علم المسيح

99- رئيس مجمع يسأل المسيح:



99- رئيس مجمع يسأل المسيح:

99- رئيس مجمع يسأل المسيح:

كيف يرث
الحياة الأبدية؟ وكان غنياً

كان
هذا في بيرية. إذن، فهذا الإنسان كان رئيس مجمع بيرية. وبحسب إنجيل ق. متى نعرف
أنه كان شاباً. إذن، فهو على مستوى التأهيل الناموسي العالي حتى يُنتخب رئيساً وهو
صغير السن. فهو يتكلَّم عن حداثته وكأنها قريبة العهد به. هذا كان يستمع إلى
المسيح فتأثر تأثُّراً شديداً دخل أعماق قلبه فاشتهى هذه الحياة الأبدية التي يدعو
إليها المسيح، فتقدَّم إلى المسيح كمعلِّم يرجوه أن يعطيه وسيلة عملية لكي يفوز
بواسطتها بالحياة الأبدية. وواضح أنه كان من الساعين إلى البر بالناموس أو البر
الذاتي بالأعمال واعتقد أن الحياة الأبدية تُربح بالأعمال: “أيها المعلِّم
الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟” (لو 18: 18). لقد توقَّف
المسيح عند كلمة “الصالح” منسوبة إليه، فلو قبلها يكون قد اغتصب
صفة أساسية لله وحده. فهو وإن كان حقا ابن الله الصالح، ولكن هذا ينبغي أن يراه الناس، وإلاَّ يكون المسيح قد أخفق في استعلان ذاته.
لذلك راجعه المسيح ليعطيه فرصة لكي يتعرَّف
عليه، ليس كمعلِّم كما توهَّم: “لماذا تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحاً
إلاَّ واحد وهو الله.” (لو
19: 18)

ثم
ابتدأ المسيح معه على سلّم التعليم مبتدئاً من الوصايا، لا لأنها تكفي لكي تورِّث
الحياة الأبدية، ولكن لأنها تلزم كمعرفة لما يأتي بعدها. فلمَّا قال رئيس المجمع
إن هذه قد حفظها منذ حداثته، انتقل به على سلّم التعليم إلى الشيء الوحيد الذي إذا
أُضيف إلى الوصايا العشر يمكنه به أن يرث الحياة الأبدية، قال له: “يعوزك
شيءٌ واحد. اذهب بع كل ما لك وأعطِ الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني
حاملاً الصليب” (مر 21: 10). وهكذا رَسَا به على أعلى درجات السلم المورِّث
للحياة الأبدية. والمعنى مستتر، فالذي يبيع كل شيء يكون قد أخضع ما له وذاته
لمطالب الملكوت. فإذا تبع المسيح حاملاً صليبه يكون قد ضمن الوصول، وإن طال
الطريق. ولكن الغنيّ كان قد حفظ مطالب الناموس منذ حداثته، لكنه كان تحت سيطرة
المال والغنى الذي إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة (1تي
10: 6). فالذهب إله، ومَنْ باع نفسه له عسير عليه أن يستردها. على أن كمال الناموس
والأنبياء في محبة الله، ولكن الذي أحبَّ الغِنَى كيف يحب الله، فالذي حفظه منذ
حداثته ليس الناموس بل الذهب.

ويقول الكتاب إنه: “مضى حزيناً، لأنه كان ذا أموال
كثيرة.” (مر 22: 10)

 

100- مضرَّة
الغِنَى

من
قصة الرئيس الغنيّ نُدرك أن الغِنَى كان عائقاً هائلاً لقبول الميراث في الحياة
الأبدية، ولكي يعطي المسيح هذه الصعوبة مقدارها التصوُّري للناس قال: “مرور
جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنيّ إلى ملكوت الله” (مت 24: 19). ولكن عاد
المسيح في (26: 19) يقول: “هذا عند الناس غير مستطاع، ولكن عند الله كل شيء
مستطاع” والمعنى أن الطبيعة البشرية بحكم التصاقها الشديد بمغريات العالم
عسير عليها جداً أن تترك العالم باختيارها الطبيعي وتلتحق بالله والروحيات، ولكن
بمساعدة القوة الروحية الفائقة على الطبيعة تستطيع الطبيعة البشرية أن تفرِّط
وبسهولة في العالم وغناه وتلتحق بالله والروح. ولكن مَثَل المسيح أزعج السامعين،
وكان ردّهم: “ومَنْ يستطيع أن يخلص” ولكن بطرس الرسول أدرك المعنى وأدرك
الاستثناء الذي وضعه المسيح أن عند الله كل شيء مستطاع، فبادر بالإعلان عن فرح
ومسرَّة ونصرة: “ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك” (مت 27: 19). فكانت
استجابة بطرس تأكيداً لإعلان المسيح أن الله يستطيع أن يجعل الإنسان يترك كل شيء
ويتبعه. وهذا هو المحور الذي يدور حوله موضوع إمكانية أن يغلب الإنسان مغريات
العالم ويتبع المسيح. ثم ابتدأ المسيح يشرح بماذا يعوِّض الله مَنْ يترك شيئاً من
أجل ملكوت الله بأكثر منه! ليصير قانون البيع أو التخلُّص من أمور العالم سهلاً
حبًّا في ميراث الحياة الأبدية التي اشتهاها ذلك الغنيّ ولم يَقْوَ على دفع الثمن:
“كل مَنْ ترك بيوتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو أماً أو امرأة أو أولاداً
أو حقولاً من أجل اسمي، يأخذ مائة ضعف ويرث الحياة الأبدية” (مت 29:
19). وهنا يعطي هذا الوعد ردًّا إلهياً عن قيمة ومضمون التخلِّي الإرادي عن غِنَى
العالم وملذَّاته ومسرَّاته، بأن الله كفيل أن يسد ثغرة الحرمان التي تحيِّر فكر
الإنسان كيف يُحرم من البيت والأهل والمال؟ وماذا يعوِّضني عن هذا الحرمان؟ إذ
يقول الرب: إنه يردّ إليه كل ما تخلَّى عنه مائة مرَّة هنا في هذا العالم. هنا
تنتهي خرافة الحرمان التي يصوِّرها الشيطان للذي يطلب وجه الله مثل هذا الغنيّ.
ولكن لئلا يحسبها القوم أنها فرصة للغنى الأكثر أن يترك ليأخذ، أضاف إليها المسيح:
“مع ضيقات”: “يأخذ مائة ضعف الآن في هذا الزمان.. مع
اضطهادات” (مر 30: 10). وذِكْر الاضطهادات هنا، لأنها الضريبة التي يفرضها
العالم ورئيسه على كل مَنْ يحتقره ويثبِّت وجهه نحو ميراث الحياة الأبدية ويختار
النصيب الصالح.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى