أحفظ الوديعة – سلسلة الكتاب المقدس والتقليد (1) تمهيد
تمهيـــــــــد
ويقول القديس يوحنا الدمشقي :
ما الذي نعنيه بالتقليد !!!
التقليد بالمعنى القاموسي للكلمة : هو رأي أو معتقد أو عادة ينقلها الآباء لأبنائهم قد يكون شفاهاً أو كتابة ، أو الأثنين معاً ، وتستمر بالحفظ والنقل من جيل لآخر .
وبناء على المعنى القاموسي ، يعتبر الكثيرين أن التقليد هو :
[ التعليم الشفهي الذي أعطاه المسيح ولم يدونّه تلاميذه المباشرون [ ( قاموس أكسفورد )
وبالتالي يُعتبر التقليد – عند البعض – شيء آخر غير الكتاب المقدس ، وإنهما مصدران مختلفان من مصادر الإيمان الأرثوذكسي ، والمسيحي عموماً .
ولكن التقليد بالنسبة للمسيحي الأرثوذكسي ، هو أعمق وأدق من هذه التعريفات المطروحة ، لأنه لا يوجد – في الواقع – سوى مصدر واحد فقط للتقليد – كما سنرى من خلال بحثنا – لأن الكتاب المقدس موجود ضمن التقليد وغير منفصل عنه على الإطلاق .
والعمل على فصل الكتاب المقدس عن التقليد ، أو وضع التقليد في مواجهة الكتاب المقدس ، أي كمنفصلين عن بعضهما البعض ، يؤدي على الفور لفقرهما معاً بالنسبة لنا ، وفقدان معنى التقليد ، وفقدان الشرح السليم للكتاب المقدس !!!
التقليد الأرثوذكسي – يا أحبائي – ليس بعقيم ، بل متجدد دائماً ذات قوة مستمده من الروح القدس ، والتي تزداد في كل يوم وكل عصر أكثر لمعاناً وإشراقا بقوة الحق في المسيح يسوع …
فالأرثوذكسية مستحيل أن تكتفي ” بلاهوت الترداد ” العقيم ، الذي فيه نكتفي بأن نُردد صيغ معروفة دون أن نسعى إلى مضمونها ، فلا يوجد آلية في التقليد …
فالتقليد لا يُلزمنا فكرياً بمجموعة من العقائد ، لأن التقليد أبعد جداً من مجرد مجموعة من الآراء والأفكار الخاصة والمجردة .
التقليد لقاء حي ، وشخصي ، مع المسيح – له المجد – في الروح القدس الرب المحيي .
التقليد لا تحفظه الكنيسة مجرد حفظ عقلي ، بل هو يحيا فيها ، وهو في الكنيسة حياة الروح القدس .
ففي المفهوم الأرثوذكسي ، ليس التقليد جامد ، ولا قبول ميت للماضي ، بل هو خبرة الروح القدس ، الذي يحافظ على تجديده باستمرار في عمق القلب من الداخل .
وبالرغم من أن التقليد ثابت – لأن الله لا يتغير إطلاقاً – فانه يتخذ على الدوام صيغ جديدة ، بما يتناسب مع كل عصر ، دون أن تغير جوهر معنى التقليد ، بل كل لفظة تخرج من فم الكنيسة الجامعة ، تُضاف الواحدة منها إلى الأخرى دون أن تحل محلها ن بل تزيدها قوة وإيضاحاً .
( ألأب جورج فلوروفسكي )
ومصدر احترام الأرثوذكسيين للتقليد ، هو الوعد الإلهي :
” وأما متى جاء ذاك ، روح الحق ، فهو يُرشدكم إلى جميع الحق ” ( يو16: 13 )