اللاهوت الطقسي

+ أورشليم وهيكل سليمان:



+ أورشليم وهيكل سليمان:

+ أورشليم وهيكل
سليمان:

بعد داود جاء سليمان
الملك الذي خطط لتوسعات ملحوظة في أورشليم، وقد اجراها تحت اسم مدينة
داود.فقد ضم جزءً جديداً جهة الشمال بعد أن أحاط المساحة كلها بحائط
واحد.وجاء التوسع محققاً لغرضين، أولهما، إمكانية بناء مقر جديد لملكه يتناسب مع
الاحتياجات الشعبية المتزايدة لحاكم يملك علي مملكة مترامية الأطراف، وثانيهما: إن
هذا التوسع أفرج عن المدينة القديمة التي كانت في وضع محصور إذ أتاح لها المجال
للنمو السكاني حول المباني العمومية.والواقع أن المباني العمومية أعطت قيمة كبيرة
لأورشليم، فقد أُقيمت هذه المباني علي نفس نظام المملكة المصرية الجديدة في ذاك
الزمان حيث كان القصر الملكي وهيكل العبادة ينضمان في وحدة معمارية مركبة. وإذ لم
يكن لإسرائيل بعد تراث معمارى فقد أقيمت هذه المباني علي الطراز الكنعاني بواسطة
خبراء من الفينيقيين. وقد أضفي بناء الهيكل أهمية كبرى لأورشليم وخاصة في العصور
اللاحقة. وكان وجود القصر والهيكل في مدينة واحدة ويحيط بهما سور واحد يدل دلالة
واضحة علي أن الهيكل يتعلق بالأسرة الحاكمة وعلي أنه قدس ملوكي تُقدم فيه قرابين
الملك وتجرى فيه العبادة الرسمية والقومية للبلاد.

ولكن بناء الهيكل بهذه
الضخامة علي الطراز الكنعانى العريق أحدث تحولاً ملموساً في المفهوم الديني للأمة
اليهودية. فبعد أن كانت أورشليم مدينة داود و
مقر بيت الملك ومكان حضرة الله رب الصباؤوت لوجود تابوت عهد الرب
فيها، صارت أهميتها قائمة علي وجود الهيكل، وحضرة يهوه فيه كملك يسكن في هيكله
ويحكم وسط شعبه..

وهكذا أصبح يهوه إله
المملكة، وانتصبت أورشليم بين المدن كأسمي وأبرز مدينة لعبادة الله
الملك العظيم ،
لأن
الرب قد اختار صهيون. اشتهاها مسكناً له.. كهنتها البس خلاصاً وأتقياؤها
يهتفون هتافاً، هناك أنبت قرناً لداود رتَّبت سراجاً لمسيحي” (مزمور 132: 13
و16 و17).

هناك تُوفي النذور في أورشليم وتقدَّم الذبائح
لله العلي، حيث الهيكل الوحيد الذى سر الله أن يكون اسمه فيه، ولا يقبل الله ذبيحة
في مكان آخر غير هيكله، ولا يقبل كهنة يقربون الذبائح غير الذين خصَّهم لخدمة ذلك
الهيكل الذى له فأورشليم إذن هي مدينة الملك المختار من الله وهي أيضاً وفي نفس
الوقت مدينة الكهنوت والذبيحة المقبولة. ولم تُعط مدينة أخرى تحت السماء مثل هذا
الامتياز.

لقد اختصت أورشليم وحدها دون كافة بلاد إسرائيل
بذبيحة الشكر أو السرور وبذبح خروف الفصح. فلا يحل ولا يصلح أن يُذبح الفصح إلا
داخل أسوار أورشليم يأتيها العابد من كل المدن ليذبحوا الفصح في أورشليم. ومن أجل
كرامة ذبح الخروف للفصح تُفتح البيوت كلها في العيد لكل الآتين من بعيد، من البلاد
والسائحين من خارج البلاد، ليستريحوا ويجدوا الماؤى والضيافة والترحاب
فالمنازل في
أورشليم لم يكن يُسمح بتأجيرها فهي ملك للجميع!

ولم يكن يوجد في أورشليم شئ نجس ولا يسمح لجثة
ميت أن تمكث فيها بعد الغروب، ولم يكن فيها قبور إلاَّ مقبرة داود ومقبرة خلدة
النبية. ولم يكن يُسمح فيها بتربية الحيوانات ولا الطيور، ولا إقامة الحدائق لئلاَّ
تؤدى نفايات الأرض والعفن من الزرع إلي نجاسة الهواء. ولم يُسمح بإقامة الأفران
فيها لئلاَّ يلوث دخانها الهواء([1])!!

وقد امتد هذا التطور أيضاً حتي صار فيما بعد ليس
الهيكل فقط هو موضع سكني الرب، بل وأيضاً جبل قدس الرب
أي الجبل الذي أُقيم عليه الهيكل ويظهر هذا في قول المزمور: من يصعد إلي جبل الرب
ومن يقوم في موضع قدسه” (مزمور 24: 3). استمر هذا المفهوم سائداً علي
مدى الأجيال حتى مجئ السيد المسيح، كما يظهر ذلك بكل جلاء في قول السامرية للرب
يسوع عندما سألته عن مكان السجود:
أباؤنا
سجدوا في هذا الجبل (جرزيم) وأنتم تقولون: أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن
يُسجد فيه” (يوحنا 4: 20).

فلقد ساد الاعتقاد أن
الرب يسكن في جبل صهيون:
جبل صهيون هذا الذي سكنت
فيه”
(مزمور
74: 2، انظر أيضاً إشعياء 8: 18)
.

ثم امتد هذا الإيمان
ليشمل أورشليم كلها باعتبارها مكان سكني الله:
كانت في ساليم مظلِّته ومسكنه في صهيون” (مزمور 76: 2)، رنِّموا للرب الساكن في صهيون” (مزمور 9: 11) حتي صارت أورشليم بحجارتها ومبانيها وشوارعها وأسوارها مقدسة في إحساس
الأجيال كلها.

ولكن علي الرغم من
رسوخ هذا الإيمان عند اليهود بسكني الله في أورشليم، إلا أن مفهومه اللاهوتي
العميق يظهر فيما قاله سليمان الملك في صلاته عند تدشين الهيكل:

لأنه هل يسكن الله حقاً علي الأرض؟! هوذا
السموات وسماء السموات لا تسعك فكم بالأقل هذا البيت الذي بَنَيتُ؟! فالتفت إلي
صلاة عبدك وإلي تضرعه أيها الرب إلهي واسمع الصراخ والصلاة التي يصليها عبدك أمامك
اليوم لتكون عيناك مفتوحتين علي هذا البيت ليلاً ونهاراً علي الموضع الذي قلت
إن اسمي يكون فيه..
واسمع تضرع عبدك وشعبك إسرائيل الذي يصلون في هذا الموضع
واسمع أنت في موضع سكناك في السماء وإذا سمعت فاغفر..” (ملوك الأول
8: 27-53)
.

وكذلك يؤكد إشعياء النبي علي نفس المعني قائلاً:
هكذا قال
الرب السماء كرسي والأرض موطئ قدمىَّ. أين البيت الذي تبنون لي وأين مكان راحتي.
وكل هذه صنعتها يدى فكانت كل هذه يقول الرب: وإلي هذا أنظر إلي المسكين والمنسحق
الروح والمرتعد من كلامي” (إشعياء 66: 1و2).

فالله إذن لا يمكن أن
يسكن علي الأرض، ولا يوجد موضع يسع خالق السموات وما فيها والأرض وما عليها، إنما
الله قد سُر أن يكون اسمه في هيكله وأن يجعل عينيه مفتوحتين علي هذا البيت، ليسمع
تضرع المساكين وينظر إلي صراخ المنسحقى الروح والمرتعدين من كلامه..

وهكذا يمكن أن يُعتبر الهيكل بهذا المفهوم أنه
بيت الله وأورشليم مدينة الله، أو بالمفهوم الشعبي الدارج يمكن أن يقال أن الرب
الملك يسكن في الهيكل قصره وأورشليم عاصمة ملكه.

وليس في هذا غرابة، فإنه منذ خروج إسرائيل من
أرض مصر، أعلن الله لهم هذا الأمر بأنه سيهيئ لنفسه مسكناً في وسطهم، وتغنّى موسى
النبي في أنشودة الظفر التي أنشدها مع جميع الشعب بعد عبورهم البحر الأحمر قائلين:
تجئ بهم
وتغرسهم في جبل ميراثك المكان الذي صنعته يارب لسكنك المقدس الذي هيأته
يداك يارب” (خروج 15: 17).

هناك أيضاً جانب أساسي للغاية
في اختيار الله لأورشليم كمكان لسكناه. فعلاوة علي كونها تضم الهيكل الذي اختاره
الله ليكون اسمه فيه، ولكي يصير مركز عبادة الشعب اليهودى لإلههم الحقيقي الرب
القدوس، فهي أيضاً تمثل اختيار الله المجاني للإنسان بدون مقابل أو فضل منه لكي
يصنع فيه مشيئته ويتمم بواسطته خلاصه للكثيرين. فلقد أعلن الله بواسطة أنبيائه
القديسين أنه سيصنع خلاصه لجميع شعوب الأرض وليس لإسرائيل فقط، وستكون أورشليم
منبع هذا الخلاص العظيم. لذلك صارت أورشليم محبوبة ومختارة أكثر من كل مدن يهوذا:

أساساته
في الجبال المقدسة الرب أحب أبواب صهيون أكثر من جميع مساكن يعقوب. قد قيل بك
أمجاد يامدينة الله”(مزمور 87: 1 و2).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى