علم

أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته



أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته

أنت
الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته

القديس
أثناسيوس الرسولي

 

بسبب
أن عديمي الإيمان يستخدمون هذه الآيات أيضًا ويجدّفون على الرب، ويَسخَرون منا
قائلين: [ طالما أن الله يدعى الواحد والوحيد والأول، فكيف تقولون إن الابن هو
الله؟ لأنه لو كان هو الله لما كان الله قد قال ” ليس إله معي ” (تث32،
39) ولا ” إلهنا واحد ” (تث6، 4). لذلك فمن الضروري أن نوضح معنى هذه
الآيات، بقدر الإمكان، لكي يعرف الجميع من شرحِنا لهذه الآيات أيضًا أن الآريوسيين
هم في الحقيقة محاربون لله.

 

لأنه
لو كان الإبن منافسًا للآب إذًا لكانت هذه الكلمات قد قيلت ضده، ولو أن الآب ينظر
إلى الابن مثلما حدث لداود حينما سمع عن أدونيا وأبشالوم[1]، إذًا لكان قد نطق
بهذه الآيات عن نفسه، لئلا عندما يقول الإبن عن نفسه إنه إله، يجعل البعض يتمردون
على الآب، أما إن كان مَن يعرف الابن، يعرف الآب بالحرى، والابن هو الذي يكشف له
الآب، فإنه يرى بالحري الآب في الكلمة، كما هو مكتوب، وإن كان الابن في مجيئه لم
يمجّد نفسه بل مجّد الآب، إذ قال لواحد قد جاء إليه، ” لماذا تدعوني صالحًا؟
ليس أحد صالح، إلاّ واحد وهو الله ” (لو19: 18)، وردًا على سؤال من سأله ما
هى الوصيّة العظمى في الناموس قال ” اسمع يا إسرائيل الرب إلهك رب واحد هو
” (مر29: 12). وقال للجموع ” قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل
مشيئة الذي أرسلني ” (يو38: 6)، وعلّم التلاميذ قائلاً ” أبي أعظم مني
” (يو28: 14) وأيضًا ” الذي يكرمني يكرم الذي أرسلني ” (يو23: 5،
20: 13) فإن كان موقف الابن تجاه أبيه هو هكذا، فما هو التناقض الذي يمنع أى واحد
من أن يتخّذ مثل ذلك المعنى السليم عن هذه الآيات؟

 

ومن
الناحية الأخرى إن كان الابن هو كلمة الآب فمَن يكون بهذه الدرجة من الحماقة عدا
أولئك الذين يحاربون المسيح حتى يظن أن الله قد تكلّم هكذا لكي يطعن في كلمته
وينكره؟ فحاشا أن يكون تفكير المسيحيين هكذا! لأن هذه الآيات لم تُكتب ضد الابن،
بل لكي تستبعد الآلهة الكاذبة التي اخترعتها البشر. والدليل على ذلك يكمُن في معنى
هذه الآيات.

 

بسبب
أن أولئك الذين يعبدون الآلهة الكاذبة، يبتعدون عن الإله الحقيقي، لذلك فلأن الله
صالح ومعتني بالبشر فهو ينادي الضالين مرة أخرى، ويقول: ” أنا هو الإله وحدي
” و “أنا هو” و “ليس إله معي”، ومثل كل هذه الآيات، وذلك
لكي يحكم على الأشياء التي لا كيان لها، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى يحوّل
البشر إلى نفسه. وكما لو افترضنا أن شخصًا ما أثناء النهار وبينما الشمس ساطعة
يرسم رسمًا بدائيًا للشمس على قطعة من الخشب، ثم يقول عن ذلك الرسم أنه سبب النور
الساطع، فإن كانت الشمس عندما ترى هذا الرسم يمكنها أن تقول ” أنا هي نور
النهار وحدي وليس هناك نور آخر للنهار سواي “، بينما يقول الرسّام هذا ليس عن
شعاعها، بل عن رسمه الرديء على الخشب وعن خياله الباطل الذي زيّف الحقيقة.

 

هكذا
الأمر أيضًا بخصوص الآيات: “أنا هو”، “أنا هو الإله وحدي” و
“ليس إله معي”، فالله يقول هذا لكي يجعل الناس يتركون الآلهة الكاذبة
ولكي يعرفوا بالحري أنه هو الإله الحقيقي، وحينما قال الله هذا، فبلا شك أنه قاله
بواسطة كلمته الذاتي، هذا إن لم يضف اليهود المعاصرون[2] قائلين إنه لم يقل هذا
بواسطة كلمته. ولكني بالرغم مما يهذي به أتباع الشيطان هؤلاء، فإن الله قد تكلّم
بواسطة كلمته لأن كلمة الرب قد صارت إلى النبي، وهذا هو ما سمعه النبي من (الكلمة).
فإذا كان هذا قد قيل بواسطة الكلمة إذًا فلا يقول الله شيئًا أو يفعله إلاّ ويقوله
ويفعله بالكلمة. لذلك فيا محاربي الله إن هذه الآيات ليست موجّهة ضد الابن، بل ضد
الأشياء الغريبة عن الله، والتي ليست منه. لأنه بحسب الرسم الذي سبق وأشرنا إليه،
إن كانت الشمس قد تكلّمت بتلك الكلمات فإنها لم تقلها كأن شعاعها غريب عنها إذ أن
شعاعها يُظهر نورها ولكنها تكون قد قالتها لكي تكشف الخطأ وتصححه. لذلك فمثل تلك
الآيات ليست لأجل إنكار الابن ولا هى قيلت عنه، بل هى قيلت لطرح الضلال بعيدًا.

 

وبناءً
على ذلك فإن الله لم يكلّم آدم بمثل هذه الأقوال في البداية، رغم أن الكلمة الذي
بواسطته خُلقت كل الأشياء كان معه، إذ لم تكن هناك حاجة إلى ذلك لأن الأوثان لم
تكن قد وُجدت بعد. لكن حينما قام الناس ضد الحق ودعوا لأنفسهم آلهة مثلما أرادوا،
حينئذٍ صارت الحاجة لمثل هذه الأقوال، أي لأجل إنكار الآلهة التي لا كيان لها. بل
أود أن أضيف أنها قد قيلت مسبقًا عن حماقة محاربي المسيح هؤلاء، ولكي يعرفوا أن أي
إله يفكرون فيه ويكون غريبًا عن جوهر الآب، لا يكون إلهًا حقيقيًا، ولا هو صورة
الآب وابنه، الإله الوحيد.

 

إذًا
فإن كان الآب قد دُعيَ الإله الحقيقي الوحيد فهذا لا يعني إنكار هذا الذي قال
” أنا هو الحق ” (يو6: 14) بل يعني أنه ينكر الذين ليسوا مثل الآب
وكلمته في أنهم ليسوا حقيقيين بطبيعتهم، ولهذا فقد أضاف الرب مباشرةً: ”
ويسوع المسيح الذي أرسلته ” (يو3: 17). وعلى هذا فلو أنه كان مخلوقًا لما كان
قد أضاف هذه الكلمة ولما كان قد أحصى نفسه مع الخالق، فأية شركة توجد بين الحقيقي
وغير الحقيقي؟!

 

ولكن
الابن إذ أحصى نفسه مع الآب، فقد أظهر أنه من طبيعة الآب نفسها، وأعطانا أن نعرف
أنه المولود الحقيقي من الآب الحقيقي. وهكذا أيضًا تعلّم يوحنا وعلّم هذا كاتبًا
في رسالته ” ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإله الحق والحياة
الأبدية ” (1يو20: 5).

 

وحينما
يقول النبي عن الخليقة ” الذي بسط السماء وحده ” (أيوب8: 9) وأيضًا
حينما يقول الله ” أنا وحدي باسط السماء ” (إش24: 44) يصير واضحًا
للجميع أن لفظة (وحده) تشير أيضًا إلى الكلمة الخاص بالوحيد، الذي به خُلقت كل
الأشياء وبغيره لم يُخلق شئ. لذلك إن كانت كل الأشياء قد خُلقت بالكلمة، ومع ذلك
يقول ” أنا وحدي ” فإنه يعني أن الابن الذي به خُلقت السموات، هو مع ذلك
الوحيد.

 

هكذا
إن قيل “إله واحد”، ” أنا وحدي”، “أنا الأول” فهذا
يعني أن الكلمة كائن في نفس الوقت في ذلك الواحد والوحيد والأول مثل وجود الشعاع
في النور. وهذا لا يمكن أن يُفهم عن أى كائن آخر سوى الكلمة وحده. لأن كل الأشياء
الأخرى خُلِقت من العدم بواسطة الابن، وهى تختلف اختلافًا كبيرًا جدًا فيما بينها
من جهة الطبيعة، أما الابن نفسه فهو مولود حقيقي وطبيعي من الآب.

 

ولهذا
فهذه العبارة: “أنا الأول” التي اقتبسها هؤلاء الأغبياء لكي يدعموا بها
هرطقتهم، هى بالحري تفضح نيتهم الشريرة لأن الله يقول ” أنا الأول وأنا
الآخر” (إش6: 44) إذًا فإن قلتم إنه الأول بالنسبة للأشياء التي أتت بعده كما
لو كان محصى معها، لكي تأتي تلك الأشياء تالية له إذًا فأنتم تظهرون أنه هو نفسه
يسبق الأعمال المخلوقة زمنيًا فقط، وهذا يفوق كل كفر. ولكنه لكي يبرهن أنه لم يأخذ
بدايته من أى شئ، ولا يوجد شئ قبله ولكي يدحض الأساطير الوثنية، ولكي يبيّن أنه هو
البداية والعلّة لكل الأشياء، قال “أنا الأول”. أنه واضح أيضًا أن تسمية
الابن “بالبكر” هذه لم تُعط فقط له لأجل إحصائه مع المخلوقات، بل لكي
تبرهن أن خلق كل الأشياء وتبنيها إنما تم بواسطة الابن. لأنه كما أن الآب هو الأول،
هكذا أيضًا “الابن أيضًا هو الأول كصورة الأول تمامًا، وبسبب أن الأول كائن
فيه، وهو أيضًا وليد الآب، الذي به تمّ خلق كل الخليقة وتبنّيها.

——————

*
القديس أثناسيوس الرسولي، ضد الآريوسيين، المقالة الثالثة، ترجمة د. مجدي وهبة و د.
نصحي عبد الشهيد، مراجعة د. جوزيف موريس و د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي
للدراسات الآبائية، طبعة ثانية، إبريل 2007م، ص2126.

1
انظر 2صم1: 1519، 41، 1مل5: 1 للآخر.

يشير
القديس أثناسيوس هنا إلى تمرّد أبشالوم وأدونيا، أولاد داود الاثنين، على أبيهما
لاغتصاب المُلك منه، وهو يذكر هذا المثل من العهد القديم، لكي يبيّن أن الابن ليس
منافسًا للآب كما ينافس الابنان المتمردان أباهم في المُلك، ويحاولان أن يبعدا
الشعب عنه.

2
يستعمل القديس أثناسيوس عبارة “اليهود المعاصرون ” ليعبر بها عن
الآريوسيين (انظر المقالة الأولى فصل 8 ص21، فصل 10 ص24 والمقالة الثانية فصل 1ص10.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى