التأملات الروحية والخواطر الفكرية

لكني أقول لكم أيها السامعون

لكني أقول لكم أيها السامعون
أحبوا أعداءكم أحسنوا إلى مبغضيكم (لو 6 : 27)

الولادة من فوق تجعلنا أولاداً لله عن جداره : ” انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله من اجل هذا لا يعرفنا العالم لأنه لا يعرفه ” (1يو 3 : 1) ، وفي حالة كوننا أولاد لله لا يقدر أن يفهمنا العالم ويعثر في إدراك عمل الله بروحه فينا ، لذلك يتعثر في محبتنا التلقائية ومن قلب طاهر لأعدائنا وتتميمنا لوصية يسوع : ” و أما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم و صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم و يطردونكم ” (مت 5 : 44)، لذلك يرانا الكثيرين أننا في حالة ضعف أو في خلل نفسي أو سلبيين أو غيرها من الأفكار التي تدل على عدم البصيرة الداخلية والاستنارة ، بل وقد نسمع من بعض المسيحيين أن هذه الآية لا تصلح لهذا الزمان ، أو أنها للقديسين وليست لنا نحن ، مع أن الرب يسوع قالها لكل السامعين !!!

والسبب أن كثيرين يقفوا عند هذه الآية ويتعثرون جداً بل يحولوا تفسيرها في شكل ملتوي حتى يهربوا منها بلباقة وراحة ضمير ، هو أنهم لم يدخلوا في مجال القداسة التي بدونها لا يُعاين أحد الرب أو يفهم كلماته التي على مستوى الروح !!!

ولو تطرقنا للقداسة ، فنحن بالطبع مدعوين أن نكون قديسين : ” بل نظير القدوس الذي دعاكم ، كونوا أنتم أيضاً قديسين في كل سيرة ، لأنه مكتوب كونوا قديسين لأني أنا قدوس ” (1بط 1 : 16) ، والقداسة ليست صناعة بشرية حتى نخاف أن لا نُتممها ، لأن للأسف مفهوم القداسة ارتبط عند الناس بالمعجزات والخوارق ، مع أن المعجزات هي عطية خاصة كموهبة شهادة خاصة لعمل الله وليست هي شرط القداسة أو سببها ، لأن القداسة شيء آخر تماماً ولا علاقة لها بجهد الإنسان وعمله الخاص : ” لا بإعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني و تجديد الروح القدس ” (تي 3 : 5)

ولكي نفهم ما هي القداسة نربط آيات الكتاب المقدس لنفهمها على مستوى عمل الله فينا وليس عملنا وجهادنا الخاص ، لأننا لا نؤهل لحياة القداسة بعملنا البشري ، لأننا لن نكون مؤهلين للقداسة بعملنا الشخصي ، لأن مهما ما عملنا أو صنعنا لن نؤهل للقداسة بقوتنا !!!

كونوا قديسين : هذا أتى في صيغة أمر ، كما قيل منذ بدء الخلق : ” ليكن نور فكان نور ” ( تك1: 3 ) ، فأمر الله يقع في دائرة سلطانه الخاص ويحمل قوة التنفيذ لأن حينما ينطق الله يخرج من فمه قوة تُحيي وتنفذ فوراً بسلطان ، فالله نحن نعبده ونطيعه بالحب والمهابة ونحيا تحت سلطانه الإلهي كأولاد له مولدين من فوق ، نستمد منه حياتنا ووجودنا ، لذلك وإذ لنا إنسان جديد مخلوق ” و لبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه ” (كو 3 : 10) في القداسة والحق ، فكأولاد للطاعةلا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم بل نظير القدوس الذي دعاكم ، كونوا أنتم أيضاً قديسين في كل سيرة ، لأنه مكتوب ” كونوا قديسين لأني أنا قدوس ( 1بط 14 – 16 ) ، فنحن مدعوين أن نعيش في شركة مع الله بالحب والمخافة بالطاعة هنا على الأرض في سيرة مقدسة وبلا عيب ، والقداسة لنا في المسيح ربنا ، لأنه هو الذي قال : ” ولأجلهم أُقدس أنا ذاتي ليكونوا هم أيضاً مقدسين في الحق ” ( يو 17: 19 ) ، ” فيه يحل ملء اللاهوت جسدياً … وأنتم مملوؤن فيه ” ( 1كو2: 9و10 ) ، فالقداسة تخرج من رب المجد يسوع إلينا ، أي تشملنا طالما نحن فيه ، والروح القدس ينقل قداسة ربنا يسوع ويطبعها فينا بالسرّ ، لذلك دائماً ما نُثمر محبة كظهور لعمل القداسة فينا ، لأننا آنية مخصصه للحلول الإلهي …

فمن هنا نقدر أن نستوعب سر الآية (( أحبوا أعداءكم )) وسهولة تنفيذها لا على المستوى البشري بل على مستوى إلهي فائق لأن الروح القدس يأخذ مما للمسيح القدوس ويعطينا ، فكيف في هذه الحالة لا نقدر أن نحب إلا لو كنا لا نعيش بالإنسان الجديد الذي نلناه في سر ولادتنا من الله !!!

يا أحبائي ، لنتبع السلام والطهارة ، لكي تستقيم عبادتنا ونلبي دعوتنا المقدسة ونعيش بنوتنا لله ، لأن السلام والطهارة ومحبة الله وحياة التقوى مرتبطين معاً ويستحيل انفصالهم أبداً !!!

يقول القديس باخوميوس : ( بستان الرهبان الموسع الجزء الثاني فقرة 37 و 39 – ص 157 و 158 )

نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الإخوة من لا يحب أخاه يبق في الموت ” (1يو 3 : 14)
بهذا قد عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة ” (1يو 3 : 16)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

Please consider supporting us by disabling your ad blocker!