اتحاد اللاهوت بالناسوت – الكلمة صار جسداً
الله الكلمة المتجسد

لا نقدر أن نتكلم علن تجسد الكلمة من الناحية المجردة ، كاتحاد لاهوت بناسوت كفكره أو مجرد عقيدة ، بل لا يشرح سرّ التجسد إلا من خلال قوة الخلاص التي دخلت للعالم بالتجسد …
وحينا نشرح هذا السر العظيم نلتزم بحدود الإنجيل دون وضع لأفكار فلسفية للبشر ، ولا يسعنا إلا أن ننطلق من هذه الآية :
وكل ما صنعه الكلمة المتجسد ، كان من أجل منفعتنا أي من أجل التدبير …
والقديس كيرلس الكبير حينما شرح الاتحاد بين اللاهوت والناسوت قال :
اللاهوت اتحد بالناسوت بطريقة ما بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير
فالله الكلمة اتحد ببشريتنا [COLOR=Red]اتحاد حقيقي غير قابل للافتراق ، كسرّ فائق لا يُشرح ، إنما أُعلن من خلال الكلمة المتجسد من خلال ولادته وأعماله ، ونقلنا من الظلمة للنور بواسطته …
أما كل من يحاول أن يفحص سرّ الاتحاد الفائق ويشرحه مشوهاً السر بالفلسفات البشرية فحتماً سينقاد وراء أقوال لا تمت بصلة بعمل الله الفائق ، لأن الاتحاد سرّ عميق لا يفحص بمجريات العقل [COLOR=Red]إنما بإعلان الروح القدس في القلب والدخول في سرّ الوحدة مع الله كخبرة دائمة من خلال الإفخارستيا …
يقول القديس كيرلس الكبير :
[ إن كيفية الاتحاد عميقة وفائقة الوصف وفائقة لمداركنا .
فمن الجهالة التامة أن نُخضع للبحث العقلي ما يفوق العقل وأن نحاول أن نُدرك بعقولنا الذي لا يُدرك بالعقل . أم لست تعلم أن ذلك السرّ العميق ينبغي أن يُعبد بإيمان بلا فحص !
أما السؤال الجاهل " كيف يُمكن أن يكون هذا ؟ فإننا نتركه لنيقوديموس وأمثاله .
أما نحن فإننا نقبل بدون تردد أقوال روح الله ونثق أن المسيح القائل :
" الحق الحق أقول لكم : إننا نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا " ] ( عن تجسد الابن الوحيد للقديس كيرلس الكبير )
ويقول أيضاً شارحاً الاتحاد :
[ عندما نقول أن كلمة الله اتحد بطبيعتنا فأن كيفية هذا الاتحاد هي فوق فهم البشر . وهذا الاتحاد مختلف تماماً ( عن كل معنى عند البشر أو فعل ) … فهو اتحاد لا يوصف وغير معروف لأي من الناس سوى الله وحده الذي يعرف كل شيء . وأي غرابة في أن يفوق ( اتحاد اللاهوت بالناسوت ) إدراك ( العقل ) ؟ فنحن عندما نبحث بدقة عن أمورنا ونحاول إدراك كنهها نعترف أنها تفوق مقدرة الفهم الذي فينا . فما هي كيفية اتحاد نفس الإنسان بجسده ؟ من يُمكن أن يُخبرنا ؟!!
ونحن بصعوبة نفهم وبقليل نتحدث عن اتحاد النفس بالجسد . لكن إذا طُلب منا أن نحدد كيفية اتحاد اللاهوت بالناسوت وهو أمر يفوق كل فهم بل صعب جداً ، نقول أنه من اللائق أن نعتقد أن اتحاد اللاهوت بالناسوت في عمانوئيل هو مثل اتحاد نفس الإنسان بجسده – وهذا ليس خطأ لأن الحق الذي نتحدث عنه هنا تعجز من وصفه كلماتنا . والنفس تجعل الأشياء التي للجسد هي لها رغم أنها ( النفس ) بطبيعتها لا تُشارك الجسد آلامه المادية الطبيعية أو الآلام التي تسببها للجسد الأشياء التي هي خارج الجسد .
ومع هذا يلزم أن نقول إن الاتحاد في عمانوئيل هو أسمى من أن يتشبه باتحاد النفس بالجسد …
ولذلك فان اتحاد الكلمة بطبيعتنا البشرية يُمكن على وجه ما أن يُقارن باتحاد النفس بالجسد ، لأنه كما أن الجسد من طبيعة مختلفة عن النفس ، ولكن الإنسان واحد من أثنين ( النفس والجسد ) ، هكذا المسيح واحد من الأقنوم الكامل لله الكلمة ومن الناسوت الكامل ، والألوهة نفسها والناسوت نفسه في الواحد بعينه الأقنوم الواحد . ]
( شرح تجسد الابن الوحيد للقديس كيرلس الكبير 8 )
ويقول أيضاً في نفس ذات المرجع :
[ الله الكلمة والطبيعة البشرية اتحدا معاً اتحاداً حقيقياً بدون تشويش ]
ويقول أيضاً :
[ لا يجب أن نُقسم الرب يسوع المسيح إلى إنسان وإلى إله ، بل نقول ، يسوع المسيح هو هو واحد ، لكن نُميز بين الطبيعتين دون أن نمزجهما ]
وباختصار شديد من نفس ذات المرجع للقديس كيرلس الكبير فقرة 27 يقول :
[ التجسد تم ليس بالتبديل أو التغيير في طبيعة الكلمة ، لأنه عندما صار جسداً لم يفقد خواص لا هوته . كيف يُمكن أن يحدث هذا ؟!
أنما تجسد الكلمة بأن اتخذ جسداً من امرأة واتحد به في أحشاءها ، وولد هو نفسه وبعينُه الله المتجسد دون أن يفقد بالمرة ميلاده غير المنطوق به من الله الآب ، عندما وُلد من امرأة .
ولما تجسد سمح لجسده أن يتكون حسب القوانين الخاصة بالجسد ، وأنا أقصد طريقة الميلاد والنمو . إلا أن الطبيعة البشرية لها فيه شيء خاص ، فهو قد وُلد من عذراء .. وهو وحده الذي له أم لم تعرف زواج . وإذ قال يوحنا أنه صار جسداً فقد أضاف : " وسكن فينا " لكي يعلن أنه بالتجسد وسكناه فينا لم يفقد شيئاً ما من خواصه بل ظل كما هو .
وإذ قال يوحنا أنه ( الكلمة ) ، سكن ( أو حلَّ ) فإننا نفهم من ذلك … سكنت الطبيعة الإلهية في البشرية دون أن يحدث امتزاج أو اختلاط أو تغيير إلى ما ليس هو من طبيعة ( الكلمة )]

