مقالات

رؤية الله وإعلانه من جهة الخبرة

رؤية الله وإعلانه من جهة الخبرةنخطأ حينما نظن أن الله خلقنا لكي نتمتع بمجرد وجود في العالم ونقدم له عبادة، لأن شخص جلاله لا ينقصه شيء ولا يحتاج لعبوديتنا لأنه مطلق الكمال في طبيعته ولا يعوزه شيئاً من الخارج ليزيده علواً أو يكرمه، لأنه أعظم من أن يكرمه أحد وفي علو لا يُدنى منه لأنه مرتفع فوق كل علو، وأن قبل منا تكريم فليس من أجل أنه محتاج إليه ولكنه يقبله منا بسبب محبته الشديدة لنا، ونحن لن نستطيع أن نعطيه الإكرام اللائق مهما ما أكرمناه وقدمنا له من عبادة وسجود بكل قوتنا وطاقتنا، وباختصار شديد كما يقول القداس الإلهي: [ لم تكن أنت محتاجاً إلى عبوديتي بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك ]

فالله في البدء خلقنا وأوجدنا في الحياة التي أعدها لنا في الأرض وجعلها مناسبة لطبعنا الإنساني الذي خلقه، لكي تكون جنتنا الخاصة الذي نرعاها ونمجد صلاحه فيها لا بمجرد شكل عبادة خارجية، بل نسير وننمو نحو صورته التي خلقنا عليها والتي معناها أن ننمو إلى الله إذ نشبع بملاقاته ونستمر نشابهه حينما يسطع بنوره في اللقاء الحبي بيننا وبينه، لذلك مكتوب في سفر التكوين أن الله كان يمشي في الجنة للقاء آدم حبيبه الخاص الذي خلقه ليتجه إليه ويشبع بمحبته في شركة مقدسة بلقاء مشبع لنفسه ومفرح لغاية، وهذا هو عظمة مجد خلقتنا ومجد طبعنا الإنساني الذي خُلق في البدء في حالة نقاوة وكساء النعمة لذلك آدم رغم من عري جسده الطبيعي، ولكنه لا يخجل لأن طبعه كان نقي وفيه طهارة مزروعة فيه بسبب طبيعة النور الإلهي الذي يشرق عليه كل يوم والنعمة الخاصة التي هي هبة الله كانت كساءه الخاص، ولأن طبيعته ليس فيها ما هو مخالف للنور لذلك جسده كله نير، بل كيانه الإنساني كله، وليس فيه ظلمة، لذلك لا يخجل ولا ينقسم على ذاته بل بمحبة وبراءة الطفولة يظهر أمام الله أبيه وحبيبه الخاص بلا خوف أو شيء آخر – يعكر صفو لقاءه – غريب عن المحبة والنور …

ولكن حينما أخطأ وسقط، دخل إليه شيء غريب عن طبعه الأصلي المخلوق على صورة الله، فدخلت إليه الظلمة وسقط عنه رداء النعمة ودخل في معرفة الخير والشر وانفتحت بصيرته وأذنه على آخر غير الله وأطاعه، فرأى نفسه عريان وابتدأ يخجل ويخاف ويخشى الله، بل يختبأ منه، ولم يعد يحتمل قوة النور الساطع من وجه الله القدوس، وذلك لأن الظلمة أغشت عينيه، وكان الحكم التلقائي كنتيجة طبيعية هي موتاً تموت، وساد عليه الموت وسرى منه للبشرية كلها، فسلِّم الأجيال كلها طبيعة فاقدة النعمة والنور، لا تستطيع أن تلتقي بالله قط مهما ما صنعت من بر أو تقوى، لذلك حينما طلب موسى أن يرى مجد الله قال له: [ لا يراني إنسان ويعيش ]، لأن طبيعة النور طبيعة إيجابية لا يحتملها أحد فيه ظلمة أو حتى شبه ظلمة، لأن النور يبدد الظلمة ويُلاشيها، لأن الظلمة ليس لها كيان بل هي حالة سلبية تنشأ من غياب النور، فالله لم يخلق ظلمة بل نجده أنه خلق نور، لأن النور يخلق نور ولا يعرف أن يصنع ظلمة قط، لأن بدون النور وكنتيجة طبيعية تظهر ظلمة، ولكنها يستحيل أن تؤثر في النور أو تمسه في شيء قط، وكما أننا لا نستطيع أن نبصر نور الشمس المخلوق بتثبيت نظرنا عليه لأن طبيعة عيوننا البشرية لا تحتمل نور الشمس الوهاج، لذلك أن حدقنا فيها بقوة نعمى ونفقد البصر بالتمام…

وهكذا كل من يقرب من الله وهو ظلمة لا يحتمل ويموت، لأنه أصبح غريباً عن الله أو متغرباً عن الله، يحمل سلطان الموت الذي تبعه الفساد، وأصبح كجيفة حيوان ميت تفيح منه رائحة الموت والعفونة فلا يستطيع أن يقترب منه أحد، لذلك صار طبعنا ملوث بسبب الفساد الذي يحمله بسبب اختيارنا الحر واتجاهنا لآخر غير الله، وهذه هي الخطية الحقيقية، والمصيبة التي أُلحِقت بالإنسان ….

وبكوننا فسدنا ولم نصلح أن نعود للحياة بذاتها، أظهر الله محبته المتسعة الغير مدركه في كمالها بأنه افتقر وهو الغني في ذاته من أجلنا نحن الأموات بالخطايا والذنوب، فمن أجلنا افتقر وهو غني لكي نستغنى كلنا بفقرة (فقرة = تجسده. لأنه بتجسده أخلى نفسه من مجده، وافتقر وشاركنا بالجسد فأغنانا بفقره وأعطانا مجده وكسانا بنعمته)، ولنقرأ المكتوب بدقة لنفرح ونبتهج جداً: [ فأنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح انه من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا أنتم بفقره ] (2كو8: 9)

ففي التجسد: [ ظهر لطف مخلصنا الله واحسانه ] (تي3: 4)، وأغنانا بكساء نعمته: [ والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءً نعمة وحقاً… ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا، ونعمة فوق نعمة. لأن الناموس بموسى أُعطي أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا. الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر. ] (يو1: 14، 16 – 18)
فالمسيح الرب أتى إلينا لكي يُعلن لنا الآب ولكي يعطينا بموته وقيامته خليقة جديدة لنعود ندخل في شركة مع الله لذلك قال الرسول أن الحياة أُظهرت، فبعد الموت الذي سرنا فيه وفسدنا بالتمام [ فان الحياة أُظهرت وقد رأينا و نشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح. ] (1يو1: 2 – 3)

فالله لم نعد نراه بسبب الظلمة الساكنة فينا لذلك نزل إلى ضعفنا وأخذ جسدنا الكثيف الأرضي الحامل الموت، لأن الرب يسوع في التجسد أخذ جسد قابلاً للموت، واتحد به اتحاد حقيقي وأظهر لنا غنى النعمة وفتح عيون العُمي لكي يكشف لنا أنه هو نور الحياة الذي أتى لشفاء البشرية من سم الحية المُميت ويعيد شركتنا مع الله بضمان ذاته لأنه اتحد بجسم بشريتنا وكساه بنعمته وضمن لنا الحياة الأبدية لأنه قام بنفس ذات الجسد وشع منه مجده الخاص حتى يكسينا كلنا بذات المجد العظيم لنصير خليقة جديدة فيه [ إذاً أن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً ] (2كو5: 17)، لذلك لا ينفع أي شيء آخر نفعله بخليقة عتيقة ميتة، لذلك لن يستطع أحد أن يُرضي الله ويقترب منه إن لم يصر خليقة جديدة لا يسود عليها موت بل تنبض بحياة الله وتتشبع بنوره: [ لأنه في المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الخليقة الجديدة ] (غل6: 15)

نستطيع الآن أن نقول أنه لنا اليوم أن نقترب من الله لنرى ونشاهد ونعاين مجده، ولكن ليس خارج عنا بل فينا، أن كنا حقاً نؤمن بموته وقيامته، ولنا بسهولة أن نلمسه من جهة كلمة الحياة فنعاين مجده برؤيا قلبيه واعية بانفتاح البصيرة بالروح القدس …

يا إخوتي الإيمان = رؤيا، فالمسيح الرب حينما تكلم عن العهد القديم وعن موسى قال: [ أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى و فرح ] (يو8: 56)، والتلاميذ حينما رأوا الرب فرحوا [ فرح التلاميذ إذ رأوا الرب ]، والرسول يوحنا يقول في رسالته الأولى بعد ما تكلم عن رؤية المسيح الرب ولمسه من جهة الحياة والدخل في الشركة مع الله: [ نخبركم بهذا لكي يكون فرحكم كاملاً ]، لذلك يقول بولس الرسول: [ افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضاً افرحوا ] (في 4 : 4)

فأن كنا نؤمن بالله لا نؤمن لكي نصدق فقط، بل لكي نرى نوره ويُستعلن لنا شخصه ونلمسه من جهة كلمة الحياة، والرؤيا هي إعلان إلهي بالروح القدس في القلب تولد فرح في الداخل نبعه ومصدره الشركة مع الله في المسيح كخليقة جديدة انفتحت على الله بالمسيح، فلنا أن نسعى باجتهاد وإصرار بصلاة دائمة لكي يعلن لنا الله ذاته ويفتح بصيرتنا لنراه ونبصره لأن هذا هو قصده، وهذه هي الشركة المستعادة بالمسيح يسوع، لأن منذ السقوط ولم يستطع إنسان قط أن يرى الله ويتعامل معه بسبب عريه من النعمة، ولكن الرب يسوع هو الذي كسانا بكسائه الخاص (ثوب النعمة) إذ أخد الذي لنا (جسدنا) وأعطانا الذي له ( روحه القدوس في أوانينا الخزفية الذي قدسها بحلوله فيها وأزال منها قوة الموت وسلطانه) …

فالله الذي هو غني في الرحمة من اجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها. ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح – بالنعمة أنتم مُخلصون. وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع. ليُظهر في الدهور الآتية غنى نعمته الفائق باللطف علينا في المسيح يسوع. لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم، هو عطية الله. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد. لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها. ] (أف2: 4 – 10)

تعليق واحد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى