الشيخ ناصيف اليازجي
هو ناصيف بن عبدالله بن ناصيف بن جنبلاط بن سعد اليازجي . وُلِدَ يوم الثلاثاء الواقع في 25 آذار عام 1800 في بلدة كفرشيما من قرى الساحل اللبناني جنوب بيروت كانت أسرته الكبيرة العدد تسكن إحدى قرى حوران جنوب سوريا ( حالياً محافظة درعا) في بداية القرن السابع عشر هاجر أفراد من العائلة إلى مدينة حمص وراحوا يكتبون للحكّام والولاة فأطلقوا عليهم اسم ( الكاتب ) وتعني باللغة التركية ( اليازجي ) فلصق لقب اليازجي بعائلته وكثرت فروعها في تلك المدينة حتى أواخر القرن السابع عشر ، فهاجر منها سعد عام 1690 ـ وهو جد جد الشيخ ناصيف ـ مع جماعة من أهله إلى لبنان فسكن بعضهم في ناحية الغرب الأقصى من ساحل لبنان وسار آخرون إلى وادي التيم . وعمل سعد اليازجي كاتباً لدى الأمير (أحمد المعني) آخر حاكم للبنان من المعنيين ، ونال حظوة عنده فلقّبه ( بالشيخ ) لوجاهته وعلمه ، وأصبح هذا اللقب يدور مع أفراد الأسرة . وأيضاً عملوا خلال القرن الثامن عشر كتّاباً لدى الأمراء الأرسلانيين والشهابيين ، وكان عبد الله اليازجي والد ناصيف كاتباً للأمير حيدر الشهابي في قرية كفر شيما ، كما كان من أطباء عصره على مذهب ابن سيناء حيث درس أصول الطب القديم على يد بعض رهبان منطقة الشوير وبرع فيه .
نشأ ناصيف في محيط مشبع بروح العلم والدرس فتلقى علومه الأولية على أبيه وأنهاها على راهب لبناني اسمه متّى الشبابي . كان ناصيف شغوفاً للمطالعة والتحصيل فشرع يقرأ كل ما يقع تحت يده من الكتب ، وهي نادرة في تلك الأيام . فأقبل على الأديرة يستعير منها ما أمكنه وكان خلال ذلك يدرس الطب على والده ويجتهد في تحصيل ما يقف عليه من فن الموسيقى وتوقيع الألحان والفلسفة والفقه وعني بالخط عناية خاصة فجوّده وبرع فيه ، وكان إذا صادف كتاباً نفيساً ينقله بخط جميل واضح على القاعدة الفارسية . تأّلق نجمه وهو في السادسة عشر من عمره ، فوصل خبره إلى البطريرك أغناطيوس الخامس فدعاه ليكون كاتباً عنده في دير (القرقفة ) في أعالي كفرشيما ، فبقي عنده مدة سنتين ( 1816 ـ 1818 ) عاد بعدها إلى بلدته ليواصل الدرس والمطالعة وقرض الشعر . ترامت شهرته في أنحاء لبنان فاستدعاه الأمير بشير الشهابي الكبير حاكم لبنان وجعله من كتّاب ديوانه وراح ينظم في الأمير شعراً كثيراً ، فاكتسب رضى الأمير وعطفه ، وأتاح له ذلك الاتصال بوزراء الدولة وعلماء ذلك العصر وأعيان البلاد . فبقي عند الأمير 12 عاماً ( 1828 ـ 1840 ) بعد أن أًرغِمَ الأمير الشهابي على مغادرة البلاد .
انتقل بعد ذلك الشيخ ناصيف بعائلته إلى بيروت فاتصل بمشاهيرها من الكتّاب والشعراء ، صارفاً وقته بالدرس والتأليف في جميع العلوم التي ألّف فيها العرب . اتصل بالمرسلين الأميركيين يصحّح مطبوعاتهم ويقف على منشورات المطبعة الأميركية ولا سيما الكتاب المقدس الذي كان قد باشر بترجمته الدكتور عالي سميث وكان من مؤيديه في إنشاء الجمعية السورية الأولى سنة 1847 وهي أشبه ما تكون بمجمع علمي وانتخب عضواً في عمدتها . وفي تلك الأثناء ألّف معظم كتبه حتى وصل ذكره من قطر إلى قطر ، وراسله كبار الأدباء والشعراء في الشرق والغرب فكانت تأتيه قصائد المدح من العراق ومصر والمغرب وأنحاء لبنان وسورية . وأشهر مراسليه : عبد الباقي العمري ، وعبد الحميد الموصلي ، وحبيب البغدادي ، وعبد الرحمن الصوفي ، وأحمد فارس الشدياق ومارون نقّاش وأسعد طراد وإبراهيم الأحدب من طرابلس وبعض المستشرقين منهم البارون( سلفستر دي ساسي) المستشرق الفرنسي الكبير . ولما أنشأ المعلم بطرس البستاني مدرسته الوطنية عام 1863 استدعى الشيخ ناصيف ليدرّس فيها ، واشتغل معه بتصحيح الجزء الأول من كتاب ( محيط المحيط ) . وفي السنة التالية ، أنشأ البطريرك غريغوريوس المدرسة البطريركية فكان الشيخ ناصيف من أساتذتها المبرزين وكان يقوم بالتدريس بالمدرستين معاً . وبعد مدة دُعي للتدريس في الكلية الإنجيلية السورية ( الجامعة الأميركية فيما بعد ) فدرّس فيها اللغة العربية وآدابها لمعرفته المدهشة باللغة العربية وثقافته الواسعة في النحو والبيان ، ولإبداعه باللغة قيل عنه : أنه المسيحي الذي كان يحفظ القرآن الكريم آية بعد آية . وقد عرف جميع شعراء العرب لكنه أُعجِبَ بالمتنبي وفضّله على شعراء العرب كافةً فقال عنه : ( كأن المتنبي يمشي في الجو ، وسائر الشعراء يمشون على الأرض) ،وكان يحفظ شعر المتنبي بيتاً بعد بيت لا يخلّ بحرف ، وقد قال عن نفْسه : ( كأني قاعد في قلب المتنبي ) .
ولم يزل ناصيف محور الحركة الفكرية حتى ليلة الثلاثاء في 16 / آذار /1869 فشعر بحمّى ودوار وألم مبهم في الحواس وضعف في البصر ، وبقي على هذا الوضع حتى فاجأه المصاب الأليم بوفاة ولده حبيب يوم السبت في 31 / كانون الأول / 1870 وهو في ريعان شبابه . وكان أبوه يُعَلِّق عليه الآمال الكبيرة لطيب خلقه ، وسرعة فهمه ، وما حوى في صدره من المعارف الكثيرة . وهذا المصاب أثّر على صحته ، ففي مطلع شهر شباط 1871 حدثت له سكتة دماغية لم يحتملها سوى أربعة أيام ، فتوفّي مساء الثلاثاء في 8/ شباط / 1871 ودفن في مقبرة الروم الكاثوليك في حي الزيتونة ببيروت في ضريح خاص معروف إلى اليوم . وهكذا قضى الشيخ ناصيف اليازجي بعد حياة ملؤها الرصانة والوقار والاحتشام وعفة اللسان والاستقامة .
كان الشيخ ناصيف اليازجي معتدل القامة ، أسمر اللون ، أسود الشعر ، مهيب المنظر وكان محافظاً أشدّ المحافظة على لهجة قومه ومقلّداً أجداده في جميع عاداتهم من الأكل والشرب واللُبس ، حتى كتابته كانت على الطريقة القديمة ، بأن يجلس على الأرض متربّعاً ، ويُمسِك القرطاس بيده مسنداً إياها إلى ركبته ويتناول قلم الغزَار من مسحب دواته النحاسية (المحبرة )التي لم تُفارق وسطه . كان اهتمامه بالتدريس الذي جعل مؤلفاته المدرسية تدور حول النحو واللغة والبيان والعروض والمنطق وبأسلوب ناصع الأداء وجيز العبارة بعيداً عن التطويل المملّ مع الدقّة والوضوح في العبارة. ولن نطيل الكتابة عن مآثره وعلمه في كافة المجالات التي لا تُعَدّ ولا تُحصى لنترك مؤلفاته تتكلم عنه .
مـــؤلفـاته :
1 ـ لمحة الطرف في أصول الصرف : وهي أرجوزة قصيرة جعلها كحجر الزاوية الذي هو ركن البناء كتبها سنة 1854 .
2 ـ الجُمانة في شرح الخزانة : وهي أرجوزة تختص بعلم الصرف كتبها سنة 1866 .
3 ـ طوق الحمامة : مختصر نثري موجز في النحو ، طبعت سنة 1865 .
4 ـ الباب في أصول الإعراب : أرجوزة في مبادئ النحو ، طبعت سنة 1889 .
5 ـ نار القِرى في شرح جوف الفرا : شرح مفصّل لأرجوزة في النحو للمبتدئين كتبها سنة 1861 .
6 ـ الجوهر الفرد : رسالة في الصرف والنحو كتبها سنة 1865 .
7 ـ فصل الخطاب في أصول لغة الإعراب : يُقسَم إلى كتابين : كتاب التصريف وكتاب النحو كتبه سنة 1847 .
8 ـ عمود الصبح : رسالة في التوجيهات النحوية ( لا تزال مخطوطة ) .
9 ـ عقد الجُمان : كتاب نثري في المعاني والبيان والبديع والعروض والقوافي كتبه سنة 1848 .
10 ـ اللاّمعة في شرح الجامعة : أرجوزة واسعة في علم العروض والقوافي كتبها سنة 1853
11 ـ الطراز المُعلم : أرجوزة مختصرة في البيان كتبها سنة 1861 .
1 ـ رسالة الشيخ ناصيف اليازجي البيروتي إلى المستشرق الفرنسي : ( سلفستر دي ساسي ) وهي نقد وملاحظات وما سها عنه المستشرق في طبعته لمقامات الحريري . طبعت في ليبسيك مع ترجمتها إلى اللغة اللاّتينية سنة 1848 .
2 ـ جمع الشتات في الأسماء والصفات : وهو معجم في أعضاء الإنسان ( لا يزال مخطوطاً )
3 ـ مجمع البحرين : كتاب مقامات نسج فيها على منوال بديع الزمان الهمذاني والحريري .وهو أشهر ما كتب، ويتكوّن من ستين مقامة وفيه : ( اسم الراوي : سُهيل بن عَبَّاد . وراوي نسب الوقائع : ميمون بن خزام ) . فبدأ كتابه بالمقامة البدوية وأنهاه بالمقامة القدسية ، وجمع في هذا الكتاب ما استطاع من الفوائد والقواعد والغرائب والشوارد والأمثال والحِكَم والقصص ونوادر التراكيب ومحاسن الأساليب والأسماء التي لا يُعْْْْْْْْْْثَرْ عليها إلاّ بعد جهد ، بالإضافة على الموز والأحاجي والحوادث التاريخية والتفاصيل الدقيقة عن عوائد العرب ومفاخراتهم وغزواتهم ومآكلهم ومشاربهم وملابسهم ومعاملاتهم للغريب والضيف ، وتعمّد في كتابه أسلوب السجع ، وكتبه سنة 1855 .
4 ـ هارون الرشيد : رواية تمثيلية .
1 ـ ديوان الشيخ ناصيف اليازجي : طبع بعنوان ( النبذة الأولى ) سنة 1853 .
2 ـ ديوان نفحة الريحان : ( النبذة الثانية ) طبع سنة 1864 .
3 ـ ديوان ثالث القمرين : طبع سنة 1883 .
4 ـ نبذة تواريخ مقتطفة من ديوان الشيخ ناصيف اليازجي : طبع سنة 1859 .
5 ـ فاكهة الندماء في مراسلة الأدباء : رسائل شعرية بينه وبين كبار أدباء عصره في سورية والعراق ومصر وبلاد المغرب ، طبع سنة 1856 .
6 ـ البرهان الصريح في إثبات لاهوت المسيح . طبع سنة 1867
1 ـ قطب الصناعة في أصول المنطق : اقتصر فيه على المبادئ المهمة في أنواع القضايا كتبه سنة 1856 .
2 ـ التذكرة في أصول المنطق : هو استخلاص لأركان المنطق طبع سنة 1857 .
1ـ الحجر الكريم في الطب القديم : يتضمن الفوائد والنصائح والوصفات طبع سنة 1902.
2 ـ المقامة الطيية رقم 30 : في كتاب مجمع البحرين كتبت سنة 1855.
مقتطفات من أعمــاله :
1 ـ نورد أدناه باقة من المقامة الطبية في كتاب مجمع البحرين :
( حكى سهيل بن عبّاد قال : …………… يا بنيّ لا تجلس على الطعام إلاّ وأنت جائع . وقُم وأنت بما دون الشّبع قانع . وباكِر في الغداء . ولا تتماسَ في العشاء . والزم الرياضة على الخلاء . واجتنبها عند الامتلاء . ولا تُدْخِل طعاماً على طعام . ولا تشرب بعد المنام ولا تُكْثِر
من الألوان.على الخوان ( المائدة) ولا تعجل في المضغ والازدراد . واجتنب كل ما لم ينضج . وما بات من الطعام فهو مَجلَبَة للفساد ……. )
2 ـ وقوله في المقامة الرملية ما تناوله من فن البديع ، والجناس العاطل ( كلمات غير منقّطة )
في 26 بيتاً نقتطف منها :
اللــه لا إله إلاّ الله مـولاكَ الأَحَـد
الواسعُ الآلاءِ وال آراءِ علــماً والمدد
كُلٌ سـواهُ هالكٌ لا عَـدَدٌ ولا عُــدَد
3 ـ وفي نفس المقامة عشرة أبياتٍ ، وهي التي شطرٌ منها غير منقّط وشطر منقّط ومنها :
4 ـ وقال في مقدمة كتابه الذي خصّصه لدقائق النحو ( نار القرى في شرح جوف الفرا ) (الفرا هو حمار الوحش) وهو أفضل صيد عند العرب :
5 ـ ونقرأ في ديوانه ( النبذة الأولى ) نموذج من شِعر الصبا نرى فيه رقة ونعومة وتديّن وعفّة :
6 ـ ونقرأ أيضاً الحكمة في شعره :
7 ـ وقال أيضاً في الحكمة :
8 ـ وفي المدح يقول في قصيدته المشهورة التي يمدح بها الأمير بشير الشهابي بعد أن عاد منتصراً على خصومه التي تكرّرت قُبيل سنة 1824 :
9 ـ وقال في قصيدة مُعَزِّياً أحمد فارس الشدياق بمصيبة نزلت به :
10 ـ وقال في رثاء صديق له :
11 ـ وقال يصف زهرة البنفسج :
فتح البنفسـجُ مُقلَتً مكحــولةً غـمزَ الهزارَ بها فقام وغرَّدا
1/11/2010 المهندس جورج فارس رباحية
المصادر والمراجع :
ـ مجمع البحرين : الشيخ ناصيف اليازجي . الطبعة الرابعة ـ بيروت1885
ـ الروائع : فؤآد افرام البستاني . بيروت 1929
ـ الشيخ ناصيف اليازجي : عيسى ميخائيل سابا ـ القاهرة 1965
ـ المنجد في اللغة والأعلام : بيروت 1973
ـ تاريخ حمص الجزء الثاني: منير الخوري عيسى أسعد ـ حمص 1984
ـ تاريخ الأدب العربي : حنا الفاخوري ـ 1985
ـ مواقع على الإنترنت