علم الكنيسة

اجتماعات الصلاة



اجتماعات الصلاة

اجتماعات
الصلاة

 ويرينا
سفر الأعمال أن الصلاة واجتماعات الصلاة شغلت مكاناً كبيراً في أنشطة مؤمني العهد
الجديد والكنائس. في بداية هذا السفر نجد التلاميذ وعددهم حوالي مائة وعشرون كانوا
يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة في أورشليم وهم في انتظار الموعد بنزول
الروح القدس. وكانت الصلاة واحدة من أربعة أشياء واظبت عليها الكنيسة التي تكونت
حديثاً في أورشليم بعد حلول الروح القدس في يوم الخمسين. وخلال كل صفحات السفر
نقرأ عن مؤمنين يجتمعون معاً لأجل الصلاة الجماعية. كما نجد أيضاً أن اجتماعات
الصلاة كانت تعقد عند كل صعوبة تواجههم وتليها بركات عظمى من عند الله.

 

 والحادثة
المشهورة التي تظهر قوة الصلاة الجماعية نقرأ عنها في أعمال 4 “ولما صلوا
تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه وامتلأ الجميع من الروح القدس، وكانوا
يتكلمون بكلام الله بمجاهرة.. وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب
يسوع ونعمة عظيمة كانت على جميعهم (ع 31 و 33).

 

 كانت
هذه نتيجة مباركة للصلاة المتحدة في الكنيسة ونتعلم منها أن الطريق إلى القوة
الروحية والمجاهرة للمسيح تأتي برفع أصواتنا إلى الله بنفس واحدة في الصلاة. ومن
هذا الفصل ومن فصول أخرى كثيرة يمكننا أن نستنتج أن اجتماعات للصلاة الجماعية
تنعقد بصفة دورية منتظمة هو ضرورة لأجل ازدهار الكنيسة وأنه أي اجتماع مسيحي لا
ينمو روحياً إلا إذا كان لأفراده عادة الاجتماع معاً للصلاة الجماعية. واجتماعات
الصلاة المستقرة هي ضرورة حيوية لكل كنيسة تضم مؤمنين برزت احتياجات أو مطالب خاصة.
هذا ما نراه في سفر الأعمال.

 

الصلاة
المتحدة

 كل
قارئ جيد للكتاب المقدس يدرك المكانة العظيمة التي يشغلها الأفراد في صلواتهم
الخاصة، وهذا ما كان يميز حياة رجال الله في كلا العهدين القديم والجديد. غير أن
البعض يظنون أن هذه الصلوات الفردية الخاصة هي كل ما يلزم، لكن ما أعظم البركات في
الصلوات الجماعية. والرب أعطى وعداً خصوصياً أن يستجيب الصلاة المتحدة بقوله
“إن اتفق اثنان منكم على الأرض في أي شيء يطلبانه فإنه يكون لهما من قبل أبي
الذي في السماوات” (متى 18: 19) هذا الوعد الخصوصي يحقق استجابة للصلاة
الجماعية التي يتحد المؤمنون معاً في تقديمها.

 

 قد
يصلي الفرد في مخدعه وينال البركات والإجابة لصلاته، ولكن لا شيء يماثل الصلوات
التي تقدمها الجماعة في اجتماع الصلاة، إنها تحيط بعرش النعمة وتستمطر البركات
الخاصة لأنها صلاة الكنيسة في اسم الرب يسوع المسيح. وإن كانت صلاة بار واحد تقتدر
كثيراً في فعلها (يع 5: 16) فكم تصبح النتائج المتوقعة أعظم بكثير من صلوات متحدة
وحارة صاعدة من كنيسة بأكملها وأفرادها أبرار أتقياء يحركهم ويضرم الروح القدس
الحرارة في طلباتهم.

 

 غير
أن الصلاة الجماعية ليست هي مجرد عدة أفراد يرفعون معاً عدة صلوات من أجل أمر واحد،
بل ولكنها تستحضر صلاة واحدة مركزة 25 مرة أو 50 مرة بتوافق الروح القدس بين 25
فرداً أو 50 فرداً مجتمعين معاً. كلهم يصلي كفرد واحد، وكلهم يقدم طلبة واحدة،
وكلهم يقول آمين بعد طلبة ترفع لله في اسم الرب يسوع. ولذلك هناك قوة خاصة في مثل
هذه الصلاة المتحدة. وهي قوة رصدت لحساب الكنيسة والتي نمارسها بالصلاة والطلبة
لأجل الفائدة والبركة في حد ذاتها. وللآخرين.

 

 لكن
لنلاحظ ضرورة توفر شرطاً هاماً في الصلاة الجماعية، هو وحدة الفكر والتوافق الحار
والإجماع “إن اتفق اثنان منكم على الأرض في أي شيء يطلبانه فإنه يكون
لهما” إن قوة الكلمات “إن اتفق اثنان”، تجعل وحدة في الاتجاه. فلا
يجب أن يكون هناك تنافر أو نقص في الاتفاق والتوافق بين الذين يصلون، إذا كان
السعي لاجتماع صلاة فعال. إننا يجب أن نأتي أمام عرش النعمة في توافق قلبي مقدس، وكذلك
في الفكر وفي الروح، وإلا فلا يمكننا أن نطالب بالاستجابة على أساس وعد الرب في
متى 18: 19.

 

 هذا
التوافق المقدس والوحدة هي ما كانت تميز المؤمنين واجتماعات الصلاة الواردة في سفر
الأعمال وكانت سبباً للقوة الروحية والبركة المباشرة التي انحدرت لهم من الله “هؤلاء
كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة”، “وكان الجميع معاً
بنفس واحدة (في مكان واحد)” “وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس
واحدة” “ورفعوا بنفس واحدة صوتاً إلى الله” (أع 1: 14، 2: 1 و 46،
4: 24).

 

 وهنا
نقطة هامة جداً لها اعتبارها الأدبي من جهة الانسجام وما يميز اجتماعات الصلاة
عندنا. لماذا غالباً ما نجد اجتماعات الصلاة عندنا اليوم فقيرة جداً وباردة وميتة
وبلا قوة؟ أليس مرجع ذلك غالباً لأن المؤمنين يفشلون في الاجتماع معاً بنفس واحدة
وباتفاق كامل من جهة أمر معين يصلون من أجله؟ هناك نقص شديد اليوم بين المؤمنين
إلى القلب الواحد والفكر الواحد، ويلزمنا جداً أن نتحدى أنفسنا من جهة مدى تكاتفنا
واتفاقنا في الشيء أو الأشياء التي نضعها أمام عرش النعمة في اجتماعاتنا للصلاة.

 

تحديد
الغرض

 كثيراً
ما تكون اجتماعات الصلاة بلا غرض محدد، وكثيراً ما تدور الصلوات حول أمور متشعبة،
ولو فحصنا الكتاب جيداً لعرفنا أننا يجب أن نجتمع معاً ولنا غرض محدد، ولنا طلبة
أو طلبات محددة مربوطة على قلوبنا نريد أن نبسطها أمام الله. هذا ما يميز اجتماعات
الصلاة. وهكذا اجتمع الرسل عموماً ولهم غرض محدد في قلوبهم وهم في توافق تام فيما
كانوا يصلون بنفس واحدة.

 

 في
أصحاح 1 و 2 من سفر الأعمال كانوا جميعاً يتطلعون لروح الموعد وانتظروا أمام الله
بنفس واحدة حتى جاء. وفي أعمال 4 كانوا جميعاً يصلون من أجل المجاهرة في الكرازة
بالإنجيل ومن أجل آيات شفاء وعجائب تجري باسم يسوع. وفي أعمال 12 صارت من الكنيسة
صلاة بلجاجة إلى الله لأجل خلاص بطرس من السجن. فالغرض كان محدداً وسعادة الاتفاق
فيما بينهم التي استحضرت القوة من الأعالي والإجابة من الله.

 

 لما
قال التلاميذ للرب “يا رب علّمنا أن نصلي” أجابهم بصلاة قصيرة وبسيطة
ومباشرة، ثم أخبرهم عن الرجل الذي ذهب إلى صديق له في نصف الليل يطلب منه ثلاثة
أرغفة ورغم أن طلبه رفض أولاً إلا أنه من أجل لجاجته أجيبت طلبته (لوقا 11: 1 –
10). ومرة أخرى نتعلّم أن تكون صلواتنا محددة وملحة وفيها مثابرة، إن كلمات ربنا
تخبرنا عن طلب مباشر، ونشعر بالاحتياج إلى شيء واحد أمام الذهن والقلب. فالطلب
بسيط ومباشر ومحدد وجاد ومستمر “يا صديقي اقرضني ثلاثة أرغفة”. ليست
صلاة طويلة ومتشعبة وجمل باهتة عن كل أنواع الأشياء وتفسيرات مطولة كما نسمع
كثيراً في اجتماعات الصلاة.

 

الصلوات
الطويلة الوعظية

 ليست
الصلاة الحقيقية أن تسرد أمام الرب مجموعة من الطلبات مع تكرار عبارات مألوفة وجمل
محفوظة، أو تلاوة نصوص تعليمية كما لو كنا نحاول أن نشرح مبادئ لله ونوصل إليه
أكبر قدر من المعلومات. إن الصلوات الطويلة الوعظية والتعليمية ما هي إلا محاضرات
وتفسيرات لأناس يقدمونها وهم على ركبهم، ولكنها لا تمت إلى الصلاة الجماعية
المقررة في الكتاب المقدس. ومثل هذه الأقوال تترك تأثيرها الذي يذبل ويطفئ
اجتماعات الصلاة وتسلبها النضارة والقوة. اجتماع الصلاة هو المكان الذي نستعرض فيه
أمام الرب أعوازنا وضعفاتنا التي نشعر بها ونعبّر عنها كجماعة، وفيه أيضاً نتوقع
القوة والبركة من يد الله. نذهب إلى اجتماع الصلاة لنكسب قلوبنا لله بطلبات جادة
لأجل البركة، وتضرعات حارة لأجل تسديد الأعواز، وأعواز كنيسة الله وأعواز النفوس
هذه هي الصلاة الحقيقية.

 

 والقراءة
المتأنية للكتاب تعلن لنا أن الصلوات الطويلة الجهارية ليست هي القاعدة في الكتاب
المقدس. بل إن الرب أشار إليها بكلمات الرفض والذبول “وحينما تصلون لا تكرروا
الكلام باطلاً كالأمم. فإنهم يظنون أنه بكثرة كلامهم يستجاب لهم” (مت 6: 7).
وعن الكتبة قال “الذين يأكلون بيوت الأرامل ولعلة يطيلون الصلوات” (مر
12: 40). وسليمان بحكمة قال “احفظ قدمك حين تذهب إلى بيت الله فالاستماع أقرب
من تقديم ذبيحة الجهال، فإنهم لا يبالون بفعل الشر. لا تستعجل فمك ولا يسرع قلبك
إلى نطق كلام قدام الله، لأن الله في السماوات وأنت على الأرض فلذلك لتكن كلماتك
قليلة.. وقول الجهل من كثرة الكلام” (جا 5: 1 – 3). نستنتج من الأجزاء
الكتابية السابقة أن الذي في صلاته يصنف كلمات كثيرة وعبارات طويلة إنما يضع نفسه
في صف الأمم والكتبة والجهال وهذا بكل تأكيد أمر غير ممدوح.

 

 إن
أطول صلاة سجلت في الكتاب المقدس هي صلاة سليمان عند تدشين الهيكل، وهذه الصلاة
يمكن أن تقرأ في خمس دقائق. بينما تلك الصلاة التي نطق بها الرب يسوع في يوحنا 17
هي أطول صلاة في العهد الجديد ويمكن أن تقال في ثلاث دقائق. فالصلاة القصيرة
المعبرة المحددة فيها نضارة وحيوية وقوة لاجتماع الصلاة. وبصفة عامة فالصلوات
الطويلة تنشر في الاجتماع برودة وتثبيطاً. ويكون من الأفضل جداً أن يصلي الفرد عدة
مرات في اجتماع الصلاة مقدماً في كل مرة صلاة قصيرة محددة من أن يصلي صلاة طويلة
مملة.

 

الإيمان
والغفران

 لأجل
أن تكون الصلاة فعالة ينبغي أن نصلي بإيمان “أقول لكم كل ما تطلبونه حينما
تصلون فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم” (مر 11: 24). بالإيمان البسيط وباليقين
التام في قلوبنا ننال ما نطلبه، لأن الصلاة التي تدخل إلى عرش النعمة تحملها أجنحة
الإيمان من قلوب مؤمنة جادة.

 

 وفي
أعقاب الكلام عن الصلاة بالإيمان، نبّر الرب على عنصر آخر من عناصر الصلاة المثمرة
الفعالة فقال “ومتى وقفتم تصلون فاغفروا إن كان لكم على أحد شيء لكي يغفر لكم
أيضاً أبوكم الذي في السماوات زلاتكم” (مر 11: 25). إن روح الصفح لازمة جداً
إذا أردنا أن تسمع صلواتنا وتستجاب. إذا كانت الأحقاد وقساوة المشاعر تفرخ في
القلب من جهة إخوتنا المؤمنين فقطعاً لا يمكن أن تكون هناك صلاة متحدة، وروح الله
يعوق، ويسود الاجتماع فتور ووهن روحي. ومن أكثر الأمور أهمية أن تذكر أن كل صلاة
حقيقية ينبغي أن تكون في الروح القدس “مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في
الروح” و”مصلين في الروح القدس” (أف 6: 18 ويه 20). ولأجل ذلك
فالروح يجب أن يكون حراً محزن وغير مطفأ في قلوبنا وفي اجتماعاتنا.

 

 ولطالما
قيل أن اجتماع الصلاة هو النبض الروحي للجماعة. فإن مسحة ونغمة هذا الاجتماع هي
علامة وبينة على حالة الجماعة كلها روحياً. وإذا كان اجتماع الصلاة هزيلاً وضعيفاً
وقليل العدد فبكل تأكيد تكون حالة الجماعة غير سارة. وكل شخص يتخلف عن اجتماع
الصلاة فبكل تأكيد فإن حالة نفسه سيئة. أما المؤمن الذي يتمتع بحالة روحية صحيحة
وهو في سعادة وجدية واجتهاد فإنه يحرص على ملازمة اجتماع الصلاة بقدر ما في طاقته
من جهد.

 

 ليتنا
نعرف أكثر عن الصلاة الحقيقية في الروح القدس ونمارس عملياً بصورة كاملة عن
النموذج الكتابي للصلاة واجتماع الصلاة ونواظب على ذلك.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى