التأملات الروحية والخواطر الفكرية
رساله الميلاد

رسالة الميلاد
إني أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص وهو المسيح الرب .
افرحوا بالرب .
هوذا فرح عظيم غامر يعم البيوت جميعا . ميلاد المخلص الكلمة الذي لا تسعه السموات قد وسعه الحشا البتولي .
هوذا كلمة الله الأزلية قد أخذت هيئتنا البشرية وحل بيننا . وعاش الكلمة كما نعيش . ونحن نعلم أن هدف التجسد الإلهي هو مصالحة السماء والأرض واتحاد العلويين بالسفليين حول العرش الإلهي مرتلين ومنشدين ومهللين .
هوذا قد صار الإله إنسانا ليصير الإنسان إلها أي يعيش الإنسان الإلهيات متحدا بها . هللت الملائكة في السماء وفرح البشر جميعا . صارت المغارة المتواضعة سماء حوت من لم تسعه السماء والأرض .
فأي تواضع تواضع الإله . هذا الإله غير المحصور بزمان أو مكان . كم يشعر البشر بالخزي عندما يرون روح التكبر قد ملئت قلوبهم وعقولهم وضمائرهم وكم تسقط روح الكبرياء هذه أمام تواضع الإله .
وماذا كانت النتيجة ؟ حروب قاتله ، سلام مفقود ، موت بالجملة شنيع وبشع جداً ، جوع روحي وجسدي ، تشريد وتفتيت للعائلات . وكل يبحث عن الأمن والراحة والطمأنينة والسكون ولا يجد ، تاه البشر كغنم لا راعي لها تائهين في ظلام لا يرون فيه بصيصاً من الأمل أو النور يريدون السلام بعيداً عن رب السماء ولا يجدون بكل أسف .
أصبح العالم يعيش ظلاماً حالكاً شديداً وقد عمت الأبصار وحارت العقول ولا من مغيث ، يقتل الابن أباه وسرى الشر بين الناس ، أصبح التلاحم بين الاخوة بالجسد مفقوداً الأخ ينهش ويقتل أخاه وذاق البشر حياة مريرة حتى إن الكثير يتمنى الموت ولا يجد .
وعندما يولد المخلص هذه الأيام ، ماذا يرى ؟ يرى كنائس شبه خاوية ، يرى الإيمان قد فتر ، يرى بعد الناس عن الكنيسة متذرعين بكل ما في الدنيا من أعذار الكسل ، وكل واحد يرى أنه الأفضل وباقي من حوله مزدرى وغير موجود ، يرى الكهنة وقد انبرت ألسنتهم من الدعوة للعودة للإيمان المستقيم الأصيل والحقيقي الذي كاد أن يفنى ، يرى الناس في تناقض يعملون خدمة الجناز طالبين رحمة الله بالأحياء والراقدين وقت الصوم وبعد الخدمة يكسرون وصية الصوم إرضاءً للناس ويتجاوزون رضى الله ، يرى أن هم الفرد هو رضا الناس على رضا الله ، هذا فيض من غيض لما وصلت إليه البشرية من هاوية لا قرار لها بعيدة عن الله الذي أرسل ابنه الوحيد لها لينقذها من الظلمة وظلال الموت .
لقد فقد العالم سلامه لأنه ابتعد عن رب السلام والذي هللت له الملائكة بالسلام .
لقد فقد القلب أمنه لأنه ابتعد عن الميناء الهادي وسيطرت عليه أمواج الخطيئة والموت . فما العمل في هذه الأيام المباركة . وكيف يمكن رجوع البركة إلى القلب والبيت والأسرة . لنتذكر الآباء والأجداد كم كانت حياتهم بالخيرات غزيرة وبالبركات مليئة وكم كانت قلوبهم بسيطة يقدمون بسخاء لا يطمعون إلا برحمة رب السماء . كم نتذكر رجالاً وصلوا أعلى المناصب وأعلى درجات الإيمان معاً .
إذن لنفهم هذه المناسبة الغالية ونرنو بعيوننا نحو مغارة بيت لحم لنتمتع برؤية الطفل الإلهي نلتمس من نوره هدياً لحياتنا .
وأين تلك المغارة إلا الكنيسة التي نستشعر في أحضانها دفء الأمومة ودفء محبة الآب السماوي . نحبه لأنه أحبنا أولاً .
أيها الأبناء الأحباء :
نحن في أمس الحاجة وقد دخلنا الألف الثالث لميلاد المخلص أن نقف لحظة مع أنفسنا . أين نحن ولم نعيش وماذا نأمل في هذه الحياة التي نهايتها واحدة للجميع بدون استثناء. لنرنو إلى حياة أسمى ومدينة سماوية خالدة نحيا بها ولا نموت وهذا لن يكلفنا شيئاً سوى أن نرى الله أمامنا في كل حين ونعيش حياة المحبة والصلاة والصوم والتأمل . لأننا بهذه الأعمال نرث الحياة الأبدية ونرى مدينة السلام العلوية وقد ضمت جميع الأبرار والصالحين .
وفي الختام أضرع إلى الطفل الإلهي رافعا يدي الضعيفتين وحانيا ركبة قلبي أمام جلاله لكي يعيد عليكم هذه المناسبة المباركة وأنتم بأتم الصحة والعافية وأن يمن عليكم بملء البركة ويملأ بيوتكم من كل خيرات الأرض وأن تحل عليكم نعمته السامية . خاتماً بالتسبيح الملائكي :
المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة