علم الملائكة

الباب الرابع



الباب الرابع

الباب
الرابع

أسئلة
والرد عليها

76 هل يجبر الشيطان أفكاراً على الإنسان؟

77 هل تسكن الأرواح النجسة في البشر؟

78 هل تتحد النفس مع الأرواح الشريرة؟

79 هل تعرف الأرواح الشريرة أفكارنا؟

80 لماذا لم يُستبعَد الشيطان؟

81 هل الخليقة شريرة أيضاً؟

82 لماذا لم يدبر الله فداء للشيطان؟!

83 هل يجوز عبادة الملائكة عموماً؟!

 

76هل يجبر
الشيطان أفكاراً على الإنسان؟

يقول
الأب سيربنوس إن الشياطين يعارضون ويحاربون تقدمنا الروحي بطريقة بها يحثوننا على
صنع الشر, لكنهم لا يجبروننا عليه.

إن
كانت لديهم قوة كبيرة في الإثارة، لكن نحن أيضاً لدينا مؤونة من قوة الرفض،

 ولنا
حريتنا في عدم القبول.

فإن
كنا نخشى قوتهم وهجومهم، يمكننا أيضاً أن نطلب الحماية والعناية الإلهية ضدهم،

“لأن
الذي فينا أعظم من الذي في العالم” (يو4: 4).

وعناية
الله تحارب في صفنا بقوة أعظم من حرب الأعداء ضدنا، لأن الله – ليس فقط يقترح
علينا الخير – بل هو معين لعقولنا وسند كبير لها،

حتى
أنه في بعض الأحيان يجذب – إذا طلبناه – قلوبنا نحو الخلاص رغم إرادتنا وبغير
معرفتنا.

فلا
ينخدع أحد من الشياطين, إلا إذا أراد أن يستسلم برضاه،

وذلك
كما يقول سفر الجامعة “لأن القضاء على العمل الرديء لا يجري سريعاً،

فلذلك
قد إمتلأ قلب بني البشر فيهم لفعل الشر” (جا8: 11).

وأفكاره
بسرعة يهرب منه كقول يعقوب الرسول “قاوموا إبليس فيهرب منكم” (يع4: 7).

 

77هل تسكن
الأرواح النجسة في البشر؟

نستطيع
أن نقول نعم، فالكتاب المقدس يحدثنا عن حلول روح شرير في الإنسان، وإحداثه تأثيرات
وإضرابات وآلاماً جسدية وعقلية في بعض الأوقات. فيتضح من المجانين المذكورين في
العهد الجديد, لم يكن جنونهم ناشئاً عن مرض، بل مسكن الشياطين فيهم. ومما يثبت ذلك
تصديق السيد المسيح على هذا الاعتقاد بدليل قوله أن فيهم أرواح نجسة، ومخاطبتهم
لتلك الأرواح كما يخاطب الأشخاص، وقد أمرهم بالخروج من هؤلاء الناس ونستطيع، وجز
بعض الأمثلة التي جاء ذكرها في العهد الجديد عن إخراج الشياطين:

 

1“فَأَحْضَرُوا
إِلَيْهِ جَمِيعَ السُّقَمَاءِ الْمُصَابِينَ بِأَمْرَاضٍ وَأَوْجَاعٍ
مُخْتَلِفَةٍ وَالْمَجَانِينَ وَالْمَصْرُوعِينَ وَالْمَفْلُوجِينَ
فَشَفَاهُمْ” (مت4: 14). وهنا يتضح اختلاف المصابين بالأمراض عن المجانين
والمصروعين.

 

2“وَلَمَّا
صَارَ الْمَسَاءُ قَدَّمُوا إِلَيْهِ مَجَانِينَ كَثِيرِينَ فَأَخْرَجَ
الأَرْوَاحَ بِكَلِمَةٍ وَجَمِيعَ الْمَرْضَى شَفَاهُمْ” (مت8: 16)

 

3ولما أرسل
يسوع تلاميذه قال لهم: “ﭐِشْفُوا مَرْضَى. طَهِّرُوا بُرْصاً.
أَقِيمُوا مَوْتَى. أَخْرِجُوا شَيَاطِينَ” (مت10: 8)

 

4الأرواح
الشريرة عرفت رب المجد يسوع أنه إله حق، فقال مرة واحدة منهم “أنا أعرفك من
أنت قدوس الله”

 

5الأرواح
الشريرة اعترفت أن المسيح جاء ليعذبها، فصرخت قائلة: “مَا لَنَا وَلَكَ يَا
يَسُوعُ ابْنَ اللَّهِ؟ أَجِئْتَ إِلَى هُنَا قَبْلَ الْوَقْتِ
لِتُعَذِّبَنَا؟” (مت8: 29).

 

6الشياطين
طلبت من الرب يسوع أن يأذن لها بأن تذهب إلى قطيع من الخنازير”إِنْ كُنْتَ
تُخْرِجُنَا فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَذْهَبَ إِلَى قَطِيعِ الْخَنَازِيرِ” (مت8:
31).

 

7إن المسيح
كان ينتهر الشياطين التي كانت تخرج من الناس. “وَكَانَتْ شَيَاطِينُ أَيْضاً
تَخْرُجُ مِنْ كَثِيرِينَ وَهِيَ تَصْرُخُ وَتَقُولُ: أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ
اللهِ! فَانْتَهَرَهُمْ وَلَمْ يَدَعْهُمْ يَتَكَلَّمُونَ لأَنَّهُمْ عَرَفُوهُ
أَنَّهُ الْمَسِيحُ” (لو4: 41).

 

78هل تتحد
النفس مع الأرواح الشريرة؟

يقول
الأب سيرينوس ليس عجيباً أن تتصل روح بروح بغير تفرقة، وأن تعمل بقوة إغراء خفية،
حسبما ترغب فيه، فكما يحدث بين البشر، هكذا أيضاً مع الأرواح داخلنا أو تتحد معنا
بطريقة تغطى علينا، لأن هذا من حق الله وحده، الذي يسيطر علينا بطبيعته الروحية.

 

وبعض
الذين يتأثرون بالأرواح النجسة بطريقة ما، لا يكون لديهم أدنى أدراك لما يعملونه
ويقولونه، والبعض الآخر يدرك ذلك ويتذكره: ولكن يلزمنا ألا نتصور بأن هذا يحدث
بطريقة فيها ينسكب الروح النجس خلال مادة الروح (الإنسانية)، وتصير متحدة معها
ولابسة إياها ,فينطقون بكلمات وأقوال خلال فهم.. فلا يحدث هذا نتيجة لفقدان الروح
(خلال الروح النجس) بل بسبب ضعف الجسد، فيلقى الروح النجس القبض على هذه الأعضاء
ويسكن فيها، ويلقى عليها ثقلاً غير محتمل، مسيطراً عليها بظلامها الدامس, ويتدخل
بقوته.. وذلك كما يحدث في حالة السكر والحمى والبرد الشديد.

 

فليس
لروح النجس سلطان على البشر، وذلك يظهر عند صراعه ضد أيوب الطوباوي، فقد أخذ
السلطان على جسده من قبل الرب، فقد أخذ السلطان على جسده فقط من الرب الذي قال له
“ها هو في يدك، ولكن أحفظ نفسه” (أي2: 6)، أي لا تضعف روحه وعقله وبجعله
مجنوناً، وتتسلط على ذاكرته, خانقاً القوة المتسلطة على قلبه بنفوذك.

 

ولا
يوجد غير الثالوث الأقدس, الذي هو وحده لديه الإمكانية أن يخترق كل طبيعة عقلية،
ليس فقط يعانقها ويلتف حولها، بل ويدخل فيها

 

لذلك
يقول بولس الرسول: “لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ.. إِلَى
مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَاْلمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ
أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ.وَلَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ
قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْه” (عب 4: 12
13)

ويقول
أيضاً الطوباوي داود “لأنه يعرف خفيات القلب” (مز44: 21)

 

79هل تعرف
الأرواح الشريرة أفكارنا؟

يقول
الأب “سيرينوس” لا شك أحد من جهة تأثير الأرواح الشريرة على أفكارنا فقد
قيل:

“وَقَدْ
أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ يَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ أَنْ
يُسَلِّمَهُ” (يو13: 2).

لكن
ذلك حدث عن طريق البواعث، من غير أي تأثير محسوس,

أي
عن طريق اتجاهنا أو من كلماتنا، أو من الأمور التي نحبها،

والتي
يرون أننا نميل إليها، لكنهم لا يقدرون أن يقتربوا إلى تلك التي تأتي من مخابئ
الروح.

فهم
يكتشفون الأفكار التي يطرحونها علينا عن طريق الانفعالات والعلامات الظاهرية التي
يفعلها الإنسان.

 

فمثلاً،
عندما يقترحون على إنسان صائم بالنهم (حب الأكل)،

فإذا
ما أرادوا ذلك يهيئون له مناظر أطعمة شهية أمام عينيه، فإذا ما رأوا الإنسان يتطلع
إلى الساعة منتظراً ميعاد إفطاره (من الصوم الأنقطاعي) فأنهم يدركون أنه قد قبل
شهوة النهم.

وإذا
ما أثاروا فينا بواعث الحزن أو الغضب أو التهيج،

فأنهم
يستطيعون أن يدركوا إن كانت لها جذور في القلب أم لا..؟

وذلك
عن طريق حركات الجسد،

والاضطرابات
المنظورة على وجه الإنسان، أو أعضاء مختلفة من الجسم.

وبهذا
يكتشفون بدهاء الأخطاء التي يسقط فيها الإنسان،

لأنهم
يعلمون إن كل إنسان له خطية معينة ينجذب إليها على الدوام.

وهذا
ليس بعجيب، فالإنسان نفسه يستطيع أن يكشف حال غيره الداخل من طلعته ونظراته
وحركاته الخارجية، فكم بالأكثر يقدر هؤلاء الذين لهم طبيعة روحية،

وهم
أيضاً أكثر دهاء وحذاقة من البشر.

 

80لماذا لم
يُستبعَد الشيطان؟

قد
نسمع سؤالاً يقول (إن كان الشيطان لا يتغلب علينا جبراً بل بالمكر والخداع، أما
كان من الأفضل أن يهلك؟) فإن كان أيوب قد هزم قوة إبليس إلا أن آدم خدع وطرد
خارجاً. فلو أن أبليس قد طرح خارجاً واستقصى بعيداً عن العالم لما سقط آدم وطرد،
ولكن إبليس باق ٍ الآن، وإن كان يغلبه واحد، إلا أنه هو يغلب كثيرين.. يصرعه عشرة،
أما هو فيصرع عشرة آلاف. فلو أن الله طرحه خارجاً عن العالم، لما هلك هؤلاء العشرة
آلاف؟

 

ويجيب
القديس يوحنا ذهبي الفم قائلاً: (إن كرامة الغالبين أعظم من خزى المغلوبين، فالذين
غلبوا إبليس لهم كرامة أفضل بكثير من أولئك المغلوبين، حتى ولو كان المغلوبين
كثيرين) إذ يقول ابن سيراخ: “ولد واحد يتقي الرب خير من ألف منافقين”.
(ابن سيراخ 16: 3)

 

وفي
نفس الوقت فإن أذى المغلوبين كسلهم وليس الشيطان، فأن ضعيفي الإرادة وغير
المستعدين والكسالى يسقطون حتى ولم يوجد إبليس، ويسقطون بأنفسهم في أعماق الشر..
فالكل يعرف أن إبليس شرير، ولكن ماذا تقول عن الخليقة الجميلة والعجيبة؟

 

81هل الخليقة
شريرة أيضاً؟

إن
الخليقة جميلة، وهي علاقة حب الله وحكمته وقوته، فالنبي يقول “ما أعظم أعمالك
يا رب، كلها بحكمة صنعت” (مز104: 24).

 

والآن
إن رأينا نفس هذه الخليقة الجميلة والعجيبة تصير سبباً لشر الإنسان، فهل نلومها
إذاً..؟ حاشا، بل نلوم أولئك الذين لم يستطيعوا استخدامها استخداماً. وفيهم يقول
الرسول، إن الحكماء “حَمِقوا في أفكارهم.. وعبدوا المخلوق دون الخالق”
(رو1: 21

25).

 

وماذا
نقول عن أعضائنا، فحتى هذه نجدها سبباً في هلاكنا، إذ لم نأخذ حذرنا، وهذا ليس من
طبيعة الأعضاء، بل بسبب تراخينا أيضاً.

 

لقد
وهبنا الله عيوناً نعاين بها الخليقة، فنمجد السيد الرب ولكن متى أسأنا استخدامها
تصير خادمة للزنا..

 

وقد
أعطينا اللسان لنسبح الخالق، ولنعلم حسناً، فإذا لم نحذر لأنفسنا يصير علة تجديف.

 

وأخذنا
الأيدي لنرفعها في الصلوات، ولكننا إذا لم ننتبه نجدها تعمل في الطمع والجشع.

 

إن
كل الأشياء تؤذي الإنسان الضعيف، حتى أدوية الخلاص – بالنسبة للرافضين لها – تسبب
الموت.. لا بسبب طبيعة الدواء بل بسبب الضعف. فالله قد ترك الشيطان في العالم،
لامتحان الناس وتزكيتهم ولا يسمح بتجربة فوق طاقة البشر، بل يعطي المنفذ لكل تجربة
إذا طلب الإنسان منه ذلك.

 

فحكمة
الله جاءت لصالح الإنسان وليس لضرره.. وإبليس نفسه يمكن أن يكون سبب نفع لنا إن
فهمناه.. وهذا واضح في حالة أيوب. ويمكن أن نتعلم هذا أيضاً من بولس الرسول الذي
يكتب بخصوص الزنى قائلاً: “إن يسلم مثل هذا الشيطان لهلاك الجسد لكي يخلص
الروح”.

 

إنظروا،
حتى الشيطان قد صار سبب خلاص، لا بطبيعته، ولكن بمهارة الرسول، كالطبيب الذي يحضر
حية ويستخرج منها دواء (مع أنه سام لكنه نافع لبعض الأمراض).

 

ولنعرف
تماماً أن إبليس ليس هو علة خلاص، لكن قدماه تسرعان نحو هلاك الجنس البشري، إذ
يقول الرسول عن هذا الزاني “أطلب أن تمكنوا له المحبة.. لئلا يطمع فينا
الشيطان، لأننا لا نجهل أفكاره” (كو2: 8
11).

 

وهنا
يعتبر الرسول بولس الشيطان كمنفذ لأحكام الله.. إذ قال الله للشيطان بخصوص أيوب
الصديق “ها هو في يدك، ولكن أحفظ نفسه” (أي2: 5
6). هكذا
أعطى الرب حدوداً للشيطان لا يتعداها عندما هاجم أيوب، حتى لا يبتلعه ويفترسه بغير
رياء..

 

لذلك
لا تخف من محاربات الشيطان، فالله قادر أن يحول هذه الحرب إلى خير ونفع للإنسان في
تنقيته وبالتالي تزكيه، لكي ينال الإكليل المعد له منذ تأسيس العالم.

 

ويقول
الأب (ثيوفان الناسك) لكي تفهم جيداً أن كل التجارب على وجه العموم مرسلة لنا
لفائدتنا، اعلم أن ميل طبيعة الإنسان الفاسدة هو الكبرياء ومحبة الذاتي وحب الظهور
والتفاخر بالذات, كي يتمسك بآرائه وقراراته الخاصة، ويريد أن كل واحد يعطيه قيمة
أكثر مما له, وهذا هو الإعتداد بالذات وهذه الروح المتعالية مضرة جداً جداً في
عملنا الروحي، لأنها تحرم الإنسان من بلوغ الكمال الحقيقي.

 

لذلك
فإن أبانا السماوي المحب في تدابيره الحكيمة بالنسبة لنا – ولا سيما بالنسبة
لأولئك الذين أودعوا أنفسهم لخدمته – يسمح بالتجارب أن تهاجمهم كي يجعلهم في حالة
يسهل فيها الهرب من الخطر المخيف، وهو خطر الاعتزاز بالذات..

 

فقد
فعل الرب هكذا مع الرسول بطرس، حين تركه يفكر ثلاث مرات كي يتحقق ضعفه، ولا يعتمد
على ذاته..

 

والقديس
بولس له اختبار مماثل, فبعد أن اختطف إلى السماء الثالثة، وكشف له أسرار إلهية لا
ينطق بها. جعله الله يقاسي من تجربة مملة ومضايقة، كي يحمل في نفسه بيان حقارته
وتفاهته، وهكذا ينمو في الإتضاع، ولا يفتخر إلا بضعفاته، لئلا ينتفخ متكبراً من
أجل كثرة الإعلانات التي منحها الله له، كما قال في رسالته: “ولئلا أرتفع
بفرط الإعلانات أعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع”
(2كو12: 7).

 

ونجد
أن هذه التجارب تتبع مع كل خادم لله، فنجده قد يذوق هذه الحالات (جفاف – نقص
المعونة الروحية – جدب التعزيات الإلهية)..يختبر هذه الأمور ليتعلم الإتضاع عن
طريق تفكيره بأن هذه حلت به من أجل خطاياه الخاصة..

 

بجانب
هذه الفوائد الجليلة للنفس عن طريق هذه التجارب، فإن لها ثمار أخرى كثيرة، فإذ
ينسحق قلب الإنسان بهذه الأعمال الداخلية، يقوي الإنسان نفسه بغيرة عنيفة جداً.مجدداً
العزم أن يركض إلى الله، ويسأل معونته السريعة، ويؤدي باجتهاد كل شيء يرى أنه نافع
ليشفي حزن نفسه، ويزيل كرب قلبه، وليجذب حدوث هذا الأمر مستقبلاً,موطداً العزم أن
يسلك فيما بعد في طريق الحياة الروحية. منتبهاً بشدة لكل حركات القلب والتراخي
الذي يبعده عن الله.

 

لذلك
يجب علينا أن نعتقد أن هذه التجارب لا تجلب أي خسارة، بل على العكس تزيد الفضيلة.
وذلك عندما تتقبلها النفس بإتضاع وتتحملها بشكر. ونجتهد بكل الوسائل، وأن نحفظ
ذواتنا في هدوء وسلام في كل الأشياء التي تحل بينا، كأنها آتية بسماح من الآب
السماوي، لأنه سواء أتت تجربة من الشيطان أو من الناس الآخرين بسبب خطايانا، فهي
لم تحدث إلا بسماح الله، لفائدتنا ولكي يمنع عنا تجارب ربما تكون أعظم خطراً من
هذه.

 

82لماذا لم
يدبر الله فداء للشيطان؟!

هناك
سؤال هام قد يسأله البعض وهو: هل هناك احتمال لتوبة الشيطان ورجوعه..؟ وكيف لم
يدبر الله فداء للشيطان كما دبر للإنسان..؟

 

وللإجابة
عن هذا السؤال يجب أن نعلم أن الله عادل ورحيم في نفس الوقت، ولكن رحمة الله لا
تكون على حساب عدله، وحكمة الله تستدعي أن لا يتعارض أي منهما في عمل الآخر.

 

أقول
أن الله أعطى حرية لهذا الملاك قبل سقوطه، وقد خلقه طاهراً مقدساً، ولكنه سقط –
كما ذكرنا سابقاً – بحريته وإرادته، وطبعاً قد أعطاه الله فرصة كبيرة للتوبة أثناء
حياته على الأرض، وهكذا أعطى الله فرص كثيرة للتوبة أمام هذا الملاك الساقط.

 

ونستطيع
أن نلخص بعض النقاط الهامة في هذا الموضوع:

1الشيطان لم
يطلب التوبة من الله عندما سقط وحتى هذا الوقت، بل تمرد على الله، ومازال متمرداً
وتكبراً ومعتقداً أنه أقوى من الله وهكذا يقول أشعياء متسائلاً: “كَيْفَ
سَقَطْتِ مِنَ السماء يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى
الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟ وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى
السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى
جَبَلِ الاجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشَّمَالِ. أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ
السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ” (أش14: 12
15). ولم
نسمع أن شيطاناً تاب عن خطيئته ورجع عن كبريائه.

 

لكن
الإنسان عندما سقط طلب التوبة بدموع الاعتراف بخطيئته، وطلب مراراً أن يرحمه الله
كعظيم رحمته كقول داود النبي: “أرحمني يا الله كعظيم رحمتك، ومثل كثرة رأفتك
أمحو إثمي، لأني أنا عارف بإثمي وخطيتي أمامي في كل حين. لك وحدك أخطأت، والشر
أمامك صنعت” (مز51).

 

2إن الشيطان
بعد سقوطه أتخذ طريقاً مقاوماً لله، فأسقط آدم وحواء وجميع نسلهم، وعلمهم طريق
الشر، مضاداً لوصايا الله بكل طرق ممكنة.. أما الإنسان فصار قريباً من الله وأتبع
وصاياه، ولو أن الشيطان أستطاع أن يضم إلى مملكته أشراراً كثيرين. ولكننا لا ننكر
أن هناك قديسين كثيرين تغلبوا عليه أيضاً.

 

3إن الشيطان
هو الذي سقط نفسه بنفسه وبإرادته وهو الذي حاد عن طريق الصواب بفكره، أما الإنسان
فقد أغواه آخر هو الشيطان.. فقد كان طاهراً مقدساً يسمع كلام الله وينفذ وصاياه،
فعندما أغواه الشيطان عن طريق الحية سقط بتأثير الغواية، أما الشيطان فلم يغويه
أحد سابق له.

 

4إن الملاك
الساقط له إمكانيات تفوق إمكانيات الإنسان بمراحل كثيرة, فالشيطان يستطيع أن يفعل
ويعمل بمقدار عمل الإنسان بمئات المرات.ولكن الإنسان فقد حجبه جسده المادي الكثيف
عن رؤية بعض الأشياء وعن حرية الحركة (المحدودة) وله حواس وغرائز أرضية تعوقه عن
معرفة أسرار الكون الكثيرة الغامضة.

 

فالشياطين
تستطيع أن تنتقل من مكان لآخر بسرعة البرق، وفي نفس الوقت تستطيع أن ترى حكات
الإنسان، أما الإنسان فلا يستطيع أن يرى الشياطين أو يعرف تحركاتهم، فالإنسان ضعيف
بالنسبة للشياطين, وبدون معونة الله لا يقوى عليهم.

 

5لهذا لم
يدبر الله الفداء لهذا الملاك الساقط. لأنه لم يتب عن خطيئته ولم يطلب ذلك، بل
تمرد على الله وأصبح مقاوماً له، متحدياً لوصاياه، عابثاً في الأرض محاولاً إفساد
خليقة الله على الدوام.

 

أما
الإنسان فقد طلب التوبة وطلب الفداء. وقدم ذبائح في العهد القديم رموز للفداء، فقد
آدم وأولاده ذبائح كثيرة. وقدم ابراهيم وإسحاق ويعقوب وكل الأنبياء والملوك
والقديسين على مدى العصور، وكانت كلها رموز إلى الفادي الوحيد الذي يستطيع أن
يصالح الله مع الناس, وأن يفديهم من الموت الأبدي، ويقيمهم إلى الحياة الأبدية.

 

6لقد حكم على
الشيطان بالموت الأبدي والعذاب الأبدي لأن الله أعطاه فرصة لرجوع عن شره وعن
كبريائه، ولكنه لم يرجع، بل تمادى في شروره، لذلك أعدت له ولجنوده البحيرة المتقدة
بالنار والكبريت.. وكما يعطى الإنسان فرصة للتوبة في أثناء حياته على الأرض،
وبعدها لا تنفع التوبة، هكذا صنع الله مع الملاك الساقط ,لأن عدل الله يستوجب
إعطاء فرصة لكل مخطئ لكي يتوب وبعدها لا تنفع التوبة.

 

لذلك
تؤمن الكنيسة وتعتقد أن الشيطان لن يتوب وأن فرصة توبته قد إنتهت، فمصيره العذاب
الأبدي مع جميع جنوده الذين سقطوا، وأيضاً جميع الأشرار من الناس الذين تبعوه،
وبعدوا عن طريق الله, كما يقول يوحنا في سفر الرؤيا: “من يغلب يرث كل شيء
وأكون له إلهاً، وهو يكون لي أبناً، وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون
والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة. فنصيبهم في البحيرة
المتقدة بنار والكبريت الذي هو الموت الثاني” (رؤ21: 7
8)

 

83هل يجوز
عبادة الملائكة عموماً؟!

طبعاً
لا يجوز فالعبادة لله وحده. وقد علم القديسين ترتليلنوس وأبيفانيوس وثاؤدوريوس أن
كيرنتوس وسيمون الساحر زعما وعلما بأن (إكرام المؤمنين للملائكة بقصد العبادة هو
ضروري للخلاص, ولسنا قادرين أن نقبل إلى الله تعالى بدونه، وأن الله سبحانه أعطى
على أيدي الملائكة شريعة موسى..).

 

وهذا
الرأي فاسد فيه شرك الله, وافتراء على العقيدة الصحيحة في عبادتنا لله وحده دون
سواه..

 

وقد
نقد هذه البدعة ورد عليها القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل كولوسي قائلاً: “لا
يضلكم أحد بالتواضع وعبادة الملائكة، متداخلاً في ما لم ينظره، منتفخاً باطلاً من
قبل ذهنه الجسدي” (كو2: 18).

 

وإن
كنا نكرم الملائكة، وننحنى أمام صورهم وأيقوناتهم إكراماً لهم، فهو ليس سجود
العبادة المخصص لله وحده، بل هو تعبير عن إحترامهم وتقديرهم..

 

والإنجيل
يحدثنا عن صور شتى لأنواع السجود:

أ‌فسجود الابن
الضال لأبيه يحمل معنى التوبة والفداء من ابن لأبيه (لو15).

 

ب‌سجود يعقوب
لعيسو أخيه سبع مرات إلى الأرض، كان لاسترضاء وجه أخيه وصرف روح الغضب، وقد نجح في
ذلك، إذ لما رآه أخوه ركض إليه وعانقه (تك33).

 

ت‌سجود
إبراهيم لبني حث (الشعوب الوثنية).كان علامة أتضاع شديدة ودعة نفس, إمتياز بها
إبراهيم (تك23).

 

ث‌سجود المرأة
الشونمية لإليشع أمام قدميه إلى الأرض، كان أعترافاً بالجميل، وتكريماً لروح
النبوة التي أقامت أبنها الميت حياً..

 

وهناك
أمثلة كثيرة في الكتاب المقدس على أنواع السجود المختلفة، ولكن كل هذه الأنواع
تختلف اختلافاً كبيراً عن سجود العبادة الخاص بالله وحده دون سواه..

 

لذلك
تكرم الكنيسة الملائكة في صلواتها ولكن لا تعبدهم بل تعطيهم السلام. وتمجدهم لأجل
الله وحده وليس لأجل أنفسهم، فالمجد والعظمة والقدرة والسجود لله وحده إلى الأبد
آمين.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى