مكتبة القصص والتأملات الروحية

إني مستعد أن أموت ثانية – من روائع الأدب الآبائي

إني مستعد أن أموت ثانية
من روائع الأدب الآبائي
قصة واقعية يرويها ديونيسيوس الأريوباغي

[ ملابسات هذه القصة … ، أن خاطئاً مسكيناً غير مؤمن ، ألقى بنفسه ذات يوم عند أقدام كاهن الكنيسة داخل الهيكل ، حيث رآه هناك راهب أسمه ديموفيلس ، فطرد الاثنين الكاهن والخاطئ شر طرده ، ثم كتب إلى ديونيسيوس يخبره بما حدث متباهياً بأنه قد أنقذ المكان المقدس من دنس ذلك الإنسان الشرير . أما ديونيسيوس فرد عليه :
" لا … أنت لم تنقذ الهيكل من الدنس ، لأنك أنت نفسك قد ارتكبت دنساً لأنك لم تُظهر الرحمة . والمسيح قد أظهر منتهى الرحمة تجاه أقل الكائنات . فهل أنت تجعل نفسك فوق المسيح ؟ " ثم سرد له هذه القصة . ]

حدث يوماً ما عندما كنت في كريت أن استضافني رجل يُدعى كاربوس ، كان مشهوداً له بالتقوى ونقاء السيرة إلى حدٍ بعيد . وكان يتمتع فعلاً بالحياة التأملية الروحانية العميقة .

وإذ كان كاهناً ، فما من مرة كان يُجري فيها الأسرار المقدسة إلا وينعم في مستهل صلواته برؤية عذبة خاصة .

روى لي هذا الإنسان الطيب كيف أنه ذات يوم وقع في يأس مظلم عندما عَلم أن رجلاً غير مؤمن انسلَّ إلى الكنيسة وردَّ مسيحياً إلى الوثنية ، وكان ذلك أثناء الاحتفالات المقدسة التي تلت معمودية ذلك الرجل المسيحي مباشرة . لذا صلى كاربوس من كلا الخاطئين ، وطلب معونة الله ، آملاً أن الله ينعم برحمته على الوثني ويأتي به إلى المسيحية ، وبرد الضال إلى الحظيرة .

ثم قرر أن يكرس ما تبقى من حياته في نصحهم وإنذارهم حتى يضع حداً لما أصابهم من شكوك ، وحتى – بعد أن يؤدَّبا من أجل تهورهم وغباوتهم – يثوبا إلى رشدهم ويأتيان إلى معرفة الله . وعندما لم يحدث شيء من هذا وقع كاربوس في سخط حاد .

مقالات ذات صلة

ذات مساء ذهب لينام ، وهو ما زال بعد مغموماً ؛ وكان من عادته أن يستيقظ في أثناء الليل ويهيئ نفسه للصلاة ، فلما حان وقت الصلاة قام من نومه الذي كان مشوباً بالقلق ، منكسر الخاطر إلى أبعد حد . ثم أسلم نفسه للصلاة ، ولكن لم يخرج من شفتيه إلا شكواه على الله واحتجاجه الساخط مخاطباً الله بقوله :
إنه كان لا يليق به ( أي بالله ) أن يسمح لهؤلاء الذين يقفون حجر عثرة في سبيل الرب أن يبقوا بعد أحياء على الأرض . هكذا كان يتوسل إلى الله أن يرسل ناراً من السماء ويهلك هذين الأثيمين دون أدنى شفقة .

وما كاد أن يقول هذا إلا ولاحظ أن البيت الذي كان يُصلي فيه قد أرتَجَّ بعنف وانفلق فجأة إلى نصفين . ومن ثمَّ بدا له أن ناراً هائلة وهائجة قد أُنزلت من السماء وسقطت تحت قدميه ، وفي أعلى السماوات المنفتحة ظهر الرب يسوع محاطاً بحشد من الملائكة في شكل إنسان . رفع كاربوس عينية ورأى المعجزة ، فارتجف ، وعندئذٍ أرخى عينيه ، فتراءى له تحت قدميه أن الأرض قد انفتحت وكشفت عن هوَّةٍ متسعة مظلمة ، والخاطئان اللذان لعنهما يقفان على حافة الهوة ذاتها ، مرتجفين ومرعوبين وبالجهد يسندان أحدهما الآخر خوفاً من خطر الوقوع .

ومن الهوة كان يصعد ثعبانان هائلان متجهين نحوهما وملتفتين حول أقدامهم ، يدوران ويحاولان أن يجذباهما إلى أسفل ، ثم مرة يعضانهم ومرة يداعبانهم بذيلهم ، وبكل حيلة ممكنة يحاولان أن يدفعا بهما إلى الهوَّة ، وكأن الثعبانين لم يكن لديهم القوة ما يكفي لعملهما هذا ، فهرع إليهما أناس وحاولوا أيضاً أن يدفعوا بقبضات أيديهم المذنبَيْن البائسين إلى الهَّوة حتى أوشك المذنبان أخيراً – من جراء الإعياء والضعف المطبق وتثبيط العزم – أن يهويا .

لا حظ كاربوس كل هذا بهدوء قلب تام ، ملاحظاً المنظر العجيب الذي يجري أمام عينيه ناسياً العجيبة التي رآها في السماء منذ لحظات مضت .

قلما طالت المنازعة ، ولَّى الهدوء وحل مكانه الحنق ، ونسائَلَ لماذا لا يتم هلاكهما على نحو أسرع ؟ ثم أنه هو نفسه ذهب ليعاون أولئك الذين يحاولون أن يدفعوا إلى أسفل بالمذنبين . ولما وجد نفسه قد أخفق لم يجد إلا أن يزداد غضباً عليهما ويلعنهما .

حينئذ خطر له أن يطلب من السماء لماذا قد سُمح للمذنبين أن يظلا حتى الآن موجودين على حافة الهَّوة !!

أما في السماء فالعجيبة ما زالت تجري ، فالرب يسوع كان مازال متطلعاً من أعماق السماء إلا أن الرب يسوع كان مفعماً بالحنان . فقد نهض من على عرشه وهبط إلى ناحية المذنبين ومد يده إليهما . ثم أن ملائكته نزلت من السماء وأعانت المذنبين . أما الرب يسوع فقد التفت إلى كاربوس قائلاً : (( أرفع يدك واضربني لأنني مستعد حتى الآن أن أموت من أجل خلاص البشر مرة أخرى ، وسيحلو لي ذلك – إن أمكن – أن أُصلب ثانية – وإن كنت لم ارتكب ذنباً . فأيهما تفضل أن تطرح المذنبين في الهَّوة أم أن تحيا مع الله والملائكة الذين هم هكذا بهذا المقدار صالحون ومحبون للبشر ؟ ))

هذه هي القصة التي رواها كاربوس لي ومن جهتي إني أعتقد أن كلمة فيها حي حق .

القصة مكتوبة عن قصص مسيحية من واقع الحياة
– 4 –
تحت عنوان إني مستعد أن أموت ثانية
وقصص أخرى
عن دار مجلة مرقس – مطبعة دير أنبا مقار برية شهيت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

معاني الكلمات في الأصحاح

إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

Please consider supporting us by disabling your ad blocker!