اللاهوت العقيدي

الباب الرابع



الباب الرابع

الباب
الرابع

الإعتراف
عقيده كتابيه

اولا:
في العهد القديم

“من
يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم” (أم 13: 28)

 منذ
دخول الخطية إلي العالم تجلت رحمة الله في مناقشة الخاطيْ بقصد استدراجه علي
استدراك حالته السيئة ومعرفة سبب خوفه وابتعاده عن الله ووجوب اقراره بذنبه طلباُ
للرحمة والاستغفار واعتناقه التوبة حتي يعود إلي مركزه الأول في ساحة رضا الله
وتمتعه بعشرته المقدسة ولذا نري الله مع معرفته حالة ابينا آدم بعد السقوط يسأله قائلا
“أين أنت”؟ “هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها”؟
(تك 3: 9 و11) كما سأل قايين أيضاُ “أين هابيل أخوك”؟. و”ماذا
فعلت” (تك 4: 9 و10)

و
مع أن الله يصرح قائلاُ: “اذا أختبأ انسان في اماكن مستترة أفما اراه أنا
يقول الرب” (أر 24: 23) “وأن اختباؤا في رأس الكرمل فمن هناك افتش
وأخذهم وأن اختفوا من أمام عيني في قعر البحر فمن هناك أمر الحية فتلدغهم”
(عا 3: 9) واذ عرف ذلك داود النبي والملك أعلن هذه الحقيقة هاتفاُ “أين اذهب
من روحك ومن وجهك أين أهرب أن صعدت إلي السموات فأنت هناك وأن فرشت في الهاوية فها
أنت وأن أخذت جناحي الصبح وسكنت في أقاصي البحر فهناك أيضاُ تهديني يدك وتمسكني
يمينك فقلت انما الظلمة تغشاني فالليل يضيْ حولي0 الظلمة أيضاُ لا تظلم لديك
والليل مثل النهار يضيْ كالظلمة هكذا النور” (مز 139: 7 – 12) لذلك كان سؤال
الله لآدم وقايين من تدبير الرحمة الالهية في استدراكهما للاعتراف بذنبيهما ومعرفة
حقيقة ما وصلا إليه من علة الابتعاد عن الله فيقرعان باب الحنان والرحمة الالهيين
ويعترفان بما ارتكباه من رزيلة عصيانه وتعديهما فيعتنقان التوبة عما اقترفاه من
خطية0 كل هذا في زمن الناموس ولذلك نتعلم مما تقدم وجوب وضرورة اعتراف الخاطيء
واقراره بذنبه0

 “والباقون
منكم يفنون بذنوبهم في أراضي اعدائكم وأيضاُ بذنوب أبائهم معهم يفنون لكن أن اقروا
بذنوبهم وذنوب آبائهم في خيانتهم التي خانوني بها وسلوكهم معي الذي سلكوا بالخلاف
اذكر ميثاقي مع يعقوب وأيضاُ ميثاقي مع اسحق وميثاقي مع ابراهيم واذكر الأرض”
(لا 26: 39 – 42)0

 “اذا
عمل رجل أو امرأة شيئاُ من جميع خطايا الإنسان وخان خيانة بالرب فقد أذنبت تلك
النفس بخطيتها التي عملت وترد ما أذنبت به بعينه” (عد 5: 6 – 7)0

 “اعترف
لك بخطيتي ولا أكتم أثمي قلت أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت آثام خطيتي” (مز 5: 32)0

 “فاعترفوا
الآن للرب اله آبائكم واعملوا مرضاته” (مز 11: 10)

 “يا
بني ان خطئت فلا تزد بل استغفر عما سلف من الخطأ” (سيراخ 1: 31)

فمن
جميع هذه النصوص نستدل علي أن الإعتراف مأمور به من الله وممارسته واجبة وان من
يخالف اوامره لعدم الإقرار بخطاياه يقع تحت مسؤولية العصيان ولهذا سار شعب الله
قديما يتبع هذه الاوامر0 لأنهم راوا أن الإعتراف أمر واجب0

 يقول
سليمان الحكيم ” من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم ” (أم
28: 13).

 

الإعتراف
علي يد الأب الكاهن

عقيده
كتابيه في العهد القديم

 كان
الإعتراف جزءاً
ضرورياً من توبة الخاطئ الذي يأتي بالذبيحة ويضع يده على رأسها ويعترف لله بخطاياه
أمام الكاهن فيأخذ الكاهن الذبيحة ويذبحها ويقدمها على مذبح المحرقة للتكفير عن
الخطايا. يقول الرب: ” إذا أخطأ أحد أو إذا مس شيئاً نجساً أو إذا حلف.. يقر
بما أخطأ به ويأتي إلى الرب بذبيحة لاثمة عن خطيته.. فيكفر عنه الكاهن من خطيته
” (لا 5: 1
6).

 كان
الإعتراف عند بني
إسرائيل يقترن بالذبيحة وصلاة الكاهن، قال بن عزرا ” إن
الإعتراف لازم وأنهم
عندما يقدمون الذبيحة إذا لم يتوجعوا ويعترفوا اعترافا علنيا لا تكون للذبائح قوة
ولا فائدة “.

 جاء
في التلمود ” يظهر من التقليد أن الخاطئ يلزمه أن يوضح في
الإعتراف جميع
أعماله “.

 اعتراف
شاول الملك أمام صموئيل بأنه خاطي إلى الله وإلى صموئيل أيضاً ولذلك طلب المغفرة
من صموئيل كتائب إلى الله (9 صم 15)

وفي
سفر التثنية (26: 4) ” وتأتي إلى الكاهن الذي يكون في تلك الأيام وتقول له
اعتراف اليوم للرب الملك ” (وهذا يظهر أن
الإعتراف للكاهن هو
اعتراف لله).

 حينما
خان عخان بن كرمي وسرق وغضب الله على كل الشعب بسببه وهزمهم أمام عاى أحضر يشوع
عخان بن كرمي وقال له: ” يا ابني أعط الآن مجدا للرب إله إسرائيل واعترف له
وأخبرني الآن ماذا عملت لا تخف عني.” فأجاب عخان يشوع وقال حقا أني أخطأت إلى
الرب إله إسرائيل ” (يش 7: 19، 20).

 حينما
أخطأ داود الملك بالزنى والقتل ولم يؤنبه ضميره أرسل له الرب ناثان النبي الذي
استدرجه بالحديث حتى أعترف أمامه وقال ” قد أخطأت إلى الرب ” فقال له
ناثان النبي ” الرب أيضاً قد نقل عنك خطيتك لا تموت ” (2 صم 12) ثم أعلن
له العقوبات الإلهية بسبب خطيته: الأبن المولود لك يموت، السيف لا يفارق بيتك وآخذ
نساءك أمام عينيك وأعطيهن لقريبك فيضطجع مع نساءك في عين الشمس (2 صم 12) وفعلا
مات الطفل وعند ثورة ابشالوم على أبيه فعل ما قاله الرب تماما (2 صم 16: 2
22).

 

ثانيا:
الإعتراف علي يد الأب الكاهن

عقيده
كتابيه في العهد الجديد

كان
يوحنا المعمدان يكرز بالتوبة قائلاً ” توبوا لأنه قد أقترب منكم ملكوت
السموات.. حينئذ خرج إليه أورشليم وكل اليهودية وجميع الكوره المحيطة بالأردن
واعتمدوا منه معترفين بخطاياهم ” (مت 3: 1
6).

 عندما
احس الابن الضال بخطئه قال” أذهب إلى أبي وأقول: يا أبي أخطأت إلى السماء
وقدامك ” (لو 15)

 لم
يعط الله سلطان، الحل من الخطايا إلا للرسل فقط وخلفائهم من بعدهم (مت18: 18) (يو
20: 23) إذ هم وحدهم لهم التصرف في الكنيسة كخدام ووكلاء سرائر الله (كو 4: 1) حتى
أن المخلص لما ظهر لشاول في الطريق لم يقل له ماذا يصنع بل أرسله للكنيسة لتقول له
ماذا يصنع.

 يخبرنا
سفر أعمال الرسل أن سر التوبة و
الإعتراف كان معمولا به أيام
الرسل الأطهار قائلاً ” وكان كثيرون من الذين آمنوا يأتون معترفين ومخبرين
بأفعالهم ” (أع 19: 18).

 يعلم
القديس يوحنا الرسول بوجوب الإعتراف قائلاُ: “ان قلنا أنه ليس لنا خطية نضل
انفسنا وليس الحق فينا0 ان اعترفنا بخطايانا فهو امين وعادل حتي يغفر لنا خطايانا
ويطهرنا من كل أثم (1 يو 1: 8 – 9)0

 من
تعاليم السيد المسيح له المجد المشترع الحقيقي لهذا السر والذي كان الروح القدس
عاملاُ في خدامه قديماُ وحديثاُ انبياء واباء ورسلاُ لأن الروح القدس يأخذ مما له
ويخبرهم ويرشدهم الي جميع الحق (يو 16: 13 – 14) اذ عندما سأل تلاميذه قائلاُ: “من
يقول الناس اني أنا ابن الإنسان فقالوا قوم يوحنا المعمان وآخرون ايليا وآخرون
ارميا أو واحد من الانبياء” قال لهم وانتم من تقولون أني انا فأجاب سمعان
بطرس وقال” أنت هو المسيح ابن الله الحي” فأجاب يسوع وقال له: “طوبي
لك يا سمعان بن يونا ان لحماُ ودماُ لم يعلن لك لكن ابي الذي في السموات وأنا أقول
لك أيضاُ أنت بطرس وعلي هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوي عليها
وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ما تربطه علي الأرض يكون مربوطاُ في السموات وكل
ماتحله علي الأرض يكون محلولاُ في السموات” (مت 16: 13 – 19) وقال هذا أيضاُ
لعموم التلاميذ (مت 18: 18).

 بعد
قيامه السيد المسيح من الأموات اذ كان جميع التلاميذ مجتمعين والابواب مغلقة لسبب
الخوف من اليهود جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم “سلام لكم” ولما
تأكدوا حقيقة قيامته قال لهم ايضاُ” سلام لكم كما أرسلني الآب ارسلكم أنا
ولما قال هذا نفخ في وجوههم وقال لهم أقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له
ومن امسكتم خطاياه امسكت” 0يو 20: 21 – 23).

 

هل
السيد المسيح اعطي تلاميذه علم لاهوته؟

مما
تقدم من هذه البيانات السيدية نسأل هذا السؤال: هل السيد المسيح له المجد اعطي
رسله الاطهار علم لاهوته حتي يعلموا الغيب وما حوته صدور الناس من ذنوب تستدعي
الحل أو الربط0 والغفران أو المسك؟ الجواب كلا فهم بشر كسائر الناس لا يعلمون
الغيب ولا يدرون مكنونات الصدور0

اذن
كيف يسوغ لهم أن يحلوا الخطايا ويربطونها أو يغفروها ويمسكوها وتصادق عدالة السماء
علي ما يفعلونه علي الأرض؟

الجواب
علي ذلك بداهة بواسطة الاقرار والإعتراف الشفوي امامهم وهو الوسيلة الوحيدة
والسبيل الخاص الذي يحكمون به في اصدار حكم الحل والغفران لمن كانت توبته صحيحة
كما قال ناثان النبي لداود الملك والنبي “الرب أيضاُ قد نقل عنك خطيتك لا
تموت” (2 صم 13: 12) أو الربط والمسك لمن كانت توبته كاذبة كما قال بطرس
الرسول لسيمون ” لتكن فضتك معك للهلاك لأنك ظننت أن تقتني موهبة الله بدراهم
ليس لك نصيب ولا قرعة في هذا الأمر لأن قلبك ليس مستقيماُ أمام الله من شرك هذا
واطلب إلي الله عسي أن يغفر لك فكر قلبك لأني أراك في مرارة المر ورباط الظلم (1 ع
8: 20 – 23)0

 

القاضي
و
الإعتراف الشفوي

كيف
يمكن للقاضي أن يحكم في قضية لم تعرض عليه ولم يسمع تفاصيلها. لذلك نقول أن
السلطان المعطي للرسل وخلفائهم بمسك الخطايا أو غفرانها يلزمنا ب
الإعتراف بهذه
الخطايا بكل وضوح أمام من لهم سلطان الحل والربط.

لهذا
نتأكد أن السيد المسيح جعل رسله وخلفاءهم يباشرون حل الخطايا وربطها أو غفرانها
ومسكها لشعبه عن طريق الاقرار لهم بذنوبهم والإعتراف امامهم بخطاياهم فقط وليس
لسبب آخر سواه0

 

اعترفوا
بعضكم لبعض بالزلات

ينصحنا
معلمنا يعقوب الرسول قائلاً: ” اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات وصلوا بعضكم لأجل
بعض لكي تشفوا ” (يع 5: 16). أي أن المؤمن يعترف أمام الكاهن بخطاياه والكاهن
يصلي من أجله صلوات التحليل وغيرها طالباً له غفران الخطية من الله وطالباً له
أيضاً من الله المعونة والقوة حتى لا يعود إلى الخطية مرة أخري. وللكاهن أيضاً أب
اعتراف يكون كاهنا آخر أكبر منه سنا وخبرة.. وهكذا. وحينما يقول الرسول ”
اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات ” لا يعني أن يعترف الكهنة للعلمانيين كما
يعترفوا العلمانيون للكهنة بل هو على حد القول ” علموا بعضكم بعضاً أي المعلم
يعلم التلميذ. عالجوا أحدكم أخاه، بمعني الطبيب يعالج المريض.وهكذا في قوله ”
اعترفوا بعضكم لبعض ” أي فليعترف الشعب على أصحاب السلطان لغفران الخطايا.
ويقول القديس يوحنا الرسول” إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا
خطايانا ويطهرنا من كل إثم ” (1 يو 1: 9).

 

لم
يقل صريحاً اعترفوا على الكهنة لئلا..!!

 لم
يقل صريحاً اعترفوا على الكهنة لئلا يتوهم أحد أن
الإعتراف خاص
بالعلمانيين على الكهنة ولا يشمل اعتراف الكهنة أيضاً على الكهنة الآخرين
وقال القديس يعقوب هذا الكلام اعتمادا على أن الوضع المستقر في
الكنيسة والذي يفهمه الجميع هو
الإعتراف على الكهنة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى