صوم الميلاد المجيد – عيد المصالحة
أسمعوا مني كلام حكمة بإلهام الروح القدس الذي يعلمنا كل شيء ويرشدنا لطريق الحق والذي خط لنا على مر العصور تقليد مجيد لنسير في درب طريق الحياة …
أحب أن أقول لكم في هذه الأيام المقدسة يا أحباء يسوع ، ونحن نستعد لنستقبل عيد الميلاد : أننا مقبلين على عيد السلام والمصالحة ، مصالحة الأرض والسماء ، مصالحة النفس مع الله ، مصالحة النفس مع النفس ، ومصالحة الإنسان مع الإنسان ، حتى نكون مستحقين أن نهتف مع الملائكة المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة …
أكتب إليكم عن الصوم الحقيقي كما سلمه لنا الآباء ، مركزاً على الأب العظيم القديس أثناسيوس الرسولي :
[ تأملوا أيها الأخوة ، ماذا يحقق الصوم حسب الوصايا (القانون) الخاصة بالصوم . مطلوب منا ألاَّ نصوم فقط بالجسد ، بل أن نصوم بالنفس .
وصوم النفس هو في التواضع عندما لا نتبع الأراء الشريرة ، بل نتغذَّى بالفضائل الحسنة ؛ لأن الرذائل والفضائل هي طعام النفس . وتستطيع النفس أن تأكل أيهما كطعام ، وأن تميل الى أي الطريقين :
طريق الفضيلة أو طريق الرذيلة حسب إراداتها . فإذا مالت النفس الى الفضيلة ، فإنها تتغذَّى بفضائل البر مثل الإحتمال والوداعة والثبات. كما يقول بولس : ” تتغذى بكلمة الحق ” ( 1 تيموثاوس 4: 16 ) . وهكذا كان حال ربنا الذي قال: ” طعامي أن عمل مشيئة أبي الذي في السموات ” (يوحنا 4: 34 ) .
أما إذا لم يكن هذا هو حال النفس وبدأت تنحدر وتسقط الى أسفل ، فإنها لا تتغذَّى بشيء آخر سوى الخطية . وهكذا وصف الروح القدس الخطاَة وطعامهم مشيرًا الى الشيطان عندما قال : ” سوف أجعله طعامًا لشعب الحبشة ” (مزمور ٧٤: ١٤السبعينية) ؛ لأن الشيطان هو طعام للخطاة ، أما ربنا يسوع المسيح مخلصنا فهو ” الخبز السماوي ” وطعام القديسين حسبما قال : ” إن لم تأكلوا جسدي وتشربوا دمي ” (يوحنا ٦: ٥٣ ) . بينما الشيطان هو طعام النجسين والذين لا يسلكون حسب النور ، وانما يعملون ” أعمال الظلمة “.
ولذلك لكي نبتعد عن الرذائل يوصينا الرب أن نتغذَّى بطعام الفضائل ، أي تواضع الفكر والانسحاق واحتمال التحقير والاعتراف بأن أي شيء حسِن فينا هو من الله ؛ لأن هذا الصوم
(قانون الصوم) لا يطهر نفوسنا فقط ، بل يحفظها مقدسًة ، ويؤهل القديسين ويرفعهم الى فوق، الى ما هو فوق الأرض ]
(( القديس أثناسيوس الرسولي : فقرة ٥ : ص ٥٠٨ من الترجمة الانجليزية مجموعة آباء نيقية ))
+ كل سنة وانتم طيبين ولننتبه أنه يستحيل علينا أن نصوم صوماً مقبولاً ، أو يحق لنا أن نُعيد عيد الميلاد ونحن في خصومة أو زعل ، فالله لا يقبل المتخاصمين الحاملين كل غضب أو تحامل على أحد ، والكنيسة تنبهنا كما سلمها الرب يسوع :
“ فان قدمت قربانك الى المذبح و هناك تذكرت ان لاخيك شيئا عليك فاترك هناك قربانك قدام المذبح و اذهب اولا اصطلح مع اخيك و حينئذ تعال و قدم قربانك ” (مت 5 : 23 و 24)…
العيد عيد المصالحة ، ولا أحد يهتف من قلبه ، إن لم يتغلغل الحب في قلبه ليقرب من إله المحبة الوديع والمتواضع القلب !!!