الطقس الكنسي

من هو رجل الدين ( الكاهن ) قاضي أم طبيب وأب

يقول المتنيح نيافة الأنبا غريغوريوس أسقف عام الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي واصفاً الكاهن قائلاً :
[ رجل الدين إذن ليس رجل شرطة يتعقب المجرم ليخلص المجتمع من شره . لا ، أنه ينظر إلى الجريمة على أنها مرض ، وإلى المجرم على أنه سقيم مريض ، يحتاج إلى العلاج ، وتائه ضل الطريق ، أو أخطأ الهدف وأصابه المرض ، ورجل الدين يمسك به لا ليُدمره إنتقاماً وثأراً منه ، إنما يُمسك به ليفحصه جيداً ، ويعرف بالفحص العميق سرّ مرضه ، ويتتبع حالته ويسعى جاهداً لشفائه وخلاصه في الحياة الحاضرة والآتية .

إن رجال الكهنوت هم رجال الله . والله كما أنه قاضٍ هو أب أيضاً وطبيب وراعٍ . فهم على غرار سيدهم وربهم ، رجال رحمة ورسل سلام وخير ، يعملون مع سيدهم وربهم على نشر الخير بين الناس ، هم لا يتعقبون الأشرار ليبيدوهم ، ويلاشوهم من الوجود ، ولكنهم يترفقون بهم ، ويُعالجونهم حتى يحولوهم إلى أصحاء نافعين لنفوسهم وللناس . وبهذا يتحولون إلى أدوات خير وبركة ونفع لأنفسهم وللآخرين ، أي يصيرون عملاء الله في نشر الخير وعاملين في ملكوته .

لقد قال ربنا يسوع المسيح عن نفسه ، أنه جاء هنا إلى هذا العالم لا ليَدين الناس بل ليُخلَّص ومن بين أقواله له المجد :
” فإن الله لم يُرسل إبنه إلى العالم ليدين العالم ، بل ليُخلص به العالم ” ( يوحنا 3 : 17 )
” ومن سمع أقوالي ولم يحفظها ، فأنا لا أُدينه ، لأني ما جئت لأُدين العالم ، بل لأخلص العالم ” ( يوحنا 12 : 47 )

فإذا كان المسيح له المجد لا يُدين أحداً الآن قبل اليوم المعين للدينونة ، فرجال الكهنوت ، وهم رجال الله ، لا يدينون الناس أي لا يقضون على الناس ، وأن كانوا يقضون بين الناس . فإذا عاقبوا فهذا العقاب هو للتأديب والتهذيب وليس للدينونة . هو علاج وتطبيب ونصح وزجر وتأنيب ، ولكنه لا يخرج عن دائرة العلاج . فقد تختلف وسيلة التطبيب عند الطبيب بالنسبة لحالة المريض . فقد يكتفي بوضع مرهم مرطب ، وقد يتطور المرض ويُسمى خطر فيعالجه الطبيب بالدواء الحارق ، وقد يعالجه بالنار ، وقد يعالجه باستأصال العضو أو بتره . ولكنه في جميع الأحوال هو الطبيب الإنسان ، حتى لو قسا على المريض وآلمه ، لكنه يبغي شفاءه وخلاصه من دائه . فهو أداة رحمة ، ورسول خير وبركة ، وهكذا وبالأحرى جداً رجل الدين ، رجل الله إنه طبيب – لا يدين كسيده ، ولكنه يُعالج . وحتى لو زجر أو نهر أو عاقب ، فلأن العلاج يقتضي ذلك ، لكنه لا يفصل بروح الانتقام أو للهلاك والقضاء والدينونة . وإنما بروح الأبوة الرحيمة ، وبروح المعلم الصالح الذي قد يضرب تلميذه لمنفعته وإصلاح سيرته فيتقوم ويستقيم ، ويصير صالحاً لحاضره ومستقبله ، صالحاً لنفسه ولأسرته ولوطنه وللمجتمع البشري والإنساني .

إن رجل الدين أن ظن أنه قد مُنح سلطاناً يدين به الناس حماية لنفوذه وتوكيداً لسلطته ورئاسته ، فقد أساء فهم السلطان الذي منحه إياه سيده ، بل لقد أساء إلى سيده ، لأن سيده يقول عن نفسه : ” لأني ما جئت لأدين العالم بل لأخلص العالم ”
وهنا في هذا المعنى يقول رب المجد ورئيس الرعاة الأعظم : ” فمن تراه العبد الأمين الحكيم .. ( أنظر للأهمية القصوى مت 24 : 45 – 50 )

جاء في الدسقولية وهي تعاليم الرسل ، الخطاب موجهاً إلى الأسقف :
[ أشفِ الذين ضلوا في الخطية ، كطبيب حاذق وشريك في الألم ، لأنه ” لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى ” ، قال : ” لقد جاء ابن الإنسان ليُخلص الضالين ” . أنت طبيب لكنيسة الرب . أدخل بعقاقير تليق بكل واحد ، فتشفيهم بكافة الوسائل وتُصيرهم أصحاء وسالمين وتُثبتهم في الكنيسة .
أرع الماشية لا بضجر ولا بهزؤ كمن لك عليهم سلطان ، بل كراعٍ صالح تجمع الخراف إلى حضنك .. كن طبيباً صالحاً ، باشاً ( بشوشاً
) .. ولا تكن قاسياً ، ولا محابياً ولا صارماً ، ولا بغير رحمة ، ولا متعالي القلب . ولا تراءِ الناس ، ولا تكن خائفاً ، أو ذا قلبين ، ولا تهزأ بالشعب الذي تحت يدك ، ولا تستر عنهم نواميس الله ، أو كلام التوبة . ولا تكن مستعداً أن تخرج بخفة أحداً من الكنيسة ، بل تثَّبت جيداً ، ولا تكن محباً للسعاية … ] ( دسقولية باب 4 ) ]

عن موسوعة الأنبا غريغوريوس – 9 اللاهوت العقيدي ” الجزء الرابع ” في اسرار الكنيسة السبعة (2) ؛ الناشر مكتبة المتنيح الأنبا غريغوريوس – دير الأنبا رويس بالعباسية مصر – ( ص 363 – 365 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

Please consider supporting us by disabling your ad blocker!