذه ورسله. وكان يقوم بكتابة نسخ من هذه الأسفار المقدسة
فئة من الكهنة دعيت بالكتبة الذين كانوا مدربين ومتعلمين النسخ والكتابة، كمهنة
مقدسة، وكانت هناك عائلات من الكتبة “ وعشائر الكتبة سكان يعبيص
ترعاتيم وشمعاتيم وسوكاتيم هو القينيون الخارجون من حمة ابي بيت راكاب ”
(1أى55: 2). وفعل كلمة كاتب في العبرية هي ” سُفر ” واسمها ”
ُسفريم ” وتعنى ” يعد أو يحصى “، وكان الكتبة بالفعل يعدون ويحصون
كل كلمة وكل حرف في الأسفار المقدسة.

 ومن
اشهر الكتبة عزرا الكاهن والكاتب الذي وصفه الكتاب المقدس بأنه “ كاتب ماهر
في شريعة موسى التي أعطاها الرب ” (عز6: 7). وكان هؤلاء الكتبة يحفظون
الأسفار المقدسة ويحافظون عليها وينسخون نسخاً منها للهيكل وللمجامع وللدارسين من
شعب الله كما كانوا يحفظون النطق الصحيح لكلمة الله شفوياً. واستمر عملهم هذا حتى
سنة500م حتى قامت جماعة منهم دعوا بالماسوريين، أي حملة التقليد، من كلمة ”
ماسورا ” أي يسلم التقليد والوحي الإلهي الذي تسلموه من أسلافهم، وعملوا في
الفترة من 500 م إلى 950 م على وضع العلامات المتحركة وحركات النطق والتي أثبتت
كشوف قمران أنها استمرار لما تم في القرون السابقة للميلاد.

1 – نسخ الهيكل والمجامع ؛ كانت أسفار
العهد القديم تقرأ في الهيكل في جميع الاحتفالات والمناسبات الدينية والاجتماعات
العامة في المجامع، خاصة أيام السبت، وكانت توجد لفائف، أدراج، خاصة بأسفار موسى
الخمسة وأجزاء من أسفار الأنبياء في لفة أخرى والكتابات في لفتين آخرين، وخمسة
أدراج أخرى (نشيد الانشاد وراعوث والجامعة وأستير والمراثي) كانت تقرأ في الأعياد
السنوية. وقد وضع الكتبة والماسوريون على مر الأجيال قواعد صارمة لضمان نقل آيات
ونصوص الأسفار المقدسة من مخطوطة إلى أخرى بدقة شديدة حتى لا يقعوا في أي خطأ.
ويقول كل من السير فردريك كنيون في كتابه ” كتابنا المقدس والمخطوطات القديمة
” و ف. ف بروس في كتابه ” الكتب والرقوق “، أنهم، أي الكتبة
والماسوريين، أحصوا عدد الآيات والكلمات والحروف في كل سفر، وحددوا الحرف
الأوسط في أسفار موسى الخمسة والحرف الأوسط في العهد القديم كله، وعرفوا الآيات
التي تحتوى كلماتها على كل حروف الأبجدية.
وفيما يلي أهم القواعد والخطوات
التي أتبعوها كما جاءت في التلمود والقواميس والكتب الكثيرة:

(1) يجب أن يكون الدرج المستعمل في الكتابة في
المجامع مكتوباً على جلد حيوان طاهر.

(2) يجب أن يجهزه يهودي لاستخدامه في المجمع.

(3) تجمع الرقوق معا بسيور مأخوذة من حيوان
طاهر.

(4) يجب أن يحتوى كل رق على عدد ثابت من الأعمدة
في كل المخطوطات.

(5) يجب أن يتراوح طول كل عامود ما بين 48 –
60سطرا، وعرض العامود يحتوى على ثلاثين حرفاً.

(6) يجب أن تكون الكتابة على السطر، ولو كتبت
ثلاث كلمات على غير السطر ترفض المخطوطة كلها.

(7) يجب أن يكون حبر الكتابة أسود، لا أحمر ولا
أخضر ولا أي لون آخر، ويتم تجهيزه طبق وصفة ثابتة.

(8) يتم النقل بكل دقة من مخطوطة صحيحة تماماً.

(9) لا يجب كتابة كلمة أو حرف أو نقطة من
الذاكرة، يجب أن ينقل الكاتب كل شىء من المخطوطة النموذجية (المقياس).

(10) يجب ترك مسافة شعرة أو خيط بين كل حرفين.

(11) يجب ترك مسافة تسعة حروف بين كل فقرتين.

(12) يجب ترك مسافة ثلاثة سطور بين كل سفرين.

(13) يجب إنهاء سفر موسى الخامس بانتهاء سطر.
ولا داعي لمراعاة ذلك مع بقية الأسفار.

(14) يجب أن يلبس الناسخ ملابس كهنوتية كاملة.

(15) ويجب أن يغسل جسده كله.

(16) لا يبدأ كتابة اسم الله بقلم مغموس في
الحبر حديثاً.

(17) لو أن ملكا خاطب الكاتب وهو يكتب اسم الله
فلا يجب أن يلتفت إليه.

 وكانت
كل مخطوطة لا تتبع فيها هذه التعليمات تدفن في الأرض أو تحرق أو ترسل للمدارس
لتقرأ فيها ككتب مطالعة، ولا تستعمل في المجامع ككتب مقدسة.

2 – النسخ العامة ؛ التي كانت
تنسخ للشعب للقراءة الخاصة ولم يكن مسموح أن تقرأ في المجامع ومع ذلك كانت تكتب
بنفس الدقة وباهتمام عظيم وأن كان لا يطبق عليها بعض القواعد الخاصة بمخطوطات
المجامع، مثل لون الحبر.

 

2- مجموعات المخطوطات العبرية واهم نسخها

 نظراً لانتشار المسيحية في كل بلاد العالم،
وكذلك انتشار مجامع اليهود في الكثير من بلاد العالم، فقد انتشرت نسخ الأسفار
المقدسة في كل مكان على الأرض ويوجد الآن في مكتبات الجامعات ومتاحف العالم عشرات
الألوف من مخطوطات العهد القديم باللغة العبرية وآلاف أخرى باللغة اليونانية
وبلغات الترجمات الأخرى، سواء الكاملة أو الجزئية أو التي تضم قصاصات أو جذاذات
صغيرة، وفيما يلي أهم مجموعات هذه المخطوطات:

1 – يوجد حوالي 100,000 (مائة آلف) مخطوطة في
كامبردج، من مجموع المخطوطات التي اكتشفت في جنيزة القاهرة (جنيزة مخزن تحفظ فيه
الكتب القديمة والمستهلكة) 2 – وتضم مكتبة لينينجراد (بطرس برج حاليا) بروسيا
1,582 مخطوطة مكتوبة على رقوق، و 725 مخطوطة مكتوبة على ورق، و1,200 قصاصة من
مخطوطات غير عبرية.

3 – ويوجد 161 مخطوطة في المتحف البريطاني.

4 – كما يوجد 146 مخطوطة في مكتبة بودلين.

5 – ويوجد في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها
عشرات الألوف من المخطوطات والجذاذات (القصاصات) السامية والتي تشكل أسفار العهد
القديم 5% منها، أكثر من 500 مخطوطة.

6 – تم اكتشاف حوالي 200,000 (مائتي ألف) مخطوطة
وقصاصة في معبد بن عزرا في القاهرة سنة1890 م منها حوالي 10,000 (عشرة آلاف)
لأجزاء من أسفار العهد القديم وترجع للقرنين السادس والتاسع للميلاد.

 وفيما
يلي أهم نسخ هذه المخطوطات:

(1) بردية ناش ؛
وترجع للقرن الثاني الميلادي، حصل عليها ناش في مصر سنة 1902م، وكانت تعتبر اقدم
مخطوطة قبل اكتشاف لفائف البحر الميت، وتحتوى على نص ليتورجى للوصايا العشر وجانب
من الشما (من خر2: 20،3؛ تث6: 5،7؛4: 6،5)، أي ” أسمع ” وهى الكلمة
الأولى من تثنية 4: 6، وهى تعتبر قانون إيمان إسرائيل لإعلان وحدانية الله كما جاء
في تثنية 4: 6 ” أسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد “. وكانت الشما
تمارس في الصلاة يوميا.

(2) مخطوطة القاهرة ؛ التي نسخها موسى بن
أشير في طبرية بفلسطين سنة 895 م وتحتوى على أسفار يشوع وقضاة وصموئيل 1و2 وملوك
1و2 واشعياء وارميا وحزقيال والأنبياء الأثنى عشر، وهى موجودة في مجمع اليهود
القراء ين بالقاهرة

(3) مخطوطة المتحف البريطاني ؛ (شرقيات
4445) وهى نص كامل لأسفار موسى الخمسة، التوراة، (تك20: 39 – تث33: 1)، كتبت فيما
بين سنة 820 و 850 م، وعليها أسم بن اشير.

(4) مخطوطة حلب ؛ وتحتوى على العهد
القديم كاملاً، نسخها هارون بن موسى بن أشير وتؤرخ بسنة 900 إلى 925 م، وكانت
محفوظة في مجمع اليهود السفرديم بحلب وهى الآن بالقدس.

(5) مخطوطة بطرسبرج B3(لينينجراد سابقاً) ؛ وتحتوى على الأنبياء القدامى

(اشعياء وارميا وحزقيال) والمتأخرين (الأثنى
عشر)، وترجع لسنة 916 م.

(6) مخطوطة بطرسبرج B19a (لينينجراد) ؛ وتحتوى على العهد القديم كاملاً، وقد
نسخت سنة 1008 – 1009 م على يد صموئيل بن ياكوب بالقاهرة.

7 – تم اكتشاف مئات المخطوطات والقصاصات في كهوف
البحر الميت بمنطقة وادي قمران ابتداء من سنة 1947م وحتى سنة 1965م وقد وُجد بها
عشرات النسخ من كل الأسفار عدا سفر أستير.

 

3- مخطوطات قمران
وأهميتها

 بدأ
اكتشاف مخطوطات قمران أو لفائف البحر الميت سنة 1946م في خربة وادى قمران القديمة
على الشواطئ الشمالية الغربية للبحر الميت، وتعتبر هذه المخطوطات أو اللفائف، برغم
حداثة اكتشافها من أثمن مخطوطات الكتاب المقدس بل واكتشافات القرن العشرين لأنها
ترجع للقرون الثلاثة السابقة للميلاد والقرن الأول الميلادي (من حوالي 280 ق. م
إلى حوالي 133م)، وتزيد في متوسطها عن أقدم مخطوطة كانت بين أيدينا بحوالي1150 سنة،،
وبالطبع فهي منقولة أو منسوخة عن نسخ أقدم منها بعشرات بل ومئات السنين، وبالتالي
يقترب بعضها من زمن عزرا الكاتب، الذي جمع كل أسفار العهد القديم وأعاد تحريرها
ونسخها بالروح القدس، بحوالي من 150 إلى 250 سنة، وقد يكون بعضها منقول عن النسخ التي
نسخت في زمن عزرا نفسه، كما أن معظمها موجود من قبل تجسد السيد المسيح،الذي أكد
صحة كل حرف وكل كلمة في اسفار العهد القديم، بقرنين أو ثلاثة قرون. وهى بذلك تؤكد
الاستمرار الطبيعي غيرالمنقطع في تواصل النص الأصلي لأسفار العهد القديم ووصوله
إلينا بكل دقة عبر الزمان والتاريخ وتبطل كل نظريات وأراء النقاد والليبراليين
(التحرريين)

الذين زعموا دخول اضافات على بعض الأسفار، مثل
المزامير، وتأخر كتابة البعض الآخر، مثل دانيال، للقرنين السابقين للميلاد
مباشرة،أو القرن الأول للميلاد، مثل الجامعة، حيث وجدت أجزاء كثيرة لكل أسفار العهد
القديم عدا سفر استير فقط. وفيما يلي أهم هذه المخطوطات الكتابية:

1- كهف1(من 15/2إلى9/3/1949م) ويضم جزيئات كثيرة
لأسفار التكوين واللاويين والتثنية والقضاة وصموئيل الأول والثاني ومزامير ولفة
طويلة كاملة لسفر اشعياء (
(1QISa ولفة طويلة، جزئية، أخرى لسفر اشعياء (1QISb)
وحزقيال ودانيال واجزاء من تفاسير للمزامير وميخا وحبقوق وصفنيا وزكريا.

2 – كهف 2(مارس سنة 1952م) ويضم جذاذات من مئات
المخطوطات منها1لسفر التكوين و2 للخروج و1 للاويين و4 للعدد و3 للتثنية 1لأيوب و1
للمزامير و2 لراعوث و1لارميا.

3 – كهف 3(4 /3/1952م) ويضم بالإضافة لجزئيات من
أسفار المزامير اشعياء ومراثي وحزقيال نصفين لدرج نحاسى به خريطة ل64موقع سرى
لكنوز مخفية.

4 – كهف4 (سبتمبر 1952م) ويضم مئات المخطوطات
(حوالي 400) منها حوالي 100 نسخة لأسفار العهد القديم كلها عدا سفر استير، منها
جزئيات من سفر الجامعة، ومنها لفة لسفر صموئيل (
4QSamb)
تعتبر اقدم نسخة معروفة للكتاب المقدس وترجع للقرن الثالث قبل الميلاد (لسنة 280
ق.م)، كما يوجد به عددا من التفاسير لأسفار المزامير واشعياء وناحوم، كما توجد
أسفار التثنية واشعياء وأرميا والأنبياء الصغار بكثافة تدل على حب لدراسة هذه
الأسفار وتفضيلها عن بقية أسفار العهد القديم، كما وجد بهذا الكهف نسخة هامة جدا
لسفر دانيال تحتوى على (دا28: 7؛ 1: 8) الذي تتغير فيه من الآرامية للعبرية مما
يؤكد قدم السفر وأنتقاله عبر الأزمنة كما هو. ومن أهم لفائف هذا الكهف أيضا تفسير
لسفر هوشع (8: 2- 14)،(
4Q16)
مكتوب على رقوق في القرن الأول قبل الميلاد

5 كهف 5 (سبتمبر
1952م) ويضم جزء من سفر طوبيا إلى جانب جذاذات من أسفار التثنية والملوك 1و2
واشعياء وعاموس والمزامير والمراثي.

6- كهف 6 (27 /9/1952م) ويضم من بين جزئياته
برديات من أسفار التكوين واللاويين والتثنية والملوك ونشيد الإنشاد ودانيال.

7 – كهوف من7 إلى10وتضم أجزاء قليلة من أسفار
العهد القديم.

8 – كهف 11(يناير وفبراير 1956م) ويضم لفة من
أهم لفائف قمران تشكل أجزاء من41 مزموراً (من مزامير 50

إلى 101) بما فيها مزمور151 الذي كان معروفا في
اللغة اليونانية فقط، مكتوبة على جلد سميك من العصر الهيرودسى، وذلك إلى جانب 36
مزمور آخر من المزامير التي تقع فيما بين 93 إلى 150، وثلاثة نسخ منها جزء جيد من
سفر اللاويين (
11Qlevb) وترجوم (تفسير) آرامي لسفر أيوب.

 

ثالثاً: دقة حفظ كلمة الله في هذه المخطوطات

 هناك صلة قوية وسلسلة واحدة متصلة، لا تنقطع،
بين نسخ الأسفار المقدسة التي كتبها الأنبياء والرسل وبين الكتاب المقدس كما هو
بين أيدينا في القرن العشرين في كل اللغات المترجم إليها، وهنا يتبادر إلى ذهن
القارئ سؤال هام هو ؛ هل يملك علماء الكتاب المقدس نسخة دقيقة ومطابقة للأصل كما
خرج من أيدي الرسل والأنبياء كتبة الوحي الإلهي؟ والإجابة هي: نعم. لأن علماء
الكتاب المقدس يمتلكون آلاف النسخ والمخطوطات، سواء الجزئية أو الكاملة من أسفار
العهد القديم، منها مئات النسخ التي ترجع للقرون الثلاثة السابقة للميلاد قبل
الميلاد والقرن الأول الميلادي.

 وقد
أولى علماء اليهود القدماء آيات الأسفار المقدسة واعتنوا بها عناية فائقة منذ أيام
موسى ويشوع إلى عزرا، ومن عزرا إلى عصر التلمود ثم عصر الماسوريين. ففي عصر
التلمود
(300 ق. م – 500 م) تم نسخ أعداد كبيرة من العهد القديم لاستخدام
الهيكل والمجامع والدراسات الخاصة، وكانت هذه النسخ تحفظ في الهيكل وفى المجامع
بعناية خاصة وفائقة، وكانوا يخفونها وقت الحروب والضيقات حتى لا تقع في أيدي
الأعداء، مثلما حدث في عصر الثورة المكابية (168ق.م) وكانت هناك العشرات بل المئات
من المخطوطات في نفس الوقت مع الاسينيين في كهوف وادى قمران (167 ق.م – 133م). وفى
عصر الماسوريين
(500م – 1000م) نسخت عشرات المخطوطات وحفظت بكل دقة حسب تعاليم
التلمود:

 تقول
المشنا (أبوت 1: 1) ” أستلم موسى التوراة في سيناء وسلمها ليشوع ويشوع سلمها
للشيوخ والشيوخ سلموها لرجال المجمع العظيم وقالوا ثلاثة اشياء: كن متروياً في
القضاء، أقم تلاميذ كثيرين، وأعمل سورا حول التوراة “. ويقول المؤرخ
اليهودي يوسيفوس معاصر تلاميذ السيد المسيح ” ويوجد برهان عملي على كيفية
معاملتنا لهذه الأسفار، فبرغم المدة الطويلة التي انقضت حتى الآن لم يجرؤ أحد
أن يضيف شيئاً إليها أو أن يحذف شيئاً منها “.

 فقد
مارس الكتبة الذين كانوا ينسخون هذه الأسفار عملهم بدقة شديدة وقد تبرهن لنا ذلك
بشكل عملي بعد اكتشاف مخطوطات قمران. فقد كانت أقدم نسخة موجودة للعهد القديم، حتى
سنة 1947م، ترجع إلى القرن العاشر للميلاد، أي بينه ا وبين السيد المسيح حوالي
1000 (ألف) سنة ومع ذلك كان كل اليهود والمسيحيون واثقين أن لديهم كلمة الله كما
سلمت منذ البدء. وقد تبرهنت هذه الثقة بصورة

عملية وعلمية بعد اكتشاف مخطوطات قمران ابتداء
من سنة 1946. فهل كان المؤمنون في حاجة لاكتشاف مثل هذه المخطوطات ليتأكدوا من صحة
إيمانهم بالكتاب المقدس؟ والإجابة ؛ كلا، فهم واثقون من وعد الله الذي وعد بحفظ
كلمته، إنما سمحت عناية الله لمثل هذه المخطوطات المكتشفة أن ترى النور لترد على
الذين ادعوا أن أسفار العهد القديم كتبت بعد الأنبياء بسنين كثيرة، وبرهان للذين
ادعوا وجود تحريف أو تغيير أو تبديل في أسفار الكتاب المقدس على بطلان مزاعمهم!!!
فقد أكدت مخطوطات قمران على ثلاث حقائق جوهرية ؛

الأولى هي وجود نسخ كثيرة لكل
سفر من أسفار العهد القديم، عدا سفر واحد هو سفر أستير، وكلها ترجع للقرون الثلاثة
السابقة للسيد المسيح والقرن الأول للميلاد، مع ملاحظة أن هذه المخطوطات منقولة عن
مخطوطات أخرى أقدم منها ترجع لأيام عزرا الكاتب، وبالتالي أصبح لدينا مخطوطات
للعهد القديم ترجع لما قبل السيد المسيح وتلاميذه، ومخطوطات معاصرة له، وزال
الفارق الزمني بين أقدم مخطوطة كانت لدينا وبين السيد المسيح، بل وأصبح لدينا
مخطوطات ترجع لما قبل تجسده بمئات السنين. ويجب أن نتذكر أن السيد المسيح وتلاميذه
ورسله أكدوا وحي كل كلمة بل وكل حرف وكل نقطة في أسفار العهد القديم كما كانت في
أيامهم

والثانية هي إيمان اليهود في كل
العصور بوحي وقداسة هذه الأسفار فقد اقتبسوا منها واستشهدوا بها في كتاباتهم بنفس
الأسلوب والطريقة التي اقتبس واستشهد بها العهد الجديد. فقد استخدموا تعبيرات مثل
ما أمر به الله خلال موسى وخلال كل خدامه الأنبياء ” الذي
ساووا فيه بين أسفار موسى النبي وجميع الأنبياء باعتبارها جميعاً كلمة الله. ومثل
الصيغة المقدسة “ مكتوب ” في مقدمة اقتباسات كثيرة من أسفار
كثيرة مثل أسفار موسى الخمسة واشعياء وحزقيال وهوشع وعاموس وميخا وناحوم وزكريا
وملاخى. وجاء في إحدى كتاباتهم ” الوثيقة الصادوقية ” قول الكاتب أن
ناموس موسى لا يمكن أن ينتهك وسيحرم الإنسان الذي ” ينتهك كلمة واحدة من
ناموس موسى “. وكانت هذه الوثيقة تستخدم عبارات ” كلمة الله
“، ” قال هو “، ” قال الله “، ” كتاب
الناموس
“، ” قال موسى “، ” كمقدمة لاقتباساتها من
أسفار العدد والتثنية واشعياء وعاموس وهوشع وزكريا وملاخى، واقتبست من سفر الأمثال
كسفر مقدس وكلمة الله واستخدمت عبارة ” الناموس والأنبياء
مرتين للإشارة إلى كل أسفار العهد القديم.

والثالثة هي عصمة أسفار الكتاب
المقدس ودقة حفظها على مر العصور بدون زيادة أو حذف أو تغيير أو تبديل، وصحة كل
كلمة وكل حرف فيها والتأكد من تطبيق القواعد التي وضعها الكتبة لعمل نسخ منها بكل
أمانة ودقة، فقد قام العلماء بعمل مقارنة بين لفه لسفر اشعياء ترجع لسنة 916م ولفة
أخرى لسفر اشعياء (اشعياء
A) من مخطوطات قمران وترجع لسنة 125 ق م، بفارق زمني قدره حوالي
1050 سنة، وكانت النتيجة مذهلة، فقد تبين لهم حقيقة حفظ الله لكلمته والدقة
المتناهية والتي وصلت بها إلينا، وكانت النتيجة كالآتي ؛ فقد وجدوا في 166 كلمة من
ص53 تساؤل حول 17 حرفاً، عشرة منها في حروف الهجاء وأربعة في طريقة الكتابة، دون
أي تأثير على المعنى، وثلاثة حروف في كلمة ” نور ” الموجودة في آية 11
والتي وجدت في الترجمة اليونانية السبعينية. ثم وجدت مخطوطة أخرى لسفر اشعياء
(اشعياء
B) تتفق بصورة أدق وأروع مع المخطوطة الماسورية.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى