سلسلة دراسة الذبائح טֶבַח والتقديمات (3) أهمية الذبيحة – لمحة تاريخية سريعة
إن نظرة استطلاعية للكتاب المقدس تجعلنا ننتبه لأهمية الذبيحة وشمولها . فهي تملأ كل جوانب التاريخ :
(1) – التقدمة – أول مرة نقرأ عن الذبائح هو ما جاء عن هابيل وقبول الله لذبيحته ” وقدم هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانها” (تك4) ، وكان تقديم الذبيحة كشكر وعرفان بالجميل واسترضاءٍ لوجه الله ، والله قبلها بسبب قلب مقدمها – كما رأينا سابقاً : ” بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل ( أعظم ) πλείονα θυσίαν – more excellent sacrifice من قايين . فيه شهد أنه بار ، إذ شهد الله لقرابينه . وبه وإن مات يتكلم بعد … ولكن بدون إيمان لا يُمكن إرضاؤه ” (عب11: 4و6 ) ، وهنا سرّ قبول الذبيحة هو الإيمان التي تسنده الأعمال البارة . وتقول الدسقولية (تعاليم الرسل) : [ أن الله ليس بمحتاج للقرابين لأنه فوق كل احتياج بطبيعته، … بل أن المُحب لله الأول هابيل ونوح وإبراهيم والذين جاءوا بعدهم … لما تحركت ذواتهم من جهة الناموس الطبيعي (وقلبهم الشاكر) أن يقرَّبوا لله ، لم يفعلوا ذلك بتكليف – هكذا أعطى الله موضعاً للعبرانيين بأن يصنعوا هذا ولم يأمرهم ، لكن سمح لهم أن يكون ذلك منهم إذا أرادوا هم ؛ وسُرَّ بقرابينهم إذ قدَّموها بضمائر مستقيمة ] ( دسقولية 33: 64 ) (2) – المحرقة – ثم نقرأ عن نوح عقب خروجه من الفُلك : ” وبنى نوح مذبحاً للرب ( وهذه أول مرة يُذكر فيها المذبح على صفحات الكتاب المقدس ) وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد ( صعيده ) محرقات على المذبح ، فتنسم الرب رائحة الرضا ( وهذه أول مرة يُسمع فيها عن رضا الله ) ” ( تك8: 20و21) ؛ ونلاحظ هنا أن ذبيحة هابيل سماها الكتاب ” قرباناً أو تقدمة ” أما هنا سُميت ” صعيده محرقة للرضا ” ، وهذا كما جاء أيضاً في ذبيحة المحرقة في سفر اللاويين هكذا : ” ويوقد الكاهن الجميع على المذبح محرقة وقود رائحة سرور للرب ” ( لا1: 9 ) وكما يدعوها أيضاً ” محرقة للرضا ” ( لا1: 3و13 ) وكان ذلك تعبيراً عن منتهى خضوعه الكلي لله وشكره العميق وتعبده لله ملتمساً رضاه بعد أن أغضبه البشر بشرورهم حتى أنه ندم أنه خلق الإنسان ، كما أنه أراد أن يعبَّر عن اعترافه بفضل الله الذي خلصه من الموت ، فكان نوح هنا نائباً عن البشرية في هذا الموقف العظيم حينما أصعد محرقاته المعبَّرة عن شكره وامتنانه وخضوعه والتماسه لرضا الله وهكذا ” صار وارثاً للبرّ الذي حسب الإيمان ” ( عب11: 7 ) ونلاحظ أن ثمرة ذبيحة نوح التي قدمت كإعلان للطاعة والخضوع : ” فتنسم الرب رائحة الرضا وقال في قلبه : لا أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته . ولا أعود أُميت كل حي كما فعلت ” ( تك8: 21) ، وأن كان نوح وهو من البشر قد قدم ذبيحة ردت غضب الله وجعله لا يلعن الأرض أبداً ، فكم تكون ثمرة ذبيحة المسيح له المجد ” الذي أسلم نفسه لأجلنا قرباناً وذبيحة لله رائحة طيبة ” ( أف 5: 2 ) ،” الذي بروح أزلي قدَّم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي ؟! ” ( عب9: 14 ) [ الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا، فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة ] ( رفع البخور – اعتراف الشعب ]