التأملات الروحية والخواطر الفكرية

إيماننا حي ورغبتنا أن نحيا لله – الإله الذي نرفضه (الجزء الأول)

سلام في الرب لأجمل إخوة أحباء أود أن أتكلم معهم بما يجول في خاطري، والسؤال الذي يتبادر لذهني الآن: من هو هذا الإله الذي رفضه الملحدين مثل ماركس وسارتر وغيرهما، ومن هو الإله الذي عبدته الشعوب الأخرى وأخرجوا لنا ديانات مختلفة ومتنوعة كثيرة لا حصر لها، اختلفوا فيها اشد الاختلاف واتفقوا في بعضها مع وجود تناقضات !!!
وكل واحد من هذه الأطراف التي تعبد إلهها الخاص تُريد ان تقنعنا وتشدنا إلى عقيدتها على اساس أنها الحق وحده، والحق مطلق وواحد لا ينقسم او يتجزأ، ولا أخفي القول أن الكثير منهم (وبخاصة العلماء والمفكرين فيهم) مقنع في طرحه وفكره ومعتقده، ولكن ما هذا الإله الذي يرفضونه ويريدون ان يقنعونا بما لديهم من معطيات وفرضيات متنوعة !!!

كثيرين يندهشون من موقفي، إذ كثيراً يجدوني حينما أقرأ واسمع من الآخرين نقد جارح ومباشر للمسيحية ولا أتحرك ساكناً، ولا أرد او أتناقش، مع أن في إمكاني أن أُناقش نقطة نقطة وبتركيز شديد وبفحص دقيق، وأُناقش عدة مفكرين وأيضاً مسيحيين لديهم فكر مشوش ومشوه عن الإنجيل والمسيحية والعقيدة، وعندي الاستطاعة أن أقنعهم تماماً، مع إني لم أتخذ هذا الأسلوب قط في أحاديثي كمقنع لأحد عقلياً في أي موضوع بل أترك له الحرية وما شاء من فكر، لأني أُصحح وأكتب بالسرّ يتلقفه القلب المستعد للحق فقط ..
فكثيرون ألتقيهم ويلتقون بي من خلال كتباتي أو في أحاديث مختلفة متنوعة، واقرا للكثيرين بغزارة وأرى الكثيرين أيضاً من الملحدين ورافضي المسيحية واسمعهم يتكلمون وينكرون المسيح والمسيحية برفض تام ولا أُحرك ساكناً، وذلك لأن شعوري أني أوافقهم تماماً في نكرانهم، ومع ذلك لم أكن أبداً منكراً لإيماني ولا أتزحزح عنه قيد شعرة، بكونه ليس مجرد إيمان، ولكنه إيمان رائي مبصر الحق، لأني لم أؤمن بالله كمجرد أني ولدت مسيحياً حسب النشأة ولكن إيمان أتي برؤيا حقيقية وليس دروشة فكريه ولا خزعبلات عجائزية متداولة من أناس اختلطت عليهم الأمور، أو لمجرد أُناس منحازين لدينهم أو متعصبين لعقيدتهم مفتخرين بذواتهم، يشعرون أنهم الأفضل وأن لهم المواعيد والحق معهم !!!
فماذا يا ترى الذي جرى في داخلي وجعلني على هذا الحال الذي يراه الكثيرين أنه تناقض في شخصيتي، وجعل الكل يتساءل لماذا تفعل هذا !!!في الحقيقة يا إخوتي أنه لم يكن إلهي الحي، ذلك الإله الذي كانوا يحطمونه بكل قوتهم أمامي، لم يكن هو الله الثالوث القدوس الإله الواحد، فلم يكن يحطمون سوى صورة كاريكاتورية موجوده في فكرهم عن الإله الذي لا يعرفونه، والذي لم يكن سوى صنم موجود في فكرهم الخاص، وربما نقلوه من بعض المسيحيين الذي يدَّعون أنهم مؤمنين فشوهوا منظر الله الحي وأعطوا فكره مغلوطة عنه، وكل ما حطموه أمامي وأمام الآخرين هو تقليد لا يُطاق لي كما كان بالنسبة لهم، فإيماننا الحي إيمان آخر غير الذي يتحدثون عنه !!!
فهم يتحدثون عن إله يذل الإنسان، يقيده، يعميه، يسحقه، يحكم عليه بالسلبية والجمود والخنوع وبطفولة أبدية. إنه إله لا يستمد عظمته إلا من ضعف الإنسان وجهله وذُله. إله يفقد الصبر في النهاية أمام خطايا الإنسان المتكررة، إله لا يرحم الضعيف، أو إله متواني عن نداء الإنسان وصراخه، وهكذا الخ من أفكار كثيرة مشوهة، ولكن اين هذا الإله المزيف الذي يعصفون به وينتقدونه من ذاك الذي كشف لنا ذاته في وجه يسوع المسيح، فظهر لنا محبة مُحييه، محررة، موقظة، مقدسة، مؤلهة، أي ترفع الإنسان للمستوى الإلهي في السماويات، فيكون له فكره ويشترك في مجده كهبة ومنحة عظمى لا يستطيع أي فكر ولا عقيدة ولا ممارسات خارجية أن تُعطيها للإنسان…يا أحبائي مشكلة الإلحاد ورفض الآخرين للمسيحية، لا تكمن في الملحدين ولا الغير معترفين، بل فينا نحن الذين نقول نحن حاملي شعلة الإيمان، ولا نحيا به، طبعاً لا أتكلم عن الكل بل أقول أنه قد أصبح اليوم الكلام عن الله كثير ولكن الذي يحمل الله في قلبه ويتشح به أقل من أقل القليلين !!!
وعموماً يعجبني قول دوستويفسكي لما فيه من عمق وخبرة: …
ولذلك يا إخوتي بسبب هذه المقولة، ومن خبرتي الصغيرة، تعلمت أن أصغي للكل لكي أتعلم ما هي التصورات الصنمية التي تركناها، والتي لا زالت تتسرب إلى إيماننا، لذلك تعلمت ان أنفتح على النقد القاسي وأقف بقلبي أمامه فاحصاً، هل هذا هو الإله الذي أعرفه وهل اتبع هذا الإله المزيف وأقدمه للآخرين، فأُسلم لهم إيمان مُزيف، وأُضيف على الإنجيل بما لا يوجد فيه لأقنع الاخرين بفكري وعقيديتي، وبذلك أتوب وأتغير لأني أقف أمام الله الحي الذي أعرفه بإعلان ذاته عن نفسه قارعاً بابه الرفيع فيفتح لي ويصحح إيماني ويقويه برؤى وإعلانات روحية منسكبه بالنعمة ومتدفقة بتيار المحبة الروح القدس نفسه، فأُدهش واتعجب من هذا المجد المستتر في سر عمل النعمة الفائق المقدمة لنا بسبب تجسد الكلمة في الروح الواحد الذي يشع فينا مجد الله ويكسينا به …

يا إخوتي أتكلم بالصدق في المسيح الرب الحق والحياة، فدققوا معي وتابعوني، لأننا لو دققنا معاً ونظرنا فاحصين تاريخ البشرية بمجمله، سنجد حتماً أن لها بداية تسير نحو نهاية، ولها غاية تصب فيها، فاين البداية وإلى أين النهاية ؟!!!
وهذا سؤال تنحصر فيه البشرية كلها، وسأله الكثيرين وعلى الأخص الفلاسفة، وهذا هو السؤال المُحيرّ للبشر جميعاً وبلا استثناء هو:
طبعاً سؤال حاول الكثيرين إجابته بشتى الطرق وفي كل الأديان، واعتمدوا على الفلسفة والكلمات لإقناع العقل، ولكن هيهات، لأن أن قنع العقل فاين الواقع الاختباري الذي فيه نرى ونلمس ونعيش الإجابة واقعياً في حياتنا اليومية، لأن الإنسان لا يُشبعه الفكر وحده بل يُريد ان يرى ويلمس ويعيش، لا فقط أن يُفكر ويقنع عقله وحده، لأنها شغلانة المفكر والمتفلسف، ولكنها ليست مقدمة للإنسان البسيط ولا للفقير المعوز، ولا للمهزوم في الشر والمغلوب بطبع فاسد يرى ليس فيه خير ولا حياة !!!
فكل الفلاسفة بكل فكرهم الضخم لم يستطيعوا أن يضعوا إجابة قاطعة على هذا السؤال الذي يبدو سهل، مع أنه صعب لا من جهة الفكر إنما من جهة الحياة العملية في واقعنا الإنساني المُعاش !!!

يا إخوتي، أن الحياة قصيرة، تمضي وتمر على كل شخص فينا ونتلفت حولنا ونجد أنفسنا مُحاطين بالعمل ولقمة العيش، وحينما نتطلع إلى المستقبل نحلم بالسعادة والهدوء، وحينما نستمر في الأيام نجد أن الحلم يمتد، ويمتد، وتحقيقه أحياناً يطول جداً وأحياناً يقصر وأحياناً يستحيل ونيأس من تحقيقه، ولكن في النهاية الكل واقع تحت التعب والمشقة، والخسارة فيها أكبر وأعظم من الربح، وهكذا نستمر كلنا بلا توقف أو فحص لننظر في أعماقنا ونرى أين نحن من إنسانيتنا الحقيقية؛ وحينما نرى أمور الدنيا معنا في يُسر وعلى ما يُرام أو نكون مبتهجين أو مرحين فرحين، ندَّعي أننا سُعداء، ولكن بعد ما يزول المؤثر الخارجي الذي فرحنا أو أسعدنا نعود لحالنا الأول من ضيق وحزن لا نعرف أو ندرك سببه الحقيقي… وهكذا نحيا في حالة من vanity الذي هو (الشيء الأنيق المظهر وباطنه فراغ، تافه وعديم القيمة، وهو سراب في شكله والتيه في عمقه)

وفي حين نواجه متاعبنا ومشاكلنا هذه، لا يسعنا سوى أن نهرب منها بالعبادة التي تعلمناها لنُريح الضمير ونُهدئ أنفسنا (يوحنا4: 19 – 24)
ولكن العابدة الحقة ليست وقوف بين جدران والحضور في مكان ونطق كلمات، ولكنها بحث ورؤية وحركة نحو أصلي واستمرار وجودي، وهي اتجاه نحو الخلود برؤية واضحة وثقة أكيدة يعتريها يقين، إذ أنها واقع حي مُثمر وفعال في داخلي ولا يحتاج لإقناع من أحد !!!فيا إخوتي، أنا اليوم لا أخبركم بما هو جديد أو غريب عنكم، ولكني أُخبركم بالحق المُشخص – أفهموا قولي – فانا لا أقصد قط إعطاء معلومات جديدة منقولة من كتب ومراجع، فانتم على دراية واسعة وكافية، بل ولا أستطيع مجاراتكم فيها، ولكني أقصد أن تعرفوا تلك المعرفة الشخصية النابعة من حس باطني ومعرفة مباشرة قلبية واعية تؤدي إلى سعادة حقيقية غير متغيرة أو متقلبة، والتي فيها لقاء شخصي جداً واتصال مباشر واعٍ، مدرك بإلهام وانفتاح بصيرة، ورفع الحاجز الصنمي من المعرفة الجامدة في جمود ألفاظ ومصطلحات وأبحاث ترتسم في الفكر وتظل فيه ولا تنزل إلى القلب لتتحول لمنهج حياة مقدسة تُظهر جمال مجد الله البهي الذي يظهر في وجه يسوع: (2كو 4: 6)…
اعتذر للتطويل وأترككم تفحصوا كلماتي بقلوبكم، ولكي لا يمل القارئ سوف أكمل في الجزء القادم ملخصاً ومركزاً في ما أُريد ان أقول وأُسلمه إليكم كخبرة وحياة، صلوا من أجلي؛ النعمة معكم

__________يتبع__________

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

Please consider supporting us by disabling your ad blocker!