اللاهوت الدفاعي

الباب التاسع



الباب التاسع

الباب
التاسع

قضية
صلب السيد المسيح

نحن
المسيحيين نؤمن أن السيد المسيح صلب ومات وقبر، وبعد ثلاثة أيام قام. ثم ظهر
لتلاميذه مدة أربعين يوماً ثم صعد إلى السموات. وهو جالس الآن عن يمين العظمه فى
الآعالى. وننتظره ليدين الأحياء والأموات.

 

لكن هناك من
يشكك فى تاريخية الصليب وحقيقة صلب السيد المسيح مدعياً بعدم حدوثها ويطلب منا
البراهين التى تثبت صحة عقيدتنا.

 

أولاً: لكن
لماذا الصليب؟

يقول الرسول
بولس: ” لأنَّ المْسيحََ، إذ كُنَّا بَعدُ ضُعَفَاءَ، ماتَ فى الوَقْت
المُعَيَنْ لآَجل الفُجَّار. فإنَّهُ بالْجْهد يمَُوت أَحدُ لأجل بار. ربَّما
لأَجل الصَّالح يَجسُرُ أحدُ أيضاً أن يمُوت. ولكنَّ اللّه بيَّن محبَّتهُ لناّ،
لأنهُ ونحّن بعدَّ خطاةُ مات المسيحُُ لأجْلنَا” (رومية5: 7، 8).

 

نعم الكلام
سهل. نقول مثلاً: بالروح بالدم نفديك يا فلان. أو أفديك بعينى. أو روحى فداك. هذا
كلام جميل. لكن عند التنفيذ لا يستطيع أحد أن يوفى بما وعد به. فالروح عزيزة
والعين غالية، والكلام لا يكلف الكثير. لذلك يقول الرسول بولس: “بالجهد يموت
أحد لأجل بار. ربما لأجل الصالح يجسر أحد أيضاً أن يموت”. لكن فى الصليب
وبالموت قدم اللّه برهاناً عملياً على محبته لنا، لأنه فى ملء الزمان جاء السيد
المسيح ليقول للإنسان: “ما رأيك فى أن أحل محلك أنت المحكوم عليك بالقتل
فأموت بدلك، وأنت تحل محلى أنا البرئ الحى إلى أبد الآبدين، فتكون لك حياة أبدية؟
“.

وأخذ
الإنسان يفكر فى هذا العرض المغرى بحذر
شديد.
ومازال كثيرون حتى اليوم يفكرون: “هل أستبدل مكانى بمكانه؟!” لكن السيد
المسيح اتخذ القرار وبدل مكانه، ونزلَ تاركاً مجده ليقدَّم ذبيحة إثم على الصليب
كفارة لأجلنا ليموت عن كل واحد فينا، وترك مكانه لكل من يقبل هذا العمل ليحتله.
ومازال العرض قائماً حتى
اليوم.

ولكن هذا
العرض سينتهى يوم مجيئه ثانيةً، ربما اليوم أو غداً. ربما بعد شهراً أو سنة.. لا
نعرف.. لذلك فالوقت وقت قبول واليوم يوم خلاص. فهل اتخذت قرارك؟ إنه برهان محبة
فائقة المعرفة، صادقة وحقيقية وعملية. إنه الصليب، برهان الحب.

ثانياً: الصليب
أداة
صلح:

أخطأ
أبوانا الأولان وسقطا محكوماً عليهما بالموت “لأن أجرة الخطية هى موت”.
فى ذات الوقت اللّه عادل ورحيم. فى عدله يطالب بتنفيذ الحكم، وفى رحمته يطلب الصفح.
وهذان الضدان (إن جاز التعبير) لا يلتقيان، لأن صفات اللّه متساوية، لا يغلب أحدها
الآخر.
فكيف للعدل والرحمة أن يلتقيا؟!.

 

يقول
المرنم: ” الرحمة والحق التقيا. البر والسلام تلاثما” (مزمور 85: 10)،
نعم الرحمة والحق أصبحا أحباء قبل أحدهما الآخر. ويقول الرسول بولس: “ويصالح
الاثنين فى جسد واحد مع الله بالصليب، قاتلاً العداوة به (بالصليب)” (أفسس2: 16).

 

ثالثاً: تحقيقاً
للنبوات:

تنبأ
أنبياء العهد القديم كثيراً عن الصليب قبل حدوثه بمئات السنين. فلو لم يكن هناك
صليب، فماذا كانت تعنى وما هو القصد منها؟! (راجع مزمور22، إشعياء 53، زكريا 11،12).

 

لذلك
جاء الصليب ليحقق كل هذه النبوات التى كتبها رجال الله القديسيُنن مسوقين من الروح
القدس. والصليب عقيدة نفتخر بها، وواقع نحياه واختبار معاصر؟

 

قال
القديس بولس الرسول: “مع المسيح صلبتُ، فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىَّ.
فما أحياه الآن فى الجسد فإنما أحياه فى الإيمان، إيمان إبن الله، الذى أحبنى
وأسلم نفسه لأجلى. لست أبطل نعمة الله. لأنه إن كان بالناموس بر، فالمسيح إذا مات
بلا سبب” (غلاطية2: 20). وقال أيضاً: “وأما من جهتى، فحاشا لى أن أفتخر
إلا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذى به قد صلب العالم لى وأنا للعالم” (غلاطية6:
14).

 

نعم
العالم بالنسبة له ميت لا يثير شهيته، وهو قد مات فلا يثير شهية أحد. الصليب يجعلنى
لا أفعل أشياء يفعلها كثيرون بسهولة وبساطة، إن الأكل الشهى لا يثير شهية ميت.
وقال الرسول بولس: “وهو مات لأجل الجميع كىْ يعيش الأحياء فيما بعد لا
لأنفسهم، بل للذى مات لأجلهم وقام” (2كورنثوس5: 15).

 

الأدلة على
حقيقة صلب السيد المسيح:

المفروض
أن من يعترض على عقيدتنا فى صلب السيد المسيح يقدم لنا براهينه على صحة ما يقول.
ولكننا بالمحبة المسيحية نؤكد صحة عقيدتنا رغم إفلاس من يدعى بعدم صلب السيد
المسيح من تقديم أدلة صحيحة. إننا نقدم براهينناً وأدلتنا على صحة حادثة الصلب
وحدوثها فى قلب الزمان والتاريخ لأجل فائدة من يسأل، بعيداً عن المباحثات الغبية
التى حذرنا منها الوحى الإلهى. والمسيحى يجب عليه ألا يخاصم أحداً.

 

البرهان
الأول: شهادة الآثار (*)

*
اكتشف العلماء الفرنسيون فى إيطاليا عام 1280 بمدينة نابولى، أيام زحف فيليب
الرابع ملك فرنسا، صورة الحكم بصلب السيد المسيح، مدون فيها الأسباب التى أدتْ إلى
هذا الحكم وأسماء الشهود الذين حضروا المحاكمة.

*
عثر العلماء الألمان فى روما على رسالة مرفوعة من بيلاطس البنطى إلى طيباريوس قيصر
يحكى له فيها عن صلب السيد المسيح وملابسات الحادث. وقد حفظت هذه الرسالة فى
الفاتيكان، وكانت معروفة عند القدماء، وأشار إليها الفيلسوف يوستينوس عام 139م
والعلامة ترتليان عام 199 م.

 

*
وجود صور ونقوش توضح الصلب فى القرنين الأول والثانى (كتاب الاكتشافات الحديثة
وصدق وقائع العهد الجديد، تأليف السير وليم رمزى). فلو لم يكن الصلب قد حدث فعلاً
فلما تشير هذه النقوش؟!!.

 

*
جميع الكنائس الأثرية فى القرون الأولى بها أماكن للمعمودية وصور العشاء الربانى،
ومعلق فيها الصليب. فان لم يكن الصلب قد حدث، ولو أن يسوع الذى يؤمن به المسيحيون
لم يُصلب فعلاً، فلماذا اتخذ المسيحيون الصليب شعاراً لهم، وما معنى وجود كل هذا
فى الكنائس الأولى؟!.

البرهان الثانى: شهادة
مؤرخين غير مسيحيين

المؤرخ
” كارنيليوس تاسيتوس” المولود عام 55م والذى كان حاكماً فى آسيا الصغرى
عام 112 م، كتب لصديق له يدين فيه نيرون بإحراق روما والذى كان قد اتهم المسيحيين
بحرقها قائلاً: “إن المسيح مصدر هذا الإسم، قد قُتل فى عهد بيلاطس البنطى
حاكم اليهودية أثناء سلطنة طيباريوس قيصر. وقد أمكن السيطرة على خرافة المسيح،
لكنها عادت وانتشرت لا فى اليهودية فقط حيث نشأ هذا الشر، لكن فى روما أيضاً
“.

 

من
تعليق هذا المؤرخ الوثنى نرى أنه يصف المسيحية بأنها خرافة وشر عظيم، لكنه يقول إن
المسيح قد قتل.

المؤرخ
اليونانى ” لوسيان” كاتب هجائى تحدث باحتقار عن المسيحية والمسيحيين فى
القرن الثانى الميلادى بأسلوب هجائى قائلاً: ” الرجل الذى صُلب فى فلسطين
لأنه جاء بديانة جديدة إلى العالم، فوق ذلك قال لأتباعه إنهم إخوة لبعضهم البعض
بعد أن أخطأوا برفض آلهة اليونان وعبادة السفسطائى المصلوب”. إنه يتعدى على
السيد المسيح له المجد لكنه يدعوه “المصلوب “.

 

المؤرخ
اليهودى “فلافيوس يوسيفوس” وُلد عام 37 م وكان قائداً للقوات اليهودية
فى الجليل عام 66م، وهو من المؤرخين المعتبرين لدى اليهود، مثل
“الصحيحين” عند إخوتنا المسلمين، كتب يقول: “فى هذا الوقت كان يسوع
الرجل الحكيم، إن كان يحق لى أن أدعوه رجلاً، لأنه عمل أعمالاً عجيبة وعلم تعاليم
قبلها أتباعه بسرور، فجذب لنفسه كثيرين من اليهود والوثنيين. إنه المسيح. عندما
حكم عليه بيلاطس بالصلب بناء على نصيحة قادة شعبنا، لم يتركه أتباعه لأنه ظهر لهم
حياً بعد اليوم الثالث كما سبق للأنبياء والقديسين أن تنبأوا عن هذا. أما الطائفة
التى تبعته فهى طائفة المسيحيين الموجودة إلى يومنا هذا “.

 

شهادة
الإسلام والمسلمين:

أ
– السهروردى (1):

عندما
تكلم
السهروردى فى كتابه ” التنقيحات فى التواتر وشروطه فى أصول الفقة” تعرضت
له قضية الصليب. فقال: “لو لم يصلب عيسى لم يبق على المحسوسات اعتماد” (2).

 

ب – إخوان
الصفا:

وهم
جماعة دينية، ذات صبغة شيعية متطرفة، وربما كانت إسماعيلية على وجه أصح، ظهرت فى
النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). اتخذت البصرة مقراً لها.
وأطلقوا على أنفسهم “إخوان الصفا” لأن غاية مقاصدهم كانت السعى إلى
سعادة نفوسهم الخالدة. وجهودهم فى التهذيب النظرى أنتجت سلسلة من الرسائل، وقد
جمعت هذه الرسائل ونشرت فى القرن العاشر وهى تبلغ 51 أو 52 رسالة ” (3). وقد جاء فى أحدي رسائلهم
(الرسالة 44):

 


كان من سنة المسيح التنقل كل يوم من قرية إلى قرية من قرى فلسطين، ومن مدينة إلى
مدينة من ديار بنى إسرائيل، يداوى الناس ويعظهم ويذكرهم ويدعوهم إلى ملكوت السموات،
ويرغبهم فيها، ويزهدهم فى الدنيا، ويبين لهم غرورها وأمانيها، وهو مطلوب من ملك
بنى إسرائيل وغوغائهم. وبينما هو فى محفل من الناس، هجم عليه ليؤخذ، فتجنب من بين
الناس، فلا يقدر عليه ولا يعرف له خبر، حتى يسمع بخبره من قرية إلى آخرى، فيطلب
هناك. وذلك دأبه ثلاثين شهراً. فلما أراد الله تعالى أن يتوفاه إليه ويرفعه إليه،
اجتمع معه حواريوه فى بيت المقدس فى غرفة واحدة مع أصحابه وقال لهم: إنى ذاهب إلى
أبى وأبيكم، وأنا أوصيكم بوصية قبل مفارقة ناسوتى، وآخذ عليكم عهداً وميثاقاً. فمن
قبل وصيتى وأوفى بعهدى، كان معى غداً، ومن لم يقبل وصيتى، فلست منه فى شئ. فقالوا
له: ما هى؟ قال: أذهبوا إلى ملوك الأطراف وبلغوهم منى ما ألقيت إليكم وادعوهم إلى
ما دعوتكم إليه، ولا تخافوهم ولا تهابوهم؛ فإنى إذا فارقت ناسوتى، فإنى واقف فى
الهواء عن يمنة عرش أبى وأبيكم، وأنا معكم حيث ماذهبتم، ومؤيدكم بالنصر والتأييد
بإذن أبى. أذهبوا إليهم وأدعوهم بالرفق، وداووهم وأمروا بالمعروف، وأنهوا عن
المنكر، ما لم تقتلوا أو تصلبوا أو تنفوا من الأرض. فقالوا: ما تصديق ما تأمرنا
به؟ قال: أنا أول من يفعل ذلك. وخرج من الغد وظهر للناس، وجعل يدعوهم ويعظهم، حتى
أخذ وحمل إلى ملك بنى إسرائيل، فأمر بصلبه فصلب ناسوته وسمرت يداه على خشبتى
الصليب، وبقى مصلوباً من ضحوة النهار إلى العصر، وطلب الماء فسقى الخل، وطعن
بالحربة، ثم دفن مكان الخشبة، ووكل بالقبر أربعون نفرا، وهذا كله بحضرة أصحابه
وحوارييه فلما رأوا ذلك منه أيقنوا وعلموا أنه لم يأمرهم بشئ يخالفهم فيه. ثم
اجتمعوا بعد ذلك بثلاثة أيام فى الموضع الذى وعدهم أن يتراءى لهم فيه. فرأوا تلك
العلامة التى كانت بينه وبينهم، وفشا الخبر فى بنى إسرائيل أن المسيح لم يقتل،
فنبش القبر فلم يوجد الناسوت ” (1).

 

شهادات آخرى:

1)     فى
مقالة تحت عنوان “الرسالة قبل الأخيرة لياسر عرفات” كتب د.سعد الدين
إبراهيم “العالم كله يعرف أنهم متعطشون إلى دمائك، ويريدون أن يصلبوك، كما
صلبوا المسيح، ويبتغون بذلك أن يصلبوا أمة باسرها” (2)

2)           
الأستاذ مصطفى أمين وهو يبث همومه لعصفور وقف
على نافذة زنزانته،كتب يقول:

 


لعل العصفور يطل فى عينى
ليرى أعماقى، ليرى
مسيحاً مصلوباً بلا خطية، مشنوقاً بلا جريمة، معلقاً على مقصله بغير ذنب” (1).

3)           
كتب د.حسين فوزى النجار:

” وضاق اليهود
بالمسيح فوصموه بالكذب، وأنه تابع (بعلزبول) الشيطان، يدين بأمره ويتلقى المعجزة
والوحى منه، ثم انتمروا به حتى صلبوه ” (2).

 

الأستاذ
عباس محمود العقاد، فى كتابه “حياة المسيح” الصادر عام 1958، كتب دفاعاً
عن الأناجيل يقول: “ليس من الصواب أن يقال إن الأناجيل جميعاً عمدة لا يعوَّل
عليها فى تاريخ السيد المسيح، لأنها كتبت عن سماع قريب ولم تكتب عن سماع بعيد فى
الزمن والمكان، ولأنها فى أصلها مرجع واحد متعدد النقلة والنساخ، ولأنها روت من
أخبار الحوادث ما لم يذكره أحد من المؤرخين. إنما الصواب أنها العمدة الوحيدة فى
كتابة ذلك التاريخ. وليس فى أيدينا مرجع أوفى منه لدرس حياة السيد المسيح والإحاطة
بأطوار الرسالة وملابساتها”. والأستاذ “العقاد” يعترف بصحة
الأناجيل، والأناجيل تذكر حادثة الصليب. فهذا اعتراف ضمنى منه بصحة وتاريخية
الصليب.

 

لقد أنشد
أمير الشعراء أحمد شوقى مبرزاً قوة الصليب مخاطباً اللورد اللنبي فقال:

يا
فاتح القدس خل السيف ناحية

 

ليس
الصليب حديداً كان بل خشباً

 

كذلك
فى تنديده بالذين أشعلوا الحرب فى البلقان قال:

عيسى
سبيلك رحمة ومحبة

 

فى
العالمين عصمة وسلام

ما
كنت سفاك الدما ولا أمرءاً

 

هان
الضعف عليه والأيتام

يا
حامل الآلام عن هذا الورى

 

كتبت
باسمك عليه الآلام

أنت الذى جعل العباد جميعهم

 

رحماً
باسمك تقطع الأرحام

خلطوا
صليبك والخناجر والمدى

 

كل
أداة للأذى وحمام

 

كذلك
قال فى إشادته بعظمة الصليب الأحمر:

سر
يا صليب الرفق فى ساح الوغى

 

وانشوَ
عليها رحمة وحناناً

وادخل
على الموت الصفوف مواسياً

 

وأعن
عن آلامه الإنسان

والمس
جراحات البرية شافياً

 

ما
كنت إلا المسيح بناناً

 

ويحلو
للبعض الإساءة إلى الصليب والسخرية منه. وحقاً صدق قول الكتاب المقدس: “فإن
كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهى قوة الله” (1كو1:
18). وكثيراً ما حدثت وتحدث المعجزات الخارقة بواسطة الصليب، وكثيراً ما تناقلت
الصحافة فى جميع أنحاء العالم أنباء مثل هذه المعجزات. ونكتفى هنا بالإشارة إلى ما
جاء بجريدة المساء الصادرة يوم الأربعاء 2 نوفمبر 1977 دون أى تعليق ممنا.. فالخبر
فى حد ذاته غنى عن أى نقاش.

 

لقد
كان الصليب منذ أن صلب عليه رب المجد رمزاً للمجد والفخار حتى أنه كان يرسم على
العملات الذهبية، وقد تم حديثاً اكتشاف أثرى هام حيث
تم العثور
بالمنوفية على دنانير ذهبية كانت تستعمل قبل الإسلام وكانت تحمل صورة الصليب
المقدس وصورة عصا الرعاية التى تقدم للأساقفة.

 

شهادة
التلمود:

وهى
مجموعة الشرائع اليهودية التى تم تناقلها شفوياً حتى أخذت وضعها النهائى وكتبت
باللغة العبرية فى القرن الثانى الميلادى، وهى تعنى “التعليم”. جاء فى
التلمود المطبوع فى أمستردام عام 1640فى فصل السنهديم: “إن يسوع نودى أمامه
مدة أربعين يوماً أنه سيقتل لأنه ساحر وقصد أن يخدع إسرائيل ويضله. وبما أنه لم
يتقدم أحد للدفاع عنه، صُلب المسيح مساء عيد الفصح.

 

البرهان الثالث: شهادة
الكنيسة والرسل

منذ
القرن الأول قامت الكنيسة بكتابة
قانون إيمانها وضمنته
حادث الصلب، وأول قانون نجده فى الكتاب المقدس هو ما كتبه الرسول بولس: “فإننى
سلمت إليكم فى الأول ما قبلته أنا أيضاً: أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب،
وأنه دفن وأنه قام فى اليوم الثالث حسب الكتب، وأنه ظهر لصفا ثم للاثنى عشر. وبعد
ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمئة أخ، أكثرهم باق إلى الآن. ولكن بعضهم قد
رقدوا”(1كورنثوس 15: 3-6). نعم إيماننا أن يسوع صُلب ومات ودفن وفى اليوم
الثالث قام ورآه كثيرون.. وكأن الرسول بولس يقول: “أكثرهم باق إلى الآن،
فاذهبوا وتحققوا منهم صدق قولى، فشهادة الشهود العيان أقوى شهادة”. فمنذ ألفى
عام ومازلنا وحتى الآن نكرر هذا القانون فى كل وقت وفى كل كنائسنا. فلو لم يكن
المسيح قد صُلب فعلاً فى قلب الزمان والتاريخ.. فعلى أى شئ يدل هذا القانون؟! لم
نسمع أن أحد الآباء جاء وقال: ينبغى أن يتغير هذا القانون لأننا كتشفنا أنه لم
يُصلب، لذلك لا داعى للقول إنه “صلب وقبر وقام”.

 

البرهان الرابع: شهادة
التلاميذ

شهود
العيان الذين عاشوا الآحداث يوماً بيوم وحكوا لنا خبر الصلب واتهموا اليهود بأنهم
صابوه، وكان هذا بعد أيام قليلة من الصلب وعلى بعد عدة أمتار من جبل الجلجثة، ولم
يكن الناس قد نسوا ما حدث. وحينما وقف بطرس فى جماعة من اليهود تزيد على الخمسة
آلاف نفس وقال لهم فى شجاعة: ” وبأيدى أثمة صلبتموه وقتلتموه؟”، وكان رد
فعلهم الصمت المطبق!.

 

وكان
بين السامعين اليهود كتبة هم حفظة الناموس ومنهم كهنة وفريسيون، وهم أشراف القوم،
بينما المتكلم صياد جاهل لا حسب له ولا نسب، ولم يتعلم على أيدى أحد من ربانية
اليهود حتى يقول هذا القول لأسياده، وتكون النتيجة صمتهم! لابد أن كلام بطرس صحيح،
والأحداث مطابقة للواقع الذى عاشوه. لذلك صمتوا. إنها أروع وأصدق شهادة والتى يؤخذ
بها فى المحاكم،
أن يقوم القول على فم
شاهدين أو ثلاثة، ونحن أمام خمسة آلاف شاهد من ثقافات مختلفة واتجاهات فكرية
مختلفة وأعمار مختلفة، والجميع يجمعون على موقف واحد يؤكد أن ما يقوله القديس بطرس
الرسول صحيح مائة فى المائة. نعم رأوه يُصلب هو بعينه، لأنه عاش بينهم ما يزيد علي

الثلاثين
عاماً، أجرى خلالها معجزات مبهرة وتكلم فيها أعظم الكلمات الخالدة،كل هذا حفر
صورته فى أذهانهم وعيونهم وضمائرهم، حتى لم يغب عنهم لحظة ولن يغيب.

 

البرهان الخامس: شهادة
الافتخار

يقول
القديس بولس الرسول لأهل غلاطية 6: 14 ” وأما من جهتى، فحاشا لى أن أفتخر إلا
بصليب ربنا يسوع المسيح، الذى به قد صلب العالم لى وأنا للعالم “.

 

القديس
بولس الرسول يفتخر بالصليب! يفتخر بأن قائده أعدم على أداة إعدام بشعة؟! ألم يكن
هناك شئ أجمل يفتخر به؟ أما كان يجب أن يفتخر بأن قائده قد أقام موتى، وفتح عيون
عمى، وشفى بُرصاً، وأقام مفلوجاً؟، لكن الافتخار بوسيلة إعدام بشعة وبنهاية غير
سعيدة لابد أن يكون وراءه سر لا نعرفه وثمرة مباركة حصدها القديس بولس، فدفعته
لهذه الشهادة الغريبة والافتخار العجيب. ولكى نوضح فكرة القديس بولس الرسول نقول
هذا المثل عن عائلة المشنوق:

 

عائلة
تقرر أن تغير اسمها من عائلة العم (فانوس) إلى عائلة “المشنوق”، وتسمى
أفرادها (جرجس المشنوق)، (وإيمان المشنوق)، (وعادل المشنوق)، وتعلق مشنقة على صدور
نسائها ويطبعها رجالها على أياديهم وتتميز بها بيوتهم ومقابرهم وأماكن عبادتهم.
فنسأل كبيرهم: لماذا هذا التغيير؟ ألم يكن إسم (فانوس) أكثر إشراقاً؟ فيقول: جدنا
الأكبر (فانوس) كان رجلاً ثورياً مناضلاَ ضد الاستعمار، عبأ الرأى العام ضد المحتل،
وكوّن خلايا لمناهضته وإقلاق راحته، فما كان من المستعمر إلا أن شنق الجد فانوس.
فقام الشعب بثورة عارمة طرد على أثرها المستعمر وتحررت البلاد ونالت استقلالها.
لهذا قررت عائلتنا أن تغير اسمها بعائلة (المشنوق) الذى مات فى سبيل تحرير الوطن،
وقررنا أن نأخذ (المشنقة) علامة لنا، ليس حباً فى الشنق والمشنقة كأداة إعدام بشعة،
لكن كوسيلة قدَّم جدنا نفسه عليها من أجل الجميع، ليستمتع كل فرد فى الوطن بحرية
حقيقية كاملة.

 

على
ذات المنوال يقول القديس بولس الرسول: ” حاشا لى أن أفتخر إلا بصليب ربنا
يسوع المسيح”. فلولا المصلوب المقام الذى ظهر له فى الطريق إلى دمشق وغير
اتجاه حياته مائة وثمانين درجة لكان فى ظلام وموت أبدى الآن فى الجحيم. فالمصلوب
سبب حياته، والصليب رمز لما عمله الله فى المسيح لأجله. نعم، وكل واحد فينا اليوم
تغيرت حياته من شقى أثيم، ونال حياة جديدة ولبس رداء البر يقول ما قاله القديس
بولس الرسول ويكرره بجِد وشكر وعرفان للمصلوب الحى إلى أبد الآبدين، ويتذكر هذا
العمل برفع الصليب كوسيلة أتم بها اللّه هذا العمل العجيب.

 

البرهان السادس: سر التناول
من جسد الرب ودمه

مساء
يوم الخميس الكبير فى الليلة التى سُلم فيها السيد المسيح للصلب، اجتمع مع تلاميذه.
فقدم لهم جسده ودمه الأقدسين. وعن ذلك يقول القديس متى الرسول:

 


وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز، وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال: (خذوا كلوا. هذا
هو جسدى). وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: اشربوا منها كلكم، لأن هذا هو دمى الذى
للعهد الجديد الذى يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا” (متى26: 26-28).

 

لقد
قدم السيد المسيح جسده ودمه قبل الصليب مؤسساً سر التناول، وذلك يوم الخميس، حتى
إذا ما جاء يوم الجمعة تم سفك الدم وتعذيب الجسد بصوره منظوره. واستمرت الكنيسة
منذ نشأتها وحتى اليوم، بمختلف طوائفها، تتمم هذا السر الذى أسسه سيدها. ولو لم
يصلب السيد المسيح ويمت ويقم. لكان ما تصنعه الكنيسة بلا معنى. ولم نسمع عبر آلفى
عام أنه قام أحد الأباء أو العلمانيين ليصحح ما أخطأت فيه الكنيسة ويلغى هذا السر
القائم على صلب السيد المسيح وقيامته. نعم لم نسمع لأن السيد المسيح صُلب ومات
وقام بالحقيقة فى قلب الزمان والتاريخ.

 

البرهان السابع: كلمات السيد
المسيح

فى
بشارة يوحنا 3: 14، 16 يقول: “وكما رفع موسى الحية فى البرية هكذا ينبغى أن
يرفع إبن الإنسان، لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه
هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد، لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له
الحياة الأبدية”. وكلنا يعرف هذه القصة التى حدثت بعد عبور بنى إسرائيل البحر
الأحمر وتمردهم على الله وعلى موسى وقولهم: ” وتكلم الشعب على الله وعلى موسى
قائلين: لماذا أصعدتمانا من مصر لنموت فى البرية! لأنه لا خبز ولا ماء، وقد كرهت
أنفسنا الطعام السخيف” (عدد 21: 5،6). فأرسل الرب على الشعب الحيات المحرقة
فلدغتهم ومات كثيرون. فصرخوا إلى موسى وقالوا: “قد أخطأنا إذ تكلمنا على الرب
وعليك، فصلِّ إلى الرب ليرفع عنا الحيات”. فصلى موسى لأجل الشعب. فقال الرب
لموسى: “اصنع لك حية محرقة وضعها على راية، فكل من لدغ ونظر إليها يحيا”.
وصنع موسى كما أمر الرب.

 

يقينى
أن الشعب انقسم إلى فريقين، فريق حينما سمع كلام موسى اضطرب لأن الكلام غير معقول:
كيف والسم يسرى فى جسده يطلب منه أن ينظر إلى قطعة نحاس معلقة على خشببة؟! والغريب
أيضاً أنه لا اتصال بين الحية النحاسية والشخص المسموم. أليس المعقول أن يُقال اربطوا
ما بعد الجرح حتى لا يسرى السم فى الجسم، ثم يشرط الجرح ويفصد الدم كإجراء وقائى
أولى؟! لا. لن نسمع هذا الكلام. سنحاول بأنفسنا أن نصنع ما نراه صواباً.. هؤلاء
ماتوا.. أما الفريق الآخر فعرف من موسى أن هذا كلام الله وطريقته لإنقاذهم، وهم
يثقون فيه وفى قدرته ومحبته، لأنهم اختبروه كثيراً وعرفوا أنه يستطيع كل شئ ولا
يعسر عليه أمر، فأطاعوا ونالوا الشفاء. على ذات المنوال يقول السيد المسيح: إنه
كما رفع موسى الحية فى البرية هكذا ينبغى أن يرفع، حتى أن كل من لدغته حية الخطية
“إبليس” وينظر إلى المصلوب يحيا.

 

والغريب
أن الناس مازالوا منقسمين فريقين: فريق يقول ما هذا الهراء! كيف؟ ولماذا؟ ولا
يمكن! بينما السم يسرى فى جسدهم. سيموتون فى خطاياهم إن لم ينظروا إلى المصلوب
الحى المقام.

 

قال
السيد المسيح أيضاً فى بشارة (يوحنا 12: 24) “الحق الحق أقول لكم: إن لم تقع
حبة الحنطة فى الأرض وتمت فهى تبقى وحدها. لكن إن ماتت تأتى بثمر كثير “.

 

نعم.
فحبة الحنطة إن تركتها وحدها فى وعاء جاف تبقى وحدها. لكن إن وضعتها على قطعة قطن
مبللة تنبت وتصنع ساقاً ثم تحمل سنابل، بكل سنبلة حبوب كثيرة، لأنها دُفنت وماتت.
والرب يقول عن صلبه وموته إنه مثل حبة الحطنة. ففى حياته تبعه أثنا عشر تلميذا.
لكن بعد موته وقيامته وفى أول عظة للرسول بطرس يوم الخمسين آمن ثلاثة آلاف، وصاروا
خمسة آلاف فى يوم ثان. نعم. فحبة الحنطة وقعت فى الأرض وماتت وأتت بثمر كثير.

 

البرهان الثامن: القبر
الفارغ

كل
الأنبياء ماتوا ودفنوا فى قبورهم، ومازالت بقاياهم فيها، إلا قبر السيد المسيح
الخالى منه منذ اليوم الثالث لدفنه، لأنه قام ناقضاً أوجاع الموت، لأنه رب الحياة
الذى لا يمكن أن يمسكه الموت. هذه القضية أثارت كثيراً من الجدل، لكنها أيضاً كانت
سبباً فى إيمان كثيرين بالسيد المسيح وألوهيته.

 

قال
أحدهم: ” حيرتنى واستوقفتني هاتان الكلمتان “القبر الفارغ” كيف
يكون فارغاً ونحن نتفق معكم أن هناك جثة؟ أنتم تقولون إنها للسيد المسيح، ونحن
نقول إنها للشبيه، فأين هى؟ وهل يمكن للشبيه أياً كان اسمه، فهو واحد من التلاميذ
الذين فروا هاربين حينما قبض على معلمهم وأظهروا كل خوف وجزع، لم نسمع أن أحدهم
قام بمعجزات مبهرات مثل معلمه، فنقول إنه يستطيع أن يقيم نفسه ويخرج من القبر،
صانعاً بذلك معجزة عادية بالنسبة له. حينما زادت حيرتى سألت أحد العلماء الكبار
والمسئولين ليحل لي هذه المشكلة، فثار وهاج وماج قائلاً: “لم يذكر كتابنا
شيئاً عن القبر الفارغ، ونحن غير مسئولين عن هذه المشكلة. نحن أمام إعلان نتمسك به
ولا نخرج عنه ولا نُسأل عما سواه!” ثم قال: “خرجت وكلى ثقة أن القبر
للسيد المسيح الذى قام من الأموات، لأنه فعلاً رب الحياة. سلمت حياتى له لأنه
يستحق، فهو صاحبها “.

 

لكن
هناك من يشكك فى سبب فراغ القبر مدعياً أن الجسد قد سرق منه! وهنا نسأل: من هو
السارق؟ عندنا ثلاثة احتمالات: إما أن اليهود أو الرومان أو التلاميذ سرقوه. فهل
يمكن أن يسرق اليهود وهم أصحاب قضية؟ أليس هم الذين ذهبوا إلى بيلاطس كاسرين يوم
السبت، طالبين منه أن يختم القبر إلى اليوم الثالث قائلين: “يا سيد، قد
تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حى: إنى بعد ثلاثة أيام أقوم. فمر بضبط القبر إلى
اليوم الثالث، لئلا يأتى تلاميذه ليلاً ويسرقوه، ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات،
فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى!” (متى27: 63،64).

وإن
قيل إن التلاميذ سرقوه، فكيف لهم أن يسرقوه، وهم الجبناء الذين تركوا سيدهم فى أدق
المواقف وأنكروه حين سألوهم عنه؟ كيف والقبر عليه حراس مدججين بالسلاح، والحجر
كبير لا يمكن لأحد أن يدحرجه؟!.

إذن
فهل سرقه الحراس الرومان؟ لا يمكن أن يعقل هذا لأن القانون الرومانى فى هذه الحالة
كان يوقع على الحارس عقوبة المحروس الهارب. فكيف يسمح الحراس بسرقة الجسد،
فيتعرضون للقتل؟! ما هى الرشوة التى تجعل شخصاً يقبض عليه ويفقد حياته؟

وتتضح
لنا هذه الحقيقة من قصة سجان فيلبى الذى حاول أن يقتل نفسه حينما وجد أبواب السجن
مفتوحة وظن أن المسجونين هربوا، فأراد أن يقتل نفسه قبل أن يقتلوه!.

 

حتى
الإشاعة التى حاول شيوخ اليهود أن يروجوها بقولهم للحراس: “قولوا إن تلاميذه
أتوا ليلاً وسرقوه ونحن نيام” (متى 28: 13) قصة مفضوحة، لأنه كيف يعرف الحراس
أن التلاميذ هم السارقون بينما كانوا نياما؟ وكيف يقول الحارس إنى كنت نائماً فى
نوبة حراسة؟! ألا يخاف المحاكمة العسكرية بسبب هذا الإهمال؟!.

 

البرهان التاسع: كلمة الله

عندنا
ستة وستون (*)
مرجعاً تاريخياً يتحدث عن الصلب، تسعة وثلاثون منها تتحدث عن الصلب فى المستقبل
وسبعة وعشرون تتحدث عنه أنه حدث فعلاً، والكُتَّاب شهود عيان لذلك.

 

تسعة
وثلاثون سفراً تتحدث بروح النبوة أن يسوع سيصلب، ثم سبعة وعشرون سفراً يشهد
كاتبوها أنهم رأوه وسمعوه ولمسوه. ويقصون علينا حادثة الصلب وكيف جالوا يبشرون
بذلك فى أنحاء المسكونة، غير مبالين بالاضطهاد والقتل والتعذيب، لأنها الحقيقة
التى عاصروها. فلو لم يكن المسيح قد صلب فعمن تنبأ رجال العهد القديم وبشر رجال
العهد الجديد؟ كل هذا مسطر فى أسفار الكتاب المقدس الذى هو الوحى الإلهى.

 

مخطط إنكار صلب السيد المسيح
وموته

أولاً: إنكار صلب السيد
المسيح وموته، هو إنكار للديانة اليهودية:

إنكار
للديانة اليهودية التى قامت على الذبائح الكفارية التى كانت تقدم بالنيابة عن
الخاطى. لأن عبادة اليهود كانت عبارة عن ذبائح كفارية تقدم صباحاً ومساء، عدا ما
يقدمه فى النهار جميع الذين اقترفوا أخطاء وهفوات، تلك الذبائح التى كانت رمزاً
وإشارة إلى موت المكفر الأعظم، الرب يسوع المسيح، كما يقول الرسول بولس: لأنه لا
يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا لذلك عند دخوله إلى العالم يقول ذبيحة وقرباناً
لم ترد ولكن هيأت لى جسداً. بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر. ثم قلت ها أنذا أجئ فى
درج الكتاب مكتوب عنى أن أفعل مشيئتك يا الله.. فهذه المشىئة نحن مقدسون بتقديم
جسد يسوع المسيح مرة واحدة. وكل كاهن يقدم كل يوم يخدم ويقدم مراراً كثيرة تلك
الذبائح عينها التى لا تستطيع البتة أن تنزع الخطية، وأما هذا فبعد أن قدم عن
الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلى الآبد عن يمين الله (عب 10: 4-12).

 

ثانياً: إنكار صلب السيد
المسيح وموته هو إنكار لنبوات العهد القديم عنه:

إن
إنكار موت المسيح وصلبه إنكار أيضاً لنبوات الأنبياء الذين تنبأوا عن موت المسيح
وآلامه على الصليب، وإنكار للتوراة والإنجيل
اللذين
يدوران حول محور الصليب الذى يحتل جميع اجزائهما، اذ لم يخل سفر فيهما من الكلام
عن صلب المسيح وموته، سواء أكان عن طريق الرمز أو الإشارة أو التصريح.

 

ثالثاً: إنكار صلب السيد
المسيح وموته هو إنكار للتعاليم المسيحية:

إنه
إنكار للتعاليم المبنية على صلب السيد المسيح. لذلك فلنتناقش بالعقل.

فلنتناقش بالعقل

 

تعال
يا من تقول بأن السيد المسيح لم يصلب. تعال لنتكلم معاً بعقل القرن والعشرين وصدر
القرن الحادى والعشرين، الذى تتسع فيه الصدور للبحث والتنقيب وقرع الحجة بالحجة
والبرهان بالبرهان. تعال لنتناقش بدلاً من الحدة والغضب وكلمات التجريح التى تمتلئ
بها الكتب المنتشرة فى المكتبات وعلى الأرصفة.

 

تعال
معى بعين مجردة إلا من الحق والسعى وراءه لنتساءل معاً قائلين: إذا كانت حقيقة صلب
المسيح قد شغلت أسفار التوراة والإنجيل والرسائل واحتلت جميع أجزاء الكتاب المقدس،
فكيف تكون آية القرآن القائلة “وقتلوه” قد عنت إنكار حقيقة الصلب ووقوعه
على المسيح؟! ألا يعتبر هذا القول منكم إنكاراً وتكذيباً وطعناً على كل الكتاب
المقدس وعلى كل سفر من أسفاره، لأن كل الكتاب قد تكلم عن حقيقة موت المسيح، والطعن
فى كل الكتاب المقدس طعن فى القرآن الذى قال: “وأنزل التوراة والإنجيل من قبل
هدى للناس” (سورة آل عمران). فإذا كانت التوراة والإنجيل قد أنزلهما الله هدى
للناس، فكيف يكون الهدى ضلالاَ إذا كان ما ورد فيهما عن حقيقة صلب المسيح قولاً
باطلاً مبنياً على التخيل والتهيؤات؟ والهدى يجب أن يكون واضحاً وجلياً لا يعتوره
الشك بل يكون أساسه اليقين.

 

وكيف
يقول القرآن: “قل يا أهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والإنجيل..
وليحكم أهل الإنجيل بما
أنزل الله فيه”
(سورة المائدة). وأنتم لا ترضون للمسيحيين أن يتمسكوا بحقيقة صلب المسيح التى حكم
الإنجيل والتوراة بصحتها وشغل كل صحائفه بهذه الحقيقة؟.

 

وهل
من المنطق أن يقول القرآن: “وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم
الله؟”.(سورة المائدة) ثم تطلبون منا بعد ذلك أن نترك حكم التوراة والإنجيل
بحقيقة صلب المسيح ونأخذ بآية واحدة وردت فى القرآن. لم يتفق مفسرو القرآن على رأى
فى تفسيرها، وقامت الشبهات الكثيرة عليها؟.

 

فلنتصورها قضية أمام محكمة
عادلة

تعالوا
نعرض أمام أى محكمه ترونها أيه القرآن التى تقول “وما قتلوه وما

صلبوه
ولكن شبه لهم.. وما قتلوه يقيناً “، كما نقدم لهم مئات الآيات الواردة فى
التوراة والإنجيل عن موت المسيح بوضوح وجلاء ونعتبر آية القرآن وآيات التوراة
والإنجيل بهذا الخصوص بصفة شهود يشهدون أمام هذه المحاكم. فهل من العدالة أن تأخذ
هذه المحاكم بشهادة آية واحدة ملتبسة وغير واضحة، قامت الشبهات عليها لدى مفسرى
القرآن وتترك مئات الشهود من الآيات والبراهين الواردة فى التوراة والإنجيل عن موت
المسيح؟! لا سيما إذا كانت آيات من القرآن تثبت وقوع الموت على المسيح كما جاء فى
(سورة آل عمران) قوله: “إذ قال الله يا عيسى أنى متوفيك ورافعك إلىَّ”،
وفى (سورة مريم) قوله عن لسان عيسى: ” وأوصانى بالصلاة والزكاة مادمت
حياً” وفى (سورة مريم) “السلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث
حياً”، وفى (سورة المائدة) قوله: “وكنت شهيداً عليهم مادمت فيهم. فلما
توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم”، وقد فسرها الإمام الفخر الرازى والجلالان بأن
هذه الآية سيقولها المسيح عيسى لله يوم الحشر على الأرجح.

 

ومعلوم
أن السيد المسيح فى مجيئه الثانى لا يأتى للصلاة أو الزكاة أو للشهادة أو للرقابة،
بل يأتى ليدين العالم فى حال مجيئه مباشرة، كما ورد
ذلك فى
” الجزء الثانى من حديث البخارى ص 49 “. حدثنا على بن عبدالله حدثنا
سفيان حدثنا الزهرى.. عن رسول الله (ص) قال لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم
حكماً مقسطاً. إذن تكون هذه الآية والآية الأخرى القائلة وأوصانى بالصلاة والزكاة
مادمت حياً دليلاً على أن المسيح قد مات حال ما كان على الأرض يصلى ويزكى ويشهد
ويراقب، لأنه فى مجيئه الثانى لا يفعل شيئاً من هذا، بل ليدين العالم فقط.

 

وهل
يتفق مع العقل السليم أن يقصد القرآن بقوله وما قتلوه يقيناً نفى موت المسيح الذى
تدور عليه التوراة والإنجيل وتمتلئ صحائفهما بذكر هذه الحقيقة، بينما يقول فى نفس
الوقت أنه جاء مصدقاً للتوراة والإنجيل كما ورد فى سورة البقرة قوله ” يا بنى
إسرائيل.. آمنوا بما أنزلت مصدقاً لما بين يديه”. وفى (سورة آل عمران) يقول: “ثم
جاءكم رسول مصدق لما معكم.. نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه”. وفى
(سورة النساء) قوله: “يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما
معكم.” وفى (سورة المائدة) قوله: ” وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً
لما بين يديه من الكتابب ومهيمنا عليه “؟!.

 

نعم هذا لا يتفق مع العقل:

نعم
لا يتفق مع العقل ولا الواقع أن
يكون القرآن قد قصد نفى
صلب المسيح لأن هذا:

 

1-    يتنافى
مع قصد محمد من أقامة البرهان على أن قرآنه نزل من عند الله الآمر الذى قصد أن
يقيمه بوجود التوفيق بين ما جاء فى قرآنه وما ورد فى التوراة والإنجيل. فلا يعقل
أن يصطدم بحقيقة ملأت التوراة والإنجيل. حقيقة صلب المسيح وموته.

2-    يطعن
فى صحة القرآن نفسه لأن القرآن يقول إنه جاء مصدقاً للتوراة والإنجيل. فإذا كانت
الحقائق المنتشرة فى كل التوراة والإنجيل كلها كاذبة وباطلة، فيكون المصادق على
الباطل باطلاً. وهذا مالا يقول به مسلم عاقل.

3-    يجعل
مهمة القرآن باطلة وبلا معنى، لأن القرآن جاء مهيمناً على الإنجيل والتوراة،
والهيمنة معناها الحراسة، فإذا كانت حقائق الصلب وموت المسيح حكاية باطلة وكاذبة
كانت التوراة والإنجيل باطلين أيضاً، فلا معنى لحراستهما والهيمنة عليهما، لأن هذا
يكون بمثابة وضع حارس على بستان قطعت أشجاره وتخرب وتهدم.

 

ولا
يمكن القول بأن عقيدة صلب المسيح أدخلت على الكتاب وعلى المسيحيين بعد مجئ محمد
(ص) ونزول القرآن، لأن القرآن نفسه يشهد ويعترف بأن عقيدة الصلب كانت موجودة قبل
مجيئه وقبل القرآن، بدليل ورود تلك الآية التى نحن بصددها “وما قتلوه”
إذ صدرت بقوله: قالت اليهود.

 

والنتيجة:

والنتيجة
إذن تكون هكذا: إن القرآن لم يقصد بهذه الآية أن ينفى موت المسيح نفياً باتاً
وإنما قصد ما أورده بعض المفسرين المسلمين الذى يتفق مع أقوال المسيحيين وكتابهم
باعتبار المسيح روح الله وكلمته، أو كما يقول المسيحيون وكتابهم إنه ابن الله ظهر
في الجسد ومات بالجسد، وهو حى بلاهوته. وهذا ما قاله القديس بطرس الرسول: “مماتاً
فى الجسد ولكن محيى فى الروح” (بط3: 18)، وقول القديس بولس الرسول: “لأنه
وإن كان قد صلب من ضعف لكنه حى بقوة الله” (2كو 13: 4).

 

فهوذا
نبوات العهد القديم وشهادات العهد الجديد كلها تجزم بضرورة موت المسيح وتعترف
بحقيقة صلبه وموته وقيامته بدون لبس أو غموض، وبنى رسل المسيح عقائدهم الخلاصية
على أساس موته. فإذا جاء محمد بعد ستة قرون ينادى بأن أقوال الأنبياء والرسل
وعقائد المسيحيين كلها غلط فى غلط وأن المسيح لم يمت فعلاً، فحينئذ تكون نبوات
جميع الأنبياء باطلة وأقوالهم كاذبة ورسل المسيح خادعين ومخدوعين، وهنا يكون محمد
قد نقض كل أساس دينى، إذ جعل الأنبياء غير صادقين والروح القدس الذى نطق فيهم
خادعاً.

 

كيف
نكذب نبوات الأنبياء التي أعلنت عن صلب السيد المسيح وموته ونقول أنه لم يمت؟ كيف
نتهم الله بالرجوع فى كلامه والعدول عن مقاصده التى أعلنها بواسطة أنبيائه؟ هل كان
الله والأنبياء واهمون أم ماذا؟

 

قليل
من التروى يريح الجميع، خاصة فى موضوع يتعلق بخلاص البشرية.

العقل يشهد:

1)     إن
صدور الحكم الذى أصدره بيلاطس البنطى بصلب السيد المسيح اكتشفه العلماء الفرنسيون
الذين رافقوا الجيش الفرنسى فى زحفه إلى إيطاليا سنة 1280 م،كما أن الرسالة التى
أرسلها بيلاطس إلى طيباريوس قيصر مبيناً فيها الأسباب التى دعت إلى صلب المسيح
وأسماء الشهود الذين حضروا المحاكمة اكتشفها بعض العلماء الألمان سنة 1390 م.

 

والأسباب
التى جعلت اليهود يحكمون بصلبه كما هو مدون فيها:

 (أ)
نشر الضلالة بين الناس.

(ب)
تحريضه لهم على الشعب.

(ج)
مخالفته لناموس موسى.

(د)
مناداته بأنه ابن الله وملك إسرائيل.

 

2)     إن
القبر الذى دفن فيه السيد المسيح فى أورشليم مازال موجوداً إلى الآن خالياً من جسد
المسيح، ويزوره كل عام الآلاف والملايين منذ القرون الأولى.

 

3)     إن
الذين نادوا بصلب للمسيح وموته وقيامته ليسوا أعداء للمسيح وأرادوا التبشير به، بل
هم تلاميذه المقربون العارفون بالحقيقة ومتأكدون منها.

 

4)     إن
الكلمات التى نطق بها السيد المسيح على الصليب المبارك تؤكد أنه هو صاحب الأمر
والنهى، لأنه قال للص اليمين على الصليب “اليوم تكون معى فى الفردوس”
(لو 23: 43). وقال “اغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يعلمون ماذا
يفعلون”(لو23: 34)، وقال أيضاً “قد أكمل” (يو 19: 30).

 

5)     لقد
تم صلب كثيرين قبل السيد المسيح، ولكن لم
تحدث أىة
ظواهر غير طبيعية أو أمور خارقة للعادة. ولكن حين صلب السيد المسيح حدثت أمور غير
طبيعية، وقد سجلها القديس متى الرسول فقال.. “فى الساعة السادسة كانت ظلمة
على كل الأرض إلى الساعة التاسعة.. فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح. وإذ حجاب
الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل والأرض تزلزلت والصخور تشققت” (مت
27: 45-54). فهل كل هذه الآمور كان يمكن أن تحدث لو كان المصلوب شخصاً غير مسيحنا
له المجد؟!!!.

 

6)     للآن
نرى الصليب يعلو الكنائس والهياكل ويعلقه الناس على صدورهم ويتقدم حنازات
المسيحيين وهم يشيعونهم إلى ظلمة القبر كإعلان صريح صامت لقول القديس بولس الرسول
“لكن الآن قد قام المسيح من بين الآموات وصار باكورة الراقدين فإنه إذ الموت
بإنسان وبإنسان أيضاً قيامة الأموات لأنه كما فى آدم يموت الجميع هكذا فى المسييح
سيحيا الجميع” (1كو 15: 21).

 

7)           
وجود الصليب المقدس للآن عند بعض الطوائف
المسيحية والتمسك ببقاياه دليل يؤكد وقوع صلب المسيح.

 

8)     إن
الذين اعتنقوا المسيحية من اليهودأهملوا أعيادهم التى أمرهم الله بالاحتفال بها فى
العهد القديم وأخذوا يحتفلون بعيد القيامة المجيد.

 

9)           
لمصلحة من يكتب ويبشر التلاميذ والرسل بموت المسيح
وقيامته إذا كان المسيح لم يمت (*)
ولم يقم؟!.

 

10)   لو
كان المسيح لم يمت ولم يصلب ورفع حياً فهذا أمر جدير بالإجلال، ولكن التلاميذ
أقروا واعترفوا بما حدث، لأنهم شاهدوا بأعينهم وسمعوا بآذانهم، فهم أصدق وشهادتهم
حق.

 

11)       
 إن التلاميذ أقروا
واعترفوا بأن السيد المسيح بعد القيامة ظهر لهم وأراهم يديه (مكان المسامير) وجنبه
(مكان الحربة).

 

12)    محاولة اليهود على مر الزمن والقرون أن يتبرأوا
من دم المسيح هو إعتراف بأن السيد المسيح صلب بأيديهم ومات وقبر ثم قام من بين
الأموات.

 

13)    إن التاريخ حمل إلينا العديد من الكتب التي
كتبها آباء الكنيسة فى القرون الأولى عن موت المسيح وقيامته. ومن هؤلاء الآباء
أغناطيوس وأوغسطينوس وبنتينوس وأكلمنضص وأوريجينوس.. وغيرهم.

 

14)       
 لا توجد طائفة مسيحية
فى العالم كله تؤمن بأن المسيح لم يصلب أو صلب بدلاً منه إنسان آخر!!.

 

15)       
 تخصيص يوم الأحد بدلاً
من السبت
الذى كان يقدسه اليهود. والآحد هو اليوم الذى
قام فيه السيد المسيح من بين الأموات.

 

16)    يحدثنا التاريخ فى سيرة ديونيسيوس الآريوباغى
أنه حين حدث كسوف فى الشمس وقت صلب السيد المسيح كان ديونيسيوس يدرس فى جامعة عين
شمس فى مصر علوم الفلك والهندسة والقانون والطب..
إلخ. وهذا
هو منهج من يتولى سلطان القاضى، وهو أن يكون ملماً بجميع العلوم.. وحين حدث كسوف
الشمس حدث تساؤل.. فكانت الإجابة أن هناك احتمالاً من ثلاثة احتمالات:

 

1-         
أن يكون العالم أوشك على النهاية، وهذا الكسوف
من إحدى الدلالات.

2-         
أن تكون كل قواعد علم الفلك خاطئة من أساسها.

3-         
أن يكون إله الكون متألماً.

 

وظلت
هذه الواقعة فى ذاكرة ديونيسيوس إلى أن بشره القديس بولس فى أريوس باغوس.. متأكد
أن الاحتمال الثالث هو الأوقع والأصح، وهو أن إله الكون كان متألماً.. لأن حادث
الكسوف الذى حدث للشمس ليس أمراً عادياً بل هو فوق مقدور البشر وفوق القواعد
والتحاليل العلمية.

 

إنكار حادثة الصلب يعنى
تكذيب لأقوال السيد المسيح

لقد
شهد السيد المسيح عن حادثة الصلب قبل وبعد إتمامها.

1- شهادة السيد المسيح قبل
إتمام الصلب

ما بين
السيد المسيح ويونان النبى:

لما
طلب اليهود من السيد المسيح أن يريهم معجزة غير المعجزات الباهرة التى عملها
أمامهم، قال لهم: “جيل شرير فاسق يطلب آية ولا تعطى له إلا آية يونان النبى،
لأنه كما كان يونان فى بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان فى
قلب الأرض” (مت 12: 38-40)، مشيراً بذلك إلى أنه سيموت ويدفن ويظل ثلاثة أيام
وثلاث ليال فى قبره، هذه المدة من الزمن.

 

ابن الإنسان
يسلم ليصلب:

ولما
أقبل عيد الفصح قال لتلاميذه “تعلمون أنه بعد يومين يكون الفصح، وابن الإنسان
يسلم ليصلب” (مت 26: 2). كما أشار إلى أن واحداً منهم سيسلمه لليهود لكى
يصلبوه.
فقال لهم “ولكن هوذا يد الذى يسلمنى، هى
معى على المائدة. وابن الإنسان ماض كما هو مختوم، ولكن ويل لذلك الإنسان الذى
يسلمه” (لو22: 22).

 

يهزؤا به
ويجلدوه ويصلبوه:

فى
كلمات واضحة وضوح الشمس يذكر القديس متى البشير: “ولما ذهب يوماً مع تلاميذه
إلى الجليل، قال لهم عن نفسه إن ابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة،
فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم (أو بالحرى الرومان)، لكى يهزؤا به
ويجلدوه ويصلبوه. وفى اليوم الثالث يقوم” (مت 20: 17-19).

 

حبة الحنطة:

ولما
شبه نفسه بحبة الحنطة قال لتلاميذه: “الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة
الحنطة فى الأرض وتمت، فهى تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتى بثمركثير” (يو 12: 24)،
قاصداً بذلك أنه على أساس موته الكفارى سيأتى بأشخاص كثيرين من العدم، أو بالحرى
من الموت الروحى والجسدى والأبدى، إلى الحياة السعيدة مع الله روحياً وجسدياً
وأبدياً.

 

انقضوا هذا
الهيكل:

ثار
اليهود ضد السيد المسيح وقالوا له (أية آية ترينا حتى تفعل هذا؟).

أجابهم
“انقضوا هذا الهيكل وفى ثلاثة أيام أقيمه” وكان السيد المسيح يتحدث عن
هيكل جسده بوصفه هيكلاً لذاته (يو2: 18-21) وإقامة الهيكل تعنى قيامته من الأموات.

 

بعد ما أعلن
مجده:

(عندما
نزل رب المجد من جبل الجليل بعد ما أعلن مجده لثلاثة من تلاميذه قال لهم: لا
تعلموا أحداً بما رأيتم حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات) (1) ثم قال لهم “أن ابن
الإنسان سوف يتألم منهم (أى من اليهود)” (مت 17: 19-23).

 

العظمة
الحقيقية:

تحدث
رب المجد إلى تلاميذه عن العظمة الحقيقية فقال لهم “من أراد أن يكون فيكم
أولاً فليكن لكم عبداً. كما أن ابن الإنسان لم يأتى ليخُدم بل ليخَدم. ويبذل نفسه
فديه عن كثرين” (مت 20: 27-28).

 

الخبز
النازل من السماء والراعى الصالح:

تحدث
السيد المسيح عن نفسه كالخبز النازل من السماء الذى يهب حياة أبدية لكل من يقبله
ويؤمن به ويسير حسب إنجيله ويتقرب لأسراره المقدسة، فقال عن سر التناول المقدس
“والخبز الذى أنا أعطى هو جسدى الذى أبذله من أجل حياة العالم” (يو6: 51).

 

كما
تحدث عن نفسه بوصفه الراعى الصالح فقال “أما أنا فإنى الراعى الصالح. والراعى
الصالح يبذل نفسه عن الخراف” (1)
(يو 10: 11-15).

 

ينبغى أولاً
أن يتألم:

عندما
تحدث رب المجد عن ملكوته قال لهم عن نفسه “ولكن ينبغى أولاً أن يتألم كثيراً
ويرفض من هذا الجيل” (لو 17: 22).

 

ما بين
السيد المسيح وبطرس الرسول:

عندما
أدرك التلاميذ أن السيد المسيح هو المسيا وأنه سيملك على العالم إلى الآبد، كما
أشارت التوراة فى بعض آياتها (2)،
وجال فى خاطرهم أنه لن يموت مثل الناس، قال لهم “إنه ينبغى أن يذهب إلى
أورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الشعب والكهنة والكتبة ويقتل، وفى اليوم
الثالث يقوم”. فأخذه بطرس (واحد من تلاميذه) وقال له “حاشاك يا رب!! لا
يكون لك هذا”. فالتفت المسيح نحوه وقال له “اذهب عنى يا شيطان” (3). أنت معثرة لى. لأنك لا
تهتم بما لله بل بما للناس”. وحينئذ قال لتلاميذه “إن أراد أحد أن يأتى
ورائى فلينكر نفسه ويحمل صليبه (4)
(مثلى) ويتبعنى” (مت 16: 21-24).

 

ينبغى أن يرفع
ابن الإنسان:

تحدث
السيد المسيح عن الطريق إلى الحياة الأبدية فقال “كما رفع موسى الحية فى
البرية هكذا ينبغى أن يرفع ابن الإنسان (على الصليب) لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل
تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا
يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3: 14-16).

 

مكر
هيرودس:

ولما
تحدث معهم عن مكر هيرودس الملك (الذى كان يريد قتله)، قال عن نفسه “ينبغى أن
أسير اليوم وغداً وما يليه، لأنه لا يمكن أن يهلك نبى (و) خارج أورشليم”(لو13:
31-34).

 

صاحب
الكرم:

عندما
تحدث عن الكرامين الذين لم يعطوا الثمر لصاحب الكرم، قال المسيح عنه إنه أرسل فى
نهاية الأمر ابنه إليهم قائلاً فى نفسه: إنهم يهابونه ويعطونه الثمر المطلوب. غير
أن الكرامين لما رأوا الابن، قالوا فيما بينهم: هذا هو الوارث، هلموا نقتله ونأخذ
ميراثه. فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه (مت 21: 33-40)، مشيراً بالابن إلى شخصه
كابن الإنسان الذى كان عتيداً وقتئذ أن يصلب، وبصاحب الكرم إلى الله أبيه.
وبالكرامين إلى رجال الدين من اليهود، لأن الله قد أقامهم لكى يفعلوا خيراً،
ولكنهم أبوا
وتمردوا.

 

لأجل
تكفينى:

ولما
سكبت امرأة بعد ذلك طيباً غالياً عرفاناً منها بجميل أسداه إليها، قال لتلاميذه
عنها “إنها إذ سكبت هذا الطيب على جسدى، إنما فعلت ذلك لأجل تكفينى” (مت
26: 6-12)، الأمر الذى يدل على أنه كان يعلم أنه سيموت، ثم يكفن ويدفن.

 

تعليق:
إننا نثق تمام الثقة فى هذه الشهادة التى دونها الوحى الإلهى على لسان رب المجد.
وبالإضافة إلى هذه الثقة المطلقة نقول لمن يعترضون لأجل الاعتراض وإننا إذا نظرنا
إلى هذه الشهادات من الناحية العقلية يتضح صدقها الكامل.

 

إن
القادة والزعماء (كما نرى فى كل الأجيال)، يحاولون بشتى الوسائل أن يبثوا الشجاعة
والإقدام فى نفوس أتباعهم. وحتى إذا كان هؤلاء القادة والزعماء يعانون أقسى الآلام،
فإنهم يخفون حالتهم الصحية عن أتباعهم لئلا يتسرب إلى هؤلاء اليأس والفشل. وإذا
كان الأمر كذلك، وكان المسيح بعيداً كل البعد عن وسائل التمويه والتحايل التى يلجأ
إليها الناس، فلابد من التسليم بأنه كان يعلم علم اليقين أنه سيصلب. لأنه لولا ذلك
لما كان قد خطر بباله أن يتحدث مع تلاميذه عن وجوب صلبه، إذ أن هذا الخبر حز فى
نفوسهم وفت فى عضدهم، وهم فى أول الطريق معه (مت 17: 23).

 

كما
أننا إذا أمعنا النظر فى حديث المسيح عن صلبه، يتضح لنا أنه لا يرد بمعزل عن
النصائح والتعاليم التى كان يوجهها لمعاصريه، بل يرد ممتزجاً بها كل الامتزاج، حتى
أنه لا يمكن فصل هذا الحديث عنها دون الإخلال بمعناها. ومن ثم فإنه لا يكون كرقعة
أرتقت بثوب، بل كالخيوط التى يتكون منها نسيج الثوب، أو بالحرى لا يكون دخيلاً على
أقوال المسيح، بل يكون من ذات أقواله.

 

أخيراً
نقول إن تنبؤ المسيح عن صلبه أمر يتناسب كل التناسب مع حياته الطاهرة التى عاشها
على الأرض، ومع مقاومته (وهو شخص أعزل) للشر المستطير الذى كان يطفح وقتئذ من رجال
الدين والسياسة معاً. لأن الشر يبغض الخير، والباطل يمقت الحق، لذلك فالمسيح
بتنبئه عن صلبه لم يذكر لنا فى الواقع شيئاً غريباً عما نتوقعه فى العالم لشخص
نظيره.

 

2-
شهادة السيد المسيح بعد حادث الصلب.

انظروا يدى
ورجلى. إنى أنا هو:

فى
اليوم الثالث للصلب كان تلاميذه (ماعدا واحداً منهم يدعى توما) مختبئين فى غرفة،
بعد أن أحكموا غلقها بسبب الخوف من اليهود. جاء المسيح إليهم والأبواب مغلقة، ووقف
فى الوسط وقال لهم: “سلام لكم”، فجزعوا ظانين أنهم رأوا روحاً. فقال لهم
“ما بالكم مضطربين، ولماذا تخطر أفكار فى قلوبكم؟ انظروا يدى ورجلىّ. إنى أنا
هو..”.وحين قال هذا، أراهم يديه ورجليه. وقال لهم “هذا هو الكلام الذى
كلمتكم به وأنا بعد معكم، أنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى فى ناموس موسى
والأنبياء والمزامير”. ثم قال لهم “هكذا هو مكتوب، وهكذا كان ينبغى أن
المسيح يتألم ويقوم من الأموات فى اليوم الثالث” (لو 24: 24-46).

 

مع
تلميذين من تلاميذه:

فى
اليوم الثالث للصلب قفل تلميذان من تلاميذ المسيح راجعين إلى وطنهما، وقد ملأ
الحزن قلبهما بسبب صلبه. فظهر لهما المسيح وقال لهم “أيها الغبيان والبطيئا
القلوب فى الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء، أما كان ينبغى أن المسيح يتألم بهذا
ويدخل إلى مجده؟” (لو 24: 13-27).

 

لقاء
مع توما الشكاك:

عندما
التقى السيد المسيح مع تلاميذه كان توما الرسول غيرمتواجد معهم.. فظهر السيد
المسيح مره أخرى لهم وكان توما (الشكاك) معم. فدخل السيد المسيح إليهم والأبواب
والشبابيك
مغلقة. ووقف فى وسطهم وقال لهم “سلام
لكم”. ثم قال لتوما “هات أصبعك إلى هنا وأبصر يدى (حيث أثر المسامير
التى كان المسيح قد سمر بها)، وهات يدك وضعها فى جنبى (حيث أثر الحربة التى كان قد
طعن بها على الصليب)، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً” (يو 20: 26-27).

 

الميت
الحى:

دون
لنا كاتب سفر الرؤيا قول رب المجد له “لا تخف.. أنا الأول والآخر.. والحى
وكنت ميتاً.. وها أنا حى.. إلى أبد الآبدين” (رؤ1: 18).

 

تعليق:
كما أشرنا من قبل إننا نثق تمام الثقة فى كل كلمة، بل وكل حرف، فاه به رب المجد،
بل نثق ونؤمن بكل نقطة دونت فى الوحى الإلهى. ونضيف أيضاً أننا رغم ثقتنا هذه فى
شهادات رب المجد لحادث الصلب بعد إتمامه، إلا أننا سننظر إلى هذه الشهادات من
الناحية العقلية حتى يتضح لمن يكابر أنها حتماً صادقة.

 

لو
أن شخصاً آخر صلب عوضاً عن المسيح، لكان المسيح قد صرح لتلاميذه بذلك عند ظهوره
لهم بعد موت هذا الشخص، لكى يعرفوا فشل اليهود فى القبض عليه وعدم إصابته بأى أذى
منهم. فإذا أضفنا إلى ذلك أن المسيح كان متواضعاً كل التواضع وصادقاً كل الصدق
وبعيداً عن التفاخر كل البعد، اتضح لنا أن شهادته عن نفسه أنه قام بعد صلب اليهود
إياه، لا يجوز الشك فيها.

 

إن
المسيح لم يكتف بالشهادة الشفوية عن نفسه أنه هو الذى صلب، بل أيد شهادته هذه
بالدليل القاطع على صدقها، إذ أظهر لتلاميذه آثار المسامير فى يديه وأثر الحربة فى
جنبه. وقد شاهد تلاميذه هذه الآثار بعيونهم ولمسوها بأيديهم. فضلاً عن ذلك فقد
أثبت المسيح لهم من كتب الأنبياء والمزامير التى كانت بين أيديهم، أنه كان لابد أن
يصلب كفارة عن البشرية – الأمر الذى يدل على أن صلبه حادثة حقيقية تؤيدها أدلة
واقعية لا سبيل للشك فيها، كما تؤيدها أدلة إلهية كائنة فى كتب الوحى السابقة
لمجيئه إلى الأرض بمئات السنين.

 

شهادة
التاريخ اليونانى:

 (1)
وهناك فيلسوف يونانى يدعى سلسوس ألف كتاباً ملئ بالاعتراضات والإنتقادات على
المسيحية وعلى صاحبها. قال ضمن ما كتب هازئاً بالمسيح: “بأنه هو الإله
المتجسد أنكره أحد تلاميذه وخانه آخر منهم وحكم عليه بالموت أخيراً وكان يدعوه فى
كتابه ” المصلوب “.

 

 (2)
وكان
لوسيان الفيلسوف اليونانى أيضاً معاصراً لسلسوس وقد ولد عام 100 م. وقد كان أكثرهم
إضطلاعاً وحريه فى الرأى، هذا وضع كتاباً أسماه “دى مورتى بوكرينى” ملأه
بالسخرية والاستهزاء بالمسيحيين ومسيحهم، فقال ضمن ما قال عنهم: قد رفضوا الآلهه
اليونانية وصاروا يعبدون سفسطياً مصلوباً ويعيشون بحسب شرائعه.

 

 (3)
من الثابت أنه قد حدث وقت صلب السيد المسيح ظلمة اكتنفت الأرض كلها. وكان بين
الذين عاينوا هذه الظلمه ديونيسيوس الأريوباغى، من أشهر علماء أثينا، فقال (إما أن
يكون خالق الطبيعة متألماً أو أن العالم أخذ
يتمزق).

 

صلب السيد
المسيح من أكبر حقائق التاريخ:

لقد
تناول مشاهير المؤرخين من يهود ووثنيين حقيقة صلب السيد المسيح.

شهادة
التاريخ الرومانى:

(1)
تاسيتوس: المؤرخ الوثنى الشهير الذى ولد سنة 25 م والذى وضع تاريخ الإمبراطورية
الرومانية، من موت أغسطس قيصر إلى موت نيرون من (سنة 14-68 م)، قال فى الفصل
الخامس عشر من كتابه عن المسيحيين ما يأتى:


هذا الاسم مشتق من المسيح الذى قتل بأمر بيلاطس الوالى فى حكم
“طيباريوس”. ومعلوم أن تاسيتوس هذا وهو يكتب عن حادثة صلب المسيح التى
كانت ماثلة فى أذهان الجميع كان متصلاً بسجلات الرومانيين الرسمية، وكانت هذه
الأخبار ترد من كل مقاطعة، وضمنها مقاطعة فلسطين التى ورد منها ذلك التقرير
المشهور الذى رفعه بيلاطس إلى الإمبراطور فى رومية عن حادثة صلب المسيح وموته، وهو
محفوظ فى سجلات رومية.

 

(2)
شهادة بيلاطس البنطى:

ومن
بين مخطوطات الفاتيكان برومة خطاب كان بيلاطس البنطى (الذى حكم على السيد المسيح بالصلب)
قد كتبه إلى طيباريوس قيصر، نقتطف منه ما يأتى نصه (ألقى الأوباش الهائجون القبض
على يسوع، ولما أنسوا عدم الخوف من الحكومة، إذ ظنوا مع زعمائهم إنى جزع فزع من
ثورتهم، تمادوا على الصياح اصلبه.. اصلبه.. ثم طلبت وغسلت يدى أمام الجمهور،
مشيراً بذلك إلى استهجان عملهم، ولكن لم يأت ذلك بثمر فإن نفوس هؤلاء الأشقياء
ظمآنه لقتله.. فقلت له (أى ليوسف الرامى): قد أجبت طلبك، وفى الحال أمرت ماتليوس
أن يأخذ بعض عساكر معه ليلاحظ وليباشر دفنه لئلا يتعرض أحد له.. وبعد ذلك بأيام
قليلة وجد القبر فارغاً وأذاع تلاميذ يسوع فى أطراف البلاد وأكنافها أن يسوع قام
من الموت كما كان قد تنبأ).

 

ومما
يجدر ذكره أن هذا الخطاب الذى كتبه بيلاطس قد أشار إليه الفيلسوف جوستينوس سنة 139
م والعلامة ترتليانوس سنة 196 م فى رسائلهما وأقوالهما.

 

 (3)
عيد القيامة: كان عند المسيحيين من بداءة الديانة المسيحية كعيد الفصح العظيم.
وهذا، كما هو معلوم تذكار لقيامة السيد المسيح من بين الأموات، وفيه يمثل
المسيحيون قيامة السيد المسيح وشروق نور قيامته بعدما يطفئون الأنوار فى الكنائس
وعند قولهم “المسيح حقاً قام” يشعلون الأنوار الكثيرة ويرتلون الأناشيد
عن قيامة المسيح، بل ويتكبدون مشاق الأسفار ويتعرضون للأخطار كل عام لزيارة قبر
السيد المسيح ومشاهدة تمثيل قيامته وشروق نوره على القبر المقدس. وقد أخذ المسلمون
عادة الحج إلى مكة لزيارة قبر نبيهم عن المسيحيين الذين يزورون قبر المسيح فى كل
سنة. والمؤرخ العظيم أوسابيوس المعاصر للملك قسطنطين الكبير الذى كتب تاريخ
الكنيسة المسيحية منذ نشأتها إلى سنة 325 قد ذكر فى كتابه الخامس من تاريخه أن
بوليكاربوس أسقف أزمير زاز فى سنة 160 أنيستوس أسقف رومية وذلك عند ظهور فرق فى
الوقت الذى يحفظ فيه هذا العيد فى أزمير ورومية، وكىف أن كلا منهما دافع عن الوقت
المعين عنده لحفظ العيد مبرهناً على أنه قديم العهد فى بلاده.

 

وهذا
يدل دلالة صريحة على أن تذكار موت المسيح وقيامته كان له كل الإعتبار والمراعاة فى
الجيل الأول فى رومية وأسميرنا.

 

ثانياً:
العادات المرعية:

بالرغم
عن كون الصليب موضوع عار وتحقير وازدراء عند الوثنيين الذين كانوا يعيرون
المسيحيين بكونهم من أتباع المصلوب، فإن المسيحيين نظروا إلى الصليب بعين المحبة
والاعتبار والشكر لأنهم آمنوا أن المسيح قدم نفسه عليه ذبيحة كفاريه عن خطاياهم
وفدية عن نفوسهم وخلاصاً لأرواحهم، فجعلوه موضوع فخرهم وعنوان مجدهم وآلة
انتصاراتهم، كما يقول رسول المسيح بولس: ” وأما أنا من جهتى فحاشا لى أن
أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذى به قد صلب العالم لي وأنا للعالم”
(غل6: 14).

 

وبالرغم
من الاضطهاد الواقع ومهاجمة كنائسهم فإنهم ينقشون الصليب على قبور أعزائهم
ويرفعونه على أبواب كنائسهم ومناراتها وأمام هياكلهم وعلى كل أوانى الكنيسة
والملابس الكهنوتية.

 

وفى
المعمودية يرسمون المتعمدين بالصليب، وكذلك عند الدهن بالزيت أو الميرون، ويرسمونه
إلى هذا اليوم على وجوههم عند نومهم وقيامهم وعند الأكل وبدء كل عمل وبدء صلواتهم
وعبادتهم للمسيح الذى صلب لأجلهم. بل وفى مقدمة كتبهم، لأن المسيح المصلوب هو
موضوع بحثهم وعلمهم وفهمهم. ولا يزال الصليب عند جميع الممالك والدول علامة العطف
والإنسانية وإنكار الذات وحب التضحية، يقود جنود الخير وملائكة الرحمة إلى ساحات
القتال تحت علمه الأحمر (الصليب الأحمر) لتضميد جروح الأعداء قبل الأحباء.. الخدمة
المنبثقة من صليب المسيح الذى جرى تحته دمه الأحمر القانى والذى صلب عليه من أجل
أعدائه.

 

ولا
يزال الصليب إلى هذا اليوم يصعد على قمة تيجان الملوك، إيماناً بحكمة الصليب (1كو1:
18-24). الحكمة التى قال عنها سليمان: “أنا الحكمة.. بى تملك الملوك وتقضى
العظماء عدلاً” (أم8: 12-16). وهذه الحكمة التى غيرت أفكار الملوك والسلاطين
الذين كانوا يظنون أن الرعية خلقت لأجلهم، ولكن ملك الملوك يسوع وضع لهم المثل
الأعلى بأن الراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف. فوضع الصليب على صدور الملوك
ورؤوسهم يذكرهم بواجب التضحية لأجل شعوبهم.

 

بل
وكنت ترى ولا تزال ترى الصليب يتقدم جنازات المسيحيين وهم يشيعون إلى ظلمة القبر
كإعلان صريح وتكرار صامت لقول الرسول: “ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات
وصار باكورة الراقدين. فإنه إذ الموت بإنسان بإنسان أيضاً قيامة الأموات؛ لأنه كما
فى آدم يموت الجميع هكذا فى المسيح سيحيا الجميع” (1كو ص 15).

 

فإذا
كان الصليب قد تغلغل فى كل عبادات المسيحيين وطقوسهم وتعاليمهم، أوبالحرى قد بنيت
عليه جميع عقائدهم، وإذا كان النصارى والمسلمون واليهود لا يقولون إن كل عبادات
الوثنيين باطلة، بل يقولون أن فيها شئ من الحقيقة، فكيف يجسرعاقل أن يقول إن
الديانة المسيحية كلها باطلة ومغلوطة من أولها إلى آخرها لأنها تقوم على عقيدة
الصلب من أولها إلى آخرها؟.

 

محاولة
فاشلة لهدم المسيحية وإبطالها:

إنكار
موت المسيح إنكار أيضاً للديانة المسيحية واعتبارها ديناً باطلاً منقوضاً من أساسه.
لأن عقيدة صلب المسيح وموته ليست فرعاً من فروع العقائد المسيحية أو فكرة من
أفكارها الدينية أو رأياً من الآراء المذهبية، بل عقيدة الصلب هى أساس الديانة
المسيحية وموضوع الإيمان المسيحى والمحور الذى تدور عليه جميع العقائد المسيحية،
والدعامة التى يرتكز عليها الإيمان والرجاء والمحبة المسيحية والنبع الذى تصدر عنه
جميع الفضائل المسيحية. وهى الشبكة المسلحة الممتدة فى كل أساس الديانة المسيحية،
وعليها قام كل البنيان المسيحى من فضائل وعقائد وعادات وطقوس.

 

صلب
السيد المسيح هو موضوع إيماننا:

(1)
إن صلب المسيح كان ولا يزال موضوع الإيمان والتبشير كما قال القديس بولس الرسول: “ولكننا
نحن نكرز بالمسيح مصلوباً” (1كو1: 23) وقوله “فإننى سلمت إليكم فى الأول
ما قبلته أنا أيضاً أن المسيح
مات من أجل خطايانا حسب
الكتب وأنه دفن وأنه قام فى اليوم الثالث حسب الكتب.. ولكن إن كان المسيح يكرز به
أنه قام من الأموات، فكيف يقول قوم بينكم إنه ليس قيامة أموات.. وإن لم يكن المسيح
قد قام فباطلة كرازتنا وباطل هو إيمانكم” (1كو 15: 3، 12،14).

 

وأول
خطاب قام به بطرس الرسول يوم الخمسين مبشراًً لليهود الذين أتوا إلى العيد فى
أورشليم من كل أمة على الأرض قال فى بدايته: “أيها الرجال اسمعوا يسوع
الناصرى.. هذا أخذتموه مسلماً بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدى أثمة
صلبتموه وقتلتموه الذى أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت” (أع2: 22-23).

 

 (2)
إن صلب المسيح هو خلاصة الإيمان المسيحى والعقيدة التى تتضمن كل العقائد. وهى مادة
الإيمان التى يجب على كل مسيحى أن يعرفها إذا لم يستطيع معرفة الحقائق المسيحية
كلها، كقول القديس بولس الرسول: “لأنى لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع
المسيح وإياه مصلوباً” (1كو2: 2) ويؤيد هذا القول الإجماع المسيحى العام على
هذه العقيدة، مع اختلافاتهم فى كثيرمن الآراء والتفاسير التى فرقتهم إلى شيع
ومذاهب. إلا أن عقيدة صلب المسيح بقيت بينهم الرابطة الحقيقية التى ربطتهم معاً.
فلم يختلفوا فيها ولا تشعبت آراؤهم عنها، إذ الكل يعترفون بصوت واحد أن المسيح مات
لأجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا (رؤ4: 25).

 

 (3)
أسرار الكنيسة ووسائط النعمة التى يحصل بها المسيحى على النمو فى الحياة المسيحية
مبنية جميعها على حقيقة الاعتقاد بصلب السيد المسيح.

 

عقيدة
الصلب عصب المسيحية ودمها:

إن
عقيدة الصلب امتدت فى كل العقائد المسيحية وطقوسها وعبادتها وأعيادها وعاداتها،
كما امتدت فى كل أسفار الكتاب المقدس، كما تمتد الأعصاب إلى كل أعضاء الجسم من
الرأس إلى القدمين، وجرت فى هيكل الديانة المسيحية كما يجرى الدم فى كل ذرة وخلية
من خلايا الجسم.

 

أولاً:
فى الأعياد والمواسم:

أ
– يوم الآحد: يتخذ المسيحيون يوم الأحد عيدهم الأسبوعى ويوم راحتهم المخصص للعبادة
قد بنى على أساس عقيدة الصلب، لأنه تذكار لليوم الذى قام فيه المسيح من بين
الأموات وذلك منذ نشأة الديانة المسيحية ومع كون المسيح أعطى تلاميذه سر المائدة –
سر جسده ودمه – ليلة الجمعة أى فى الليلة التى أسلم فيها، وذلك ليكون هذا السر
تذكاراً لموته.. والمسيحيون. عموماً وفى مقدمتهم الرسل، قد أجمعوا على جعل يوم
الأحد هو اليوم الأساسى الذى تقام فيه شعائر سر التناول فيتناولون فيه السرائر
المقدسة.

 

وقد
شهد الإمام البيضاوى فى تفسيره لسورة المائدة بأن المائدة نزلت يوم الأحد. فلذلك
اتخذه النصارى عيداً (الببضاوى الجزء الأول ص 72).

 

وجاء
فى كتاب السيرة النبوية الملكية أنه بعد أن هاجر أصحاب النبى إلى يثرب (المدينة)،
وكانت يثرب محاطة بقبائل اليهود وبعض النصارى، أرسل إليه أصحابه يقولون: يا رسول
الله إن لليهود يوماً من كل أسبوع، يدعى السبت، فيه ينقطعون إلى عبادة الله تعالى
ويجتمعون جماعة فى مساجد خاصة لهم لقراءة التوراة والصلاة والوعظ. وكذلك للنصارى
يوم الأحد يجتمعون فيه للعبادة والصلاة فى محلات خاصة. ونحن المسلمون

لا
يوم لنا خصوصاً نجتمع فيه لعبادة الله تعالى أسوة بأهل الكتاب اليهود والنصارى.
فأجابهم: متى كان اليوم الذى يليه السبت اجتمعوا جماعة فى مكان مخصوص للصلاة
وإلقاء الخطب والوعظة فيكون لكم هذا اليوم يوم جمعة.

 

بل
وقد شهد وثنى عظيم كان قد اعتتق الديانة المسيحية هو فلافيوس جوستوف، فى رسالة
رفعها إلى الإمبراطور انتونينوس بيوس دافع فيها عن الديانة المسيحية فقال: إننا
نجتمع معاً يوم الأحد لأجل العبادة ودرس كتاب الله لأن الله فى مثل هذا اليوم خلق
النور وكذلك فيه قام يسوع المسيح مخلصنا من الأموات وظهر لتلاميذه.

 

ب
– يومى الأربعاء والجمعة: كان المسيحيون ولا يزالون إلى اليوم يصومون يومى
الأربعاء والجمعة. ففى يوم الأربعاء تشاور اليهود على صلب السيد المسيح واتفقوا مع
يهوذا الخائن لتسليمه لهم لصلبه. ولا يزالوا يصومونهما كل أسبوع إلى الساعة
الثالثة بعد الظهر، مع صلوات وتذلل تذكاراً لآلام المسيح وموته، ويقيمون فيها
القداس الذى هو احتفال بطقس المائدة أو سر التناول الذى أعطاه السيد المسيح
لتلاميذه ليلة صلبه.

 

ج
– الجمعة الحزينة (الجمعة الكبيرة): يحفظ المسيحيون يوم الجمعة الحزينة سنوياً.
هذا اليوم تحفظه جميع المذاهب المسيحية بصوم طويل وصلوات كثيرة وحزن عميق تذكاراً
لليوم الذى مات فيه ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح على خشبة الصليب. بل يسترجعون
ويتذكرون فيه جميع الظروف والأحوال التى حدثت فى موت المسيح، إذ يرفعون إلى مكان
مرتفع صورة المسيح مصلوباً ويوقدون أمامها الشموع ويعلقون المباخر ويقومون بتراتيل
خاصة بالصلب، ويقرأون الفصول العديدة من الكتاب المقدس، بعهديه القديم والجديد،
مما يتعلق بصلب المسيح وموته، ويطفئون الأنوارتمثيلاً للظلمة التى غشت الأرض يوم
صلب ربنا يسوع المسيح، ويتهافتون على شرب الخل الممزوج بالمر ليشاركوا مخلصهم فيما
سقوه من خل ممزوج بمرارة يوم صلبه، ويختمون احتفال اليوم بدفن الصورة والصليب كما
دفن مخلصهم.

 

شهادة
التاريخ اليهودى:

(1)
وهذه شهادات مؤرخى اليهود، وعلى رأسهم يوسيفوس المؤرخ اليهودى الشهير الذى وضع
تاريخ الأمة اليهودية فى عشرين مجلداً. هذا المؤرخ العظيم الذى حضر خراب أورشليم
بعد صعود المسيح بأربعين سنة كتب عن المسيح وعن سابقه يوحنا المعمدان فقال: إن
بيلاطس حكم على المسيح بالصلب حسب طلب رؤساء الشعب. والذين أحبوا المسيح أولاً لم
يتركوه وهاهم باقون إلى الآن مسيحيين نسبة إليه.

 

 (2)
والحاخام يوحانان بن زكا تلميذ هليل الشهير ألف كتاباً بالعبرانية دعاه “سيرة
حياة يسوع الناصرى”، كله شتائم وسب فى يسوع الناصرى، جاء فيه: إن الملك
وحكماء اليهود أو حاخاماتهم حكموا على يسوع بالموت لأنه جدف بقوله “أنا ابن
الله، أنا الله، أنا قد أتيت إلى أورشليم لأبطل الأعياد والمواسم المقدسة ولأضع
شريعة جديدة لأورشليم، وأنا سأكفر بموتى عن كل الخطايا والذنوب وأقوم من الأموات.
“..

 

ولما
اقتيد يسوع للموت فى مساء يوم الفصح كان يصرخ اليهود أمامه: “فلتهلك كل
أعدائك يارب” وإنهم وقتئذ علقوا يسوع على شجرة خارج أورشليم حسب أمر الملك
ورؤساء اليهود
وإن كل إسرائيل نظروا
هذا.

 

 (3)
إن معظم علماء اليهود الذين درسوا قضية صلب المسيح وموته وقيامته دراسة دقيقة
وتوخوا منهج البحث العلمى الصحيح استطاعوا أن يقروا إقراراً واضحاً صحيحاً بأن
المسيح صلب ومات وقام من بين الأموات..

قال
الحبر اليهودى كلورنر فى كتابه يسوع الناصرى: “من المحال أن نفترض وجود خدعة
فى أمر قيامة المسيح لأنه لا يعقل أن تظل خدعة 19 قرناً ” لأن كلورنر عاش فى
القرن ال 19.

(4)
قال وستكوت: “لا توجد حادثة تاريخية واحدة دعمتها أدلة أقوى من تلك التى
دعمتها قيامة المسيح “.

(5)
وقال دكتور دينى “لا مجال للشك فى قيامة المسيح بعد أن غيرت يوم الراحة الذى
كان اليهود يتمسكون به بكل شدة “.

(6)
قال تيودور “لو كان حماس تلاميذ المسيح هو الذى ولد الاعتقاد بقيامته لديهم
لكان هذا الحماس برد شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى درجة الخمول والجمود. ولكن إن كان
ظهور المسيح لهم بعد موته هو الذى بعث فيهم النشاط المتواصل فى ميدان خدمة الإنجيل،
فلا مندوحة من التسليم بأن ظهوره كان أمراً حقيقياً وليس خيالياً “.

(7)
قال ستروس أحد أرباب النقد ما نصه: “لو كان المسيح قد أنزل عن الصليب قبل أن
يموت ثم استطاع بعد دفنه أن يخرج من القبر بوسيلة ما لاحتاج إلى مدة طويلة من
الزمن للعلاج ولعجز أيضاً عن بعث الإيمان فى تلاميذه بأنه انتصر على الموت وعن
توليده القدرة فيهم على المناداة بالإنجيل فى كل مكان على الرغم من الاضطهاد الذى
كان يحيق بهم جزاء هذا العمل “.

(8)
قال الدكتور توماس الذى كان أستاذاً للتاريخ فى جامعة أكسفورد: ” لما طلب منى
أن أقوم بتدريس التاريخ القديم وأفحص أدلة المؤرخين على صدق ما جاء به من أخبار لم
أجد خبراً أجمع على صدقه كل الأشخاص المحايدين مثل خبر قيامة المسيح.

 

النتائج
المترتبة على موضوع إلقاء شبه السيد المسيح على آخر:

1-
الطعن في صدق الأنبياء. لأن القول بإلقاء شبه السيد المسيح على آخر يعلن أن
الأنبياء الذين سبقوا فتنبأوا عن صلب المسيح وموته بالكيفية الواردة فى الأناجيل
والرسائل كانوا هم الآخرون أيضاً واهمون فى تخيلات وتهيؤات باطلة شبه لهم أن
المسيح سيموت مصلوباً وهو لم يمت،
وهذا القول يطعن فى
نبوءتهم وفى صدق الوحى الإلهى ويجعل الناس يشكون فى كل نبى وفى كل نبوءة.

 

2-
هذا القول يطعن أيضاً فى الأوضاع الإلهية من رموز وطقوس وضعها الله فى التوراة
لليهود تمثل موت المسيح الكفارى.

 

3-
ويطعن أيضاً فى التوراة والأناجيل والرسائل التي تدور حول محور موت المسيح، والتى
تنتشر هذه الحقيقة فى كل صحائفه.

 

4-
يطعن أيضاً فى عبادة وديانة وعقائد وفضائل المسيحيين جميعها، مع أن هذا لم يقل به
المسلمون، لأن غاية ما ادعى به بعض المسلمين هو أن اليهود والنصارى حرفوا من
توراتهم وإنجيلهم الأدلة الواردة عن محمد فقط. وأما كل التوراة والإنجيل فهو صدق
وحق.

 

5-
هذا القول أيضاً يطعن فى صدق التاريخ ويجعل الناس لا يثقون بالتاريخ ولا يعولون
عليه ويجعلونه عبثاً لا نفع منه، وهذا لم يقل به أحد، بل للتاريخ قيمته واحترامه،
ومن ينكره ينكر البشرية ووجودها وعقليتها وإيمانها وتقليدها وتواترها ونقلها.

 

لقد
كان الإمام الفخر الرازى صريحاً وعادلاً فيما قال، وإن الواقع يؤيده، بدليل أن
المحاكم الإسلامية لا تجيز القول بأن الله يلقى شبه إنسان على آخر.

 

القاضى
والمأذون والزوجين:

لو
افترضنا أن أحد الأشخاص دخل إلى المحكمة الشرعية مثلاً يطعن فى صحة زواج
“علي” من “خديجة” وادعى بأن الزواج لم يقع يقيناً، بل شبه
للمأذون أن الزوجين تراضيا أمامه وهما لم يتراضيا ووقعا على العقد وهما لم يوقعا،
وشبه له أن الشهود شهدوا ووقعوا بتوقيعاتهم وهم لم يوقعوا، كما شبه للزوجين أنهما
تزوجا وهما لم يتزوجا، وشبه لهما أنهما اجتمعا معاً وهما لم يجتمعا، وأن ثمرة
الزواج التى أخلفاها وقيداها فى دفتر المواليد وها هى تتكلم أمام القاضى ليست
حقيقة إنما شبه لهما أنهما ولدا ولداً وأن عقد الزواج ليس يقيناً، إنما شبه للقاضى
أن أمامه عقد زواج وهو ليس بموجود أمامه.

فهل
يأخذ القاضى بهذا الادعاء ويحكم ببطلان الزواج وعدم وقوعه، معتبراً الدلائل المحسوسة
وهما وتخيلات وتهيؤات، أم يصر لقاضى على رفض هذا الإدعاء ويحكم بصحة الزواج ووقوعه
فعلاً؟.

إنى أعترض..
مزمور 22 يعلن أن المصلوب هو يهوذا:

احتكم
صاحب كتاب دعوة الحق إلى العهد القديم فقط فى قضية صلب السيد المسيح، معتقداً أن
العهد القديم لم يتنبأ عن أحداث الصلب.

 

رغم
أن النبوات عن صلب السيد المسيح تسرى فى كل أجزاء العهد القديم.. وقد اختص سيادته
من أسفار العهد القديم سفر المزامير، ثم اختص أكثر وأكثر المزمور 22 وقال (إن كل
ما
جاء فى مزمور 22 هو نبؤه صحيحة عن الصلب. وإن كل ما كتبه
البشيرون الأربعة عن المصلوب مستشهدين بآيات المزمور 22 هو صحيح.. ولكنه ادعى
ظلماً أن المصلوب هو يهوذا!!.

 

كما
استبعد أن ينطبق على السيد المسيح القول الوارد فى (مز22: 6) “أما أنا فدودة
لا إنسان عار عند البشر ومحتقر الشعب “.

 

التعليق:

إن
هذا السفر يتكلم عن شخصية رب المجد يسوع المسيح بالتفصيل وبكل الوضوح والجلاء فهو
يشير إلى لاهوته وتجسده ورفض اليهود له، وتسليم يهوذا له ومحاكمته وصلبه وموته
وقيامته وصعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب وانتشار ملكوته بين الأمم وإضطهاد
كنيسته ومجيئه الثانى و.. إلخ. كما هو موضح فى الجدول التالى:

 

 

الباب التاسع 

 

 


وبعد
كل هذا، هل يستطيع أحد أن يقول إن هذا المزمور ينطبق على يهوذا الخائن وليس على
السيد المسيح، له المجد.

 

إنى أعترض..
أنا لا أرضى على السيد المسيح ذلك:

 

قال
أحد المعترضين “إننى أستبعد أن ينطبق على السيد المسيح القول الوارد فى
مزمور22: 6 “أما أنا فدودة لا إنسان. عار عند البشر ومحتقر الشعب “.

 

التعليق:

لقد
فات الكاتب الموقر أن السيد المسيح، له المجد، “أخلى ذاته آخذاً صورة
عبد” (فى2: 7).

وأنه
من فرط تواضعه فى أنسانيته المضطهده المحتقرة من باب المجاز والكتابة شبه نفسه
“بدودة”، كما شبه داود نفسه “ببرغوث” فى قوله لشاول الملك
“وراء من خرج ملك إسرائيل! وراء من أنت مطارد؟ وراء كلب ميت! وراء برغوث
واحد؟” (1صم 24: 14).

 

وعلى
هذا المنوال مثل القرآن الدواب والطيور بالناس الذين خلقوا فى أحسن تقويم، فقال
“وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم” (سورة
الإنعام: 38).

 

وقد
شبه إشعياء النبى “إسرائيل” بدودة، كقوله “لا تخف يا دودة يعقوب،
يا شرذمة إسرائيل أنا أعينك يقول الرب وفاديك قدوس إسرائيل. هأنذا جعلتك نورجاً
محدداً جديداً ذا أسنان تدوس الجبال وتسحقها وتجعل الآكام كالعصافة” (أش 41: 14،
15).

 

وإذ
صار
هذا واضحاً فلنرجع إلى مزموز 22 لنرى كيف حوى النبوات
الصريحة عن صلب المسيح لا يهوذا.

 

وفى
الأمثال الجارية، إن الخطاب يقرأ من عنوانه، فمزمور 22″على أيلة الصبح”
وفى ترجمة أخرى “النصرة السَحَرية” (بفتح السين والحاء)، أشار لانتصار
المسيح بعد آلامه بقيامته من الأموات، لما لا يدع مجالاً للشك أن هذا ينطبق على
المسيح لا يهوذا.

 

هذا
بالإضافة إلى النبوات التى أوردناها فى الجدول والتى تحققت من خلال سفر المزامير
ومن خلال المزمور 22 الذى ضم هذه الآية.

 

المزمور 69 وهل وهل
وهل وهل؟؟

قال
أحد المعترضين عن المزمور 69 الذى يتنبأ عن صلب المسيح. (إن المزمور من أوله إلى
آخره يؤكد اليأس واقتراب النهاية وينتهى باليأس أيضاً. وهو يرمز إلى يهوذا
الإسخريوطى وليس السيد المسيح، ومن ثم فهو نبوة بصلبه).

 

التعليق:

إن
الحقيقة هى على عكس ما يقول الكاتب تماماً، فهذا هو العهد الجديد، يقتبس ما لا يقل
عن أربع آيات من هذا المزمور تشير إلى ذات المسيح.

 

أولاً
– المزمور يقول “أكثر من شعر رأسى الذين يبغضوننى بلا سبب” (مز 69: 4).
والسيد المسيح نفسه قال أن ذلك مكتوب عنه، كقوله “لكى تتم الكلمة المكتوبة فى
ناموسهم أنهم أبغضونى بلا سبب” (يو 15: 25).

 

ثانياً
– المزمور يقول “لأن غيرة بيتك أكلتنى” (مز 69: 9) وقد فهم الرسل أن ذلك
عن السيد المسيح. كقول يوحنا البشير “فتذكر تلاميذه أنه مكتوب غيرة بيتك
أكلتنى”(يو2: 17).

 

ثالثاً
– المزمور يقول “تعييرات معيريك وقعت على” (مز 69: 9) وقد أوضح القديس
بولس الرسول أن ذلك عن
السيد المسيح،كقوله
“لأن المسيح لم يرض نفسه بل كما هو مكتوب تعييرات معيريك وقعت على” (مز
15: 3).

 

رابعاً
– المزمور يقول “انتظرت رقة فلم تكن ومعزين فلم أجد، ويجعلون فى طعامى علقماً
وفى عطشى يسقوننى خلاً” (مز 69: 20، 21). قال فى ذلك يوحنا البشير “فلكى
يتم الكتاب قال أنا عطشان. وكان أناء موضوعاً مملوءاً خلاً. فملأوا اسفنجة من الخل
ووضعوها على زوفا وقدموها إلى فمه. فلما أخذ يسوع الخل قال قد أكمل” (يو 19: 28).

 

ومع
كل هذا فيدعى صاحب كتاب دعوة الحق أن هذا المزمور كله عن يهوذا!.

 

ونحن نسأله
من نفس هذا المزمور إن استطاع أن يجيب:

1-         
هل يهوذا احتمل العار من أجل الله؟ وهل هو الذى
يقول ” من أجلك احتملت العار”؟ (مز 69: 7).

 

2-    هل
يهوذا وسيط بين الله والناس لنجاتهم؟ وهل هو الذى يقول “لا يخزى بى منتظروك
يا سيد رب الجنود. لا يخجل بى ملتمسوك يا إله إسرائيل”؟(مز69: 9).

 

3-         
هل يتصف يهوذا بالغيرة على بيت الله؟ وهل هو
الذى يقول “غيرة بيتك أكلتنى”؟ (مز 69: 9).

 

4-         
وهل يهوذا احتمل التعييرات الموجهة لله؟ وهل هو
الذى يقول ” تعييرات معيريك وقعت على”؟ (مز 69: 9).

 

5-         
هل نال يهوذا رضى الله؟ وهل هو الذى يقول ”
أما أنا فلك صلاتى فى وقت رضى”؟ (مز 69: 13).

 

6-    وهل
يهوذا طرده الأشرار وشمتوا فى جراحه فاستحقوا سخط الله وغضبه؟ وهل هو الذى أعداؤه
يهددهم الله بأشد اللعنات والويلات فيقول “لتصرمائدتهم قدامهم فخاً وللآمنين
شركاً. لتظلم عيونهم عن البصر وقلقل متونهم دائماً. صب عليهم سخطك وليدركهم حمو
غضبك. لتصر مائدتهم خراباً وفي خيامهم لا يسكن ساكن. لأن الذى ضربته أنت هم طردوه
وبوجع الذين جرحتهم يتحدثون. أجعل إثماً على إثمهم ولا يدخلوا فى برك. ليمحوا من
سفر الأحياء ومع الصديقين لا يكتبوا” (مز 69: 22-27).

 

7-         
وهل رفع خلاص الله يهوذا؟ وهل هو الذى يقول
“خلاصك يا الله ليرفعنى”؟ (مز 69: 29).

 

8-    وهل
انتصر يهوذا وقدم لله التسابيح وفرح معه الودعاء؟ وهل هو الذى يقول “أسبح اسم
الله وأعظمه بحمد فيستطاب عند الرب أكثر من ثور بقر ذى قرون وأظلاف.يرى ذلك
الودعاء فيفرحون.تحيا قلوبكم يا طالبى الله”؟(مز69: 30-32).

 

9-         
وهل يهوذا يعيد الخلاص إلى إسرائيل؟ وهل هو الذى
يقول “لأن الله يخلص صهيون”؟ (مز 69: 35).

 

وإذا
كان هذا المزمور بعد أن تحدث عن الآلام يختتم بكلمات الخلاص، الرفعة، الفرح،
الحياة، الملك، المسيح، التعظيم، الحمد، والمحبة، مما يتفق مع آلام المسيح وأمجاده،
فكيف يدعى الكاتب أن المزمور يبتدئ باليأس وينتهى باليأس؟.

 

وأما
الآيات الواردة فى هذا المزمور التى ظن أنها تناسب يهوذا أكثر من غيرها إنما هى لا
تنطبق إلا على السيد المسيح له المجد.

 

وهذه هى
الآيات مع شرحها:

1-         
” صرت أجنبياً عندإأخوتى وغريباً عند بنى
أمى” (مز 69: 8).

ومفهومها
الحقيقى هو أن المسيح جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله. فتنكروا له كشخص غريب.

 

2-         
” بكثرة رحمتك استجب لى بحق خلاصك”
(مز 69: 13).

 

ومفهومها
الحقيقى أنه كان يمثل الخطاة وينوب عنهم فطلب الرحمة أن تأتى للبشر فى شخصه عن
طريق قيامته المعبر عنها فى إشعياء “مراحم داود صادقة، (أش 55: 3)، (أع 13: 34)
والتى قال فيها بطرس الرسول، حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حى بقيامة يسوع
المسيح من الأموات” (1بط1: 3).

 

3-         
” حينئذ رددت الذى لم أخطفه” (مز 69: 4).

ومهومها
الحقيقى هو أن المسيح لوداعته غير المتناهية كان يسلم فى حقوقه. فمثلاً لما طلبوا
منه الجزية فى كفر ناحوم، دفعها لكى لا يعثرهم، مع أن له مطلق الحرية ألا يدفعها
(مت 17: 24-27).

 

وقد
أوصى أتباعه أن يضحوا بحقوقهم المادية فى سبيل خلاص نفوس أعدائهم، فقال “من
أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً” (مت5: 40).

 

هذا
هو الحق نعلنه على رؤوس الأشهاد، ليؤمن به من أراد الإيمان وليتحرر به من أراد
الحرية.

 

الأدلة التى
يقدمها البعض على أن المصلوب هو يهوذا:

1.               
يهوذا لم يكن شخصية معروفة:


أما يهوذا، فهو أحد تلاميذ المسيح، وبالتالى فإنه كان أقل أهمية منه بالنسبة إليهم
– أى
من جاءوا للقبض على المسيح – ويمكن أن نستنتج من ذلك أن
معرفتهم بشكله كانت معدومة” (كتاب دعوة الحق ص 121).

 

التعليق:

مما
لا شك فيه أن يهوذا كان معروفاً لكل من:

 

أ
– الكهنة الذين قد ذهب إليهم أكثر من مرة للتشاور بخصوص القبض على السيد المسيح
(مت 26: 14
16،
مر
14: 10-11، لو 22: 3-6، يو 13: 2).

ب
– حرس الهيكل والجنود الذين تقدمهم للقبض على السيد المسيح (مت26: 47-49).

ج
– التلاميذ، فقد كان معهم تلميذا للمسيح لعدة سنوات وكان أميناً للصندوق.

د
– لكثير من الشعب الذين تبعوا يسوع وقدموا تقدماتهم إليه.. إذن دعوى القبض على
يهوذا وصلبه، لأنه شخصية غير معروفة، قول مرسل بدون سند أو دليل.

 

2.               
نبوة المسيح بأن يهوذا سيجلس معه على عرشه ليدين
أسباط إسرائيل:

 

وأول
ما سيلفت نظرنا فى قضية يهوذا هو نبوة للمسيح، وردت فى إنجيل متى تقول على لسان
السيد المسيح: “متى جلس ابن الإنسان على كرسى مجده تجلسون أنتم أيضاً على
اثنى عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر” (مت 19: 28).

 

ويهوذا
هو أحد الاثنى عشر، والنص قاطع على أنه سيكون مع المسيح، عندما يجلس على عرش مجده،
وكرسيه موجود وسيجلس عليه قاضياً يحاكم بنى إسرائيل. فكيف يتفق هذا مع الرواية
التقليدية عن خطيته بخيانة المسيح وتسليمه لليهود والرومان بدراهم معدودة. أما أن
المسيح فى الإنجيل لا ينطق بروح القدس،بل لا يدرى شيئاً عن الغيب، وهذا يتنافى مع
رؤيته لما سيحدث فى الآخرة وتأكيد جلوسه على عرش مجده، بل وإحصاء عدد الكراسى.
وأما أن المسيح يعلم أو كان يرى ما لم يحط به الآخرون حول حقيقة دور يهوذا، فكيف
نوفق بين ارتكابه أكبر خطيئة أو إثم فى التاريخ المسيحى وبين شهاده أو نبوه المسيح
له بأنه سيكون جالساً معه على الكراسى الاثنا عشر (*).

 

التعليق:


إن السيد المسيح قصد بقوله “أنتم” الرسل، باعتبار أنهم جماعة ولم يقصد
فرداً بعينه. لأن يهوذا الإسخريوطى سقط وأقيم متياس بدلاً منه.

 

      
إن الكلام هنا روحى مجازى، يراد منه إعلان سيادة
النظام المسيحى – ممثلاً فى الرسل – على النظام اليهودى – ممثلاً فى الأسباط
الاثنى عشر، ومتى فى ربطه الدائم – لأنه يكتب لليهود – بين العهدين القديم والجديد
يذكر الاثنى عشر تلميذاً فى مقابل الاثنى عشر سبطاً. وعندما ذكر لوقا هذا القول
قال “وتجلسوا على كراسى تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر” (لو22: 30).

 

دينونة
أدبية روحية:


إن هذه الدينونة أدبية روحية. والسيد المسيح هنا يقدم تعبيرات مجازية ليعطيها قوة
فى عقول تلاميذه. لقد أرسل التلاميذ ليبشروا اليهود، وعلى قدر ما يقبل اليهود هذه
البشارة أو يرفضونها تكون دينونتهم، فى محضر الرسل الذين بلغوهم رسالة الإنجيل،
وموعد هذه الدينونة هو يوم الدين. والدليل الكتابى على أن هذه الدينونة دينونة
أدبية هو ما جاء فى إنجيل لوقا، قول السيد المسيح “ملكة التيمن ستقوم فى
الدين مع رجال هذا الجيل وتدينهم.. ورجال نينوى سيقومون فى الدين مع هذا الجيل
ويدينونه” (لو11: 31-32). فإذا كانت ملكة التيمن، وهى امرأة وثنية، تقوم يوم
الدين لتخجل بإيمانها شكوك رجال هذا الجيل الذى عاش فيه المسيح، وكذلك أهل نينوى
الذين تابوا بمناداة يونان بعدما رأوا آية نجاته من جوف الحوت، سيخجلون اليهود
الذين عاش المسيح بينهم ورأوا كل معجزاته ولم يتوبوا. فهذا يؤكد أن المقصود
بالدينونة ليس الجلوس على كرسى بمعناه الحرفى، ولكنه أمر روحى معنوى، وأن الإثنى
عشر تعنى التلاميذ كمجموعة وليس كأفراد، أى دون حصر عددهم.

 

أى
أن هذا القول لا يعنى بالمرة أن يهوذا لا يمكن أن يخون المسيح. والدليل على ذلك
أقوال ونبوات المسيح عن أن يهوذا سوف يخونه ويسلمه. ففى العشاء الآخيرللمسيح مع
تلاميذه قال لهم: “إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولكن ويل لذلك الرجل
الذى به يسلم ابن الإنسان. كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد. فأجاب يهوذا مسلمه
وقال: هل أنا هو يا سيدى. قال له: “أنت قلت” (مت 26: 24-25).

 

وقال
له المسيح: “ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة” (يو 13: 27). وعندما جاء
يهوذا متقدماً للجنود للقبض على المسيح، قال لتلاميذه”هوذا الذى يسلمنى قد
اقترب”(مت26: 46). وفى صلاته الشفاعية قال المسيح “الذين أعطيتنى حفظتهم
ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك” (يو 17: 12). وقد أوضح المسيح أن يهوذا
مسلمه. فعندما جاءوا للقبض عليه، قال المسيح “يا يهوذا أبقبلة تسلم ابن
الإنسان” (لو22: 48).

 

فالسيد
المسيح قد أخبر أن يهوذا هو خائنه ومسلمه إلى أعدائه. ولا يمكن أن يكون السيد
المسيح كاذباً، وهو المعصوم من الخطأ ولا يمكن أن يناقض المسيح نفسه. ولذلك يجب أن
نفهم ونفسر هذا النص فى ضوء المعنى العام للحدث، وليس مستقلاً عن غيره من النصوص
الكتابية. وعند ذلك لا نجد أى تناقض بين النصوص الكتابية ونفهم ما هو المعنى
الروحى المقصود بقول السيد المسيح الأول. ولا نرى من هذا القول أى دليل على أن
يهوذا لا يمكن أن يخون المسيح.

 

سؤال: ما هو الدافع
الذى من أجله خان يهوذا سيده؟

تعددت
الآراء فى هذا الشأن، ولكنها لا تخرج جميعها عن واحد من ثلاث احتمالات:

أ-
فقد يكون الدافع حب المال. لقد تمت هذه الخيانة حالاً بعد حادثة سكب الطيب على
يسوع فى بيت عنيا (مت 26: 6-16، مر 14: 1-11). وعندما يروى يوحنا هذه الحادثة يضيف

شارحاً
أن يهوذا اعترض على سكب الطيب، لأنه كان سارقاً. وكان يختلس من الصندوق الذى كان
مودعاً لديه (يو 12: 6).

 

ب-
وقد يكون الدافع هو الحقد المرير الناتج عن زوال الوهم والأمل الكاذب. كان اليهود
يحلمون بالقوة، لذلك كان بينهم عدد من الوطنيين المتعصبين الذين كانوا على استعداد
لاستخدام جميع الوسائل، بما فيها الاغتيال للوصول إلى هدفهم، وهو طرد الرومانيين
من فلسطين. وكان يطلق عليهم لقب “حملة الخناجر” لأنهم كانوا يستخدمون
أسلوب القتل لتحقيق أهدافهم السياسية. وقد قيل إن يهوذا ربما كان واحداً من هؤلاء،
وقد رأى فى يسوع قائداً وزعيماً أرسلته السماء ليقود ثورة شعبية وسياسية، مستخدماً
قدرته المعجزية. لكنه بعد قليل تبين له أن طريق يسوع هو طريقاً آخر، يقود إلى
الصليب. وفى قمة خيبة أمله، تحول حماسه ليسوع إلى حالة من زوال الوهم، انقلبت إلى
كراهية مريرة دفعته أن يسعى لموت الرجل الذى كان قد علق عليه انتصاراته الخائبة
وآماله الضائعة. لقد كره يهوذا يسوع لأنه لم يكن المسيح الذى أراده هو أن يكون.

 

ج-
وهناك رأى يقول إن يهوذا لم يكن يقصد موت السيد المسيح. فربما رأى يهوذا فى يسوع
الموفد من السماء، لكنه لاحظ أنه يتقدم ببطء نحو أهدافه، لذلك فكر يهوذا أن يسلم
يسوع ليد أعدائه ليضطر إزاء الأمر الواقع أن يظهر سلطانه، ويبطش بأعدائه. لقد أراد
أن يتعجل يسوع فيما كان يظن أن يسعى إليه. أراد أن يجبره على العمل. ويبدو هذا
الرأى مناسباً للأحداث والوقائع، وهو يفسر سبب انتحار يهوذا عندما رأى أن خطته لم
تتحقق. ومهما يكن من أمر، فإن مأساة يهوذا كانت فى أنه رفض أن يقبل يسوع كما هو،
وأراد أن يصنع من يسوع الشخصية التى يريدها هو.. إن مأساة يهوذا هى مأساة الرجل
الذى ظن أنه يعرف أفضل من الله.

 

ومهما
كان الدافع،سواء كان سياسياً أو عيباً أخلاقياً، أى الطمع، فقد تآمر يهوذا على
سيده وأسلمه إلى يد أعدائه.

 

3.               
طهارة يهوذا بحسب شهادة المسيح:

قال
المسيح بعد أن غسل أرجل تلاميذه، بما فيهم يهوذا: ” الذى اغتسل ليس له حاجة
إلا إلى غسل رجليه. بل هو طاهر كله” (لو 13: 10).

 

إذن
يهوذا بشهادة المسيح طاهر ولا يمكن أن يخون المسيح ويسلمه (*).

 

التعليق:
لو أن الكاتب كان أميناً فى اقتباسه، لما كان هناك داع للرد على هذا الادعاء، حيث
أن بقية النص يوضح الحق كاملاً.

 

فى
(يو 13: 10-13) “قال له يسوع: الذى قد اغتسل ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه،
بل هو طاهر كله “. والجزء الذى لم يذكره الكاتب “وأنتم طاهرون ولكن ليس
كلكم، لأنه عرف مسلمه” لذلك قال: لستم كلكم طاهرين، إذن من الواضح أن المسيح
استثنى يهوذا من هذه الشهادة. ولقبه فى موضع آخر “بابن الهلاك” (يو 17: 12).
وقال مرة لتلاميذه “أليس أنى أنا أخترتكم الاثنى عشر وواحد منكم شيطان. قال
هذا عن يهوذا سمعان الإسخريوطى، لأنه هذا كان مزمعاً أن يسلمه. وهو واحد من الاثنى
عشر” (يو6: 70-71).

 

فهذا
الاقتباس يؤكد أن يهوذا ليس بطاهر، ولذلك فالخيانة عنده ليست بشئ غريب.

 

4.               
تناقض كتبة الوحى بخصوص نهاية يهوذا:

لقد
انفرد متى دون بقية الأناجيل بالحديث عن نهاية يهوذا، فقال: “حينئذ لما رأى
يهوذا الذى أسلمه أنه قد دين ندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ
قائلاً: قد أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً. فقالوا: ماذا علينا، أنت أبصر. فطرح الفضة
فى الهيكل وانصرف ثم مضى وخنق نفسه. فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا: لا يحل أن
نلقيها فى الخزانة لأنها ثمن دم. فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخارى مقبرة للغرباء،
لهذا سمى ذلك الحقل “حقل الدم” (مت 27: 3-8).

 

وتقول
رواية لوقا المشار إليها فى سفر أعمال الرسل “يهوذا الذى صار دليلاً للذين
قبضوا على يسوع، إذ كان معدودا بيننا وصار له نصيب فى هذه الخدمة. فإن هذا اقتنى
حقلاً من أجرة الظلم، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها. وصار
ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم حتى دعى ذلك الحقل فى لغتهم حقل دما أى حقل
دم” (أع1: 16-19).

 

إن
ما اتفق عليه متى ولوقا وصمت عنه مرقس ويوحنا هو أن يهوذا الخائن قد هلك فى ظروف
مريبة، ولكن روايتهما اختلفت فى ثلاثة عناصر هى:

 

1-
كيفية موته.

2-
مشترى الحقل.

3-
سبب تسمية الحقل، حقل دم.

 

إن
ما يذكره متى ولوقا عن هلاك يهوذا لا يعنى إلا شيئاً واحداً: هو أن يهوذا قد اختفى
فى فترة الاضطرابات االتى غشيت أحداث الصلب وملابساته ” (*).

وعدم
وجوده هو دليل على أنه هو الذى صلب.

 

التعليق:
إننا نوجز الرد في الآتى:

1- كيفية
موت يهوذا:

لقد
ذكر متى أن يهوذا شنق نفسه، ثم أن الحبل انقطع وسقط يهوذا، فتمزقت أحشاؤه من جراء
السقوط (سفر الأعمال). أى أن متى ذكر خبر انتحاره بدون تفاصيل وسفر الأعمال أوضح
تفصيلاً كيف كانت ميتة شنيعة، فلا تناقض إذن.

 

2-
مشترى الحقل:

ذكر
متى أن المشترى هو يهوذا، وذكر سفر أعمال الرسل أنهم الكهنة، وحقيقة الأمر أنهم
الكهنة، ونسبة متى إلى يهوذا، لأن ما اشتراه
الكنهة بمال
يهوذا يمكن أن يعتبرأنه هو الذى اشتراه، لأنه هو السبب فيه، والشراء فى مثل هذه
الأحوال يتم باسم الشخص الذى دفع المال، وكثيراً ما ينسب الفعل لمن كان السبب فيه.
فثملاً ينسب إلى الملك بناء القصر، مع أنه ليس هو البانى حقيقة، بل بنى القصر بأمر
منه، وهو الذى دفع تكاليف بنائه. فليس هناك تناقض فعلى بين ما جاء فى إنجيل متى
وسفر أعمال الرسل. لكنه تناقض ظاهرى يبدو عند القراءة السطحية والنقدية.

 

3-
سبب تسمية الحقل، حقل دم:

ذكر
متى أنه سمى حقل دم لأن الثمن المدفوع فيه ثمن دم (مت 27: 7-8) وذكر سفر أعمال
الرسل أنه سمى حقل دم لانسكاب دم يهوذا فيه (أع1: 18-19).

 

إن
الحقل الذى مات فيه يهوذا، هو الذى اشتراه الكهنة بثمن الدم، فدعى بحقل دم للسببين
معاً لأنه المكان الذى انسكب فيه دم يهوذا ولأن الثمن الدفوع فيه ثمن دم المسيح
ولا تناقض بين الروايتين، ولكن كلاً منهما مكملة للآخرى وذكر كل كاتب سبباً.

وسواء
كان هذا السبب أو ذاك فإنه لا يؤثر فى القضية فى شئ.

أما
الادعاء بأن يهوذا اختفى فى فترة الاضطرابات، وأن هذا دليل على أنه هو الذى صلب،
فهذا غير صحيح بالمرة؛ فيهوذا عندما رأى أن السيد المسيح قد دين بعد المحاكمة
اليهودية ذهب إلى الهيكل ورد المال الذى كان قد أخذه (مت 27: 3-10) وانتحر، وذلك
صباح الليلة التى سلم فيها السيد المسيح. وهذا هو سبب اختفائه. وليس هذا دليلاً
على أنه االمصلوب. وإذا اعتبرنا اختفاؤه دليل صلبه، فهل يمكن أن نطبق هذا على بقية
التلاميذ الذين تركوه وهربوا (مت 26: 56)، ولم يظهر أى منهم أثناء المحاكمة وأثناء
عملية الصلب سوى بطرس ويوحنا (يو 18: 15-16).

 

مما
سبق نرى أن كل الأدلة التى يستندون إليها بأن المصلوب هو يهوذا أدلة غير حقيقة
وأنه لا يوجد أى دليل حقيقى على ما يدعون. وبالتالى فالمصلوب هو يسوع المسيح وليس
سواه.

 

ثانياً: القول
بصلب واحد من تلاميذ المسيح:

عندما
طاش السهم السابق ولم يحقق غرضه، أطلق غيرهم سهماً آخر فقالوا: “إن اليهود لم
يكونوا يعرفون المسيح، ويهوذا أعطاهم علامة، فهم عولوا فى تعيينه لهم على يهوذا.
فإذا ثبت ذلك فيحتمل أن يكون يهوذا إنما أشار إلى غيره لأنه ندم على بيعه. ولما
ندم يهوذا على ما فرط منه، فيحتمل أن يكون دل على غيره من أصحابه، وأن ذلك الغير
رضى بأن يقتل مكان المسيح، فتعرض بنفسه لليهود، فأخذوه ورفع عيسى إلى السماء (*).

 

وقد
ساق أحد الكتاب عدة أدلة على أنه لا يمكن ليهوذا أن يسلم أو يخون المسيح وقال
“أما الدليل على أن يهوذا لا يمكن أن يسلم المسيح أو يخونه هو كون يهوذا أحد
حواريى المسيح وأحبائه، بل لقد كان يهوذا هو أحد الاثنى عشر تلميذا الذين مدحهم
المسيح أعظم مدح ووعدهم بالجلوس على كرسى العظمة والمجد.

 


على اثنى عشركرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر” (مت 19: 28) (*).

التعليق:


لقد خان يهوذا السيد المسيح وتآمر مع أعدائه، وكان السيد المسيح عارفاً بذلك وقال
لتلاميذه “أليس أنى أنا اخترتكم الاثنى عشر. وواحد منكم شيطان. قال هذا عن
يهوذا سمعان الإسخريوطى لأن هذا كان مزمعاً أن يسلمه” (يو6: 7
17).

*
أما دعوى أن يهوذا قد تاب توبة صادقة ولذلك لم يسلم المسيح بل أشار إلى غيره فهذه
أيضاً دعوى كاذبة لمايلى:

فى
(مت 27: 3-5) ” لما رأى يهوذا الذى أسلمه أنه قد دين ندم ورد الفضة إلى رؤساء
الكهنة والشيوخ قائلاً: قد أخطأت إذ سلمت دماً برئياً. فقالوا: ماذا علينا. أنت
أبصر. فطرح الفضة فى الهيكل وانصرف. ثم مضى وخنق نفسه “.

 

أ
– فعندما رأى يهوذا أن المسيح قد دين، ندم. وكلمة ندم هنا “ليست نفس الكلمة
التى ترجمت بهذا المعنى فى العهد الجديد والتى تتضمن الغفران المبنى على التوبة،
بل تعنى أنه تأسف أو غير رأيه، واستعمالاتها الأخرى الوحيدة نجدها فى (مت 21: 29،
32،2كو7: 8،عب7: 21)”. فهى تعطى فكرة الأسف، لكنها لا تعبر عن توبة صادقة
تؤدى إلى الخلاص، أى أن توبة يهوذا هى توبة اليأس القاتل، لأنه رغم أسفه لم يستطع
التخلص من الشعور بالذنب، الذى أدى به إلى الانتحار شنقاً.

 

ب-
إن ندم يهوذا هذا قد حدث عقب المحاكمة الدينية التى أدانت المسيح، وقررت أنه
“مستوجب الموت” (مت26: 26). والنص الكتابى واضح أنه “لما رأى يهوذا
أنه قد دين ندم” (مت 27: 3) إذن، فالقول بأنه ندم فأشار إلى واحد غيره رأى
غير صحيح بالمرة.

 

أقوال لا
تستحق التعليق:

أولاً: القول
بصلب شيطان متجسد:

قال
البعض افتراضاً خيالىاً وغير منطقى “يحتمل أن الله صور لهم شيطاناً أو غيره
بصورته وصلبوه، ورفع المسيح ” (**).

 

ثانياً: القول
بالقبض على شبيه للمسيح عن طريق التجسيد:

والقائل
بهذه الأفكار هو الدكتور على عبدالجليل راضى، وهو رئيس سابق لجمعية الأهرام
الروحية. الذى قال ” إن السيد المسيح لم يقبض عليه فى اليوم السابق (لصلبه)،
بل تم القبض على شبيهه.

 

ثالثاً:
القول بأن المصلوب هو سمعان القيروانى أو باراباس:

وهذه
الآراء لا تستحق أن نضيع الوقت فى الرد عليها، ولكننا نذكرها لتكون الصورة واضحة

أمام
القارئ.

 

من
هو المصلوب على الصليب؟

البرهان
الوحيد على عدم صحة صلب المسيح عند إخوتنا المسلمين هو ما جاء فى (سورة النساء4: 157،
158) “وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، وما قتلوه وما صلبوه،
ولكن شبه لهم. وإن الذين اختلفوا فيه لفى شك منه ما
لهم به من
علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً. بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً
حكيماً”. والقارئ هنا لابد أن يسأل عدة أسئلة:

 

1-         
على من تعود كلمة “وقولهم”؟

أجمع
أهل الذكر أن المقصود هم اليهود. فهل قال اليهود يوماً إنهم قتلوا المسيح عيسى ابن
مريم، واعترفوا أنه رسول الله؟ لا نجد فى التاريخ ما يؤيد ذلك، بل العكس، فقد
أنكروا أن المسيح هو المسيا المنتظر، وأنكر أولادهم أن آباؤهم صلبوه، وحاولوا
تبرئتهم من هذه التهمة بشتى الطرق والوسائل، حتى أنهم انتزعوا أعترافاً من بابا
الفاتيكان ببراءتهم من دم المسيح!.

 

2 ما المقصود بالقول: “شبه لهم”؟

يقول
أهل الذكر من الأفاضل المعتبرين أمثال الطبرى، والبيضاوى، والرازى، والزمخشرى وابن
كثير ما ملخصه:

 

1-    ذهب
عيسى مع سبعة عشر تلميذاً إلى المنزل، ولما أحاط اليهود به وهموا بالدخول، جعل
الله كل التلاميذ شبه عيسى حتى ظن اليهود أنهم سحروا، فهددوهم بالقتل إن لم يظهروا
عيسى، فسأل عيسى تلاميذه: من يشترى الجنة بشبهى؟ فتبرع أحد التلاميذ وخرج لليهود
قائلاً: “أنا عيسى”. ولما كان الله ألقى شبه عيسى عليه أخذه اليهود
وصلبوه.

 

2-    حينما
حاول اليهود قتل عيسى، رفعه الله إليه فخافوا من وقوع الفتنة من عوامهم، لذلك
أخذوا آخر وصلبوه مدعين أنه عيسى، والناس ما كانوا يعرفون عيسى إلا بالاسم.

 

3-    حينما
علم قادة اليهود أن عيسى فى أحد المنازل، أرسلوا “طيطايوس” لإحضاره حتى
يصلبوه، ولما ذهب طيطايوس ودخل البيت، ورفع الله عيسى إليه وألقى شبهه على
“طيطايوس”، لذلك فهو الذى صلب وقتل.

 

4-    عين
اليهود رجلاً لملاحظة عيسى، وحينما ذهب عيسى إلى جبل رفعه الله وألقى شبهه على
الملاحظ، فقبضوا عليه وصلبوه وهو يقول: لست عيسى.

 

5-    كان
رجل يدعى يهوذا وهو من أصحاب عيسى عليه السلام، وكان منافقاً، فذهب إلى اليهود
ليدلهم عليه. فلما دخل مع اليهود لأخذه، ألقى الله تعالى شبهه عليه فقتل وصلب.
ونذكر هنا مثالين.

 

1-
المثال الأول: “أخذ جند الرومان يبحثون عن عيسى لتنفيذ الحكم عليه، وأخيراً
عرفوا مكانه فأحاطوا به ليقبضوا عليه. وكان من أصحابه رجل منافق يشى به، فألقى
الله عليه شبه عيسى وصوته، فقبض عليه الجنود وارتج عليه أو أسكته الله، فنفذ فيه
حكم الصلب، أما المسيح فقد كتب الله له النجاة من هذه المؤامرة، وانسل من بين
المجتمعين، فلم يحس به أحد، وترك بنى إسرائيل بعد أن يئس من دعوتهم وبعد أن حكموا
بإعدامه.. ولم تحدد المراجع الإسلامية الدقيقة شخص هذا الواشى وربما تأثرت بعض
المراجع بالمراجع المسيحية فذكرت أن هذا الخائن هو يهوذا الإسخريوطى” (1).

 

2-    المثال
الثانى: “قد تجلت قدرة الله سبحانه فى رفع السيد المسيح إلى السماء معززاً
مكرماً وإيقاعها بالمجرم الخائن يهوذا لينال عقاب خيانته” (2).

 

التعليق:

1-
إن الجنود ذهبوا للقبض على السيد المسيح، وليس لتنفيذ الحكم عليه.

 

2-
يذكر د. شلبى أن المسيح انسل من بين المجتمعين، فلم يحس به أحد وترك بنى إسرائيل،
بينما كل روايات القبض على المسيح تذكر أن الله رفعه، ولم يذكر د. شلبى ذلك، لأنه
لا يؤمن برفع
المسيح بالجسد إلى
السماء، مخالفاً بذلك شبه الإجماع فى هذا الموضوع.

 

3-
لم يوضح لنا د. شلبى أين ذهب المسيح، وكيف انتهت حياته على الأرض؟

 

هل من الممكن أن يلقى
الله شبه المسيح على يهوذا؟

 


إنه من التجديف الصريح على الله أن يظن، وهو الأمين المنزه عن الكذب، أنه قد خدع
الناس، فغير شكل يهوذا إلى شكل المسيح، وبذلك غرر بملايين البشر على مدى القرون،
الأمر الذى يقود الناس إلى الاعتقاد بأن الله لن يعاقب الناس أيضاً على ما اقترفوه
من خداع، فقد سبقهم – حاشاه جل شأنه – فى عمل أكبر خدعة فى التاريخ، وهى خدعة
تغيير شكل يهوذا إلى شكل المسيح “.

 

وعندما
واجهت الرازى المفسر المعروف مشكلة إلقاء شبه المسيح على يهوذا قال: فى إلقاء شبهه
على الغير إشكالات:

 

الإشكال
الأول:

لو
أجزنا إلقاء شبه إنسان على إنسان آخر لزم السفسطة، فإنى إذا رآيت ولدى ثم رأيته
ثانياً، فحينئذ أجوز أن يكون هذا الذى رأيته ثانياً ليس بولدى بل هو إنسان ألقى
شبه عليه، وحينئذ يرتفع الأمان على المحسوسات. أيضاً فالصحابة الذين رأوا محمداً
“صلعم” يأمرهم وينهاهم وجب أن لا يعرفوه أنه محمد لاحتمال أنه ألقى شبهه
على غيره، وذلك يفضى إلى سقوط الشرائع. وأيضاً فمدار الأمر
فى الأخبار
المتواترة على أن يكون المخبر الأول إنما أخبر عن المحسوس. فإذا جاز وقوع الغلط فى
المبصرات كان سقوط خبر المتواتر أولى. وبالجملة ففتح هذا الباب أوله سفسطة وآخره
إبطال النبوات بالكلية.

 

الإشكال
الثانى:

وهو
أن الله تعالى كان قد أمر جبريل عليه السلام بأن يكون معه فى أكثر الأحوال، هكذا
قال المفسرون فى تفسير قوله تعالى “إذ أيدتك بروح القدس” (المائدة 110)،
ثم إن طرف جناح واحد من أجنحة جبريل، عليه السلام، كان يكفى العالم من البشر، فكيف
لم يكف فى منع أولئك اليهود عنه؟ وأيضاً أنه عليه السلام لما كان قادراً على إحياء
الموتى، وإبراء الأكمة والأبرص، فكيف لم يقدر على إماتة أولئك اليهود الذين قصدوه
بالسوء وعلى أسقامهم وإلقاء الفلج عليهم حتى يصيروا عاجزين عن التعرض له؟‍!.

 

الإشكال
الثالث:

إنه
تعالى كان قادراً على تخليصه من أولئك الأعداء بأن يرفعه إلى السماء. فما الفائدة
فى إلقاء شبهه على غيره، وهل فيه إلا إلقاء مسكين فى القتل من غير فائدة إليه؟!.

 

الإشكال
الرابع:

إنه
إذا ألقى شبهه على غيره ثم أنه رفع بعد ذلك إلى السماء فالقوم اعتقدوا فيه أنه
عيسى مع أنه ما كان عيسى، فهذا كان إلقاء لهم فى الجهل والتلبيس، وهذا لا يليق
بحكمة الله تعالى.

 

الإشكال
الخامس:

إن
النصارى على كثرتهم فى مشارق الأرض ومغاربها وشدة حبهم للمسيح عليه السلام وغلوهم
فى أمره، أخبروا أنهم شاهدوه مقتولاً مصلوباً. فلو أنكرنا ذلك كان طعناً فيما ثبت
بالتواتر، والطعن فى التواتر يوجب الطعن فى نبوة محمد ونبوة عيسى، بل فى وجودهما
ووجود سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكل ذلك باطل.

 

الإشكال
السادس:

إنه
ثبت بالتواتر أن المصلوب بقى حياً زماناً طويلاً. فلو لم يكن ذلك عيسى بل كان غيره
لأظهر الجزع، وقال: “إنى لست عيسى إنما أنا غيره”. ولبالغ فى تعريف هذا
المعنى، ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلق هذا المعنى. فلما لم يوجد شئ من هذا علمنا
أن ليس الأمر على ما ذكرتم.

 

الظلام
المظلوم:

أولاً:
أثار البعض اعتراضاً بأن المسيح قبض عليه فى ظلام الليل، مما يؤدى إلى الالتباس
وإمكانية القبض على شخص آخر.

 

التعليق:
هذا بالطبع غير صحيح لما يلى:

1-    المسيح
شخصية معروفة. وقد قال للذين أتوا للقبض عليه “كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصى
لتأخذونى. كل يوم كنت أجلس معكم فى الهيكل ولم تمسكونى”(مت26: 55) فالمسيح
الذى صنع المعجزات وأطعم الآلاف الذين سمعوه فى وعظه والذى كان كثيراً فى الهيكل
معلماً، لا يمكن أن يكن شخصية نكرة غير معروفة حتى يحدث الالتباس ويتم القبض على
شبيه له.

 

2-    أن
يهوذا أيضاً شخصية معروفة، على الأقل للكهنة، وللجنود الذين قادهم للقبض على
المسيح فحدوث الالتباس والخلط والخظأ أمر مستحيل.

 

3-    هذه
الليلة هى ليلة الفصح، ويحتفل بها فى منتصف شهر نيسان (شهر قمرى)، أى أن البدر فى
كامل إضاءته. وإذا فرضنا أنهم قد جاءوا فى وقت متأخر فالكتاب يوضح أنهم
“جاءوا إلى هناك بمشاعل ومصابيح”، أى أن دعوى القبض عليه فى ليلة مظلمة
وأن هناك احتمال للقبض على آخر، ادعاء غير صحيح بالمرة، فإن أقوال وأعمال الشخص
المقبوض عليه تؤكد أنه المسيح. هذا بالإضافة إلي شهود العيان (*).

 


الشرير يعلق بعمل يديه” (مز9: 16):

قال
أحد الكتاب أن الآية السابقة تشير إلى يهوذا الإسخريوطى الذى يعرف الجميع عنه أنه
شرير. وهو الوحيد الذى يكون قد علق بعمل يديه، وبالتالى فإن المصلوب هو يهوذا
الإسخريوطى وليس السيد المسيح.

 

التعليق:
فات الكاتب أن هذه الآية “الشرير يعلق بعمل يديه” هى كلمة مطلقة تدل على
أن الشرير أعماله تتبعه وهو يتحمل ذنبه.

 

فأبشالوم
لما شق عصا الطاعة على والده داود وعمل خراباً ضده أنهزم وهرب بالبغلة وسط الأشجار،
فاشتبك شعره الطويل بالفروع المتشابكة وهربت البغلة من تحته فإستمر معلقاً حتى
قتله يوآب بالسهام. (2صم 18: 9-15).

 

وأخيتوفل
الذى انقلب عدواً لدوداً لما رآى أن مشورته لم يعمل بها شنق نفسه. (2صم 17: 23)
وهذا هو اختبار داود مع أعدائه، مما أوحى إليه بهذه الآية.

 

وفى
مجرى التاريخ، لما رأى يهوذا أنه بتسليمه المسيح للصلب قد دين، ندم ورد الثلاثين
من الفضة ومضى وشنق نفسه. (مت 27: 5) وألوف الناس اليوم يعلقون على المشانق لأنهم
قتلة.

 

فشنق
يهوذا لم يعف المسيح من الصلب، بل جاء دليلاً على حدوثه، لأنه لولا

تسليمه
المسيح للصلب لما شنق نفسه. أما المسيح فانتصر بقيامته من الأموات.

 

إدعاء غريب:
إشعياء النبى يتنبأ عن صلب يهوذا الإسخريوطى:

 

قال
الأستاذ منصور حسين فى ص 184 من كتابه دعوة الحق عن الإصحاح 53 من سفر إشعياء
النبى.. قال بالحرف الواحد (إن هذا الإصحاح إنما يتنبأ عن صلب يهوذا الإسخريوطى
بدلاً من المسيح عليه السلام).

 

التعليق:

ومما
يؤكد أن إصحاح 53 من إشعياء هو نبوة عن المسيح ما جاء فى سفر أعمال الرسل أن
وزيراً للحبشة “قد جاء إلى أورشليم ليسجد، وكان راجعاً وجالساً على مركبته
وهو يقرأ النبى إشعياء. فقال
الروح لفيلبس: تقدم
ورافق هذه المركبة. فبادر إليه فيلبس وسمعه يقرأ النبى إشعياء فقال: ألعلك تفهم ما
أنت تقرأ؟ فقال كيف يمكننى أن لم يرشدنى أحد؟ وطلب إلى فيلبس أن يصعد ويجلس معه.

 

وأما
فصل الكتاب الذى كان يقرأه فكان هذا: مثل شاة سيق إلى الذبح ومثل خروف صامت أمام
الذى يجزه هكذا لم يفتح فاه. فى تواضعه أنزع قضاؤه وجيله من يخبر به لأن حياته
تنتزع من الأرض. فأجاب الخصى قيلبس وقال أطلب إليك عن من يقول النبى هذا؟ عن نفسه
أم عن واحد آخر؟ ففتح فيلبس فاه وابتدأ من هذا الكتاب فبشره بيسوع” (أع8: 27-35).

 

ففيلبس
المبشر فى العصر الأول الرسولى أرشد وزير الحبشة على أن إصحاح 53 من إشعياء هو
نبوة عن السيد المسيح، وعلى هذا الأساس قبل المسيحية، وليس كما يقول الأستاذ
المؤلف صاحب دعوة الحق.. كذلك فإن السيد المسيح استشهد بالآية الأخيرة من هذا
الإصحاح وأعلن أنها نبوة عن نفسه، له المجد، فقال لتلاميذه “لأنى أقول لكم
إنه ينبغى أن يتم فى أيضاً هذا المكتوب وأحصى مع أثمه. لأنه ما هو مكتوب من جهتى
له انقضاء” (لو22: 27). وعندما صلب السيد المسيح بين لصين يقول القديس مرقس
الرسول “وصلبوا معه لصين واحداً عن يمينه وآخر عن يساره. فتم المكتوب القائل
“وأحصى مع أثمه” (مر 15: 27).

 

نبوات سفر
إشعياء:

ومعلوم
أن إشعياء يسمى بالنبى الإنجيلى، لأنه تنبأ قبل المسيح بسبعمائة سنة عن جميع حوادث
المسيح بالتفصيل:

 

فتنبأ
فى إصحاح 7 أن المسيح سيولد متأنساً من مريم العذراء، فقال “يعطيكم السيد
نفسه آية.هوذا
العذراء تحبل وتلد
ابناًً ويدعى اسمه عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا” (إش7: 14).

 

وبين
أن هذا المولود المتأنس هو الإله القادر على كل شئ فقال “يولد لنا ولد ونعطى
ابناً وتكون الرياسة على كتفه. ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً
رئيس السلام” (إش9: 6).

 

وتنبأ
عن يوحنا المعمدان الذى يأتى أمامه “صوت صارخ فى البرية قائلاً أعدوا طريق
الرب أصنعوا سبله مستقيمة” (إش 40: 3-5).

 

وتنبأ
عن معجزاته فقال “حينئذ تتفقح عيون العمى. وآذان الصم تتفتح. حينئذ يقفز
الأعرج كالأيل. ويترنم لسان الآخرين” (إش 35: 5،6).

 

وتنبأ
عن تلاميذه فقال ” أختم الشريعة بتلاميذى” (إش8: 16).

 

وتنبأ
عن محاكمته وإهانته فقال “بذلت ظهرى للضاربين وخدى للناتفين. وجهى لم أستر عن
العار والبصق” (إش 50: 6).

 

وتحدث
إشعياء عن رؤيته السيد جالساً على كرسى عال ومرتفع، أهداب رداؤه تملأ الهيكل فصرخ
قائلاً “ويل لى إنى هلكت لأنى أنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس
الشفتين. لأن عينى قد رأتا الملك رب الجنود” وقال “فطار إلىّ واحد من
السيرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح. ومس بها فمى وقال أن هذه قد
مست شفتيك فانتزع إثمك وكفر عن خطيتك” (إش6: 5-7). وكان المذبح الذى رآه
رمزاً للصليب الذى ستتمم عليه الكفارة بالمسيح المصلوب.

 

ولهذا
تنبأ إشعياء عن صلب المسيح وموته الكفارى فقال “وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق
لآجل آثامنا تأديب سلامنا عليه ويحبره شفينا” (إش 53: 5).

 

ولكن
مما يؤسف له أن يقول الأستاذ منصور حسين أن الذى سيجرح لأجل معاصينا هو يهوذا!!.

 

وبقليل
من الفحص نجد النبوات الواردة فى إصحاح 53 لا تنطبق إلا على المسيح. ولهذا سمى هذا
الإصحاح جلجثة العهد القديم.

 

وفى
هذا الإصحاح يتنبأ إشعياء عن ثمانية مواضيع خاصة بشخص المسيح وهى:

 

1-
نشر دينه بين الأمم.             2- رفضه من اليهود.       3- احتقاره بين الناس.

4-
موته الكفارى.                  5- صبره العجيب.          6- كماله المطلق.

7-
نجاحه فى مشروع الفداء.      8- انتصاره الأبدى.

أولاً: نشر
دينه بين الأمم:

 

كان
محرماً على كل اليهود أن يلتصقوا بأحد أجنبى أو يأتوا إليه (أع 10: 28). ولكن
إشعياء تنبأ أن المسيح سينشر دينه بين الأمم، ولا يحصره فى الأمة اليهودية، وأن
الأمم ستقبل ديانته وتعتمد على اسمه فقال: هوذا عبدى (1). يعقل (2). يتعالى ويرتقى ويتسامى
جداً (3)
كما اندهش منك كثيرون (4)..
هكذا ينضح أمماً
كثيرين” أى يرش
على الأمم ماءً طاهراً بمعموديته المباركة كقول حزقيال النبى “وأرش عليكم ماء
طاهراً فتتطهرون من كل نجاستكم ومن كل أصنامكم أطهركم” (حزقيال 26: 25) وكقول
السيد المسيح “تلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح
القدس” (مت 28: ) وكقول القديس بولس الرسول “لنتقدم بقلب صادق فى يقين
الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسله أجسادنا بماء نقى” (عب 10: 22).

 

ونحن
نسأل الكاتب الفذ: كيف ينطبق هذا القول على يهوذا؟ هل اعتمدت الأمم والشعوب على
اسمه؟ أم اعتمدت على اسم السيد المسيح؟

 

فهل
نصدق إشعياء النبى وبولس الرسول أم نصدق السيد منصور حسين وأوهامه؟

 

ثانياً: رفضه
من الأمم:

قال
إشعياء النبى ” من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب” (إش 53: 1).

وهذه
نبوة صريحة عن عدم إيمان اليهود بالمسيح، كقول القديس يوحنا البشير ” ومع أنه
كان قد صنع آيات هذا عددها لم يؤمنوا به. ليتم قول إشعياء النبى الذى قال يا رب من
صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب. لهذا لم يقدروا أن يؤمنوا” (يو 12: 37،38)
وكقول القديس بولس الرسول “لكن ليس الجميع أطاعوا الإنجيل لأن إشعياء يقول يا
رب من صدق خبرنا، إذاً الإيمان بالخبر والخبربكلمة الله” (رو 10: 16،17).

 

ومع
هذا فمما يعزينا أن البعض من اليهود والكثرة من الأمم صدقوا الخبر واستعلنت لهم
ذراع الرب كقول السيد المسيح (مت11: 25،26).

 

وها
هى ذراع الرب تخلص الجنس البشرى من الخطية، لا بالوعود البراقة ولكن بالمحبة
والفداء بالصليب. الذى هو إعلان ذراع الله القوية للخلاص. ونحن ننادى به لليهود
عثرة ولليونانيين جهاله، كقول القديس بولس الرسول: “فإن كلمة الصليب عند
الهالكين جهاله. وأما عندنا نحن المخلصين فهى قوة الله” (1كو1: 18) فهل هذا
الكلام ينطبق على السيد المسيح، كما يعلن الوحى الإلهى، أم ينطبق على يهوذا الخائن
كقول
الكاتب الفذ؟.

 

ثالثاً: احتقاره
بين الناس:

قال
إشعياء: ” نبت قدامه كفرخ وكعرق من أرض يابسة لا صورة له ولا جمال.. فننظر
إليه ولا منظر فنشتهيه. محتقر ومخذول من الناس، رجل أوجاع ومختبر الحزن وكمستّر
عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به” (إش 53: 2،3). إن المسيح قال إن

هذه
الأقوال هى نبوة عن شخصه الكريم. فقال لتلاميذه “وكيف هو مكتوب عن ان الإنسان
أنه يتألم كثيراً ويرذل”؟ (مر9: 12).

 

فاليهود
رذلوه واختاروا باراباس اللص عوضاً عنه. وقال يوحنا البشير ” إلى خاصته جاء
وخاصته لم تقبله” (يو1: 11).

 

أنهم
لم يعرفوه على حقيقته، كقول القديس بولس الرسول: “لو عرفوا لما صلبوا رب
المجد” (1كو2: 8).

 

والسبب
لأن المسيح “نبت كعرق من أرض يابسة” – فى بيت نجار، فى قرية الناصرة،
رجلاً فقيراً ليس له أين يسند رأسه، أتباعه صيادون، ليس له منظر الملك ولا أبهة
الحكم. ولا يتفق مع أمانى الشعب فى إنشاء دولة
زمنية تحارب
وتتوسع “لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه، رجل أحزان، لا رجل
مسرات، حقيقته محجوبة عن وجوهنا فلم نعتد به.

 

فإن
كان المسيح قد خص نبوة إشعياء لنفسه وقد تمت فعلاً، فمن نصدق: المسيح والتاريخ أم
الكذب الذى يبتدعه المضللون؟

 

رابعاً: موته
الكفارى:

قال
إشعياء النبى: “لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصاباً من
الله ومذلولاً.وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا.تآديب سلامنا عليه وبحبره
شفينا. كلنا كغنم ضللنا.ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعاً “(إش53:
4
6)

 

أن
القديس متى البشير بين لنا بوضوح أن قول إشعياء: “لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا
تحملها” هو نبوة عن السيد المسيح، فقال: “وجميع المرضى شفاهم، لكى يتم
ما قيل بإشعياء النبى القائل هو أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا” (مت8: 16، 17).

 

إن
السيد المسيح لم يحمل أحزاننا فقط بل حمل نفس الخطية التى سببت لنا الأحزان.. فقال
القديس بطرس الرسول “الذى حمل خطايانا هو نفسه على الخشبة لكى نموت عن
الخطايا فنحيا للبر الذى بجلدته شفيتم” (1بط2: 24).

 

وقال
القديس بولس الرسول “هكذا المسيح أيضاً بعدما قُدم مرة لكى يحمل خطايا كثرين
سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه” (عب 9: 28).

 

إن
السيد المسيح هو الشخصية الوحيدة البريئة من الخطية الذى مات من أجل غيره. وقد ذكر
إشعياء فى هذا الإصحاح سبع مرات أن السيد المسيح مات من أجل خطايانا.

 

وقد
أشار القديس بولس الرسول إلى هذه الأقوال بقوله: “فإنى سلمت إليكم فى الأول
ما قبلته أنا أيضاً أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب” (1كو 15: 3)
وقوله أيضاً “الذى أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا” (رؤ4: 35).

 

وقال
القديس بطرس الرسول: “فإن المسيح تألم مرة واحدة من أجل الخطايا البار من أجل
الآثمة لكى يقربنا إلى الله” (1بط3: 18).

 

وثمرة
هذا الموت النيابى هو السلام والشفاء كقول إشعياء “تأديب سلامنا عليه وبحبره
شفينا” وقد أشار القديس بطرس الرسول إلى ذلك بقوله “الذى بجلدته
شفيتم”(2بط2: 24).

 

وكانت النتيجة أيضاً أن رجعنا كخراف ضالة إلى الحظيرة كقول إشعياء
النبى “كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه أثم
جميعاً”.وقال فى هذا القديس بطرس الرسول”لأنكم كنتم كخراف ضالة لكنكم
رجعتم الآن إلى راعى نفوسكم واسقفها”(1بط2: 25)

 

ولكن
ما لا يستسيغه عقل على الإطلاق ما قاله السيد منصور حسين أن يهوذا هو الذى حمل ذنب
اليهود وهذا قوله بالحرف الواحد “وبصلب يهوذا يكون قد حمل وحده فى الدنيا وزر
الذنب الذى ارتكبه شعب اليهود.. كلهم كغنم ضلوا والرب وضع عليه إثمهم جميعاً”
(صفحة 182).

 

فهل
إذا اشترك أثنان فى جريمة وعاقبنا واحداً فقط يتبرر الآخر من العقاب؟! هل هذا
منطقى يا
سيادة وكيل النيابة؟ ومتى قال اليهود السلام
والشفاء بموت يهوذا، ولازالت جميع الأجيال تسخط عليهم؟

 

خامساً: صبره
العجيب:

قال
إشعياء النبى: “ظلم، أما هو فتذلل ولم يفتح فاه. كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة
صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه” (إش 53: 7).

 

فهنا
يتنبأ إشعياء عن صبر السيد المسيح وهدوئه وسط عاصفة الآلام وسكونه وخلوه من الغيظ
أو الغضب أو طلب الانتقام. وقد تمت هذه النبوة فعلاً كقول القديس متى البشير: “وأما
يسوع فكان ساكتاً” (مت 26: 63)، وقوله أيضاً: “وبينما كان رؤساء الكهنة
والشيوخ يشتكون عليه لم يجب بشئ” (مت 27: 12)، وكقول القديس مرقس البشير: ”
وأما هو فكان ساكتاً ولم يجب بشئ”(مر14: 61)، وكقول القديس بطرس الرسول: “الذى
إذا شتم لم يكن يشتم عوضاً وإذا تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضى
بعدل”(1بط2: 32)

 

سادساً: كماله
المطلق:

قال
إشعياء النبى “من الضغطة ومن الدينونة أخذ وفى جيله من كان يظن أنه قطع من
أرض الأحياء؟ أنه ضرب من أجل ذنب شعبى وجعل مع الأشرار قبره ومع غنى عند موته، على
أنه لم يعمل ظلماً ولم يكن فى فمه غش” (إش 53: 8،9).

 

هذه
النبوة عن اتهامات اليهود للسيد المسيح بأنه خاطئ وأنه يستحق الموت وعن ظنهم أنه بعد
موته سيدفنونه مع جثت اللصوص ويقطع وينتهى أمره من بين الناس إلى الأبد.

 

ونبوة
عن دفن المسيح فى قبر غنى، وهوالذى قال عنه متى البشير: “ولما كان المساء جاء
رجل غنى من الرامة اسمه يوسف.. فأخذ الجسد ولفه بكتان نقى ووضعه فى قبره الجديد
الذى كان قد نحته فى الصخر” (مت 27: 57-60).

 

كما
أنها نبوة تعلن براءة السيد المسيح وكماله المطلق كقوله “على أنه لم يعمل
ظلماً ولم يكن فى فمه غش “.

 

وقد
اقتبس القديس بطرس الرسول ذلك فى قوله “الذى لم يفعل خطية ولا وجد فى فمه
مكر” (1بط2: 22).

 

وقال
القديس يوحنا الرسول “وتعلمون أن ذاك أظهر لكى يرفع خطايانا وليس فيه
خطية” (1يو3: 5).

 

وقال،
له المجد، ” من منكم يبكتنى على خطية” (يو6: 48).

 

وقال
عنه القديس بولس الرسول “قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى
من السموات” (عب7: 26).

 

ومن
غير المعقول أن نقول إن يهوذا هو الذى ” لم يعمل ظلماً ولم يكن فى فمه
غش” وهو الخائن الأكبر الذى سلم المسيح لليهود بقبلات الغش نظير ثلاثين من
الفضة وقال له السيد المسيح ” أبقبلة تسلم ابن الإنسان”؟ (لو22: 48).

 

سابعاً: إتمامه
الفداء:

قال
إشعياء النبى: “أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن أن جعل نفسه ذبيحة إثم يرى
نسلاً تطول أيامه ومسرة الرب بيده تنجح” (إش 53: 10).

 

لقد
اهتم الله بخلاص البشر الساقطين:

قال
ميخا النبى: “من هو إله مثلك غافر الآثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه لا يحفظ
إلى الآبد غضبه فإنه يسر بالرأفة” (مى7: 18).

 

قال
الله بفم حزقيال النبى: “هل مسرة أُسرّ بموت الشرير يقول السيد الرب؟ إلا
برجوعه عن طرقه فيحيا” (حز 18: 23).

 

وقال
القديس بولس الرسول ” الذى يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق
يقبلون” (1تى2: 4).

 

بديهى
أن الإنسان عاجز عن أن يخلص نفسه أو أن يخلصه أى واحد غيره من البشر. ولذلك اختار
الآب أن
ينفذ ابنه يسوع المسيح الخلاص.

 

قال
القديس بطرس الرسول: ” ليس بأحد غيره الخلاص لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد
أعطى بين الناس به ينبغى أن نخلص” (أع4: 12).

 

وقال
السيد المسيح له المجد “لأن ابن الإنسان قد جاء لكى يطلب ويخلص ما قد
هلك” (لو 19: 10).

 

ولهذا
تجسد، وجاء فى صورة، بحسب نظرنا، ليس فيها شئ يدل على المظاهر التى تدعو للنجاح،
ومع ذلك نجح نجاحاً باهراً.

 

لقد
شبه السيد المسيح نفسه بحبة الحنطة فقال “الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة
الحنطة فى الأرض وتمت فهى تبقى وحدها. ولكن أن ماتت فتأتى بثمر كثير” (يو 12:
24).

 

إنه
فى
محبته لنا أحتمل الشئ الكثير. قال “وأنا إن أرتفعت عن الأرض أجذب إلىّ
الجميع” (يو 12: 32).

 

لقد
أعلن الوحى الإلهى قائلاً: “هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا
يهلك كل من يؤمن به. بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3: 16).

 

فهل
هذا الكلام ينطبق على يهوذا يا سادة؟ وما هو الخلاص الذى تم للبشر على أيدى هذا
الرجل الهالك؟.

 

إعتراض على
النبوات:

إدعاء بأننا
فصلنا قميصاً من الكتب وألبسناه للسيد المسيح:

 

حوى
العهد القديم بضع مئات من النبوات عن المسيا المخلص الآتى، وقد تحققت هذه النبوات
كلها فى يسوع المسيح، منها 332 نبوة تحققت حرفياً فى رب المجد. وهناك 29 نبوة
تحققت عن خيانة يهوذا له ومحاكمته وموته.. وتحققت كلها فى أربع وعشرين ساعة من
الزمان.

 

ولكن
هناك من يدعى بأننا أولنا عبارات تلك الكتب وجعلناها تشير إلى صلب السيد المسيح
وموته. وكما قال جمال الدين الأفغانى: ” إننا فصلنا قميصاً من تلك الكتب
وألبسناه للسيد المسيح ” (*).
كما أن اليهود يفسرون بعض هذه النبوات أنها تعنى إسرائيل وليس المسيح.

التعليق:
هذا ادعاء باطل بلا سند. فنحن المسيحيين نجدها تشير إلى السيد المسيح، له المجد،
واليهود يرون أنها تشير إلى المسيح (المسيا
المنتظر).

رلقد
تأكد كثير من اليهود أن النبوات التى جاءت عن المسيا فى العهد القديم تنطبق على
المسيح يسوع، وسجل أحدهم هذه الشهادة:


كنت أذهب للمجمع، ولكنى كنت أسأل: هل يهتم الله بالطعام الذى أكله؟ وما أهمية
الصوم وحفظ التقاليد؟ هل كل ما فى الحياة مال وماديات وجنس وشهرة.. وقرأت فى الكتب
المقدسة أن الله سيرسل ذبيحة كاملة للتكفير عن خطاياى، اسمه (المسيا). ولكن كيف
أعرف أن هذا هو المسيا؟ وجدت النبوات تقول إنه سيولد فى بيت لحم اليهودية، من
عذراء، ويموت مصلوباً، ثم يقوم من الموت. وجدت أن شخصاً واحداً فى التاريخ تنطبق
عليه كل هذه الصفات. اسمه يسوع. وفى غرفتى.. ركعت وصليت: أيها المسيا، إن كنت
موجوداً، فتعال إلى قلبى وحياتى، وطهرنى بدم كفارتك. فإذا بى كشخص كان فى حجرة
مظلمة، وأضاء أحدهم النور فجأة! وكأن الله الذى يبعد عنى ملايين الأميال صار أقرب
لى من أمى وأختى ويدى، بل أقرب من نفسى. ووجدت السلام والهدف لحياتى والحق الذى
كنت أفتش عنه ” (*).

 

كما
أنه من جهة إتمام النبوات: هناك نبوات تمت بعد وقت قصير من ذكرها، وهذه النبوات
تمت فى الغالب حرفياً (1مل21: 19-26). ولكن هناك نبوات يمضى وقت طويل بين إعلانها
وتحقيقها، وهذه النبوات غالباً ما تتحقق بكيفية تختلف عن الطريقة والكلمات التى
أعلنت بها أصلاً. (إش11: 10-16، يوئيل3: 18-21، ميخا5: 5-8، زك12: 11-14، عاموس9: 19)،
فإتمام النبوة لن يحدث فى الشكل والهيئة التى قيلت فيها، ولكن فى شكل آخر. أما
الحقيقة المتضمنة فيها، فهى باقية وسوف تتحقق. هذا
لا يعنى أن
الأنبياء كانوا جهلة، ولكنهم وبحق أبناء عصرهم، يتكلمون لذلك العصر، لكى يفهم
السامع والقارئ معاً. وعلى هذا فنحن نتمسك بالنبوة فى مجموعها، شكلها ومضمونها.
ولكن فى إتمامها، فإننا نؤمن أنها سوف تتم بشكل العهد الجديد، الذى يختلف ويتقدم
عن شكل العهد القديم.

 

وهناك
نبوات لها أكثر من إتمام واحد، ويُسمى ذلك (تعدد الإتمام) وهذا يختلف عما نسميه
(تعدد المعانى). فتعدد الإتمام، يعنى أن النبوة قد يتكرر إتمام الفكرة الأساسية
فيها، مثل (إش7: 14-16)، ولكن بتفاصيل قد تختلف فى كل مرة، فالطفل الأول الذى قيلت
فيه هذه النبوة، تتحقق فيه تماماً كما قالها النبى، أى تتحقق حرفياً، والمسيح
تممها ولكن بطريقة أخرى، مثل (دا8: 9-14). فقد تمت فى أنطيوخوس ابيفانس، وسوف
تتحقق فى إنسان الخطية، كما يذكر القديس بولس الرسول فى (2تس2: 3-12).

 

فى
بعض النبوات فكرة رئيسية سوف تتم فقط؛ فمثلاً مز 22 لا يستطيع أن يقول أى مفسر إن
كل التفاصيل تختص بالسيد المسيح، وكذلك النبوة الموجودة فى (2صم7) حيث يتكلم عن
ابن داود، وهى نبوة عن المسيح. فى هذه النبوة نجد تفاصيل لا تنطبق على السيد
المسيح، مثل (عدد14)، بل تنطبق على الشخص الذى تمت فيه النبوة لأول مرة وهو سليمان.
وفى (إش7: 14-15)، نجد أن عددى 14-15 ينطبقان على المسيح، أما عدد 6 فلا ينطبق
عليه، بل على الطفل الذى تمت فيه أولاً.

 

إنى أعترض.. غالب أم
مغلوب؟

 

يقول
السيد المسيح: “ثقوا أنا قد غلبت العالم” (يو16: 13)، بينما المصلوب قد
غلبه أعداؤه؟ أليس فى ذلك دليلا على أن المصلوب ليس هو المسيح؟

 

التعليق:
المشكلة فى هذه الجزئية هى أننا نرى فى الصليب مجداً وانتصاراً، ويرى فيه الكاتب
هزيمة وخزياً وعاراً. فنحن نؤمن أن المسيح بصلبه قد غلب قوى الشر وانتصر عليها وقد
وهب لنا أن نغلب فيه، لأنه هو قائد موكب نصرتنا. وكما انتصر هو، فنحن أعظم من
منتصرين حين تواجهنا متاعب الحياة وضيقات الاضطهاد، فنحن متأكدون أننا فى النهاية
بالمسيح نحن غالبون ومنتصرون.

 

إنى أعترض.. أكملته
أم لم أكمله؟

قال
السيد المسيح: ” العمل الذى أعطيتنى لأعمل قد أكملته” (يو17: 4) وذلك
قبل أحداث الصلب. ويعلق م. أحمد عبد الوهاب على هذا النص قائلاً: “لقد إكتملت
رسالة المسيح تماماً، فمن الذى يفتى بما يخالف شهادة المسيح”؟ (*) أى أنه ليس هناك حاجة لصلب
المسيح، وبالتالى فالمصلوب شخص آخر غيره.

 

التعليق:
لقد تحدث السيد المسيح عن إكمال العمل مرتين:


المرة الأولى: فى (يو17: 4) وذلك فى صلاته الشفاعية قبل الصليب “العمل الذى
أعطيتنى لأعمل قد أكملته “.

 


المرة الثانية: فى (يو19: 28) على الصليب “فلما أخذ يسوع الخل قال قد أكمل
ونكس رأسه وأسلم الروح “.

 

إذن
فقول المسيح الأول، لا يعنى عدم صلبه، لأنه يتحدث عن إكمال عمل غير الصليب، بدليل
أنه على الصليب، وقبل أن يسلم الروح مباشرة، قال مرة ثانية قد أكمل.

 

*
ما هو العمل الذى أكمله المسيح قبل الصليب، وصرح به فى (يو17)؟ بالرجوع إلى نفس
الإصحاح الذى ذكر فيه النص موضوع الحديث نرى: ” أنا أظهرت اسمك للناس الذين
أعطيتنى لأن الكلام الذى أعطيتنى قد أعطيتهم وهمقبلوا.. حين كنت معهم فى العالم
كنت أحفظهم فى اسمك.. كما أرسلتنى إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم.. أنا قد
أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى.. وعرفتهم اسمك” (يو17: 6،8،12،18،22،36) من هذه
الآيات نرى أن السيد المسيح قد أكمل:

 

1-         
أعلن اسم الله وعرفه لتلاميذه.

2-         
أكمل حياته الجسدية، لأنه على وشك أن بترك
العالم “أما الآن فإنى آتى إليك “.

3-         
أكمل تعاليمه.

4-         
أكمل معجزاته.

5-         
أكمل عمله المرسلى، بإعداد التلاميذ وإرسالهم
إلى العالم.

 

هذا
هو العمل الذى أكمله المسيح قبل الصليب، وهو هنا لم يتحدث عن صلبه.

 

ثم
على الصليب قال المسيح مرة ثانية “قد أكمل” وهنا قد أكمل:

 

1)           
قصد الله الأزلى بموته على الصليب فداء
وكفارة(أع2: 23،1بط1: 18-20.الخ).

2)           
نبوات العهد القديم المتعلقة بموته (مز22، إش53..
الخ).

3)           
رموز وشعائر النظام الموسوى والشريعة.

 

*
قد أكمل: كانت “الكلمة السادسة التى فاه بها المسيح على الصليب”. فلما
أخذ الخل قال “قد أكمل”. وكما أن عطش المسيح كان موجوداً قبل أن يعبر
عنه، كذلك كان عمله قد أكمل قبل أن يعبر عن اكتماله. فكل النبوات القديمة الخاصة
بمسيا المنتظر قد أكملت (أع13: 29) وكل الآلام التى كان على المسيح أن يتحملها
نتيجة خطايا البشر قد أكملت، وكل حرف فى وصية الآب للمسيح قد أكمل، وكل رمز فى
العهد القديم قد أكمل، وكل ما كلفته به محبته للبشر قد أكمل، وكل انتظارات البشر
فيه قد أكملت “.

 

هل حقاً كان السيد
المسيح يرفض فكرة موته؟

جاء
فى كتاب المسيح فى مصادر العقيدة المسيحية ص202-206 أن السيد المسيح كان يرفض كل
محاولات قتله.

 

التعليق:

لا.
لم يكن السيد المسيح رافضاً لفكرة قتله، مستنكراً إياها. وبالرجوع إلى الكتاب
المقدس نجد أن السيد المسيح قد أعلن عن موته، ومنذ بدء خدمته وهو يترقب ساعة موته،
وقد قدم نبوات واضحة عن حادثة موته.

 

ومما
لا شك فيه أنه من خلال هذه النبوات الصريحة والتلميحات الواضحة نجد أن السيد
المسيح كان عارفاً ومتوقعاً وغير رافض لموته وأن الصليب كان له مركزية واضحة فى
فكره، لأنه قد عرف أنه سيموت ليس لكونه ضحية لا حول له بسبب قوى الشر المحتشدة ضده
أو بسبب مصير محتم كتب عليه، وإنما لكونه قد تبنى بمحض حريته هو تخليص الخطاة، كما
أعلن الكتاب المقدس، هذه كانت نظرة الرب يسوع إلى موته. كان بذل حياته فى النهاية
هو الساعة التى جاء من أجلها إلى العالم.

 

وقد
انعكس هذا الفكر على كتبة أسفار الكتاب المقدس والكنيسة المسيحية على مر العصور،
فشهدوا فى كل ما كتبوه عن حقيقة موت وقيامة المسيح.

 

إن المسيح
لم يشهد لحقيقة موته قبل الصليب فقط، ولكن أيضاً بعد قيامته من الموت قد شهد وأعلن
بوضوح أنه صلب ومات. كما ذكرنا سابقاً:

 

أحداث القبض
على السيد المسيح تؤكد أنه هو المصلوب وليس آخر:

جاء
فى (مت26: 45-56) بعد صلاة المسيح فى جثسيمانى أن السيد المسيح “جاء إلى
تلاميذه وقال لهم: ناموا الآن واستريحوا. هوذا الساعة قد اقتربت وإبن الإنسان يسلم
إلى أيدى الخطاة، قوموا ننطلق. هوذا الذى يسلمنى قد اقترب. وفيما هو يتكلم إذا
يهوذا أحد الاثنى عشر قد جاء ومعه جمع كثير بسيوف وعصى من عند رؤساء الكهنة وشيوخ
الشعب، والذى أسلمه أعطاهم علامة قائلاً: الذى أقبله هو هو. أمسكوه. فللوقت تقدم
إلى يسوع وقال: السلام لك يا سيدى وقبله. فقال له يسوع: يا صاحب لماذا جئت؟. حينئذ
تقدموا وألقوا الأيادى على يسوع وأمسكوه. وإذا واحد من الذين مع يسوع مد يده واستل
سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه. فقال له يسوع: رد سيفك إلى مكانه لأن الذين
يأخذون السيف بالسيف يهلكون، أتظن أنى لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبى فيقدم لى
أكثر من اثنى عشر جيشاً من الملائكة. فكيف تكمل الكتب؟ انه هكذا ينبغى أن يكون. فى
تلك الساعة. قال يسوع للجموع: كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصى لتأخذونى، كل يوم كنت
أجلس معكم أعلم فى الهيكل ولم تمسكونى. وأما هذا كله فقد كان لكى تكمل كتب
الأنبياء. حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا” (مر14: 41-50، لو12: 46-53، يو18:
1-11).

 

وفى
(لو22: 51) ” فأجاب يسوع وقال دعوا إلى هذ. ولمس أذنه وأبرأها “.

وفى
(يو18: 7-11) “فسألهم أيضاً من تطلبون؟ فقالوا يسوع الناصرى. أجاب يسوع: قد
قلت لكم إنى أنا هو. فإن كنتم تطلبوننى فدعوا هؤلاء يذهبون. ليتم القول الذى قاله
إن الذين أعطيتنى لم أهلك منهم أحداً، ثم إن سمعان بطرس كان معه سيف فاستله وضرب
عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه اليمنى. وكان اسم العبد ملخس. فقال يسوع لبطرس: اجعل
سيفك فى الغمد، الكأس التى أعطانى الآب ألا أشربها “.

من
النصوص السابقة نرى:

1)     أن
السيد المسيح يعلن أن ساعته قد اقتربت، وأنه سوف يسلم إلى أيدى الخطاة، ويعلن أن
الذى سوف يسلم ابن الإنسان (*)،
وهو لقب السيد المسيح المفضل لنفسه، وهذه نبوة من المسيح أن المصلوب هو نفسه، ولا
يمكن أن يكون المسيح كاذباً.

 

2)     عندما
قبض على السيد المسيح، واستل بطرس سيفه، قال له: رد سيفك إلى الغمد؛ وهذا برهان على
أنه هو المسيح، الذى كانت دعوته تحض على محبة الأعداء وعدم مقاومة العنف بالعنف.
ولو أنه شخص غير المسيح، ووجد من يدافع عنه ويمنع أعداءه من القبض عليه، فهل كان
ينهره ويحذره ويمنعه من الدفاع عنه؟ بالطبع كلا.

 

3)     قول
السيد المسيح لبطرس: أتظن أنى لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبى فيقدم لى أكثر من
اثنى عشر جيشاً من الملائكة. وهذا يؤكد أن هذا الشخص هو المسيح الذى تحدث كثيراً
عن الله كأبيه. ولو كان هذا الشخص المقبوض عليه هو يهوذا، والذى يقف الآن موقف
الخيانة، هل كان يستطيع أن يقول عن الله إنه أبوه.

 

4)     قول
السيد المسيح لبطرس أيضاً: “الكأس التى أعطانى الآب ألا أشربها” (يو18: 11).
وهذا هو نفس القول الذى قاله السيد المسيح فى صلاته فى البستان قبل مجئ الجنود
للقبض عليه. مما يؤكد أن المقبوض عليه هو ذات الشخص، أى السيد المسيح.

 

5)     قول
السيد المسيح للذين أتوا للقبض عليه: “كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصى لتأخذونى.
كل يوم كنت أجلس معكم أعلم فى الهيكل ولم تمسكونى”. وهذا برهان على أنه
المسيح. فكم من المرات كان فى الهيكل محاوراً ومعلماً وشافياً لمرضاهم (مت13: 54،
لو4: 16، يو7: 18، يو8: 2، يو10: 22-23). فهل غير المسيح كان لهم معلماً بهتوا من
تعليمه؟ “لأنه كان يعلمهم كمن له
سلطان وليس
كالكتبة ” (مت7: 29). وهل لو كان المقبوض عليه أى شخص آخر (يهوذا أو واحد من
التلاميذ) كان يستطيع أن يقول مثل هذا القول؟.

 

إن
أقوال وأعمال الشخص المقبوض عليه تؤكد أنه السيد المسيح وأنه لم يهرب أو يرفع حتى
تم إلقاء القبض عليه.

 

هل
حقاً أن كلمات بولس
الرسول تعلن أنه لا موت
حقيقى ولا صلب؟

يقول
صاحب كتاب الفارق بين المخلوق والخالق فى ص474 مايلى من أقوال القديس بولس الرسول:

 

1-         
فى غلاطية: أنتم الذين رسم يسوع بينكم مصلوباً.

2-         
فى رومية: الله الذى أرسل ابنه فى شبه جسد
الخطية.. نحن بشبه موته.. قد صرنا متحدين معه بشبه موته.

3-    يستفاد
من مجموع الأقوال السابقة بأن الصلب والقتل ليسا بحقيقتيين، وأن المسيح لم يصلب
ولم يقتل، وإنما ذلك مجاز عن الشبه والمصلوب رسم هيكله، لا ذات حقيقته ” (27).

 

التعليق:

إذ
نعرف المعنى والتفسير الصحيح لهذه النصوص الكتابية، نجد أنها لا تعنى ماذهب إليه
الكاتب بالمرة.

 

1-     (غل
3: 1-2) ” أيها الغلاطيون الأغبياء من رقاكم حتى لا تذعنوا للحق وأنتم الذين
أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم مصلوباً “.

 

إن
القديس بولس الرسول فى هذا الإصحاح وما يليه يتحدث عن غفران الخطايا، هل هو بأعمال
الناموس أم بموت المسيح الفدائى، ويذكر الغلاطيين بحقيقة موت السيد المسيح، وأن
الأمم غير ملزمين بالختان اليهودى أو حفظ الناموس، وأن خلاصهم هو بالإيمان
“بموت المسيح” ويستعمل تعبيراً ينم عن سخطه المتسم بالدهشة، ويتهم
الغلاطيين بالغباء، ويستعمل مرتين كلمة “حمقى” ويسألهم عمن
“رقاهم”، لأن سلوكهم الحالى يتنافى تماماً مع ما سمعوه من بولس وبرنابا.
لذلك ذكرهم بكرازته حين كان معهم، حيث قام جهاراً برسم يسوع المسيح أمام عيونهم
باعتباره أنه صلب من أجلهم. فكيف استطاعوا أن يتصوروا بعد أن بدأوا حياتهم
المسيحية بالإيمان بالمسيح المصلوب، أنهم يحتاجون إلى متابعتها بإنجازهم الخاص؟
ويستخدم القديس بولس الرسول فعل “بروغرافو” وهو يعنى عادة كتب سابقاً،
كما قد كتبت (أف3: 3). لكن “غرافوا” يمكن أن يعنى أحيانا يرسم أو يصور.
ويمكن أن تعنى البادئه
Pro “قدام” فى المكان. قدام عيونكم.. وهكذا فإن بولس يشبه
كرازته بلوحه زيتية ضخمة أو بلوحة إعلان تعرض إعلاناً على الملأ، أما موضوع لوحته
الزيتية أو لوحة إعلانه، فكان يسوع المسيح على الصليب، بالطبع لم تكن لوحة زيتية
بالمعنى الحرفى، فالصورة رسمت بالكلمات، لكنها كانت مرئية وحيوية فى مخاطبتها للمخيلة
حتى أن لوحة الإعلان عرضت قدام عيونكم “.

 


إن “كلمة رسم” هى ترجمة لكلمة يونانية، مركبة من مقطعين “برو”،
“وغرافى” المقطع الأول: “برو” يحمل معنى “زمن مضى”.
والمقطع الثانى: “غرافى” يحمل معنى “بروز واضح بالكتاب أو بالرسم
أو بالنقش “.

 

وقد
وردت هذه الكلمة “بروغرافى” أيضاً فى أقوال القديس بولس الرسول مترجمة
“سبق فكتب لأجل تعليمنا” (رو 15: 4). وحيث أن ما يكتب وما يرسم وما ينقش
هو بالطبيعة شكل بارز واضح وجلى أمام العيون، لذلك تكون الكلمة:

 

رسم:
بمعنى ما سبق أن أعلنه الرسول من التعليم، لا فى صورة فوتوغرافية، ولا فى شكل
كاريكاتيرى، ولا رسماً بآلة، ولا نقشاً فنياً فى حجارة، بل هو تعلم شفوى ووعظ
سماعى. عن طريق الكرازة “بإنجيل المسيح” بصورة بارزة تميزها العقول
وتستوضحها الأفكار، فترسم فى الأذهان وتعلق بها.

 

أما
التعليم الذى رسم بالصورة التى وصفت سابقاً بين أولئك الغلاطيين فهو:

 


يسوع المسيح.. مصلوباً” هذا هو االتعليم الذى سبق الرسول فرسمه أمام عيون
الغلاطيين بلا تحفظ، وهو الموضوع الذى اتخذه شعاراً له فى كرازته وتعليمه.. وكانت
كرازته تعليماً بارزاً واضحاً جلياً، يمكن أن يقال معه إنه رسم فى مخيلتهم ونقش فى
عقولهم أمام أبصارهم صورة بارزة للمسيح المصلوب “.

 

إن
كاتب رسالة غلاطية هو الرسول بولس، وهو يؤكد فى رسائله حقيقة موت المسيح وقيامته،
ولا يمكن أن يناقض الرسول نفسه، بل فى نفس الرسالة نجد الكثير من الآيات التى تؤكد
حقيقة موت المسيح:

 

(غل1:
1) “بولس رسول لا من الناس ولا بإنسان، بل بيسوع المسيح والله الآب الذى
أقامه من الأموات”.

 

(غل1:
3-4) “نعمة لكم وسلام من الله الآب ومن ربنا يسوع المسيح الذى بذل نفسه لأجل
خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر الشرير “.

 

(غل2:
20-21) “مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فى. فما أحياه الآن فى
الجسد فإنما
أحياه فى الإيمان..
إيمان ابن الله الذى أحبنى وأسلم نفسه لأجلى.. لأنه إن كان بالناموس بر فالمسيح
مات بلا سبب “.

 

 (غل6:
14) ” أما من جهتى فحاشا لى أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح “.

 


أما النص الثانى الذى استخدمه الكاتب. فهو ما جاء فى (رو6: 5) ” لأنه إن كنا
قد
صرنا متحدين معه بشبه موته نصير بقيامته “.

 

(رو8:
3) “أرسل الله ابنه فى شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية فى الجسد
“.

 

اعتقد
أن سبب سوء الفهم هنا – إذا افترضنا حسن النية – هو عدم وضوح الترجمة العربية
(ترجمة فانديك). ولقد أوضحت الترجمات العربية الجديدة المعنى المقصود.

(رو6:
5) ” فإذا كنا قد اتحدنا به فى موت يشبه موته، فكذلك نتحد به فى قيامته
“.

(رو8:
3) “أرسل الله ابنه فى جسد يشبه جسدنا الخاطئ كفارة للخطيئة، فحكم على الخطية
فى الجسد “.

وبالرجوع
إلى رسالة رومية نجد الكثير من النصوص التى توضح وتؤكد موت المسيح على الصليب ليس
بشبه جسد وليس بشبيه آخر، منها:

(رو5:
8،10) “الله بين محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا.. صولحنا
مع الله بموت ابنه “.

(رو8:
34) “من الذى يدين؟ المسيح هو الذى مات، بل بالحرى قام أيضاً “.

وأيضاً
(رو1: 4،3: 24-25، 4: 25، 5: 6-10، 6: 4-10، 8: 32
34، 14: 15).

بهذا
يتضح لنا أن النصوص (*)
السابقة لا علاقة لها البتة بعدم موت المسيح، بل أن النصين يؤكدان أن المسيح هو
الذى مات وقام.

 

لو كان المصلوب هو
المسيح فلماذا لم يستطع أن يخلص نفسه؟

 


إذ كان هو المسيح فلماذا لم يخلص نفسه، حين كان الشعب واقفين ينظرون والرؤساء
يسخرون منه معهم قائلين: قد خلص آخرين فيلخص نفسه إن كان هو مسيح الله المختار
حقاً. فلماذا لم يخلص نفسه إذا كان إلهاً أو على الأقل إذا كان عيسى؟ ” (1).

 

التعليق:


إن صلب السيد المسيح لم يكن مجرد غلطة رهيبة، أو إساءة للعدل شنيعة، أو مهزلة
قضائية مروعة، فليس الرومان من قتلوا المسيح، ولا اليهود، بل أن المسيح هو من
“وضع حياته” وقد أكد أن له سلطاناً أن يفعل ذلك وأن يسترد حياته أيضاً
(يو10: 17-18)

 

فلم
يكن صلب المسيح حادثاً عرضياً، بل إنه الحدث المركزى فى التاريخ كله. إنه المفتاح
الذى لابد منه لفهم المسيحية على حقيقتها، كما أنه المفتاح للأجوبة على الأسئلة
الاساسية “من أنا؟ من أين جئت؟ إلى أين أنا ذاهب؟ ولماذا؟ ” (2).

 

“كان
المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم قائلين: يا ناقض الهيكل وبانيه فى ثلاثة
أيام خلص نفسك، أن كنت ابن الله فانزل عن الصليب. وكذلك رؤساء الكهنة أيضاً وهم
يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا: خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها. إن
كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به. قد اتكل على الله فلينقذه
الآن إن آراده. لأنه قال أنا ابن الله” (مت 27: 39-43)، وأقرأ أيضاً (مر 15: 29-33،
لو 23: 35 –40).

 

إن
هذا الادعاء ليس بجديد؛ فقد قاله المجدفون والمستهزئون للسيد المسيح نفسه، وقد
قاله الشيطان للمسيح وقت التجربة (مت4: 3، 6).

 

إن
المدعين هنا “علقوا تصديقهم أن المسيح ابن الله على نزوله عن الصليب، ولكن إن
كانت كل المعجزات التى أتاها لم تبرهن لهم على صحة تلك القضية، فكيف تثبتها هذه
المعجزة الوحيدة. نعم إن المسيح لم يفعل لهم هذه المعجزة التى طلبوها، ولكن أتاهم
بأعظم منها، وهى قيامته من القبر، لأن الانتصار على الموت بعد حدوثه هو أعظم من
الهرب منه بنزوله عن الصليب، وأكثر الناس كهؤلاء المجدفين يرغبون فى مخلص لا صليب
له.. ظنوا عدم تخليصه نفسه هو نتيجة عجزه واستنتجوا من هذا العجز أن كل ما أظهره
من المعجزات هو خداع وسحر لم ينتفع بها فى أشد الحاجة إليهما. فما أبعد ظنهم عن
الحقيقة، لأن علة عدم تخليص نفسه هو إرادته أن يخلص الآخرين “.

 

والتساؤل
هنا: هل لو خلص
المسيح نفسه ونزل من
على الصليب كان اليهود يؤمنون؟

 

أقول
بكل تأكيد: لا. فلقد سبق أن أوضح السيد المسيح ذلك فى مثل الغنى ولعازر (لو 16: 19-31)؛
فعندما طلب الغنى من إبراهيم أن يرسل لعازر إلى إخوته الخمسة، حتى لا يأتوا إلى
موضع العذاب، قال له: عندهم موسى والأنبياء ليسمعوا منهم. وعندما قال له: إذا مضى
إليهم واحد من الأموات يتوبون، قال له: إن كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء ولا
إن قام واحد من الأموات يصدقون.

 

بل
إن قيامة لعازر من الموت كانت، سبباً فى تآمر الفريسيين على المسيح لا سبباً فى
إيمانهم به، وعند موت السيد المسيح “القبور تفتحت وقام كثير من أجساد
القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته،ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا
لكثيرين”(مت27: 52-53).

 

وليس
فى الكتاب ما يفيد أن شخصاً واحداً آمن نتيجة لقيامتهم. إن الأعمى لا ينفعه تغيير
الألوان ما دام لا يقدر أن يرى، والذين يحكمون على أنفسهم بالعمى الروحى لا ينفعهم
المزيد من الشهود ماداموا لا يريدون أن يؤمنوا “.

 

لقد
قالوا، أو ربما وعدوا، أنهم سوف يؤمنون به لو نزل من على الصليب، لكننا نقول بكل
إيمان نحن نؤمن به مسيحاً لأنه لم ينزل من على الصليب.

 

ثم نحن
بدورنا نتساءل لماذا لم يخلص المسيح نفسه؟.. ونجيب:

 

أ
– لأنه لهذا قد جاء، وقد سبق وأخبر بذلك كثيراً (مت 16: 17،20.. الخ).

ب-
لأن فى الصليب إعلاناً لمحبة الله المتجسدة (يو3: 16).

ج-
لأنه مسيح بالصليب؛ فقد أتى ليبذل نفسه فدية عن الآخرين.

د
– لأنه لا يفعل معجزاته إرضاء لرغبات الآخرين، وهو خاضع لأوامرهم وشهواتهم الكاذبة،
بل يفعلها فى الوقت المناسب ولهدف معين.

 

كما أننا
نتسأل هل أراد االمسيح أن يخلص نفسه ولم يقدر؟

 

ماهى
الوسيلة التى يمكن أن يلجأ إليها فى ذلك الوقت، والتى تتناسب مع عدله وعظمته؟ وما
هى النتيجة التى تعود على البشرية بعد ذلك؟

 

لو
أراد السيد المسيح النجاة من الصلب والموت، لكان هناك آلاف الوسائل التى كان فى
إمكانه استخدامها دون اللجوء للطرق التى لا تليق بعظمته وجلاله، والتى تؤدى
بالبشرية إلى الضلال. فكان يرفع إلى السماء بصورة جلية واضحة أمام الجميع، كما

فعل
مع أخنوخ (تك5: 24)، وإيليا (2مل2: 5-11).. فيتمجد الله أمام الجميع، ولا يقع
الشعب فى ضلاله كبرى.. ولكن أرادة الله كانت أن يقدم المسيح ذاته فداء للبشرية.

 

لماذا لم
يدافع التلاميذ عن الشخص المقبوض عليه؟

 


قال أحدهم عند القبض على الشخص الذى سوف يصلب، فإن التلاميذ تركوه وهربوا، ولم
يدافعوا عنه. وذلك لأنهم قد عرفوا من المسيح عندما أيقظهم من النوم أن الذى سيصلب
هو يهوذا (*)

 

التعليق:

لنا
هنا تساؤل: هل كان المسيح محتاجاً إلى من يدافع عنه، وهو المؤيد بالروح القدس.
سواء كان الروح القدس هو الله نفسه حسب إيماننا المسيحى أو كان هو الملاك جبرائيل
حسب، فكر الآخرين؟ فاعتقد بأنه كان سيؤيده بالنصر المبين واعتقد أن السؤال يكون
صحيحاً لو كان “لماذا دافع التلاميذ عنه، وخاصة بطرس باستعماله السيف، رغم أن
السيد المسيح قد سبق وأنبأ عن موته؟

 


بالرجوع إلى متى 26 نجد محاولة التلاميذ للدفاع عن السيد المسيح وموقف المسيح من
هذا “حينئذ تقدموا وألقوا الأيادى على يسوع وأمسكوه. وإذا واحد من الذين مع
يسوع مد يده واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه. فقال له يسوع: “رد
سيفك إلى مكانه”، لأن الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون. أتظن أنى

لا
أستطيع الآن أن أطلب إلى أبى فيقدم لى أكثر من اثنى عشر جيشاً من الملائكة”.
“ثم أن سمعان بطرس كان معه سيفه فاستله وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه
اليمنى، وكان اسم العبد ملخس. فقال يسوع لبطرس: اجعل سيفك فى الغمد، الكأس التى
أعطانى الآب ألا أشربها” (يو 18: 10
11) ومن هذه النصوص نرى:

 

1-         
إن بطرس – أحد تلاميذ السيد المسيح – حاول
الدفاع عنه، ولكن ماذا يفعل هؤلاء فى مواجهة جنود مدججين بالسلاح؟

 

2-    إن
السيد المسيح كان يعرف مسبقاً كل هذا، لذلك حذر تلاميذه من استعمال السيف وأراد أن
يحافظ على تلاميذه. ويصور الأستاذ خالد محمد خالد هذا المشهد قائلاً: “عندما
هاجم غوغاء اليهود بستان الزيتون ليقبضوا على المسيح، تقدم من الحرس وسألهم: من
تطلبون؟

 

أجابوه:
يسوع الناصرى.

فقال:
أنا ولست أسالكم إلا شيئاً واحداً.

ثم
أشار بيد أمينة حانية صوب تلاميذه، الذين كانوا معه فى البستان، واستأنف حديثه مع
الحرس قائلاً: أن تدعوا هؤلاء يذهبون إلى بيوتهم، حتى أستطيع أن أقول لأبى حين
ألقاه: ” إن الذين أعطيتنى، لم أهلك منهم أحداص.

 

أنظروا..
فى هذه المباغتة الشريرة المذهلة، لم يذكر نفسه ولا حياته، وإنما ذكر مسئوليته
الكبرى نجاة الآخرين. لم يشترط لنفسه نجاة ولا سلامة. إنما اشترطها للآخرين. وذلك
كى يستطيع أن يقول لربه حين يلقاه: “إن الذين أعطيتنى لم أهلك منهم أحدا
(*).

 


فالتلاميذ حاولوا الدفاع عن السيد المسيح، وليس هناك أى دليل على أن السيد المسيح
قال لهم عندما أيقظهم من النوم أن الذى سيصلب هو يهوذا.

 

وإذا
كان هناك مثل هذا القول من السيد المسيح لتلاميذه فما هو الداعى أن يتبع بطرس
ويوحنا المقبوض عليه إلى دار رئيس الكهنة، وإلى الجلجثة بعد ذلك، حيث تم صلب السيد
المسيح؟

 


ثم إذا كان التلاميذ عارفين أن المصلوب هو يهوذا، فكيف أعنلوا عن موت السيد المسيح

وقيامته.
هل كانوا خادعين أم مخدوعين؟ (**)
وهل يقدم مثل هذا الشخص حياته للموت فى سبيل المناداة بتعليم هو يعلم أنه غير
صحيح؟

 


هل كان شهود المحاكمة والصلب أيضاً مخدوعين أم أنهم لم يتعرفوا على الشخص المقبوض
عليه؟ أم أنهم عرفوا وشاركوا فى الخدعة الكبرى؟

 

لا
نستطيع أن نعطى إجابة على مثل هذه لأسئلة، إلا بالإعلان الصريح أن المصلوب هو
السيد المسيح، له كل الإكرام والمجد.

 

ستطلبوننى ولا
تجدوننى

كتب
م. أحمد عبد الوهاب (***)
عن نبوات المسيح بنجاته من القتل:

حدث
ذات مرة فى إحدى محاولات اصطياده أن أرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة خداما ليمسكوه
” فقال لهم يسوع: أنا معكم زماناً يسيراً بعد ثم أمضى إلى الذى أرسلنى،
ستطلبوننى ولا تجدوننى وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا. فقال اليهود فيما
بينهم إلى أين مزمع أن يذهب حتى لا نجده نحن. ألعله مزمع أن يذهب إلى شتات
اليونانيين ويعلم اليونانيين؟ ما هذا القول الذى قال: “ستطلبوننى ولا تجدوننى
وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتو؟” (يو7: 32-36).

 

لا
نظن أحداً يشك فى وضوح هذا القول الذى يعنى أن اليهود حين يطلبون المسيح لقتله،
فلن يجدوه، لأنه سيمضى للذى أرسله، أى سيرفعه الله إليه، ومن الطبيعى إن يقال أن
السماء مكان يعجز اليهود عن بلوغه تعقباً للمسيح.

 

التعليق:

يقول
د.عبدالمجيد الشرفى فى تعليقه على الردود على موضوع صلب المسيح.

 


إن أصحاب الردود يقرأون النصوص بواسطة مرشح
(Filter) لا يمر منه سوى ما يبحثون عنه فيها، وليس ذلك المرشح إلا القوالب
الجاهزة التى هيأتها الثقافة العربية الإسلامية تدريجياً لأصحابها، وتحجر فيها
النصوص التأسيسية تحجراً لم يسلم منه إلا من عصم ربك “ويضيف” وفى خضم
هذه الردود التى ينطلق فيها أصحابها من فرضيات غير مصرح بها فى كثير من الأحيان،
والتى تردد نفس المعانى بألفاظ متقاربة، إن لم تكن نفس الألفاظ، وتبقى فى العادة
فى مستوى شكلى ولا تطرح أشكالية مقنعة” (1).

 

هذا
هو ما يفعله اليوم كثير من الكتاب فى هجومهم على السيد المسيح ومحاولة إثبات ما
يريدون من خلال نصوص الكتاب المقدس بطريقة (الانتقائية).

 

أما
بخصوص قول السيد المسيح “ستطلبوننى ولا تجدوننى”، فأنه بالرجوع إلى
الكتاب المقدس نجد أن المسيح قال هذا القول أو ما يماثله عدة مرات: فقاله لليهود
(يو7: 34)، (يو8: 21)، (يو 13: 13)، وقال لتلاميذه أيضاً: “وأما الآن فأنا
ماض إلى الذى أرسلنى” (يو 16: 5). وفى مرة أخيرة قال: “خرجت من عند الآب
وقد أتيت إلى العالم وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب” (يو 16: 28).

 

وهنا نرى:

1)           
السيد المسيح يتحدث عن ذهابه إلى الآب، وهو لم
يحدد الوسيلة التى بها سوف ينطلق من هذا العالم، لذلك فنحن هنا أمام احتمالين:

 

أ
– الاحتمال الأول  : موت المسيح على الصليب، وقيامته وصعوده إلى الآب.

ب-
الاحتمال الثانى : هو رفع المسيح حياً بالجسد، عند محاولة القبض عليه.

 

وحيث
أن قواعد التفسير تفرض علينا ألا نفسر نصاً بمعزل عن الكتاب كله، لذلك، فبالرجوع
إلى النصوص الآخرى، نجد أن السيد المسيح قد سبق وأخبر عديداً من المرات عن موته

صلباً
وبالتالى نجد أن الاحتمال الأول هو الاحتمال الوحيد، أى أن المسيح مضى إلى الآب عن
طريق موت الصليب.

 

2)     إذ
نكمل قراءة بقية النص – بعيداً عن الطريقة الاختزالية التى اتبعها الكاتب – نجد ما
يؤكد هذا الحق. ففى (يو8: 28) قال السيد المسيح لليهود “متى رفعتم ابن
الإنسان” وهنا يعلن السيد المسيح عن صلبه، وهذه ليست المرة الأولى، فقد سبق
وأعلن السيد المسيح فى حديثه مع نيقوديموس “وكما رفع موسى الحية فى البرية
هكذا ينبغى أن يرفع ابن الإنسان لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة
الأبدية” (يو3: 14-15).

 

3)     إن
طلب اليهود للمسيح هنا ليس محاولة القبض عليه لصلبه، وعند ذلك لا يجدونه لأن الله
قد رفعه، بل هذا الطلب سوف يتم بعد صعود المسيح وعدم وجوده على الأرض، بدليل قول
المسيح “متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أنى أنا هو” (يو8: 28)
فاليهود بعد صلب المسيح وقيامته من الموت، عرفوا أن يسوع هذا هو المسيح، وعندما
طلبوه أو اشتهوا أن يروه بات هذا الأمر محالاً لأن المسيح ليس على الأرض بل فى
السماء فطلبهم هنا لشعورهم بالاحتياج إلى السيد المسيح.

 

ومن
المحتمل أن السيد المسيح المسيح يتحدث هنا عن الضيقات التى سوف تحل باليهود في وقت
الحصار الرومانى لأورشليم، وفى ضيقاتهم يطلبون مسيحهم المنتظر الذى ينقذهم من هذه
الضيقات التى تحيق بهم، ولكنه طلب بعد فوات الفرصة؛ فهم قد رفضوا يسوع المسيح لأنه
لم يأت وفقا لأمالهم المادية، وعندما شعروا بحاجتهم إليه وطلبوه لم يجدوه لأنه ترك
الأرض إلى السماء.

 

4)     عندما
قال السيد المسيح هذه الأقوال كانت عسرة الفهم، ليس على كهنة اليهود فقط بل وعلى
التلاميذ أيضاً، لاعتقادهم بأن المسيح سوف يحيا ويملك على الأرض إلى الأبد. لذلك
تساءلوا: إلى أين سيذهب المسيح؟ لذلك لا نتعجب إن كان البعض حتى اليوم يسئ فهمها،
وإذا كانت النية صادقة. فنحن نقدم هنا المفهوم الصحيح.

 

5)     هناك
دليل آخر على أنه ليس المقصود بهذا القول القبض على السيد المسيح، وهو أن السيد
المسيح قال هذا القول لتلاميذه (يو 13: 13). فهل كان تلاميذه يطلبون القبض عليه
أيضاً. ثم إن المسيح قال لتلاميذه: “بعد قليل لا يرانى العالم أيضاً أما أنتم
فستروننى” (يو 14: 19). وهذا ما حدث بعد موت المسيح وقيامته، فقد ظهر
لتلاميذه وأتباعه فقط. وبذلك تحققت نبوة المسيح عن قيامته ثم رؤية تلاميذه له.
وحيث أن نبؤة المسيح وقيامته كانت دائماً مقترنة بصلبه وموته، وإتمام الثانية
يستلزم بالضرورة
أتمام الأولى، من هنا
يتأكد لنا أن المسيح قد مات على الصليب. ولم يكن المقصود بقوله “ستطلبوننى
ولا تجدوننى” أن الله قد رفعه وصلب آخر بدلاً عنه (*).

 

هل الله يفدى المسيح
بغيره؟

جاء
فى كتاب دعوة الحق ص 136 “إن تقدمة إبراهيم لتحوى حقاً وصدقاً الرمز الكامل
لما حدث مع المسيح بالنسبة لواقعة الصلب. فكما امتحن الله إيمان إبراهيم بأن طلب
منه أن يذبح ابنه وحيده الذى يحبه، كذلك إمتحن الله إيمان المسيح بأن أعلمه بأنه
يريد له أن يصلب. وكما امتثل إبراهيم وابنه لأمر ربهما حتى هم إبراهيم بذبحه، كذلك
إمتثل المسيح لمشيئة الله فقال له: لتكن لا إرادتى بل إرادتك، حتى وصل الأعداء
يتقدمهم يهوذا الاسخريوطى، إلى المسيح للقبض عليه. وهنا كما منع الله إبراهيم من
ذبح ابنه، بأن ناداه ملاك الرب من السماء، طالباً منه أن يكف عن ذلك، استجاب الله
أيضاً لدعاء مسيحه، فرفعه إليه من بين أعدائه، مخلصاً إياه بذلك من الصلب الذى كان
سيقع عليه، تماماً كما خلص الله ابن إبراهيم من الذبح على النحو المتقدم، وكما ذبح
كبش عوضاً عن ابن إبراهيم، فقد صلب الخائن يهوذا بدلاً من المسيح ” (*).

 

ثم
يضيف الكاتب: “وهكذا كانت تقدمة إبراهيم حقاً وصدقاً، وكما يقولون هى أحد
أكمل الرموز الكتابية لما جرى مع المسيح بالنسبة لواقعة الصلب، وكما هو واضح ففيها
الرمز الكامل لتخليص الله له من الصلب، وصلب يهوذا الإسخريوطى بدلاً منه. وبغير
هذا لا تكون رمزاً بأى حال. كما لا يمكن للرمز ألا يكتمل من وجه ويقال بأنه واحد،
هو تخليص ابن إبراهيم وعدم تخليص المسيح، حال أن هذا الوجه هو فى الحقيقة الوجه
الوحيد أيضاً للرمز فى هذه التقدمة “.

 

التعليق:

إن
تقدمة إسحق فعلاً هى أحد أكمل الرموز الكتابية المشيرة إلى الذبيحة العظيمة التى
قدمت على الصليب فى الجلجثة. ففى إسحق نرى صورة الابن فى طاعته لأبيه حتى الموت،
وفى إبراهيم نرى صورة الأب فى بذله لابنه، وكان كل منهما لازماً لتقديم الرمز.

 

والكاتب
هنا جعل من إبراهيم وإسحق معاً رمزاً للمسيح فى نفس الوقت.

 


فالله يمتحن إبراهيم بتقديم ابنه، ويمتحن المسيح بتقديم نفسه.


إبراهيم يمتثل لأمر ربه، والمسيح يمتثل لمشيئة الله.

 

ثم
يتحول الرمز إلى إسحق.. الله ينقذ إسحق ويذبح كبش بدلاً عنه، الله ينقذ السيد
المسيح ويصلب يهوذا بدلاً عنه، فالكاتب هنا يخلط الأمور فى سبيل تأييد آرائه.

 

لأننا
إذا جعلنا إبراهيم رمزاً للمسيح من ناحية الإيمان، نرى أن هناك فرقاً فى تعبير
الوحى عن موقف الله إزاء كل منهما، فبينما يسجل أن الله امتحن إبراهيم بتقديم ابنه
ذبيحة (تك22: 1)، لا يذكر مطلقاً أن الله إمتحن المسيح بتقديم نفسه على الصليب.

 

فصلب
السيد المسيح لم يكن امتحاناً للإيمان، بل كان إتماماً للمقاصد الإلهية.

 

أ-
أعلنته نبوات العهد القديم بوضوح.

ب-
أعلن
عنه السيد المسيح عديداً من المرات قبل صلبه وبعد قيامته.

 

ولا
يمكن أن يعلن ويتنبأ السيد المسيح عن موته، ثم تكشف الأحداث بعد ذلك عن عدم صحة
هذه النبوات، وأنها مع نبوات العهد القديم كانت مجرد امتحان إيمان.

 

إن
إسحق كان رمزاً للمسيح. ويجب أن يكون واضحاً نصب عيوننا أن الرمز لا يكون مثل
المرموز إليه من كل الوجوه. وإلا لكان الأول هو عين الثانى وأن الشبه بين إسحق
والمسيح ينحصر فى أمرين:

 

1)           
الطاعة المطلقة: فإن إسحق أطاع أباه، والمسيح من
ناحية كونه إنساناً أطاع.

2)           
العودة إلى عالم الأحياء: بعد موت شرعى لإسحق،
وموت فعلى للمسيح.

 

ولا
سبيل لاعتبار أن إنقاذ السيد المسيح من الموت هو الوجه الوحيد للرمز فى هذه
التقدمة. كما أن إنقاذ إسحق من الموت ليس دليلاً على عدم موت السيد المسيح، لأنه
يكفى تشابه واحد بين المرموز والمرموز إليه. ولا يمكن أن يكون المثال أو الرمز
كالحقيقة فى كل شئ؛ وإلا فلا يكون المثال مثالاً.

 

وكما
يقول د. أحمد ماهر البقرى: “القاعدة البيانية فى التشبيه أن المشبه لا يكون
مثل المشبه به فى كل دقيقة، ولكن يكفى وجه شبه واحد بينهما، فإذا قلت: انه كالأسد،
فليس معنى ذلك أنه يعيش فى غابة مثلاً أو أنه ذو لبد. وإنما يكفى أن

يكون
وجه الشبه الشجاعة ” (*).

 

أى
أنه يكفى للشبه بين إسحق والمسيح، وحتى يكتمل الرمز، أن يكون كل منهما مطيعاً،
فإسحق قد أطاع والمسيح قيل عنه “وإذا وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع
حتى الموت موت الصليب” (فى2: 8).

 

بل
إن عدم موت إسحق على المذبح لا يعنى بالمرة عدم إكتمال الرمز، “لأن السيد
المسيح نفسه جعل يونان النبى بخروجه من بطن الحوت (مع أنه لم يمت فى بطن الحوت)
مثالاً لقيامته المجيدة، فقال: “كما كان يونان فى بطن الحوت، ثلاثة أيام
وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان فى قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال” (مت
12: 40).

 

فليس
من الضرورى أن يكون ” المثال كالحقيقة فى كل شئ وإلا فلا يكون المثال مثالاً
“.

 

مما
سبق نرى أنه لا يوجد أى دليل من خلال تقدمة إبراهيم لابنه إسحق على أن المصلوب هو
يهوذا وليس المسيح “.

 

هل فى إنكار بطرس
للمصلوب إعلان عن صلب شخص غيره؟

 

جاء
فى كتاب المسيح بين الحقائق والأوهام ص175. وفى كتب أخرى (*)أن بطرس رئيس الحواريين (**) كان يحلف أنه لا يعرف
المصلوب؛ فقد سألته امرأة عن المقبوض عليه فأنكر بقسم إنى لست أعرف الرجل (مت26: 72)..
ولا يستطيع أن ينكر مسيحى أن بطرس رئيس الحواريين كان صادقاً حين أقسم أنه لا يعرف
المصلوب، وأننا نتهم بطرس باطلاً بعدم الإيمان، إذا قلنا إن سيده يسوع يهان على
الصليب وهو يتهرب ويخاف من الناس، مع ما له من السلطة العظيمة التى أعطاها إياه
المسيح.. وبما أن بطرس لا يجوز مطلقاً أن يحلف كذباً، لأنه يعتبر أعظم مسيحى
أنجبته المسيحية، فهو إذن صادق، ويكون المصلوب لا يعرفه، ولزم أن يكون غير المسيح
“.

 

التعليق:

جاء
فى (مر14: 66-73) “وبينما كان بطرس فى الدار أسفل جاءت إحدى جوارى رئيس
الكهنة. فلما رأت بطرس يستدفئ نظرت إليه وقالت: وأنت كنت مع يسوع الناصرى. فأنكر
قائلاً: لست أدرى ولا أفهم ما تقولين. وخرج خارجاً
إلى الدهليز
فصاح الديك. فرأته الجارية أيضاً وابتدأت تقول للحاضرين إن هذا منهم. فأنكر أيضاً.
وبعد قليل أيضاً قال الحاضرون لبطرس: حقاً أنت منهم لأنك جليلى ولغتك تشبه لغتهم.
فابتدأ يلعن ويحلف إنى لا أعرف هذا الرجل الذى تقولون عنه. وصاح الديك ثانية فتذكر
بطرس
القول الذى قاله يسوع إنك قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرنى
ثلاث مرات (*).
فلما تفكر به بكى”. (وأنظر أيضاً مت26: 69-75، لو22: 55-63، يو17: 15-18).

 


إن الرسل وكتبة الإنجيل لم يلقوا أستاراً على عيوبهم، بل سجلوها على أنفسهم كما هى.
ومن العجيب أن الكاتب الذى عنى بتسجيل خطية بطرس بإفاضة هو مرقس، أقرب الكتاب إلى
قلب بطرس. وهذا أكبر دليل على أنهم رواة صادقون، لا يعرفون فى حمل سيف الحق مواربة،
ولو كان هذا السيف يقطع رقابهم، ويودى بحياتهم.

 

وبدراسة
هذا الموضوع من خلال نصوص الإنجيل بعيداً عن التحايل والافتراء، نرى أن إنكار بطرس
هنا لا يعنى عدم المعرفة أو أن هذا الشخص المقبوض عليه ليس هو السيد السيد المسيح،
بل أنه إنكار بسبب الخوف. والأدلة على هذا:

 

1-
إن السيد المسيح قد سبق وأنبأ بأن بطرس سوف ينكره، ففى (مت26: 31-35) قال السيد
المسيح لبطرس “الحق أقول لك إنك فى هذه الليلة قبل أن يصيح الديك تنكرنى ثلاث
مرات”. (أنظر أيضاً مر14: 27-31، لو22: 27-34، يو18: 15-18).

 

فالسيد
المسيح قد تنبأ بهذا الإنكار، وقد تمت هذه النبوة حرفياً، لأن السيد المسيح كان
عارفاً بضعفات تلاميذه، وقد قال لبطرس: “الشيطان طلبكم لكى يغربلكم كالحنطة.
ولكنى طلبت من أجلك لكى لا يفنى إيمانك. وأنت متى رجعت – من حالة ضعف الإيمان
والشك والإنكار – ثبت إخوتك” (لو22: 31-32). وعندما أخبر السيد المسيح بطرس
مسبقاً بهذا الأمر. قال بطرس “ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك” (مر14: 31).
كان على بطرس تصديق أن السيد المسيح يعرف أكثر مما يعرف هو.. إنه يسهل على الإنسان
ذكر الموت بشجاعة والموت بعيد عنه، ولكن متى لاقى الموت وجهاً لوجه جبن وخاف أشد
الخوف.. ولعل بطرس قال فى نفسه: إقرارى بالسيد المسيح يضرنى ولا ينفعه.

 

2-
إن بطرس كان متأكداً أن الشخص الذى قبض عليه هو السيد المسيح، والدليل على ذلك
دفاعه عنه، فقد “كان معه سيف فاستله وضرب عبد رئيس الكهنة، فقطع أذنه اليمنى،
وكان اسم العبد ملخس. فقال يسوع لبطرس: اجعل سيفك فى الغمد. الكأس التى أعطانى
الآب ألا أشربها. (يو18: 10-11). فلو لم يكن الشخص المقبوض عليه هو السيد المسيح
لما دافع بطرس عنه، والحوار واضح أنه كان بين السيد المسيح وبطرس.

 

3-
إن بطرس قد تبع السيد المسيح بعد القبض عليه ودخل إلى دار الكهنة (لو22: 15-17) أى
لم يحدث تغيير للشخص المقبوض عليه.

 

4-
أما القول بأن بطرس لا يجوز مطلقاً أن يحلف كذباً، لأنه يعتبر أعظم مسيحى أنجبته
المسيحية، فهو كان صادقاً حين أقسم أنه لا يعرف المصلوب، فهو قول غير صحيح لأنه لا
يوجد إنسان معصوم من الخطأ والخطية. وكما أوضحنا سابقاً، فالسيد المسيح كان عارفاً
بضعف بطرس وحذره من ذلك. والكتاب المقدس عندما سجل أحداث هذه القصة سجلها كما حدثت
وليس كما يجب أن تحدث فى صورتها المثالية، ولا تبنى عقيدة على تصرف خاطئ من شخص.
فبطرس عندما رأى فى اعترافه بأنه تلميذ للمسيح – الشخص الذى يحاكم فى ذلك الوقت –
ما يعرضه للخطر، أنكر أنه يعرفه، أى أنه أنكر أنه تلميذ للمسيح فقط “قالوا له
ألست أنت أيضاً من تلاميذه فأنكر ذلك وقال لست أنا” (يو18: 25).

 

فلم
يكن السؤال هل هذا هو السيد المسيح أم لا؟ ولكن الاتهام كان موجهاً إلى بطرس أنه
من أتباع المسيح. والإنكار كان بسبب الخوف، وليس له أى دليل بالمرة على أن هذا
الشخص – الذى يحاكم – ليس هو المسيح.

5-
لو فرضنا أن الشخص المقبوض عليه ليس هو السيد المسيح، بل يهوذا، فهل لا يعرف بطرس
يهوذا حتى يقول “إنى لست أعرف الرجل” (متى26: 73) وهما معاً لعدة سنوات؟

 

6-
الأحداث التى تلت تؤكد أن هذا الشخص هو السيد المسيح. فبعد أن أنكر بطرس “صاح
الديك فالتفت الرب ونظر إلى بطرس. فتذكر بطرس كلام الرب، كيف قال له: إنك قبل أن
يصيح الديك تنكرنى ثلاث مرات. فخرج بطرس إلى خارج وبكى بكاء مراً (لو22: 60-62).
فعندما نظر السيد المسيح إلى بطرس كان فى نظرته تذكير له بنبوته السابقة، وتبكيت
على هذا الإنكار، وربما أظهر السيد المسيح فى هذه النظرة شفقة وحزناً على بطرس،
فخرج إلى خارج وبكى. فلو لم يكن هذا الشخص هو السيد المسيح لما نظر إلى بطرس
معاتباً، ولما تأثر بطرس بهذه النظرة. ولو كان هذا الشخص غير السيد (*) المسيح، ألم يتعرف بطرس عليه
عندما تلاقت عيونهما وعند ذلك ما كان له أن يخرج ليبكى ندماً على إنكاره لسيده،
وقد أعلن له من قبل ” إن شك الجميع فأنا لا أشك.. ولو اضطررت أن أموت معك لا
أنكرك” (مر14: 28-32).

 

7-
إن شهادة بطرس فى كرازته عن موت المسيح وقيامته هى خير برهان على أنه كان متأكداً
من ذلك. فقد وعظ اليهود قائلاً: “أيها الرجال الإسرائيليون، اسمعوا هذه
الأقوال: يسوع الناصرى.. أخذتموه مسلماً بمشورة الله المحتومة

وعلمه
السابق، وبأيدى أثمة صلبتموه وقتلتموه، الذى أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت، إذ لم
يكن ممكناً أن يمسك منه” (أع2: 22-24).

 

فليعلم
يقيناً جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذى صلبتموه أنتم رباً
ومسيحاً” (أع2: 36).

 


إن إله إبراهيم وإسحق ويعقوب وإله آبائنا مجد فتاه يسوع الذى أسلمتموه أنتم
وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس، وهو حاكم بإطلاقه. ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار
وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه. الذى أقامه الله من الأموات
ونحن شهود ذلك” (أع3: 13-15). (إقرأ أيضاً أع4: 2، 10، أع5: 30-32، أع10: 39
40).

 

وفى
رسالته تحدث عن موت السيد المسيح قائلاً: “عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء
تفنى بفضة أو ذهب، بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح معروف
سابقاً قبل تأسيس العالم. ولكن قد أظهر فى الأزمنة الأخيرة من أجلكم، أنتم الذين
به تؤمنون بالله الذى أقامه من الأموات وأعطاه مجداً” (1بط1: 18-20).

 

(إقرأ
أيضاً 1بط3: 18، 2: 21، 24، 5: 5).

 

لقد
تم صلب السيد المسيح وأعلن عنه بطرس، وشهد له، وجعله أساس الإيمان المسيحى؟ ولو
كان المصلوب شخصاً آخر، فمن يصدق أن بطرس يقدم حياته للموت وهو عالم أن المصلوب
ليس هو المسيح؟

 

ما
أسهل إلقاء القول على عواهنه بدون دليل أو برهان وماذا نقول لأناس ينكرون الشمس فى
رابعة النهار؟

 

هل أنكر السيد المسيح
أنه هو المصلوب أثناء المحاكمة؟

جاء
فى كتاب المسيح بين الحقائق والأوهام ص76: “لقد جاء فى كتبهم أن رئيس الكهنة
سأل المصلوب قبل تنفيذ الحكم وقال: أستحلفك بالله الحى أن تقول لنا هل أنت المسيح
ابن الله. قال يسوع: أنت قلت (مت26: 63-64). إن قول المصلوب أنت قلت، إنكار لا شك
فيه، ولو كان كما يزعمون هو المسيح، لما وسعه إلا بالجواب الصريح، لاسيما ورئيس
الكهنة يستحلف بالله. فهل لا يأبه المسيح بالله العظيم؟ إن إنكار المصلوب كونه
المسيح بعد القسم عليه، لدليل لا شك فى كونه غيره ” (*).

 

التعليق:

أولاً:
ان رئيس الكهنة لم يسأل المصلوب قبل تنفيذ الحكم، ولكن السؤال كان أثناء المحاكمة
لإيجاد دليل إتهام له.

 

ثانياً:
لكى تكون الصورة واضحة سوف نذكر النص الكتابى – الذى اقتبس منه – كاملاً لكى نرى
من خلاله هل أنكر المصلوب أنه هو المسيح؟

 


والذين أمسكوا يسوع مضوا به إلى قيافا رئيس الكهنة، حيث اجتمع الكهنة والشيوخ،
وكان رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع يطلبون شهادة زور على يسوع لكى يقتلوه. فلم
يجدوا. ومع أنه جاء شهود زور كثيرون لم يجدوا. وأخيراً تقدم شاهدا زور وقالا: هذا
قال إنى أقدر أن أنقض هيكل الله وفى ثلاثة أيام أبنيه. فقام رئيس الكهنة وقال. أما
تجيب بشئ. ماذا يشهد به هذان عليك؟ وأما يسوع فكان ساكتاً. فأجابه رئيس الكهنة
وقال: أستحلفك بالله الحى أن تقول لنا: هل أنت المسيح ابن الله؟ فقال له يسوع: أنت
قلت. وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على
سحاب السماء، فمزق رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلاً: قد جدف، ما حاجتنا بعد إلى
شهود. ها قد سمعتم تجديفه. ماذا ترون؟ فأجابوا وقالوا: إنه مستوجب الموت”
(مت26: 57-66). وأنظر (مر14: 53-64، لو22: 66-71). لقد قبضوا على المسيح واقتادوه
إلى قيافا رئيس الكهنة، وأمام
الإتهامات الموجهة إليه
كان يسوع ساكتاً (مت26: 62-63). ولم يجب بشئ (مر15: 61). فلماذا كان صامتاً؟ وهل
فى هذا الصمت دليل على أنه ليس هو المسيح؟

 

فى
أوقات كثيرة كان الصمت أبلغ من الكلام:

فهناك
صمت القلب المندهش المعجب، وهناك صمت الاحتقار وصمت الخوف وصمت القلب الحزين،
وهناك صمت الكارثة أو المأساة. هذا صمت، لأنه لا يوجد كلام، وهذا بعينه كان صمت
يسوع، لأنه عرف أنه لا يوجد ارتباط أو تفاهم بينه وبين اليهود. لأن وسائل الاتصال
قد انقطعت تماماً؛ فقد أسدلت الكراهية ستاراً حديدياً بينهم وبينه. إنه لموقف مرير
أن يجد الإنسان نفسه غير مقتنع بالكلام لأنه لا فائدة منه.

 

ونستطيع
أن نضيف أسباباً أخرى لهذا الصمت:

 

1)           
لأنه لم يكن لرؤساء الكهنة الحق فى الجلوس على
كرسى القضاء بسبب مخالفتهم الشريعة فى القبض عليه.

 

2)           
لأن محاكمتهم لم تكن قانونية.

 

 (أ)
إذ أن التهمة التى وجهوها إليه، وهى التجديف، كان من الواجب أن لا تناقش سراً فى
بيت، بل أمام الملأ علناً.

 

 (ب)
لأنهم استدعوا شهوداً لم يلتقوا به عن قرب، ومن ثم لم يستطيعوا أن يذكروا الأقوال
التى خرجت من فمه.

 

3)           
لأن أسئلتهم للسيد المسيح، كانت أسئلة تهكمية،
وليست إستفسارية والسيد المسيح أرفع من أن يجيب على مثل هذه الأسئلة.

 

4)     لأن
السيد المسيح لم يكن مضطراً للإجابة على أسئلتهم. فالهدف من الأسئلة ليس هو
المعرفة، بل ليجدوا ما يشتكو به عليه، وعندما صرح لهم بأنه هو المسيح لم يؤمنوا،
بل قالوا: قد جدف.

 

5)           
لأن المسيح كان عارفاً أنه قد أتت الساعة، وهو
الآن فى طريقه للصليب، حسب إرادة الله المحتومة وعلمه السابق.

 

6)     لأنه
لم يكن هناك فائدة من الكلام وأنه مهما قال، فإنه لن يغير من الأمر شيئاً مما
قرروه، وقد أوضح ذلك بقوله: “إن قلت لكم لا تصدقون وإن سألت لا تجيبوننى ولا
تطلقوننى” (لو22: 67-68). أى أن الحوار أصبح غير
مجد لأنهم
سبقوا وقرروا “أنه خير أن يموت إنسان واحد عن الشعب” (يو18: 14).

 

لهذه
الأسباب صمت المسيح أمام الكهنة، ولم يكن صمته إنكاراً منه أنه المسيح.

 

ولكن
عندما وجه قيافا إلى يسوع القسم الأعظم فى الدستور العبرانى، ” أستحلفك بالله
الحى” لم يكن هناك مفر أن يجيب يسوع وهو اليهودى التقى النقى المحافظ على
الشريعة، صوناً لحرمة هذا القسم العظيم. وقد جاء بكتاب المشنا اليهودى: “إذا
قال قائل: أستحلفك بالله القادر على كل شئ أو بالصباؤوت، أو بالعظيم الرحيم،
الطويل الأناة، الكثير الرحمة، أو بأى لقب من الألقاب الإلهية، فإنه كان لزاماً
على المسئول أن يجيب “.

 

ورغم
أن صيغة سؤال قيافا قد توحى بأنه لم يأت كاستفهام نزيه غير مغرض.. هل أنت المسيح؟
أنت السجين الضعيف الذى تخلى عنك الجميع.. إنه سؤال ينم عن السخرية اللاذعة أو
الغضب الشديد. ولو أن رئيس الكهنة كان يتكلم ساخراً، إلا أن ما قاله تطابق مع ما
كان يقوله رب المجد يسوع عن نفسه.

 

والنص
” أنت قلت” أو “أنتم تقولون إنى أنا هو” الذى يقع على الأذن
فى العصر الحديث موقع المراوغة والتملص، لم يكن فيه شئ من هذا المعنى لدى الفكر
اليهودى المعاصر للسيد المسيح. فعبارة “أنت تقول” كانت الوضع التقليدى
الذى يجيب به اليهودى المثقف على سؤال خطير أو حزين.

 

“أنت
قلت”، رد إيجابى به خرج السيد المسيح عن صمته وأجاب رئيس الكهنة بكل حزم عن
حقيقة ذاته، له المجد، وهذا القول هو أسلوب الحكيم الذى قل ودل والذى لا يصدر إلا
عن نفس راسخة مطمئنة، وفى الوقت نفسه هو تقريع لاذع لرئيس الكهنة يدعوه إلى التفكير
والانتباه، لأن حقيقة كون السيد المسيح هو “ابن الله” كانت قد بلغت
مسامع هذا الرجل ومسامع الكهنة معاً، وذلك بعد أن أيدها السيد المسيح بالأدلة
المعجزية، وأثبتها أيضاً من التوراة التى كانت بين أيديهم (تث22: 41-46). ومن ثم
لم يكن
من الواجب أن تعاد هذه الحقيقة أمامهم مرة أخرى.

 

مما
يثبت أن السيد المسيح نفسه هو قائل هذه العبارة أنه قد استعملها فى أقواله كثيراً.
فلما سأله يهوذا الإسخريوطى فى الليلة السابقة للصلب: هل أنا هو -الذى سيسلمك- يا
سيدى؟ أجابه المسيح: أنت قلت (مت26: 25).

 

ولما
سأله بيلاطس الوالى أثناء المحاكمة “فأنت إذن ملك؟” أجابه على الفور: “أنت
قلت” (يو18: 38).

 

وكما
أوضحنا سابقاً أن السيد المسيح لم يكن مضطراً للإجابة على سؤال رئيس الكهنة، لأن
الهدف من السؤال ليس المعرفة، بل ليجدوا ما يشتكون به عليه، لكنه أجاب حتى لا
يستنتجوا من
سكوته أنه رجع عن دعواه
أنه هو المسيح ابن الله الحى.

 

ومن
الأدلة على أن الشخص الذى يحاكم هو السيد المسيح وليس شخص آخر ما يلى:

 

1-   
إن اليهود فهموا من قوله: “أنت
قلت” أنه هو المسيح، والدليل على ذلك أنهم إتهموه بالتجديف، وقالوا: إنه
مستوجب الموت”. والسيد المسيح أيد صحة هذا ولم يقل لهم إنهم قد أخطأوا فهم
أقواله.

 

2-    لو
كانت هذه الإجابة تعنى الإنكار، لأطلق رؤساء الكهنة سراحه، لأنه بذلك يكون قد أنكر
ما يدعيه بكونه هو المسيح، والجماهير التى تبعته على أساس أنه هو المسيح المنتصر
كانت ستفارقه، وبذلك تنتهى القضية كلها

 

3-    إن
بقية قول المصلوب “من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً
على سحاب السماء” فيه يوضح لهم أنه هو المسيح المنتظر الذى تنبأ عنه العهد
القديم فى (دا 7: 13-14). أى أن المصلوب يقتبس النبوات التى جاءت عن المسيح فى
العهد القديم، والتى يعرفها سامعوه جيداً، ومطبقاً إياها على نفسه. فكيف ينكر
المتهم أنه هو المسيح، ثم يطبق – فى نفس القول – نبوات العهد القديم عن المسيح على
نفسه؟ هذا يؤكد أن هذا الشخص هو المسيح نفسه.

 

4-    لو
كان هذا الشخص هو يهوذا أو غيره، فلماذا لم يقل لهم صراحة إنه ليس هو المسيح، حتى
يطلقوا سراحه، ولا يعطى لهم أىة فرصة للالتباس أو التشكك.

 

5-         
ثم أن الأحداث التى تلت ذلك من خلال أقوال
وأعمال هذا الشخص تؤكد لنا أنه هو المسيح.

 

إذاً
استخدام هذه المقولة لإثبات أن المصلوب ليس هو المسيح، هى رامية من غير رام،
وادعاء كاذب ولا سند له من حقيقة.

 

كيف يكون ابن الإنسان
وسط تلاميذه.. وجالساً عن يمين القوة؟

 

جاء
فى ص 124 من كتاب دعوة الحق قول السيد المسيح “من الآن تبصرون ابن الإنسان
جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء” (مت26: 64).

 

ويستطرد
الكاتب قائلاً: وابن الإنسان فى إنجيل متى هو المسيح، والمتحدث يقول

أنه
من الآن أى من اللحظة التى هو يتحدث فيها، يبصرون ابن الإنسان على النحو الذى أشار
إليه. فكيف يكون ذلك، إلا أن يكون المتحدث شخص آخر غير المسيح، إذ لا يمكن أن يكون
هو نفسه المسيح واقفاً بينهم، وفى نفس الوقت يكون المسيح فى مكان آخر جالساً عن
يمين القوة آتياً على سحاب السماء؟ لاشك إذن أن هذا المتحدث شخص آخر غير المسيح،
ولذا حسب اعتقاده قال إنه فى نفس اللحظة التى كان يتحدث هو فيها، يرون المسيح
جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء.

 

التعليق:

أطلق
السيد المسيح على نفسه لقب “ابن الإنسان” كثيراً. فقد ورد هذا اللقب
أكثر من ثلاثين مرة فى إنجيل متى وخمسة عشر مرة فى إنجيل مرقس، وخمساً وعشرين مرة
فى إنجيل لوقا، وفى يوحنا اثنتى عشرة مرة. وقد ذكر مرة واحدة فى حديث إسطفانوس
(أع7: 56) ومرة فى رسالة العبرانيين(عب2: 6)، ومرتين فى سفر الرؤيا (رؤ1: 13،14: 14)

 

لماذا
استخدم
المسيح هذا اللقب فى الإشارة إلى شخصه؟

 

أ-
إن لقب ابن الإنسان يتضمن أنه “المسيا” ولكنه تجنب إستخدام الأسماء
المباشرة للمسيا، وذلك لأن المعاصرين من اليهود لم يكونوا على استعداد لقبول
إعلانه ذلك.

 

ب-
لقد ارتبط تجسد المسيح منذ بداية خدمته بلقب “ابن الإنسان” (يو3: 13).
ويبدو سموه الفريد فى كلماته لنيقوديموس “اليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى
نزل من السماء ابن الإنسان الذى هو فى السماء”. وهذه العبارة الأخيرة
“الذى فى السماء” تتضمن وجوده فى كل مكان، وفى نفس الوقت دليلاً على
لاهوته. “فابن الإنسان” إذن هو “الرب من السماء” ظاهراً فى
صورة بشرية على الأرض، وفى نفس الوقت هو فى السماء.

 

إذن
لقب “ابن الإنسان ” (*)
يعنى السيد المسيح. وحيث أن السيد المسيح هو الإله المتجسد فى صورة بشرية، إذاً من
الممكن أن يكون معهم بالجسد، وفى نفس الوقت لاهوتياً جالساً عن يمين القوة، وآتياً
على سحاب السماء. ثم يجب ألا يغرب عن أذهاننا أن الجلوس عن يمين القوة لا يعنى
المكان لأن الله روح ليس محدوداً بمكان؛ والمعنى هنا مجازى يشير إلى المجد
والكرامة والسلطان. وبالتالى فهذا القول لا يعنى بالمرة أن الشخص المتحدث هنا ليس
هو السيد المسيح.

 

2-
إن كلمة ” من الآن ” لا تعنى هذه اللحظة التى يتكلم فيها الشخص الذى
يحاكم أمام الكهنة، حتى كان يجوز الظن أن هذا الشخص هو يهوذا، لأن الكهنة لم يروا
المسيح وقتئذ جالساً عن يمين الله أو آتياً على سحاب المجد.

 

ويتضح
هذا من الترجمات الإنجليزية:

1-         
I say unto
you, here after ye shall see the son of man.     (K.J)

2-         
The time has
come when you will see.                     (Rieu)
.

3-         
Shortly you
will see.                                                   (Ber)
.

4-         
In the
future you will see.                                          (Mof)
.

5-         
You will in
the future see the son of man.                (Ant)
.

6-         
In the
future.                                                                (N.iv)
.

فكلمة
” الآن” ترجمت         
Here
after, in the future, shortly

 

وهى
تعنى فى المستقبل أو فيما بعد أو بعد قليل.

3-
إن الفعل “تبصرون” لا يرد فى اللغة اليونانية – اللغة الأصلية للإنجيل –
فى صيغة المضارع، بل فى صيغة المستقبل، وترجمته الحرفية “ستبصرون”. وقد
ترجم إلى اللغة العربية “تبصرون” لأن الفعل المضارع فى اللغة العربية
إذا لم يسبقه حرف “لم” فإنه يدل على الحال والاستقبال معاً (شرح شذور
الذهب. ص 61).

 

وهذا
واضح فى الترجمات الإنجليزية – المذكورة سابقاً – حيث جاء الفعل فى صيغة المستقبل
You will see.

وأيضاً
فى الترجمات العربية الحديثة ” وأنا أقول لكم: سترون اليوم ابن الإنسان
جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء”. “وأقول لكم أيضاً إنكم
منذ الآن سوف ترون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة ثم آتياً على سحاب السماء
“.

4-
آتياً على سحاب مجده تعنى تبرير وتمجيد ابن الإنسان فى السماء. وقد جاء فى (دا 7: 13-14)
“كنت فى رؤى الليل وإذ مع سحب السماء مثل ابن الإنسان أتى وجاء إلى القديم
الأيام فقربوه قدامه فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم
والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول وملكوته ما لن ينقرض “.

 

فعلى
ضوء هذه الآيات نجد أنها تعنى مجئاً إلى الله ليعطى ملكوتاً. والعبارتان تشيران
إلى نفس حالة المجد، وليس إلى موقفين متعاقبين أو حدثين منفصلين، بل تشير إلى فترة
تبدأ من الآن، لأنه سرعان ما سيتضح سلطان ومجد السيد المسيح. أى أن هذا النص يشير
إلى مجئ السيد المسيح إلى الآب. وهذا ما حدث بغد فترة قصيرة من القول به، عندما
قام السيد المسيح وجلس عن يمين الله وهو الآن فى سلطانه الأسمى، وهو سلطان يصل إلى
ذروته عندما يروا يسوع كديان للعالم.

5-
إن القول ” تبصرون ابن الإنسان”، وليس تبصروننى، لا يدل على أن السيد
المسيح لم يكن هو المتكلم، بل على العكس يدل على أنه هو بعينه، لأنه هو الذى كان
قد إستعمل هذا اللقب عن نفسه. وقد قال لليهود عن نفسه من قبل ” وأما ابن
الإنسان فليس له أين يسند رأسه “.

كما
قال لهم ” إن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا” (مر8: 10).
ولم يقل إن لى سلطاناً أن أغفر الخطايا، الأمر الذى يدل على أن الشخص الذى كان
يحاكم أمام الكهنة هو السيد المسيح (*)
وليس يهوذا أو أى شخص آخر.

 

المصلوب المهان. كيف
يكون ملكاً؟

كتب
عبد الرحمن سليم البغدادى: “عندما بشر الملاك جبرائيل العذراء مريم بميلاد
المسيح (1)
قال لها بأن الله يجلس ولدها على كرسى داود ويملك على بيت داود إلى الأبد، ولاشك
أن قول جبرائيل حق ووعد الله صدق. فلو قلنا إن المهان المصلوب هو المسيح، للزم منه
بطلان تلك البشارة الصادقة، وهو محال. فبالضرورة يثبت أن المهان المصلوب ليس هو
ذات المسيح.. فالقول بأن المسيح هلك وما ملك يقضى السخرية والكذب من الرسل والبداء
من المرسل والكل محال ” (2)

 

التعليق:

1-    يقول
الكاتب: ” القول بأن المسيح هلك وما ملك يقضى السخرية والكذب من الرسل
والبداء من المرسل والكل محال. وأقول إن القول برفع المسيح حياً إلى السماء دون أن
يملك يقضى بمثل هذا وهذا أيضاً محال.

 

2-    يقول
أيضاً: ” إن قول جبرائيل حق، ووعد الله صدق.. وإن تلك البشارة صادقة”.
وطبعاً هذا ينطبق على كل الوعد وليس على جزء منه. ومن هذا الوعد “أن المسيح
يكون عظيماً وابن العلى يدعى” فهل يصدق المؤلف هذا؟ أم أنه لا يعرف ما
المقصود ب “ابن العلى”؟ أما إنه يأخذ من النص ما يفيد غرضه ويترك الباقى.
هل يدرك المؤلف المعنى المراد بابن العلى (3)
أو ابن الله؟ إنه:

 

1)           
تعبير يكشف عن عمق المحبة السرية التى بين
المسيح والله.

2)           
يراد به إظهار المسيح لنا: هذا هو ابنى الحبيب
الذى به سررت. له اسمعوا.

3)     ويراد
به إظهار التشابه والتماثل فى الذات وفى الصفات وفى الجوهر.. المسيح هو بهاء مجد
الله ورسم جوهره. وقال
هو عن نفسه “من
رآنى فقد رأى الآب” و”أنا والآب واحد”. فهل يؤمن أن هذا القول حق،
ووعد صدق، وبشارة صادقة؟

 

ومن
النص السابق نرى أن السيد المسيح سوف يأتى ويكون عظيماً وابن العلى يدعى، يملك على
بيت يعقوب إلى الأبد. وإذا كانت هذه هى محتويات النبوة، لصح هذا الإتهام، ولكن
النبوة تقول ” ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية “.

 

فالملك
هنا أبدى لا نهاية له. وهذا يدل على أن هذا الملك لا يمكن أن يكون أرضياً محدداً
بل هو ملك روحى، أو بالأحرى هو ملكوت الله. وتم هذا الوعد بيسوع المسيح إذ
“رفعه الله بيمينه رئيساً
ومخلصاً” (أع5: 31).
فهو يملك إلى الأبد سائداً على قلوب شعبه، ومملكته هى المملكة الوحيدة التى لا
تنقرض، لأن المسيح لا يضطر إلى ترك مملكته بالموت كملوك الشر.

 

وقد
أوضح السيد المسيح هذا الأمر لبيلاطس أثناء محاكمته له، عندما قال له بيلاطس: أفأنت
إذن ملك؟ أجاب يسوع: “أنت تقول إنى ملك” (يو18: 33-37). لأن بيلاطس
بسؤاله السيد المسيح كان يعنى (هل يمكن أن تكون ملكاً وأنت ضعيف وديع مهان مشكو
ضدك كجان).. وعندما أجابه السيد المسيح قائلاً: “أمن ذاتك تقول هذا أم آخرون
قالوا لك عنى؟” فإنه قصد أن يبين لبيلاطس مراده بلفظة “ملك” قبل أن
يجاوبه على سؤاله. فكأن السيد المسيح يريد أن يقول له: إن أردت بالملك ما يعنيه
الرومانيون، أى هل أنا ملك أرضى كقيصر؟ قلت لا. ولكن إن أردت بالملك ما يعنيه
اليهود فى نبواتهم. فالجواب: نعم، واليهود عرفوا أن المسيح أعلن أنه ملك روحى،
وأرادوا أن يفهم بيلاطس أنه ادعى كونه ملكاً أرضياً.

 

ثم
قال السيد المسيح: مملكتى ليست من هذا العالم. ومعنى هذا نعم إنى ملك، ولكن مملكتى
ليست أرضية مستندة على جيوش وأسلحة. إن أصل مملكتى روحى من السماء، وهى تسود على ضمائر
الناس وقلوبهم طوعاً واختياراً، وسلطتها سلطة روحية، ويقوم انتصارها بانتشار الحق.
هذه المملكة تأسست على موت السيد المسيح، ويسودها روح المسيح، وشريعتها إرادة الله
وغايتها مجد الله وخلاص الناس وسعادتهم الأبدية.

 

لذلك
لم يأذن السيد المسيح لأحد من أتباعه أن يحامى عنه. وسلم نفسه بلا معارضة لمن
قبضوا عليه. أى أن مملكة المسيح ليست مملكة سياسية أرضية يسود فيها السيد المسيح
لفترة حتى يقال كيف أن المسيح هلك وما ملك؟ ولكنها مملكة روحية يسود فيها السيد
المسيح المقام إلى الأبد. وبالتالى، فالإستناد إلى هذا النص لإثبات عدم صلب المسيح
وصلب أى شخص آخر هو رامية من غير رام.

 

المسيح عليه
السلام لم يصلب لأن المصلوب ملعون:

 

جاء
فى ص1 من كتاب (وما قتلوه وما صلبوه.. أدلة من الإنجيل..) المسيح عليه السلام لم
يصلب.. (التثنية21: 23) “لأن المعلق ملعون من الله”.. ثم يقول: أليس
معنى اللعنة الطرد من رحمة الله سبحانه وتعالى؟ أيرضى الله سبحانه وتعالى بذلك
لابنه؟ لقد كافأ الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام على طاعته لأمر الله
سبحانه وتعالى بذبح ابنه اسماعيل عليه السلام وفداه بذبح عظيم. كما جاء فى سفر
التكوين الأصحاح 22: 13، فهل اسماعيل عليه السلام أعز على الله سبحانه وتعالى من
عيسى عليه السلام؟ لماذا يضحى الله سبحانه وتعالى بابنه من أجل الفساق والفجار؟
أيحبهم أكثر من ابنه؟ ثم يتسائل قائلاً: ما رأى المدافعين عن حقوق الأولاد؟ أليس
هذا ما يسميه الغرب النصرانى
Child
Abuse
؟

 

ويقول
صاحب كتاب المسيح بين الحقائق والأوهام ص174: شهدت التوراة أن المصلوب ملعون من
الله، وذلك بقولها “لأن المعلق ملعون من الله” (تث21: 23).. ومن الغريب
أن المسيحيين يدعون أن المسيح هو الله. فهل يلعن الله نفسه؟ واللعن كما هو معروف
هو الطرد من رحمة الله، وحيث أنه غير جائز أن يكون المسيح ملعوناً، فالمعلق لاشك
سواه.

 

التعليق:

جاء
فى (تث21: 22)
“وإذا كان على إنسان خطية حقها الموت فقتل وعلقته على خشبة،
فلا تبت جثته على الخشبة بل تدفنه فى ذلك اليوم، لأن المعلق ملعون من الله. فلا
تنجس أرضك التى يعطيك الرب إلهك نصيباً “.

 

وفى
الشريعة اليهودية، من يعلق على الصليب كان يقتل أولاً رجماً بالحجارة أو بأى طريقة
أخرى حسب نصوص الشريعة أو حكم القضاة، ثم تعلق جثته على عمود من الخشب أو على شجرة
أو صليب تشهيراً بذنبه، ولكى يراه الكثيرون فيعتبرون. وقد قضت الشريعة أن الذى
يقتل وتعلق جثته تنزل من على الخشبة فى نفس اليوم الذى علق فيه وتدفن، وذلك
“لأن المعلق ملعون من الله”، أى واقع تحت غضبه ومحروم من بركته لأنه كسر
ناموسه وتعدى عليه بعمله الفظيع الذى استحق عليه لا الموت فقط، بل التشهير أيضاً.
أى أن:

 

1)           
اللعنة ليست لأن الشخص معلق على الخشبة، لكن
لأنه كسر الوصية فتم فيه حكم الموت حسب الشريعة، ثم علق على الخشبة.

 

2)     كون
المسيح علق على خشبة الصليب، فهذا لا يعنى أنه ملعون. ولكننا نؤمن أن “المسيح
افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا، لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة،
لتصير بركة إبراهيم للأمم فى المسيح يسوع” (غل3: 13-14).

 

فكيف
صار المسيح لعنة من أجلنا؟

المسيح
قد افتدانا، بمعنى أنه دفع فدية ليستردنا من اللعنة الناتجة عن فشلنا في تتميم
وصايا الناموس، وذلك بأن صار لعنة لأجلنا”. والصيرورة هنا لا يمكن أن تكون
فعلاً طبيعياً، يتم بتغيير في طبيعة الإنسان، لأن الوحي المقدس يشهد عن المسيح
منزهاً اياه عن أي تغيير في طبيعته، فيعبر عنه الرسول بقوله عنه “لأنه كان
يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلي من
السموات” (عب 7: 26).

 

فهو
القدوس الذي قال عنه الملاك المُبشر بولادته للعذراء المباركة ” الروح القدس
يحل عليك وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود
منك يدعي
ابن الله” (لو 1: 35) وقد كانت شهادة الفديس بطرس الرسول عنه بالوحي الإلهي
“الذي لم يفعل خطية، ولا وجد في فمه مكر، الذي إذ شتم لم يكن يشتم عوضاً وإذ
تألم لم يكن يهدد، بل كان يسلم لمن يقضي بعدل” (1 بط 22 – 23).

 

ولكنه
صار لعنة علي قياس قول الرسول: “لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية” (2 كو
5: 21) بمقتضي النص النبوي “كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد الي طريقه والرب
وضع عليه إثم جميعناً” (إش 53: 6).. هذا هو مبدأ النيابة العام الذي يعامل به
الخالق القدوس جميع ابناء الجنس البشري.

 

لأنه
مكتوب ملعون كل من علق علي خشبة: هنا بين الرسول كيف صار المسيح لعنة؟

 

أولاً:
بالنسبة لحكم الناموس (تث 21: 22 – 23).

ثانياً:
بالنسبة لتنفيذ الحكم في وقوعه عليه

هكذا
تم الأمر وعلق السيد المسيح علي خشبة إتماماً لما تنبأ به عن نفسه “مشيراً
الي أية ميتة كان مزمعاً أن يموت” (يو 12: 13، 18: 32)،
حيث قال
“كما رفع موسي الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان” (يو 3: 14).
وبين ذلك لليهود في قوله: “متي رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا
هو” (يو 18: 28)، “وأنا ان أرتفعت عن الأرض أجذب إليّ الجميع” (يو
12: 32). هذا الارتفاع الذى يشير إليه السيد المسيح هو التعليق علي الخشبة. كما
عبر عنه القديس بطرس الرسول: قتلوه معلقين إياه علي خشبة” (أع 1: 38 – 39)
وأوضحه القديس بولس الرسول قائلاً: “ولما تمموا كل ماكتب عنه، أنزلوه عن
الخشبة” (أع 13: 29) التي علقوه عليها “.

 

فالسيد
المسيح قد حمل خطايانا، ومات فداء عنا، تحمل اللعنة، لكي تتحقق لنا البركة، وقد
فعل ذلك حباً وطواعية باختياره.

 


إن ما بدا لناقدي المسيح أمراً مخزياً، بل بغيضاً، رآه أتباعه أمراً مجيداً للغاية..
إلا أن أعداء الإنجيل لم يشاركوا هذه النظرة، ولا يشاركون فيها. وليس ثمة شرخ بين
الإيمان وعدم الإيمان
أعظم من الشرخ القائم
بينهما من حيث موقف كل منهما تجاه الصليب0 فحيث يري الايمان مجداً، لا يري عدم
الإيمان سوي الخزي.

 


فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، وأما عندما نحن المخلصين فهي قوة الله”
(1كو 1: 18).

 


لأن اليهود يسألون آية واليونانيين يطلبون حكمة. ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً،
لليهود عثرة ولليونانين جهالة” (1كو 1: 22 23).

 

لقد خذله الحواريون؛
فمن كان شهود الصلب؟

يقول
صاحب كتاب “وما قتلوه. وما صلبوه.. أدلة من الإنجيل “:

جاء
فى إنجيل مرقس الإصحاح (14: 27) من أقوال المسيح عليه السلام: “أن كلكم تشكون
فى هذه الليلة”.. ثم يذكر ما جاء فى مرقس الإصحاح (14: 50) “فتركه
الجميع وهربوا “.
ويضيف قائلاًً.. لقد
خذله الحواريون؛ فمن كان شهود الصلب؟.

 

التعليق:

لقد
أعلن الوحى الإلهى أن “تقوم كل كلمه على فم شاهدين أو ثلاثة” (مت 18: 16)
وأيضاً (2كو 13: 1). وفى إثباتنا لحقيقة أن المصلوب هو رب المجد يسوع المسيح نقدم
شهود حوادث الصلب من ساعة القبض عليه
وحتى قيامته
من الأموات.

 

أ- شهود
العيان أثناء القبض على السيد المسيح:

كان
التلاميذ مع السيد المسيح فى البستان عندما جاء الجنود للقبض عليه (مت26: 45-50)
وقدم السيد المسيح نفسه للجنود طالباً منهم أن يدعوا تلاميذه يذهبون (يو18: 8-9).
ونرى فى المشهد القديس بطرس الرسول يستل سيفه ويقطع أذن عبد رئيس الكهنة (يو18: 10).

 

فالتلاميذ
الذين سجلوا لنا فيما بعد فى الأناجيل والرسائل كانوا شهود عيان لعملية القبض على
المسيح. فكيف نشكك فى شهادة شهود العيان ونصدق أقولاً تقال بغير دليل؟ ونجد فى
المشهد أيضاً يهوذا، التلميذ الخائن، يقود شرذمة من الجنود للقبض على المسيح، ولست
أدرى كيف تحول المرشد والدليل إلى شخص مقبوض عليه. إنه لشئ مستحيل أن يخطئ الجنود
فيقبضوا على يهوذا السائر معهم بدلاً من السيد المسيح.

 

ب- شهود
العياان أثناء المحاكمة

1- التلاميذ:

بعد
القبض على السيد المسيح اقتادوه إلى دار رئيس الكهنة، وقد ذهب إلى هناك تلميذ كان
محبوباً ومقرباً لدى المسيح، وهو يوحنا وكان معروفاً عند رئيس الكهنة (يو 18: 15).
وأيضاً القديس بطرس، وقد تبعه من بعيد. فوجودهما يؤكد أن هذا الشخص هو المسيح.

 

وقد
قال القديس يوحنا “الذى رأيناه بعيوننا، الذى شاهدناه ولمسته أيدينا”
(1يو1: 1) وقد نظر السيد المسيح إلى القديس بطرس بعد أن أنكره نظرة عتاب، فخرج إلى
خارج وبكى بكاء مراً (مت 26: 75). فلو أن المقبوض عليه كان شخصاً غير السيد المسيح،
ما الذى يدفع بطرس إلى البكاء؟ وهل عندما التقت العيون، لم يكن فى إمكان بطرس أن
يتعرف على هذا الشخص لو لم يكن هو المسيح، ولاسيما أن يهوذا شخص معروف لديه؟

 

وهل
لم يكن لدى يوحنا التلميذ المحبوب والذى كان قريباً جداً منه قدرة على تمييز شخصه.

 

2- رؤساء
الكهنة والكتبة والشيوخ:

كان
السيد المسيح فى الهيكل عديداً من المرات
محاوراً
ومعلماً وموبخاً. وهذا يؤكد أنه كان شخصية معروفة لدى الكثيرين منهم، وحيث أن السيد
المسيح قد حوكم لفترة طويلة أمامهم، فلو أن هذا الشخص لم يكن السيد المسيح لأمكنهم
اكتشاف ذلك بسهولة.

 

3- الشهود
الذين شهدوا عليه زوراً:

عند
محاكمة السيد المسيح “تقدم شاهدا زور وقالا: هذا قال إنى أقدر أن أنقض هيكل
الله وفى ثلاثة أيام أبنيه” (مت 26: 60-61).

 

ومما
لا شك فيه أن هذين الشاهدين قد سمعا يسوع فى الهيكل عندما تفوه بهذا القول ولكنهما
شوها هذا القول وقدماه بما يخدم الإتهام المطلوب. ورغم هذا فهما قد عرفا المسيح
وسمعاه، فإذا لم يكن هو الماثل أمامهما لكانا قد عرفاه.

 

4- شهود
عيان لأحداث ما قبل الصلب

بعد
المحاكمة الدينية أمام حنان وقيافا والسنهدريم، ثم المحاكمة المدنية أمام بيلاطس،
صدر الحكم بصلب المسيح. وهناك عدة أمور قد حدثت منها نستطيع أن نعرف شخص المصلوب:

 

طبقاً
لقانون الجزاء الرومانى كان المصلوب يحمل آلة عذابه وموته، ويطاف به وهو حامل
صليبه فى شوارع المدينة ليكون عبرة للآخرين. وقد أخذوا المسيح ومضوا به “فخرج
وهو حامل صليبه إلى الموضع الذى يقاله له موضع الجمجمة.. حيث صلبوه.. وكتب بيلاطس
عنوانا ووضعه على الصليب وكان مكتوباً: يسوع الناصرى ملك اليهود. فقرأ هذا العنوان
كثيرون من اليهود، لأن المكان الذى صلب فيه يسوع كان قريباً من المدينة. وكان
مكتوباً بالعبرانية واليونانية واللاتينية” (يو 19: 17-20).

 


من هنا نرى أن المسيح، وهو حامل صليبه إلى خارج المدينة (عب 13: 12)، رآه الكثيرون
ومن المؤكد أن بعضهم قد عرفه وتعرف عليه. ثم أن المكان الذى صلب فيه كان قريباً من
المدينة. فهل عميت عيون الجميع فلم يعرفوا هل هذا يسوع المسيح أم يهوذا
الإسخريوطى؟

 

النسوة
الباكيات على المصلوب: “وتبعه جمهور كثير من الشعب والنساء اللواتى كن

يلطمن
أيضاً وينحن عليه، فإلتفت يسوع وقال: يا بنات أورشليم لا تبكين على بل ابكين على
أنفسكن وعلى أولادكن.. لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا فماذا يكون
باليابس” (لو 23: 27،28،30).

 

لقد
تبع يسوع – وهو حامل صليبه – جمهور كثير من الشعب والنساء، فهل فى كل هذا الجمهور
لم يوجد شخص يستطيع أن يعرف هل هذا هو المسيح أم شخص آخر غيره؟

 


وعندما تحدث إلى النسوة، هل لم يستطع الجمهور أن يميز صوته الذى قد سمع كثيراً من
خلال عظاته وتعاليمه، وأعتقد أن يسوع كان له صوت مميز بدليل أن مريم المجدلية لم
تتعرف عليه عند قيامته،
ولكن عندما خاطبها يا
مريم، عرفته من صوته (يو 20: 16).

 

ما
قاله الشخص المصلوب هنا هو نبوة عن خراب أورشليم بعد أربعين سنة. وكما كان الرومان
آلة بيد اليهود لموت المسيح (العود الرطب)، سيكون الرومان أنفسهم أيضاً آلة بيد
الله للانتقام وإحراق العود اليابس (اليهود).

 

5- شهود
الصلب:

كان
عند الصليب أحباء المسيح وأعداؤه، وهم شهود عيان لما حدث:

 

1- تلاميذه
وأحباؤه:


كانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية، فلما رأى
يسوع أمه والتلميذ الذى كان يحبه واقفاً، قال لأمه: يا امرأة هوذا ابنك ثم قال
للتلميذ: هوذا أمك. ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته” (يو 19: 25-27).

 

فإذا
جاز الخطأ والإشتباه على الغرباء، فهل يجوز على الأقارب والأحباء؟ هل يجوز الخطأ
على العذراء مريم، فلا تتعرف على ابنها. اعتقد أن هذا مستحيل. ويوحنا، وقد كلمه
المصلوب وسلمه أمه، يسجل لنا كشاهد عيان لموت المسيح على الصليب، هذا القول
“والذى عاين شهد وشهادته حق وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم” (يو
19: 35).

 

2- الكهنة
والكتبة والمارة والمجدفون:


كان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم قائلين: يا ناقض الهيكل وبانيه فى
ثلاثة
أيام خلص نفسك. إن كنت ابن الله فإنزل عن الصليب.
وكذلك رؤساء الكهنة أيضاً وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا: خلص آخرين وأما
نفسه فما يقدر أن يخلصها. إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن
به” (مت 27: 39-42) وأيضاً (مر 15: 29-31، لو 23: 35-37).

 

فهل
لم يتصادف أن يكون بين هؤلاء شخص واحد يستطيع أن يتعرف على المصلوب إذا لم يكن هو
المسيح؟

 

3- قائد
المئة والذين معه من الجنود:

هل
لم يكن أحد منهم عارفاً السيد بالمسيح؟ أن قائد المئة عندما رأى ما رافق الصلب من
أحداث ارتبطت بشخص المسيح قال: “حقاً كان هذا ابن
الله”
(مت 27: 54). ثم أن رفض المصلوب أن يشرب المخدر يؤكد أنه هو المسيح. “ولما
أتوا إلى موضع يقال له الجلجثة، وهو يسمى موضع الجمجمة، أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة
ليشرب. ولما ذاقه لم يرد أن يشرب” (مت 27: 33-34).

 


كانت العادة عند اليهود،كما كانت عند سائر الشعوب القديمة، أن يعطى المحكوم عليه
بالموت شراباً مخدراً، يلطف من ألمه، ذلك هو الشراب الذى ذكره متى، أن المسيح ذاق
ولم يرد أن يشرب، لأنه أخذ على نفسه أن يشرب الكأس التى أرادها له الآب لتكون
للفداء ” (*).

 

6- شهود
العيان لعملية الدفن:

بعد
موت المسيح تقدم يوسف الرامى وطلب جسد المسيح لتكفيه ودفنه (مر15: 42-43). وكانت
الشريعة الرومانية تبيح أن تعطى أجساد المحكوم عليهم لمن يطلبها ليقوم بدفنها.
وأخذ يوسف الرامى ونيقوديموس جسد يسوع ولفاه فى أكفان مع أطياب وحنوط وتم دفن
الجسد فى قبر يوسف الرامى (مت 27: 57-61، مر 15: 42-47، لو 23: 50
56، يو 19: 38-42).

 

فهل
هذان أيضاً عميت عيونهما فلم يفرقا بين المسيح ويهوذا؟ أم أنهما اشتركا فى الخدعة
وقاما بتكفين جسد يهوذا على أنه هو المسيح؟ أن الصفات التى ذكرت عنهما فى الكتاب
تجعلهما بمنأى عن هذه الشبهات. فيوسف الرامى، تلميذ ليسوع (مت 27: 57) وهو مشير

شريف
(مر 15: 43) وكان رجلاً صالحاً باراً (لو 23: 50)، أما نيقوديوس فهو فريسى رئيس
لليهود ومعلم إسرائيل (يو3: 1،10).

 

7- شهود
العيان لظهورات المسيح بعد القيامة من الموت:

لو
كان المصلوب هو يهوذا أو أى شخص آخر، لم يكن هناك قيامة من الموت إلا يوم البعث
والحساب.
ولكن لأن المصلوب هو السيد المسيح الذى سبق
وأعلن لتلاميذه مرات أنه سوف يصلب وفى اليوم الثالث يقوم (متت 16: 21، 17: 9، 20: 17-19،
يو2: 18-20)، فقد قام من الموت (مت 28: 6-7، مر 16: 6، لو 24: 7، يو 20: 9). وقد
شهد لحقيقة قيامته كثيرون؛ فقيامة المصلوب من الموت وظهوره لشهود عيان كثيرين
يعرفونه تمام المعرفة يؤكد أن المصلوب هو السيد المسيح.

 

أقوال
المصلوب:

من
خلال الأناجيل الأربعة نجد أن المصلوب قد تفوه بسبعة أقوال وهو على الصليب.
وبالنظر إلى هذه الكلمات نجدها تعلن أن المصلوب هو السيد المسيح، ولا يمكن أن يكون
شخصاً آخر غيره.

 

الكلمة
الأولى: وفيها يقول “يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”
(لو 23: 34). لقد التمس العذر لصالبيه رغم آلامه الجسدية.

 

فهل
لو كان المصلوب أى شخص آخر غير السيد المسيح يستطيع أن يفعل مثل هذا؟ إنها طبيعة
السيد المسيح هى التى أملت عليه هذا القول وجعلته ينسى آلامه الرهيبة ويتشفع من
أجلهم؛ وهو بذلك قدم مثالاً عملياً لتنفيذ وصاياه.. فقد قال من قبل “أحبوا
أعداءكم، باركوا لاعينكم وأحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون
إليكم” (مت5: 44).

 

فالسيد
المسيح هنا ينفذ بنفسه ما سبق أن أوصى به.وهذا يؤكد أن المصلوب هو المسيح.

 

الكلمة
الثانية: عندما قال اللص اليمين للسيد المسيح “اذكرنى يا رب متى جئت فى
ملكوتك. فقال له يسوع: الحق أقول لك أنك اليوم تكون معى فى الفردوس” (لو 23: 42-43)
إنه بهذا القول يعلن ثقته فى النهاية. وهو هنا يعده بأنه سوف يدخل معه الفردوس فى
نفس اليوم، وكلمة الفردوس هنا تشير إلى مقر المباركين فى العالم الآتى (2كو1: 3،
رؤ2: 7). وقول المصلوب للص بأنه سيكون معه فى الفردوس. يعنى غفران خطاياه. وهنا
يمارس المسيح سلطانه الإلهى فى مغفرة الخطايا.

 

فلو كان
المصلوب هو يهوذا أو أى شخص آخر:

1)           
فمن أين جاءه
اليقين فى دخول الفردوس؟ وهو خائن قد باع سيده.

 

2)           
كيف له أن يعد شخصاً آخر بدخول الفردوس؟ وهو لا
يملك هذا لنفسه.

 

3)     من
أين له سلطان مغفرة الخطايا حتى يتمكن اللص من دخول الفردوس. هذا يؤكد لنا أن
المصلوب هو السيد المسيح، لأنه واثق من النهاية، واستجاب لطلب اللص عندما عرف
حقيقته ودعاه “يا رب”، وفى الحال غفر خطاياه ووعده بأنه سيكون معه فى
الفردوس فى نفس اليوم.

الكلمة
الثالثة: عندما أوشك السيد المسيح أن يفارق الحياة وهو على الصليب، أدار بصره فرأى
أمه العذراء مريم وبدأ يفكر فى الأيام الحزينة التى تنتظرها، ورأى بجوارها يوحنا
تلميذه الذى يحبه فنظر إلى أمه، مشيراً إلى يوحنا وقال: “هوذا ابنك”، ثم
نظر إلى يوحنا تلميذه مشيراً إلى أمه وقال: “هوذا أمك” (يو 19: 26-27).

وهاتان
العبارتان تؤكدان أن المصلوب هو السيد المسيح.

1-    لأنه
من المؤكد أن العذراء مريم، لو كان المصلوب شخصاً آخر غير السيد المسيح، لعرفت ذلك
من شكله ومن صوته، حيث أنها كانت على مسافة قريبة جداً حتى تسمع هذا الكلام، وإذا
أخطأ كل الناس فى معرفة السيد المسيح، فلا يمكن أن تخطئ العذراء فى معرفة إبنها.
وإلا فقل على كل عواطف الأمومة السلام.

2-         
لو كان المصلوب هو أى شخص آخر غير السيد المسيح،
لأمكن ليوحنا تلميذه المحبوب اكتشاف ذلك.

3-    إذا
كان المصلوب هو يهوذا، فما الداعى لأن يستودع العذراء مريم لدى يوحنا ويقول لها
هوذا ابنك وهو يعلم أن المسيح ابنها مازال حياً.

فالكلمة
الثالثة تؤكد صحة دعوانا أن المصلوب هو السيد المسيح

الكلمة
الرابعة: قول المصلوب “إلهى إلهى لماذا تركتنى “.

 

يقول
المعترض: جاء فى الأناجيل قول المصلوب إلهى إلهى لماذا تركتنى.هذا الكلام يقتضى
عدم الرضاء بالقضاء، وعدم التسليم لأمر الله خالق والأرض والسماء، والمسيح منزه عن
ذلك بالنسبة لمرتبة النبوة. فكيف
وأنتم تزعمون أنه الإله
وأنه ارتاح إلى الصليب بنفسه، أليس فى هذا دليل على أنه شبه لهم؟.. وإذا كان
الأشخاص العاديون يستبشرون بالموت، فكان بالأولى المسيح. ولما لم يكن الأمر كذلك،دل
على أن المصلوب غيره، فلذلك كان يجزع ويصرخ ويضرع”(*)

 

التعليق:

لقد
أساء الحاضرون (*)
الناطقون باليونانية فهم كلمات المصلوب وظنوا أنه ينادى إيليا ومازال كثيرون حتى
اليوم يسيئون فهم ما قاله. ولقد حاول كثير من المفسرين الدخول إلى أعماق أسرار
معنى قول المصلوب ” إلهى إلهى لماذا تركتنى”(مت 27: 46)، مر15: 34). وقد
ذكروا أربعة آراء نقدم هنا مختصراً لها (**).

 

1-
الرأى الأول: إن السيد المسيح بقوله هذا، إنما كان يذكر اليهود بالمزمور الثانى
والعشرين الذى يبدأ بهذه العبارة. كانوا “يضلون إذ لا يعرفون الكتب”
(مت22: 29)، بينما كانت هذه “الكتب هى التى تشهد له” (يو5: 39) فأحالهم
السيد المسيح إلى هذا المزمور بالذات، وكانوا لا يعرفون المزامير بأرقامها الحالية،
وإنما يسمون المزمور بأول عبارة فيه.. وهذا المزمور قيل بروح النبوة عن السيد
المسيح، وكأن السيد المسيح على الصليب يقول لهم: اذهبوا واقرأوا مزمور “إلهى
إلهى لماذا تركتنى” وانظروا ما قيل عنى.

 

2-
الرأى الثانى: وهو أكثر ميلا للناحية البشرية، فإنه يبدو أن يسوع لا يكون يسوع حقاً،
ما لم يدخل إلى أعماق الاختبار الإنسانى، وقد اختبر البشر أنه فى أثناء سير الحياة
الطبيعى، عندما تدخل المأسى إلى الحياة، تأتى أوقات، وربما مرة واحدة فى الحياة،
عندما يشعر الإنسان أن الله قد نسيه، وحين نجوز فى حالة فوق ادراكنا، نشعر أننا قد
صرنا متروكين من الله نفسه، ولعله ما جاز فيه يسوع كإنسان ليختبر أعمق اختبارات
البشر.

 

3-
الرأى الثالث: أن رب المجد يسوع المسيح كان يردد كلمات العدد الأول من مزمور 22
لنفسه، لأن المزمور، وإن كان يبدأ بوصف الآلام المروعة، ولكنه ينتهى بثقة عظيمة
وانتصار (مز22: 22-24) وقد قيل إن يسوع كان يردد كلمات المزمور تصويراً لحالته
وإعلاناً لثقته الكاملة بالله، لأنه يعلم أن الآلام التى يجتازها ستنتهى بالنصرة
فهى صرخة الإانتصار وليس الجزع والارتياع.

 

4-
الرأى الرابع: إنه فى تلك اللحظة حل الثقل الفظيع لخطايا العالم على قلب يسوع،
وعلى كيانه كله، وإنه فى تلك اللحظة صار من لم يعرف خطية خطية لأجلنا (2كو5: 12).

 

وإن
العقاب الذى حمله عنا نتج عنه بالضرورة “ترك الآب للابن بسبب الخطية، ولا
يستطيع أحد أن يعترض على هذا التفسير، إلا أننا نقف أمام هذا السر العميق مشدوهين
متعجبين. لقد حدث ترك الآب للابن وقد قبله الآب والابن معاً. وهذا التحرك ناجم عن
الخطايا وما تستحقه من جزاء عادل، وقد عبر السيد المسيح عن هذا الترك باقتباسه من
الكتاب المقدس الآية الوحيدة التى وصفته بدقة “إلهى إلهى لماذا تركتنى”،
إن صرخته جاءت على شكل سؤال “لماذا؟” ليس لأنه لم يعرف الجواب، وإنما
فقط لأن نص العهد القديم الذى يقتبس منه كان بهذه الصيغة.

 

إلهى إلهى لماذا
تركتنى؟

قالها
المسيح بصفته نائباً عن البشرية، لأنه أخلى ذاته، وأخذ صورة العبد صائراً فى شبه
الناس (فى2: 7
8)، ووضع نفسه
وأطاع حتى الموت موت الصليب (فى2: 9).

 

وليس
معناها الانفصال، وإنما معناها: تركتنى للعذاب، تركتنى أتحمل الغضب الإلهى على
الخطية. إنها لا تعنى أن الآب ترك الابن “لأنه فى الآب والآب فيه” (يو
14: 11). لم يكن تركاً أقنومياً، بل تركاً تدبيرياً.

 

إنها
تعنى أن آلام الصلب كانت آلاماً حقيقية، وآلام الغضب الإلهى كانت مبرحة وفى هذا
الترك تركزت كل آلام الصليب وكل آلام الفداء.

 

إنها
لم تكن نوعاً من الاحتجاج والشكوى، إنما كانت مجرد تسجيل لآلامه، وإثبات حقيقتها،
وإعلاناً بأن عمل الفداء سائر فى طريقه للتمام (*).

 

إذن
فهذه العبارة لا تعنى بالمرة عدم الرضاء بالقضاء الإلهى وعدم التسليم لأمر الله
خالق الأرض والسماء، ولا تعنى أن المسيح كان يصرخ ويجزع ويضرع، بل قدم نفسه طوعاً
واختياراً وهى أيضاً لا تعنى أن المصلوب غيره. ومعناها أعمق مما يدعون.

 

الكلمة
الخامسة: “أنا عطشان”:

روت
الأناجيل أن المصلوب قال: أنا عطشان، فأعطوه خلاً ممزوجاً بمر، فذاقه ولم يشرب..
بينما يروون عن السيد المسيح أنه صام أربعين يوماً. فكيف يظهر الحاجة والمذلة
لأعدائه بسبب عطش ساعة واحدة؟ أليس هذا دليلاً على أن المصلوب هو غيره (**).

 

التعليق:

لقد
جاء هذا القول في: (متي 27: 33 34) “ولما أتوا إلي موضع يقال له جلجثة وهو المسمي
موضع الجمجة، أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة ليشرب. ولما ذاق لم يرد أن يشرب”.
وأيضاً (مر 15: 23). وجاء فى (يو 19: 28 30) “وبعد هذا رأي يسوع أن كل شيء قد
كمل، فلكي يتم الكتاب قال “أنا عطشان”. وكان أناء موضوعاً مملواً خلاً،
فملأوا إسفنجة من الخل ووضعوها علي زوفا وقدموها الي فمه. فلما أخذ يسوع الخل قال
“قد أكمل”.

 

(مت
27: 48) “وللوقت ركض واحد منهم وأخذ إسفنجة وملأها خلاً وجعلها علي قصبة
وسقاه” وايضاً (مر 15: 36).

 

قبل
التعليق علي هذا الادعاء، نوضح شيئاً آخر. ففي (مت 27: 34) المسيح لم يشرب، وفي
(مت 27: 48، يو 19: 30) شرب. فهل هناك تناقض بين النصوص؟ إذ ينظر الناقد نظرة
سطحية يقول نعم هناك، ولكن إذ ننظر نظرة فاحصة وصادقة نعرف الحق.

 

ففي
المرة الأولى قدم للسيد المسيح خل ممزوج بمرارة، وكان هذا يستعمل كمخدر لتسكين
وتخفيف آلام المصلوبين، وقد رفض المسيح أن يشربه كي يكون في أشد حالات الصحو
والانتباه فيتجرع كأس الآلام حتي آخر قطرة.

 

وفي
المرة الثانية، قال المسيح: أنا عطشان. فجاء هذا موافقاً لما ورد في الكتاب (مز 69:
21) فالمسيح لم يقل أنا عطشان بقصد أن يتم الكتاب، بل لأنه كان عطشاناً فعلاً، لأن
آلام الصليب المحرقة يبست لسانه، لأن أربع ساعات مضت منذ أن علقوه علي الصليب.. إن
بين الكلمات السبع، التي نطق السيد المسيح علي الصليب، لم يفه إلا بهذه الكلمة
الواحدة عن آلامه الجسدية.. هذا عطش فدائي اختبره المسيح ليرفع به عن المؤمنين ذلك
العطش المحرق الذي كان عليهم ان يختبروه في لهيب الجحيم الأبدي (لو 16: 24).

 

قال
المسيح المصلوب: أنا عطشان، ليستطيع المسيح الحي أن يقول بحق: إن عطش أحد فليقبل
إليّ ويشرب” (يو 7: 37).

 


فملأوا إسفنجة من الخل ووضعوها علي زوفا، أي علي ساق من نبات الزوفا في شكل قصبة،
ومن أجل ذلك سماه كل من متي ومرقس “قصبة”، وقدموها الي فمه. وفي هذه
المرة لم يرفض المسيح ان يشرب هذا الخل “.

 

وبالتالي ليس هنا
تناقض بين النصين

*
أما الادعاء إن المصلوب هو يهوذا وليس المسيح، لأن المسيح صام أربعين يوماً فكيف
لم يستطع أن يصبر علي العطش ساعة واحدة.

 

فنقول:
نعم، لقد صام السيد المسيح أربعين يوماً (مت 4). وكان هذا صوماً معجزياً، خارقاً
للطبيعة، لأنه عندما يقول الكتاب رنه “جاع أخيراً” فهذا يدل علي أنه لم
يجع في خلال هذه الفترة، وقد كان هذا عملاً إلهياً معجزياً، له هدف محدد.

 

ولكن
هذا لا يحتم أن تكون كل تصرفات المسيح الطبيعية التي يشارك فيها بني البشر مؤيدة
بالمعجزات والأعمال الخارقة.

 

وعندما
كان السيد المسيح علي الصليب، وطلب ماء ليشرب، فهذا أمر طبيعي بعد معاناة طويلة قد
عاناها المسيح ابن الإنسان، وكون المصلوب عطش وطلب ماء ليشرب فهذا لا يعنى بالمرة
أنه ليس هو المسيح.

 

لأننا
وإن كنا نؤمن أن السيد المسيح هو الله، ولكننا – في نفس الوقت – نؤمن ايضاً أنه
أخذ جسداً بشرياً له نفس صفات جسدنا، ماعدا الخطية.

 

فإذا
كان وهو إله متجسد يستطيع أن يصوم أربعين يوماً، فإنه أيضاً بالجسد كان له نفس
الاحتياجات البشرية. وإذ أظهر لاهوته بعض العلامات الدالة عليه، فإن ناسوته أيضاً
لم يحجب وعبر عن نفسه بعلامات أخري. فاستخدام قول المسيح علي الصليب “أنا
عطشان” للدلالة علي أنه ليس هو المصلوب، هو قول يلقي علي عواهنه بدون دليل
وبرهان، وبقية أقوال المصلوب تؤكد أنه هو السيد المسيح وليس آخر.

 

الكلمة
السادسة: “قد أكمل” (يو 19: 30).

قبل
موته مباشرة، صرخ السيد المسيح بصوت عظيم قائلاً: “قد أكمل”. إن كلمة قد
أكمل في الأصل اليوناني كلمة واحدة (تيتلستاى
Tetelestai)، وهى تعنى صرخة المنتصر، هى هتاف من أتم عمله، ومن فاز فى
المعركة، صرخة رجل خرج من الظلام إلى مجد الضياء وأمسك بالتاج. وهكذا مات يسوع
منتصراً وصيحة الفائز على شفتيه. إنه لم يهمس بها بانكسار من يجتاز وادى الهزيمة،
لقد هتف بها بفرحة من كسب الانتصار. لقد أكمل المسيح هنا عمل الفداء والكفارة.

 

فلو
كان المصلوب أى شخص آخر فلماذا يقول قد أكمل؟ وما هو الشئ الذى أكمله؟ ومن أين له
الفرح والانتصار وهو يوشك أن يفارق الحياة بميتة شنيعة؟

 

الكلمة
السابعة والأخيرة: “يا أبتاه فى يديك أستودع روحى “.

 

قالها
السيد المسيح ثم نكس رأسه وأسلم الروح. وفى هذا النص نرى:

 

أ-
قول المصلوب: “يا أبتاه” وهنا يرد المسيح على الذين كانوا يتحدونه
قائلين: إن كنت ابن الله انزل من على الصليب. فأثبت أنه ابن الله، ولكنه لم ينزل
من على الصليب وإنما رفع الصليب إلى علو السماء.

 

ب-
إن هذه العبارة تعبر عن الثقة، حيث يستودع المسيح المصلوب روحه فى يد الآب.

 

ج-
نكس رأسه: فى الأصل أسند رأسه، كمتعب، يسند رأسه على وسادة بعد رحلة شاقة مرة، إن
المعركة بالنسبة ليسوع قد انتهت بالانتصار، واختبر راحة من أكمل واجبه وأدى رسالته.

 

د-
أسلم الروح: ليست هى العبارة المعتادة أن تقال عن موت إنسان.. فهى توضح أن فى موت
المسيح كان هناك أمر غير عادى على الإطلاق. فهى تشير إلى فعل إرادى تم من المسيح
أى أن موته لم يكن نتيجة طبيعية أو إعياء، بل عملاً طواعياً، وبذلك كان فريداً.
وقبل أن يصبح أى سبب طبيعى مميتاً. وفى اللحظة التى اختارها هو أسلم روحه، حتى أن
بيلاطس تعجب أنه هكذا مات سريعاً (مر 14).

 

فهل
ينطبق هذا على يهوذا؟ هل يستطيع يهوذا فى ذلك الموقف أن يخاطب الله يا أبتاه؟ وهل
له من السلطان أن يسلم روحه فى الوقت الذى يشاء؟ إنه السيد المسيح الذى قال عن
نفسه “ليس أحد يأخذها منى، بل أضعها أنا من ذاتى. لى سلطان أن أضعها ولى
سلطان أن آخذها أيضاً” (يو10: 18).

 

فكلمات
المصلوب إعلان وبرهان لا يقبل الشك أو التأويل أنه هو رب المجد يسوع المسيح.



(*) أنظر الباب الخاص بشهادة الأثار للكتاب المقدس

(1) السهروردى : أبو الفتوح
يحيى بن حبشى أميرك. ولقبه هو : شهاب الدين السهروردى الحكيم المقتول بحلب. ولد
بسهوَرَد بين سنتى 1150-1151م بتلك القرية القريبة من زنجان من أعمال أذربيجان
بالعراق العجمى. وعندما استقر بحلب حقد عليه الفقهاء، وتآمروا به حتى تم قتله
بواسطة الملك الظاهر فى يوليو سنة 1191، وعمره ثمان وثلاثين سنة. له حوالى 48
مؤلفاً أشهرها “حكمة الاستشراق”.. دائرة المعارف الإسلامية. مجلد12. ط1
دار المعارف بيروت. تعليق د. مصطفى حلمى. ص 300-301
.

 (2) الانتصارات الإسلامية فى علم مقارنة الأديان. للشيخ نجم الدين البغدادى
الطوفى، تحقيق أحمد حجازى السقا. ط 1. سنة 1983. ص 101
.

 (3) دائرة المعارف الإسلامية. ط دار الشعب، مجلد 2. ص 452- 454.

 (1) رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء. مجلد 4. دار صادر بيروت. لبنان ص
30-31
.

 (2) جريدة الجمهورية. الخميس 8 يوليو سنة 1982. د. سعد الدين
إبراهيم أستاذ علم الإجتماع بالجامعة الأمريكية. ومؤسس مركز إبن خلدون للدراسات
.

 (1) سنة ثالثة سجن. للأستاذ. مصطفى آمين. صحفى ومؤسس جريدة أخبار اليوم
القاهرية
.

 (2) أرض الميعاد. ط1. سنة 1959. مكتبة الأنجلو. ص 15.

(*) هذا بخلاف الأسفار
القانونية الثانية

(*) لمزيد من التفاصيل أنظر
الباب الخاص بقضية موت السيد المسيح
.

 (1)
الاصطلاح “ابن الإنسان” لقب من الألقاب
التى ينفرد بها السيد المسيح، ولا يراد به أن المسيح ابن من أبناء آدم، بل يراد
به، أنه كإنسان حقيقى بناسوته، هو الذى توافرت فيه صفات الإنسانية فى كمالها الذى
يريده اللّه لها، الأمر الذى جعله رأسها الروحى، بل ونائبها ومخلصها أيضاً – ومن
البديهى أن يكون الأمر كذلك، لأن المسيح ولد من عذراء دون خطيئة على الإطلاق،
مغايراً فى ذلك البشر جميعاً
.

(1) المقصود بالخراف
المؤمنين الحقيقيين، لأنهم يتميزون بالطاعة لله كما تتميز الخراف بالطاعة لراعيها.

(2) اقرأ مثلاً
(مزمور 72 :8، أشعيا9 :6- 7 ، 52 :7، دانيال 2 :44، ميخا4 :7 )
.

(3) لم يكن بطرس فى
ذاته شيطاناً ، بل كان أداة فى يده، ومن ثم كانت لغته مثل لغة الشيطان الملساء،
التى يحاول بها إغراء الناس وأغواءهم
.

(4) “إنكار
المؤمن لنفسه” يراد به عدم التباهى والافتخار بذاته، أو بما يقوم به من أعمال
طيبة.و “حمل الصليب” يراد به الترحيب بالآلام حتى الموت فى سبيل الأمانة
والشهادة للحق فى العالم الحاضر
.

(*) خواطر مسلم حول : الجهاد،
الأقليات، الأناجيل. محمد جلال كشك. دار ثابت للنشر ط2 سنة 1985. ص 163-165
.

(*) المسيح بين الحقائق والأوهام د. محمد وصفى. تحقيق : على الجوهرى. دار
الفضيلة. ص 172
.

(*) المسيح فى مصادر العقيدة
المسيحية. م. أحمد عبد الوهاب. مكتبة وهبة. ط2 سنة 1988. ص181-183. وأنظر أيضاً
دعوة الحق ص 125-126
.

(*) الإعلام. للقرطبى. تحقيق
د. أحمد حجازى السقا. دار التراث العربى. ص414-415 وانظر أيضاً
:

أ – المنتخب الجليل من تخجيل من حرف الإنجيل
لأبى الفضل المالكى المسعودى. تحقيق د. بكر زكى إبراهيم. ط1. سنة 1993. ص 308
.

ب- بين المسيحية والإسلام لأبى عبيدة الخزرجى.
تحقيق د. محمد شامه. ط.2 سنة 1979. ص 161
.

(*)المسيح بين الحقائق والأوهام. د. محمد وصفى.
تحقيق على الجوهرى. دار الفضيلة ص171–172.

(**) الأجوبة الفاخرة. شهاب
الدين أحمد بن أدريس القرافى. دار الكتب العلمية. بيروت. لبنان. ص58 وانظر أيضاً :

1) مناظرة فى الرد على النصارى فخر الدين
الرازى. تحقيق. د. عبدالمجيد النجار. دار الغرب الإسلامى. سنة 1986. ص 49
.

2) الإعلام للقرطبى. تحقيق د. أحمد حجازى
السقا. ص 416
.

(1) المسيحية. د. أحمد شلبى. مكتبة النهضة المصرية، ط6. سنة 1978. ص 42-43
أنظر أيضاً :

أ – محاضرات فى النصرانية. الشيخ محمود أبو
زهرة. دار الفكر العربى. ط4. سنة 1972. ص24-26.

ب-عقائد النصارى الموحدين. حسنى يوسف الأطير.
دار الأنصار. ط1. سنة 1985. ص 243-245
.

جـ- دعوة الحق. عبدالعزيز حسين. ط3. سنة 1994.ص
27-30، 12
.

 (2)
المسيح والمسيحية والإسلام. د. عبد الغنى عبود. دار
الفكر العربى. ط1. سنة 1984، ص 189
.

(*) أنظر لقد خذله الحواريون فمن كان شهود الصليب.

(1) هوذا عبدى – أى المسيح،
ودعى عبداً لأنه ” إذ كان فى صورة الله أخلى نفسه آخذاً صورة عبد” (فى2
:6، 7) ليؤدى عملية الفداء كقوله “ابن الإنسان لم يآت ليخدم بل ليخدم وليبذل
نفسه فدية عن كثرين” (مت
21 :28 ).

 (2)
يعقل ” – أى يمتلئ حكمة وفهما كقول إشعياء فى موضع آخر. يخرج قضيب من جذع يسى
وينبت غصن من أصوله.ويحل عليه روح الرب وروح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح
المعرفة ومخافة الرب”(إش11 :1،2)وكقول القديس بولس الرسول”المذخر فيه
جميع كنوز الحكمة والعلم”(كو2 :3).

(3) “يتعالى ويرتقى
ويتسامى جداً” – فهذا التعالى والارتقاء والتسامى هو الذى حدث للمسيح
“إذ وجد فى الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب، لذلك رفعه
الله أيضاً وأعطاه اسماً فوق كل
إسم لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت
الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب” (فى2 :8-11).

فليس من المعقول أبداً أن يهوذا الخائن هو الذى
يتعالى ويرتقى ويتسامى جداً
.

(4) ” كما أندهش منك
كثيرون” – هذا هو المسيح موضع إعجاب الجميع الذى قيل عنه “يدعى إسمه
عجيباً” (إش9: ) عجيباً ولا سيماً فى آلامه “كان مفسداً أكثر من الرجل
-لم يكن له منظر لدى اليهود- ولكن بمقدار اندهاش الناس منه لسبب آلامه من شعبه
هكذا قبلته أمم كثيرة
.

(*) عقيدة الصلب والفداء.
الشيخ محمد رشيد رضا. ط3 ص34-35
.

(*) برهان يتطلب قرار.
ص386-387
.

(*) المسيح فى مصادر العقيدة
المسيحية. ص204
.

(*)أما عبارة ابن الإنسان فتعبير اختص به عيسى (ع).
د. فؤاد حسنين على. التوراة الهيروغليفية. دار الكتاب العربى. ص179
.

 (*)من هو المصلوب. د. فريز صموئيل.

(1) المسيح قادم. ص 58.

(2) الجواب الوافى. بيتر
كوتيريل. دار منهل الحياة. لبنان. سنة 1992. ص 77-78
.

 (*)المسيح قادم. ص57.54.

 (*)معاً على الطريق. ص 207-208.

(**) من هو المصلوب. د. فريز
صموئيل
.

(***) المسيح فى مصادر العقيدة
المسيحية. ص 207-209 وانظر أيضاً سعيد أيوب : المسيح الدجال. الفتح للإعلام
العربى. ص 39
.

 (1)
الفكر الإسلامى فى الرد على النصارى.ص392-394.

(*) من هو المصلوب.

(*) الإسلام والحق. د. أحمد
ماهر. المكتب الجامعى الحديث. إسكندرية. ط1 سنة 1984. ص27
.

(*) المكتبات والأسواق مليئة
بالكتب التى تنقل عن بعضها والفرق الوحيد بين كتاب وآخر هو كمية الشتائم الموجهة
ضد المسيحية والمسيحيين. وفى هذا الموضوع أنظر أيضاً :

أ- الأديان فى القرآن. د. محمود الشريف. ط4.
دار المعارف.ص109.

ب- المسيح قادم. ص56-57.

جـ- المسيح فى مصادر العقيدة المسيحية. ص154-158.

د- دعوة الحق. ص 123.

هـ- المسيح والمسيحية والإسلام. ص 190.

(**) لم يكن القديس العظيم بطرس
الرسول رئيساً للتلاميذ. بل إنه أعلن أن من أراد أن يكون أولاً فليكن خادم الكل
وآخر الكل
.

(*) لا يستطيع أحد أن يقرأ هذه
الآيات دون أن يؤخذ بالصراحة الساطعة والصدق الناصع للعهد الجديد، فلو كانت هناك
حادثة تستحق أن توارى عن مسامع الناس، فإن هذه الحادثة أولى بالإخفاء، ولكن صدق
الإنجيل يظهر من رواية هذه الحادثة فى بشاعتها وخزيها
.

(*) من هو المصلوب.

(*) المسيح بين الحقائق
والأوهام. ص76. وأنظر أيضاً :

1- المنتخب الجليل. ص308، 311.             2-
بين المسيحية والإسلام. ص 166
.

3- الرد على النصارى. ص 74.                          4-
الأجوبة الفاخرة. ص 56
.

5- الفرق بين المخلوق والخالق. ص 47.                 6-
دعوة الحق. ص 123
.

7- المسيح قادم. ص 57.

 (*)من هو المصلوب :

دائرة المعارف الكتابية. مجلد 2. ص 214-216.

* ويذكر عبد الكريم الخطيب أن كلمة ابن الإنسان التى ترد على لسان السيد المسيح تحمل فى مضمونها
المعنى الذى يراد من كلمة “قضية الألوهية” جـ2. ص259.

* ويقول الأستاذ عباس محمود العقاد: أما الصفة
التى أثبتت له (ع) فى طوية ضميره فقد تكررت فى كلامه عن نفسه على صور شتى، فهو نور
العالم، وخبز الحياة، والكرمة الحقيقية وهو ابن الله، وابن الإنسان.. إن كلمة ابن
الإنسان قد جاءت أحياناً مرادفة لضمير المتكلم “أنا” حين يتكلم المسيح
عن نفسه. (مت10، 16 ومر13 ومر8 ولو12). حياة المسيح. ص184-186
.

* وكتب الأستاذ خالد محمد خالد: فوق أرض
فلسطين، شهد التاريخ يوماً، إنساناً شامخ النفس، مستقيم الضمير، بلغ الإنسان فى
تقديره، الغاية التى جعلته ينعت نفسه. بابن الإنسان. وابن الإنسان هذا، ذو التعبير
الإلهى تتركنا كلماته، ويتركنا سلوكه ندرك إدراكاً وثيقاً الغرض العظيم الذى كابد
تحقيقه، ألا وهو إنهاض الإنسان وإزهار الحياة. نلتقى بالمسيح ينعت نفسه كثيراً
بأنه “ابن الإنسان” بيد أن ابن الإنسان هذا لم يعرف فؤاده الذكى أية
تخوم بين الآب والرب. لقد تخطى حدود النسب الأرضى وجاوزها جميعاً.. فالمسيح ينعت
نفسه بأنه ابن الإنسان ويكررها كثيراً. إن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس،
بل
ليخلص.. (معاً على الطريق محمد والمسيح). ص6 ،55 ،7.

(*) من هو المصلوب.

(1) ( لو1 :30-33) “فقال
لها الملاك لا تخافى يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين
ابناً وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيماً وابن العلى يدعى، ويعطيه الرب الإله كرسى
داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية “
.

(2) (الفارق بين المخلوق
والخالق). عبد الرحمن سليم البغدادى. تحقيق د. أحمد حجازى. ط2. سنة 1987. ص471.
وأنظر :

أ- المنتخب الجليل من
تخجيل من حرف الإنجيل. ص314- 315
.

ب- الرد على النصارى.
لأبى البقاء صالح بن الحسن الجعفرى. تحقيق د. محمد محمد حسانين. مكتبة وهبة. ط1.
سنة 1988. ص 75
.

(3)     – لم يقصد بها ولادة طبيعية ذاتية من الله، وإلا قيل فيها
“ولد الله “
.

– ولم يقصد بها ما يقال
عادة عن المؤمنين جميعاً إنهم “أبناء الله” لأن نسبة المسيح لله هى غير
نسبة المؤمنين عامة
.

– ولم يقصد بها تفرقة فى
المقام من حيث الكبر والصغر، ولا فى الأزلية ولا فى الجوهر ولكن كما أشرنا بعاليه
.

(*) يصور جيم بيشوب هذا الموقف
بأسلوبه الرائع قائلاً: “وقبل أن تبدأ عملية الصلب، اخترقت جماعة من النسوة
اللاتى ينتمين لهيئة الإسعاف والرحمة، وهن يحملن إريقاً من رحيق مخدر وبضع كؤوس.
لقد كانت هذه هى إحدى عمليات الرحمة، التى يسمح بها الرومان لأولئك الذين على وشك
الموت.. واتجهت جماعة النسوة إلى الأسير الأوسط، يسوع، وصببن الخمر له فى الكأس،
ونظر السيد بتقدير إلى عواطف أولئك النبيلات، وإلى دموعهن السائلة، وإلى عمل
الرحمة الذى يتقدمن به، ولكنه هز رأسه ولم يشأ أن يذوق شيئاًً. لقد فضل أن يتجرع
كأس الآلم حتى الثمالة
،
دون أن يخفف ذرة من أثرها المرير”. فالمصلوب لم يشرب
لأنه المسيح، ولو كان يهوذا أو آخر لشرب وطلب المزيد ليشرب ليخفف من آلامه
.

(*) الفارق بين المخلوق
والخالق ص 743
.

وأنظر أيضا ً :

أ- المنتخب الجليل من حرف
الإنجيل. ص 316
.

ب- بين المسيحية
والإسلام. ص 164
.

جـ- الأجوبة الفاخرة. ص
54
.

د- المسيح فى مصادر
العقيدة المسيحية. ص 306
.

(*) أنظر كتابنا : السيد
المسيح هل هو الله
.

(**) قال المعترض : قال السيد
المسيح “الذى أرسلنى هو معى ولم يتركنى الآب وحدى”(يو8 :9) بينما قال
المصلوب “إلهى إلهى لماذا تركتنى” (مت 27 :46،مر
15: 34) أليس هذا دليلاًًً على أن المصلوب هو شخص
آخر بخلاف السيد المسيح لأن الآب قد تركه والمسيح يقول “لم يتركنى الآب
وحدى” ؟

وتعليقاً على ذلك نقول: السيد المسيح فى القول
الأول يوجه خطابه إلي اليهود الذين قد تركوه ورفضوه. وقد قال السيد المسيح مثل هذا
القول لتلاميذه أيضاًًً “هوذا تأتى ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد
إلى خاصته وتتركوننى وحدى وأنا لست وحدى لأن الآب معى. قد كلمتكم بهذا ليكون لكم
فى سلام” (يو 16 :32-33). وهنا يخبر المسيح تلاميذه عما سوف يحدث بعد قليل
عندما يآتى رؤساء الكهنة والجنود للقبض عليه “حينئذ تركه التلاميذ كلهم
وهربوا” (مت 26 :56). ولم يكن هذا خافياًًً على السيد المسيح، فقد سبق وقال
لهم انه “مكتوب أنى أضرب الراعى فتتبدد خراف الرعية” (مت 26 :31)،
والسيد المسيح يطمئن تلاميذه، رغم أنهم سيتركونه، فهو ليس وحده لأن الآب معه.
والوحدة نوعان :

1-     وحدة محلية مكانية: كوحدة السجين فى سجنه الانفرادى.

2-   وحدة معنوية نفسية: وهى تلك التى يقاسيها المصلح حين يكون محاطاً
بجمهور من قومه وذويه الذين لا يشاطرونه أفكاره وآماله وآلامه. وهذا النوع الثانى
من الوحدة هو الذى قاساه السيد المسيح، فقد كان وحيداً فى آماله وآلامه وأفكاره..
حتى أثناء وجود التلاميذ معه كان وحيداً. فكيف به بعد تفرقهم عنه؟ غير أن وحدته
التى قاساها بالنسبة للغير كانت فى الوقت نفسه وحدة مأنوسة “لست وحدى لأن
الآب معى” هذه الوحدة التى لا تعرف الوحشة.. وليست هذه مجرد معية وإنما هى
وحدانية الروح.

(*) كلمات المسيح على الصليب. البابا شنودة الثالث. ط7. ص29.

(**)
الفارق بين المخلوق والخالق ص 741.

وأنظر ايضاً:

1-       المنتخب الجليل ص 316.

2-        بين المسيحية والاسلام ص 164.

3-       الاجوبة الفاخرة ص 54.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى