اللاهوت الروحي

3- إنكار بطرس، وضعف الطبيعة البشرية



3- إنكار بطرس، وضعف الطبيعة البشرية

3- إنكار بطرس،
وضعف الطبيعة البشرية

في قراءات ليلة الجمعة من البصخة المقدسة، تتضح
لنا حقيقة بارزة وهي:

مقالات ذات صلة

أن الله الذي خلق طبيعتنا البشرية، يعرف
ضعفاتها.. بينما هذه الطبيعة البشرية التي لا يعرف ذاتها.. كثيراً ما تكون واثقة
أزيد مما يحب!!

 

الله الذي يعرف الطبيعة البشرية، يعرف أن تلميذه
المتحمس الغيور، بطرس، يمكن أن ينكره ثلاث مرات، في دقائق قليلة، أمام جارية بعض
وبعض الخدم، وليس أمام رؤساء لهم خطورتهم.. هكذا كانت الطبيعة البشرية أمام الرب.
ولذلك قال لبطرس ينذره “هوذا الشيطان طلبكم لكي يغر بلكم كالحنطة. ولكني طلبت
من أجلكم لكيلا يفني إيمانكم” (لو 22: 31، 33) أما بطرس الواثق بنفسه أزيد من
واقع الضعيف، فإن رد علي الرب في ثقة بذاته قائلاً “إني مستعد يا رب أن أمضي
معك حتي إلي السجن وإلي الموت” (لو 22: 33).

 

كنت أظن أن معلمنا بطرس، يجيب بغير هذا..!

 

سامحوني يا اخوتي، أنا لست أتدخل في تصرفات
القديسين. بل إنني لست مستحقاً للتراب الذي كان يدوسه القديس بطرس بقدميه. ولكنه
مجرد رأي أعرضه: مادام الرب قد قال “هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم
كالحنطة”. وقال كنتيجة لهذه الغربلة: “كلكم تشكون فى في هذه الليلة، لانه
مكتوب إني أضرب الرعي فتتبدد الرعية” (مر 14: 27) (مت 26: 31). مادام الرب
قال “كلكم تشكون” ولم يستثن بطرس.

 

كان الواجب إذن، أن يتضع هذا القديس ويطلب
المعونة.

 

كان الأليق به، أن يلقي بذاته عند قدمي ربنا
يسوع المسيح ويقول له: “يا رب قوة ضعفي. أعطني نعمة منك تسندني في هذا الضعف،
حتي لا أنكر”. كان يمكن أن يقول في أتضاع.

 

أنا واثق أن نعمتك لو تخلت عني، ربما أنكر سبع
مرات وليس ثلاثاً فقط، علي الرغم من محبتي لك..

 

أنا إنسان ضعيف، إذا تصرفت بقوتي الخاصة، سأشابه
الهابطين في الجب. ولن أنسي قولك من قبل “بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً”
(يو 15: 5). ولكنني بك أستطيع كل شئ.. “أستطيع كل شئ في المسيح الذي
يقوني” (في 4: 13). ولكن بطرس لم يفعل هكذا!!.. كان واثقاً بنفسه. كان واثقاً
بمحبته للرب علي الثبات..

 

بل كان واثقاً إنه أكثر من جميع التلاميذ
ثابتاً!

 

فقال للرب مجادلاً “وإن شك فيك الجميع فأنا
لا أشك أبداً” (مر 14: 29) (مت 26: 33) والعجيب أنه لما واجهة الرب بالحقيقة
المرة وقال له بالذات، وليس ككلام عام “الحق أقول لك إنك اليوم في هذه
الليلة، قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات).. قال بطرس بأكثر تشديد
“ولو اضطررت أن أموت معك، لا أنكر”. “وهكذا قال الجميع” (مر
14: 30، 31) (مت 26: 34، 35).

 

إن النفس الجاهلة بحقيقة ذاتها، ما أسهل أن تقول
للرب مع بطرس “أني أضع نفسي عنك” (يو 13: 37).

 

تقول ذلك في ثقة. ويثبت الواقع عكس ما تقول! هذه
النفس الواثقة بذاتها، ليتها، تدرك قول القديس بولس الرسول “لست أفعل ما
أريده، بل ما ابغضه إياه أفعل!.. فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا، بل الخطية الساكنة
في” (رو 7: 15، 17). هناك نصائح تقوم لمثل هذه الحالة منها:

 

أن يعرف الإنسان ضعف الطبيعة البشرية، وقوة
الشياطين وحيلهم.

 

لابد أن نضع أمامنا في جهادنا الروحي إن عدونا
الشيطان مثل أسد زائر يجول متلمساً من يبتلعه هو (إبط 5: 18). وقد قيل أنه عندما
يحل الشيطان من قيده “لو لم يقصر الله تلك الأيام، لم يخلص أحد” (مت 24:
22). مادام الشياطين لهم هذه القوة والحيلة والخداع، حتي أن الشيطان يمكن أن يغير
شكله إلي شبه ملاك نور (2كو 11: 14).

 

إذن النصيحة الأولي، هي أن نتضح، وننسحق في
داخلنا.

 

نتواضع تحت يد الله القوية، وأمام ذاتنا في
الداخل. ولا تظن أن لنا قوة فوق مستوي الخطية، وفوق مستوي الحروب الشيطانية.
فالخطية طرحت كثرين جرحي، وكل قتلاها أقوياء (أم 7: 26). وبكل أتضاع ندرك انه يمكن
أن تخطئ.

 

وإلي جوار الإتضاع تلزمنا أيضاً الصلاة الدائمة.

 

وهكذا يلهج القلب باستمرار “يا رب أعطني
نعمة. يا رب أعطني قوة. حافظ علي. أنا أضعف من الخطية. اسندني فأخلص”.

 

 ومع
الإتضاع والصلاة، ينبغي أن يكون لنا الاحتراس الدائم.

 

أحياناً لا نحترس من بعض خطايا، نظن أنها من
خطايا المبتدئين! أما أمثالنا الذين تدربوا عل الروحيات، وعاشوا زماناً في
الكنيسة، ومارسوا وسائط النعمة.. فليس من المعقول أن يقعوا في أمثال هذه
الخطايا..! وبالتالي لا نحترس. ونتيجة لعدم الاحتراس، نسقط في (خطايا المبتدئين)!

 

ربما ظن بطرس أنه من الاستحالة أن ينكر المسيح.

 

جائز في أتضاع يظن أنه يمكن أن يسقط في خطايا
أخري غير هذه. أما عن إنكار المسيح، فهذا مستحيل، مستحيل.. إنه لم ولن يصل إلي مثل
هذا المستوى..

 

هل يعقل أحد أن القديس بطرس يمكن أن ينكر!

 

 بطرس
الذي قال له الرب “طوباك يا سمعان بن يونا. إن لحماً ودماً لم يعلن لك، لكن
أبي الذي في السموات” (مت 16: 17، 19) بطرس الذي أعطاه الرب مفاتيح الملكوت
وسلطان الحل والربط، كواحد من الإثني عشر (مت 18: 18).. بطرس المعتبر احد أعمدة
الكنيسة بشهادة القديس بولس الرسول (غل 2: 9) بطرس الذي هو من كبار المتحمسين للرب
السائرين وراءه، بطرس المملوء غيرة، الذي منذ لحظات أستل سيفه وضرب أذن عبد رئيس
الكهنة. بطرس هذا ينكر المسيح؟! ألا يبدو هذا مستحيلاً؟ وأمراً لا يخطر علي بال.

 

فإن كان بطرس هذا قد أنكر، ألا نتضع نحن؟! ألا
نقول: لسنا أقوي من الذين سقطوا ونحترس.

 

وإن كان الله يسندنا في بعض الأوقات نسقط، فليس
هذا راجعاً إلي قوتنا الشخصية، ومقاومتنا وصمودنا.. فلنقل إذن مع المرتل في
المزمور “لولا أن الرب كان معنا.. لا بتلعون نحن أحياء.. مبارك الرب الذي لم
يجعلنا فريسة لأسنانهم..” (مز 124).

 

إذن فلنداوم علي الإتضاع، والصلاة والاحتراس.

 

ولا نحاول أن نقسم الخطايا، إلي خطايا كبيرة
تحتاج إلي صلاة واحتراس، وخطايا أخري نحن فوق مستوي السقوط فيها، وهذه لا تحتاج
إلي احتراس ولا إلي صلاة! أن ربنا يسوع المسيح، الذي يعرف ضعف طبيعتنا، يعرف أن
عبارة “لو أدي الأمر أن أموت معك” هي مجرد حماسة ظاهرية، أو مجرد نية
طيبة.

 

ولكن الإرادة في الواقع، ليست علي مستوي الحماس
والنية.

 

النية الطيبة، والحماس متقد. ولكن العزيمة لا
تسندهما. والقلب ربما يهتز، إن كان الاختبار شديداً يكشف ضعفه. لا حظوا أن الرب
قال لبطرس “طلبت من أجلك، لكي لا يفني إيمانك” (لو 22: 32).

 

إلي هذه الدرجة يا رب تقول لكيلا
“يفني” إيمانك؟

 

 قل
مثلا: لكيلا يضعف إيمانك، أو لكيلا يهتز إيمانك.. أما عبارة (يفني) فإنها صعبة
وشديدة، وبخاصة إذا قيلت لرسول عظيم كبطرس نعم، أنها كلمة صعبة، ولكنها الواقع.

 

إنكار يا بطرس كان أفضل النتائج، وكان نتيجة
للصلاة!

لولا الصلاة من أجلك، ربما كان يفني إيمانك.. يا
للهو!

إن الحماس ليس هو كل شئ، ولا الاندفاع.. بطرس
ربما كان أكثر الرسل حماساً. ولكن..

فلنأخذ نحن درساً، ونتضع، ونحترس، ونصلي:

أنا يا رب تحت رجليك. لست أدعي لنفسي قوة. أنا
أضعف الضعف. أنا أضعف من أن أقاتل أصغرهم، وليست كفؤاً أحد. اسندني فأخلص. وان
انتصر في يوم علي خطية، سأقول بكل تأكيد “يمين الرب صنعت قوة. يمين الرب
رفعتني” (مز 117) “لولا أن الرب كان معنا، لابتلعونا ونحن أحياء”.
النفس المتواضعة التي من هذا النوع، هي التي يمكنها أن تجتاز التجربة بسلام. أما
الواثقة بذاتها، فلتسمع قول الكتاب:

 

قبل الكسر الكبرياء. وقبل السقوط تشامخ الروح
(أم 16: 18).

 

أن قوة الرب هي التي تحفظ، وليس قوتنا، وهي تحفظ
المتواضعين. لذلك حسناً قال الرب لله الآب “حين كنت معهم في العالم، كنت
أحفظهم في اسمك، الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد” (يو 17: 12) نعم،
أنت الذي حفظتهم، وليست قوتهم أو تقواهم أو حرصهم. وليست حكمتهم، أو إرادتهم
وعزيمتهم، أو مجرد محبتهم لك. فبطرس كان يحبك. ولكن هو حفظك لهم.

 

احفظنا يا رب إذن كما حفظتهم.

 

 أعطنا
قوة كما أعطيتهم. وقدنا كما قدتهم في موكب نصرتك (2 كو 2: 14). أنك لما أمسكت بيد
بطرس، أمكنه أن يمشي علي الماء. معك. ولكنه بقوته الذاتية وحدها، لا يستطيع أن
يمشي. لقد جرب ذلك فسقط في الماء.. أن سرت يا أخي فوق الماء ولم تسقط، فاعرف أن
ذلك سببه أن الرب ممسك بيدك. لذلك احتفظ بهذه اليد معك، واحترس أن تعتمد علي ذاتك
لئلا تسقط.. إننا نريد هؤلاء المتواضعين، الذين بدلا من أن يعلنوا قوتهم وقدرتهم
كبطرس، يحولون ذلك إلي صلاة.

 

اعتماد بطرس علي قوته، كان له جانب شخصي وآخر
مقارن.

 

فمن جهة اعتماده علي شخصه، أو اعتماده بشخصيته،
قال “إني أضع نفسي عنك”. ومن جهة المقارنة قال “وإن شك فيك الجميع
فأنا لا أشك أبداً” (مر 14: 29). كأنه أكبر من الكل، وأكثر منهم محبة، وأقوي
منهم مقاومته. والتواضع يعلمنا ألا نفضل أنفسنا علي غيرنا.

 

لذلك سمح الوحي الإلهي، أن يسجل إنكار بطرس
وحده.

 

لقد قال الرب “كلكم تشكون” وقال
“تتبدد الرعية” وقال عن الشيطان “يغربلكم”.. إذن هي لم تكن
تجربة فردية لبطرس، أو سقطة فردية. ولكنها للجميع سقطة بطرس وحدة هي التي سجلها
الوحي لأنه افتخر علي باقي التلاميذ، وظن أنه أكثر حباً للرب منهم. ولعله من أجل
هذا عاتبه الرب بعد القيامة بقوله “يا سمعان بن يونا، أتحبني اكثر من هؤلاء؟
(يو 21: 15) ولاحظوا هنا أنه ناداه بإسمه القديم سمعان بن يونا، وليس باسم بطرس
الذي ناله في التطويب (مت 16: 18) فليس الآن مجال تطويب. هنا عاد لشخصية الإنسان
العتيق، عاد صياد سمك وليس صياد الناس (لو 21: 3). لم يعد كالصخرة، لأنه أهتز أمام
جارية. ولكن الرب أعاده إلي رتبته الرسولية بقوله (أرعي غنمي..أرعى خرافي)، ولم
يحاسبه بالإنذار الإلهي الذي يقوله “من ينكرني قدام الناس، أنكره أنا أيضاً
قدام أبي الذي في السموات” (مت 10: 33). لقد سمح الرب بإنكار بطرس، وبتسجيل
الوحي لذلك، لكي لا يفتخر بطرس علي باقي التلاميذ فيما بعد، كما سبق أن قال: أن شك
الجميع فأنا لا أشك. نلاحظ هنا أن الرب لما عاتب بطرس بقوله “أتحبني أكثر من
هؤلاء” أجاب “أنت تعلم يا رب إني احبك”. ولم يقل بعدها “أكثر
من هؤلاء”. كان قد أخذ درساً.. وبسبب هذا الدرس، حينما حان موعد استشهاد
القديس بطرس طلب أن يصلب منكس الرأس. وهكذا حدث.

 

لأن قلبه كان منكساً بالداخل، قبل أن تتنكس
رأسه.

 

وكأنه يقول للرب: أنا يا رب خجلان منك ومن
أخوتي، خجلان من ثقتي السابقة، واعتدادي بقوتي، وظني أنني أفضل من أخوتي، مما
جعلني أقول: لو شك الجميع، أنا لا أشك.. أنا الآن انكس رأسي أمامك وأمام الجميع
وأقول أنا لا أستحق. وهكذا عندما شفي الله الرجل الأعرج عند باب الجميل، علي يدي
بطرس. والتف حوله الناس معجبين، قال لهم – ومعه يوحنا الحبيب).. ما بالكم تتعجبون
من هذا؟ ولماذا تشخصون إلينا، كأننا بقوتنا أو تقوانا قد جعلنا هذا يمشي..”
ثم حول أنظارهم إلي الرب يسوع وقال “وبالإيمان باسمه، شدد اسمه هذا.. وأعطاه
هذا وأعطاه هذه الصحة” (أع 3: 12- 16).

 

نعم بقوتنا ولا بتقوانا.. لقد جربتها قبلاً..!

 

وظهر لي إني في الموازين إلي فوق، يوم أنكر الرب
ليس لمجرد استخدام كلمات أتضاع، قال بطرس ذلك يوم شفي الأعرج، إنما قال هذا عن
إقناع داخلي.. لقد جربت قوتنا وتقوانا، فلم أنتفع شيئاً.. ليس سوي الرب “قوتي
وتسبحتي هو الرب، وقد صار خلاصاً” (مز 117). لقد جرب معلمنا بطرس قوته وتقواه
مرة أخري، حينما كان ربنا يسوع المسيح يصارع من أجلنا في بستان جثماني. وكان مع
بطرس عمودان آخران من أعمدة الكنيسة هما يعقوب ويوحنا. ولم يستطيع هؤلاء الأعمدة
الثلاثة أن يسهروا مع الرب ساعة واحدة مع أنه طلب منهم ذلك ثلاث مرات.

 

“ووجدهم أيضاً نياماً، إذ كانت أعينهم
ثقيلة” (مر 14: 40).

 

“فلم يعلموا بماذا يجيبونه”.. وكان
هذا الأمر عجباً.. أعمده الكنيسة الكبار، ما استطاعوا أن يسهروا مع الرب ساعة
واحدة، في أخرج الأوقات، حينما كان يجاهد لأجلنا، وقطرات عرقه تتساقط كقطرات دم..
وعاتب الرب بطرس قائلاً: (يا سمعان، أنت نائم. أما قدرت أن تسهر ساعة واحدة؟!) (مر
14: 37). أين إذن “قوتنا وتقوانا”؟ وأين الحدث عن الصخرة”؟!

 

وان كان هؤلاء الأعمدة عيونهم ثقيلة، ألا نتضع
نحن؟!

 

ألا نصرخ إلي الرب ونقول: أنت تعرف ضعف
طبيعتنا.. إنه يعرف بلا شك، كما قال داود في المزمور “لأنه يعرف جبلتنا يذكر
أننا تراب نحن” (مز 103: 14).

 

ولأنه يعرف ضعفنا، لا يوبخ كثيراً، ولا يعاتب
كثيراً.

 

يوبخ من؟ ويعاتب من؟ أيوبخ التراب والرماد..
المزدري وغير الموجود. لذلك فإن داود النبي يقول له “لا تدخل في المحاكمة مع
عبدك، فإنه لا يتزكى قدامك أي حي” (مز 134: 2). ويقول له أيضا “إن كنت
للآثام راصداً يا رب، يا رب من يثبت؟ لأن من عندك المغفرة” (مز 13: 3). نعم
لا يثبت أحد، لأننا كلنا “في الموازين إلي فوق” (كلنا كغنم ضللنا. ملنا
كل واحد إلي طريقه” (أش 53: 6). مسكين هذا الإنسان الذي يحاول أن يبرر ذاته،
ويقول “أنا.. أنا..”. أنت حبيبي؟ كلنا خطاه، فلا داع لكلمة أنا هذه. وأن
حكمنا الله، سوف “يستد كل فم”..

 

صدقوني، لو أسلمنا الله إلي ضعفنا، ما خلص منا
أحد.

 

إن نعمة الله لا تزال تسندنا “لئلا يفني
إيماننا). وهكذا كان السيد المسيح: يقوي تلاميذه، ويشجعهم، ويحفظهم ويعطيهم نعمة،
ويبعدهم عن كل عثرة. لذلك فإنه في إرساليته الأولي لهم، اقل لهم من أجل معرفته
بضعفهم:

 

في طريق أمم لا تمضوا، ومدينه للسامريين لا
تدخلوا.

 

 لماذا؟
لأنهم سيرفضونكم، وربما لا تحتملون الرفض. لستم الآن في مستوي هذه الخدمه الصعبة.
أذهبوا الأن إلي خراف بيت إسرائيل الضالة، وربما تكون خدمتهم أسهل.. وقد جربهم
الرب في هذا الأمر، فلم يصمدوا.. ذهب إلي أحد قري السامرة، فأغلقت أبوابهم في وجهه
ولم يقبله فصاح التلميذان اللذان معه: أتشاء يا رب أن تنزل نار من السماء فتفنيهم.
(لو 9: 54)

 

هل إلي هذه الدرجة ثرتم لكرامتكم الشخصية، ولم
تحتملوا.

 

أن يغلق باب في وجهكم! ألم تعلموا رسالة ابن
الإنسان هي أن يخلص العالم، وليس أن يهلك العالم. والعجيب أن أحد هذين التلميذين
كان يوحنا الحبيب، المملوء حباً، أو صار مملوءاً حباً فيما بعد بمعاشرته للمسيح.
أما وقتذاك فكان مع أخيه يلقيان بوانرجس أي أبني الرعد.. كان الرب يعرف ضعف
طبيعتهم. وكان يعرف ضعف غيرتهم أيضاً. إنه يذكر أننا تراب نحن (مز 103). وكان الرب
خلال هذا الأسبوع يتعامل مع التراب، التراب الذي دخلت المياه إلي نفسه، فصار
طيناً. كان يصبر علي أعدائه. وعلي أصدقائه علي السواء.

 

كان يحتمل ظلم الشرار. وكان يحتمل ضعف الأبرار.
كان يحتمل تآمر أعدائه ويحتمل خوف ونكران أصدقائه.

 

كان يحتمل الكل.. فقد جاء لا ليعاقبهم علي
أخطائهم إنما لكي يخلصهم منها. ولهذا دعي أسمه يسوع (مت 1: 21). وجد تلاميذه في
ذلك الحين ضعفاء وخائفين. فلم يعاتبهم علي ضعفهم وخوفهم، إنما قال لهم: ستلبسون
قوة متي حل الروح القدوس عليكم. وحينئذ تكونون لي شهوداً” (أع 1: 8).. حينئذ
وليس الآن، فماذا أقول؟.. ناموا الآن واستريحوا (مر 14: 41).

 

أنتم الأن تعشون بالخوف.. ليست ألومكم علي
خوفكم. ولكنكم ستنالون قوة من الروح القدس. وتتغيرون تماماً..

 

وقتذاك سوف لا تخافون من رؤساء اليهود، إنما
ستقولون لهم: ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس (أع 5: 29). عندما يحل الروح القدس
عليكم، سوف لا تخفون أنفسكم في العلية، وسوف لا تنكرونني، إنما ستشهدون لي في
أورشليم وكل اليهودية والسامرة وأقصي الأرض. وسوف لا تكونون أنتم المتكلمين بل روح
أبيكم. وستقفون أمام ملوك وولاة لأجل أسمى.

 

فتراب ضعفكم الحالية، سأحتملها، بل سأنساها لكم
إلي أن تتقوا، فينساها العالم لكم. ويذكر قوتكم..

 

بالقوة التي تنالوها من الروح القدس، سوف
تستطيعون أن تكرزوا وتتلمذوا جميع الأمم. وسأكافئكم علي أعمال هذه القوة التي ليست
هي منكم، لكنكم كنتم آنية حسنة تحملها. انظروا وافهموا جيداً ما سوف أعاملكم به..
سأنسي الضعف الصادر منكم الآن. وسأكافئكم علي عمل القوة التي ستنالونها متي حل
الروح عليكم.

 

أخطاء ضعفكم الحالي سأنساها، لا أعود أذكرها.

أما البر الذي ستعملونه بالروح، فسيبقي لكم إلي
الأبد.

سأسجله لكم في سفر الحياة. ولن أنسي أبداً تعب
محبتكم، ولا حتي كأس الماء البارد الذي تسقونه لفقير باسمي. هكذا قضي السيد المسيح
هذا الأسبوع، يجاهد وحده..

 

يجوز المعصرة وحده..

يحتمل ظلم الأشرار، وضعف الأبرار يثبت أصدقاءه
وأولاده وتلاميذه، ويحتمل نكرانهم وخوفهم وهروبهم.. يحتمل كل هذا ولا يتخلي عنهم.
وهنا نسألك يا رب، بعد كل ما ظهر من ضعفهم،

 

هل علي الرغم من ضعفهم، سوف تستخدمهم في ملكوتك؟

 

لقد جربتهم، ورأيت فيهم المنكر، والشكاك،
والخائف، والهارب، والضعيف.. فهل يصلحون بعد ذلك لخدمتك؟ نعم. هم أولادي. من جهة
أخطائهم، قد غفرت لهم. ومن جهة ضعفهم، سأقويهم.. وماذا أيضاً؟ سوف أطهرهم وأقدسهم
وأبررهم وأعينهم، وأكتب أسماءهم في سفر الحياة وأسماء الذين يخلصون عن طريق
كرازتهم.

حقاً يا رب أنك طيب. ليس لك شبيه بين الآلهة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى