بدع وهرطقات

الباب الثالث – الثالوث الأقدس إلهنا الواحد من الأزل وإلى الأبد



الباب الثالث – الثالوث الأقدس إلهنا الواحد من الأزل وإلى الأبد

الباب الثالث – الثالوث الأقدس
إلهنا الواحد من الأزل وإلى الأبد

الفصل التاسع

مزمور 6: 40-8 – الأقانيم
كالله الواحد في تجسد الابن

1 – هيأت
لي جسداً

قال النبي
داود في التوراة
بذبيحة
وتقدمة لم تُسر. أُذني فتحت
(مزمور 6: 40). ولكن
في الإنجيل ينسب هذا القول للابن. وهذا أمر طبيعي لأن روح الابن هو الناطق بفم
عبده داود عن الآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها، ولأن داود كابن بالتبني في
مركزه الملكي هو رمز للابن الحقيقي الإلهي الأزلي، ولأن الابن كابن داود بالجسد
وداود رمز إليه يعتبر هو داود الحقيقي الناطق بالمزمور
لذلك
عند دخوله
أي دخول الابن إلى
العالم يقول: ذبيحة وقرباناً لم تُرِد، ولكن هيأت لي جسداً
(عبرانيين
5: 10). وعبارة
هيأت لي
جسداً
هي الترجمة السبعينية لعبارة أُذني
فتحت
وتعتبر ترجمة للمعنى أو تفسير للحرف لأن الذي
تثقب أو تفتح أذناه لابد أن يكون له جسد. والجسد يهيأ للإنسان في بطن الأم في ذات
الوقت الذي فيه تجبل روحه في جسده (زكريا 1: 12، كورنثوس الأولى 11: 2، إشعياء 16:
57، جامعة 5: 11). أمّا الابن فلم يتهيأ هو في بطن العذراء حاشا لأنه كان موجوداً
منذ الأزل قبل حلوله في بطنها ليتخذ منها الجسد كما قيل
الله..
أرسل ابنه في شبه جسد الخطية
(رومية 3: 8) وأيضاً أرسل
الله ابنه مولوداً من امرأة
(غلاطية 4: 4) لذلك
يقول
هيأت لي جسداً مما يدل
على سابقة وجوده قبل تهيئة الجسد لأن الجسد هُييء له وهذا بخلاف الإنسان الذي
يتهيأ هو وجسده في وقت واحد (جامعة 25: 11) مع العلم طبعاًً أن ما تهيأ للابن
واتحد به في بطن العذراء لم يكن مجرد جسد بل روح ونفس وجسد (لوقا 46: 23، متى 38:
26، يوحنا 51: 6) وكلمة
جسد هي كناية
عن الكل كقول رسوله يوحنا عنه
والكلمة صار
جسداً
(يوحنا 14: 1) واقتصر على استعمال كلمة جسد لأنه بالجسد
يصير الإنسان في العالم المنظور موجوداً ومنظوراً، وبخلع الجسد يغيب عنه.

ثم أن الذي
كانت تفتح أو تثقب أذناه هو ذلك الشخص الحر من كل سلطان الذي كان يستعبد نفسه
اختيارياً لسيد آخر بدافع المحبة له والرغبة في خدمة مصالحه (خروج 5: 21و6، إشعياء
5: 51و6) وفيه الرمز لتجسد الابن،
السيد (إشعياء 1:
6و8-10، يوحنا 35: 12و39-41، فيلبي 6: 2-8). واتخاذه بالجسد صورة العبد، وشغله
مختاراً مركز العبد لأبيه لتنفيذ مشيئته بطاعته له طاعة العبد لسيده، طاعة حتى
الموت، موت الصليب لخدمة مصالح الله بهذا الموت في إيفائه حقه وتخليص شعبه. ولذلك
قيل عن تقديم نفسه بالجسد ذبيحة عنَّا
فبهذه
المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة
وأيضاً قد
صالحكم الآن في جسم بشريته بالموت
(كولوسي 21: 1و22)
وموته بجسم بشريته قد تم بانفصال روحه الإنسانية عن جسمه (لوقا 46: 23). وقول
الرسول
جسم بشريته يدل على أن
له طبيعة أخرى بخلاف طبيعته الإنسانية التي دعيت
جسم
بشريته
فماذا تكون هذه الطبيعة التي يباين الرسول بين جسم
بشريته
وبينها؟ هي طبيعة
ألوهيته
بلا شك. وهذا ذكره الرسول صراحة قبل ذلك في
قوله عنه
لأنه فيه سُر أن يحل كل الملء (كولوسي 19:
1) أي الله بكامل طبيعته
جسدياً يعنى في
الجسد أو في جسم البشرية أو في الطبيعة الإنسانية المكونة من الروح والنفس والجسد.
ولكن يقال
جسدياً فقط لأن
الجسد هو ما يصير به الإنسان في العالم المنظور موجوداً ومنظوراً.

كما قيل
أيضاً
والكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا،
ورأينا مجده
(يوحنا 1: 1و2و14) وكلمة حلَّ أي خيَّم
أو نصب خيمته بيننا. فكما أن جسد الإنسان هو الخيمة التي يسكنها بروحه ونفسه كما
قيل
ما أحياه (أنا) الآن في الجسد (غلاطية
20: 2) وأيضاً
ما دمت (أنا) في هذا المسكن (2بطرس 13:
2) وأيضاً
نحن الذين في الخيمة (كورنثوس
الثانية 4: 5) وكما قيل
روح الإنسان
الذي فيه
(كورنثوس الأولى 11: 2) وأيضاً الرب..
جابل روح الإنسان في داخله
(زكريا 1: 12) هكذا
كانت إنسانية المسيح أو روحه ونفسه وجسده خيمة حل فيها بلاهوته فكان هو الإله
المتجسد.

ولم يكن
موته بلاهوته لأنه بلاهوته
له وحده عدم
الموت
(تيموثاوس الأولى 16: 6) ولا بروحه أو نفسه
الإنسانية لأن النفس لها من الله في تكوينها ميزة الخلود كما قال هو نفسه
لا
تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها
(متى 28:
10) وكما قيل أيضاً
ورأيت نفوس
الذين قتلوا.. وصرخوا الخ
(رؤيا 9: 6و10) وكما
قال هو نفسه في موته
يا أبتاه،
في يديك أستودع روحي
(لوقا 46: 23). وكما
قال له عبده استفانوس عند موته
أيها الرب
يسوع، اقبل روحي
(أعمال 59: 7) إذن هو
موت الجسد بانفصال الروح عنه أمّا لاهوته وروحه الإنسانية فهما بعيدان عن أعراض
الموت لخلودهما. وبينما كان الموت هو انفصال روحه الإنسانية عن جسده فإنه بلاهوته
لم ينفصل عن روحه ولا عن جسده، سواء كان إنساناً حياً وروحه في جسده أو كان
إنساناً مائتاً وروحه خارج جسده. أو كان إنساناً مقاماً وروحه قد عادت إلى جسده.
لأن التجسد أو صيرورة الكلمة جسداً، أو صيرورة الله إنساناً هو أمر قد صار ولا
يغيره الموت ولا غير الموت، كما وأنه بلاهوته في كل هذه الظروف وكل ما عداها لم
ينفصل لا عن الآب ولا عن الروح القدس لأنهم الله الواحد رغم أن الذي تجسد ومات
بجسده فقط وقام به وصعد هو الابن وحده.

أمّا
المدعون بأنهم شهود يهوه فيجدونه أمراً مستحيلاً أن يموت وهو الله (كتابهم المسمى
الحق يحرركم ص 49 س 14-16، 252 س 7-9، 254 س 4و5) وهذا لتجاهلهم الفرق بين لاهوته
وناسوته، وقد أغمضوا عيونهم عن قول الرسول
قد
صالحكم الآن في جسم بشريته بالموت
(كولوسي 21: 1و22).
فبينما كان ميتاً بالجسد كان في ذات الوقت كإنسان حياً بنفسه البشرية في الفردوس
(لوقا 43: 23) كما كان كالله حياً بلاهوته الذي هو به الحي السرمدي الذي لا يخلو
منه زمان أو مكان.

هذا فضلاً
عن الفارق من جهة الجسد بيننا وبينه كقدوس. فأجسادنا بعد موتها بانفصال الروح عنها
تفسد أو تبلى أو تنحل وتفنى هيأتها أمّا جسده هو بعد موته بانفصال روحه عنه فلم
يكن عرضة لشيء من ذلك لقداسته، ولاتحاد اللاهوت به لذلك يقول للآب عن قيامته
لن
تترك نفسي في الهاوية
أي في عالم الأرواح
ولكن في القسم الخاص بالأبرار وهو الفردوس. فيقصد أن الآب لن يترك نفسه في الفردوس
ولن تستمر حالة موت الجسد بل سيعيد الروح من فردوسها إلى الجسد ويقيم الجسد من
قبره.

ولا
تدع قدوسك
يقصد جسده الطاهر يرى
فساداً
أو بلاء أو انحلالاً أو فناء لهيئته (أعمال 27:
2) ويدل على أن المقصود بنفي الفساد أو الفناء للهيئة هو للجسد وليس للنفس التي
ليس لها فساد ولا فناء، قول الرسول بطرس بعد ذلك
ولا
رأى جسده فساداً
(أعمال 31: 2) وقوله
هو
لذلك فرح قلبي، وابتهجت روحي. جسدي
أيضاً يسكن مطمئناً
(مزمور 9: 16) أو حتى
جسدي أيضاً
في تميزه عن النفس والروح سيسكن
على رجاء
(أعمال 26: 2) يقصد رجاء القيامة. فهو يسكن
مطمئناً لعدم إمكانية طروء فساد عليه، ويسكن على رجاء قيامته بعودة الروح إليه.

فقول الابن
للآب عن تجسده
هيأت لي جسداً يدل بداهة
على أن الابن كان موجوداً وجوداً لم يحدد له بدء قبل أن يهيأ له الجسد أو قبل أن
يدخله الآب إلى عالمنا المنظور ظاهراً فيه بالجسد. ولذلك قيل عنه
قد
دخل إلى العالم مُضلّون كثيرون، لا يعترفون بيسوع المسيح آتياً في الجسد
(يوحنا
الثانية 7) أي ينكرون سابقة وجوده لتجسده، الأمر الذي يقرره الرسول ضمناً في
مناسبة الإشارة إلى إنكارهم إياه. وتسمى مدة وجوده هنا بعد تجسده
أيام
جسده
(عبرانيين 7: 5)، وهذا لمباينة أيام
جسده
هذه على الأرض بسابقة وجوده بلا جسد في السماء
وجوداً غير محدد بأيام. ولذلك أيضاً يقول الذين شاهدوه ظاهراً بينهم بالجسد
الذي
رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه، ولمسته أيدينا، من جهة كلمة الحياة. فإن الحياة
أُظهرت، وقد رأينا ونشهد ونُخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت
لنا. الذي رأيناه وسمعناه نُخبركم به، لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا. وأمّا شركتنا
نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح
(يوحنا
الأولى 1: 1-3) وأيضاً
لأجل هذا
أُظهر ابن الله
(يوحنا الأولى 8: 3)

2 – هأنذا
جئت

ومرة أخرى
في مزمور 7: 40 يعلن الابن وجوده السابق لتجسده في قوله محرقة وذبيحة خطية لم
تطلب. حينئذ قلت:
هأنذا جئت.
بدرج الكتاب مكتوب عني: أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت
(مزمور 6:
40-8) ويعلق الرسول على ذلك بقوله
لذلك عند
دخوله
أي دخول الابن إلى
العالم
يقول للآب ذبيحة
وقرباناً لم تُرد، ولكن هيأت لي جسداً. بمحرقات وذبائح للخطية لم تُسرّ. ثم قلت:
هأنذا أجيء. في درج الكتاب مكتوب عني، لأفعل مشيئتك يا ألله
(عبرانيين
5: 10-7) ولذلك يقول الابن عن نفسه في الإنجيل
ابن
الإنسان
وهذا لقبه كالابن المتجسد قد
جاء لكي يطلب ويخلّص ما قد هلك
(لوقا 10: 19). ويقول
عنه رسوله بولس
صادقة هي
الكلمة ومستحقة كل قبول: أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلّص الخطاة الذين أولهم
أنا
(تيموثاوس الأولى 15: 1) وقوله عن نفسه أنه قد
جاء
وقول رسوله عنه أنه جاء
إلى العالم
يدل بداهة على سابقة وجوده الشخصي في دائرة
أخرى غير عالمنا المنظور قبل مجيئه إليه ظاهراًً فيه بالجسد هذه الدائرة الغير
المنظورة والغير المدركة أيضاً هي دائرة وجود الآب الغير المنظور كما يقول الابن
نفسه في الإنجيل
خرجت من عند
الآب، وقد أتيت إلى العالم، وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب
(يوحنا 28:
16) وكما يقول لأبيه عن الذين آمنوا به على هذا النحو
وهم
قبلوا وعلموا يقينا أني خرجت من عندك.. أمّا الآن فإني آتي إليك
(يوحنا 8:
17و13). لقد جاء عشرات الملائكة ظاهرين في العالم في العهد القديم ولم يقل أحدهم
أني من عند الآب خرجت ولا إلى الآب أمضى، ولم يجعل لشخصه أو لمجيئه أو لذهابه
شيئاً من الأهمية أو القيمة. أمّا الابن فالكتاب كله مخصص للإعلان عن شخصيته
ولتسجيل روحاته وغدواته في مجيئه الأول وفي مجيئه الثاني مقرراً لها القيمة الإلهية
العظمى والأثر الإلهي الفعال. فالشخص الذي هو موضوع كتاب الله، من يكون غير الله
صاحب الكتاب والموحى به إعلاناً عن ذاته تعالى؟ أيليق بالله أن يوحى بكتابه ليكون
بجملته إعلاناً عن أحد مخلوقاته؟ حاشا وألف حاشا.

أمّا كلمة يا
إلهي
في قوله هأنذا
جئت.. أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت
(مزمور 7:
40و8) فلا تدل إطلاقاً على أنه قبل تجسده كان عبداً أو مخلوقاً لأنها واردة مع فعل
في صيغة الماضي
هأنذا جئت. أي أنها
نطقه بعد أن جاء فعلاً في الجسد إلى العالم متخذاً صورة ومركز العبد فهي ليست لسان
حاله قبل تجسده وصيرورته في صورة عبد في إتضاعه بالناسوت على الأرض لتنفيذ مشيئة
الآب كإلهه ويؤيد هذا أن الرسول لمّا اقتبس العبارة في صيغة المضارع دالاً على أن
مجيئه لا يزال مستقبلاً، أو في صيغة وعد من الابن قبل تجسده بالمجيء في قوله
هأنذا
أجيء
(عبرانيين 7: 10و9) كانت النتيجة أن أكمل الرسول
وعد الابن للآب بالقول
لأفعل
مشيئتك يا ألله
ولم يقل يا إلهي، وهذا لأنه قبل أن يجيء أو قبل
تجسده هو فقط الله الابن واعداً الله الآب وليس عبداً أو مخلوقاً على الإطلاق.
وليس عجيباً أن الابن وهو في مجد لاهوته يخاطب الآب قائلاً
يا
ألله
لأن الآب نفسه وهو في مجد لاهوته يخاطب الابن
حتى وهو في إتضاع ناسوته بالقول
يا ألله وهذا في
قوله له
كرسيك يا ألله إلى دهر الدهور.. وأنت
يارب في البدء أسست الأرض
(عبرانيين 8: 1و10)

3 – دخوله
إلى العالم

إذا ظن واحد
أن دخوله إلى العالم لا يعنى سابقة وجوده في مكان آخر لأن أضداده قيل فيهم أيضاً
لأنه
قد دخل إلى العالم مضلّون كثيرون، لا يعترفون بيسوع المسيح آتيا في الجسد
(يوحنا
الثانية 7) فهو ظن خاطىء. لأن كلمة
دخل
إلى العالم
تدل حتماً على سابقة الوجود في مكان آخر ثم
الخروج منه والدخول إلى العالم. لكن من أي مكان خرج هو ودخل إلى العالم ومن أي
مكان خرجوا هم ودخلوا إلى العالم؟ هو
من
عند الله خرج
(يوحنا 27: 16) أي من دائرة الوجود الإلهية
الأزلية الغير المنظورة والغير المدركة. أمّا هم فخرجوا من الكنيسة على الأرض في
الزمان كقول الرسول يوحنا
منا خرجوا،
لكنهم لم يكونوا منا، لأنهم لو كانوا منّا لبقوا معنا
(يوحنا
الأولى19: 2). فهم من الكنيسة خرجوا إلى العالم أي ارتدوا، أمّا هو تبارك اسمه،
فمن عند الآب في السماء خرج إلى العالم أي تجسد وظهر للعيان.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى