علم

رسالتين إلى كليدونيوس فى اللاهوت



رسالتين إلى كليدونيوس فى اللاهوت

رسالتين
إلى كليدونيوس فى اللاهوت

إغريغوريوس
النزينزى

إعداد
القمص تادرس يعقوب ملطى

 

مقدمة

خلفية
عامة: إن هاتين الرسالتين هما في الواقع كتيبان في اللاهوت. وتختلف الخلفية هنا عن
خلفية العظات اللاهوتية، حيث أن إغريغوريوس كتبهما بعد أن تقاعد من منصبه، الذي
ظهر أنه كان مؤقتًا، كأسقف للقسطنطينية، وبدأ في سنة 382 يحاول تنظيم شئون ما يمكن
أن نسميه “إبروشية الأسرة” في نزينزوس. وكان قد حاول يجلب أسقفًا لها،
ولكن زملاءه الأساقفة لم يوافقوا على عمل ترشيح وانتخاب للوظيفة. ويقول إغريغوريوس
في رسالة لاحقة (رقم 125) أنه بناء على نصيحة الأطباء فقد ذهب في مصحة في
زانزاريس، وكان يحاول أن يظل متوليًا شئون الإبروشية عن طريق البريد. ومن الواضح
أن كليدونيوس الكاهن الذي كانت الرسالتان موجهتان إليه كان يقوم بعمل نائب
إغريغوريوس. وفي المصحة سمع إغريغوريوس خبرًا غير سار، وهو أن أتباع أبولنياريوس–
الذي كان أسقفًا ولاهوتيًا متميزًا ولكنه أصبح مرفوضًا بوجهٍ عام- قد وضعوا أسقفًا
تابعًا لهم مكانه (مكان إغريغوريوس). وبدون شك فقد صوروا المسألة على أن جزءًا من
كرم الرب قد صار بلا راعي يرعاه بسبب مرض الأسقف، وأنه يحتاج إلى اهتمام رعوي
عاجل. وتخبرنا الرسالة الأولى إلى كليدونيوس كيف كان هؤلاء الناس يقدمون أنفسهم:
كأناس مقبولين تمامًا من الناحية القانونية الكنسية، ومرغوب فيهم من الكنيسة
الغربية. وهم يقولون أن تعليمهم مستقيم تمامًا ومطابق لقانون مجمع نيقية، ولكنهم
يرون أن تفسير قانون الإيمان يحتاج إلى تحديث بالنظر للخلاف الذي كان قد نشأ
مؤخرًا حول كيفية فهم بشرية المسيح، ويبدو أنهم يستنتجون أن إغريغوريوس قد تم جر
قدميه إلى هذا الموضوع وأُقحم فيه، فهو يرفض مناقشة الأفكار الكريستولوجية الجديدة
(عن لاهوت المسيح وعمله) رغم أنهم يزعمون أنه يتعاطف تمامًا مع آراء أبوليناريوس.
وتركز الرسالة الأولى على الرد على هذه المزاعم، حيث يذكر إغريغوريوس أن
الأبوليناريين لم يقبلهم الغرب، وأن مفهومه (إغريغوريوس) عن الكفارة في الألوهية
والبشرية في المسيح– مهما كان مشتركًا مع أبوليناريوس، إلا إنه يختلف في المسألة
الأساسية الخاصة بالعقل البشري في المسيح- الذي ينكر أبوليناريوس وجوده.

وفي
رد إغريغوريوس على مزاعم أبوليناريوس، فإنه يذكر المنطق المبني عليه التعليم
التقليدي لأبوليناريوس ويجب ألا يأخذ القاريء ما يقوله إغريغوريوس عن أخطاء
أبوليناريوس حرفيًا وبحذافيره، لأنه عندما يدخل الهجوم والجدل العنيف من الباب
تهرب المناقشة الموضوعية من النافذة. وهناك الكثير مما يمكن أن يُقال في صف
أبوليناريوس لا يعترف به إغريغوريوس. وإذا قمنا بتقييم أقل تحيُزًا يمكننا أن نقرر
ما يلي: تدور كريستولوجية أبوليناريوس (معتقداته عن لاهوت المسيح وعمله) حول
فكرتين: ضعف وفساد العقل والإرادة البشريين، ووحدانية وتفرُد المسيح. وبالنسبة
للفكرة الأولى يمكننا أن نقول أن أبوليناريوس يؤمن بصيغة قوية من المذهب الذي عُرف
في العالم الغربي بمذهب فساد الطبيعة البشرية: الذي يقرر أنه نتيجة للخطية الأولى
فقد أصبح العقل والإرادة البشريين فاسدين تمامًا. وحيث أنه بالنسبة لأبوليناريوس–
كما هو بالنسبة للآباء اللاهوتيين بوجهٍ عام- تُعد نعمة المسيح هي الله شخصيًا،
يستتبع ذلك أنه في المسيح– الذي هو نموذج ووسيلة الخلاص- تسود النعمة وتستبعد أي
عيب موروث. ويذكر إغريغوريوس في هاتين الرسالتين بأسلوب مهذب ولكنه حازم، أن العيب
الخطير في تعبير أبوليناريوس عن تعليمه، هو في رفضه لمبدأ أساسي من مباديء الفكر
المسيحي، أصله موجود في العهد الجديد: “المسيح هو أمس واليوم وإلى
الأبد”– دعا إليه إيريناوس (130- 200م تقريبًا)– أعمق اللاهوتيين المسيحيين
الأوائل، وهو ما يمكن أن نسميه مبدأ الصلة والصورة العامة للمسيح، فقد اتخذ السيد
المسيح لنفسه الحالة البشرية بجميع نواحيها. وإنكار أن المسيح كان له عقل بشري
يستبعد العقل البشري من قوة خلاص الله. وبالنسبة للمبدأ الثاني، يبدو محتملاً أن
أبوليناريوس وضع تعليمه نتيجة الجدل مع ديودور الطرسوسي (الذي مات سنة 390
تقريبًا) والذي كان من المؤكد أنه يعلمه بأن الابن الأزلي لله وابن مريم العذراء
كانا شخصين مختلفين، وكأنه يقصد أن يبين ألوهية المسيح بحيث لا تخفيها بشريته.
ولكن التعليم بابنين يخالف موضوع الخلاص الذي كانت كنيسة القرن الرابع قد ورثته
وتؤمن به. ويقول قانون إيمان مجمع نيقية “رب واحد يسوع المسيح تجسد
وتأنس” وكان من غير المقبول مسألة وجود شخصين مستقلين عن بعضهما نظريًا. وكما
يقول أثناسيوس في رسالته الشهيرة إلى أبيكتيتوس “إن الثالوث المقدس لا يمكن
أن يكون أربعة: الآب والابن والروح القدس ويسوع”. وبالنسبة لأبوليناريوس كان
من الضروري لكي يستبعد وجود ابنين وشخصين في المسيح أن يستبعد أيضًا وجود عقلين،
وهي فكرة كانت غير مقبولة بالنسبة له (حيث كان لا يؤمن بوجود عقل بشري للمسيح).
وقد قبل إغريغوريوس المقدمة المنطقية ولكنه رفض المضمون المزعوم. والانتقادات
والتحريمات العشر التي يذكرها إغريغوريوس في هذه الرسالة الأولى موجهة في معظمها
لآراء ديودور. وحيث أنه كان قد طلب من إغريغوريوس أن يصرح برأيه في هذا الموضوع،
فقد ذكر أنه يعارض ثنائية الابن التي يقول بها ديودور بنفس الدرجة التي يعارض بها
صورة الابن الواحد التي يقول بها أبوليناريوس (التي تنكر وجود عقل بشري للمسيح).

وليس
للرسالة الثانية مقدمة، وتبدو كأنها ملحق للرسالة الأولى، تذكر النقاط الرئيسية
التي وردت بها وتشرح موقف إغريغوريوس بإيجاز (الفقرة الثانية). وهي لا تضيف إلا
القليل لنفي الاتهام بأن إغريغوريوس كان متناقضًا في أنه في باديء الأمر قبل
الاعتراف بالإيمان من قبل الأسقف تيتاليوس الأبوليناري، ثم عاد فرفضه. وفيما عدا
ذلك فإن الرسالة الثانية تنبع من نفس الظروف وموجهة لنفس الأشخاص مثل الرسالة
الأولى.

 

ملخص
للرسالتين

الرسالة
الأولى

بعد
التحية الرسمية، يشكو إغريغوريوس من زعزعة المؤمنين بتعليم جديد وباطل، ومن أن
أحدًا لم يخطره مقدمًا بهذه الموضوعات أو يعطيه فرصة لمناقشتها مع من يدعون إليها.
وكان يجب أن يحترموا سلطته كلاهوتي ذو إيمان معروف وثابت. وكانت هناك مزاعم بأن
إغريغوريوس يؤيد الآراء الجاري مناقشتها، وأن أتباع أبوليناريوس متفقون مع الأسقف
داماسوس من روما. ويطالب إغريغوريوس بتقديم الشهادات التي تثبت تلك المزاعم (3).
وفي عبارة قوية يعلن إغريغوريوس الإيمان بالله والابن الواحد (4)، ويذكر عشر
انتقادات توضح هذا الإيمان: فكرة ابنين لله مرفوضة، ولكن المرفوض بصفة نهائية
ومؤكدة هو فكرة المسيح بدون عقل بشري (5)، وهناك ثلاثة اعتراضات مرفوضة: “أن
الألوهية عوضت البشرية”، فهذا يعني أن التجسد كان غير كامل، وأن المسيح لا
يمكن أن يحتوي كيانين كاملين، فهذا يفترض أنهما كيانان جسديان (6) وأن “العقل
البشري شرير بطبعه”– فهو في هذه الحالة يتطلب مداواة مثل الجسد تمامًا.
وبالإضافة إلى ذلك فإن العقل يعد العنصر الوسيط بين الألوهية والجسد المادي (8).
لقد اتخذ الله جسدًا ليس لمجرد الاتصال بالبشرية، بل لإنقاذها، وخاصة إنقاذ العنصر
الأولي الخاطيء فيها (9). يوحي كلامهم بإهمال غير مقبول من ناحية الله (10).
ويستخدم “الجسد” في الكتاب المقدس كصورة بلاغية أو للدلالة على عمق
تضحية المسيح بذاته (11). وينتقل إغريغوريوس الآن إلى الهجوم: فيذكر أن
أبوليناريوس يعيد تقديم الناموس القديم، فحتى تعليمه عن الثالوث الأقدس غير سليم
(13). ويعود إغريغوريوس إلى المضمون الافتتاحي للرسالة: فهو غير متفق مع الهراطقة
الأبوليناريين، وهو يرفض التجديد غير المدقق في اللاهوت، وهو مضطر للدخول في هذه
المناقشة غير المرغوب فيها بحكم الضرورة (15). ويطلب إغريغوريوس الاحترام لنفسه
ويذكر أنه أيضًا لديه ما يؤهله ليكون شاعرًا.

 

الرسالة
الثانية

كان
قد طلب من كليدونيوس حكم في مسألة لاهوتية، مرفقًا بأسبابه، وأحال كليدونيوس
الموضوع إلى إغريغوريوس. ويعلن إغريغوريوس أن المعيار الذي يستند إليه هو قانون
الإيمان لمجمع نيقية الموسع في تعليمه عن الروح القدس (1)، وبالنسبة للنقطة موضوع
المناقشة، يؤكد إغريغوريوس أولاً أن المسيح هو ابن وحيد (2). واعتراضه الأساسي على
تعليم أبوليناريوس هو إنكار أن المسيح له عقل بشري، وكان تردده الواضح في المشاركة
مع الأبوليناريين راجعًا إلى مراوغتهم، فهم يعترفون بأن السيد المسيح له نفس
وتفكير وعقل، ولكنهم يزعمون أن هذه كلها بدائل إلهية وليست عناصر بشرية فعلية (3).
وهم يفسرون النصوص الكتابية بحيث تتفق مع تفكيرهم (4)، ومع رأيهم غير السليم عن
الجسد هناك فكرة غير سليمة عن الألفية السعيدة (5). وكان إغريغوريوس قد قبل اعتراف
فيتاليوس بالإيمان على أساس أن فيتاليوس تقي– وذلك كما فعل داماسوس، واتضح أن
الاثنين قد خُدعا (6). يثير أتباع أبوليناريوس المعضلة التافهة: هل نعبد الإنسان
الذي ليس الله أو الله الذي ليس الإنسان؟ هل يدل هذا على اكتشاف جديد في سبعينيات
القرن الرابع؟ (7) من غير المعقول أنهم يميزون بين النواحي العليا والدُنيا في
المسيح ثم يتهمون خصومهم بتقسيم المسيح إلى طبيعتين متعارضتين (8). وينهي
إغريغوريوس الرسالة بإنكار أي رغبة في الجدل والخصومة، ولكنه يرفض الاتفاق مع
الأبوليناريين (9).

 

رسالة رقم (101)

الرسالة الأولى إلى كليدونيوس الكاهن

1.
تحية في الرب من إغريغوريوس إلى أخيه العزيز المحبوب من الله القس كليدونيوس.

2.
نريد أن نعرف ما هي البدعة الجديدة التي تنتشر في الكنيسة، والتي من شأنها أن تسمح
لكل عابر طريق (طبقًا لتعبير الكتاب المقدس في مزمور 80: 12) بأن يفرق القطيع
المنظم عندما يريد ذلك (يو 10: 12) فيبدد القطيع في هجمات متلصصة، أو يسرقه
بتعاليم شاذة.

ولو
كان لدى مهاجمينا أي مسألة إيمانية تديننا لكان واجبًا عليهم ألا يتجرأوا بالهجوم
بهذه الطريقة دون أن يخطرونا. كان عليهم أولاً أن يحاولوا إقناعنا أو توليد الرغبة
فينا للاقتناع، حيث أنه من المعروف عنا مخافة الله والعمل من أجل الكلمة وإفادة
الكنيسة. ولو كانوا قد قابلونا أو أقنعونا أو نجحوا في إيجاد رغبة لدينا للاقتناع،
فربما كان لمن أدخل البدعة عذر. ولكن حيث أن إيماننا مُعلن علانية بالكلام
والكتابة في هذا المكان وفي أماكن بعيدة أخرى، في وقت الخطر وفي غير وقت الخطر،
لماذا يهاجمنا البعض ويتجاهلنا البعض الآخر؟

3.
إن غرسهم لآرائهم المنحرفة في النفوس الساذجة بواسطة أناس فاعلي شر هو عمل مريع،
ولكن الأسوأ من هذا كذبهم حين يدعون أننا نشاركهم آرائهم ومشاعرهم. إنهم يستعملون
هذه الكذبة كطعم يتصيدون به ويصلون إلى غايتهم الدنيئة، مستغلين بساطتنا في
معاملتهم كإخوة لتنفيذ شرهم. وليس هذا فقط، بل إنني أفهم أنهم يقولون أن مجمع
الكنائس الغربية قد قبلهم، والجميع يعرفون أن هذا المجمع كان قد آدانهم[1]. ولو
كان هؤلاء الأبوليناريين قد قبلوا، سواء حاليًا أو في الماضي، فعليهم أن يثبتوا
هذه الحقيقة وسنوافق. ومن الواضح أنهم في هذه الحالة سيكونوا قد اتفقوا مع الإيمان
المستقيم، فإن نجاحهم لابد أن يكون مبنيًا على هذا، ولكن يجب أن يثبتوا هذه
الحقيقة إما عن طريق قرار من المجمع، أو برسائل تدل على الشركة، وهذا هو حكم
المجامع. أما إذا كان ما يقولونه مجرد كلام، واختراع اخترعوه ليضفي عليهم كرامة
خادعة، ويتيح لهم أن يستخدموا أسماء وشخصيات موثوق بها لاستغلال سذاجة الناس
العاديين وسهولة التصديق لديهم، فعليك أن تطلب منهم أن يلزموا الصمت وترفضهم: وفي
رأيي أن هذا ملائم تمامًا لطريقتك في الحياة وصحة إيمانك اللاهوتي.

4.
يجب على الناس ألا يخدعوا أو ينخدعوا بفكرة قبول إنسان بدون عقل كما يقول هؤلاء
المزيفون: “الإنسان الرباني[2]”، ولكن عليهم أن يستخدموا أسلوبًا أفضل،
مثل “ربنا وإلهنا”، فنحن لا نفصل الإنسان عن الألوهية في المسيح، بل
نؤكد ونُعلم بإله واحد وابن واحد، لم يكن بشرًا في البداية، بل كان وحده ومنذ
الأزل غير مختلط بالجسد وما يتصل بالجسد، ولكن في النهاية صار بشرًا أيضًا لأجل
خلاصنا، يتأثر بالألم والأحاسيس في الجسد، وغير متأثر بها في الألوهية، محدود
بالجسد وغير محدود بالروح، أرضي وسماوي، مرئي ومعروف روحيًا، نهائي ولا نهائي،
وذلك لتجديد الإنسان كله الذي سقط بفعل الخطية، من خلال الإنسان والإله الكاملين.

5.
من لا يقبل القديسة مريم كوالدة الإله فليس له علاقة بالإله[3].

 ومن
يقول أن الإله قد جاء عن طريق العذراء ولكنه لم يتكون فيها بصورة إلهية وبشرية
(“إلهية” لأنها بدون زوج و”بشرية” بحكم قانون الحمل) هو أيضًا
غير مؤمن بالله.

ومن
يقول أن الإنسان قد تكوَّن ثم لبسه الله مُدان، فإن هذه ليست ولادة لله، ولكن
إنكار للولادة.

ومن
يقول بابنين، واحد من الله الآب وابن ثان من الأم وليس ابن واحد فإنه يفقد التبني
(أف 1: 5) الموعود للذين يؤمنون إيمانًا صادقًا. هناك طبيعتان: الله والإنسان،
(حيث أن هناك نفس وجسد) ولكن ليس ابنان أو إلهان. ورغم أن بولس قد تحدث عن
“إنساننا الداخل” و”إنساننا الخارج”، فإننا لا نتعامل مع
إنسانين. وكخلاصة، فإن عنصري مخلصنا مختلفين (فإن الأشياء المرئية وغير المرئية
والزمنية وغير الزمنية مختلفة وليست نفس الشيء) ولكنهما ليسا كائنين بشريين
مختلفين– حاشا لله أن يكونا هكذا. إن الاثنان واحد بالاندماج حيث أن الله حلَّ في
الإنسان والإنسان تألَّه، ويمكن التعبير عن هذه الحقيقة بأي تعبير آخر[4]. وأنا
أقول هنا “شيئين مختلفين” كعكس حالة الثالوث الأقدس، ففي هذه الحالة
نقول “الآخرين” لكي لا نخلط الأقانيم ولكن لا نقول “أشياء
أخرى” لأن الثلاثة واحد وهم نفس الشيء: الله.

ومن
يتكلم عن التنشيط بالنعمة كما يحدث مع الأنبياء لا يتحدث عن “الاتصال”
(انضمام السيد المسيح للبشرية)، فكلامه خالٍ من أي وصف للعمل السامي للتجسد، بل هو
مليء بالعكس[5].

ومن
لا يعبد المصلوب فهو محروم ويُعد مع قتلة الله (اليهود الذين صلبوا المسيح).

ومن
يقول أنه قد وصل للكمال بأعماله، أو أنه كما يسجل الوثنيون أسماء الغرباء في السجل
المدني فقد أُعتُبر مستحقًا للتبني بعد أن اعتمد أو بعد قيامته من الأموات، فهذا
محروم، فرغم أن الكلام هنا أساسًا عن الله من ناحية إعلانه عن ذاته تدريجيًا[6]،
إلا أن من يبدأ ويتقدم ويكمل ليس هو الله.

ومن
يقول أن جسد المسيح قد استبعد الآن وتجردت ألوهيته من الجسد، وينكر أنه موجود
جنبًا إلى جنب مع الشكل الذي أخذه بيننا فلن يُعاين المجد الآتي. أين جسد المسيح
الآن إذا لم يكن مع الذي لبس هذا الجسد؟ لا يمكن أن يكون مُخزنًا في الشمس طبقًا
لهذيان جماعة المانويين، ولا يمكن أن يكون قد تفرق في الجو وانحل مثل الصوت الحي
أو كعطر يختفي أو برق يظهر بسرعة دون أن يبقى طويلاً. وبماذا نفسر مشاهدة التلاميذ
له بعد قيامته (لو 24: 50) أو ظهوره لمن طعنوه (يو 19: 37؛ زك 12: 10). إن
الألوهية بطبيعتها غير مرئية، ولكنني أقول أنه سيأتي مع جسده، مثل الذي ظهر به
للتلاميذ على الجبل (مت 17: 2)، وتكون الألوهية مسيطرة على الجسد الضعيف. ونحن
نذكر الجسد البشري والألوهية معًا: الجسد لكي ندحض الشك، والألوهية لتصحيح البدع.

ومن
يقول أن جسد المسيح قد نزل من السماء[7]. وليس من مصدر هنا على الأرض بيننا فهو
محروم. إن الآيات “الإنسان الثاني الرب من السماء” (1 كو 15: 47)،
و”كما هو السماوي هكذا السماويون أيضًا” (1 كو 15: 48)، و”ليس أحد
صعد إلى السموات إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان” (يو 3: 13) وأي نصوص
أخرى من هذا النوع يجب أن تؤخذ على أنها تنطبق على الاتحاد مع السماوي بنفس
الطريقة مثل “كل شيء به كان” (يو 1: 3)، و”ليحل المسيح بالإيمان في
قلوبكم” (أف 3: 17)، ليس من ناحية استعلان الله بالظهور ولكن من ناحية الله
كما يختبر بالعقل فقط. وكما أن الطبيعتان تمتزجان[8] فهكذا أيضًا الأسماء التي
يمكن استخدامها بالتبادل[9] بناءً على أنهما (الطبيعتان) متحدتان.

ومن
وضع أمله في إنسان بلا عقل فإنه أيضًا بلا عقل غير مستحق للخلاص ككل. وما لم يحل
فيه الله لا يخلص، ولكن ما يتحد بالله يخلُص، ولو كان نصف آدم هو الذي سقط كان
نصفه أيضًا هو الذي يخلُص، ولكن إذا سقط الكل فإن الله يتحد بكل الشخص المولود
ويخلصه كله. لذلك فإن على مجادلينا ألا يقللوا من خلاصنا الكلي، أو يبتدعوا مخلصًا
مكونًا من عظام وأوتار عصبية وصورة إنسان فقط. وإذا كان هذا الإنسان بدون نفس فإن
هذا ما يقوله الأريوسيون أيضًا، بقصد انطباق المعاناة على الألوهية، بحيث يكون من
يحرك الجسد (الإله) هو أيضًا من يعاني، وإذا كان له نفس وليس له إدراك عقلي فهل
يمكن أن يكون بشرًا؟ ليس الإنسان حيوانًا بدون عقل!! وطبقًا لرأيهم لابد أن الشكل
(الخيمة الجسدية) كان بشريًا، ولكن النفس يمكن أن تكون نفس حصان أو بقرة أو حيوان
آخر غير عاقل. كان هذا سيصبح هو ما يتم خلاصه! ولكن إذا كان للإنسان إدراك عقلي
وكان له عقل وليس مجردًا منه، فعلى هؤلاء الناس أن يتوقفوا عن التصرف بهذه الطريقة
التي تخلو بالفعل من العقل.

6.
ولكنهم يقولون “أن الألوهية تعوض العقل”. ماذا يعني هذا بالنسبة لي؟ إن
الألوهية مع جسد فقط أو حتى مع نفس فقط أو مع كليهما ليست إنسانًا إذا كان ينقصها
العقل، الذي هو الجزء الأفضل من الإنسان، وهكذا فعليكم أن تبقوا الإنسان كاملاً
وامزجوا به الألوهية حتى يستفيد الإنسان تمامًا (من الخلاص). يقولون “ولكن
المسيح لا يمكن أن يستوعب شيئين كاملين”. حسنًا، قد يصدُق قولكم إذا كنتم
تنظرون من وجهة النظر الجسدية. إن قدحًا صغيرًا ليس به حيز ليستوعب جالونًا،
والفراغ الذي يتسع لجسم واحد لا يسع جسمين أو أكثر– ولكن إذا كانت نظرتكم لأشياء
فكرية أو مفاهيم غير جسدية يجب أن تلاحظوا أنني أنا نفسي لديَّ حيز للنفس والتفكير
والعقل والروح القدس أيضًا، وأن الكون قبلي- ذلك الكيان المكون من مرئيات وغير
مرئيات– اتسع للآب والابن والروح القدس. ومن طبيعة الأشياء الفكرية أن تختلط
ببعضها وبالأجسام بطريقة غير منقسمة ولا مادية. إن سمع الإنسان يمكن أن يستوعب عدة
أصوات، وممكن أن تستوعب عيون أناس كثيرين نفس المنظر، وعدة أنوف نفس الرائح دون أن
تكتظ الحواس أو تضطرب أو تتضاءل الأشياء المحسوسة بسبب عدد من يحسون بها.

7.
أين هو العقل البشري أو الملائكي الكامل الذي لو وصل لدرجة من الكمال بالنسبة
للعقل الإلهي تجعل الأعظم يزيح الآخر خارجًا؟ إن العقل البشري أو الملائكي يشبه
الشعاع بالنسبة للشمس، أو قطرة ماء بالنسبة لنهر، وهذان– الشعاع والقطرة- ليسا من
الكمال والضخامة بحيث يجب أن نزيحهما لنتسع للشيء الأكبر والأكمل: دعنا نتأمل كيف
أن المنزل يمكن أن يكون به حيز يمكن أن يتسع لشيئين كاملين: أشعة الشمس ووهجها كما
أن الأرض يمكن أن تتسع لبعض الماء على شكل رطوبة ولنهر. إن الأمر يحتاج لتفكير كثير،
هل لا يدرك هؤلاء المعترضون أن الشيء الذي يعتبر كاملاً نسبيًا عند مقارنته بشيء
معين يمكن أن يعتبر ناقصًا عند مقارنته بشيء آخر؟ (التل مثلاً عندما يُقارن بجبل
وحبة الخردل عندما تُقارن بحبة فول أو حبة كبيرة أخرى) حتى إذا كان هذا الشيء
يعتبر أكبر من أمثاله من نفس النوع (تل مع تلال أو حبة خردل بحبة خردل أخرى؟)، أو
عند مقارنة ملاك بالله أو إنسان بملاك. لذلك فإن عقلنا هو شيء كامل يحكم النفس
والجسد، ولكن ليس كاملاً بصورة مطلقة. إنه خادم الله وتحت سيطرته، وليس شريكًا في
الحكم أو مساويًا له في القدر. وقد كان موسى نفسه “إلهًا” لفرعون (خر 7:
1) رغم أنه كان “عبد الرب” (يش 1: 15). وتضيء النجوم في الليل، ولكن ضوء
النجوم يختفي في النهار بفعل ضوء الشمس، لدرجة أننا لا نلاحظ وجودها. وإذا كان
هناك مصباح صغير بجوار ركام حطب مشتعل، فإن المصباح لا ينطفيء ولكن لا يسطع نوره
بشكل قوي– ولا ينفصل ضوءه عن ركام الحطب المشتعل، بل يسود الأقوى ويكون الضوء كله
كأنه ضوء الركام.

8.
يقولون: “ولكن عقلنا قد دين”. وماذا عن الجسد– أليس مدانًا؟ عليك إما أن
تتخلص من الجسد بسبب خطيته، أو تضيف إليه العقل من أجل خلاصه! إذا كان السيد قد
اتخذ العنصر الأدنى (الجسد) ليتقدس بالتجسد، ألن يتخذ العنصر الأعلى (العقل)
ليتقدس بالتأنس؟ إذا كان الطين قد تخمر وتشكلت عجينة جديدة، ألا تخمر الصورة وتمزج
من جديد مع الله وتقدس بالألوهية؟ وسنضيف أيضًا: إذا كنتم تؤمنون أن الجسد قد
اُحتقر تمامًا لأنه يولد الخطية، وحكموا عليه بالهلاك، وأن هذا هو السبب في أن
المسيح قد اتخذ جسدًا واستبعد العقل، فإن الذين تنبع خطاياهم من عقولهم لهم عذر،
حيث أن شهادة الله قد أظهرت بوضوح أنهم غير قابلين للعلاج والشفاء (من الخطية).
سأذكر لكم النقطة الأساسية: إنكم تسيئون إلى عقلي بحكم أنكم من “عبدة الجسد”
(أنتم تقولون أنني أعبد إنسانًا!) لأنكم تربطون إلهًا- لا يمكن أن يرتبط بأي شيء
آخر- بالجسد، وهذا هو السبب في أنكم تنقضون “الحائط المتوسط” (أف 2:
14). بماذا أرد عليكم أنا الذي لست متعلمًا ولا فيلسوفًا؟ إن العقل يختلط بالعقل
حيث أنه أقرب للألوهية وأكثر معرفة بها عن طريق وساطته بين الألوهية وبدائية
وغلاظة الجسد[10].

9.
لنفحص الآن وصفهم للتأنس (الذي يسمونه التجسد). إذا كان هذا التجسد لكي يحد الله،
الذي لا يمكن أن يُحد بغير ذلك، بحيث يمكن أن يتعامل مع البشر تحت غطاء جسدي،
فإنهم بارعون في تصوير التأنس كقناع وكمسرحية متقنة من التمثيل والتظاهر– ولا داعي
لأن أرد عليهم بقولي أنه كان يمكن لله أن يتخاطب بنفس الطريقة التي استخدمها من
قبل في العليقة المشتعلة (خر 3: 2) وفي شكل بشري (تك 18: 1 وما يليها، 32: 24). وإذا
كان التجسد لإزالة وصمة الخطية عن طريق تقديس المثل بالمثل (حيث أن الجسد قد وصم
بالخطية) وبالمثل النفس (لأن النفس أُدينت أيضًا). إذًا فقد كان التجسد يحتاج إلى
العقل أيضًا لأن العقل لم يسقط في الخطية فقط في شخص آدم، ولكنه كان أيضًا أول
طريق دخلت منه الخطية، وهكذا فإن نفس الشيء الذي قبل الخطية هو الذي لم يحفظها
وتعدى عليها، وكان هذا الذي تعدى على الوصية (العقل) في حاجة خاصة للخلاص. واتخذ
المسيح العقل المحتاج للخلاص.

10.
لقد تم الآن توضيح الموضوع– سواء أعجبهم ذلك أو لم يعجبهم- بالبراهين الحتمية
والهندسية (كما يسمونها) وستفعل أنت نفس الشيء تقريبًا إذا كان هناك شخص ذو عين
مريضة وقدمه مصابة، فشُفيت عينه وتُركت قدمه دون عناية. أو كان رسامًا قد رسم صورة
سيئة، فتقوم بتغيير الصورة، ولكنك تعامله كأنه رسم صورة جيدة ولا تعلق بأكثر من
ذلك. ولكن إذا كانوا يصرون بضغط مجادلاتهم على أن الله يمكن أن يخلص الإنسان حتى
بدون عقل، فإن هذا فعلاً ممكن. ولكنه ممكن بدون جسد أيضًا. بمجرد مشيئته، بنفس
الطريقة التي يخلص وينقذ بها أي شيء آخر، وكان دائمًا يفعل هذا بشكل غير مادي. لذا
يمكنكم أن تلغوا الجسد أيضًا مع العقل، حتى يكمل غياب العقل عندكم. إنهم مخدوعون
في الحرف، وهذا هو السبب في اتجاههم للجسد، متجاهلين تقاليد الكتاب المقدس. وسنورد
درس عن هذه النقطة أيضًا.

11.
لا يحتاج ذوو المعرفة لأن نخبرهم أنه في الكتاب المقدس كله يسمى المسيح
“الإنسان” و”ابن الإنسان” ومع ذلك، فإذا أصروا على النص
“والكلمة صار جسدًا وحل بيننا” (يو 1: 14) وجعلوا هذا سببًا لإلغاء أنبل
سمة للإنسان (العقل) بحيث يستطيعون أن يلصقوا الله بالجسد، فقد حان الوقت لأخبرهم
أن الله لابد أنه إله الأجساد فقط وليس إله النفوس أيضًا بسبب النصوص الكتابية
التالية: “إذ أعطيته سلطانًا على كل جسد” (يو 17: 2)، “إليك يأتي
كل بشر” (مز 65: 2)، و”ليبارك كل بشر اسمه القدوس” (مز 145: 21)،
ويقصد بكل بشر كل إنسان. ولابد أن آباؤنا قد ذهبوا إلى مصر في شكل غير جسدي وغير
مرئي، وأن نفس يوسف فقط هي التي وضعها فرعون في السجن والقيود، حيث أننا نقرأ أن
الذين اُستدعوا إلى مصر كانوا “خمسة وسبعين نفسًا” (أع 7: 14) وأيضًا
“في الحديد دخلت نفسه” (مز 105: 18) بينما النفس لا يمكن أن تكبل
بالأغلال إن من يقولون هذا الكلام ويتمسكون بالحرف يجهلون أن الكلمات يمكن
استخدامها كصور بلاغية بحيث يدل الجزء على الكل (النفس على النفس والجسد والعقل
على سبيل المثال). نقرأ “فراخ الغربان” في (مز 147: 9) وهي تعني جنس
الطيور كله، و”الثريا” (أي 38: 33 وما يليها)، ونجم المساء والدب القطبي
مذكورة أيضًا، ويقصد بها كل النجوم وترتيبها.

12.
بالإضافة إلى ذلك، فإن حب الله لنا كان لا يمكن إظهاره بأي طريقة إلا بذكر
“الجسد” بمعنى أنه نزل إلى أسفل من أجلنا– نزل إلى مستوى أدنى. وسيتفق
معنا أي شخص ذو تفكير سليم في أن منزلة الجسد أقل من النفس– إذًا فإن الآية
“والكلمة صار جسدًا” تعتبر بالنسبة لي مساوية للحديث عن أن المسيح قد
“صار خطية ولعنة لأجلنا” (2 كو 5: 21؛ غل 3: 13). وليس معنى هذا أن الرب
قد تحول إلى هذه الأشياء– كيف يمكن أن يحدث هذا؟- ولكنه بقبوله هذه الأشياء
“أحزاننا حملها وأوجاعنا قبلها”، و”حمل هو نفسه خطايانا” (إش
53: 4؛ 1 بط 2: 24). يكفي هذا الآن لأن النقطة واضحة ونحن لا نكتب هذا بقصد تأليف
كتيب ولكن لتصحيح خطأ، ويمكن أن ننشر مناقشة كاملة للموضوع إذا شئتم.

13.
هناك شيء آخر أكثر من هذا لا يمكن تحمله، ولا يجب أن يفوتك، وهو ما يلي “يا
ليت الذين يقلقونكم يقطعون أيضًا” (غل 5: 12)، حيث أنهم يعيدون إدخال
اليهودية والختان والذبائح والقرابين[11]. وفي هذه الحالة ما الذي يمنع أن يولد
المسيح ثانية ليلغي هذه الأشياء، ثم يخونه يهوذا مرة ثانية ويُصلب ويُدفن ويقوم
ثانية، بحيث يتكرر نفس تسلسل الأحداث طبقًا للفكرة الوثنية عن الدورات، التي تقول
أن نفس الدورة للنجوم تعيد نفس الأشياء. يا لها من فكرة حكمية! دع الأذكياء الذين
يتباهون بكثرة كتبهم[12] يثبتونها.

14.
ولكن حيث أنهم منتفخون ومغرورون بكتابهم عن “الثالوث” (1 كو 8: 1)، أو
يقولون أن إيماننا غير صحيح “غير أصحاء الإيمان” (تي 1: 13) ويخدعون
البسطاء، يجب أن أخبرك أن أبوليناريوس رغم أنه يعطي اسم الألوهية للروح القدس، إلا
أنه لم يحافظ على قوة الألوهية، فإنه يجعل الثالوث يتكون من روح عظيم وابن أعظم
والآب الأعظم، كأنهم شعاع ووهج وشمس (هذا وارد في نصوصه). إن هذا سلم للألوهية لا
يرتفع إلى السماء، بل يهبط من السماء[13]. ولكننا نعترف بالآب والابن والروح القدس
كإله وليست مجرد تسميات تبين عدم المساواة في الرتبة أو القوة، ولكننا نعترف أنه
كما يوجد لقب واحد للألوهية فإن للألوهية نفس الطبيعة والجوهر والقوة الواحدة.

15.
على أي شخص يظن أن هذا القول صحيح ولكن يتهمنا بالاشتراك مع الهراطقة أن يثبت ذلك.
يجب عدم إدخال أي بدع أو معتقدات جديدة قبل الحكم عليها، خاصة في مسألة مهمة بهذا
الشكل تمس مثل هذه الموضوعات الهامة. لهذا ندعو الله والناس ليشهدوا على هذا،
ونشهد نحن عليه بأنفسنا. ويجب أن تثقوا أننا ما كنا لنكتب هذا لولا أننا رأينا
الكنيسة تتمزق وتنقسم.

16.
ولكن أي شخص يتجاهل أقوالنا وأدلتنا، سواء بسبب احتياجات خاصة أو خوف بشري، سواء
بسبب تفاهة العقل أو نقص الرعاية أو الرقابة، أو بسبب الانحياز لأصحاب الآراء
الغريبة والاستعداد لتقبل البدع والأفكار الجديدة– أي شخص يتجاهلنا باحتقار على
أننا لا نستحق أن يضعنا في اعتباره ولكنه يتبع هؤلاء الناس، مسببًا انقسامًا في
الجسد النبيل للكنيسة سيتحمل الدينونة (غل 5: 10) مهما كان وسيُعطي حسابًا لله في
يوم الدينونة. ولكن إذا كان العهد الثالث سيكون عبارة عن كتيبات طويلة لمُنشدي
ترانيم حديثين يرنمون مزامير معارضة لداود[14]، وإشباع من الأوزان الشعرية، فسنكتب
نحن أيضًا مزاميرًا بأعداد كبيرة ونقرض الشعر، لأننا أيضًا نظن أن عندنا روح الله
(1 كو 7: 40) إذا كان ما يدخل في الموضوع فعلاً هو نعمة الروح القدس، وليس البدع.
وأريدك بأن تشهد بهذه الأمور أمام عامة الناس بحيث لا نُتهم بالتغاضي عن هذه
الشرور وأنه نتيجة لإهمالنا ترعرعت عقيدة شريرة واكتسبت قوة.

 

رسالة رقم (102)

الرسالة الثانية إلى كليدونيوس الكاهن

1.
حيث أن كثيرين يلجأون إلى قداستكم طالبين تفسيرًا كاملاً لمسألة إيمانية، فقد طلبت
رأينا كقاعدة موجزة ومقياس. ولهذا نكتب إلى قداستكم ما تعرفونه حتى من قبل هذه
الرسالة: وهو أننا لا يمكن أن نوقر ولم يحدث أن وقرنا أي شيء أكثر من إيمان آبائنا
القديسين المجتمعين بنيقية لإدانة الهرطقة الأريوسية. نحن ننتمي إلى هذا الإيمان
وبمعونة الله سنظل ننتمي إليه، مع إضافة المادة التي تخص الروح القدس عما لم يورده
الآباء في مجمع نيقية[15] لأن هذه النقطة لم تكن قد نوقشت.

وحيث
أننا نعترف بالروح القدس أيضًا كإله، يجب أن نعترف بالآب والابن والروح القدس كإله
واحد. وهكذا يجب أن يكون لك شركة مع من يؤمنون ويعلمون بهذا الرأي، حيث أننا كذلك
أيضًا، ويجب أن ترفض من يحثون على آراء مختلفة، وتعاملهم كغرباء عن الكنيسة
الجامعة.

2.
وحيث أن هناك سؤالاً قد أُثير وتجري مناقشته بخصوص “التأنس” أو
“التجسد[16]” الإلهيين، يجب عليك أن تعلن للجميع بوضوح أنه بالنسبة لنا
فنحن نعامل ابن الله المولود من الآب وبعد ذلك من مريم العذراء كشخصٍ واحد، وأننا
لا نسميهما ابنان، ولكننا نعبد ابنًا واحدًا غير منقسم في الألوهية والكرامة. ومن
لا يتفق مع هذا سواء الآن أو فيما بعد، فسيعطي حسابًا أمام الله في اليوم الأخير
(قارن مت 12: 32).

3.
إن اعتراضنا وردنا على رأيهم غير العاقل بخصوص العقل هو ما يلي: إنهم يقفون وحدهم
في رأيهم، وعندما يتصرفون بلا عقل في إنكار العقل، فإنهم يجردون أنفسهم من العقل،
مثل من ينكرون وجوده فيه، ولكن لا يتهموننا بأننا قبلنا إيمان العزيز
فيتاليوس[17]، الذي طلب منه داماسوس المبارك من روما بيانًا مكتوبًا- ثم نعود الآن
فنرفضه سنوضح الموضوع بإيجاز. إن هؤلاء الناس عندما يعلمون لاهوتهم لأتباعهم
وتلاميذهم الحقيقيين، الذين انضموا إلى أسرارهم، مثل المانويين
Manichees (المؤمنين بعقيدة ثنوية) الذين يعلمون من اختاروهم– يكشفون تمامًا
المرض الذي لديهم، حيث أنهم لا يكادون ينسبون حتى جسدًا للمخلص، ولكن عندما
يُدانون بسبب الافتراضات الشائعة عن التأنس التي يقررها الكتاب المقدس، فإنهم
يقرون، تحت ضغط– الشكل الحقيقي للدين، بينما ينكرون العقل. إنهم يقولون أن الإنسان
ليس محرومًا من النفس أو العقل وليس ناقصًا، ولكنهم يوردون ألوهية هي نفسها نفس
وفكر وعقل. ويقولون أن هذه الألوهية هي التي امتزجت من نفسها بالجسد ولكن ليس
بحالتنا البشرية– رغم أن حالة عدم الخطية- بالطبع- لدى الإله المتجسد كانت فوق
مستوانا وطهرت أهواءنا.

4.
إنهم بهذه الطريقة يسيئون تفسير الآية التالية بحماقة: “فإن لنا فكر
المسيح” (1 كو 2: 16)، فيقولون أن عقل المسيح هو ألوهيته، ولا يفسرون الآية
كما نفعل نحن، على أنها تعني أن الذين طهروا عقولهم بتقليد عقله وجعلوها تتفق معه،
هم الذين تتحدث الآية عنهم على أن لهم عقل المسيح. وبنفس الطريقة فإن المشهود لهم
بأن لهم جسد المسيح هم الذين روَّضوا وعلموا جسدهم، ولذا صاروا رفقاء في الجسد
وشركاء للمسيح (أف 3: 6)، “وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة
السماوي” (1 كو 15: 49)، وهكذا فإن الإنسان الكامل طبقًا لمعتقدهم ليس هو
الذي كان يتعرض لإغراء طول الوقت الذي كان مجربًا في كل شيء (عب 4: 15) ولكن بلا
خطية– بل هو مزيج من الله والجسد. وهم يقولون: ما الذي يمكن أن يكون أكثر كلامًا
من هذا؟

5.
إنهم يستخدمون نفس التلاعب مع كلمة “التأنس” ويفسرون “تأنس”
على أنه وجد نفسه في وسط بشرية أحاط نفسه بها كما تقول الآية “لأنه علم ما في
الإنسان” (يو 2: 25). بل يقولون ويعلمون أنها تعني أنه تحادث واتصل بالبشر–
ولماذا نطيل المناقشة؟ إن الذين يرفضون الإنسان والصورة الداخلية ويعطوا مظهرنا
الخارجي المرئي فقط قناعًا جديدًا نظيفًا هم في حرب شديدة مع أنفسهم لدرجة أن
الجسد يكون أحيانًا هو الدافع لتفسيرات جسدية وفظة لأمور أخرى، ومن هنا تنبع
يهوديتهم الثانية[18]، والفكرة المجنونة لألفية التنعم في الفردوس، والاقتراب من
فكرة أننا نكرر نفس الأشياء بصورة دورية. وأحيانًا يقدمون لنا أوهامًا– وليس
حقائق- عن الجسد، مدعين أنه لم يمر بأي من تجاربنا، التي تتصل جميعًا بالخطية. وفي
الإشارة إلى ذلك يستغلون الكلمات الرسولية دون فهم ودون أن يستخدموها بطريقة
رسولية، عن اتخاذ مخلصنا لصورة البشر صائرًا في شبه الناس (في 2: 4)، مدعين أن هذا
لا يعني شكلاً بشريًا حقيقيًا ولكن مظهرًا خادعًا وهميًا.

6.
بالنظر لأن نفس التعبيرات الإنجيلية عندما تُفهم بمعنى جيد مع الدين الحقيقي، ولكن
عندما يُساء تفسيرها فإنها تنطوي على عدم تقوى، فلا عجب أننا أيضًا قد أخذنا كلام
فيتاليوس بالمعنى الديني واثقين فيه، بينما غضب البعض مما كتبه، ويبدو لي أن هذا
هو السبب في أن داماسوس أيضًا قد غيَّر رأيه عندما اكتشف أنهم متمسكون بتفسيراتهم
السابقة ونبذهم ورفض وثيقتهم عن الإيمان، غاضبًا من خداعهم الذي انطلى عليه بسبب
بساطته.

7.
يجب عليهم بعد أن رُفضوا ونُبذوا بهذا الشكل الواضح ألا يسيئوا التصرف نحونا، بل
أن يشعروا بالخجل، ولا ينشروا أكاذيبًا عنا بل ينكمشوا ويقلعوا عن هذا. يجب أن
ينظفوا أبوابهم من ذلك الإعلان الضخم غير العادي عن مذهبهم المستقيم، في حين أنهم
يخدعون الداخلين من هذا الباب بالمعضلة التي يثيرونها بخصوص إذا ما كان الواجب أن
نعبد الإنسان الذي لبس الله أو الله الذي لبس جسدًا. ماذا يمكن أن يكون أبعد عن
العقلانية من هذا حتى ولو أحاطوا الشعار الذي يرفعونه بهالة كبيرة متظاهرين بأنهم
رسل الحق المعاصرين؟ إن هذا الشعار الذي يرفعونه– الذي يكرر الكلام بصورة عكسية-
له جاذبية معينة كقطعة من التهريج المبهر يستمتع بها غير المتعلمين، ولكنها غير
معقولة بالمرة وغبية. ماذا يحدث لو غيرنا كلمة “الجسد” في عبارة
“الله الذي لبس جسدًا” بكلمة “إنسان”؟ (كلمة “إنسان”
تسرنا وكلمة “جسد” تسرهم). ماذا سيكون تأثير هذا التغيير؟ إننا يجب أن
نعبد ليس الإنسان الذي لبس الله ولكن الله الذي لبس الإنسان. يا لها من تفاهة!
إنهم يخبروننا اليوم بالحكمة التي اختفت بعد المسيح. إنه لشيء مُبكي! إذا كان
الإيمان قد بدأ منذ ثلاثين سنة (منذ بدأوا يعلمون)، بعد مرور ما يقرب من 400 سنة
منذ ظهور السيد المسيح، فباطل كرازتنا وباطل إيماننا، وقد كانت شهادة الشهداء بلا
جدوى، وبلا جدوى وقف الحكام العظام على رأس الشعب– بسبب هذه الأشعار وليس بسبب
الإيمان!

8.
من الذي لا يعجب بهم بسبب تعليمهم عندما يميزون بوضوح جانبي السيد المسيح[19]، فهم
ينسبون ولادته (مت 1: 16)، وتجربته (مت 4: 1)، وصيامه وجوعه (مت 4: 3)، وعطشه (يو
19: 28، قارن 4: 7) وتعبه (مت 4: 6)، ونومه (مت 8: 24) للجانب البشري، وينسبون
للألوهية تمجيد الملائكة له (لو 2: 8 وما يليها) وانتصاره، وهرب الشيطان أمامه
(قارن مت 4: 10 وما يليها ولو 4: 12 وما يليها) وأيضًا سيره على الماء (مت 14:
25). إنهم يقولون أن سؤال السيد المسيح عن لعازر “أين وضعتموه؟” (يو 11:
34) هو على مستوانا، ولكن نداءه “لعازر هلم خارجًا” (يو 11: 43) وإقامة
رجل مات منذ أربعة أيام (يو 11: 17) هي على مستوى أعلى منا. وبالنسبة لتألمه (لو
22: 44) وصلبه (مت 27: 35) ودفنه (مت 27: 60…إلخ) فإن هذا يخص الغطاء الخارجي
له، في حين أن تشجيعه للناس (يو 16: 33؛ مت 9: 2، 14: 27) وقيامته وصعوده تخص
الكنز الداخلي. وبعد ذلك يتهموننا بإدخال طبيعتين منفصلتين ومتناقضتين، وبتقسيم
الوحدة الرائعة التي تفوق الطبيعة. وعليهم في الواقع ألا يفعلوا ما يدينوه أو لا
يدينوا ما يفعلوه، لو كان لديهم القدرة على التوافق مع أنفسهم، بدلاً من أن يقولوا
كلامهم وكلام خصومهم أيضًا. هذا هو عدم المنطق عندهم. إنهم يناقضون أنفسهم ويناقضون
الحق لدرجة أنهم لا يدركون أنهم قد وقعوا في الفخاخ التي نصبوها، لأنهم لا يدركون
ذلك فهم لا يشعرون بالارتباك والخجل.

9.
إذا ظن أحد أننا نقول هذا بإرادتنا وليس عن اضطرار، وأننا نبذل جهدنا لنمنع الوحدة
بدلاً من أن نؤكد عليها، فليعلم أن هذه الفكرة خطأ، فالحقيقة هي أنه بالنسبة لنا
لم يكن ولن يكون هناك شيء أثمن من السلام، وأعمالنا تؤكد هذا، حتى لو كانت أعمالهم
وسلوكهم نحونا تستبعد تمامًا الالتقاء في الفكر.

 

===

[1].
كانت الكنيسة الرومانية في ظل رياسة داماسوس– ولأسباب كنسية سياسية تتعلق بقيادة
الكنيسة في أنطاكيا- قد قبلت في البداية أتباع أبوليناريوس، بما فيهم فيتاليوس–
سنة 375 (انظر الرسالة الثانية التالية– فقرة 6)، رغم أنها لم تقبل آراء
أبوليناريوس على الإطلاق، ثم تبع ذلك إدانة هؤلاء الأتباع، وذلك منذ سنة 377 وما
تلاها.

[2].
ورد هذا الوصف للمسيح في عدد من الكتابات لكتاب باللغتين اليونانية واللاتينية من
القرن الرابع فصاعدًا، ويبدو أنه كان مفضلاً في أنطاكيا، ولم يكن عليه جدل في حد
ذاته. ورغم أن إغريغوريوس غير متحمس له، فإنه لا يرفضه.

[3].
هذا الإنكار الذي يأخذ شكل حرم، مأخوذ من اعترافات في المجامع، وكان قد أصبح
شائعًا في الاعتراف العلني العام بالإيمان (قارن على سبيل المثال رسالة
أبوليناريوس إلى جوفيان واعتراف فيتاليوس بالإيمان (وارد في الملحوظات على الرسالة
الثانية). وقد أصبحت هذه السلسلة من الحرم شائعة في أيام بدعة نسطور. وقبل ذلك كان
أبرز استخداماتها في صيغة قانون الإيمان التي طُرحت في المجمع الذي عُقد في
القسطنطينية سنة 324 تمهيدًا لمجمع نيقية (325)، وشكوى الإمبراطور جوليان ضد
المسيحيين: أنتم باستمرار تدعون مريم “والدة الإله”. وفي هذه الرسالة
لإغريغوريوس حيث يركز على اسم “والدة” لأنه يؤكد الولادة الحقيقية، لنفي
الادعاء الغنوسطي (الولادة الروحية) الواردة في الحرم التالي، و”الإله”
لأن ابنها هو الله المتحد في الطبيعة مع أبيه.

[4].
يرفض إغريغوريوس فكرة الابنين التي يقول بها ديودورس ولكنه يقبل ثنائية الطبيعة.
وهو لا يذكر إذا كانت هذه الثنائية تستمر بعد اندماجهما. وكان تعبير
“الاندماج” مفضلاً عند الأبوليناريين ولكن الكنيسة رفضته بوجهٍ عام على
أساس أنه يتضمن انحلال كلا الطبيعتين.

[5].
كلمة “الاتصال” التي يصر عليها إغريغوريوس، وقد رفضت الكريستولوجية
اللاحقة هذه الكلمة على أنها أضعف من أن تعبر عن التجسد الحقيقي. واعتقد أن
إغريغوريوس لا يستبعد فكرة المقارنة بالوحي للأنبياء في حالة المسيح ولكنه يطلب
دعمها بمقارنة أقوى في التكوين.

[6].
نما السيد المسيح في الحكمة والفهم (لو 2: 52)، ولكن هذا لا يعني بالنسبة
لإغريغوريوس أنه كان “ابنًا بالتبني”. ومن المشكوك فيه أن يكون أي
لاهوتي مسيحي ذو مكانة قد اعتنق مثل هذا الرأي إلا إذا كان بولس أسقف أنطاكيا الذي
خُلع من منصبه سنة 268م قد قال بهذا الرأي أو ما يقاربه.

[7].
يرفض فيتاليوس هذا الرأي صراحة في اعترافه بالإيمان.

[8].
فيما بعد فضَّلت الكنيسة اصطلاح “الاتحاد” كوصف للعلاقة بين الطبيعتين
في المسيح وليس تعبير “الامتزاج”– يرجع للملحوظة السابقة عن
“الاندماج”.

[9].
كمثال: يمكن أن يُقال أن المسيح خلق العالم وأن الله مات على الصليب، حيث أن
المسيح والله واحد.

[10].
يمكن أن نفسر كلام إغريغوريوس هنا على أنه يقول أن التجسد الإلهي ممكن بسبب الصلة
بين الفكر الإلهي والبشري. قارن عظة رقم 29/ 19.

[11].
ليس واضحًا أي تعليم لأبوليناريوس يشير إليه هذا. ومن المؤكد أنه يشير إلى
“ألفيته” المزعومة، ولكن لماذا يجب أن تتضمن هذه الفكرة أن نكرر نفس
الأشياء القديمة؟ (يرجع للرسالة الثانية فقرة رقم 5). ربما كانت الحجة هنا أنه إذا
كانت هناك قيامة أولى للصالحين يتبعها حكم 1000 سنة للمسيح فمن ناحية المبدأ
ستتكرر كل الأشياء. ومثل الإيحاء المذكور سابقًا بأن أبوليناريوس كان يعلم بأن
المسيح قد أحضر جسده من السماء، فإن معظم هذه الاتهامات غير مؤيدة بإثبات وهي
تشويه للسمعة.

[12].
هذه الكتب غير معروفة.

[13].
قارن برسالة أبوليناريوس إلى باسيليوس، حيث يتحدث عن الابن كنور أقل بالنسبة لنور
الآب، وحيث أنه ليس لدينا النص الأصلي لأبوليناريوس بل النص الذي أورده
إغريغوريوس، فإننا لا نعرف بالضبط ما كان يعنيه. ومما يتفق تمامًا مع تعاليم مجمع
نيقية أن يُقال أن الآب أعظم من الابن كسبب للوجود، وبالمثل فإن الابن أعظم من
الروح القدس. ومع ذلك فربما أبوليناريوس قد استخدم تصوير الشعاع والوهج والشمس–
الذي أصبح قديمًا الآن- ببساطة، ولكن إغريغوريوس يتهمه بأنه يوحي بالأريوسية.

[14].
كان لأبوليناريوس شهرة كبيرة كواضع ترانيم ماهر ومحبوب.

[15].
هذه إشارة مشكوك فيها لقانون إيمان مجمع نيقية كما أصدره مجمع القسطنطينية سنة
381. وأعتقد (ولو أنها نقطة مثار جدال) أن إغريغوريوس كان أصوليًا متشددًا بالنسبة
لقانون إيمان مجمع نيقية (325) بحيث لا يمكن أن يقر أي إضافة إليه، مهما كان دوره
في كتابة التعديل الذي أجراه مجمع القسطنطينية.

[16].
كان تعبير “التأنس” مستخدمًا في الكتابة لسنوات طويلة– على الأقل منذ
عهد أوريجينوس- وكان “التجسد” هو الاصطلاح المفضل عند أبوليناريوس.
وكلمة “أو” هنا تفيد التساوي في المعنى.

[17].
كلمة “العزيز” كلمة تكريم شرفي فقط كما يُقال في مقدمة الخطابات
الحديثة: “سيدي العزيز” ويحتمل أن النص التالي المأخوذ من اعتراف
فيتاليوس بالإيمان هو الذي يشير إليه إغريغوريوس هنا:

“بالإضافة
إلى ذلك، بخصوص التدبير الجسدي للمخلص، فإننا نؤمن بأن تجسد الله الكلمة قد تم
لتجديد البشرية بينما يظل هو بلا تحول ولا تغيير. فحيث أنه بالحقيقة ابن الله من
خلال ولادته الأزلية من الله، فقد صار أيضًا ابن الإنسان عن طريق ولادته من عذراء.
وهو نفس الإله الكامل من خلال الألوهية والاتحاد مع الآب. ومن يقول أن المسيح أخذ
جسده من السماء أو أنه متحد مع الله من خلال الجسد، فهذا يصير محرومًا. ومن لا
يعترف بأن جسد الرب من العذراء القديسة مريم متحد مع البشر يصير محرومًا. ومن يقول
أن ربنا ومخلصنا المولود بالجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء هو بدون نفس أو
شعور أو تفكير أو عقل يصير محرومًا. ومن يجرؤ على القول بأن المسيح تألم في
الألوهية وليس بالجسد، كما هو مكتوب في (1 بط 4: 1)- يصير محرومًا. ومن يقسم ويفصل
بين الرب والمخلص ويقول أن الله الابن والكلمة شيء، وصورة الإنسان المتجسد التي
أخذها شيء آخر، ولا يعترف بالابن الواحد، يصير محرومًا.

[18].
يرجع للرسالة الأولى الفقرة 12. وربما يكون إغريغوريوس قد غير أسلوبه هنا، فهو لا
يتحدث عن ختان ثانٍ أو ذبائح وفكرة دورة التكرار هنا أقل وضوحًا.

[19].
لا يشكو إغريغوريوس من تفرقة أبوليناريوس بين الصفات المنسوبة للمسيح (يرجع للعظة
رقم30/ 1) ولكنه يعترض على من يخبره بأنه في نفس الوقت يقسم الطبيعتين بعد
الاتحاد. وقد كان تقسيم الطبيعتين بعد الاتحاد هو دائمًا النقد الذي يوجهه
المؤمنون بالطبيعة الواحدة للخلقيدونيين.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى