علم

الفصل التَّاسِع



الفصل التَّاسِع

الفصل
التَّاسِع

آباء
الغرب في القرن الرَّابِع

القديس
أمبروسيوس أسقف ميلان (339 – 397م)

القديس
أُغسطينوس أسقف هيبو (354 – 430م)

القديس
هيلاري أسقف بواتييه (310 – 367م)

 

آباء
الغرب في القرن الرَّابِع

استعار
القديس أمبروسيوس (339م) أسقف ميلان، كثير من المسائِل اللاهوتية في مجال
العقيدة من القديس باسيليوس رئيس أساقفة الكبادوك الذي شابههُ في أوجه كثيرة.

يتكلم
القديس أمبروسيوس عن الله كخالِق فيقول ” لم يخلِق الله
الأشياء بأدوات وفن وإنما قال فكان، إذ تكمُن قُوَّة العمل في الأمر الإلهي “ (1).

وفي عظمِة اللاهوت وعدم قُدرِتنا على ادراكه يقول:

” البحث في شخص المسيح أمر يفوق قُدرِتنا، لأنه أيَّة معرِفة يشتاق
إليها أحد أكثر من المسيح؟!

ففي هذا الاسم يتجلَّى اللاهوت ويُعلن التجسُّد وأيضاً الآلام “ (2).

تكلَّم القديس أمبروسيوس عن كينونِة الله ووجوده فقال:

” لا شئ يتميز به الله مثل كونِهِ دائِم الوجود “ (3).

أكَّد القديس أمبروسيوس على وحدِة اللاهوت في ردُّه على الأريوسيين
الذينَ نادوا بأنَّ الآب أعظم من الابن (4).

ويقول القديس ” من جهة الجسد صار من نسل داود، لكنه هو الله المولود
من قبل العوالِم “ (5).

وعن وحدانِيِة الجوهر يقول ” ها أنتم ترون أننا نقول بأنَّ نِعمة
الآب والابن واحِدة، وسلام الآب والابن واحِد، لكن هذه النِّعمة
وهذا السَّلام هما ثمرِة الروح “ (6).

وعن
قُدرِة المسيح السرمدية يقول القديس أمبروسيوس:

” إن كان المسيح هو قُدرِة الله السرمدية، فالمسيح إذن سرمدي “

” إنَّ عظمِة الآب ومجده هما ذات عظمِة الابن ومجده “

صبغ
القديس أُغسطينوس (430م) الثيولوچيا بالتقوى التي عاشها بعد توبته وتجديده،
والتي ألهمت رؤيته الروحية..

وكان
شخص المسيح هو نقطة انطلاقه، ومُعينه الذي لا ينضب، وهدفه الذي لا هدف آخر من
ورائهُ، وذلك لأنَّ المسيح هو ابن الله بالحقيقة الذي تجسَّد، والذي أتى لِيَهِب
الحياة حيث كان الموت.

ويرى
القديس أُغسطينوس أنَّ إعلان الأقانيم الثَّلاثة لذواتِهِم كان هكذا:

الآب بالخليقة
في العهد القديم.

الابن بالتجسُّد
والفِداء.

الروح
القدس

بالكنيسة وبقداسِة المؤمنين.

تميَّز
القديس أُغسطينوس في منهجه اللاهوتي بلاهوت هادِف، فكتب لا كباحِث نظري في
اللاهوتيات، إنما كان يكتُب بغاية عملية واضِحة هي التمتُّع بالحياة مع الآب خلال
الثبوت في الابن بواسطة عمل روحه القدوس.

فكان
قصد القديس أُغسطينوس من كِتاباته اللاهوتية هو
الحياة في المسيح “
وإن كان السيِّد المسيح
هو مركز اللاهوتيات، إلاَّ أنَّ ذلك خلال اللاهوت التريادولوچي (الثَّالوثي).

يرى
القديس أُغسطينوس أنَّ الثيولوچيا هي سِر الثَّالوث القدوس، الذي اعتبره
أعلى قمة في الحياة المسيحية، ممتد لِمَا وراء ولِمَا هو أعلى من مستوى الحقيقة الطبيعية..

ركِّز
القديس أُغسطينوس على حتميِة الإيمان والتقوى كمدخل وبِداية نتمتع من خلالها
بالثيولوچيا.

أكَّد
القديس أُغسطينوس على أنَّ ابن الله هو الذي يُعلِن ذاته لنا، لأنه هو خلاصنا: ” يُعطيني الرب كلاً من معرفة ذاته والخلاص “ (7).

وعلى أنَّ اللاهوت يتمحور حول شخص المسيح، فيقول:

” عدِّة أسلحتنا هي المسيح “، ” أنتَ المُدافِع عني وقرن خلاصي، أنتَ
المُدافِع عني، فإني لا أعتمِد على ذاتي، وإنما أجِدك قرناً حقاً، حيث عُلُو
الخلاص الأكيد “ (8).

ويعود
القديس ليضع شرطاً لنرى الله فينا ويُعلِن ذاته ومجده الإلهي داخِلنا فيقول: ” اظهِر ذاتك لذاك الذي يعرِفك فيكشِف هو ذاته لك يا من لا
تعرِفه “ (9).

ركِّز القديس على ضرورِة الإيمان لبلوغ فهم الثيولوچيا:

” لا تستطيعوا أن تنالوا الفهم ما لم يُشرِق الإيمان في القلب “.

” الإيمان يبحث عنه وأمَّا الفهم فيوجد “.

” حسب تعليم الكنيسة الجامِعة يليق بالعقل أن يتغذى أولاً بالإيمان
البسيط حتى يقدِر أن يفهم الأمور السماوية الأبدية “.

” إنَّ الإنسان بالإيمان يُرافِقه السيِّد المسيح ليسير معه كل
الطريق “ (10).

يتوجه القديس إلى الله ليكشِف له عن مجد لاهوته فيقول:

” إلهي… أنتَ نوري، افتح عن عيني فتُعايِنا بهاءك الإلهي “.

” الله المِلء والإنسان فارِغ، إن أراد أحد أن يمتلِئ فليذهب إلى ذاك
الذي هو المِلء “ (11).

ويتكلَّم
القديس أُغسطينوس عن الله كخالِق فيقول ” إنَّ الله
يأمر النور الذي خلقهُ والظُّلمة التي لم يخلِقها ويطيعانه “، مُعتبِراً أنَّ ”
الابن نفسه هو البِدء “ (12).

وعن كينونِة الله، يُعلِّق القديس أُغسطينوس قائِلاً:

” ليس هو قد كان أو سيكون، ولكنه الكائِن بلا تغيير، لذلك قال عن
نفسه (أنا هو الذي أنا هو)… فهو الخلود الذي هو ملجأنا والذي نحتمي به من تقلُّب
الزمن، لكي نستقِر فيه إلى الأبد… “ (13).

ويتعمق القديس ُغسطينوس في وجود الله بالنسبة للكائِنات الأخرى
فيراها عدماً، فيقول:

” كما لو كان هو وحده الكائِن الذي له وحده وجود، قال الله (أنا هو
الكائِن)، وينبغي أن يُدعى الكينونة ذاتها وكأنَّ هذا هو اسمه الأوَّل، لأنَّ
كينونتِهِ إذا قيست بها سائِر المخلوقات تُحسب كأنها بلا وجود، فهي كائِنة فقط
لأنها وُجِدت به، ولا يمكن أن يُقاس وجودها بجوار وجوده، وإذا قُورِنت به فليس لها
وجود، لأنَّ الوجود الحقيقي يلزم أن لا يعتريه تغيير، وهذا ما يتصِف به هو وحده “
(14).

كتب
القديس أُغسطينوس كِتاباً عن الثَّالوث القدوس، فحاز المكانة الأولى وسط الكِتابات
اللاهوتية الأخرى في الغرب إلى مدى قرون عِدَّة.

قدَّم
سلسلة من التشبيهات لسِر الثَّالوث القدوس، وهي تشبيهات مأخوذة من العالم الحِسِّي
للإنسان، ثم يتسامى بتشبيهاته من المحسوس إلى الروحاني ولكن على المستوى الطبيعي
للإنسان، وأخيراً ينتقِل إلى المستوى الروحي الفائِق للطبيعة، الذي هو الحِكمة
التي أطلق عليها الثيولوچيا الكامِلة.

اعتبر
القديس أنَّ الحِكمة اللاهوتية الكامِلة هذه، هي ثمر مواهِب الروح القدس التي
تكشِف لنا عن معرِفة الله، تلك المعرِفة العُليا لسِر الثَّالوث القدوس.

ويقول
القديس أُغسطينوس عن اللاهوت الثَّالوثي:

” هذا ما نتمسك به بحق وغيرة شديدة، وهو أنَّ الآب والابن والروح
القدس ثالوث غير قابِل للانفصال، إله واحِد لا ثلاثة “ (15).

ويُعلِّق القديس أُغسطينوس على أنَّ المسيح هو سلامُنا (الثيولوچيا
الاختبارية) فيقول:

” السَّلام هو المسيح لأنه هو سلامُنا الذي جعل الاثنينِ واحِداً
ونقض حائِط السِياج المُتوسِط (أف 2: 14)… المسيح ابن الله هو السَّلام جاءَ لكي
يجمع من له ويفصِلهم عن الشَّر “ (16).

ربط القديس أُغسطينوس بين الثيولوچيا العبرانية والثيولوچيا المسيحية
الحقيقية مع الذُّكصولوجيا، فيقول:

” الأمور الجديدة تسير في تناسُق مع القديمة، والقديمة مع الجديدة،
هوذا الساروفان يقولان الواحِد للآخر: قدوس قدوس رب الجنود، العهدان يسيران في نغم
واحِد، ولهما صوت واحِد “.

ومن الأساسيات اللاهوتية لتعليم أسقف هيبو: تأمُّلاته عن النِّعمة،
عندما واجه بيلاجيوس المُبتدِع ببدعتِهِ عن كفايِة الجهد البشري للخلاص، الأمر
الذي جعل القديس أُغسطينوس يجتهِد ويُغالي ليكشِف عن سِر النِّعمة الذي عليه
تتأسَّس العقيدة المسيحية.

وسمَّى القديس أُغسطينوس العمل الإلهي ب ” الدفقة الإلهية “، التي
اعتبرها كافِية في حد ذاتها لخلاصنا ولكنها تُسر وتفرح بالعمل الشخصي والجِهاد..

عالج القديس الجدل حول مدى حتميِة المُشاركة الإلهية للإنسان في
جِهاده للبلُوغ إلى غايته القصوى في الحياة المسيحية، مُركِزاً على موضوع الإنسان
وجِهاده ومركزه داخِل الكنيسة، وهو ما يُسمَّى في المُصطلحات اللاهوتية الحديثة
باسم
ecclestastical
anthropology
، وذلك في
مواجهة الهرطقة البيلاجية، كما أنَّ الانشقاق النوڤاتي والدوناتي، فتح
المجال على مصرعيهِ أمام الحوار حول طبيعِة الكنيسة
Ecclesiology وكِفايِة الأسرار للخلاص Sacramental Theology، وكما واجه الشرق البِدعة الأريوسية، واجه الغرب البِدعة
البيلاجية التي دفعت باللاهوتيين إلى مواجهتها.

ونظرة إلى تاريخ الآباء مُعلِّمو الأسرار الإلهية، نجد أنَّ القرن
الرَّابِع حافِل بكثير من الآباء الذينَ غاصوا في الأسرار الإلهية، ومن بين هؤلاء
الآباء القديس هيلاري (من بواتييه)، الذي كرَّس كل مواهِبه الأدبية في
الرَّد على الأريوسية، واقتبس من الآباء مُعلِّمي الشرق الكِبار، فأثرى الفِكر
اللاهوتي في الغرب بالرؤيا الشرقية.

كان القديس هيلاري مثل أثناسيوس رجل الإيمان الحي، حتى أنه سُمِّيَ
” أثناسيوس الغرب “.. ويُعتبر القديس هيلاري المُعلِّم اللاهوتي
الثَّالوثي، الذي ركِّز على التعليم الثيولوچي التريادولوچي كسابقيه من الآباء
(17).

كتب
القديس كِتاباً كبيراً عن الثَّالوث، وهو يُمثِّل شهادة أسقف نُفِيَ من أجل
الإيمان التقليدي، فاهتم ليس فقط بالدِفاع عن التريادولوچيا، بل بالغوص في
أعماقِها أيضاً، وعلى الأخص في هذا السِّر العظيم لله الواحِد المُثلث الأقانيم.

انشغل
القديس بسِر الثَّالوث القدوس، ولا يفصِل في كِتاباته الآب عن الابن عن الروح
القدس، مُعتبِراً أنَّ اللاهوت الثَّالوثي قانون للحياة تتحول به إلى سلوك
حي بالمحبة المسيحية الحقيقية.

ويُميِّز
القديس بين بنوتنا نحن لله وبُنُوِة المسيح الابن الوحيد، فيقول ” أنَّ المسيح هو ابن الله حسب الطبيعة اللائِقة به وليس
بمجرد الاسم، نحن أبناء الله لكنه هو ليس ابناً مِثلنا، إذ هو الابن ذاته بالطبيعة
لا بالتبني، هو الابن بالحق لا بالاسم، بالميلاد لا بالخِلقة “ (18).

يتحدَّث
القديس هيلاري عن الثيولوچيا فيقول:

” ظهر أنه إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب، لكي نعرِف اسمه الذي هو
طبيعته، فهو الله الذي هو كائِن بذاته، بكل ما تعنيه الكلِمة! “ (19).

علَّق
القديس على كينونِة الله قائِلاً:

” إني مُندهِش حقاً من التعريف الواضِح لله، الذي يُعبِّر عن
المعرِفة الفائِقة عن الادراك للطبيعة الإلهية (الثيولوچيا) بكلِمات مُلائِمة
تماماً للفهم البشري، لأنه لا توجد صِفة من صِفات الله أكثر تمييزاً له ويمكن بها
ادراكه مثل وجوده، فهو كائِن من ذاته ولا صِلة له بتلك الأشياء التي سوف يتوقف
وجودها يوماً ما، ولا بتلك الأشياء التي لا بِداية لها، فمن غير الممكن لذاكَ الذي
يجمع بين الخلُود والقُّوة اللانهائِية أن يكون في وقتٍ ما غير كائِن… لأنَّ كل
ما هو إلهي غير مُعرَّض للفناء أو الانشاء “ (20).

===

مراجِع
الفصل

1)           
Of The Holy
Spirit 2: 148
.

2)           
In Luc. 9.

3)           
The Faith of
The Early Fathers, Vol. II, William A. Jurgens
.

4)           
Of The
Christ. Faith 5: 9 (115)
.

5)           
Of The
Christ. Faith 3: 5 (34)
.

6)           
Of The Holy
Spirit
1: 12 (126).

7)           
On Ps. 27.

8)           
Adv.
Jovinianus 2: 3, on Ps. 18
.

9)           
On Ps. 104.

10)       
Reply to
Foustus and Manichaean 12: 46
.

11)       
Ser. On N.
T. Lessons 83: 6
.

12)       
P.L. 46: 82
I, on Ps. 10
.

13)       
N.P.N.F. 1
st series, Vol. VIII
.

14)       
The Faith of
The Early Fathers, Vol. III, P. 22, 23
.

15)       
Ser. On N.
T. Lessons 2: 2
.

16)       
On Ps. 126.

17)       
E. Mersch, The
Whole Christ, p. 289
.

18)       
De Trini. 3: 11.

19)       
On The
Trinity, book V, 21, 22
.

20)       
On The
Trinity, 5, 1, The Faith of The Early Fathers, Vol. 1
.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى