تفسير معجزة شفاء اينياس واقامة طابيثا (اع 9)
“وحدث أن بطرس وهو يجتاز بالجميع،
نزل أيضًا إلى القديسين الساكنين في لدّة”. .
إذ رجع القديسان بطرس ويوحنا من السامرة يبدو أن الرسول بطرس استراح للخدمة خارج أورشليم، فانطلق يخدم في البلاد التي حولها حتى بلغ لدة متجهًا نحو الساحل. وكان قد سبق وعبر القديس فيلبس في نفس الخط.
لدة أو اللد: مدينة قديمة (١ أي ٨: ١٢؛ عز ٢: ٣٣؛ نح ١١: ٥٣)، تقع في الطريق ما بين أورشليم وقيصرية فيليبي. تبعد ما بين 10 و12 ميلاً جنوب شرقي يافا، وهي في اختصاصات سبط افرايم. دعاها اليونانيون ديوسبوليس أو مدينة جوبتر، يُحتمل أن هيكل جوبتر كان قد أُقيم في وقت ما في هذه المدينة. الآن صارت مُدمرة تمامًا، صارت قرية بائسة. جاء في التقليد أن الإمبراطور يوستنيان أنشأ كنيسة هناك. فيها صارع الشهيد مار جرجس التنين – حسب التقليد المسيحي – وقد أشيع أن السيد المسيح سيأتي فيها ويقتل التنين “ضد المسيح”. اشتهرت اللد بالأرجوان.
قام القديس بطرس بزيارة الكنائس التي نشأت حديثا بواسطة الكارزين الذين تشتتوا. كرسول لم يحد نفسه بموضعٍ معين، ولا التزم برعاية كنيسة معينة دون غيرها، بل افتقد كثير من الكنائس، ليثبتها في الإيمان الذي تسلموه خلال الذين تشتتوا بسبب الاضطهاد وانطلقوا من أورشليم. لقد تشبه هو وغيره من الرسل بمعلمهم الذي كان يجول يصنع خيرًا.
“إلى القديسين”، إذ اتسم المسيحيون بروح القداسة، يدعوهم الكتاب المقدس قديسين (مز 16: 3).
فوجد هناك إنسانًا اسمه اينياس،
مضطجعًا على سرير منذ ثماني سنين،
وكان مفلوجًا”.
إذ وجد القديس بطرس في اللد إنسانًا مفلوجًا منذ ثماني سنوات شفاه باسم يسوع المسيح. بلا شك فقد اينياس ومن حوله كل رجاء في شفائه، متوقعين بقاءه على السرير في مرضه حتى يدخل القبر، وقد أبرز الله خلال رسوله بطرس أنه إله المستحيلات!”فقال له بطرس: يا إينياس يشفيك يسوع المسيح،
فقام للوقت”.
قد تطول فترة الفالج إلى ثماني سنين، لكن في الوقت المعيّن يعمل اللَّه فينا ليهبنا كمال الصحّة، فنقوم من سرائرنا ونتحرّك للعمل بلا توقف.
مسيحنا إله المستحيلات، يهتم بالمرضى الميؤس من شفائهم، لكي يعلن قوّة اسمه كمصدر شفاء، ويهب المرضى قوّة للقيامة، فيحمل المريض سريره ويشهد بقوّة فترجع النفوس إلى الربّ.
“ورآه جميع الساكنين في لدة وسارون،
الذين رجعوا إلى الرب”.
إذ رأوا قوة اسم يسوع المسيح رجعوا إلى الحق، وقبلوا الرب يسوع في حياتهم.
سارون أو شارونة يتاخمها سهل شارون، وهي أرض خصبة ممتدة حتى جبل الكرمل.
“وكان في يافا تلميذة اسمها طابيثا،
الذي ترجمته غزالة،
هذه كانت ممتلئة أعمالاً صالحة وإحسانات كانت تعملها”. .
يقدم لنا القديس لوقا معجزة أخرى، صنعها القديس بطرس لتثبيت الإنجيل، تفوق المعجزة السابقة، إذ أقام طابيثا بعد موتها.
يافا: على ساحل البحر الأبيض المتوسط، تبعد عشرة أميال شمال غربي اللد. كانت تابعة لسبط دان، تبعد حوالي 30 ميلاً جنوب قيصرية، و45 ميلاً شمال غربي أورشليم. كانت ميناءً رئيسيًا لفلسطين، مع أن الميناء نفسه كان فقيرًا. استخدمه سليمان في استقبال الخشب الذي استورده من صور لبناء الهيكل (2 أي 2: 16).. اُستخدم لذات الغرض في وقت عزرا (عز 3 :7). وهي مدينة قديمة جدًا ذُكر اسمها في نقوش تحتمس الثالث (١٤٩٠ – ١٤٣٦ ق.م). وردت في يش ١٩: ٣٦ أثناء دخول الشعب أرض الموعد، لكنها ظلت تابعة للفلسطينيين. استطاع يوناثان المكابي أن يغزوها ويستولي عليها من ملوك سوريا عام ١٤٨ ق.م. لكن بومبي الروماني استعادها للسوريين سنة ٤٧ ق.م أُعطيت لهركانوس الثاني المكابي، الملك والكاهن اليهودي. كان أكثر مواطنيها من اليونان، وقد حطمها فسبسيان عام ٦٨م. تُعرف يافا حاليًا بحدائقها وفواكهها الممتازة عن فواكه أغلب المناطق الأخرى.
طابيثا” اسم عبري، باليونانية دوركاس، ومعناها غزالة، وهو حيوان مبهج. كانت “تلميذة”، أي قبلت الإيمان بالسيد المسيح، ونالت العماد، وتتلمذت على السيد المسيح خلال أحد المعلمين. اتسمت بالجهاد في الأعمال الصالحة كثمرٍ متكاثرٍ لإيمانها الحي. ترجمت إيمانها إلى عملٍ مستمرٍ، كانت شهادتها لمسيحها، لا بالكلمات، بل بالأعمال المملوءة حنوًا وحبًا.”وحدث في تلك الأيام أنها مرضت وماتت،
فغسّلوها ووضعوها في عُليِّة”.
غسل الجثمان كعادة كثير من الشعوب، وًضع في العلية استعدادًا للجنازة، وربما كانوا يتوقعون مجيء القديس بطرس الرسول كطلب التلاميذ، ولعلهم كانوا يترجون إقامتها من الأموات.”وإذ كانت لدّة قريبة من يافا،
أرسلوا رجلين يطلبان إليه أن لا يتوانى عن أن يجتاز إليهم”.
لعل التلاميذ استدعوا القديس بطرس من أجل تعزية النفوس الحزينة، إذ كانت سندًا لكثير من الأرامل والفقراء.
أما توقعهم أن يقيمها من الموت، فغالبًا لم يكن واردًا، لأننا لا نسمع عن اقامة موتى بواسطة الرسل منذ صعود السيد المسيح أو حلول الروح القدس على الكنيسة وإلى تلك اللحظات.
“فقام بطرس وجاء معهما،
فلما وصل صعدوا به إلى العُليّة،
فوقفت لديه جميع الأرامل يبكين،
ويرين أقمصة وثيابًا مما كانت تعمل غزالة وهي معهن”.
كانت طابيثا إحدى التلميذات، أي المؤمنات، كرست حياتها لخدمة الأرامل. لم يقدم أحد مراثٍ وقصائدٍ شعرية في مديح القديسة طابيثا، لكن قدمت الأرامل أعمال حبها وحنوها شهادة حية لتقواها. لم تخجل الأرامل الفقيرات من الإعلان علانية أنهن مدينات لها بأعمال الرحمة والصدقة. اتسمت هؤلاء الأرامل بروح الشكر والعرفان بالجميل، وأعلنت الأرامل حاجتهن الماسة إلى هذه التلميذة التقية.
كانت الأقمصة في العادات اليونانية والعبرية تُرتدى فوق الملابس، لهذا عندما دخل السيد المسيح أورشليم فرشوا القمصان أمامه، أي الأقمصة الخارجية.
يرى البعض أن أهل يافا بعثوا يستدعون بطرس الرسول ليسير عشرة أميال ويأتي ليقيم طابيثا بعد موتها. إنه الإيمان العجيب للأرامل اللواتي رأين وتلامسن مع إيمان طابيثا الرائع التي عبَّرت عنه بحبها العملي لهن. كان لديهن اليقين في إمكانية الإيمان وإدراك لضعف الموت وهزيمته أمام قوة قيامة السيد المسيح.
عندما يقترب إنسان من الموت ليت صديق ذلك الشخص الذي يموت يُعد له الأكفان، ويحث الراحل أن يترك شيئًا للمحتاجين. ليرسله بهذه الثياب إلى القبر، تاركًا المسيح وارثًا له.
“فأخرج بطرس الجميع خارجًا،
وجثا على ركبتيه وصلى،
ثم التفت إلى الجسد وقال:
يا طابيثا قومي.
ففتحت عينيها،
ولمّا أبصرت بطرس جلست”.
طلب القديس بطرس خروج الجميع، فإنه لم يطلب مديحًا من إنسانٍ ولا مجدًا باطلاً من العالم. جاء، لا لكي يستعرض إمكانياته وقدراته، بل ليمارس حنوه الداخلي في الرب. أراد أن يتحدث مع الله مخلصه في هدوءٍ، بعيدًا عن الضجيج. قدم صلاة بروح تقوي وفي خشوع، يطلب عون لله، يعلن خضوعه كخادمٍ للرب، وليس كما أقام السيد المسيح لعازر بسلطانه الإلهي.يطالبنا القديس يوحنا الذهبي الفم أنه يكون لساننا كلسان المسيح ينطق بذات كلماته. فقد نطق الرسول بطرس (أع 9: 40) بذات كلمات الرب (مت 5: 5). [ليتنا نتكلم بنفس الطريقة التي بها يتضح بجلاء مما نقوله إننا ننطق بكلمات المسيح…
فإنه ليس فقط إن قلت: “قم وامشِ” (مت 5: 5) أو “طابيثا قومي” (أع 9: 40) أكون قد نطقت بكلمات المسيح، بل ما هو أكثر عندما أُشتم فأبارك، عندما يُساء إليَّ فأصلي من أجل المسيئين إليّ. أقول إن لساننا هو اليد التي تلمس قدمي المسيح (تتوسل إليه)… لساني هو لسان متمثل بالمسيح، إن أظهر الغيرة اللائقة، وإن نطق بالأمور التي يريدنا أن ننطق بها. ما هي هذه الأمور؟ كلمات مملوءة تواضعًا ووداعة، كما نطق هو عندما تحدث مع من أساءوا التعامل معه.”فناولها يده وأقامها،
“فصار ذلك معلومًا في يافا كلها،
فآمن كثيرون بالرب”.
هذه كانت أول معجزة من نوعها تمت على يدي رسول، فأدرك كثيرون أن الإنجيل رسالة سماوية، وآمنوا به.
إقامة طابيثا لم تمجّد القدّيس بطرس بل ربّنا يسوع إذ “آمن كثيرون بالرب“، إذ ذاقوا قوّة إنجيل الخلاص.
لم تزل كلمة الرب تنمو وتزداد فى هذه البيعه وكل بيعه من الان وإلى الابد امين