اللاهوت الدفاعي

الباب الحادى عشر



الباب الحادى عشر

الباب
الحادى عشر

قضية
قيامة السيد المسيح من بين الأموات

قيامة
السيد المسيح هى الصخرة التى يبنى عليها المسيحى إيمانه واختباره.وقد أشار إليها
أنبياء العهد القديم:

فقال
داود النبى “جعلت الرب أمامى فى كل حين. لأنه عن يمينى فلا أتزعزع. لذلك فرح
قلبى وابتهجت روحى. جسدى أيضاً يسكن مطمئناً، لأنك لن تترك نفسى فى الهاوية لن تدع
قدوسك يرى فساداً. تعرفنى سبيل الحياة. أمامك شبع سرور. فى يمينك نعم إلى
الآبد” (مز16: 17-7-11).

 

وقال
هوشع النبى “يحيينا بعد يومين. فى اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه”
(هو6: 2).

 

وقد
تكلم السيد المسيح عن قيامته مقدماً فقال: “انقضوا هذا الهيكل وفى ثلاثة أيام
أقيمه” (يو2: 19) وقال أيضاً: “كما كان يونان فى بطن الحوت ثلاثة أيام
وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان فى قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال” (مت
12: 40).

 

وفعلاً
مات المسيح على الصليب ودفن وقام من بين الأموات وظهر لتلاميذه مراراً، ليلاً
ونهاراً، بالمنزل، وفى الطريق، وعلى البحر، وفوق الجبل، ولواحد، ولاثنين ولسبعه،
ولعشره، ولأحد عشر، ولأكثر من خمسمائه، وأراهم يديه ورجليه وجنبه، وتحدث إليهم
وأكل وشرب قدامهم.

 

فظهر
فى اليوم الأول الذى قام فيه
خمس مرات، وظهر قبل
صعوده خمس مرات، وظهر بعد صعوده مرة لشاول الطرسوسى فى طريق دمشق، ومرة ليوحنا
الرائى فى جزيرة بطمس.

 

وقد
تركت رؤية التلاميذ للسيد المسيح بعد قيامته أكبر الأثر فى التلاميذ،وتغيروا
تغييراً كلياً.

 

فبطرس
الذى أنكر المسيح أمام جارية اعترف به أمام جمهور اليهود فى قلب أورشليم عاصمة
البلاد. وقال لمجمع السندريم “ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس..إله آبائنا
أقام يسوع الذى أنتم قتلتموه معلقين إياه على خشبة” (أع5: 29،30).

 

وشاول
الطرسوسى كان فى غاية التعصب ضد المسيحية. وكان يهدد ويقتل كل من وجده مسيحياً.
ولكن وهو فى طريق دمشق ظهر له السيد المسيح، فتحول بعد هذه الرؤية إلى بولس الرسول
الذى صرف كل حياته فى نشر تعليم المسيح وختم شهادته بدمه بيد نيرون (أع9: 1-30،
2تى 4: 6-8).

 

وفى
أقل من نصف قرن غير الرسل البسطاء هيئة المسكونة. فانتشرت المسيحية بين الشعوب.
ومات كل الرسل شهداء، إلا يوحنا. فبعد أن نفى مات موتاً طبيعياً.

 

فليس
من المعقول أن يعرف الرسل أن المسيح لم يقم من الأموات ويؤدوا الشهادة لقيامته
بهذه القوة وبهذه التضحية.

 

والإيمان
بقيامة السيد المسيح جعل المؤمنين فى كل جيل يتقدمون بكل شجاعة وفرح إلى مذبح
الاستشهاد.

 

ولا
ننسى ميادين الاستشهاد المروعة التى ذهب إليها ألوف المسيحيين فى رومة طوعاً
واختياراً مرنمين أمام الموت وهم ينتظرون قيامة أفضل.

 

كما
لا ننسى ألوف الشهداء فى مصر أيام دقلديانوس حيث أظهروا إيماناً وبطولة دلت على
عمق محبتهم للسيد
المسيح وثقتهم بقيامة الأموات
وحياة الدهر الآتى.

 

ومنذ
فجر المسيحية إلى اليوم يخصص المسيحيون فى كل أنحاء العالم يوم الأحد عيداً للراحة
والعبادة، ذكراً لقيامة السيد المسيح المجيدة، كقول داود النبى ” هذا هو
اليوم الذى صنعه الرب. نبتهج ونفرح فيه” (مز 188: 24).

 

وها
هى المعمودية التى يمارسها كل من يدخل المسيحية شهادة صادقة لموتنا مع المسيح
وقيامتنا معه.

 

وها
هو سر التناول الذى تمارسه جميع الكنائس يعلن عن موت الرب وقيامته عيوننا مفتوحة
إلى السماء انتظاراً لمجيئه الثانى، كقول القديس بولس الرسول “فإنكم كلما
أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجئ” (1كو11: 26).

 

إن
قضية قيامة السيد المسيح تعد من أهم قضايا الإيمان المسيحى فهى ضروريه:

1-
لإظهار قوة الله.

2-
لإعلان لاهوت المسيح.

3-
لإتمام عمل الفداء.

4 لتحقيق مجد الصليب.

5-
لعمل السيد المسيح الشفاعى.

6-
لمنح الروح القدس.

7-
لضمان قيامتنا نحن من الموت.

8-
لتغيير وجهة نظر الإنسان عن الحياة الحاضرة والمستقبلية.

9-
لصحة وحى الكتاب المقدس.

 

إنى
اعترض.. القيامة إشاعات:

قال
المعترض: “ان كل ما قيل فى الأناجيل عن ظهور المسيح، بعد ما قيل عن صلبه
ودفنه، لا يعدو أن يكون بعض أقوال متناقضة هى فى حد ذاتها لفرط تناقضها دليل على
عدم صحة بعضها البعض، وهى فى مجموعها لا تعدو أن تكون إشاعات لا يمكن فى تقديرها
اعتبارها دليلاً
على ظهور المسيح حقاً..
وإنها إشاعه يتناقلها الناس فيضيف كل منهم جديداً.

 

التعليق:

لم
يدر المعترض (صاحب كتاب دعوة الحق) أن طعنه فى شهادة الرسل الحواربين لقيامة السيد
المسيح إنما هو طعن موجه للإسلام فى الصميم فهو:

 

1.      
أنكر قيامة المسيح التى اعترف بها القرآن فى
قوله ” والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً ” (سورة مريم:
32) وفى قوله “إنى متوفيك ورافعك إلىَّ” (سورة آل عمران: 55).

 

2.      
أنكر صحة الإنجيل الذى اعترف به القرآن فى قوله
“وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه. ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الفاسقون” (سورة المائدة: 47).

 

3.      
أنكر على الحواريين رسالتهم السماوية، ونسب
إليهم اللصوصية وسرقة جسد المصلوب “وأخبارهم بالكذب عن قيامته، وتضليلهم
للناس فى أنهم رأوا المسيح وهم لم يروه، ولم يكونوا فى حقيقة الأمر سوى مروجى
إشاعات حسب زعمه.

 

بينما
القرآن يعلن أن الحواربين:

1.               
موحى إليهم. فقال “وإذ أوحيت إلى الحواريين
أن آمنوا بى وبرسولى” (سورة المائدة: 111).

 

2.      
مرسلون ببلاغ مبين أنزل عليهم من السماء. فقال
“وأضرب لهم مثلاً أصحاب القربة إذ جاءها المرسلون. إذ أرسلنا إليهم اثنين
فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون. قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما
أنزل الرحمن من شئ إن أنتم إلا تكذبون. قالوا ربنا يعلم أنا إليكم لمرسلون. وما علينا
إلا البلاغ المبين” (سورة يس: 13-17).

 

3.      
كانوا شهود صدق كباقى الأنبياء الذين شهدوا
لأتباعهم فقالوا “فاكتبنا مع الشاهدين” (سورة آل عمران: 53) وقالوا عن
معجزات السيد المسيح ” ونكون عليها من الشاهدين” (سورة المائدة 113).

 

4.      
إنهم أنصار الله وأنصار المسيح، فقال “قال
عيسى ابن مريم للحواريين من أنصارى إلى الله. قال الحواريون نحن أنصار الله. فآمنت
طائفة من بنى إسرائيل وكفرت طائفة فايدنا الذين آمنوا على عدوهم فاصبحوا
ظاهرين” (سورة الصف: 14) “قال من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن
أنصار الله” (سورة آل عمران: 52).

 

وقال
الإمام البيضاوى فى تفسير آيه 14 من سورة الصف: الحواريون أصفياؤه وهم أول من آمن
به وكانوا اثنى عشر رجلاً من الحور وهو البياض” (البيضاوى صفحة 763).

 

وقال
فى تفسير آيه 52 من سورة آل عمران: “الحواريون” حوارى الرجل خالصته من
الحور وهو البياض الخالص ومنه الحواريات الحضريات لخلوص ألوانهن، سمى به أصحاب
عيسى عليه الصلاة والسلام لخلوص نيتهم ونقاء سريرتهم” (البيضاوى صفحة 100).

 

وقال
فى تفسير آيه 13-17 من سورة يس: “القرية” أنطاكية، “إذ جاءها
المرسلون” رسل عيسى، “فقالوا أنا إليكم مرسلون” أرسل إليهم عيسى
اثنين وعززهم بثالث، وشفى على أيديهم خلق كثير، وفتحوا عينى أعمى، وأقاموا الميت
فآمن جمع من أهل المدينة”.، والذين لم يؤمنوا قيل عنهم:

 

قالوا
ما أنتم إلا بشر مثلنا لا مزية لكم علينا.

وما
أنزل الرحمن من شئ وحى ورسالة، ” إن أنتم إلا تكذبون” فى دعوى الرسالة،.


قالوا ربنا يعلم أنا إليكم لمرسلون” استشهدوا بعلم الله وهو يجرى مجرى
القسم..


وما علينا إلا البلاغ المبين” الظاهر البين بالآيات الشاهدة لصحته (البيضاوى
صفحة 611، 612).

فأين
أقوال القرآن ومفسريه فى حق رسل السيد المسيح من أقوال الأستاذ المعترض

هل قيامة السيد المسيح كانت
بالروح فقط وليست بالجسد؟

1-    ان
هذه الأقوال لا تعطينا إجابة عن حقيقة القبر الفارغ. فلو كانت ظهورات المسيح
لتلاميذه بالروح، فالسؤال أين جسد المسيح، والقبر قد وجد فارغاً؟.

 

2-    كيف
تكون القيامة والظهورات بالروح وكل من ظهر لهم المسيح رأوه بصورة جسدية واضحة، بها
علامات وآثار وقد أكل وشرب معهم. فالمريمات أمسكن بقدميه (مت 28: 9) وتلميذا عمواس
سارا معه فى الطريق “أخذ خبزاً وبارك وكسر وناولهما” (لو24: 30) والسيد
المسيح نفسه قد طلب من تلاميذه أن يجسوه” (لو24: 39). وطلب من توما قائلاً
“هات إصبعك إلى هنا وأبصر يدى وهات يدك وضعها فى جنبى ولا تكن غير مؤمن بل
مؤمناً” (يو20: 27) وعندما ظهر لتلاميذه على بحيرة طبرية ” أخذ الخبز
وأعطاهم وكذلك السمك” (يو21: 13) فهل بعد كل هذا نقول إن الروح هى التى ظهرت
للتلاميذ؟ وهل الروح، تمشى وتتكلم وتأخذ وتعطى وتأكل؟.

 

3-    إن
السيد المسيح نفسه نفى أن يكون هذا الظهور بالروح، فعندما خاف التلاميذ وظنوا أنهم
نظروا روحاً، قال لهم: “انظروا يدىّ ورجلىّ إنى أنا هو جسونى وانظروا فإن
الروح ليس له عظام كما ترون لى”. وليثبت لهم حقيقة ذلك. “قال لهم أعندكم
ههنا طعام.. فأخذ وأكل قدامهم” (لو24: 37-42).

 

4-         
إن المريمات ذهبن ليحنطن جسد السيد المسيح،
ولكنهن وجدن القبر فارغاً، فهذا دليل القيامة بالجسد.

 

5-         
لا معنى لكامة القيامة إن كان يقصد بها الروح،
بل يكون معناها تاماً متى قيلت عن الجسد.

 

6-    فى
سفر الأعمال، يعقد القديس بطرس الرسول مقارنة بين جسد داود وجسد المسيح فيقول إن
جسد داود رأى فساداً، أما جسد المسيح فلم ير فساداً، مما يدل على القيامة الجسدية
(أع2: 24-36).

 

إنى
اعترض.. لماذا لم يظهر السيد المسيح إلا لعدد قليل؟

 

قال
المعترض: (جاء فى (أعمال الرسل2: 32) إن المسيح ظهر بعد قيامته ليس لكل اليهود، بل
لتلاميذه الذين سبق أن اختارهم. وهذا ما يبعث الشك فى خبر قيامته من الأموات، لأنه
لو كان قد قام فعلاً، لأظهر نفسه لكل اليهود حتى يؤمنوا جميعاً أنه قام).

 

التعليق:

(أ)
إن اليهود برفضهم للمسيح (يو1: 11) وصلبهم إياه، قد رفضهم الله. كما حكموا على
أنفسهم أنهم لا يستحقون أن يروا المسيح بعد، إلا وهو ملك يقضى على الأشرار منهم
ومن غيرهم من الشعوب كما أعلن لهم من قبل (متى23: 39). فضلا عن ذلك فإن المسيح لم
يكن من شأنه أن يرغم البشر على الإيمان به بواسطة معجزة يبهر بها عقولهم ويقهرها
لسلطانه، لأن هذا العمل، بالإضافة إلى أنه لا يتفق مع كماله أو مع حرية الفكر التى
جبل البشر عليها، فإنه لم يكن ليغير شيئاً من نفوس اليهود، لأنهم كانوا قد أصروا
على رفض الحق بكل وسيلة من الوسائل.

 

كما
أنه لو كان قد ظهر لهم بعد قيامته، لكانوا بسبب كرههم الشديد له، قد قالوا إن به
شيطاناً كما كانوا يقولون من قبل، عندما كان يأتى المعجزات الباهرة أمامهم (مت12:
24).

 

وتبعاً
لذلك ما كانوا يستقبلونه بالحب والإكرام، بل بالغيظ والحنق المنبعثين من الارتعاب
أمام قدرته. ولو فرضنا جدلاً أنهم لم يقابلوه بهذه المقابلة، لما استطاعوا أن
يؤمنوا به إيماناً حقيقياً، لأن العامل الأساسى فى هذا الإيمان ليس رؤية المسيح
قائماً من بين الأموات، بل هو الإخلاص للحق. وهذا الإخلاص لم يكن له أثر فى
نفوسهم. والدليل على ذلك أنهم رفضوا الإيمان بالمسيح على الرغم من المعجزات
الكثيرة التى تثبت شخصيته. وقد أشار، له المجد، من قبل إلى هذه الحقيقة بإشارة
عامة فقال عنهم: “النور (أى شخصه) قد جاء إلى العالم، وأحب الناس الظلمة أكثر
من النور لأن أعمالهم كانت شريرة” (يو3: 19)، كما قال عنهم أيضاً “إن
كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء، ولا إن قام واحد من الأموات يصدقون”
(لو16: 31).

 

(ب)
لذلك كان من البديهى أن يظهر السيد المسيح بعد قيامته لتلاميذه وللمؤمنين به فحسب،
إذ فضلا عن أن هذين الفريقين كانا أعرف الناس بشخصيته وأقدرهم على التحقق منها،
فإن عدد كل فريق منهما كان كافياً جداً لإثبات حقيقة قيامته. فالتلاميذ كانوا أحد
عشر، والمؤمنون كانوا خمسمائة. فإذا أضفنا إلى ما تقدم أن الذين آمنوا بالمسيح بعد
ذلك بواسطة رسله، لم يروا شخصه بأنفسهم – لأنه كان يكفيهم أن يتلقوا خبر قيامته من
شهود عيان تؤيد شهادتهم نبوات العهد القديم من جهة، والمعجزات التى أجراها الرسل
باسم السيد المسيح المقام إثباتاً لحقيقة قيامته من جهة آخرى (أع3: 15-16، 4: 9-10)
– اتضح لنا أن الدعوى التى نبحثها لا مجال لها على الإطلاق.

 

خطأ
النسوة فى معرفة القبر الذى دفن فيه السيد المسيح:

قال
المعترض: إن النسوه كن فى حالة من الحزن والبكاء فلم يتمكن من معرفة القبر الذى
دفن فيه السيد المسيح، وإذا لم يكن القبر الذى ذهبن إليه هو ذات قبر يوسف الرامى
الذى دفن به المسيح فإن القضية تكون انهارت من أساساتها.

 

التعليق:

1-
إن النسوه (المريمات) كن يعرفن المكان الصيحيح للقبر، فقد كن شاهدات عيان لعملية
الدفن، ويعلن الكتاب المقدس ذلك بكل وضوح، ففى (مت27: 59-61) “فأخذ يوسف
الجسد ولفه بكتان نقى ووضعه فى قبره الجديد الذى كان قد نحته فى الصخرة، ثم دحرج
حجراً كبيراً على باب القبر ومضى، وكانت هناك مريم المجدلية، ومريم الأخرى جالستين
تجاه القبر”. وفى (مر15: 46-47) “كفنه بالكتان ووضعه فى قبر كان منحوتاً
فى صخرة ودحرج حجراً على باب القبر، وكانت مريم المجدلية ومريم أم يوسف تنظران أين
وضع”. وفى (لو23: 55) “وتبعته نساء كن قد أتين معه من الجليل ونظرن
القبر وكيف وضع جسده “.

 

فالمريمات
راقبن عملية الدفن، وعرفن مكان القبر وقد تأكدن من ذلك لأنهن كن قد عزمن على
العودة مرة أخرى بعد السبت لوضع الحنوط والأطياب الإضافية على الجثة (مر16: 1،
لو23: 56) حيث يعلن “فرجعن وأعددن حنوطاً وأطياباً “.

 

2-
إن عدد المريمات يدحض هذا الإدّعاء، فلم تكن امرأة واحدة حتى يكون احتمال الخطأ
قائم، ولكنهن أكثر من ذلك (ثلاثة) فلو ضلت الطريق إحداهن وأخطأت فى معرفة القبر
لاستطاعت الأخريات أن يصلحن خطأها. وليس من السهل القول بجواز الخطأ على كلهن.

 

3-
إن الوقت الذى وصلت فيه المريمات إلى القبر ينفى احتمال الخطأ، وإن كن قد خرجن عند
الفجر والظلام باق (يو20: 1، مت28: 1، لو24: 1)، إلا إنهن وصلن القبر والشمس قد
أشرقت وأضاء نور الصباح (مر16: 2)، ولذلك فمعرفة القبر أمر سهل واحتمال الخطأ غير
قائم لمن سبق ورأين وعرفن هذا المكان جيداً.

 

4-
إن الضربة
القاضية لهذا الإدعاء هى أن السيد المسيح (*) قد دفن فى قبر خاص، فى
بستان خاص بيوسف الرامى، أى أن هذا المكان ليس مقبرة عامة، فيها كثير من القبور
حتى يكون هناك امكانية للخطأ، بل قبراً واحداً. فمن أين جاء القبر الآخر حتى تخطئ
المريمات فى معرفة القبر الأصلى؟..

 

5-
إن عقيدة قيامة المسيح لم تُبن على ما قالت به المريمات، أو على الرسالة التى
حملتها المجدلية: (أن جسد المسيح غير موضوع في القبر)، وعند ذلك ذهب بطرس ويوحنا
وتأكدا من قيامة المسيح من الطريقة التى رتبت بها الأكفان. فهل ذهب بطرس ويوحنا
إلى قبر أخر؟ مما لا شك فيه أن هذا القبر الخطأ لا يوجد إلا فى مخيلة مثيرى هذا
الادعاء.

 

6-
إن رؤساء الكهنة الذين راقبوا دفن السيد المسيح بأنفسهم، وختموا القبر بخاتمهم
(مت27: 26) ووضعوا الحراس بعد ذلك، لابد أنهم كانوا يعرفون موضعه حق المعرفة،
ولابد أنهم ذهبوا إليه على أثر سماعهم بخبر قيامة السيد المسيح للتحقق من صدقه،
لأن هذا الخبر كان يزعجهم كثيراً. ولو كانوا قد عثروا على جسد المسيح، لكانوا قد
أظهروه للوالى وللتلاميذ ولليهود جميعاً، ولكان خبر قيامة المسيح من الأموات قد
اندثر تماماً. فلو أن النسوة ذهبن للقبر الخطأ، فلماذا لم
يذهب رجال
السنهدريم للقبر الصحيح ليعلنوا للملأ كذب فكرة القيامة؟.. أم أن رؤساء الكهنة قد
ذهبوا للقبر الخطأ كما فعلت النسوة؟. وإذا كان الكل قد ذهبوا إلى القبر الخطأ، فلماذا
لم يصلح يوسف الرامى الأمور؟ لقد كان يعرف قبره.

 

مما
لا شك فيه أن هذا الادعاء كاذب
نتج عن عدم إيمان يحاول
أن يبرر ما قد قرره

وعلى
فرض أن السيد المسيح قد دفن فى مقبرة عامة، فإنه من السهل جداً معرفة قبر المسيح،
لأنه القبر الوحيد الذى توجد عليه آثار الأختام من شمع أو صلصال.

إنى اعترض.. الله يرفع
المسيح دون أن يموت فأين القيامة؟

 

يقول
المعترض: (جاء فى يوحنا16: 10) إن المسيح قال لتلاميذه قبل حادثة الصلب ”
لأنى ذاهب إلى أبى ولا تروننى أيضاً، أى أن الله سيرفعه إليه دون أن يموت. بينما
جاء فى (يوحنا20،21) أنهم رأوه بعد قيامته.

 

التعليق:

من
الخطأ تفسير آية بالاستقلال عن الآيات المقترنة بها، بل يجب تفسيرها بالاقتران مع
هذه الآيات. فبعد الآية الأولى قال السيد المسيح لتلاميذه “بعد قليل لا
تبصروننى، ثم بعد قليل أيضاً تروننى، لأنى ذاهب إلى الآب”. ولما سألوه عن
معنى هذه العبارة، قال لهم ” إنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح.. لكنى سأراكم
أيضاً، فتفرح قلوبكم” (يوحنا16: 16-32) – فمن هذه الآيات يتضح لنا أن السيد
المسيح كان عتيداً أن يموت أولاً، وأن تلاميذه كانوا عتيدين أن يبكوا وينوحوا.
وبعد ذلك كان لابد أن يقوم من الأموات فيفرحون برؤيته، وأخيراً كان لابد أن يصعد
إلى السماء من حيث أتى فى أول الأمر. ومن ثم لا يكون من الميسور لهم أن يروه
بالجسد بعد ذلك على الإطلاق.

 

ماذا
يمنع من سرقة الجسد بحسن نية؟

قال
المعترض: “ليس ببعيد أن يكون صحيحاً أن بعض الناس، أياً كان قصدهم، قد سرقوا الجسد
بالفعل، سواءً كانوا من أتباع المسيح، وقد ظنوا أنهم بذلك يؤدون واجباً أو ينالون
بركة أو نحو ذلك، أو من أعدائه وقد أرادوا أن يتخلصوا من هذا الجسد الذى علق عليه
أتباع المسيح آمالاً عديدة” (دعوة الحق صفحة 166).

 

التعليق:

من
المعلوم أن يوسف الرامى بعد أن دفن جسد السيد المسيح بتصريح من بيلاطس الوالى وضع
على فم القبر حجراً كبيراً (متت27: 57-60).

 

وبطلب
من رؤساء الكهنة إلى بيلاطس، ضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر (مت27: 26-66).

وفى
صباح الأحد جاء ملاك من السماء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه، ومن خوفه ارتعد الحراس
وصاروا كأموات ومضوا إلى المدينة وأخبروا شيوخ اليهود بكل ما كان، فأعطوهم فضة
كثيرة وأوصوهم أن يقولوا إن التلاميذ آتوا ليلاً وسرقوا الجسد ونحن نيام. وإذا سمع
ذلك عند الوالى فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين. فأخذوا الفضة وفعلوا كما علموهم.
فشاع هذا القول عند اليهود (مت28: 2-15).

 

ولم
يأخذ الأستاذ المعترض صاحب كتاب دعوة الحق بقصة الإنجيل المقدس بل أخذ بإشاعة
اليهود التى تنكر قيامة المسيح وتدعى سرقة الجسد. وهذا الادعاء ظاهر البطلان
بالبداهة:

 

1-         
سرقة الجسد من ستين جندياً مكلفين من الحكومة
بالسهر ليلة واحدة أمر يكاد يكون مستحيلاً.

 

2-         
ادعاء الجنود أنهم كانوا نياماً وآن التلاميذ
سرقوا الجسد أثناء نومهم ادعاء غير معقول لأن النائم لا يرى شيئاً وشهادته لا قيمة
لها.

 

3-    غير
معقول أن يسرق جسد المسيح أتباعه وينادوا بقيامته ويموتوا شهداء فى سبيل ذلك.
فوجود الجسد فى يدهم عنوان الفشل والكذب. وهم ليسوا من البلاهة حتى يعتبروا ذلك
بركة.

 

4-         
غير معقول أن يسرق جسد
المسيح
اعداؤه ويخفوه، بل من مصلحتهم أن يظروه كدليل على فشل المسيح وخيبة دعوته.

 

فإن
كان جسد المسيح لم يرفع من القبر بواسطة أتباعه، ولا بواسطة أعدائه، فيكون قد قام
بقوته الذاتية كما أنبأ عن ذلك بنفسه (يو10: 17،18). وقد برهن نفسه حياً بظهوراته
العديدة.

 

هذا
ويجدر بنا أن نذهب بصاحب الاعتراض إلى الإمام البيضاوى ليسمع منه كيف كان حال
تلاميذ المسيح الحواريين وأتباعهم بعد صعود المسيح إلى السماء وماذا قال القرآن عن
ذلك.

 

قال
البيضاوى فى تفسير آية 14 من سورة الصف: “فآمنت طائفة من بنى إسرائيل وكفرت
طائفة” أى بعيسى.، “فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم” بالحجة.. وذلك
بعد رفع عيسى.، “فأصبحوا ظاهرين. فصاروا غالبين”.

 

فكيف
أيدهم الله بالحجة يا سيادة المعترض؟ هل يؤيدهم وهم لصوص كذابون، حيث سرقوا جسد المصلوب
وادعوا أنه قام من الأموات كما تقول؟ أم كان إيمانهم بقيامة المسيح صحيحاً،

فأيدهم
الله ضد غير المؤمنين فأصبحوا ظاهرين؟.

 

قال
القرآن الكريم “وجعلنا الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة”
(سورة آل عمران: 55).

 

قال
الإنجيل “وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ونعمة عظيمة
كانت على جميعهم” (أع4: 23).

 

وهذه
هى “كلمة الإيمان التى نكرز بها لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك
أن الله أقامه من الأموات خلصت” (رؤ10: 8،9).

إنى
اعترض.. جسد يسوع ألقى فى حفرة المصلوبين:

قال
المعترض: الحق أننا لا نعرف وغالباً التلاميذ أنفسهم لا يعرفون أين ألقى جسد يسوع
بعد إنزاله من على الصليب. غالباً بواسطة جلاديه، والأغلب أنه ألقى فى حفرة
المصلوبين ولم يوضع فى قبر جديد.

 

التعليق:

1.      
أن المُدعى لم يقدم أى برهان على صدق نظريته، بل
فروضاً لا أساس لها من الصحة والبينة على من ادعى. كما يقول رجال القانون.

 

2.               
إن المدعى يغفل شهادة الأناجيل الواضحة التى نرى
فيها:

 

أ
– يوسف الرامى أخذ الجسد وكفنه ودفنه (مت27: 57-59، مر15: 42-46، لو23: 50-52،
يو19: 38-40).

 

ب-
النسوة اللاتى تبعن يسوع عند الصليب، وراقبن قيام يوسف الرامى ونيقوديموس بعملية
التكفين والدفن (مت27: 61، مر15: 47، لو23: 55).

 

ج-
ذكر الكتاب المقدس للقبر والحجر الذى وضع على بابه (مت27: 60، مر15: 46، لو23:
53).

 

د
– طلب رؤساء الكهنة من بيلاطس وضع حراسة على القبر، ثم ختم القبر بالأختام
الرومانية (مت27: 62-66). فكيف يتم ذلك إذا كان المسيح قد ألقى فى حفرة
المصلوبين؟.

 

ه-
هناك كثير من الأشخاص الذين زاروا القبر – النسوة (مت28: 1، مر16: 2، لو24: 1،
يو20: 10).

 


بطرس ويوحنا (لو24: 12، يو2002: 3-8).

 

3.      
إن المدعى يغفل شهادة الكتب التاريخية والكنيسة
التى ترجع إلى القرون الأولى (*)
وتؤكد صحة دفن المسيح فى قبر يوسف الرامى.

 

إنى
اعترض: الكتاب المقدس يعلن أنه لا قيامة:

 

قال
المعترض: (إن الكتاب المقدس ينكر فى بعض آياته القيامة من الأموات. فقد جاء فى سفر
أيوب أن من ينزل إلى الهاوية لا يصعد (7: 9)، ومن ثم يكون القول بقيامة المسيح بعد
موته متعارضاً مع ما جاء فى هذا الكتاب، وبالتبعية يكون ادعاء باطلاً).

 

التعليق:

إن
غرض أيوب من هذه العبارة ليس نفى البعث، بل نفى رجوع الإنسان بعد موته إلى بيته
واصدقائه. والدليل على ذلك أنه قال فى موضع آخر عن نفسه “وبعد أن يفنى جلدى
هذا، وبدون جسدى أرى الله” (أيوب19: 26). كما أن بولس الرسول قال لمن ينكر
البعث ويتساءل عن كيفيته: “يا غبى! الذى تزرعه (من نبات) لا يحيا إن لم يمت.
والذى تزرعه، لست تزرع الجسم الذى سوف يصير، بل حبة مجردة.. ولكن الله يعطيها
جسماً كما آراد.. هكذا أيضاً قيامة الأموات: يزرع الجسد فى فساد ويقام فى عدم
فساد، يزرع فى هوان، ويقام فى مجد، يزرع فى ضعف ويقام فى قوة، يزرع جسماً حيوانياً
ويقام جسماً روحانياً” (1كورنثوس15: 36-45) – ولذلك ليس هناك مجال للاعتراض
على شهادة الكتاب المقدس عن قيامة المسيح من بين الأموات.

 

إنى
اعترض: من هن الذاهبات إلى القبر (*)؟

قال
المعترض: جاء فى إنجيل متى “وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم
المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر” (مت28: 1). ومن ذلك نعرف أن اللتين
ذهبتا إلى القبر هما مريم المجدلية ومريم الأخرى. بينما جاء فى مرقس “وبعد ما
مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنه.
وباكراً جداً فى أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس” (مر16: 1،2).
فنعرف من ذلك أن اللاتى ذهبن إلى القبر بينهن سالومة والتى لم يشر إليها إنجيل
متى. أما إنجيل لوقا فيقول “فى أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات
الحنوط الذى أعدته ومعهن أناس” (لو24: 1) وهن هنا بقصد، يهن نساء كثيرات بل
ومعهن أناس أيضاً. أما إنجيل يوحنا فيقول ” وفى أول الأسبوع جاءت مريم
المجدلية إلى القبر” (يو20: 1) ومن هنا نعرف أن التى ذهبت هى مريم المجدلية
وحدها.

 

وهكذا
فمنذ أول رواية ما قيل عن قيام المسيح من بين الأموات وظهوره للبعض، نجد تناقضاً
لا مزيد عليه حتى بالنسبة لمن قيل إنهم ذهبوا إلى قبره لأول مرة واكتشفوا عدم
وجوده “.

 

التعليق:

لا
يوجد فى مجموع هذه العبارات أى تناقض. فالبشائر الأربعه متفقة فى اير اد اسم مريم
المجدلية، ثم أن (مرقس16: 1) و(لوقا24: 10) أوردا اسم مريم أم يعقوب التى يشير
إليها متى بالقول مريم الأخرى (مت27: 56)، بمعنى أن مريم هذه وردت فى الثلاث
بشائر.

 

إذاً
يوجد اتفاق تام بين كل ما جاء فى البشائر عن النساء اللاتى أتين إلى القبر. ولا
ننكر أن مرقس قد انفرد بذكر سالومة بينهن، كما انفرد لوقا بذكر يونا (لو24: 10)
ولكن هذا لا يدل على أن مرقس ولوقا يناقض أحدهما الآخر. وكل ما فى الآمر أن قول
هذا يكمل قول ذاك. فسالومة كانت بين النساء فى ذلك الصباح كما كانت يونا أيضاً.

 

وما
يجب ملاحظته أن يوحنا مع أنه لا يذكر إلا مريم المجدلية يشير فى كلامه إلى مصاحبة
بعض رفيقات لها، إذ يقول إنها لما وجدت القبر فارغاً ركضت إلى بطرس ويوحنا
“وقالت لهما أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه” (يو20: 20)
فقولها “لسنا نعلم” بصيغة الجمع يرى أنها لم تذهب بمفردها.

 

إن
التناقض بين الأقوال يكون بنفى بعضها البعض الآخر، فلو أن أحد كتبة الإنجيل قال
إنه ذهب إلى القبر كثير من النساء بينما قال آخر أنه لم يذهب إلا مريم المجدلية
لكان هذا تناقض. لكن قول أحدهم إن مريم المجدلية ذهبت إلى القبر. وقول الآخر إنه
ذهب معها بعض النساء فهذا دليل ليس على التناقض، بل على أن الأول اكتفى بذكر أكثر
الشخصيات دوراً، أما الآخر فذكر أسماء النساء اللاتى ذهبن معها ليسجل كل ما حدث
بالتفصيل.

زلزلة
– ملائكة – رجال:

قال
المعترض: (جاء فى (مت28: 8) أن زلزلة عظيمة قد حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء
وجاء ودحرج الحجر عن باب القبر، وجلس عليه. بينما جاء فى (مرقس16: 4) أن النساء
عندما ذهبن إلى القبر رأين الحجر مدحرجاً. ولما دخلن رأين شاباً

جالساً
على اليمين لابساً حلة بيضاء. وجاء فى (لوقا24: 2) أن النساء وجدن الحجر مدحرجاً
عن القبر، وفيما هن محتارات إذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة. بينما جاء فى
(يوحنا20: 10، 12،13) أن المجدلية رأت الحجر مرفوعاً، فانحنت إلى القبر فرأت
ملاكين).

التعليق:

 (أ)
إن التناقض بين الأقوال يكون كما ذكرنا فيما سلف بنفى بعضها للبعض الآخر. فلو أن
أحد كتبة الإنجيل قال إنه حدثت زلزلة، وقال الآخر إنه لم يحدث زلزلة، لكان هناك
تناقض، لكن إذا لم يتعرض الثانى لذكر شئ عن الزلزلة، فليس هذا دليلاً على عدم
حدوثها، بل دليلاً على أنه اختصر فى تسجيل تفصيلات القيامة، فاكتفى بالإشارة إلى
دحرجة الحجر عن القبر وعدم وجود جسد المسيح فيه الذى هو أهم أمر فى القيامة.

 

 (ب)
كما أن قول الواحد إن ملاكاً جلس على الحجر، وقول الآخر إن النساء رأين شاباً
لابساً حلة بيضاء داخل القبر، لا تناقض بينما، إذ من المحتمل أن الملاك بعد ما
دحرج الحجر جلس عليه، لكى يرعب الحراس. لكن لما رأى النساء مقبلات إلى القبر انتقل
إلى داخله (لئلا يهربن كما هرب الحراس من قبل)، فتراءى لهن شاب لابس حلة بيضاء.

 

وهكذا
الحال من جهة قول الواحد إن النساء رأين ملاكين، وقول الآخر إنهن رأين رجلين. لأنه
من المسلم به أنه إذا أرسل الله لنا ملاكاً، لا يرسله فى هيئته الخاصة كروح، لأننا
لا نستطيع فى هذه الحالة إدراكه، بل يرسله لنا فى الهيئة المألوفة لنا وهى الهيئة
البشرية.

 

فإذا
أضفنا إلى ذلك أن الإنجيل الذى سجل أن النساء رأين منظر ملائكة هو الذى سجل أنهن
رأين رجلين بثياب براقة (لوقا24: 4-23)، لا يبقى هناك مجال للاعتراض.

 

 (ج)
كما أن قول أحد كتبة الإنجيل “إن النساء رأين فى القبر ملاكاً”، وقول
الآخر “إن مريم المجدلية رأت فيه ملاكين” لا يوجد تناقض بينهما، لأن
الفاعل ووقت الفعل ليسا واحداً فى العبارتين – إذ أن الذى رأى فى العبارة الأولى
هن النساء اللاتى أتين مع مريم المجدلية، وذلك على آثر ذهابهن إلى القبر. أما الذى
رأى فى العبارة الثانية فهى مريم المجدلية وحدها، وذلك بعد انطلاق النساء
المذكورات إلى المدينة – لأن المجدلية عندما رأت الحجر مدحرجاًً لم تدخل القبر مع
النساء المذكورات (إذ خانتها قواها بسبب محبتها الشديدة للمسيح وحزنها العميق
لموته)، بل ظلت خارجاًً تبكى لظنها أن جسد المسيح قد سرق (يو20: 11). ولما انطلقت
النساء المذكورات إلى المدينة استجمعت قواها واتجهت بمفردها إلى القبر للتأكيد من
حقيقة الآمر – وإذا اختلف الفاعل وزمن الفعل، فليس من الضرورى أن يكون المفعول
واحداً.

 

وظهور
ملاك أو ملاكين أو جماعة من الملائكة عند قيامة المسيح يشبه ما حدث عند ولادته من
ظهورات سماوية، فقد ظهر جند من الملائكة يسبحون الله (لوقا2: 13)، بينما الذى بشر
الرعاة بمولد المسيح كان ملاكاً واحداً (لوقا2: 9). كما أننا إذا وضعنا أمامنا أن
الغرض الوحيد من ذهاب النساء إلى قبر المسيح هو تعطير جسده، ليس مشاهدة ملائكة أو
خلائق أياً كان نوعها، اتضح لنا أن القول برؤيتهن لملائكة أو لملاك لا مجال
للتلفيق أو التخيل فيه على الإطلاق.

 

ترتيب
حوادث القيامة:

قال
المعترض عن مريم المجدلية: “هل كان صحيحاً أن هذا هو لقاؤها به عند القبر وقد
حسبته البستانى وكانت بمفردها؟ أم الصحيح ذلك الذى ذكره عنها إنجيل متى من أنها
لقيته وكانت معها مريم الآخرى أثناء انطلاقهما لتخبرا تلاميذه بما قال لها
الملاك؟.

 

وهل
صحيح أنها لم تلمسه لأنه لم يصعد بعد إلى أبيه كما طلب منها، أم الصحيح أنها ومريم
الأخرى قد أمسكتا بقدميه “؟

 

التعليق:

إذا
رتبنا أخبار القيامة حسب وقوعها الزمنى لا نجد أي إشكال:

ففى
أول أسبوع أول الفجر أتت مريم المجدلية والنسوة اللاتى معها فوجدن الحجر مرفوعاً
عن القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا، فلم يصدقوهن (لو24: 1-11).

 

فخرج
بطرس ويوحنا. وكان الاثنان يركضان معاً. فسبق يوحنا بطرس وجاء أولاً إلى القبر.
وانحنى فنظر الأكفان موضوعة ولكنه لم يدخل.

 

ثم
جاء سمعان بطرس يتبعه، ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة والمنديل الذى كان على رأسه
ليس موضوعاً مع الأكفان بل ملفوفاًً فى موضع وحده. فحينئذ دخل يوحنا الذى جاء
أولاً إلى القبر فرأى وآمن. ومضيا إلى موضعهما (يو10: 2-10، لو24: 12).

 

أما
مريم المجدلية فرجعت مع مريم الأخرى إلى القبر ثانية وكانت عند القبر خارجاً تبكى.

 

وفيما
هى تبكى انحنت إلى القبر فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحداً عند الرأس والآخر
عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعاً، فقال لها يا امرأة لماذا تبكين؟

 

والتفتت
إلى الوراء فنظرت يسوع واقفاً.. وقالت له ربونى..

 

وتقدمت
هى ومريم الأخرى ومسكتا بقدميه وسجدتا له. قال لها يسوع لا تلمسينى لأنى لم أصعد
إلى أبى، فجاءت مريم المجدلية واخبرت التلاميذ أنها رأت الرب (يو20: 11-18، مت28:
1-10، مر16: 1-8).

 


فبعد ما قام باكراً فى أول الأسبوع ظهر أولاً لمريم المجدلية فذهبت هذه وأخبرت
التلاميذ الذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون. فلما سمع أولئك أنه حى وقد نظرته لم
يصدقوا” (مر16: 9-11).

 

ومن
هذا البيان نعرف أن ظهور المسيح أولاً كان لمريم المجدلية ومعها مريم الأخرى كما
ذكر متى. ولا تناقض مع ما ذكره مرقس ويوحنا أنه ظهر لمريم المجدلية لأنهما لم
يتعرضا لذكر مريم الأخرى بالنفى أو الإثبات.

 

وكذلك
نعرف أن يوحنا ذكر أن السيد المسيح قال لمريم لا تلمسينى، ومتى ذكر أنها والأخرى
لمستاه، وهذا لا تناقض فيه، لأن المسيح قال لمريم لا تلمسينى بعد أن أمسكتا هى
والآخرى بقدميه وسجدتا له.

 

حوار
بين الملاك والنساء:

قال
المعترض: (جاء فى (مت28: 9) إن الملاك عندما أخبر امرأتين أن المسيح قام من
الأموات، انطلقتا إلى المدينة. وعندما كانتا فى الطريق إليها، قابلهما المسيح فقال
لهما: أذهبا وقولا لإخوتى أن يذهبوا إلى الجليل. بينما جاء فى (لوقا24: 8-10) أن
بعض النساء عندما علمن (أو سمعن) بقيامة المسيح رجعن وأخبرن الأحد عشر تلميذاً،
فلم يصدقوهم).

 

التعليق:

ليس
هناك أى تناقض بين القولين، فالنساء بمجرد أن علمن بقيامة المسيح انطلقن إلى
التلاميذ لكى يخبرنهم بما حدث. ولما لم يصدقوهن، لأن الخبر كان جديداً وغريباً
بالنسبة إليهم رجعت اثنتان منهن إلى القبر،
عسى أن
تعرفا شيئاً أكثر عن قيامة المسيح. فظهر لهما الملاك المذكور وأخبرهما عن قيامته
بأكثر وضوح. وفى اثناء عودتهما هذه المرة لاقاهما السيد المسيح أيضاً، وطلب منهما
أن يقولا لتلاميذه أن يذهبوا إلى الجليل.

 

هل
أخبرت النسوة بالقيامة أم لا؟

قال
المعترض: “بينما يذكر إنجيل مرقس أن من ذهبن من القبر لم يقلن لأحد شيئاً،
معللاً ذلك بأنهن كن خائفات، يؤكد إنجيل لوقا أنهن أخبرن الأحد عشر بل وجميع الباقين
بهذا كله. ولا يفهم من ذلك ما إذا كن لم يخبرن أحداً أم أخبرن الجميع حقاً “.

 

 

التعليق:

إن
إشارة (مرقس16: 8) تفيد وصف حالة النساء وهن راجعات، فلم يقفن فى بيوت المعارف
والاصدقاء ليخبرنهم بما رأين وسمعن إذ كن مرتعدات.

 

ولا
ريب أن مرقس لم يقصد بإشارته هذه أن ينفى إخبارهن للتلاميذ لأنه فى عدد7 من هذا
الفصل يفيد أن الملاك قال لهن “اذهبن وقلن لتلاميذه وبطرس إنه يسبقكم إلى
الجليل”

 

فإن
كانت هؤلاء النسوة لم يخبرن التلاميذ يكون هذا عدم اطاعة منهن لأمر الرب على لسان
الملاك الأمر الذى لا يمكن صدوره من نساء تقيات أمثالهن.

 

وفى
عدد 10 من هذا الفصل يؤكد مرقس نفسه أن مريم المجدلية ذهبت وأخبرت التلاميذ وهم
ينوحون ويبكون مصداقاً لقول
إنجيل (لوقا24: 9). فلا
تناقض بين مرقس ولوقا على الإطلاق.

 

مجموعة
متناقضات مزعومة:

قال
المعترض: (جاء فى (مرقس16: 6) أن النساء عندما رأين الملاك اندهشن. بينما جاء فى
(متى28: 9) أنهن أمسكن بقدمى المسيح دون دهشة. وجاء فى (لوقا24: 37) أن التلاميذ
اضطربوا لما رأوا المسيح، بينما جاء فى (يوحنا20: 20) أنهم فرحوا عندما رأوه. وجاء
فى (متى28: 10) أن المسيح أوصى النساء أن يقلن لتلاميذه أن يذهبوا إلى الجليل لكى
يروه، بينما جاء فى (لوقا24: 33-36) أن تلاميذه رأوه فى أورشليم).

 

التعليق:

ليس
هناك تناقض بين هذه العبارات، إذ كان من البديهى أن تأخذ النساء الدهشة عندما رأين
القبر خالياً وملاكاً موجوداً فيه. إذ كن قد رأين بعيونهن من قبل أن المسيح قد دفن
فى هذا القبر، وأن حجراً كبيراً قد وضع عليه. لكن عندما رأين المسيح وتحققن من
شخصيته، زالت الدهشة وأمسكن بقدميه. وكان من البديهى أن يضطرب التلاميذ عندما رأوا
المسيح لأول وهلة، لأنهم كانوا يعلمون علم اليقين أنه مات ودفن. لكن لما اقتربوا
منه وتحققوا من شخصيته زال عنهم الإضطراب وحل محله السلام والابتهاج. وكان من
الواجب عليهم أن يذهبوا إلى الجليل طاعة لأمر المسيح، لكن عدم تصديقهم الخبر الخاص
بقيامته فى أول الأمر جعلهم ينتظرون فى أورشليم. فقدر المسيح حالتهم النفسية وأخد
يعلن ذاته لهم فى هذه البلدة حتى آمنوا جميعاً بقيامته. وبعد ذلك اسطاعوا أن
يذهبوا مع خمسمائة من المؤمنين به إلى الجليل (1كورنثوس15: 6) لرؤيته هناك، كما
قال لهم من قبل.

 

من
أقام من؟

قال
المعترض: (جاء فى (متى27: 64) إن المسيح قام، بينما جاء فى (أعمال5: 30) أن الله
أقامه).

 

التعليق:

ليس
هنا تناقض بين القولين، فالإقامة المسندة إلى المسيح، مسندة إليه بوصفه “ابن
الله”. وبهذا الوصف قال المسيح لليهود عن جسده قبل صلبه “انقضوا هذا
الهيكل، وأنا فى ثلاثة أيام أقيمه” (يوحنا2: 19). أما الإقامة المسندة إلى
الله، فمسندة إليه باعتبارها مصادقة منه على كل ما فعله المسيح أو حدث له. كما أنه
نظراً لأن جوهر الآب هو بعينه جوهر الابن، وهذا الجوهر هو اللاهوت، لذلك فكل عمل
ينسب إلى الابن ينسب فى الوقت نفسه إلى الآب. وقد أشار المسيح إلى هذه الحقيقة من
قبل فقال: “الآب الحال فىَّ هو يعمل الأعمال” (يوحنا14: 10).

 

كيف
يكون المسيح البكر من الأموات وقد أقام غيره:

 

قال
المعترض: (جاء فى الإنجيل أن المسيح أقام ثلاثة أشخاص بعد موتهم، وهم لعازر وابن
أرملة نايين وابنة يايرس (مرقس5، لوقا7، يوحنا11)، بينما جاء فى (أعمال الرسل26،
23) أن المسيح هو أول قيامة الأموات، وفي (رؤيا1: 4) “أنه البكر من
الأموات”، – وهذا التناقض دليل على أن الغرض من إسناد القيامة إلى المسيح،
مجرد رفعه عن مستوى البشر).

 

التعليق:

إن
الأشخاص الذين أقامهم المسيح بعد موتهم، قاموا بالأجساد الطبيعية التى كانوا فيها
من قبل، ثم عاشوا فى هذا العالم بهذه الأجساد فترة من الزمن، ماتوا بعدها ثانية.
ولن تعود أرواحهم بعد ذلك إلى أجسادهم إلا فى يوم البعث. لكن السيد المسيح عندما
قام من الأموات، قام بجسد القيامة الذى لا يتعرض للموت مرة ثانية، ولذلك يكون هو
بحق البكر من الأموات، مثالاً للمؤمنين الحقيقيين الذين سيقومون من قبورهم فيما
بعد، على صورة جسد مجده (فيلبى3: 21-22).

 

اعتراض..
تلاميذ المسيح هم مؤلفو ومخترعو قصة القيامة:

 

قال
المعترض: إن التلاميذ بعد موت المسيح لم يرغبوا فى العودة إلى العمل فاخترعوا من
ذاتهم فكرة قيامة المسيح من الموت.

 

التعليق:

1-
لكى يخترع شخص شئ يجب أن يكون هناك باعث يدفعه إلى ذلك؟ فما هو الباعث الذى دفع
التلاميذ لاختراع فكرة القيامة؟

 

يرى
المعترض: إن الباعث هو عدم رغبتهم فى العودة إلى العمل، وهذا شئ ينفيه الكتاب، حيث
أنه بعد موت المسيح قال بطرس “أنا أذهب لأتصيد” (يو21: 3). وقد تبعه فى
ذلك سبعة من التلاميذ، وقد ظهر لهم السيد المسيح وهم يصطادون فى بحيرة طبرية
(يو21: 4-8). ولنسأل لماذا لم يكن التلاميذ يريدون العودة إلى العمل؟ وماذا
يستفيدون من المناداة بقيامة المسيح من الموت؟ وهل تدرى كم كانت المعاناة التى
واجهها التلاميذ من جراء المناداة بهذا التعليم؟

 

2-
إن التلاميذ لم يكونوا يؤمنون بقيامة السيد المسيح من الموت، فعندما أخبرهم السيد
المسيح بذلك قبل موته لم يصدقوا وتساءلوا. وحتى بعد قيامته لم يصدقوا، حتى تأكدوا
بالدليل الذى لا يقبل الشك.

 

3-
إن التلاميذ كانوا فئة قليلة ضعيفة لم يستطيعوا أن يمنعوا صلب سيدهم بل هربوا،
فكيف يتوهمون أن تتاح لهم الفرصة لإقناع العالم بأنه قام من الموت؟ ولماذا عمدوا
إلى مثل هذا المأزق الحرج والمشروع الخطير؟ إنه فى هذا دليل على اقتناعهم بقيامة
السيد المسيح وليس اختراعهم لها.

 

4-
إذا كان التلاميذ قد اخترعوا هذا الخبر ونشروه فهم بذلك خادعون، وهذا مستحيل لما
يلى:

 

أ
– إن أخلاقيات التلاميذ لا تسمح بالمرة أن يكونوا كاذبين، فقد كانوا على مستوى عال
من الأخلاق وقدموا للعالم تعاليم لا يستطيع أحد أن ينكر سموها وعظمتها.

 

ب-
لو أن التلاميذ حاولوا تأليف قصة عن قيامة المسيح لاحتاجوا إلي وقت طويل، حتي
يحبكوا تفاصيلها، ويظهروها بمظر معقول أو قريب من المعقول، وليس إلى ثلاثة أيام
فقط، كانوا فى أثنائها فى حالة من الحزن والاضطراب لا يسمح لهم بالقيام بمثل هذا
العمل.

 

5-
” إن التلاميذ قد نشروا خبر قيامة السيد المسيح بين الناس الذين عاصروه،
وعرفوا كل شئ عنه، وبين أعداء ألداء كانوا يتربصون لهم ويحاولون إلصاق أى تهمة بهم
لكى يقضوا عليهم قضاءً تاماً. ومع ذلك لم يتعرض لهم
أحد
لتكذيبهم أو تخطئتهم، مما يؤكد لنا أنه لا يمكن أن يكونوا قد ابتدعوا خبر قيامة
السيد المسيح، إذن، لابد أنه خبر صادق “.

 

6-
إن التلاميذ قدموا حياتهم للموت فى سبيل هذا التعليم، ولا يصدق العقل أن إنساناً
يقدم حياته للموت فى سبيل تعليم هو يعلم أنه من اختراعه.

 

7-
إن التلاميذ قد بشروا بهذه الحقيقة الفائقة العقل فى المدن الشهيرة بعلومها
ومعارفها مثل روما وكورنثوس، وكانوا عرضة لسهام النقد والتمحص فلو كانت القيامة من
اختراعهم ماقويت حجتهم أمام مباحث الفلاسفة والعلماء اليهود واليونان (ولا سيما
أنهم لا يؤمنون بالقيامة الجسدية من الموت). وانتشارها فى هذه المدن دليل على
إيمان الكثيرين بها.

 

إذن،
بفحص بواعث التلاميذ وسلوكهم والظروف التى نادوا فيها بقيامة السيد المسيح من
الموت والنتيجة التى وصلوا إليها نتأكد أن خبر قيامة المسيح ليس من اختراع
التلاميذ ولكنه “قام حقاً “.

 

لقاء
السيد المسيح مع تلميذى عمواس:

قال
المعترض: ما معناه: أن المسيح لما ظهر للتلميذين المنطلقين إلى عمواس وتكلم معهما
طول الطريق لم يعرفاه إلا عند كسر الخبز، فكيف يصدق هذا؟.

 

التعليق:

أن
ظهور السيد المسيح لتلميذى عمواس سجله كل من مرقس ولوقا. وقال مرقس “ظهر
بهيئة أخرى لاثنين منهم” (مر16: 12، 13) وقال لوقا “ولكن أمسكت أعينهما
عن معرفته” (لو24: 16).

 

والسبب
هو تأكدهما أنه مات وعدم توقعهما، قيامته فكان السيد المسيح فى هذه الحالة غريباً
عن أذهانهم.

 

وكما
رأى إخوة يوسف أخاهم يوسف فى مصر ولم يعرفوه (تك42: 8)، وكما رأى أصحاب أيوب أيوب
ولم يعرفوه (أى2: 12) وكما رأى الرسل أنفسهم السيد المسيح فى العلية فجزعوا وخافوا
وظنوا أنهم نظروا روحاً (لو24: 37)، ذلك لأن غرابة الموضوع غطت على المعرفة لأول
وهلة. هكذا كان مع تلميذى عمواس، ولكنهما عرفاه عند كسر الخبز (لو24: 31).

 

اعتراض:
التلاميذ مرضى يتخيلون أموراً لا أساس لها:

قال
المعترض: إن التلاميذ والرسل لم يكونوا كاذبين، بل مخدوعين ومرضى يتخيلون أموراً
لا أساس لها. فالمسيح لم يظهر فعلاً. بل كانت الرؤى في خيالهم فقط لشدة محبتهم له.
لقد خيل لهم أنهم رأوه وبدأ هذا الوهم بالمجدلية ثم انتقلت الهلوسة إلى البقية.

 

التعليق:


لو أن ما رآه التلاميذ كان مجرد هلوسة، فإن إرساليتهم تكون باطلة من أساسها، ويكون
إيماننا المسيحى ظاهرة مرضية نشرها جماعة من المرضى العصبيين،

 

إن
السيد المسيح عندما اختار التلاميذ لم يختر مرضى نفسيين. إنه يعلم ما فى الإنسان،
ولو أنه اختار هؤلاء المرضى لشفاهم. ولو أنه اختار المرضى لينشروا هلوستهم لكان هو
صانع الخطأ وناشر الخيال، وهذا مستحيل “.

 

والهلوسة
أو الخيال هى: “رؤية شئ لا يتمشى مع المنظورات الحسية، فلم تتأثر أعصاب العين
بذبذبة ضوئية، ولكنها تأثرت بسبب نفسى داخلى، وفى الوقت نفسه يظن صاحب الرؤيا أن
تأثره النفسى حقيقة موضوعية واقعية، وبفحص هذا الادعاء فى ضوء ما يقوله علم النفس
عن الرؤى والخيال نرى:

 

1-    إن
الخيالات والأوهام أمور شخصية: لأن مصدر الخيالات هو العقل الباطن للشخص وما يذخره
من الذكريات والأفكار، أى أنها ترتبط باختبارات الفرد الماضية المترسبة فى عقله
الباطن. ولذلك فخيالات فلان تختلف عن خيالات غيره.

 

ولا
يمكن أن شخصين تصيبهما ذات الهلوسة فى وقت واحد. وهذا لا يتفق مع ظهورات السيد
المسيح، فكل الشهود شهدوا أن المسيح ظهر لهم، بينما هم مختلفون نفسياً، ومن خلفيات
مختلفة، وما تدخره عقولهم الباطنة مختلف، وقد شهد بهذه الرؤيا أكثر من شخص فى وقت
واحد مثل تلميذى عمواس(لو24)، والأحد عشر تلميذاً(يو20: 19، 26)

 

2-    إن
الخيالات تصيب فريقاً خاصاً من الناس دون غيرهم، (فالإنسان العصبى المزاج السريع
التأثر والاندفاع عرضة لمثل هذا بينما الإنسان الهادئ الرزين لا يصيبه شئ من ذلك.
وعلى هذا يجوز التغاضى عن شهادة مريم المجدلية بدعوى أنها شهادة أسست على أوهام
امرأة.. أما شهادة متى، وتوما الذى رفض التصديق مالم ير هو بعينيه ويلمس بيديه،
وشهادة بطرس وأندراوس وغيرهم فكيف تلقب بالخيالات). ولقد ظهر السيد المسيح لأكثر
من خمسمائة أخ فى مرة واحدة، ولا يمكن أن يكون هؤلاء جميعاً مصابين بذات الهلوسة.

 

3-    إن
الناس عادة يتوهمون ما كانوا يتوقعون، أو ما كان موجوداً فى عقولهم الواعية أو
الباطنة. أما التلاميذ فلم يكونوا متوقعين قط قيامة السيد المسيح، فإن يوم الجمعة
ملأهم بالهزيمة وحطم قلوبهم وقضى على آمالهم، وعندما سمعوا بالقيامة بدت لهم
كالهذيان (لو24: 11) وشكوا (مت28: 28)، وجزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحاً
(لو24: 37).

 

والتلاميذ
قد آمنوا بالقيامة بالرغم من إرادتهم، ولم تخلق من داخل عقولهم لكنها جاءتهم من
خارج إرادتهم..

 

فهم
لم يتوقعوا قيامة المسيح بالمرة. ولهذا فالأمر ليس خيالاً أو وهماً بالمرة.

 

4-    إن
ظهورات السيد المسيح أثرت على عقول التلاميذ وسلوكهم. وهذا تأثير لا تحدثه هواجس
وخرافات من تأليف البشر. فلو كان الهذيان قد احتل مكاناً راسخاً فى عقيدتهم، لما
كانت أفكار التلاميذ واضحة فى فهمها لشخصية السيد المسيح، ولما كانت لهم الرغبة
الملحة لإتباعه والنشاط للوعظ به.

 

5-    إن
المهلوسين لا يمكن أن يصبحوا أبطالاً، ولكن الذين شاهدوا المسيح المقام كانوا
أبطالاً ذهبوا للموت بأقدام ثابتة من أجل ما رأوه. ومما لا شك فيه أنه عندما يتعرض
المهلوس إلى العذاب والسجن ويقاد إلى الموت لابد أن يرجع إلى صوابه ويتدارك حقيقة
الأمر.

 

6-     إن الخيالات والأوهام تعترى المصابين بها فى
أوقات خاصة (كالمساء) وفى أماكن معينة مثل الغرف المظلمة، أى أنها ترتبط بموعد
ومكان خاص، ولكن ظهورات السيد المسيح، خلاف ذلك، فقد ظهر للمريمات صباحاً عند
القبر (مت28: 9-30)، ولتلميذى عمواس عصراً فى الطريق إلى عمواس (لو24: 13-23)،
وللتلاميذ مساء فى العلية (يو20)، ولبعض التلاميذ على بحيرة طبرية (يو21: 1-23)
وهم يصطادون. فالأوقات مختلفة، والأماكن متغيرة، وليس لها ارتباط بالسيد المسيح
حتى نقول إنها ترتبط بذكرى معينة أو حدث معين، أى إلى الهلوسة والهذيان.

 

وهذه
الظهورات لم تكن لمحات عابرة، ولكن استمرت لوقت طويل، فالمريمات تحدثتا معه وأمسكتا
بقدميه، تلميذى عمواس سارا معه وبدأ يتناول معهما الطعام، والتلاميذ فى العلية
تحدثوا معه وطلب منهم أن يلمسوه ليتأكدوا أنه هو، وعلى بحيرة طبرية طلب طعاماً
وتناوله معهم. وأعتقد أنه لا يمكن أن يكون هذا وهم وخيال.. ومن المستحيل أن يكون
هذا ايحاءً جماعىاً لاختلاف الأشخاص والأماكن والأوقات. وكيف نعلل الحديث واللمس
والأكل
فى الرؤيا والخيال؟.

 

7-    لا
يمكن أن تكون ظهورات السيد المسيح إدراكات حسية خاطئة لأنه كما يقول علماء النفس:
“الوهم إدراك حسى خاطئ واستجابة خاطئة لما يثير الحواس، ولكن فى الشخص العادى
مقدرة على أن يفحص الوهم، إذ تسرع بقية حواسه لإنقاذه منه”. وظهورات السيد
المسيح لمست حواس التلاميذ المختلفة من بصر (يو20: 2) وسمع (لو24: 39-43، يو20:
24-29، مت28: 9-10).

 

8-         
إن الخيالات لها صفات خاصة لا يمكن بأى حال من
الأحوال أن تنطبق على ظهورات المسيح، فهى:

 

أ
– تدرك المصابين بها بشئ من النظام التدريجى، فتأتى للإنسان مثلاً، فى أول الأمر
كل ليلة، ثم كل ليلتين، ثم مرتين فى الأسبوع إلى أن تزول بالتدريج.

 

ب-
تستمر لفترة طويلة ثم تخمد ببطء حتى تتلاشى.

 

أما
ظهورات السيد المسيح فقد توالت لمدة أربعين يوماً، ثم انقطعت مرة واحدة، أى لفترة
قصيرة ثم انتهت فجأة.

 

9-    إن
الحالة النفسية الواهمة المتواهمة (*)
قد تدوم حينا، ولكنها لا تلبث أن تصطدم بواقع الحياة وتسقط.. ففى بيئة يونانية لا
تؤمن بالقيامة الجسدية يُنادى بإنجيل القيامة وسط الأخطار والشدائد والأتعاب
والسجون والجلد والجوع والعطش، مما يسقط ويزيل كل وهم، وكل حالة نفسية شاذة.
فقيامة المسيح التى توهمها بعض اليهود لا تنطلى على حكماء اليونان ولا على جبابرة
روما العمليين.. والزمن كشاف لكل شئ، تسقط فيه أمام واقع الحياة الأوهام
والأكاذيب، وهنا رسل المسيح وأتباعهم يشهدون بالحادث الجلل مدة ثلاثين إلى سبعين
سنة، يستشهدون فى سبيل شهادتهم ولا نصدقهم، فمن بعدهم
لن تقوم
شهادة بشر على الإطلاق.

 

10-   إن
هذا الادعاء لا يحل لنا مشكلة القبر الفارغ، وعدم مقدرة اليهود على إبراز جسد
المسيح، وتقديمه تكذيباً لدعوى تلاميذه بقيامته من الموت.

 

11-   إن
السيد المسيح نفسه كان غير معروف عند ظهوره لمن ظهر لهم، مثل مريم المجدلية. فقد
ظنته البستانى (يو20: 11-16)، وتلميذى عمواس (لو24)، وبعض التلاميذ على بحيرة
طبرية (لو21). فلو كانوا قد أملوا أن يروه ثانية بعد موته أو توهموا بأنهم رأوه
لعرفوه حالاً، بلا تردد ولصوروه بالطريقة المعهودة لديهم.

 

12-   فى
أحد الظهورات قال السيد المسيح لتلاميذه أن يذهبوا ويعمدوا كل الأمم (مت28). فكيف
يتوهمون هذا فى وقت كانت نفوسهم مشبعة بالآمال الكبار فى إعادة مملكة يهودية؟
(أع1: 6) وفى وقت كان فيه التلاميذ محتقرين مرذولين من الأمة اليهودية ومن الحكومة
الرومانية معاً، فقراء لا حول لهم ولا قوة.

 

مما
سبق يتأكد لنا حقيقة قيامة السيد المسيح بعد موته، وأنه لا وهم ولا خيال إلا فى
أذهان المنكرين لحقيقة قيامة السيد المسيح من الموت.

 

اعتراض:
إفاقة من إغماء وليست قيامة من بين الأموات:

ينكر
الأحمديون كل ما هو فوق الطبيعة. لذلك، اعلنوا أن السيد المسيح لم يمت بل كان مغمى
عليه. ثم أفاق من اغمائه. وبالتالى ليست هناك قيامة. وقد ذكر ذلك مبرزاً غلام
وأتباعه فى ترجماتهم لمعانى القرآن، مثل مالك غلام فريد، محمد ظفر الله خان
والمولوى محمد على أخيراً نادى بهذه النظرية أحمد ديدات. وقد قمنا بتوضيح حقيقة
موت السيد المسيح فى الباب الخاص بقضية موت السيد المسيح، إلا أننا نشير إلى أن
موقف أحمد ديدات من موت السيد المسيح غير ثابت على مبدأ؛ فهو يرى:

 

1-         
أن السيد المسيح صلب وأغمى عليه ولكنه لم يمت
على الصليب، وهذا ما تنادى به الأحمدية، وأن الشبه هنا هو اشتباه الموت (*).

 

2-    وفى
موضع آخر يقول: إن الذى صُلب هو شخص آخر يشبهه. أما إنجيل برنابا فيؤيد النظرية
التى تقول إن شخصاً آخر قتل محله على الصليب، وهذا يتفق مع وجهة نظرنا نحن
المسلمين. فهنا الشبهة التى حصلت.. بقتلهم شخصاً آخر يشبهه (*).

 

3-    ومرة
ثالثة يقول: “فهم لم يقتلوه ولم يصلبوه ولكن بدا لهم كأنهم (**) فعلوا ذلك. فقد ظنوا أنهم
فعلوا
but it was made to appear to them so، ولكنهم لم يصلبوا ولم
يقتلوا المسيح.. لأنه من المؤكد أنهم لم يقتلوه. هذا هو مفهوم المسلمين لشبهة صلب
المسيح وقتله، هى أنهم لم يقتلوه، ولكن هذا ما ظنوه فى عقولهم أنه فعلوه
but it was something they thought in their
minds they had done
.

 

ثلاثة
أيام وثلاث ليال:

قال
المعترض: (جاء فى (متى12: 4) أن المسيح قال إنه سيمكث فى القبر ثلاثة أيام وثلاث
ليال أو بالحرى 72 ساعة. لكن إذا حسبنا المدة التى قضاها فى القبر (على فرض أنه هو
الذى صلب ودفن)، نرى أنها حوالى 48 ساعة فحسب).

 

التعليق:

(أ)
إن السيد المسيح لم يقصد بالثلاثة أيام والثلاث ليال المعنى الحرفى، بل المعنى
الشرعى، والدليل على ذلك أنه قال قبل صلبه إنه سيقوم فى اليوم الثالث، أو بالحرى
فى بحر هذا اليوم (متى 16: 21). بينما لو قصد
المعنى
الحرفى لقال إنه سيقوم فى آخر اليوم الثالث، أو قبل ابتداء اليوم الرابع. وبناء
على المعنى الشرعى لليوم، يحسب الجزء من اليوم يوماً كاملاً كما هو معلوم لدينا
وبما أن السيد المسيح دفن فى عصر الجمعة، وقام من الأموات فى فجر الأحد، واليوم
لدى اليهود كان يبدأ من غروب اليوم السابق له (لوقا23: 54)، يكون المسيح قد ظل فى
القبر ثلاثة أيام شرعية. لأن المدة من عصر الجمعة الذى دفن فيه إلى غروب الجمعة
تحسب يوماً. والمدة من غروب الجمعة إلى غروب السبت، تحسب يوماً ثانياً. والمدة من
غروب السبت إلى فجر الأحد تحسب يوماً ثالثاً.

 

(ب)
فضلاً عن ذلك فإننا إذا رجعنا إلى الكتاب المقدس نرى أن الجزء من اليوم كان يحسب
عند الناس عامة يوماً كاملاً. فمثلاً جاء فى (سفر التكوين ص 42: 27) أن يوسف
(الصديق) أمر بحبس إخوته ثلاثة أيام، بينما جاء فى (ع 19) من هذا الإصحاح، أنه قال
لهم فى اليوم الثالث (أو بالحرى فى بحر هذا اليوم): “إن كنتم أمناء، فليحبس
واحد منكم” وهذا دليل على أن يوسف كان يعتبر الجزء من اليوم، يوماً كاملاً.
جاء فى (سفر صموئيل الأول ص 35: 12) أن رجلاً قال إنه لم يأكل خبزاً ولا شرب ماء
ثلاثة أيام وثلاث ليال، بينما جاء فى (ع13) من هذا الإصحاح، أن هذا الرجل قال فى
اليوم الثالث إنه مرض منذ ثلاثة أيام – أى أنه كان يعتبر أيضاً الجزء من اليوم
يوماً كاملاً. وجاء فى (أخبار الأيام الثانى ص 10: 5) أن رحبعام قال لجماعة من
الناس أن يرجعوا إليه بعد ثلاثة أيام، بينما جاء فى (ع12) من هذا الإصحاح أن هؤلاء
الناس رجعوا إليه فى اليوم الثالث – أى أنهم كانوا يعتبرون كذلك الجزء من اليوم
يوماً كاملاً. وجاء فى (سفر استير ص 4: 16) أن أستير قالت لليهود أن يصوموا ثلاثة
أيام ليلاً ونهاراً حتى تستطيع أن تعرض قضيتهم على الملك. بينما جاء فى (ص 5: 1)
من هذا السفر أنها دخلت إلى الملك فى اليوم الثالث، وليس فى اليوم الرابع. وهذا
دليل على أن العرف قد جرى على اعتبار الجزء من اليوم يوماً كاملاً.

 

مما
تقدم يتجلى لنا أن التعبير “ثلاثة أيام وثلاثة ليال” هو اصطلاح عام، كان
يراد به ثلاثة أيام كاملة من الناحية
الشرعية،
فإذا أضفنا إلى ذلك أن المسيح كان الشخص الوحيد الذى عاش على الأرض دون خطية ما،
اتضح لنا أنه لم يكن من الجائز أن يظل فى القبر بعد إتمامه لعمل الفداء، إلا أقصر
مدة تعتبر ثلاثة أيام كاملة كما قال.

 

وهناك
تفسير آخر خاص بحساب الثلاثة أيام والثلاث ليال حيث يبدأ الحساب من وقت تقديم
السيد المسيح جسده ودمه لتلاميذه خلال تأسيسه سر التناول مساء يوم الخميس، لكن لا
داعى للدخول فى شرح هذه الأمور فليس هذا مجالها.



 (*)قيامة المسيح حقيقة أم
خدعة. د. فريز صموئيل.

(*) ومثال ذلك ما ذكره اليهودى المنتصر “أدرشايم” عن دفن
يسوع قائلاً “لعله بسبب اقتراب السبت وضرورة الاستعجال، أن يوسف الرامى اقترح
دفن المسيح فى قبره الجديد الذي لم يسبق لأحد أن وضع فيه”.

(*) معلوم أنه لم ترد فى الكتاب المقدس على حدة خلاصة شاملة لكل
الحقائق المختصة بالقيامة ولكنها وردت موزعة بين البشائر الأربعة، فظن المتشككون
أن هناك متناقضات بين عبارات البشائر، بينما تكون هذه العبارات فى مجموعها صورة
صحيحة كاملة لحقائق القيامة.

 (*)قيامة المسيح حقيقة أم
خدعة.

 (*)صلب المسيح بين الحقيقة
والافتراء، من دحرج الحجر، آية يونان – أحمد ديدات.

(*) عيسى إله أم بشر أو أسطورة؟ ترجمة محمد مختار ص 138-139.

 (**)من دحرج الحجر ؟ أحمد
ديدات. ترجمة إبراهيم خليل أحمد. ص 23-24.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى