بدع وهرطقات

كشف الحقيقة



كشف الحقيقة

كشف
الحقيقة

الأنبا
بيشوى

 

2- الرد على د. جورج حبيب بباوى وكمال زاخر موسى

إنبرى
كمال زاخر موسى لمهاجمة قداسة البابا شنودة الثالث منذ عدة سنوات فى مقالات بجريدة
الأخبار وأتبعها فى السنوات الأخيرة بمقالات فى الصحف المستقلة أو الناشئة التى لا
يهمها سوى الإثارة والتوزيع دون أن يكون لها هوية محددة أو انتماء لخط فكرى ثابت.

 

والعجيب
أن كمال زاخر قد كتب فى العدد الثانى صفحة 3 من مجلة “الجوهر” التى
أصدرها مكس ميشيل ودافع عن مكس ميشيل فى سيامته أسقفاً بعد أن كان شماساً
إكليركياً متزوجاً.

ثم
عاد كمال زاخر يدافع عن المدرس الذى ترك كنيستنا رسمياً وانضم إلى الكنيسة
الأنجليكانية فى إنجلترا وقطع نفسه من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وهو الدكتور
جورج حبيب بباوى، ومرفق بهذا خطاب انضمامه إلى الأنجليكان وتعليق قداسة البابا
عليه الذى نشر بمجلة الكرازة بتاريخ 23/6/1989.

 

وقد
ورد قرب نهاية مقال كمال زاخر الفقرة التالية على لسان الدكتور جورج حبيب يدافع
فيها عن مكس ميشيل: “مكس ميشيل كان طالباً فى الكلية الإكليريكية ودرس معى
سنة واحدة، كتب فيها بحثاً عن الخطية الأصلية وعاد إلى الوثائق القديمة وتعليم
الآباء وأثبت أن الخطية الأولى هى وراثة الموت وليس ذنب آدم…”

 

وقد
وعدنا أن نرد على هذه الفقرة فى مقال آخر. ونرد على مفهوم مكس ميشيل الذى دافع عنه
ونادى به الدكتور جورج حبيب بباوى كما ذكرنا، ونشره الراهب باسيليوس المقارى فى
مجلة مدارس الأحد العدد الثامن لسنة 2002 صفحة 11،

 

بشأن
موضوع الخطية الأصلية ومهاجمتهم لهذا المفهوم.

 

أولاً:
إن عقيدة “الخطيئة الأصلية” هى ركن هام من أركان العقيدة المسيحية، لأنه
لو لم تكن هناك خطيئة أصلية لما كان هناك موت لسائر البشر، ولما احتاج نسل آدم إلى
الخلاص. لهذا فإن من يرفضون عقيدة الفداء من غير المسيحيين، يرفضون أيضاً عقيدة
الخطيئة الأصلية ووراثتها.

 

ولكن
الكتاب يقول “بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت، وهكذا
إجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع” (رو5: 12). والسؤال هنا:
“هل الخطية الأولى هى وراثة الموت فقط”؟ لو كان ذلك لكان الله ظالماً
(حاشا) لأن وراثة الموت تكون هى وراثة للعقوبة بدون مبرر. ولكن الخطية دخلت إلى
العالم بواسطة خطيئة أبوينا الأولين، واجتازت منهما إلى جميع البشر الذين أتوا من
نسلهما. فإجتياز الموت كان سببه هو إجتياز الخطيئة. وإلا فما معنى قول بولس الرسول
فى رسالته إلى أهل رومية “بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم” وما هو
العالم المقصود هنا إلا الجنس البشرى ومن هو الإنسان الواحد هذا إلا آدم.

كذلك
يقول الكتاب “لأنه كما فى آدم يموت الجميع، هكذا فى المسيح سيُحيا
الجميع” (1كو 15: 22).

فكما
ورثنا من آدم الخطيئة الأصلية لولادتنا منه وهو أصل الجنس البشرى، هكذا ورثنا من
المسيح بره والحياة لأننا ولدنا منه فى المعمودية بالروح القدس وهو أصل جماعة
المؤمنين الذين لبسوا المسيح أى لبسوا بر المسيح “لأن كلكم الذين اعتمدتم
بالمسيح قد لبستم المسيح” (غل 3: 27).

فالخطيئة
الأصلية هى خطيئة آدم والبر الأصلى هو بر المسيح.

 

آدم
الأول قاد البشرية إلى الخطيئة والموت وآدم الثانى قاد البشرية إلى البر والحياة.
كل من يولد من آدم وحواء يقول “لأنى هأنذا بالآثام حُبل بى وبالخطايا ولدتى
أمى” (مز50: 5).

وكل
من يولد من المسيح فى المعمودية بالروح القدس يقول: “متبررين مجاناً بنعمته
بالفداء الذى بيسوع المسيح” (رو3: 24).

 

عبارة
“الأصل” فى المفهوم اللاهوتى تعنى الينبوع فعبارة “الآب” تعنى
“الأصل” وهو “الينبوع” فى الثالوث القدوس كما شرح آباء
الكنيسة الأوائل.

 

فإذا
قلنا “الخطيئة الأصلية” نقصد الخطيئة التى نبع منها خطايا البشر جميعاً
وحملت معها عقوبة الموت “لأن أجرة الخطية هى موت” (رو6: 23).

 

من
أقوال الآباء القديسين:

يقول
القديس أثناسيوس الرسولى “لأن آدم حينما تعدى بلغت خطيته إلى كل إنسان،
وحينما صار الكلمة إنساناً هزم الحية، وبلغت قوته العظمى إلى كل البشر”
(الرسالة الأولى ضد الأريوسيين الفقرة 51).

 

وقال
أيضاً “… فلن نموت بعد وفقاً لأصلنا السابق فى آدم، لكن من الآن فصاعداً،
إذ تحوَّل أصلنا وكل نقائص الجسد إلى الكلمة، فإننا نقوم من الأرض، وتمحى لعنة
الخطية” (الرسالة الثالثة ضد الأريوسيين الفقرة 33).

 

وفى
كتابه عن تجسد الكلمة قال “المسيح قدم ذبيحة نفسه أيضاً نيابة عن الجميع إذ
سلّم هيكله للموت عوضاً عن الجميع لكى يحرر البشر من معصيتهم الأصلية” (تجسد
الكلمة الفصل 20 الفقرة 2).

ونلاحظ
هنا أن القديس أثناسيوس الرسولى قد ذكر المعصية الأصلية للبشر بعكس ما إدّعاه
الراهب باسيليوس المقارى فى مجلة مدارس الأحد العدد الثامن لسنة 2002 بأن القديس
أغسطينوس هو أول من اخترع تعبير “الخطية الأصلية” وأن هذا المفهوم هو
مفهوم كاثوليكى.

 

ومما
يؤكّد بطلان إدعاء الراهب باسيليوس المقارى هو ما ورد فى تعليم القديس كيرلس
الكبير وذكر فيه تعبير الخطية الأصلية للبشرية إذ قال:

 

“لأن
زمان القداسة، حيث تكون خطيئتنا الأصلية قد طُرحت نهائياً فى الإبادة التامة، حين
تتجدد نفس كل واحد إلى حالة الفضيلة غير المتذبذبة” (الإنجيل بحسب القديس
يوحنا -الكتاب الرابع-الفصل الأول).

 

فليس
القديس أثناسيوس الرسولى وحده، بل والقديس كيرلس عامود الدين قد ذكرا الخطيئة
الأصلية… ومن بعدهما القديس أغسطينوس، فماذا بعد؟!…

 

ثانياً:
الفرق بين المسئولية الشخصية ووراثة الخطيئة الأصلية

من
المفهوم طبعاً أن لكل إنسان مسئولية شخصية فى تحديد مصيره. ولذلك فإن الرب قد دبّر
الخلاص لسائر البشر الذين ورثوا الخطية الأصلية، واجتاز إليهم الموت كنتيجة لدخول
الخطية إليهم.

فإن
كانت المسئولية الشخصية لأبناء آدم لم تدخل فى الخطية الأصلية لكنهم ورثوا حالة
الخطية التى سقط إليها آدم مع حواء. ولكنهم لديهم الفرصة أيضاً مع آدم أن يختاروا
طريق الخلاص وينالوا البنوة لله بقبول عطية الله فى المسيح.

 

إن
مسئولية الإنسان الشخصية هى التى تحدد مصيره، ولذلك فهناك أناس اختاروا طريق
الشركة مع إبليس وهناك آخرون اختاروا طريق الشركة مع الله.

 

قديسو
العهد القديم رقدوا على رجاء الخلاص وذهب إليهم السيد المسيح وبشرهم بإتمام الفداء
وخلّصهم من الجحيم ونقلهم إلى الفردوس. وهذا ما وضحه القديس بطرس الرسول فى رسالته
الأولى إذ قال عن السيد المسيح “مماتاً فى الجسد، ولكن محيياً فى الروح الذى
فيه أيضاً ذهب فكرز للأرواح التى فى السجن” (1 بط 3: 18-19).

 

وقديسو
العهد الجديد هم الذين قبلوا الإيمان بموت المسيح وقيامته وقبلوا الولادة الجديدة
بالمعمودية “فدفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أقيم المسيح من الأموات
بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً فى جدة الحياة” (رو 6: 4).

 

وقد
أشار القديس كيرلس الكبير إلى مسألة المسئولية الشخصية فى ضوء الآية التى تقول
“النفس التى تخطئ هى تموت” (حز 18: 4). ولماذا إجتاز الموت من آدم إلى
جميع البشر مع أنهم لم يكونوا موجودين وقت سقوطه ولم يشتركوا بالإرادة الشخصية
فيما فعل فى ذلك الحين فقال:

 

“نعم
“النفس التى تخطئ هى تموت” لكننا بهذه الطريقة صرنا خطاة بواسطة عصيان
آدم. آدم كما ترون صُنع لعدم الفساد والحياة. علاوة على ذلك فإن الحياة التى كان
يحياها فى فردوس النعيم كانت تليق بالقديسين، فقد كان عقله مشغولاً برؤية الله
وجسده فى سلام كامل، كل الشهوات الدنيئة فى سكون، لأن العواطف غير اللائقة لم
تزعجه. لكن حينما سقط تحت الخطية وغرق فى الفساد، حينئذ غزت الشهوات النجسة
الطبيعة الجسدية، ونبت ناموس الخطية التى تضرم فى أعضائنا. لذلك تعاقدت الطبيعة
البشرية مع مرض الخطية خلال معصية إنسان واحد وهو آدم. وبهذه الطريقة صار كثيرون
خطاة – ليس كأنهم تعدوا مع آدم (لأنهم لم يكونوا موجودين) ولكن لأنهم من طبيعته
التى سقطت تحت ناموس الخطية… مرضت الطبيعة البشرية بالفساد فى آدم بسبب عصيانه
وبهذا دخلت الشهوات…” (تفسير رسالة رومية 5: 18
pg 74, 788-9).

 

ثالثاً:
قال قداسة البابا شنودة الثالث -أطال الرب حياة قداسته- “إن حكم الموت الذى
صدر ضد آدم وحواء قد صدر ضد كل خلية فى أجسادهما بما فى ذلك الخلايا التى جئنا نحن
كبشر منها فيما بعد”. ولذلك فلن يفلت أحد من حكم الموت هذا، واحتاج الأمر إلى
تجديد الطبيعة والخلاص من حكم الموت بموت المسيح نيابة عنا كقول معلمنا بولس الرسول:
“إن كان واحد قد مات لأجل الجميع، فالجميع إذاً ماتوا” (2كو 5: 14).

 

رابعاً:
وحدانية الجنس البشرى فى التعبير اللاهوتى

إن
المفهوم الكتابى والآبائى الكنسى قد أعطى مساحة لإحساس الإنسان بارتباطه العام
بجماعة المؤمنين من آدم إلى الآن. بحيث يعبّر الواحد عن الجماعة وتعبّر الجماعة عن
الواحد دون أن يُلغى ذلك مصير كل إنسان بحسب إيمانه وعمله شخصياً.

ففى
قداس القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات يقول مخاطباً الإبن الكلمة “غرس واحد
نهيتنى أن آكل منه، فأكلت بإرادتى وحدى وتركت عنى ناموسك برأيى وتكاسلت عن وصاياك
أنا اختطفت لى قضية الموت”.

 

ثم
يستطرد ويقول “أنت يا سيدى حوّلت لى العقوبة خلاصاً. كراع صالح سعيت فى طلب
الضال. كأب حقيقى تعبت معى أنا الذى سقطت ربطتى بكل الأدوية المؤدية إلى الحياة
أنت الذى أرسلت لى الأنبياء من أجلى أنا المريض أعطيتنى الناموس عوناً أنت الذى
خدمت لى الخلاص لما خالفت ناموسك كنور حقيقى أشرقت للضالين وغير العارفين”.

 

ونلاحظ
فى كل ذلك أن القديس غريغوريوس قد تكلم بلسان الإنسان من آدم إلى مجيئ المخلص
عبوراً بعهد الناموس والأنبياء. وكأنه هو نفسه آدم وهو نفسه إنسان عهد الناموس وهو
نفسه إنسان العهد الجديد بينما هو لم يعش فى كل تلك العصور.

 

ويتضح
أيضاً نفس الأسلوب فى التعبير فى كلام القديس بولس الرسول فى رسالته إلى أهل رومية
فيتكلم بلسان إنسان ما قبل الناموس وإنسان ما بعد الناموس ثم يتكلم بلسان إنسان
عهد النعمة فيقول متدرجاً:

 

*
“أما أنا فكنت بدون الناموس عائشاً قبلاً ولكن ما جاءت الوصية عاشت الخطية
فمت أنا” (رو 7: 9)

*
ثم يقول “ويحى أنا الإنسان الشقى من ينقذنى من جسد هذا الموت” (رو 7:
24).

*
ثم يقول “إذاً لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع السالكون
ليس حسب الجسد بل حسب الروح” (رو 8: 1).

 

بعد
كل هذا العرض الكتابى والآبائى اعتقد أنه من الأمور المخزية أن يستمر البعض فى
المتاجرة بمناقشة موضوع “الخطيئة الأصلية” فى المحافل الكنسية والتلاعب
بالألفاظ فى قضية من أكثر أركان العقيدة المسيحية أهمية وهى “عقيدة
الفداء”. وكفى كمال زاخر موسى نشراً لعقائد تتعارض مع عقيدة الكنيسة
المستقيمة الرأى متمسحاً بعبارة “الإصلاح الكنسى”. فليست الكنيسة
القبطية الأرثوذكسية هى كنيسة محاكم التفتيش فى القرون الوسطى التى أحرقت أبناءها
فى أوروبا. ونتج عنها ثورة “الإصلاح” البروتستانتية. بل إن كنيستنا هى
الكنيسة التى حملت صليبها عبر القرون، وشعبها يعرف جيداً مدى محبتها له وحرصها على
مصالحة فى مقابل كل المخاطر والتضحيات. ما الذى فعله كمال زاخر موسى لكى يحمل مع
الكنيسة صليبها المشهود؟!!.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى