اللاهوت الدستوري

(2) هكذا كان منذ البدء



(2) هكذا كان منذ البدء

(2) هكذا كان منذ البدء

أ) اثنان؛ ذكراً وأنثى

عندما أتي الكتبة والفريسيون يسألون السيد
المسيح عن الطلاق ليجربوه، قال لهم “إن موسي من اجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن
تطلقوا نساءكم، ولكن من البدء لم يكن هكذا” (متي 19: 18) يفهم من هذا ضمناً
أن السيد المسيح يهمه أن ترجع الأمور إلي ما كانت عليه منذ البدء. إن النظام الذي
وضعه الله للبشرية منذ البدء لم يكن هكذا” (متي 19: 18) يفهم من هذا ضمنا أن
السيد المسيح يهم أن ترجع الأمور إلي ما كانت عليه منذ البدء. لأن النظام الذي
وضعه الله للبشرية منذ البدء. كان هو النظام الصالح له، وإذا حادت البشرية عنه كان
يجب آن ترجع إليه ” من البدء ” ذكرها السيد المسيح كذلك في اول حزمه مع
الكتبة والفريسين (متي 19: 4).

 

فما الذي كان منذ البدء؟

قال لهم ” أما قرأتم آن الذي خلق، من البدء
خلقهما ذكر وأنثي”. وقال ” من يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته
ويكون اثنين جسداً وأحداً؟ إذن ليس بعد أثنين بل جسدا واحد. فالذي جمعه الله لا
يفرقه إنسان” (متي 19: 4-6).

 

هذا إذن هو الزواج المسيحى:

“أ” اثنان فقط ذكر وأنثى.

“ب” يجمعهما الله.

“ج” فى وحدة عجيبة لا يصبحان فيها
اثنين بل واحد.

“د” ولا يستطيع إنسان أن يفرقهما.

نعم، لا يستطيع جسد ثالث أن يدخل بينهما
ويفرقهما – ولو إلى حين – ليوجد له اتحادا – إلى حين – مع طرف منهما. لأن الزواج
ليس متكونا من ثلاثة أطراف بل من طرفين اثنين فقط، كما ظهر من كلام السيد المسيح،
وكما تكرر التعبير بالمثنى فى كلامه أكثر من مرة.

 

ب) وضع إلهي منذ بدء الخليقة

فكرة أن يقوم الزوج بين اثنين فقط، وأن تكون
للرجل امرأة واحدة لا غير، ليست هى إذن فكرة جديدة أتت بها المسيحية، وإنما هى
الوضع الأصلى للنظام الإلهى الذى كان منذ البدء. و كيف كان ذلك؟ يقول سفر التكوين
– ” و قال الرب الإله ليس جيداً أن يكون آدم وحده، فأصنع له معيناً نظيرة…
فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام، فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحما.
وبنى الرب الإله الضلع التى أخذها من آدم امرأة، وأحضرها إلى آدم، فقال آدم:
“هذه عظم من عظمى و لحم من لحمى، هذه تدعى إمرأة لأنها من امرء أخذت. لذلك
يترك الرجل أباه و أمه ويلتصق بامراته، ويكونان جسدا واحد” (تكوين 2: 18-24)
كانت الأرض خالية من السكان، ” ومع ذلك فإن الله الخالق الذى كان يريد أن
تمتلئ الأرض من البشر، لم يصنع لأدم سوى زوجة واحدة. وكان آدم بمفرده فى هذا الكون
الواسع، ومع ذلك فإن الله لم يخلق له سوى معين واحد يشاركه حياته.

 

وهكذا وضع الله بنفسه أسس الزواج الواحد Monogamy و فى هذا يقول سفر التكوين أيضاً عن الناس جميعاً، ممثلين فى
الزوجين الأولين”… ذكرا وأنثى خلقهم، وباركهم الله وقال لهم أثمروا وأكثروا
واملأوا الأرض…” (تكوين27: 1-28). ويختم سفر التكوين هذا الوضع الإلهى
بعبارة ” ورأى الله كل ما عمله، فإذا هو حسن جدا، وكان مساء وكان صباح يوم
سادسا” (تكوين 1: 31).

 

ج) تعليق القديسين والعلماء

و قد ترك هذا الوضع الإلهى أثره فى قديسى وعلماء
القرون الأولى من معلمى المسيحية فأفاضوا فى شرحه:

+ قال القديس ايرونيموس ” جيروم”:

وذلك فى رسالته التى كتبها سنة 409م إلى
أجيروشيا عن وحدة الزواج ” إن خلق الإنسان الأول يعلمنا أن نرفض ما هو أكثر
من زيجة واحدة. إذ لم يكن هناك غير آدم واحد وحواء واحدة ” وقال قبل ذلك فى
كتابه الذى وضعه سنه 393 ضد جوفنيانوس ” فى البدء تحول ضلع واحد إلى زوجة
واحدة. وصار الإثنان جسدا واحدا، وليس ثلاثة أو أربعة. وإلا فكيف يصيرون اثنين إذا
كانوا جملة؟!”

 

+ و العلامة ترتليانس الذى عاش فى القرن الثانى
الميلادى.

 

تعرض لهذه النقطة أيضا فى كتابه ” إلى
زوجته ”
Ad Uxorem
فقال ” كان آدم هو الزوج الوحيد لحواء، وكانت حواء هى زوجته الوحيدة: رجل
واحد لإمرأة واحدة”.

 

ويفصل الأمر فى كتابه ” حث على العفة
” فيقول: إن أصل الجنس البشرى يزودنا بفكرة عن وحدة الزواج. فقد وضع الله فى
البدء مثالا تحتذيه الأجيال المقبلة، إذ صنع إمرأة واحدة للرجل، على الرغم من أن
المادة لم تكن تنقصه لصنع أخريات، ولا كانت تنقصه القدرة. ومع ذلك فأزيد من إمرأة
واحدة لم يخلق الله ” يصير الإثنان جسدا واحدا، ليس ثلاثة أو أربعة، وإلا فلا
يمكن أن يكونا اثنين فى جسد ”

 

+ ومن قبل جيروم و ترتليانوس Saint
Tertullian
قال رسل السيد المسيح
الإثنا عشر فى تعاليمهم ” الدسقولية “:

و من بدء الخليقة أعطى الله إمرأة واحدة. ولهذا
السبب فإن الإثنين جسد واحد.

 

د) البشرية تكسر هذا الوضع الإلهي

هذا هو ما وضعه الله منذ البدء، وما غرسه فى
ضمير الإنسان قبل أن يزوده بشريعة مكتوبة. و لكن البشرية أخطأت وكسرت الوضع
الإلهى. وقايين الذى قتل أخاه هابيل، فلعنه الله هو ونسله، ظهر من نسله رجل قاتل
أيضاً اسمه “لامك” كان أول إنسان ذكر عنه الكتاب المقدس أنه تزوج من
إمرأة. إذ يقول سفر التكوين فى ذلك: “واتخذ لامك لنفسه إمرأتين ”
(تكوين19: 4).

 

وفى ذلك يقول القديس ايرونيموس Saint
Jerome
فى كتابه ضد جوفنيانوس
” لامك رجل دماء وقاتل، كان أول من قسم الجسد الواحد إلى زوجتين ولكن قتل
الأخ والزواج الثانى قد أزيلا بنفس العقاب، الطوفان”.

 

وهذا هو الذى حدث فعلاً إذ انتشر الزنا فى
الأرض، لأن نعمة الزواج التى أعطاها الله للبشر، ليتوالدوا بها ويكثروا ويملأوا
الأرض ويخضعوها، استغلوها استغلال سيئا لإشباع شهوات جسدية. فغضب الله وأغرق الأرض
بالطوفان، ومحا هذا الشر العظيم من على الأرض لكيما يجددها فى طهارة مرة أخرى.

 

ه) الله يرجع المبدأ.. أيام نوح

و الآن لعلنا نسأل ” أى قانون وضعه الله
للزواج بعد أن تطهرت الأرض من الظلم والنجاسة؟” انه نفس القانون الذى كان قد
وضعه منذ البدء، ورأى أنه حسن جدا، وهو قانون “الزوجة الواحدة”.

 

يسجل سفر التكوين هذا الأمر فيذكر أن الله قال
لنوح ” فتدخل الفلك أنت وبنوك وإمرأتك ونساء بنيك معك… فخرج نوح وبنوه
وإمرأته ونساء بنيه معه” (15: 8-18).

 

وكما كانت لنوح إمرأة واحدة كذلك كان بنوه لكل
منهم إمرأة واحدة أيضاً: “وكان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك ساما وحاما
ويافث… هؤلاء الثلاثة هم بنو نوح، ومن هؤلاء تشعبت كل الأرض (18: 9-19). نوح
وبنوه الثلاثة كانوا اربعة رجال، ولهم أربعة نساء فقط، لكل رجل زوجة واحدة، فيكون
الجميع ثمانى أنفس بشرية دخلت الفلك وهذا الأمر يثبته القديس بطرس الرسول فى
رسالته الأولى بآية صريحة (ص20: 3) قال فيها ” كانت عناية الله تنظر مرة أخرى
فى أيام نوح إذ كان الفلك يبنى، الذى فيه خلص قليلون أى ثمانى أنفس بالماء”.
وأيضاً ورد هذا المعنى عينه فى سفر التكوين بنص صريح هو ” فى ذلك اليوم عينه
دخل سام وحام ويافث بنو نوح وإمرأة نوح وثلاث نساء بنيه معه إلى الفلك”
(تكوين13: 7). بنفس شريعة ” الزوجة الواحدة ” جدد الله البشرية فى أيام
نوح بينما كانت الأرض خالية – كما فى أيام آدم – وكان الله يريد أن يملأها.

 

وهذا واضح من قوله تعالى لنوح وبنيه كما قال
لآدم من قبل ” اثمروا واكثروا واملأوا الأرض، و لتكن خشيتكم ورهبتكم على كل
حيوانات الأرض” (تكوين2،1: 9).

 

كان الله يريد حقا أن تمتلئ الأرض وتعمر، ولكنه
كان يريد أيضا أن يتم ذلك بطريقة مقدسة، تتفق و النظام الإلهى الذى وضعه للزواج
منذ البدء، وهو قانون “الزوجة الواحدة”.

 

و) حتى الحيوانات والطيور بنفس المبدأ

حتى الحيوانات والطيور وضع لها نفس النظام،
عندما جدد الحياة على الأرض. وفى ذلك يسجل سفر التكوين أمر الله لنوح ” ومن
كل حى ذى جسد اثنين من كل تدخل إلى الفلك لاستبقائها معك، تكون ذكرا وأنثى، من
الطيور كأجناسها ومن البهائم كأجناسها، ومن كل دبابات الأرض كأجناسها اثنين من كل
تدخل إليك لاستبقائها (تكوين 20،19: 6).

 

وفعل نوح ذلك و دخل وأسرته إلى إلى الفلك
“هم وكل الوحوش كأجناسها، وكل الطيور كأجناسها، و كل عصفور ذى جناح دخلت إلى
الفلك: اثنين اثنين من كل ذى جسد فيه روح وحياة. و الداخلات دخلت ذكرا وأنثى ومن
كل ذى جسد كما أمره الرب”. (تكوين14: 7-16).

 

نفس القانون نفذه الله على الحيوان والطير وإن
كان قد فرق فى الكمية لا فى القانون بالنسبة إلى الحيوانات الطاهرة والنجسة. فقال
لنوح من جميع البهائم الطاهرة، تأخذ معك سبعة سبعة ذكرا وأنثى، ومن البهائم التى
ليست بطاهرة اثنين ذكرا وأنثى، لاستبقاء نسل على وجه الأرض” (تكوين3،2: 7).

 

وكانت الحكمة فى ذلك هى أن الحيوانات والطيور
الطاهرة يجب أن يزيد عددها ” مع الإحتفاظ بنفس الشريعة ” لسببين:

” أ ” لكى تقدم منها ذبائح لله، كما
فعل نوح عندما خرج من الفلك (تكوين20: 8).

” ب ” وأيضا لتكون طعاما فيما بعد
(تكوين3: 9).

فإن كان الله قد وضع هذه الشريعة حتى للحيوان
الأعجم الذى لم يصل إلى سمو الإنسان، فكم بلأولى تكون الشريعة المعطاة للإنسان؟!

 

ز) تعليق القديسين والعلماء

وهذا الأمر لم يتركه قديسو الكنيسة وعلماؤها
بدون تعليق.

فقال القديس ايرونيموس:

” وهكذا أيضاً فى الفلك – الذى يفسره بطرس
الرسول بأنه مثال للكنيسة – أدخل نوح وأولاده الثلاثة و زوجة واحدة لكل واحد وليس
اثنتين، وبالمثل فى الحيوانات غير الطاهرة زوجا واحدا أخذ ذكرا وأنثى، ليظهر أن
الزواج الثانى ليس له مكان. حتى بين الوحوش و الدواب والتماسيح والسحالى…”.

 

وقد علق أيضا على ذلك العلامة ترتليانوس فقال:

“عندما ولد الجنس البشرى للمرة الثانية،
كانت وحدة الزواج – للمرة الثانية – هى أمه. وإذا باثنين فى جسد واحد، يعودان
فيثمران ويكثران.. نوح وإمرأته مع بنيهم، والكل فى وحدة زواج. حتى بين الحيوانات
أمكن ملاحظة واحدة الزواج…

 

وبنفس الشريعة أمر باختيار مجموعات من سبعة
أزواج، كل زوج ذكر وأنثى. ما الذى يمكن أن أقوله أكثر من هذا؟! حتى ولا الطيور
النجسة أمكنها أن تدخل فى شركة ” زواج مع اثنتين”.

 

ح) السيد المسيح يعمل على إرجاع ما كان منذ
البدء

هذا هو الوضع السامى الذى أراده الله للبشرية
منذ البدء،

والذى فشل البشر مدة طويلة من الزمن فى الوصول
اليه، وهو نفس الوضع الذى علم به السيد المسيح،

ودعا الناس إليه موبخا اياهم على ضعف مستواهم
بقوله:

” لم يكن هكذا منذ البدء” (متى8: 19،
مرقس6: 10).

وقد صدق العلامة ترتيليان فى قوله إن السيد
المسيح عمل على ارجاع أشياء كثيرة إلى ما كانت عليه منذ البدء ؛

فألغى الطلاق الذى لم يكن موجودا منذ البدء.
وارجع وحدة الزواج التى كانت منذ البدء.

ولم يقيد الإنسان بالختان وبترحيم أطعمة معينة،

إذ لم تكن القيود موجودة منذ البدء.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى