علم الكتاب المقدس

الإنسان والإله بين العهد القديم والعهد الجديد



الإنسان والإله بين العهد القديم والعهد الجديد

الإنسان
والإله بين العهد القديم والعهد الجديد

موضوع أن إله العهد القديم إله قاسٍ، والهجوم الشديد جداً الذى على
العهد القديم، قد وردت إلينا عنه احتجاجات وتساؤلات كثيرة؛ والاعتراض يُبنى على
أساس أنه كيف أن الله كان يأمر بالحرب فى العهد القديم، وكان يأمر بالقتل،
وأحياناً قتل مدينة كاملة أو أكثر، وتحريم ليس فقط الناس بل وأيضاً البهائم، لدرجة
أن أحد الأشخاص قال أن إله العهد القديم هو إله “جزَّار”، وقال: “أنا
أكفُر بهذا الإله الجزَّار”،فقد قال مثلاً كيف يأمر بقتل الأطفال فى أريحا!!
فكان الرد: إن أطفال الوثنيين كانوا يُقدَمون ذبائح للأصنام، مثلما ورد فى الوصية
ألا يُعَّبر أحد أولاده لمولك فى النار “لا يُعبِّر أحد ابنه أو ابنته فى
النار لمولك” (2مل 10: 23) حيث كانوا يحضرون هذا الإله مولك وهو تمثال من
النحاس، (ومنطقة “جى هنوم” – أى أرض النار ومنها أتت كلمة جهنم – مرتبطة
بالإله مولك)، فكان الكهنة الوثنيون يتلون أناشيدهم ويسخنون التمثال لدرجة
الاحمرار ثم يحضرون الطفل الذى قدمه أبواه قرباناً للإله مولك ويضعونه على ذراع
التمثال فيُشوَى أثناء التسابيح والأناشيد الوثنية ولئلا يتعطف قلب أبويه عليه
يغطون على صوت صراخه المريع بأصوات أناشيدهم؛ فقلت له إن أطفالهم كان بهم شياطين
وكانوا يُقدَمون ذبائح للآلهة، فيشوع بن نون بذبحه إياهم ربما رحمهم من الشى وهم
أحياء، بجانب أنهم هم أنفسهم إذا كبروا كانوا سيكررون نفس تلك الأعمال، أى أن من
يَكبر منهم غالباً ما يكون به شيطان؛ لذلك عندما نعمد الوثنيين بالذات أثناء نظره
للغرب وجحده للشيطان ننفخ فى وجهه ونقول (اخرج أيها الروح النجس).

 

لقد سردت هذه الواقعة لكى نعرف خطورة هذا المفهوم.

مقالات ذات صلة

إله العهد القديم هو هو إله العهد الجديد

الله لم يتغير ولكن الإنسان هو الذى يتغير، ولو لم تكن وصايا العهد
القديم تختلف عن وصايا العهد الجديد فما فائدة الفداء الذى تممه السيد المسيح على
الصليب؟!! وما فائدة صلب السيد المسيح؟!! وما الذى تغير فى حياة البشرية؟!.. وما
فائدة المعمودية؟!.. إذا كان كان إنسان العهد القديم يُعامل مثل إنسان العهد
الجديد، ووصايا العهد القديم هى نفسها وصايا العهد الجديد، إذن ما الذى يكون قد
قدمه تجسد السيد المسيح للبشرية!! وماذا يكون معنى كلمته التى قالها بفمه القدوس
“أتيتُ لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل” (يو10: 10) وما معنى كلام الكتب
المقدسة مثل رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية “لأنكم جميعاً أبناء الله
بالإيمان بالمسيح يسوع، لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح” (غل
26: 3،27) أى أنكم أبناء الله بالإيمان ولكن ليس فقط الإيمان بل فسرها بالآية
“لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح”، إذن أخذتم البنوة فى
المعمودية، وكذلك “إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة الأشياء العتيقة قد
مضت هوذا الكل قد صار جديداً” (2كو 17: 5) فكيف تكون خليقة جديدة إذا كانت
الوصايا هى نفس الوصايا وإذا كان العهد القديم هو نفس العهد الجديد، فمن يزعمون أن
إله العهد القديم هو إله قاس، وإله العهد الجديد هو إله المحبة والحنو والرحمة،
نقول لهم أن الله “ليس عنده تغيير ولا ظِل دوران” (يع 17: 1)؛ فهذا
تجديف على الله أن يُقال إن إله العهد الجديد غير إله العهد القديم.

وأصحاب هذا الرأى غالباً يدعون أن ليس الله هو الذى تغير بل الإله
الذى يصوره لنا العهد القديم، أى أن كُتَّاب العهد القديم والقيادات هم الذين
كانوا بهذه القسوة فأساءوا إلى إلههم وصوروا الإله بهذه الصورة التى فيها يأمر
بالحرب وبالقتل وبالرجم، وهذا الرأى منتشر فى مدارس نقد الكتاب.

 

إله العهد القديم هو هو إله العهد، وإله الإعلان، وإله الخلاص

 

وكان يوجد نظام فى مدارس اليهود: كانوا يقرأون من (أم 30)
ويُحَفِظُّون الأطفال هذا الحوار بلحن معين (أنشودة):

يقول المدرس: “إنى أبلد من كل إنسان وليس لى فهم إنسان ولم
أتعلم الحكمة ولم أعرف معرفة القدوس” (أم 2: 30،3).

ثم يسأل المدرس التلاميذ: “من صعد إلى السماوات ونزل”؟ (أم
4: 30).

فيردون جميعاً: (يهوه إلهنا العظيم).

المدرس: “من جمع الريح فى حفنتيه”؟ (أم 4: 30).

التلاميذ: (يهوه إلهنا العظيم).

المدرس: “من صَرَّ المياه فى ثوب”؟ (أم 4: 30).

التلاميذ: (يهوه إلهنا العظيم).

المدرس: “من ثبت جميع أطراف الأرض”؟ (أم 4: 30).

التلاميذ: (يهوه إلهنا العظيم).

المدرس: “ما اسمه”؟ (أم 4: 30).

التلاميذ: (يهوه إلهنا العظيم).

المدرس: “وما اسم ابنه إن عرفت”؟ (أم 4: 30).

التلاميذ: (هذا سر يفوق العقول).

 

هذه كانت أنشودة تقال فى المدارس اليهودية، وقد أعجبنى هذا الأمر،
لأن فعلاً هذا السر كان سيتضح فى مرحلة أخرى ستأتى وهى مرحلة إتمام الفداء،
“لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس
ليفتدى الذين تحت الناموس لننال التبنى” (غل 4: 4).

 

الله لم يتغير

الله لم يتغير على الإطلاق، لكن هل كان من الممكن قبل إتمام الفداء
ودخولنا فى حالة العضوية فى الكنيسة جسد المسيح، إذ نصير أولاد الله بالمعمودية؟..
هل كان من الممكن أن تُعطَى وصية “أحبوا أعداءكم” (مت 44: 5)؟ كيف
سيطالبنا الله بمحبة الأعداء قبل أن نأخذ الولادة الجديدة؟!

 

عملياً هذا أمر مستحيل لأن “المولود من الجسد جسد هو والمولود
من الروح هو روح” (يو 6: 3) لذلك قال السيد المسيح لنيقوديموس: “إن كان
أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله” (يو 5: 3) أى أن
الإنسان محتاج أن يولد من فوق، وبالفداء يصبح من الممكن أن ينال الإنسان المؤمن
الولادة الجديد من فوق بواسطة الماء والروح فى المعمودية.

 

طبيعة إنسان العهد القديم

لم يكن ممكناً أن يطالب الله الإنسان فى العهد القديم بوصية محبة
العدو، لكنه أعطاه وصية أقل منها كثيراً فى مستواها: “تحب قريبك وتبغض
عدوك” (مت 43: 5)، أى كان هذا أقصى ما يستطيع الإنسان أن يصل إليه، أما فى
العهد الجديد وبعد أن ينال الإنسان الولادة من الله فى المعمودية قال السيد المسيح:
“أحبوا أعداءكم” (مت 44: 5).

 

كذلك عندما سؤل السيد المسيح: “لماذا أوصى موسى أن يعطى كتاب
طلاق فتطلّق” (مت 7: 19) أجابهم: “إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذِنَ
لكم أن تطلِّقوا نساءكم” (مت 8: 19) أى أنه لم يقل أن الله هو الذى تغيّر
عندما منع السيد المسيح الطلاق ولكن قال إن السبب هو قساوة قلب الإنسان. وفى العهد
الجديد يُفترَض تجديد الطبيعة، وأوضح ذلك أكثر حينما قال: “المولود من الجسد
جسد هو، والمولود من الروح هو روح” (يو 6: 3).

 

فلم يكن ممكناً أن يمنع الطلاق فى ذلك الوقت، لكنه منع بعض الأمور
أيضاً فى حدود المستطاع، فمثلاً إذا طلّق رجل امرأته ثم تزوجها آخر ثم طلّقها
الزوج الثانى، منع الله أن تعود للزوج الأول؛ وتم تحريم هذا الأمر، أى أنه وضع بعض
ضوابط فى العلاقات الزوجية لكن فى حدود المستطاع للإنسان فى العهد القديم؛ كذلك لم
يمنع وقتها تعدد الزوجات لكن قال “لا تشته امرأة قريبك” (خر 17: 20)،
وسبب السماح بتعدد الزوجات فى العهد القديم هو كثرة وجود الحروب فى ذلك العهد، وفى
الحروب يُفقَد عدد كبير من الرجال وهذا يتسبب فى عدم وجود تناسب بين عدد الرجال
والنساء الموجودين فى المجتمع، إلى جوار عدم وجود إمكانية حياة البتولية بمعونة
الروح القدس لدى الكثيرين مثلما هى فى العهد الجديد.

 

لذا فيجب ان نضع نصب اعيننا امرين هامين:

 

(1)
أن العهد القديم كان عهد الناموس [أي القانون] فقط ولم يكن عهد النعمة.

(2)
فالكتاب المقدس يقول: “لأن الناموس بموسى أعطي أما النعمة والحق فبيسوع
المسيح صارا” (يو 1: 17)

 

أن
الوحدة تامة بين العهدين من هذا الوجه لأنه لا يمكننا أن نفهم ذات النقطة المركزية
للعهد الجديد ألا وهي الكفارة وذبيحة المسيح الا بناء على تعاليم العهد القديم الأساسية
تلك التعاليم القيمة المبنية على أنه منتقم ببسبب الخطية – معاقب للخطاة – وأن غضب
الله هو العقبة العظمى والعائق الأكبر والحائل بين الخطاة الساقطين وبين الغبطة
والشركة مع الله.

 

فما
سبق علمه العهد القديم عن الله هو الأساس القوي المتين الذي بنيت عليه محبة الله
العجيبة الظاهرة في تقديم ابنه ذبيحة كفارية كما هو واضح في معلنات العهد الجديد
التي بها أعلن سر محبة الله في الفداء.

 

ان
الخلاص بالمسيح المصلوب هو جوهر العهد الجديد ولكنا ما كنا ندركه لولا العهد
القديم – انما الفرق بين الاثنين في ترتيب المواضيع والمبادئ فقط. فالعهد القديم
يرتبها هكذا (أن الله قدوس وجميع البشر خطاه فصاروا كلهم تحت غضبه – والمسيح مزمع
أن يأتي ليفتدي الخطاة) أما العهد الجديد فقد رتبهاهكذا (أن الفادي هدى وأكمل
الخلاص بموته وقدمه الى البشر ليقبلوه).

 

إن
العهد القديم يختلف عن العهد الجديد فى حيثية مهمة والذى لم يدرك هذه الحيثية لا
يقدر أن يفهم الإنجيل إن العهد القديم كان عهد الشريعة والناموس أما الجديد عهد
النعمة والبركة وقال المسيح أو الكتاب المقدس لأن الناموس بموسى أعطى أما النعمة
والحق فبيسوع المسيح صارا إذاً القديم عهد شرائع ووصايا فلم يكن هناك نعمة لأن
الإنسان كان فى العداوة ساقط فى الخطية وكان الله يمهد يأتى المسيح فيضع الصلح
ويفتدى الإنسان فبعض النعمة ولهذا جميع الوصايا فى العهد القديم كانت تتمشى مع
جميع البشر ولذلك قال المسيح من أجل قساوة قلوبكم أعطاكم موسى كذا وكذا ولكن عندما
أتت النعمة
. تغطى
فالقديم كانت الطبيعة البشرية جسدية لم تتغير لنصبح طبيعة جديدة لأنه لم يكن هناك
نعمة تفعل هذا التغيير فكان مسموح له بهذه الحروب ولكن ألاحظ شيئاً ما أن الحروب
فى القديم لم تكن لنشر الدين لأن اليهودية دين منغلق ليس كرازى أو منتشر أو تبشير
هم وبس أبناء يعقوب سبط إسرائيل فلم تكن حروب لنشر الدين بالسيف لكن للحماية
لأنفسهم من الأعداء المحاربين وبهذا كان وضع خاص بالنسبة للحرب فلم تأخذ الحرب فى
القديم على أنها تقييم لقيام دين لحروب لأن الدين الآخر حروب للتبشير بالدين ولنشر
الدين وحروب للاستعمار والاستيلاء على دول أخرى.

 

فالحروب
كانت للدفاع عن النفس وكانت حروب مدنية عادية ليس لها هدف عقيدى ابدا لكن ليست
للانتشار ولا للاستعمار هذه هى الفكرة إما الجديد عهد النعمة الله غير الطبيعة
البشرية أعطى سلاماً وأعطى محبة حتى للأعداء فلا تقاوم الشر بالشر بل تقاوم الشر
بالخير لأن القلب الفائض بالحب يسعى إلى محبة الآخرين ولم نعتبر أن هذا نقد أو
تضارب بين الجديد والقديم لكن هذا ما مثل ما قال المسيح إكمال.. لم آتى لأنقض
الناموس بل لأكمل الناموس فهذه من ناحية الحرب فى القديم فى معناها ومفهومها
وبحلولها والسلاح فى العهد الجديد لا تنافى عصر النعمة والإنسان الذى لم يأخذ هذه
النعمة يبقى محروم ولا يقدر أن يفهمها ولا يقدر ان يفهم أى شئ.

 

فيمكننا
تلخيص ما قلناه بالاعلى فى اربع نقاط هم:

 

1.
يذكر العهد القديم بعض أعمال العنف التي ارتكبها الإنسان ضد أخيه الإنسان أو
الملوك ضد الملوك الآخرين. ولكن كان هذا ضد إرادة الله وبالإضافة إلى أن الله قد
عاقب المعتدي.

 

2.
هناك نوع آخر من العنف في العهد القديم وكان بمثابة عقاب من الله ضد الأمم الشريرة.
هذه الشعوب قررت عصيان الله، وغواية شعب الله لارتكاب الإثم ليفسدوا الأرض
وينجسوها.والسبب في أن الله أراد أن يتخلص منهم هو لأجل احتواء الشر حتى لا يتلوث
المجتمع وإيقاف الشر من الانتشار في نسلهم. أحيانا كان الله يتعامل مباشرة مع الشر
كما كان الحال في الطوفان في أيام نوح وحرق سدوم وعامورة. وفي بعض حالات أخرى كان
الله يأمر شعبه أن يتخلصوا من الشعوب الشريرة. والجدير بالذكر أن حكم الله جاء بعد
فترة أربعمائة عام من الانتظار (تكوين 15). وفي خلال هذا الوقت أعطاهم الله الفرصة
تلو الأخرى حتى يتوبوا ولكنهم فضلوا أن يستمروا في شرهم حتى امتلأ كأس شرورهم.

 

3.
ومن ناحية أخرى،يأتي العهد الجديد بمفهوم جديد يبني على النعمة. لقد كانت تعاليم
المسيح مبنية على أساس التسامح. ومثالا على ذلك عندما أحضر اليهود له المرأة
الخاطئة طالبين بأنها يجب أن ترجم ولكن يسوع أعطى المرأة فرصة ثانية قائلا
لمتهميها “من منكم بلا خطية فليرمها بحجر أولا”(يوحنا 8: 7).وقد علمنا
السيد المسيح أن لا نقاوم الشر بل ندير الخد الآخر (متى 5: 39). وفي موقف آخر
انتهر يسوع بطرس عندما استخدم السيف (متى 26: 52).

 

أيضا
عندما طلب تلاميذ المسيح يوحنا ويعقوب أن ينزل نارا من السماء حتى تهلك القرية
التي لم تستقبله، فألتفت إليهم يسوع وانتهرهما قائلا”لستما تعلمان من أي روح
أنتما لان ابن الإنسان لم يأت ليهلك انفس الناس بل ليخلص” (لوقا 9: 55، 56).

 

4.
فإذا حدث أن جاء أي رسول بعد السيد المسيح يطلب استخدام السيف فيبدو هذا بمثابة
نكسة وتراجع وليس تقدماً.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى