علم التاريخ

58- سافونارولا



58- سافونارولا

58- سافونارولا

وهو
أحد الرهبان الذين هربوا في تلك أيام من أباطيل العالم وشروره ولجأوا إلى حياة
الرهبنة فكان دافعه استياؤه من الكنيسة ومن الانحطاط الذي وصلت أليه وكانت في نظرة
أشبه بفاجرة متنكرة ثوب سيدتها التي كانت قد طردتها لتحل محلها، فلم يسعه ألا،
يفتح فاه ويرفع صوته شاكيا أليها فساد الكنيسة وظلم الدولة فكان لمناداته وقع عظيم
في فلورنسة في إيطاليا، حيث كانت الجماهير الحاشدة تزدحم في الكنيسة لسماع عظاته،
وقد تاب الكثيرون علي يديه واستدعاه حاكم المدينة المستبد والذي كان يدعي لورنز دي
مديتش وكان علي فراش الموت واعترف له بخطاياه وتنبأ سافونارولا
Savonarola الشاب الجريء عن قضاء الهي وشيك الوقوع علي المدينة ما لم تتب عن
أخطائها وقد صدقت نبوءته إذ غزا ملك فرنسا البلاد، وانقلبت الأحوال واصبح اسم
سافونارولا اشهر من نار علي علم حتى لقد انتخبته الشعب ليفاوض ملك فرنسا في أمر
الصلح واخطر الملك الغازي تحت تأثيرة وقوة ضجته وتهديده بان أهل فلورنسا سيدفعون
الظلم ويجاهدون في سبيل حريتهم إلى أخر رجل، يخلي المدينة ويرحل عنها بجنده، وكان
هذا تماما لنبوة ثانية نادي به الراهب سافونارولا، مما رفع شانه في عيون الشعب وإذ
ينقضي عهدا استبداد واسرة المدينتين نتيجة إليه الإبصار كالزعيم المرموق، فيشير
على الشعب، يشيدوا المملكة على مبادئ جديدة من الحق والبر، كي يغدو صاحب النفوذ
المطلق في وطنه. يستخدم كل مواهبه وسلطانه لخير الآنه والبلاد، غير عابثى براحته
وحياته حتى أنه لم يعتزل حياة الرهبنة بل ظل يجاهد نفسه في التقشف والعنية الخشنة.
وقد أطاعه الشعب وصاحوا بأسماعهم إلى نصحة وارشاده، فأعادوا النظام الدستوري
والقوا المحاكم القانوينة، وقضوا على فساد الآداب وانتعشت المدينة بحياة دينية
جديدة وسليمة.

 

ولكن
كان سافونارولا له أعداء، فقام الذين اخبروا من إصلاحه وأشار عليه الجهال من الشعب
فأنكروا خدمته لبلادهم، وتكريس نفسه للخير العام، وتآمروا على إسقاطه وقد سنحت لهم
الفرصة عاجلاً، فإن سافونارولا لم يقنع بإصلاح المدينة، ” بل كان يحلم بإصلاح
البابوية، فرح يشهر بالبابا الكسندر، ويطلع الناس على عيوبه ويدعو الملوك المسيحية
إلي عقد مؤتمر عام للبحث في القضية ولكن قوة العالم صدمته وبطشت به فحرمه البابا
الكسندر وساعد أعداءه فقبضوا عليه وعذبوه أهانوه واحرقوا كتبة ومؤلفاته، ثم علقوه
في الميدان الكبير بمدينة فلورنسا من رحيله واحرقوا جسده بالنار.

 

لم
تفلح النهضة العملية في إصلاح حال الكنيسة لأنها كانت نهضة وثنية في قلبها وجوهرها
ورضيت، تخضع في الظاهر السلطة الكنيسة لأنها لم تكن تعنى بالحق المسيحي، وعنيت فقط
بالحق الإنساني في المجرد، ولم يكن إحياء العلوم والآداب إحياء للأخلاق، فلقد ظهرت
في الدينة والد ويلات الإيطالية طفاة أشرار متجبرون، احتقروا كل شرائع الآداب
والأخلاق واشهد التاريخ من قبل مجتمعا تلمت ثقافته الرفيعة، واحضبت مواهبه
وملكاته، وظهرت فيه قوى الابتكار آلتي أبدعت روائع الفن، ومع ذلك تحرفيه الفساد
والتعفن الأخلاقي نقول ما شهد التاريخ، والمجتمع الإيطالي في النصف الأخير من
القرن 15، ويكيفه، يكون المجتمع الذي انجب قيصر بورجيا. وهو ابن اسكندر بورجيا أحد
باباوات ذلك العصر، ” الذي كان مثله ومثاله، هذا العصر السئ الذي كتب فيه
ميكافيللى كتابه (الأمير) الذي مجد فيه أنانية الأمراء القاسية الباردة الخليقة،
وحتى حين تنظر ألي صور الشهداء والقديسين التي أبدعها فنانو ذلك العصر، والى روائع
روفائيل الفنان العظيم
Raphael نحس على الرغم من جمالها وروعتها وسموها بأنها مبتكرات إنسانية
خلت من الروحانية.

 

وفي
تلك الفترة تولى شئون الكنيسة رجال أمثال الفاسد اسكندر السادس (1492 – 1503)
ويوليوس الثاني (1503 – 1513) وليون العاشر (1513 – 1521) وهؤلاء الباباوات، ولو
انهم لم يخلو من بعض المحاسن، كانوا رجال دينا بعيدين عن الدين، فأسكندر السادس من
أل بورجيا الأسبانيين، كان رجل دنيا تماما، والحقيقة أننا لا نستطيع، ندافع عن
مسلكه، كما، المؤرخين – حتى الذين كتبوا منهم تحت إشراف الكنيسة لم يستطيعوا تسويق
أعماله واخلاقه، ورغم هذا كله لم يهمل واجباته الدينية، أما يوليوس الثاني فكان من
اعظم باباوات روما، وهو الذي عمل على إعادة بناء كنيسة القديس بطرس والتي تعدا أعجوبة
في عالم بناء الكنائس، وهو الذي استخدم أعاظم الرجال الفنية من أمثال روفائيل
وميخائيل انجلو، وكان رجلا قليل الشهوات لا يؤخذ عليه شئ في ملكه أيام توليه عرس
البابوية، ومع ذلك كان رجل دنيا فكان يجب، يسير الجيوش على خصومه، ويتولى قيادتها
بنفسه، ويحاضر المدن ويلبس أحيانا البدلة العسكرية أما ليون العاشر فهو من أل
مدينتى، وكان يشجع العلوم والفنون ويقال انه اولع بكتب القدمين حتى كاد يفضل
أساطير الوثنين على حقائق المسيحية، وكان رجلا شديد الحيلة والدهاء متقلبا في
سياسته.

 

وكان
الرهبان قد صاروا طبقة ممقوتة في الكنيسة، فهم أرادوا الفراء من العالم وتركوا كل
شئ، ولكن العالم الشرير الأثيم الذي حملوه في قلوبهم تعقبهم في عزلتهم في البرية
ومناسك الزهد، وابتلع العالم وشهواته جهود الرهبان وجهادهم ألا انه كانت هناك قله
منهم صمم الذين تمسكوا بأهداب الدين والرهبانية السليمة وبأساليب التقشف والزهد
الحث الآن على الأخيار الصالحين بأن الإنسان لن يقدران، يخلص نفسه وأن أعمال
الناموس الذي يبغض الخطية ويفتقد المذنبين إلي الجبل الثالث والرابع تلك كانت
النظرية الدينية الجديدة التي ألحت على الراهب لوثر على القيام بثورته.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى