علم التاريخ

الفاطميون والكنيسة 843-1025



الفاطميون والكنيسة 843-1025

الفاطميون
والكنيسة
843-1025

الكنيسة
في الفترة الفاطمية

اسم
الكنيسة ولقبها: وعاب اليعاقبة المصريون تيموثاوس البطريرك الإسكندري (460-482)
بقوله قول الملك في المجمع الخلقيدوني (451) فأطلقوا عليه لقب البطريرك الملكي
وسموا أتباعه ملكيين تعييراً وتقبيحاً. ويقول المؤرخ ايفاغريوس، وهو من أعيان
القرن السادس، إن هذا التعبير جاء أولاً باليونانية مشتقاً من اللفظ فسيلفس أي
الملك. وظلت اللغة اليونانية حتى القرن السادس لغة جميع المسيحيين الشرقيين. ثم
أحل الأقباط القبطية محلها في مصر واليعاقبة السريانية في سورية والجزيرة فنقل
هؤلاء التعبير اليوناني “فاسيليكوس” إلى السريانية باللفظ
“ملكايا” نسبةً إلى ملكا. وعُرِّبت هذه التسمية فأصبحت ملكائية.

وتناصر
الناس وتكتلوا حول العقيدة الدينية وانتظمت الحكومات على هذا الأساس نفسه فظنَّ
الخلفاء الأمويون والعباسيون بأبناء الكنيسة الجامعة فاتهموهم بالتجسس للروم
والتعاون معهم وقرّبوا الأقباط في مصر واليعاقبة والنساطرة في سورية والجزيرة وما
بين النهرين فعيروا أبناء الكنيسة الجامعة باللفظ نفسه الذي أطلقه عليهم هؤلاء
المونوفيسيون. وأصبح التعبير لقباً رسمياً في جميع الأوساط الرسمية فحمله المؤمنون
وتناقلوه.

ولكن
أبناء الكنيسة الجامعة لم يتناسوا ولم يتنازلوا عن اللفظين أرثوذكسي وكاثوليكي
للتعبير عن صحة العقيدة وجامعية الكنيسة. فالإيمان الذي أقره المجمع المسكوني
السادس هو في نظر البطريرك افتيخيوس المؤرخ “الأمانة المستقيمة الأرثوذكسية
النقية التي بلا عيب”. وكنيسة أبي جبلة في مصر هي “كنيسة أهل الملة
الجامعة”. والمريمية التي أمر الحاكم بهدمها هي “كنيسة السيدة
الكاثوليكي”. وهذه المصادر التي نعتمد أولى بثقتنا من حيث العدالة والضبط في
الموضوع الذي نبحث من أقوال الأقباط واليعاقبة والمسلمين التي استشفع بها حبيب
الزيات في كتابه “الروم الملكيون”. وكنيستنا كانت وظلت ولا تزال وستبقى
الكنيسة الجامعة المقدسة الرسولية. وهي كانت وظلت ولا تزال وستبقى أرثوذكسية في
عقيدتها كاثوليكية في جامعيتها. وليس من العلم بشيء أن نقول مع الزيات أننا اخترنا
اللقب “أرثوذكس” عند انفصال إخوتنا الروم الكاثوليك عنا سنة 1724.

 

أنطاكية
والقسطنطينية وروما: وكان نزاع حول احترام الأيقونات المقدسة كما سبق وأشرنا
وناضلت كنيسة أنطاكية في سبيل إكرام الأيقونات واحترامها فخالف بذلك الموقف الرسمي
في القسطنطينية فشفع موقفها عند هشام ابن عبد الملك الخليفة الأموي وضعفت ريبته
فيها فرخص لها بالرجوع إلى حقوقها وسمح بإقامة بطاركتها في أنطاكية مدينة الله.
ولكنه لم يسمح فيما يظهر بذكر بطاركة القسطنطينية في الذبتيخة الأنطاكية. وبقي
الحال على هذا المنوال حتى قلت هيبة الخلافة وعظم شأن الأمبراطورية الشرقية. ففي السنة
937-938 تهادن الروم والمسلمون فوجه ثيوفيلاكتوس بطريرك القسطنطينية رسولاً إلى
افتخيوس بطريرك الإسكندرية وإلى ثيودوسيوس بطريرك أنطاكية وخريستوذوللس بطريرك
أورشليم يسألهم أن يذكروا اسمه في صلواتهم وقداستهم فأجابوه إلى ما سأل “وهذا
كان قد انقطع من وقت خلافة بني أمية”.

ولم
يمنع الخلفاء الأمويون والعباسيون ذكر بطريرك روما في الذبتيخات الأنطاكية
والأورشليمية والإسكندرية. ولكن صلة هذه الكنائس بكنيسة روما تضاءلت ثم انقطعت.
فقد جاء ليحيى ابن سعيد الأنطاكي أن البطريرك الإسكندري افتيخيوس ذكر في تاريخه
أسماء بطاركة روما “من بطرس رأس الحواريين إلى أغابيوس البطريرك الذي عاصر
المجمع السادس في القسطنيطينية”. ولعله يشير إلى اغاتون الذي تولى السدة
الرومانية من السنة 678 إلى السنة 682. وقال افتيخيوس أنه “لم يقع له”
بعد هذا التاريخ أسماء بطاركة روما “ولا شيء من أخبارهم”. ثم يفيد يحيى
بن سعيد أنه “لم يزل اغاثون هذا يذكر في الذبتيخات الشرقية من اجتماع المجمع
السادس (681) إلى بعد وفاة سعيد ابن بطريق بطريرك الإسكندرية (933-940) بمدة طويلة
لا يعرف مقدارها وأنه ذكر بعده اسم بطريرك روما يدعى بنديكتوس. ولعله بنديكتوس
الثالث (855-858)”. ويضيف يحي ابن سعيد: “ولم يزل اسم بنديكتوس مذكوراً
في الذبتيخية إلى سنة نيف وتسعين وثلثمائة للهجرة (999-1000). وقد كان صير بعد
بناديكطس هذا بطاركة عدة إلا لم يفع أحد منهم في بلاد مصر والشام اسم ولا ذكر
واقتصروا على اسم بناذكطس المتوفي. وفي زماننا هذا صيروا عليها بطريركاً يسمى
يوحنا (يوحنا العشرون 1024-1033) ورفعوا اسمه وأسقطوا اسم بناذكطس. فهذا هو السبب
المانع من تدوين أسماؤهم والعذر في الإضراب عن ذكرهم”.

وفي
هذا كله ما يكفي للقول بتضاؤل الصلة وانقطاعها في الأرجح بين كنيسة روما وشقيقاتها
كنائس الإسكندرية وأنطاكية وأوروشليم منذ أواخر القرن السابع حتى أوائل القرن
الحادي عشر، فإذا جهل بطاركة هذه الكنائس طوال قرون ثلاثة أسماء بطاركة روما ولم
يذكروا في ذيبتخياتهم سوا اغاثون الثاني ونذيكتوس الثالث فأي شيء علموه عن روما
وكنيستها!

 

لغة
كنيسة أنطاكية: وكانت اللغة اليونانية هي اللغة الرسمية في جميع الكنائس شرقاً
وغرباً حتى القرن الثالث بعد الميلاد. ثم انفردت روما باللاتينية. وخرج النساطرة
واليعاقبة والأقباط في القرن الخامس فبدأت القبطية تحل محل اليونانية في مصر
والسريانية في سورية والجزيرة في الكنائس التي انفصلت عن الكنيسة الأرثوذكسية
الجامعة. وظلت اليونانية تحتل مرتبة مرموقة في الكنيسة القبطية في مصر حتى القرن
الثاني عشر للميلاد. فقد جاء في سير البطاركة أنه “لما أقيم البطريرك أبا
مقارة في السنة 1103 وقدس في الكنيسة المعلقة بالسيدة في مصر قرى تقليده على
الأنبل يونانياً وقبطياً وعربياً”. وجاء لابن العسال في مقدمة كتابه تصحيح
الإنجيل “أن القبط لما زال ملكهم وملكت عليهم الروم تلكموا بالرومي
أيضاً”. ودليله “أن قداساتهم إلى اليوم (1253) يوجد فيها الكثير من
الالفاظ الرومية”. “فلما غلبت اللغة العربية على القبط لم يبقَ منهم من
يعرف القبطية أو الرومية إلا القليل”.

وكانت
كنيسة أنطاكية قد نشأت يونانية في لغتها هلينية في ثقافتها أممية في اتجاهها
ورسالتها. وكان كبار آبائها قد كتبوا باليونانية فجعلوا تراث كنيستهم يونانياً
أيضاً. وكانت سلطة هذه الكنيسة قد اتسعت فشملت بلداناً يونانية اللغة كما سبق
وأشرنا فظلتت اللغة اليونانية لغة هذه الكنيسة الرسمية. وظل أساقفتها وبطاركتها
يجيدون هذه اللغة طوال القرون الإسلامية العربية وحتى هذا العصر الذي نحن بصدده.
وقد مرَّ بنا كيف استعان الخليفة المعتصم (833-842) بالبطريرك أيوب بطريرك أنطاكية
فحمله معه إلى حصار أنقرة وكيف أن هذا البطريرك “كان يخاطب الروم
بالرومية”.

 

الطقس
البيزنطي: وكتبت معظم الأناجيل وجميع الرسائل باليونانية ودوَّن أقدس الآباء
وأعلمهم بهذه اللغة عينها فأصبحت اليونانية لغة المسيحيين المقدسة ولا تزال.
وصلىَّ الأنطاكيون بها منذ تأسيس كنيستهم ولكنهم لم يمنعوا استعمال اللغات المحلية
في القرى والمزارع التي لم تفهم اليونانية وسمحوا بقراءة الأسفار مترجمة في أثناء
الاحتفالات الدينية من اليونانية إلى اللغات المحلية فكانت هذه الترجمة من جملة
الأعمال التي قام بها الاناغنوسطوس. وتبلورت مع مرور الزمن خدمة روحية دينية نسبت
إلى يعقوب أخي الرب وترجمت إلى السريانية لتسهيل العبادة على كل من يجهل اللغة
اليونانية. ولا مجال للقول مع غبطة البطريرك اغناطيوس يعقوب السرياني أن
الليتورجية المنسوبة إلى القديس يعقوب دونت أولاً بالسريانية ثم تناقلتهما كنائس
اليونان والرومان. لأننا لا نعلم “بالضبط” الطقس الذي اتبعه يعقوب وسائر
الرسل والتلاميذ. ولعله كان آنئذ أقرب بكثير إلى طقوس اليهود من هذا الذي ننسبه
إلى أخي الرب.

انفصل
اليعاقبة في منتصف القرن الخامس ونشط آباؤهم وعلماؤهم لنقل الأدب الكنسي من
اليونانية إلى السريانية واستمر آباؤنا وعلماؤنا في كنيستنا الأنطاكية الأرثوذكسية
الجامعة يصلون باليونانية والسريانية بموجب ما نسميه خدمة يعقوب أخي الرب. ولا
نعلم بالضبط مدى انتشار هاتين اللغتين في كنائسنا المحلية. ولا يجوز القول مع من
يريد التفرقة بيننا وبين شقيقاتنا الكنائس اليونانية أن لغة كنيستنا في طقوسها
كانت سريانية لمجرد العثور على عدد من كتب الخدمة باللغة السريانية. فهؤلاء الذي
يريدون التفرقة أحصوا الباقي من هذه الكتب الكتب المخطوطة بالسريانية
“وأهملوا” إحصاء ما تبقى منها باليونانية. وهو أمر لا يجيزه العلم ولا تقرّه
“المحبة المسيحية”.

وقال
آباؤنا بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية فلم يفرقوا في تنظيم الطقوس بين سرياني
ويوناني أو بين أنطاكي واسكندري وقسطنطيني بل أنهم استحسنوا الأحسن واستظرفوا
الأظرف. فلعب أبناء الكنائس الشرقية الثلاث دوراً هاماً في تطور الطقس القسطنطيني.
أو لم يكن رومانوس المرتل حمصياً بيروتياً قبل أن يغرّد في كنائس القسطنطينية.
وقانون الفصح المجيد الذي يعد من أجمل صلوات الخدمة القسطنطينية هو من نظم يوحنا
الدمشقي وتلحيه. والأوكتيوخوس بكامله كما تبنته كنيسة القسطنطينية يحمل هو أيضاً
طابع هذا القديس الأنطاكي الدمشقي “دفاق الذهب”. والقديس اندرواس الذي
نلمس أثره في عدد لا يستهان به من قوانين الخدمة القسطنطينية هو فلسطيني.
وصفرونيوس العظيم واضع خدمة الأبيفانية كان دمشقي المولد أنطاكي الكنيسة قبل أن
يبتوأ السدة البطريركية الأورشليمية. والقديس كيرللس الذي خلّد اسمه بصلوات جمعة
الآلام كان مصرياً قبل أن يصبح بطريرك الإسكندرية. وهكذا فإن الطقس البيزنطي الذي
وصفنا تطوره في فصل سابق كان نتيجة عمل تعوني لم تنفرد به كنيسة القسطنيطينية دون
سواها.

ويرى
العلماء الباحثون أن هذا التعاون في “الإخراج” بين أنطاكية والقسطنطينية
أدى إلى تسرب الطقس البيزنطي في أبرشيات أنطاكية منذ أن تم تبلوره في القرن السابع
وأنه شاع واكتسح الموقف فيها مع عودة الروم إلى الحكم في شمال سورية في القرنين
العاشر والحادي عشر وأنه لم يصبح إجبارياً قبل القرن الثالث عشر كما سيجيء في
حينه.

 

البطاركة:
وهنالك تفاوت كبير في عدد البطاركة الذين تولوا رئاسة كنيستنا في هذا العصرين بين
لائحة البطريرك قسطنديوس القسطنيطيني وبين نصوص يحيي ابن سعيد الأنطاكي المؤرخ
المعاصر. وهنالك أيضاً فرق ظاهر في عدد سني الرئاسة وفي ترقيم البطاركة. ولعله من
الضروري أن نثبت هذه الفروقات وفي الجولين التاليين:

 

لائحة
قسطنديوس

 

لائحة
يحيى ابن سعيد

يوحنا
الخامس

995-1000

 

يوحنا

993-1022

نقولاووس
الثالث

1000-1002

 

نقولاووس

1025-1031

الياس
الثاني

1003-1010

 

ايليا

1032-1033

ثيودوروس
الثاني

1010-1015

 

ثيودوروس
الثاني (جرجس
)

مكاريوس
الفاضل

1015-1022

 

  سينوذيكون

1034-1042

الفثيريوس
التقي

1023-1028

 

باسيليوس
الثاني

 

بطرس
الثالث

1028-1051

 

بطرس
الثالث

1052-1056؟

 

ولا
بد من تقديم رواية يحيي بن سعيد الأنطاكي على رواية البطريرك قسطنديوس لأن الأول
راوٍ معاصر انتقل من الإسكندرية إلى أنطاكية وأقام فيها والثاني مؤرخ متأخر من
أعيان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ولكن ليس هذا كل ما في الأمر. فالبطريرك
قسطنديوس اعتمد وثائق بطريركية القسطنطينية ونقل عنها. فلا والحالة هذه من إثبات
روايته أن يقوم من أبناء كنيستنا من يدقق في هذا الأمر ويثبت الحقيقة. ويوحنا
الخامس عندنا هو يوحنا الثالث بموجب ترتيب لوكيان والمؤرخين الغربيين. ونقولاووس
الثالث هو الثاني عندهم. أما ثيودوروس فإنه كان يعرف بجرجس لاسكارس قبل وصوله إلى
السدة البطريركية. ومن هنا ورد اسمه أحياناً البطريرك جرجس. وجاء في سينوذيكون
“أحد الإيمان القويم” بعد ثيودوروس الثاني باسيليوس الثاني فبطرس
الثالث.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى