علم الكنيسة

عزل الخبيث



عزل الخبيث

عزل
الخبيث

 سنبحث
الآن الصورة القصوى للتأديب، أو بتعبير أدق عملية العزل عن الجماعة بالنسبة لشخص
لم يستجب لكل صور التأديب الأخرى. ولقد سبق أن أشرنا إلى هذه العملية عدة مرات،
ورأينا أنها الخطوة الرابعة في التعامل مع الشخص غير التائب وغير الخاضع في حالة
الخطأ الشخصي.

 

 وعملية
العزل هي أخطر وأشد صور التأديب، ولا تمارس إلا كالمنفذ الأخير عندما تسد أمامنا
كافة سبل الإصلاح الأخرى. ولنلاحظ أن هذه العملية لا يجوز أن تتم بواسطة فرد أو
أفراد حتى ولو كانوا الشيوخ أو الذين يمارسون عمل النظار، بل يجب أن تتم بواسطة
الكنيسة كلها.

مقالات ذات صلة

 

 وبالنسبة
للتعليمات الكتابية الخاصة بهذا التأديب، لنرجع إلى 1 كورنثوس 5، حيث نجد الرسول
يبحث حالة الشخص الذي أخطأ خطية الزني. وهذا الإصحاح كله مليء بالتعاليم، ويجب
دراسته إذا أردنا التعامل مع الشر الذي قد يظهر في الكنيسة. ولأنه سبق أن رجعنا
إلى أعداد من هذا الإصحاح عندما تكلمنا عن ضرورة التأديب وطريقة ممارسته فلذلك
سنكتفي هنا باقتباس ع 11 – 13.

 

 “وأما
الآن فكتبت إليكم إن كان أحد مدعواً أخاً زانياً، أو طماعاً، أو عابد وثن، أو
شتاماً، أو سكيراً، أو خاطفاً. أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا. لأنه ماذا لي
أن أدين الذين من خارج؟. ألستم أنتم تدينون الذين من داخل. أما الذين من خارج
فالله يدينهم. فاعزلوا الخبيث من بينكم”.

 

 الخبيث:
من المهم أن تلاحظ أن أولئك الذين يمكن وصفهم بكلمة الخبيث هم فقط الذين يجب عزلهم
من بين جماعة المؤمنين “اعزلوا الخبيث من بينكم”. إنه من الخطأ الجسيم
أن نعزل شخصاً أخذ في زلة ما أو ارتكب إثماً، ليس إلا. بل يجب على الجماعة أن
تتأكد من أن الشخص فعلاً ينطبق عليه وصف “الخبيث” وأن يتقرر ذلك ويكون
واضحاً أمام الجميع، وأقل من ذلك لا يفي بالمطلوب.

 

 ولقد
رأينا أن هناك صوراً مختلفة للتأديب بالنسبة للأخطاء المختلفة التي تحدث. وهذه
الصور التي تأملناها فيما سبق يمكن أن نسميها التأديب الوقائي، والتأديب العلاجي،
لأن الغرض منها هو منع الشخص من التمادي في خطيته حتى لا يتحول إلى خبيث، وأيضاً
لعلاجه وإصلاح سلوكه.

 

 لكن
عندما يرفض الشخص الإصلاح ويصر على المسار الشرير، فإن المسألة تتحول إلى خبث.
وعندما يظهر الخبث بأي صورة في الجماعة فإنه يجب التعامل معه بحسم لحفظ الجماعة من
تأثيره الخطير كقول الكتاب “ألستم تعلمون أن خميرة صغيرة تخمر العجين كله؟
إذاً نقوا منكم الخميرة العتيقة لكي تكونوا عجيناً جديداً كما أنتم فطير” (1
كو 5: 6 و 7). ولهذا فإن الشخص الخبيث يجب عزله. وهذا التأديب يمكن أن نسميه
التأديب الحافظ، وهو لازم جداً إذا أرادت الجماعة أن تحفظ نفسها في شركة مع الرب،
الذي هو “القدوس الحق”.

 

 إن
عزل الشخص الخبيث هو مثل قطع أحد أعضاء الجسم. إنه أمر مؤلم ومؤسف للغاية، ولا
يعمل إلا عندما ينعدم الأمل في هذا العضو. وهذا البتر يتم لحفظ باقي الجسد من
التأثير السام لهذا العضو المريض. وهكذا فإن عزل الشخص الخبيث هو لازم لمنع الخمير
من الانتشار في الجماعة.

 

 وقد
يسأل واحد. وما هو الخبث؟ إن كلمة خبث في اليوناني هي “بونيروس”
poneros. وتعني النشاط الإيجابي للفساد، والشهوات الجامحة. فهي ليست مجرد
خطية مفردة، بل نشاط خطر وإيجابي للشر، أو بالحري عيشة في الخطية. وبصفة عامة،
الشخص الخبيث هو شخص فاسد أدبياً وشرير في المبدأ والممارسة. وهو يتسم إما بالظلم
أو الفساد كما كان الناس أيام نوح (تك 6: 5 و 11 – 13). وهو ممتلئ بالمرارة
والعداوة. ويميل بشدة لعمل الأذى والشر. إن الخبث هو مسار للسلوك أكثر من كونه
مجرد فعل واحد للخطأ.

 

 والخبث
هذا يذكرنا بمرض البرص المذكور في العهد القديم. وعليه فإن الدراسة المتأنية لسفر
اللاويين 13، ستلقي مزيداً من الضوء على الموضوع الذي نحن بصدده. وسوف نمر بسرعة
على الفصل، لكننا ندعو القارئ إلى دراسة الفصل كله، ففيه ترد تعليمات دقيقة عن
كيفية اكتشاف المرض وكيفية التعامل معه. لقد كان على الكاهن أن يبحث بصبر كل شيء
يحمل أعراض البرص. كان عليه أن يفحص الضربة أو اللمعة ليرى إذا ما كانت أعمق من
الجلد. فإذا كانت أعمق من الجلد كان الكاهن يحكم بنجاسة المصاب، وكان يعزل الشخص
باعتباره أبرص. أما إذا لم تكن أعمق من الجلد فكان عليه أن يحجزه سبعة أيام ثم
يفحصها ثانية. وإذا ظلت الحالة غير مؤكدة كان عليه أن يحجزه سبعة أيام أخر ثم يقوم
بالفحص من جديد. فإذا كانت الضربة ممتدة كان الكاهن في النهاية يحكم بنجاسته. إنه
أبرص.

 

 كل
هذا يؤكد لنا العناية الكهنوتية، والملاحظة الصابرة، والإدراك التقوي اللازم قبل
الحكم على الشخص بأنه خبيث، لاحظ التكرار الواضح في هذا الإصحاح كله لكلمة
“إن رأى”، “يحجز”، “يحكم” فلا يجب أن يكون هناك
مجال للعجلة ولا لمجرد الشبهة في الحكم على أمر كهذا.

 

 إذا
كان شخص في جلده ناتئ أبيض، وتحت الناتئ لحم حي، فهذا معناه برص، والشخص يعتبر
نجساً. إن الضربة أعمق من الجلد. وليس مجرد ظهور مفاجئ للطبيعة بل إنه مرض دفين
للبرص، وهو يبعد الإنسان عن محضر الله.

 

 وهذا
هو الفارق بين “الخطية” و “الخبث”. إن الخطية ساكنة في كل
مؤمن. فإذا لم يسهر المرء، ولم يحكم على ذاته، فهي عرضة لأن تظهر عن طريق حدة طبع
مفاجئة، أو تسرع زائد في الكلام، أو السقوط في زلة ما. إنها مثل الناتئ أو اللمعة
المذكورين في لاويين 13: 2 و 23. وهذه الظهورات المحزنة للجسد، ليست هي البرص أو
بالحري الخبث، مع أن البرص (أو الخبث) قد يتطور منها. بل إن هذه الظهورات للطبيعة
الفاسدة تستلزم الحكم عليها وملاحظتها لئلا تنتشر وتصبح ضربة أعمق من الجلد.
فالخطية الساكنة في المؤمن، إذا سمح لها أن تعمل في المؤمن فإنها سرعان ما تتمكن
منه، من ثم تتطور إلى خبث، شيء أعمق من مجرد ظهور للطبيعة، أعمق من مجرد شيء على
السطح. إنها قد تتطور إلى حالة خبث حقيقي، ويصبح “في الناتئ وضح من لحم
حي”، الذي هو علامة برص حقيقي بحسب لاويين 13: 10 و 11.

 

 وبالرجوع
إلى 1 كورنثوس 5: 1 فإننا نجد ستة مظاهر توضح الخبث الأدبي (إن كان أحد مدعو أخاً
زانياً أو طماعاً أو عابد وثن أو شتاماً أو سكيراً أو خاطفاً، أن لا تخالطوا ولا
تؤاكلوا مثل هذا”. إن هذه بعض الأمثلة الخاصة لما يميز الشخص الخبيث.

 

 فالزاني:
هو شخص فاسد أدبياً، وعائش في الفجور[1]. وشخص كهذا يعتبر غير لائق للشركة مع
القديسين.

 

والطماع:
هو شخص شره للربح، دؤوب على طلب ما ليس عنده، مشتهياً أن يسلب ما يمتلكه الآخرون.
إن الطمع هو رغبة جامحة لاقتناء أشياء بما يتعارض مع الآداب الحسنة. وحقاً ما قيل
إنها رغبة نهمة غير شبعانة، أو هي شهوة مطلقة عنانها (انظر أف 5: 3، كو 3: 6).
وشخص كهذا، يجب عزله كشخص خبيث. فالطمع كما جاء في كولوسي 3: 5 هو عبادة أوثان.

 

 وعابد
الوثن: هو الذي يعطي كرامة إلهية للأصنام أو الصور. أو الذي يعطي إكراماً زائداً
أو قيمة أكثر من اللائق لأي إنسان أو شيء ما.

 

والشتام:
هو إنسان بذيء يحب الشجار، متصلف، ومزعج، طبعه حاد، يهاجم الآخرين بافتراءات
مفضوحة ولغة بذيئة. وشخص كهذا هو غير لائق لشركة القديسين وكنيسة الله.

 

 والسكير:
هو شخص نهم للخمر، معتاد على الوقوع تحت تأثير المسكر.

 

 والخاطف:
هو الذي يمارس الجور والظلم والاغتصاب ويحصل بالعنف والتهديد على ما ليس من حقه.

 

 إن
كان هناك أحد مدعو أخاً، ووجد متبعاً أسلوب سلوك لأي من الأوصاف المذكورة سابقاً،
يجب أن يعزل كشخص خبيث. وفي الحقيقة نحن لا نعتقد أن 1 كورنثوس 5: 11 تعطينا قائمة
كاملة بالأمور التي تجعل الإنسان خبيثاً أو الوصاف الوحيدة التي بسببها يعزل
الواحد. فلقد قال الرسول “لا تؤاكلوا مثل هذا”. ونعتقد أن هذا التعبير
يشمل معنى أوسع من مجرد الصفات الست المذكورة في هذا العدد. ومن 1 صموئيل 15: 23
نتعلم أن “التمرد كخطية العرافة، والعناد كالوثن والترافيم”. فالتمرد
والعناد إذاً، وهما في حقيقتهما إرادة ذاتية، هما أيضاً خبث.

 

 ومن
المهم أن نلاحظ أن نفس الشرور المذكورة في 1 كورنثوس 5: 11 – 13، والتي بمقتضاها
اعتبر واحد مدعو أخاً أنه خبيث، هي مذكورة أيضاً في 1 كورنثوس 6: 9 و 10 كصفات
أولئك الذين لن يرثوا ملكوت الله. وعليه فإن شخصاً واقعاً في شر من هذه الشرور،
إنما يضع نفسه خارجاً ضمن قائمة الذين ليس لهم ميراث في ملكوت المسيح، وبالتالي
فإن مكانه خارج الجماعة لا داخلها.

 

 إن
شراً من هذه الشرور يرفع التساؤل” هل هذا المخطئ هو حقاً ابن للّه؟ إن سلوكه
مضاد لاعترافه. ولذلك فإن الرسول لا يقول “إن كان أحد الإخوة” بل إن كان
أحد مدعو أخاً،زانياً..الخ” لأنه إذا كان الشخص المدعو مسيحياً يسلك في مثل
هذه الشرور، فإن المرء لا يمكن أن يتأكد أنه بالحقيقة أخ في الرب. ولكن إذا نشأ عن
العزل حزن تقوي وتوبة، كما حدث في الحالة المذكورة في 1 كورنثوس 5 (انظر 2 كورنثوس
6 – 11)، فإن الجماعة بذلك تتأكد من أن هذا الشخص هو بالحقيقة ابن لله.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى