علم الكتاب المقدس

3- هل العهد الجديد موثوق تاريخياً



3- هل العهد الجديد موثوق تاريخياً

3- هل العهد الجديد موثوق تاريخياً

البرهان الخارجي لموثوقية العهد الجديد

مقدمة: اختبارات لموثوقية الكتابات القديمة

 الفحص الببلوغرافي لموثوقية العهد الجديد

مقالات ذات صلة

 عدد المخطوطات وقربها الزمني من الأصل

 أهم مخطوطات العهد الجديد

 تعدد الترجمات يؤيد صحة المخطوطات

 كتب القراءات الكنسية تؤيد صحة المخطوطات

 آباء الكنيسة الأولون يشهدون لصحة المخطوطات

 البرهان الداخلي لموثوقية العهد الجديد

 الشك في الوثيقة

 هل الوثيقة خالية من التناقضات؟

 هل استخدم الكاتب مصادر أولية؟

 

البرهان
الخارجي لموثوقية العهد الجديد

 البرهان
التاريخي لكتَّاب مسيحيين من العصر المسيحي المبكر من خارج الكتاب المقدس

 شهادة
كتاب غير مسيحيين من العصر المسيحي المبكر للعهد الجديد

 الحجارة
تصرخ: البرهان الأثري

 خاتمة

 

مقدمة:
اختبارات لموثوقية الكتابات القديمة

إن
ما نتحدث عنه هنا هو الموثوقية التاريخية للكتاب المقدس وليس موثوقية وحيه. وهنا
يكون من الضروري اختبار الموثوقية التاريخية للكتاب المقدس بنفس المعايير التي
نختبر بها أي وثيقة تاريخية أخرى.

يعرض
س. ساندرز في كتابه «مقدمة للبحث في تاريخ الأدب الإنجليزي» المبادئ الثلاثة
الأساسية لدراسة التاريخ، وهي الفحص الببلوغرافي والبرهان الداخلي والبرهان
الخارجي. (
Sanders, IRE, 143 ff) وفي هذا الفصل نتناول بالبحث العهد الجديد من الكتاب المقدس لنرى
مدى موثوقيته كمصدر صحيح للأحداث التاريخية التي يسجلها من خلال تطبيق المبادئ
الثلاثة السابقة عليه.

 

1(أ)
الفحص الببلوغرافي لموثوقية العهد الجديد

إن
الفحص الببلوغرافي هو دراسة عملية الانتقال النصي للوثائق حتى تصل إلينا. وبعبارة
أخرى إذا كانت الوثائق الأصلية ليست بحوزتنا، فما مدى موثوقية النسخ التي بين
أيدينا بالنظر إلى عدد المخطوطات والفترة الزمنية الفاصلة بين المخطوطة الأصلية
والنسخ الباقية الموجودة حالياً؟ (
Montgomery,
HC, 26
)

 

1(ب)
عدد المخطوطات وقربها الزمني من الأصل

يقول
ف. إ. بيترز إن أسفار العهد الجديد كانت أكثر الكتب القديمة شيوعاً وانتشاراً إذا
ما نظرنا فقط إلى ما وصل إلينا من مخطوطات. (
Peters, HH, 50) وعلى ذلك فإن موثوقية نص العهد الجديد ترتكز على عدد كبير جداً
من المخطوطات. إن عدد النسخ اليونانية وحدها تبلغ حوالي 5.656 مخطوطة للعهد الجديد
كاملاً أو لأجزاء منه. وهذه المخطوطات نسخت باليد فيما بين القرن الثاني والقرن
الخامس عشر. (
Geisler, GIB, 385)

إن
بين إيدينا اليوم ما يزيد على 5.686 مخطوطة يونانية للعهد الجديد. أضف إلى ذلك
أكثر من 10 آلاف نسخة من الفولجاتا اللاتينية و9.300 نسخة على الأقل من المخطوطات
القديمة، أي أن ما لدينا اليوم يصل إلى حوالي 25 ألف مخطوطة لأسفار العهد الجديد
أو ما يزيد على ذلك. وليس هناك أية وثيقة أخرى من الوثائق القديمة تقترب ولو من
بعيد من هذا العدد من النسخ. وبالمقارنة تأتي إلياذة هوميروس في المرتبة الثانية
حيث يصل عدد مخطوطاتها إلى 643 مخطوطة فقط. كما أن أول نص كامل لإلياذة هوميروس
يرجع إلى القرن الثالث عشر. (
Leach,
OB, 145
)

وفيما
يلي بيان مفصل بعدد مخطوطات العهد الجديد التي وصلت إلينا:

المخطوطات
اليونانية

مخطوطات
الحروف الكبيرة المنفصلة 307

مخطوطات
الحروف الصغيرة المتصلة 2.860

مخطوطات
القراءات الكنسية 2.410

المخطوطات
البردية 109

مجموع
المخطوطات اليونانية 5.686

مخطوطات
بلغات أخري

الفولجاتا
اللاتينية أكثر من 10.000

المخطوطات
الأثيوبية أكثر من 2.000

المخطوطات
السلافية 4.101

المخطوطات
الأرمينية 2.587

مخطوطات
البشيتا السريانية أكثر من 350

المخطوطات
القبطية البحرية 100

المخطوطات
العربية 75

مخطوطات
اللاتينية العتيقة 50

المخطوطات
الأنجلوساكسونية 7

المخطوطات
القوطية 6

المخطوطات
السوجدانية (
Sogdian) 3

مخطوطات
السريانية العتيقة 2

المخطوطات
الفارسية 2

المخطوطات
الفرنكية 1

مجموع
المخطوطات غير اليونانية أكثر من 19.284

المجموع
الكلي أكثر من 24.970

إن
أهمية عدد المخطوطات أمر لا يمكن المغالاة فيه. وكما هو الحال بالنسبة للكتابات
القديمة الأخرى، ليس لدينا مخطوطات أصلية متبقية إلى الآن للكتاب المقدس. إلا أن
وفرة المخطوطات تتيح لنا إمكانية إعادة جمع النسخة الأصلية بدرجة بالغة الدقة. (
Geisler, GIB, 386)

ويقول
جون وارويك مونتجمري إن الشك في نصوص أسفار العهد الجديد من شأنه أن يلقي بالشك
على جميع الأعمال الكلاسيكية القديمة، فليس هناك وثيقة من العصر القديم تثبت
المصادر صحتها على النحو الذي تثبت به العهد الجديد. (
Montgomery, HC, 29)

أما
سير فردريك ج. كنيون، الذي كان مديراً وأمين أول للمتحف البريطاني ومسئولاً عن
شئون المخطوطات، فيقول:

بالإضافة
إلى عددها الكبير، تختلف مخطوطات العهد الجديد عن الأعمال الكلاسيكية الأخرى.. إذ
أن الفترة الفاصلة بين كتابة أي منها وبين أقدم مخطوطاتها المتبقية إلى الآن ليست
قصيرة كما هو الحال بالنسبة للعهد الجديد. كتبت أسفار العهد الجديد في النصف
الثاني من القرن الأول، وأقدم المخطوطات الباقية إلى الآن له (باستثناء بعض
الأجزاء القليلة منه) ترجع إلى القرن الرابع أي بعد حوالي 250-300 سنة. وقد تبدو
هذه الفترة طويلة، ولكنها فترة لا تذكر بالنسبة للفترة التي تفصل بين كتابة معظم
الأعمال الكلاسيكية وبين أقدم مخطوطاتها. إننا نعتقد أن لدينا نصاً صحيحاً لمعظم
الأجزاء الهامة للأعمال الدرامية السبعة المتبقية لسوفوكليس، مع أن أقدم المخطوطات
الهامة لها والتي يعتمد عليها هذا النص كتبت بعد 1400 سنة من موت الشاعر اليوناني
سوفوكليس. (
Kenyon, HTCNT, 4)

ويقول
كنيون أيضاً في كتابه «الكتاب المقدس وعلم الآثار »: ومن ثم فإن الفترة الفاصلة
بين تاريخ كتابة الأصل وأقدم المخطوطات المتبقية إلى الآن تصبح قصيرة للغاية بحيث
يمكن إهمالها، وهكذا يزول كل شك في وصول الأسفار المقدسة إلينا كما كتبت تماماً.
ويمكن اعتبار كل من موثوقية وسلامة أسفار العهد الجديد قد تم التثبت منها أخيراً.
(
Kenyon, BA, 288)

كتب
كل من دوكري وماثيوس وسلون مؤخراً: بالنسبة لمعظم النص الكتابي نجد أن ما وصل
إلينا يتطابق تقريباً في قراءة واحدة. وباستبعاد أخطاء التدوين والتغييرات المتعمدة
تصبح هناك نسبة ضئيلة جداً يدور حولها التساؤل. (
Dockery, FBI, 176) وهكذا يصلون إلى النتيجة التالية:

ينبغي
القول بأن الفترة الزمنية بين كتابة النص الأصلي وبين المخطوطة التالية المتبقية
إلى الآن لهذا النص تقل كثيراً بالنسبة للكتاب المقدس عنها بالنسبة لأي عمل آخر في
الأدب اليوناني.. ورغم وجود الاختلافات بين كثير من مخطوطات العهد الجديد، فليس
هناك أي عقيدة مسيحية جوهرية تعتمد على أي من هذه القراءات المختلف عليها. (
Dockery, FBI, 182)

ويضيف
ف.ج.أ. هورت: يقف العهد الجديد وحده تماماً بين الكتابات الأدبية القديمة بحيث لا
يضاهيه أي منها أو يقترب منه وذلك لتنوع واكتمال مخطوطاته. (
Hort, NTOG, 561)

ويقول
ج. هارولد جرينلي: إن عدد مخطوطات العهد الجديد الموجودة بين أيدينا تفوق كثيراً
مثيلاتها في أي عمل أدبي قديم.. دونت أقدم مخطوطات العهد الجديد الموجودة لدينا
بعد فترة قصيرة من كتابة النص الأصلي بالمقارنة بمعظم الأعمال الأدبية القديمة. (
Greenlee, INTTC, 15)

ويؤكد
لنا و.ف. ألبرايت أنه ليس هناك أي عمل إغريقي قديم تؤيده المخطوطات على النحو الذي
نشهده في العهد الجديد. هناك الكثير من المخطوطات القديمة للعهد الجديد على نحو
يفوق أي عمل كلاسيكي آخر، كما أن أكثر هذه المخطوطات قدماً واكتمالاً لا يفصل
بينها وبين النص الأصلي سوى قرنين فقط. (
Albright, AP, 238)

ويقول
إدوارد جليني:

لقد
منحنا الله 5.656 مخطوطة كاملة أو جزئية للنص اليوناني للعهد الجديد. وهو يعد أكثر
الكتب بقاءً واكتمالاً من بين ما وصل إلينا من العصور الغابرة. ليس فقط أن لدينا
هذا العدد الكبير من المخطوطات ولكن هذه المخطوطات يقترب زمن كتابتها جداً من زمن
كتابة النصوص الأصلية. فهناك بعض المخطوطات الجزئية للعهد الجديد ترجع إلى القرن
الثاني الميلادي وهناك الكثير من المخطوطات التي لا يفصل بينها وبين الأصل إلا
أربعة قرون أو أقل. ويزداد المرء دهشة إذا ما قارن بينها وبين الكتابات القديمة
الأخرى المتبقية. (
Glenny, PS, as
cited in BVD, 95
)

ولتوصيف
مخطوطات العهد الجديد انظر أيضاً:

(Aland, TNT, 72-82)

وأحد
أحدث القوائم التي تسرد مخطوطات العهد الجديد تجدها في المرجع التالي:

Kurt
and Barbara Aland, eds. Kurzgefasste Liste der grieschischen Handschriften des
Neuen Testaments. [Aland, KLHNT)

هذا
المصدر يذكر أن المخطوطات اليونانية الباقية للعهد الجديد 99 مخطوطة بردية و306
مخطوطة الحروف الكبيرة المنفصلة و2.855 من مخطوطات الحروف الصغيرة المتصلة و2.396
مخطوطة للقراءات. ومجموع هذه المخطوطات يساوي الرقم المذكور سلفاً.

ويذكر
لي ستروبل في أحد كتبه الحديثة (نشر عام 1998) آخر الإحصائيات للمخطوطات اليونانية
للعهد الجديد على النحو التالي: 99 مخطوطة بردية و306 مخطوطة بالحروف الكبيرة و2.856
مخطوطة بالحروف الصغيرة و2.403 مخطوطة للقراءات فيصبح المجموع 5.664 مخطوطة. (
Strobel, CC, 62-63). قد تظهر اختلافات طفيفة بين الإحصاءات ويرجع هذا إلى احتساب
الأجزاء الصغيرة من المخطوطات ضمن المجموع، إلا أن هذا الكمّ الكبير من المخطوطات
يضفي على العهد الجديد مصداقية تاريخية كبيرة.

أما
مايكل فيلت بمعهد دراسات العهد الجديد في مونستر بألمانيا فيورد لنا أحدث
الإحصاءات للمخطوطات اليونانية للعهد الجديد (في أغسطس 1998) على النحو التالي: 109
مخطوطة بردية و307 مخطوطة الحروف الكبيرة و2.860 مخطوطة بالحروف الصغيرة و2.410
مخطوطة للقراءات بمجموع 5.686 مخطوطة.

ويقول
جليني مقارناً بين العهد الجديد والوثائق القديمة الأخرى: لا يختلف أحد على
موثوقية الكتب التاريخية القديمة مع أن النسخ الأصلية لها ليست لدينا. إلا أن ما
لدينا من مخطوطات لهذه الأعمال أقل بكثير مما لدينا من مخطوطات العهد الجديد. (
Glenny, PS, as cited in BVD, 96)

ويرسم
لنا ف.ف. بروس في كتابه: «وثيقة العهد الجديد» صورة حية للمقارنة بين العهد الجديد
والكتابات التاريخية القديمة:

ربما
أمكننا تقدير مدى ثراء العهد الجديد بالمخطوطات إذا ما قارنا بينه وبين غيره من
الأعمال التاريخية القديمة. فلم يتبق سوى عدد قليل من المخطوطات لكتابات قيصر عن
حروب الغال (كتبت بين عامي 58، 50 ق.م.) منها تسع أو عشر مخطوطات فقط لا تزال
صالحة ويفصل بين أقدمها وبين عصر قيصر حوالي 900 سنة. ومن بين 142 كتاباً للتاريخ
الروماني الذي كتبه ليفي (59 ق.م. – 17م) هناك 35 كتاباً فقط لا تزال باقية. وهذه
الكتب التي وصلت إلينا لم نعرفها إلا من خلال ما يقلّ عن 20 مخطوطة فقط. واحدة من
هذه المخطوطات فقط، وهي التي تحوي أجزاء من الكتب من الثالث إلى السادس، ترجع إلى
القرن الرابع. ومن بين 14 كتاباً لتاريخ تاسيتوس (حوالي 100م) هناك أربعة كتب ونصف
فقط ما زالت موجودة، ومن بين حولياته التاريخية التي تبلغ 16 كتاباً بقي 10 كتب
كاملة وكتابان غير كاملين. ونصوص هذه الأجزاء المتبقية لاثنين من أعماله التاريخية
العظيمة تعتمد بشكل كلي على مخطوطتين ترجع إحداهما إلى القرن التاسع والأخرى إلى
القرن الحادي عشر.

أما
المخطوطات المتبقية لأعماله الصغرى (
Dialogus
de Oratoribus, Agricola, Germania

فمصدرها مخطوطة ترجع إلى القرن العاشر. أما تاريخ ثوسيديدس (حوالي 460-400 ق.م.)،
فقد وصل إلينا في ثماني مخطوطات ترجع أقدمها إلى حوالي سنة 900م، وبعض أوراق
البردي القليلة التي ترجع إلى بداية العصر المسيحي. وينطبق الأمر نفسه على تاريخ
هيرودت (488-428 ق.م.) ومع ذلك لا يقبل أي دارس للكتابات الكلاسيكية أي تشكيك في
موثوقية كتابات هيرودت أو ثوسيديدس لأن أقدم مخطوطاتها الهامة يفصل بينها وبين
الأصل أكثر من 1.300 عاماً. (
Bruce,
NTD, 16, 17
)

ويكتب
جرينلي في كتابه «مقدمة للنقد النصي للعهد الجديد» عن الفترة الزمنية الفاصلة بين
المخطوطة الأصلية للنص وأقدم مخطوطاته المتبقية إلى الآن، قائلاً:

إن
أقدم مخطوطات معظم الكلاسيكيات اليونانية يفصل بينها وبين موت مؤلفيها ألف عام أو
أكثر. أما بالنسبة للمؤلفات اللاتينية فإن هذه الفترة البينية تقل إلى حد ما فتصل
إلى ثلاثة قرون على الأقل لكتابات فيرجيل. أما في حالة العهد الجديد فإن اثنتين من
أهم المخطوطات كتبتا قبل مرور 300 عام على إتمام كتابة العهد الجديد، بل إن بعض
أسفار العهد الجديد وبعض المخطوطات لأجزاء كثيرة منه لا تفصل بينها وبين النسخة
الأصلية له سوي قرن واحد. (
Greenlee,
INTTC, 16
)

ويقول
أيضاً:

إن
كان العلماء يقبلون الكتابات الكلاسيكية القديمة ككتابات موثوق فيها رغم أن أقدم
المخطوطات لها كتبت بعد فترة طويلة من النسخ الأصلية، وعدد هذه المخطوطات ضئيل
جداً في كثير من الحالات، إذاً، فمن الواضح أن موثوقية نص العهد الجديد أمر لا
غبار عليه أيضاً. (
Greenlee,
INTTC, 16
)

وفي
هذه المقارنة يكتب بروس ميتسجر في كتابه «نص العهد الجديد» قائلاً:

حفظت
لنا أعمال الكثير من المؤلفين القدامى من خلال خيط رفيع جداً من المخطوطات
المتناقلة. فمثلاً انتقل التاريخ الوجيز لروما الذي كتبه فيليوس باتركلوس إلى
العصور الحديثة عبر مخطوطة واحدة غير كاملة صدرت عنها الطبعة الأولي – وهذه
المخطوطة الوحيدة فقدت في القرن السابع عشر بعد نسخها على يد بيتوس ريناوس في
أمبرباخ. كما أن الحوليات التاريخية للمؤرخ الشهير تاسيتوس بقيت الكتب الستة
الأولي منها فقط من خلال مخطوطة واحدة ترجع إلى القرن التاسع. وفي عام 1870 احترقت
المخطوطة الوحيدة المعروفة ل الرسالة إلى ديوجنيتس في المكتبة المحلية لمدينة
شتراسبورج وهذه الرسالة من المؤلفات المسيحية المبكرة التي تعتبر ضمن كتابات
الآباء الرسوليين. وعلى النقيض من هذا كله، يجد الناقد النصي للعهد الجديد نفسه في
حيرة بسبب كثرة المخطوطات التي بين يديه. (
Metzger, TNT, 34)

ويكتب
ف.ف. بروس قائلاً: ليست هناك أي مجموعة من الكتابات القديمة لها مثل هذه الثروة من
المخطوطات النصية الجيدة التي يحظي بها العهد الجديد. (
Bruce, BP, 178)

بالمقارنة
بما يقرب من 5.700 مخطوطة يونانية للعهد الجديد، يوضح الجدول التالي افتقار بعض
الوثائق القديمة الأخرى للمخطوطات
Geisler,
GIB, 408
))

ولا
عجب في النتيجة التالية التي وصل إليها رافي زاكرياس: في الحقيقة، يعد العهد
الجديد أوثق الكتابات القديمة من حيث عدد المخطوطات والفترة الزمنية الفاصلة بين
الأحداث التاريخية وبين تدوين الوثيقة وكذلك من حيث تنوع الوثائق المتاحة لتأييده
أو رفضه. ليست هناك مخطوطات أخرى قديمة تضاهي مخطوطات العهد الجديد من حيث عددها
وتوافقها. (
Zacharias, CMLWG, 162)

 

2(ب)
أهم مخطوطات العهد الجديد

نعرض
فيما يلي أهم الكشوف لمخطوطات العهد الجديد حسب الترتيب التاريخي لها. ولتحديد عمر
المخطوطة هناك بعض العوامل التي تساعدنا على ذلك وهي:

1-
مادتها.

2-
حجم وشكل حروف الكتابة.

3-
علامات الترقيم.

4-
طريقة تقسيم النص.

5-
الزخرفة.

6-
لون الحبر.

7-
نسيج ولون الرقوق(
Geisler, GIB,
242-246
)

مخطوطة
جون رايلاندز (130م)

وهي
توجد بمكتبة جون رايلاندز في مانشستر بإنجلترا (أقدم مخطوطات العهد الجديد). بسبب
قِدَمها وموقع العثور عليها (مصر)، بالقرب من الموقع الذي دونت فيه (آسيا الصغري)،
تؤكد هذه المخطوطة التي تحوي إنجيل يوحنا أن هذا الإنجيل كتب في نهاية القرن الأول
الميلادي. (
Geisler, GIB, 268)

ويحدثنا
بروس ميتسجر عن أحد الانتقادات التي كانت توجه فيما مضى إلى إنجيل يوحنا قائلاً: لو
أن هذه المخطوطة الصغيرة كانت معروفة في منتصف القرن الماضي، فإن مدرسة نقد العهد
الجديد التي أسسها فيرديناند كريستيان باور الأستاذ الألمعي لجامعة توبنجن لم تكن
لتفترض أن الإنجيل الرابع لم يكتب حتى عام 160م تقريباً. (
Metzger, TNT, 39)

بردية
بودمر الثانية (150-200م)

وقد
تم شراءها في الخمسينات والستينات من أحد التجار في مصر. وهي توجد في مكتبة «بودمر
للآداب العالمية» وتحتوي على معظم إنجيل يوحنا. تعد مجموعة مخطوطات بودمر أهم
اكتشافات المخطوطات البردية للعهد الجديد منذ اكتشاف مخطوطات «تشستربيتي» (يأتي
ذكرها لاحقاً في هذا الفصل). ووضعت هذه المجموعة في مكتبة الآداب العالمية في
كولاجني بالقرب من جنيف وترجع إلى عام 200م أو ما قبله. وهي تشتمل على 104 ورقة
تحوي يوحنا 1: 1 إلى 6: 11، 6: 35ب إلى 14: 26 وأجزاء من أربعين ورقة أخرى بها
يوحنا 14-21. والنص مزيج من الكتابة الإسكندرية والغربية، وهناك ما يقرب من عشرين
مرة للتبديل بين الكتابات التي تنتمي جميعها إلى العائلة الغربية. (
Geisler, GIB, 390) يرجع هربرت هنجر، مدير المخطوطات البردية بالمكتبة الوطنية
بفيينا، هذه المخطوطة إلى وقت مبكر في منتصف القرن الثاني الميلادي إن لم يكن في
أوله، انظر بحثه. (
Metzger, TNT,
39, 40
)

المخطوطة
P72.

وهي
جزء من المجموعة السابقة تشتمل على نسخة مبكرة من رسالة يهوذا ورسالتي بطرس. كما
حصل م. بودمر على مخطوطة أخرى مبكرة من مخطوطات الكتاب المقدس لإنجيلي لوقا ويوحنا..
ويرجع فيكتور مارتين ورودلف سيزر المحرران هذه النسخة إلى ما بين عامي 175م و225م.
ومن ثم فهي تعد أقدم نسخة معروفة لإنجيل لوقا وواحدة من أقدم نسخ إنجيل يوحنا. (
Metzger, TNT, 41) ويصفها ميتسجر بأنها أهم اكتشاف لمخطوطات العهد الجديد منذ شراء
برديات تشستربيتي. (
Metzger, TNT,
39, 40
)

بردية
تشستربيتي (200م)

تم
شراء هذه المخطوطات في الثلاثينات من أحد التجار في مصر وهي موجودة بمتحف
تشستربيتي في دبلن. وبعضها يخص جامعة ميتشجن. وتضم هذه المجموعة مخطوطات بردية
تحوي ثلاث منها على أجزاء كبيرة من العهد الجديد. (
Bruce, BP, 182) كتب سير فردريك كنيون في كتابه « الكتاب المقدس والدراسات
الحديثة»: النتيجة النهائية لهذا الاكتشاف -الذي يعدّ الأهم من نوعه منذ اكتشاف
المخطوطة السينائية- هي في الواقع تقليل الفجوة الزمنية بين المخطوطات القديمة
والتواريخ المعروفة لكتابة أسفار العهد الجديد حتى أصبحت غير ذات قيمة في أي
مناقشة تدور حول موثوقية هذه الأسفار. ليس هناك أي كتاب آخر من الكتب القديمة له
مثل هذا الكمّ الكبير من المخطوطات التي تؤيده، ولا يمكن للباحث المنصف أن ينكر أن
النص الذي وصل إلينا صحيح جوهرياً. (
Kenyon,
BMS, 20
) ويمكن الإطلاع على قائمة
مفصلة بالمخطوطات البردية في النسخ اليونانية للعهد الجديد الصادرة عن «اتحاد
جمعيات الكتاب المقدس» أو نستله-آلاند وكلتاهما تم طباعتهما في شتوتجارت.

الدياطسرون

وتعني
اتفاق الأناجيل الأربعة، والعبارة اليونانية
dia Tessaron تعني حرفياً «من الأربعة»(Bruce, BP, 195)
وهو كتاب يبين توافق الأناجيل الأربعة كتبه «تاتيان» (نحو 160م).

كتب
«يوسابيوس» في «التاريخ الكنسي» (
Ecclesiastical
History, IV, 29 Loeb ed., 1, 397
)
يقول: كتب «تاتيان» مؤلفاً يجمع الأناجيل معاً وأطلق عليه اسم الدياطسرون ولا يزال
هذا المؤلف موجوداً في بعض الأماكن. ويعتقد أن تاتيان المسيحي الأشوري هو أول من
كتب مؤلفاً للتوافق بين الأناجيل، لا يزال جزء صغير منه موجوداً حتى اليوم. (
Geisler, GIB, 318, 319)

المخطوطة
الفاتيكانية (325-350م)

وهي
توجد في مكتبة الفاتيكان وتحوي الكتاب المقدس كله تقريباً. وبعد مرور ما يقرب من
مائة عام على النقد النصي، يعتبر الكثيرون أن المخطوطة الفاتيكانية إحدى أهم
المخطوطات الموثوقة للعهد الجديد.

المخطوطة
السينائية (350م)

وهي
توجد في المتحف البريطاني. وهذه المخطوطة، التي تحوي العهد الجديد كله تقريباً
وأكثر من نصف العهد القديم، اكتشفها الدكتور قسطنطين فون تشيندورف في دير جبل
سيناء عام 1859. وقد أهداه الدير إلى القيصر الروسي، ثم اشترته الحكومة البريطانية
من الاتحاد السوفيتي بمبلغ 100 ألف جنيه في عيد الميلاد عام 1933م.

ولهذا
الاكتشاف قصة مذهلة. ويروي لنا بروس متسجر الأحداث المثيرة التي أدت إلى هذا
الاكتشاف:

في
عام 1844 بدأ تشيندورف، الذي كان أستاذاً بجامعة ليبزج ولم يكن قد تجاوز الثلاثين
من العمر، رحلته الطويلة في الشرق الأدني بحثاً عن مخطوطات الكتاب المقدس. وفي
زيارته لدير سانت كاترين بجبل سيناء، وجد مصادفةً بعض الرقوق في سلة للمهملات كانت
ممتلئة بالأوراق التي كان مصيرها أن تستخدم في إشعال الفرن الخاص بالدير. وبفحص
هذه الرقوق تبين أنها نسخة من الترجمة السبعينية للعهد القديم مدونة بالحروف
الكبيرة المنفصلة اليونانية. وقد استعاد من هذه السلة ما لا يقل عن ثلاثة وأربعين
من هذه الأوراق، وذكر له رهبان الدير أن ضعف ما يمكن أن تحمله السلة في المرة
الواحدة من هذه الأوراق قد احترق بهذه الطريقة!. وبعد ذلك، عندما عرض على تشيندورف
أجزاء أخرى من المخطوطة نفسها (وكانت تحوي سفر إشعياء كاملاً وسفري المكابيين
الأول والثاني)، حذَّر الرهبان من استخدام مثل هذه الرقوق في إشعال النيران وذلك
لقيمتها البالغة. أما الأوراق الثلاث والأربعون التي سمح له بالاحتفاظ بها فكانت
تحوي أجزاء من سفر أخبار الأيام الأول وإرميا ونحميا وأستير، وعندما عاد إلى
أوروبا أودعها مكتبة جامعة ليبزج، حيث تبقي إلى الآن. وفي عام 1846 نشر محتوياتها
وأطلق عليها اسم مخطوطة فريدريك أوغسطس تكريماً للملك فريدريك أوغسطس الذي كان
ملكاً لموطن المكتشف وراعياً له. (
Metzger,
TNT, 43
)

ولم
تثمر زيارة تشيندورف التالية إلى الدير عام 1853 عن اكتشاف أي مخطوطات جديدة إذ
كان الرهبان مرتابين بسبب الحماس الذي أبداه للمخطوطات أثناء زيارته الأولي عام
1844. ثم قام بزيارة ثالثة في عام 1859 بتوجيه من القيصر الروسي ألكسندر الثاني.
وقبل مغادرته الدير بفترة قصيرة، قدم تشيندورف لمشرف الدير نسخة من الترجمة
السبعينية التي كان قد نشرها في ليبزج.

وعندئذ
ذكر له المشرف أن لديه أيضاً نسخة من الترجمة السبعينية وأخرج من خزانة قلايته
مخطوطة ملفوفة في قطعة قماش حمراء. فرأي العالم تشيندورف أمام عينيه، وقد استولي
عليه الذهول، الكنز الذي طالما كان يتوق لرؤيته. وطلب، مخفياً مشاعره ومتظاهراً بعدم
الاكتراث، تصريحاً بفحص المخطوطة في ذلك المساء. وعندما حصل تشيندورف على هذا
التصريح عاد إلى حجرته وظلَّ ساهراً طوال الليل مبتهجاً بدراسة المخطوطة – لأنه،
كما يقول في يومياته (التي كتبها باللاتينية لكونه عالماً)، بدا النوم وكأنه
تدنيساً للمقدسات! وسرعان ما وجد أن المخطوطة تحتوي على أكثر مما كان يرجوه، لأنها
لم تكن تحتوي فقط على معظم العهد القديم ولكن أيضاً على العهد الجديد الذي كان
سليماً بل وفي حالة ممتازة، بالإضافة إلى ذلك كانت هناك الأعمال المسيحية الأولي
للقرن الثاني الميلادي، فكانت هناك رسالة برنابا (ولم تكن تعرف قبلاً إلا من خلال
إحدى الترجمات اللاتينية الضعيفة) وجزء كبير من راعي هرماس، الذي لم يكن يعرف منه
حتى ذلك الوقت إلا اسمه فقط. (
Metzger,
TNT, 44
)

المخطوطة
الإسكندرية (400م)

وهي
توجد في المتحف البريطاني. وتذكر الموسوعة البريطانية أنها كتبت باليونانية في مصر.
وهي تحتوي على معظم الكتاب المقدس تقريباً.

المخطوطة
الإفرايمية (400 م)

وهي
توجد في المكتبة الوطنية بباريس. وتقول عنها الموسوعة البريطانية: تعود أهميتها
بالنسبة لبعض أجزاء العهد الجديد في أنها تعود إلى القرن الخامس وتحقق نصوص العهد
الجديد. (
EP, Vol. 3, 579; Bruce,
BP, 183
) وتضم هذه المخطوطة جميع
أسفار العهد الجديد ما عدا الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي ورسالة يوحنا
الثانية. وهذه المخطوطة وثيقة ترجع إلى القرن الخامس ويطلق عليها اللوح الممسوح
palimpset وهي مخطوطة مُحيت الكتابة المنقوشة عليها وأعيدت الكتابة عليها.
وعن طريق استخدام بعض المواد الكيماوية وبذْل الجهد الحثيث يمكن للعالم قراءة
الكتابة الأصلية تحت الكتابة الجديدة. (
Comfort, OB, 181)

المخطوطة
البيزية (450م)

وهي
موجودة بمكتبة جامعة كمبريدج وتشتمل على الأناجيل وسفر أعمال الرسل باللغتين
اليونانية واللاتينية.

مخطوطة
واشنطن (أو المخطوطة الفريرية-حوالي 450 م)

وتحتوي
على الأناجيل الأربعة. (
Greenlee,
INTTC, 39
) وتوجد في معهد سميثونيان
في واشنطن.

مخطوطة
كلارومنت (500م)

وتحتوي
على رسائل بولس الرسول. وهي مخطوطة ثنائية اللغة.

 

3(ب)
تعدد الترجمات يؤيد صحة المخطوطات

ومما
يدعم صحة وسلامة نصوص الكتاب المقدس بشكل قوي تعدد الترجمات القديمة. نادراً ما
كانت الكتابات الأدبية القديمة تترجم إلى اللغات الأخرى. (
Greenlee, INTTC, 45)

كانت
المسيحية منذ ظهورها إيماناً تبشيرياً. أعدت الترجمات الأولى للعهد الجديد على يد
الإرساليات التبشيرية للعمل على نشر الإيمان المسيحي بين الشعوب التي كانت تتحدث
باللغات السريانية واللاتينية والقبطية. (
Metzger, TNT, 67)

أعدت
الترجمات السريانية واللاتينية للعهد الجديد حوالي سنة 150م. وهذه الترجمات
تقرّبنا كثيراً من وقت كتابة النصوص الأصلية. هناك ما يربو على الخمسة عشر ألف
نسخة بلغات مختلفة.

1(ج)
الترجمات السريانية

تشتمل
النسخة السريانية العتيقة على الأناجيل الأربعة وتم نسخها حوالي القرن الرابع
الميلادي. وينبغي توضيح أن السريانية هو الاسم الذي يطلق بوجه عام على اللغة
الآرامية المسيحية. وهي تكتب بشكل مختلف عن الحروف الآرامية. (
Bruce, BP, 193) كتب ثيودوريوس المبوسيوستي (القرن الخامس): «قد ترجم (الإنجيل)
إلى لغة السريان». (
Bruce, BP, 193)

البشيطا
السريانية

المعنى
الأساسي لها هو البسيطة. وكانت هي النسخة النموذجية، وتمت حوالي 150-250م. ولدينا
الآن أكثر من 350 مخطوطة لها ترجع إلى القرن الخامس. (
Geisler, GIB, 317)

السريانية
الفلسطينية

ويرجع
معظم الدارسين هذه النسخة إلى حوالي 400-450م (القرن الخامس). (
Metzger, TNT, 68- 71)

النسخة
الفيلوكسينية (508 م)

قام
بوليكاربوس بترجمة العهد الجديد إلى اللغة السريانية الجديدة وقدم هذه الترجمة إلى
فيلوكسيناس أسقف مابوج. (
Greenlee,
INTTC, 49
)

النسخة
السريانية الهاركلية (616 م)

وقام
بها توماس الهاركلي.

2(ج)
الترجمات اللاتينية

اللاتينية
العتيقة

تحكي
لنا المصادر التاريخية من القرن الرابع إلى القرن الثالث عشر أنه في القرن الثالث
كانت تنتشر نسخة لاتينية عتيقة في شمال أفريقيا وأروبا.

اللاتينية
العتيقة الأفريقية (أو النسخة البابينسية – 400 م)

يقول
ميتسجر إن ج. أ. لوي عرض نقوشاً قديمة لها نقلت عن بردية ترجع إلى القرن الثاني. (
Metzger, TNT, 72-74)

النسخة
الكوربيانية (400 – 500 م)

وهي
تحتوي على الأناجيل الأربعة.

النسخة
الفرسيلينية (360 م).

النسخة
البلاتينية (القرن الخامس الميلادي).

الفولجاتا
اللاتينية (وتعني الشائعة أو الشعبية)

كان
جيروم سكرتيراً لدماسوس أسقف روما. وقد قام جيروم بهذه الترجمة بناءً على طلب
الأسقف فيما بين عامي 366 و384 م. (
Bruce,
BP, 201
)

3(ج)
الترجمات القبطية (أو المصرية)

قال
«ف. ف. بروس» إنه من المرجح أن تكون أول ترجمة قبطية قد تمت في القرن الثالث أو
الرابع الميلادي. (
Bruce, BP, 214)

النسخة
الصعيدية

ابتداءً
من القرن الثالث الميلادي. (
Metzger,
TNT, 79-80
)

النسخة
البحيرية

يقول
رودالف كاسير المحرر إنها ترجع إلى حوالي القرن الرابع. (
Greenlee, INTTC, 50)

نسخة
مصر الوسطي

ترجع
إلى القرن الرابع أو الخامس.

4(ج)
ترجمات أخرى مبكرة

الأرمينية
(400 م)

ويبدو
أنها ترجمت عن نسخة يونانية للكتاب المقدس تم الحصول عليها من القسطنطينية.

القوطية:
القرن الرابع.

الجورجية:
القرن الخامس.

الأثيوبية:
القرن السادس.

النوبية:
القرن السادس.

 

4(ب)
كتب القراءات الكنسية تؤيد صحة المخطوطات

إن
البحث في هذا الميدان مهمل بشكل كبير، ومع ذلك فإن ثاني أكبر مجموعة من المخطوطات
اليونانية للعهد الجديد هي كتب القراءات الكنسية.

ويعطينا
بروس ميتسجر فكرة عامة عن هذه الكتب: على شاكلة ما كان يحدث في المجامع اليهودية،
حيث كانت تُقرأ أجزاء من أسفار الناموس والأنبياء في الخدمة الدينية كل سبت،كان
المسيحيون في الكنائس يقرأون أجزاءً من أسفار العهد الجديد في خدمات العبادة. وتم
وضع نظام لقراءة فصول من الأناجيل والرسائل واقتضت الضرورة ترتيبها وفقاً لنظام
ثابت لأيام الآحاد والأيام المقدسة الأخرى للسنة المسيحية.(
Metzger, TNT, 30)

ويذكر
لنا ميتسجر أنه تم إحصاء 2.135 مخطوطة من مخطوطات القراءات الكنسية، ولكن معظمها
لا يزال ينتظر إلقاء الضوء عليه من قِبل التحليل النقدي. (وفي إحصائية أخرى حديثة
يصل عدد هذه المخطوطات إلى 2.396 كما ذكرنا سلفاً في هذا الفصل).

ويقول
ج. هارولد جرينلي: ترجع أجزاء مخطوطات القراءات الكنسية الأكثر قِدماً إلى القرن
السادس، بينما ترجع المخطوطات الكاملة إلى القرن الثامن وما يليه. (
Greenlee, INTTC, 45).

كانت
كتب القراءات الكنسية عادة محافظة حيث احتوت على نصوص أكثر قِدماً، وهذا يجعلها
ذات أهمية كبيرة بالنسبة للنقد النصي. (
Metzger, TNT, 31
ومع ذلك يجب أن نعترف بأن هذه المخطوطات تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية
لتحقيق نصوص العهد الجديد لثلاثة أسباب على الأقل:

1-
يتكرر فيها العهد الجديد كله لمرات عديدة فيما عدا سفر الرؤيا وأجزاء من سفر أعمال
الرسل.

2-
نتيجة للدراسات الحديثة لكتب القراءات، بدأت تأخذ دوراً أكثر أهمية في تحقيق النص
الصحيح للعهد الجديد. تسود الكتابة البيزنطية في نصوص هذه المخطوطات، ولكن هناك
مجموعات تتميز بالقراءات الإسكندرية والقيصرية.

3-
أثرت كتب القراءات أيضاً في فهم فقرات معينة مثل: يوحنا 7: 53 – 8: 11، ومرقس 16: 9-
20.(
Geisler, GIB, 418)

ويمكن
الإطلاع على قائمة مفصلة لمخطوطات القراءات في الطبعة اليونانية للعهد الجديد
الصادرة عن اتحاد الكتاب المقدس أو نستلة – آلاند التي تم طباعتها في شتوتجارت.

 

5(ب)
آباء الكنيسة الأولون يشهدون لصحة المخطوطات

رغم
أن اقتباسات الآباء من الكتاب المقدس لا تعتبر شهادة من الدرجة الأولى على صحة
العهد الجديد، إلا أن لها اثنين من الأدوار الثانوية البالغة الأهمية. أولاً: أنها
تؤيد تماماً وجود سبعة وعشرين سفراً قانونياً في العهد الجديد. صحيح أن هذه
الاقتباسات كان فضفاضة في أحيان كثيرة، إلا أن بعض الآباء التزموا الدقة التامة في
استشهاداتهم. وعلى أي حال يكفي أن تكون هذه الاقتباسات قد نقلت المحتوى الأساسي
للنص الأصلي. ثانياً: أن هذه الاقتباسات كثيرة جداً لدرجة أنه لو لم تتبق أية
مخطوطة للعهد الجديد، لأمكن جمعه مرة أخرى من كتابات الآباء الأولين وحدها. (
Geisler, GIB, 430)

وباختصار
فقد كان ج. هارولد جرينلي محقاً عندما كتب: إن هذه الاقتباسات واسعة جداً لدرجة أن
العهد الجديد يمكن إعادة تكوينه منها دون استخدام مخطوطاته. (
Greenlee, INTTC, 54)

قارن
مثلا الاقتباسات الكثيرة التي يقدمها مؤشر برجن بالنسبة لعدد قليل من الكتاب الأولين
الأكثر أهمية في الجدول السابق. (
Geisler,
GIB, 431
)

وفيما
يتعلق باقتباسات الآباء من العهد الجديد، يقول بروس ميتسجر: بالإضافة إلى البرهان
النصي المستمد من المخطوطات اليونانية للعهد الجديد ومن النسخ الأولى له، فإن
الناقد النصي لديه اقتباسات كتابية كثيرة في الشروحات والعظات وغيرها من الأبحاث
التي كتبها آباء الكنيسة الأولون. حقاً إن هذه الاقتباسات واسعة جداً حتى أنه لو
ضاعت جميع مصادرنا الأخرى لنصوص العهد الجديد، فإن هذه الاقتباسات وحدها كافية
عملياً لإعادة تكوين العهد الجديد كله. (
Metzger, TNT, 86)

وتقول
الموسوعة البريطانية: لو أن الدارس لنصوص الكتاب المقدس قام بفحص المخطوطات والنسخ،
فإنه لا يكون بذلك قد اطلع على جميع براهين تحقيق نصوص العهد الجديد، إذ أن كتابات
الآباء المسيحيين الأولين غالباً ما تعكس شكلاً من أشكال النصوص يختلف عن
المخطوطات بأنواعها.. إن شهادة هذه الكتابات لنصوص العهد الجديد، خاصة وأنها تحتوي
على قراءات من مصادر أخرى، تعد إحدى الشهادات التي يتعين على الناقد النصي أن يطلع
عليها قبل الوصول إلى النتائج. (
EB,
Vol. 3, 579
)

كان
السير دافيد دالريمبل يتساءل عن مدى كثرة نصوص الكتاب المقدس في كتابات الآباء
الأولين عندما سأله أحدهم قائلاً: لنفرض أن العهد الجديد قد ضاع وفقدت جميع نسخه
قبل نهاية القرن الثالث، فهل كان من الممكن جمعه مرة أخرى من كتابات الآباء في
القرنين الثاني والثالث؟ وبعد الكثير من البحث قال دالريمبل: انظر إلى هذه الكتب.
أتذكر سؤالك لي عن العهد الجديد وكتابات الآباء؟ لقد أثار هذا السؤال فضولي ولما
كان لديّ جميع الأعمال الموجودة للآباء في القرنين الثاني والثالث، بدأت أبحث،
ولقد وجدت حتى الآن العهد الجديد كله فيما عدا إحدي عشرة آية. (
Dalrymple, as cited in Leach, OBHWGI, 35, 36)

وفيما
يختص بكتابات الآباء الأولين يقدم لنا جوزيف أنجس في صفحة 56 من كتابه « دليل
الكتاب المقدس » التحذيرات التالية:

1-
ترد الاقتباسات أحياناً دون مراعاة الدقة الحرفية.

2-
كان بعض النساخ عرضة للخطأ أو التغييرات المتعمدة.

ومن
أهم الآباء الذين شهدوا بكتاباتهم لصحة مخطوطات العهد الجديد ما يلي:

أكلميندس
الروماني (95م)، ويصفه أوريجانوس في المجلد الثاني والفصل الثالث من كتابه «
المبادئ » بتلميذ الرسل. (
Anderson,
BWG, 28
)

وكتب
ترتليان في الفصل 23 من كتاب «ضد الهرطقات » أنه تعين (أي أكليمندس) على يد بطرس.

ويقول
عنه أيضاً إيريناوس في المجلد الثالث والفصل الثالث من كتاب « ضد الهرطقات » إن
بشارة الرسل كانت لا تزال تدوي في أذنيه وتعاليمهم أمام عينيه.

وهو
يقتبس من الأسفار التالية:

متي
كورنثوس الأولي

مرقس
تيطس

لوقا
العبرانيين

أعمال
الرسل بطرس الأولي

أغناطيوس
(70-110 م) كان أسقفاً لأنطاكية كما استشهد. كان يعرف الرسل جيداً وتحتوي رسائله
السبع على اقتباسات من الأسفار التالية:

متي
فيليبي

يوحنا
كولوسي

أعمال
الرسل تسالونيكي الأولي والثانية

رومية
تيموثاوس الأولي والثانية

كورنثوس
الأولي يعقوب

غلاطية
بطرس الأولي

أفسس

بوليكاربوس
(70-156 م) وقد استشهد وهو في السادسة والثمانين من عمره. وكان أسقفاً لسميرنا
وتلميذاً للرسول يوحنا.

كما
اقتبس أيضاً من العهد الجديد كل من برنابا (حوالي 70 م) وهرماس (حوالي 95 م)
وتاتيان (حوالي 170 م) وإيريناوس (حوالي 170 م).

أكليمندس
الإسكندري (150-212 م) وله 2.400 اقتباس من جميع أسفار العهد الجديد ما عدا ثلاثة
منها.

ترتليان
(160-220 م) وكان أحد شيوخ كنيسة قرطاج، واقتباساته من العهد الجديد تزيد عن
السبعة آلاف منها 3.800 اقتباس من الأناجيل.

هيبوليتس
(170-235 م) اقتبس أكثر من 1.300 آية.

چاستن
مارتر (133م) وقد قاوم مارسيون الهرطوقي.

أوريجانوس
(185-253/254 م)، وقد ألَّف هذا الكاتب الجهير الصوت أكثر من ستة آلاف عمل. ويورد
أكثر من ثمانية عشر ألف اقتباس من العهد الجديد. (
Geisler, GIB, 353)

كبريان
(مات سنة 258م) وكان أسقفاً لقرطاج. وله ما يقرب من 740 اقتباس من العهد القديم و1.030
اقتباس من العهد الجديد.

ويقول
جايسلر ونيكس: تشير الإحصاءات الأولية إلى أن هناك ما يقرب من 32.000 اقتباس من
العهد الجديد ترجع إلى ما قبل انعقاد مجمع نيقية (325 م). ولا يمثل هذا العدد كافة
الاقتباسات بأي حال من الأحوال، فهو لا يشمل اقتباسات كتَّاب القرن الرابع. ولو
أضفنا إلى هذا العدد اقتباسات كاتب واحد فقط هو يوسابيوس الذي ظهر قبيل وإبان مجمع
نيقية فإن العدد الكلي لاقتباسات العهد الجديد سيرتفع إلى أكثر من 36.000 اقتباس.
(
Geisler, GIB, 353, 35)

وإلى
جميع هؤلاء يمكن أن نضيف أغسطينوس وأمبياس ولتنتياس وفم الذهب وجيروم وغايس
الروماني وأثناسيوس وأمبروزيوس أسقف ميلان وكيرلس الإسكندري وأفرايم السرياني
وهيلاريوس أسقف بواتييه وغريغوريوس النيسي وغيرهم.

وفي
حديثه عن اقتباسات الآباء من العهد الجديد كتب ليو جاجاني: من بين المجلدات
الكثيرة التي تركها لنا دين برجن بعد وفاته ولم تنشر مادتها، يعد الفهرس الذي
أورده لاقتباسات آباء الكنيسة الأولين من العهد الجديد ذا أهمية خاصة. ويشتمل هذا
على ستة عشر مجلداً كبيراً موجودة في المتحف البريطاني وتحوي 86.489 اقتباساً. (
Jaganay, ITCNT, 48)

 

2(أ)
البرهان الداخلي لموثوقية العهد الجديد

1(ب)
الشك في الوثيقة

وفي
هذا يقول جون وارويك مونتجمري إن علماء النقد الأدبي عليهم أن يتبعوا القول
المأثور عن أرسطو: يجب أن يفسر الشك في صالح الوثيقة وليس في صالح ما يدَّعيه
الناقد بدون وجه حق. ومن ثم يجب على الناقد أن ينصت إلى المخطوطة التي يدرسها، ولا
يفترض فيها الزيف والخطأ ما لم يناقض المؤلف نفسه أو يذكر وقائع غير صحيحة. (
Montgomery, EA, 29)

ويوضح
هورن ذلك بقوله:

فكر
لبرهة فيما يجب أن يتوفر في صعوبة معينة كي نتخذ منها حجة سليمة لمناقضة عقيدة
معينة. من المؤكد أن الأمر لا يقتصر على التناقض الظاهري. أولاً: يجب أن نكون على
يقين من فهمنا للنص بشكل صحيح والسياق الذي ترد فيه الكلمات أو الأرقام. ثانياً: أن
نحصل على كل ما يتعلق بالموضوع من معلومات. ثالثاً: أنه ليس بالإمكان إلقاء المزيد
من الضوء على هذا الموضوع من خلال البحث المعرفي أو النصي أو علم الآثار.. إلخ.

إن
الصعوبات لا تشكل اعتراضات، كما أن المشكلات الصعبة ليست بالضرورة أخطاء. وليس هذا
تقليلاً من حجم المشكلات ولكنه محاولة لرؤيتها على النحو الصحيح. إن الصعوبات يجب
أن تجابه والمشكلات يجب أن تدفعنا إلى السعي للبحث عن الحقيقة، وحتى هذا الوقت
الذي نصبح فيه على دراية كاملة بأطراف موضوع معين فلسنا مؤهلين أن نقول: هذا خطأ
واضح ودليل قاطع على عدم عصمة الكتاب المقدس. وغني عن التعريف أن هناك اعتراضات لا
تحصى قد ثبت عدم صحتها منذ بداية هذا القرن. (
Horn, BTSI, 86, 87)

 

2(ب)
هل الوثيقة خالية من التناقضات؟

دكتور
جليسون أركر اشتهر في المعهد اللاهوتي بإلمامه بأكثر من ثلاثين لغة، معظمها لغات
وجدت في عصور العهد القديم بمنطقة الشرق الأوسط. إن الدكتور أركر هو من قام
بالتدريس لأكثر من ثلاثين عاماً بمعاهد اللاهوت في مجال نقد الكتاب المقدس. وهو يقدم
لنا الوصف المتواضع التالي لمؤهلاته، نلاحظ من خلاله معنى صعوبة نصوص الكتاب
المقدس:

لما
كنت طالباً في هارفارد، شغفت بدراسة الكتاب المقدس والبراهين الكتابية وعلم الدفاع
عن العقائد المسيحية، فاجتهدت للإلمام باللغات والحضارات التي تتصل بدراسة الكتاب
المقدس. وتخصصت في دراسة اللاتينية واليونانية كما تعلمت الفرنسية والألمانية. وفي
المعهد اللاهوتي تخصصت في العبرية والآرامية والعربية. وفي سنوات دراساتي العليا
انخرطت في دراسة السريانية والأكادية حتى أنني كنت أقوم بالتدريس في هاتين
المادتين. وقد كنت قبل ذلك في المدرسة الثانوية وفي أثناء العامين الأخيرين فيها
كنت مهتماً على نحو خاص بدراسات المملكة المصرية الوسطي وتعلمت المزيد عنها فيما
بعد إذ تلقيت بعض الدورات الدراسية فيها. وفي معهد الدراسات الشرقية في شيكاغو،
قمت بدراسة متخصصة في تاريخ الأسرة الثامنة عشرة كما درست القبطية والسومرية.
وإضافة إلى دراسة اللغات القديمة، درست في كلية الحقوق، ومن ثم أصبحت عضواً في
نقابة المحامين في ماسشوسيتش عام 1939، وجعلني ذلك ألم إلماماً تاماً بموضوع
الأدلة القانونية.

وفي
مقدمة موسوعة «صعوبات الكتاب المقدس » يقدم الدكتور أركر الشهادة التالية عن
الاتساق الداخلي للكتاب المقدس:

تعرضت
للتناقضات الظاهرية الواحدة تلو الأخرى وقمت بدراسة التعارض المزعوم بين نصوص
الكتاب المقدس وعلوم اللغويات والآثار وغيرها ومن ثم فقد ازدادت ثقتي في الكتاب
المقدس، إذ اكتشفت أن معظم المشكلات التي واجهها الإنسان في الكتاب المقدس منذ
العصور القديمة وحتى الآن، قد تم معالجتها وتفسيرها على نحو مرضي تماماً من خلال
النص الكتابي نفسه – أو من خلال الدراسات الموضوعية لعلم الآثار. إن النتائج التي
يمكن الحصول عليها من الوثائق التاريخية القديمة المصرية والسومرية والأكادية تتفق
جميعها مع نصوص الكتاب المقدس، ولا يمكن لعالم إنجيلي محنَّك أن يخشى الإدعاءات
والتحديات العدائية للعقلانيين أصحاب مذهب الفلسفة الإنسانية أو المناقضين أياً
كانت عقيدتهم.

وينتهي
الدكتور أركر إلى أن هناك من البراهين في الكتاب المقدس ما يكفي لدحض أي اتهام وجَّه
إليه في أي وقت مضي. وهذا أمر متوقع من كتاب له مكانة مثل تلك التي يصف بها الكتاب
المقدس نفسه، فهو كلمة الله الحي المنزهة والمعصومة. (
Archer, EBD, 12)

كثيراً
ما يتحيز دارسو الكتاب المقدس عندما يجدون تناقضات في الكتاب المقدس. فمثلاً، كان
أحد زملائي يتساءل دائماً لماذا تختلف رواية إنجيل متي عن رواية سفر أعمال الرسل
بشأن حادثة موت يهوذا الإسخريوطي. فيذكر متي أن يهوذا شنق نفسه ومات، ولكن أعمال
الرسل يذكر أن يهوذا سقط على رأسه في حقل، انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها.
وكان ما يحير صديقي هو أنه كيف يمكن أن تكون كلتا الروايتان صحيحتان. فافترض أن
يكون يهوذا قد شنق نفسه عند حافة صخرية، فانفلت الحبل وسقط يهوذا على رأسه إلى حقل
بأسفل الجرف. إنها الطريقة الوحيدة التي يمكن بها لإنسان أن ينشق من الوسط إذا سقط
في حقل. وقد كان هذا الافتراض صحيحاً فبعد عدة سنوات قام صديقي، برحلة إلى الأراضي
المقدسة وشاهد الموقع المعروف لموت يهوذا وهو حقل عند سفح جبل خارج أورشليم.

إن
الإدعاءات بعدم صحة الكتاب المقدس ترجع عادة إلى الجهل بالمبادئ الأساسية لتفسير
النصوص القديمة. وفيما يلي المبادئ التي يمكن أن تساعد المرء على اكتشاف ما إذا كان
هناك خطأ أو تناقض فعلي في النص – وهو نص الكتاب المقدس في حالتنا هذه:

المبدأ
الأول: ما لم يتم تفسيره ليس بالضرورة غير قابل للتفسير.

لا
يمكن لأي دارس مطَّلع أن يَّدعي بقدرته على تفسير جميع الصعوبات التي تواجهنا في
الكتاب المقدس. ومع ذلك فلا يصح للناقد أن يفترض، من هذا المنطلق، أن ما لم يتم
تفسيره حتى الآن لن يتم تفسيره أبداً. ولو قابل أي عالِم أحد غرائب الطبيعة، فإنه
لا يكفّ عن البحث العلمي بسبب ذلك. ولكن هذا يدفعه للمزيد من البحث ليجد التفسير.

وعلى
سبيل المثال لم يكن لدى العلماء فيما مضى تفسيراً طبيعياً لظواهر الطبيعة مثل
الشهب وحالات الكسوف والعواصف والأعاصير والزلازل. وحتى وقت قريب لم يكن العلماء
يعرفون كيف يمكن للنحلة الطنانة أن تطير. ومع ذلك فلم يتخلَّ أحد العلماء عن البحث
العلمي، ويصرخ قائلاً: ياله من تناقض! إن جميع هذه الألغاز قد باحت بأسرارها وتكشَّفت
أمام بحث ومثابرة العلماء.

ومن
نفس المنطلق، يقوم العالِم المسيحي بدراسة الكتاب المقدس، وهو يعرف أن ما لم يجد
له تفسيراً حتى الآن ليس بذلك غير قابل للتفسير. فهو لا يفترض أن الاختلافات
الظاهرة هي تناقضات. وعندما يقابل شيئاً ما لا يستطيع تفسيره، فإنه يواصل البحث
مؤمناً أنه سوف يتوصل إلى التفسير في نهاية المطاف. وفي الواقع لو افترض الباحث
عكس ذلك فإنه سوف يتوقف عن البحث، فلماذا يبحث عن إجابة من يعتقد أنها غير موجودة؟

ودارس
الكتاب المقدس، مثل نظيره الباحث العلمي، قد نال مكافأة إيمانه وبحثه. إذ أن
الكثير من الصعوبات التي حيَّرت العلماء قد استجابت لمثابرة العلماء وبحثهم عن
إجابة لها من خلال التاريخ وعلوم الآثار واللغة وغيرها من فروع المعرفة. وعلى سبيل
المثال، افترض النقَّاد ذات يوم أن موسى لا يمكن أن يكون هو كاتب الأسفار الخمسة
الأولي من الكتاب المقدس لأنه لم تكن الكتابة معروفة في أيام موسى. أما الآن فإننا
نعرف أن الكتابة وجدت قبل ألفي عام أو أكثر من زمن موسى. واعتقد النقاد أيضاً فيما
مضي أن الكتاب المقدس أخطأ في حديثه عن شعب الحثيين إذ لم يشر إليهم المؤرخون
مطلقاً. والآن يعرف المؤرخون وجودهم عن طريق المكتبة التي وجدت لهم في تركيا. وهذا
يعطينا الثقة في أن الصعوبات الكتابية التي لم نجد لها تفسيراً حتى الآن حتماً لها
تفسير، ولا يجب علينا أن نفترض وجود الخطأ في الكتاب المقدس.

ولكن
ما أن نبدأ في فحص الحالات التي تؤيده (أي التناقض المزعوم في الكتاب المقدس) حتى
نتبين أنها حالات صعبة وليست مستحيلة التوافق. ومن الأمور الواضحة أنه يجب إثبات
استحالة التوفيق بين أمرين من خلال أي افتراض طبيعي قبل الجزم بأن هناك تناقضاً.
وهذا مبدأ معروف في البحث التاريخي، وهو المبدأ الوحيد المعقول والممكن، ما لم نكن
على استعداد أن نؤكد أن الأمرين معاً يشتملان بالضرورة على جميع الحقائق المتصلة
بموضوع البحث وأن نستبعد إمكانية التوفيق بينهما. (
Geisler, DY, 5).

موجز
لمباديء فهم التناقضات الظاهرية فى الكتاب المقدس

1-
ما لم يتم تفسيره ليس بالضرورة غير قابل للتفسير.

2-
التفسير المعرض للخطأ لا يعني عدم عصمة الوحي.

3-
يجب فهم سياق النص.

4-
تفسير النصوص الصعبة في ضوء النصوص الواضحة.

5-
عدم تأسيس التعليم على النصوص الغامضة.

6-
الكتاب المقدس هو كتاب إنساني وله سمات إنسانية.

7-
عدم اكتمال رواية معينة لا يعني عدم صحتها.

8-
اقتباسات العهد الجديد المأخوذة عن العهد القديم لا يجب بالضرورة أن تستخدم نفس
الألفاظ.

9-
لا تتفق تعاليم الكتاب المقدس بالضرورة مع كل ما يسجله من أحداث.

10-
الكتاب المقدس يستخدم لغة الحياة اليومية غير المتخصصة.

11-
الكتاب المقدس ربما يستخدم الأعداد التقريبية أو الأعداد الدقيقة.

12-
يجب مراعاة الأساليب الأدبية المختلفة في الكتاب المقدس.

13-
وجود خطأ في إحدى النسخ لا يعني أن الخطأ موجود في النص الأصلي.

14-
العبارات العامة ليست بالضرورة وعوداً شاملة.

15-
إعلانات الوحي اللاحقة حلَّت محل إعلانات الوحي السابقة.

المبدأ
الثانى: التفسير المعرض للخطأ لا يعنى عدم عصمة الوحى.

إن
البشر محدودون ومن ثم فهم عرضة للخطأ. ولهذا توجد ممحاة في نهاية القلم الرصاص
ومفتاح للحذف في أجهزة الكمبيوتر. وطالما وجد الجنس البشري غير الكامل فسوف يكون
هناك تفسيرات خاطئة لكلمة الله ورؤى غير صحيحة للعالم الذي خلقه. ولا ينبغي أن
يفترض المرء أن رؤية علمية معينة سائدة في الوقت الحالي هي القول النهائي في موضوع
معين. إن الآراء العلمية التي سادت في الماضي تعتبر أخطاء في نظر علماء اليوم. ومن
ثم يمكن توقع أن يكون هناك تناقضاً بين الآراء العلمية الشائعة والتفسيرات المقبولة
بشكل عام لما ورد في الكتاب المقدس. ولكن هذه التناقضات لا تكفي لإثبات أن هناك
تناقضاً حقيقياً بين العالم الذي خلقه الله وبين كلمته.

المبدأ
الثالث: يجب فهم سياق النص.

لعل
من أكثر الأخطاء شيوعاً عند النقَّاد هو اقتطاع النص من سياقه. وكما يقول المثل
السائر: النص خارج سياقه ذريعة. فبهذه الوسيلة غير الصحيحة يمكن للمرء أن يبرهن
على أي شئ من الكتاب المقدس. فالكتاب المقدس يقول: ليس إله (مز14: 1). وبالطبع فإن
سياق النص هو: قال الجاهل في قلبه ليس إله. (مز14: 1). ويمكن لأي شخص أن يقول إن
يسوع حذرنا قائلاً: لا تقاوموا الشر (مت 5: 39)، ولكن السياق الذي يحث على عدم
الانتقام لا يجب إغفاله. وبالمثل يقصر الكثيرون عن فهم السياق الذي وردت فيه عبارة
يسوع: من سألك فأعطه. فهل هذا يعني أن نعطي طفلاً صغيراً سلاحاً نارياً إذا طلب
ذلك؟ إن عدم فهم معنى النص في ضوء السياق الذي ورد به ربما يكون الخطأ الرئيسي
الذي يرتكبه من ينتقدون الكتاب المقدس.

المبدأ
الرابع: تفسير النصوص الصعبة فى ضوء النصوص الواضحة.

إن
بعض نصوص الكتاب المقدس يصعب فهمها. وترجع صعوبتها أحياناً إلى عدم وضوحها.
وأحياناً يبدو أحد تعاليم الكتاب المقدس كما لو كان يناقض أحد النصوص الأخرى به.
فمثلاً، يبدو كما لو أن يعقوب يقول إن الخلاص بالأعمال (يعقوب 2: 14-26)، بينما
يتضح من تعليم بولس أن الخلاص بالنعمة. وفي هذه الحالة لا ينبغي أن نفهم قول يعقوب
على أنه يناقض بولس. فبولس يتحدث عن التبرير أمام الله (الذي هو بالإيمان وحده)،
بينما يشير يعقوب إلى التبرير أمام الناس (الذين لا يمكنهم رؤية إيماننا، ولكن
أعمالنا فقط).

وهناك
مثال آخر ورد في فيلبي 2: 12 حيث يقول بولس: «تمموا خلاصكم بخوف ورعدة». وبنظرة
سطحية يبدو أنه يقول إن الخلاص بالأعمال. إلا أن هذا يتعارض تماماً مع الكثير من نصوص
الكتاب المقدس التي تؤكد بوضوح: «لأنكم بالنعمة مخلصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم.
هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد». (أف 2: 8-9). وأيضاً: «وأما الذي لا
يعمل، ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر، فإيمانه يحسب له براً». (رو4: 5). وعندما نفهم
عبارة تمموا خلاصكم في ضوء النصوص الأخرى الواضحة يمكننا أن ندرك أنه مهما كان
المقصود من هذه العبارة، فإنها لا تعني أننا نخلص بالأعمال. وفي الواقع فإن ما
تعنيه هذه الآية نفهمه من الآية التالية لها مباشرة. إننا يجب أن نتمم خلاصنا لأن
نعمة الله تممته في قلوبنا. فيقول بولس: «لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن
تعملوا من أجل المسرة». (في 2: 13).

المبدأ
الخامس: عدم تأسيس التعليم علي النصوص الغامضة.

بعض
نصوص الكتاب المقدس صعبة الفهم بسبب عدم وضوح معناها. وسبب هذا عادة أن الكلمة
الرئيسية في النص لم ترد إلا في هذا الموضع (أو أنها نادرة)، ومن هنا تأتي صعوبة
فهم ما يقصده الكاتب ما لم يستدل على ذلك من السياق. ومن أمثلة ذلك الكلمة التي
ترد في أحد النصوص الشهيرة في الكتاب المقدس ولا تظهر في أي موضع آخر في الآداب
اليونانية المعروفة كلها حتى زمن كتابة العهد الجديد. وتظهر هذه الكلمة في الصلاة
الربانية (مت 6: 11)، وتترجم عادة: خبزنا كفافنا أعطنا اليوم. والكلمة التي يدور
حولها التساؤل هي الكلمة التي تترجم بكلمة كفاف –
epiousion..
وحتى الآن لم يتفق العلماء على أصلها أو على معناها الدقيق. ويحاول المفسرون أن
يربطوا بينها وبين الكلمات اليونانية المعروفة. وكانت هناك اقتراحات كثيرة للمعني
المقصود من بينها:


خبزنا المستمر أعطنا اليوم.


خبزنا السماوي (أو فوق الطبيعي) أعطنا اليوم.


خبزنا لقوتنا أعطنا اليوم.


خبزنا كفافنا (أي ما نحتاجه اليوم) أعطنا اليوم.

وكل
هذه الاقتراحات لها من يدافع عنها، وكل منها له دلالته في السياق ويستند إلى
المعلومات المحدودة المتاحة. ولا يبدو أن هناك حاجة ملحَّة إلى تغيير الترجمة التي
يعرفها الجميع الآن. إلا أن هذا المثال يوضح ما نرمي إليه. فبعض نصوص الكتاب
المقدس صعبة الفهم لأن الكلمة الرئيسية فيها لا تظهر إلا مرة واحدة أو أنها نادرة
الظهور.

وفي
أحيان أخرى، قد تكون الكلمات واضحة ولكن المعنى ليس واضحاً لأننا غير متأكدين إلى
أي شئ تشير. في (كورنثوس الأولي 15: 29) يتحدث بولس عن الذين يعتمدون من أجل
الأموات. فهل يشير إلى معمودية الأحياء نيابياً لضمان خلاص المؤمنين الذين ماتوا
ولم يعتمدوا (كما يقول اتباع طائفة المورمون)؟ أم أنه يشير إلى معمودية المؤمنين
الجدد في الكنيسة ليملأوا صفوف من انتقلوا؟ أم أنه يشير إلى المؤمن الذي يعتمد من
أجل، أي (باعتبار) أنه مات ودفن مع المسيح؟ أم أنه يشير إلى شئ آخر. وعندما لا
نكون متأكدين:

1-
لا ينبغي أن نبني عقيدة على أحد النصوص غير الواضحة. والقاعدة العامة في تفسير
الكتاب المقدس هي: الأمور الأساسية هي الأمور الواضحة، والأمور الواضحة هي الأمور
الأساسية. ويسمى هذا الوضوح الكتابي. فلو أن هناك أمراً ما من الأمور ذا أهمية،
فإن الكتاب المقدس سوف يعلن عنه بوضوح، وربما في أكثر من مكان.

2-
إن لم يكن النص واضحاً، لا ينبغي أبداً أن يفسر على أنه يناقض أحد التعاليم
الواضحة الأخرى في الكتاب المقدس.

المبدأ
السادس: الكتاب المقدس كتاب إنسانى وبه سمات إنسانية.

إن
الكتاب المقدس يقول إن الله استخدم أشخاصاً من البشر لتلقِّي الحقائق الأبدية
والتبشير بها. وعلى ذلك فإن الأساليب البلاغية (كما كان يسوع يتكلم بأمثال) لا يجب
تفسيرها حرفياً لمناقضة نصوص أخرى في الكتاب المقدس.

المبدأ
السابع: عدم اكتمال رواية معينة لا يعنى عدم صحتها.

فمثلاً
تتحدث النصوص في مرقس 5: 1-20 ولوقا 8: 26-39 عن مجنون واحد به روح نجس بينما
يتحدث متي 8: 28-34 عن اثنين. فكل من مرقس ولوقا – من خلال استخدام النقل المباشر
للحدث على الأرجح يركزان في روايتهما على الشخصية الأكثر أهمية في الحدث. إن هذه
الروايات غير متناقضة، إنها في الحقيقة متكاملة إذ تقدم المزيد من المعلومات إذا
تمت دراستها معاً.

المبدأ
الثامن: الاقتباسات الموجودة بالعهد الجديد من العهد القديم لا يجب بالضرورة أن
تستخدم نفس الألفاظ.

كما
توجد اليوم أكثر من ترجمة واحدة للكتاب المقدس، كان المسيحيون الأوائل غالباً
يقتبسون عن الترجمة السبعينية (الترجمة اليونانية للعهد القديم) التي كانت تستخدم
صياغة مختلفة قليلاً للنص نفسه.

المبدأ
التاسع: لا تتفق تعاليم الكتاب المقدس بالضرورة مع كل ما يسجله من أحداث.

من
الخطأ اعتبار أن كل ما يحويه الكتاب المقدس يلقى الاستحسان من قِبَل الكتاب المقدس.
فالكتاب المقدس يسجل بعض حالات الكذب مثل كذب الحية أو الشيطان (تك 3: 4، يو8: 44)
وكذب راحاب (يش 2: 4). فليس بالضرورة أن يكون الكتاب المقدس متسامحاً مع هذه
الحالات، إنه فقط يسجل بكل دقة وأمانة حتى أكاذيب وأخطاء الخطاة. فالحق في الكتاب
المقدس يوجد فيما يعلنه لنا من تعاليم، وليس في جميع الأحداث التي يسجلها. وما لم
يؤخذ هذا الفارق في الاعتبار، يمكن للمرء أن يستنتج على نحو غير صحيح أن الكتاب
المقدس يعلِّم بالفجور عندما يذكر خطية داود (2 صم 11: 4)، أو أنه يشجع على تعدد
الزوجات عندما يذكر زوجات سليمان الكثيرات (1 مل 11: 3)، أو أنه يقرر الإلحاد
عندما يذكر قول الجاهل ليس إله (مز14: 1).

المبدأ
العاشر: الكتاب المقدس يستخدم لغة الحياة اليومية غير المتخصصة.

إن
وجود أحد التعبيرات غير العلمية في الكتاب المقدس لا يعني بالضرورة أن هذا التعبير
غير صحيح. فالحقائق العلمية مثل دوران الأرض ربما توصف وفقاً للمصطلحات اللغوية
لهذا العصر (فمثلاً: الشمس تدور في فلكها).

المبدأ
الحادى عشر: قد يستخدم الكتاب المقدس الأعداد التقريبية أو الأعداد الدقيقة.

كثيراً
ما تستخدم الأعداد التقريبية سواء في الآداب القديمة أو الحديثة. وكثيراً ما
يستخدم الكتاب المقدس أيضاً هذا العرف اللغوي.

المبدأ
الثانى عشر: يجب مراعاة الأساليب الأدبية المختلفة فى الكتاب المقدس.

وعادة
ما يحدد السياق ما إذا كان مصطلحاً معيناً يجب فهمه حرفياً أم مجازياً.

المبدأ
الثالث عشر: وجود خطأ فى إحدي النسخ لا يعني أن الخطأ موجود فى النص الأصلى.

عندما
يتحدث علماء اللاهوت عن عصمة الكتاب المقدس، فإنهم يشيرون إلى النص الأصلي أو
المخطوطات الأصلية له وليس النسخ المنقولة عنه.

المبدأ
الرابع عشر: العبارات العامة ليست بالضرورة وعوداً شاملة.

كثيراً
ما يذهب النقاد إلى أن العبارات غير المشروطة ليس لها استثناءات. فهم يعرضون لآيات
تعبَّر عن حقائق عامة، ثم يشيرون بفرح إلى استثناءات واضحة لهذه الحقائق. وهكذا
ينسون أن مثل هذه الآيات تهدف فقط إلى التعبير عن أحكام عامة.

ويعد
سفر الأمثال أحد الأمثلة الهامة في هذا الصدد. إن الأمثال بطبيعتها تقدم إرشادات
عامة وليس سُنناً جامعة. إنها قواعد للحياة، ولكن هذه القواعد تسمح بالاستثناءات.
ومن أمثلة ذلك ما ورد في أمثال 16: 7. تقول الآية: «إذا أرضت الرب طرق إنسان، جعل
أعداءه أيضاً يسالمونه». ومن الواضح أن هذه العبارة لا تعبِّر عن حقيقة جامعة. لقد
كان الرب راضياً عن بولس عندما رجمه أعداؤه (أعمال 14: 19). ويسوع أرضى الله، ولكن
أعداءه صلبوه! إلا أنه بوجه عام يصح القول بأن الشخص الذي يرضي الله غالباً ما
يجذب أعداءه للوقوف في صفه. وانظر فقط إلى الطريقة التي انجذب بها بولس إلى الرب
يسوع!

المبدأ
الخامس عشر: إعلانات الوحى اللاحقة حلَّت محل إعلانات الوحى السابقة.

يقدم
لنا الكتاب المقدس أدلة كثيرة تشير إلى تطور الوحي، أي أن الله لم يعلن كل شئ دفعة
واحدة، ولم يهييء نفس الظروف لكل العصور. ومن ثم فإن إعلاناته اللاحقة حلَّت محل
مثيلاتها السابقة. أحياناً ما يفسر النقاد تغيراً ما في الوحي على أنه خطأ.

فمثلاً
لو سمح الأب لطفله الصغير أن يأكل بأصابعه حتى إذا ما كبر يعلِّمه كيف يستخدم
الملعقة، فإن هذا لا يعد تناقضاً. ولا يناقض الأب نفسه أيضاً إذا أصرَّ لاحقاً أن
يستخدم ابنه الشوكة بدلاً من الملعقة لتناول الخضروات. هذا هو تطور الوحي حيث
يناسب كل أمر ظرفاً معيناً.

كان
هناك عصراً (في ظل الشريعة الموسوية) أمر الله فيه بتقديم الذبائح الحيوانية
للتكفير عن خطايا البشر. ولكن بما أن المسيح قدم الذبيحة التي بلا عيب عن الخطية
(عب 10: 11-14)، فإن هذا الأمر الإلهي لا يسري فيما بعد. وبالمثل عندما خلق الله
الإنسان، أمره أن يأكل الفاكهة والخضروات فقط (تك1: 29). ولكن لاحقاً، عندما تغيرت
الظروف بعد الطوفان، أمره الله بأكل اللحم أيضاً. (تك 9: 3). وهذا التغير من أكل
النباتات فقط إلى أكل الأطعمة النباتية والحيوانية معاً مثال على تطور الوحي وليس
تناقضاً. وفي الواقع فإن رسالات الوحي المتتابعة كانت أوامر مختلفة لأناس مختلفين
في أزمنة مختلفة في خطة الله العظيمة للفداء.

إن
الشخص الذي يأخذ الكتاب المقدس على محمل الجد، بدلاً من أن يتذرع بأعذار وتفسيرات
واهية له، سوف يتفق مع مارك توين الذي قال إن الجزء الذي أثار قلقه واهتمامه في
الكتاب المقدس ليس الجزء الذي لم يفهمه بل الجزء الذي فهمه بالفعل! (
Geisler and Howe, WCA, 15-26)

3(ب)
هل استخدم الكاتب مصادر أولية؟

كتب
كتَّاب العهد الجديد كشهود عيان على الأحداث أو استقوا من مصادر أولية مباشرة.
وتشهد أسفار العهد الجديد بما يلي:

لوقا
1: 1-3

إذ
كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلَّمها إلينا
الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة. رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شئ
من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس.

2
بطرس 1: 16

لأننا
لم نتَّبع خرافات مصَّنعة، إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه، بل قد كنا
معاينين عظمته.

1
يوحنا 1: 3

الذي
رأيناه وسمعناه نخبركم به، لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع
الآب ومع ابنه يسوع المسيح.

أعمال
2: 22

أيها
الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال. يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قِبَل
الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم، كما أنتم أيضاً تعلمون.

يوحنا
19: 35

والذي
عاين شهد، وشهادته حق، وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم.

لوقا
3: 1

وفي
السنة الخامسة عشرة من سلطنة طيباريوس قيصر، إذ كان بيلاطس البنطي والياً على
اليهودية، وهيرودس رئيس ربع على الجليل، وفيلبس أخوه رئيس ربع على إيطورية وكورة
تراخونيتس، وليسانيوس رئيس ربع على الأبِلية.

أعمال
26: 24-26

وبينما
هو يحتج بهذا، قال فستوس بصوت عظيم: أنت تهذي يا بولس! الكتب الكثيرة تحوِّلك إلى
الهذيان! فقال: لست أهذي أيها العزيز فستوس، بل أنطق بكلمات الصدق والصحو. لأنه من
جهة هذه الأمور، عالم الملك الذي أكلِّمه جهاراً، إذ أنا لست أصدق أن يخفى عليه شئ
من ذلك، لأن هذا لم يفعل في زاوية.

وفيما
يتعلق بموضوع المصادر الأولية المباشرة للعهد الجديد يقول ف.ف. بروس، الأستاذ
السابق للنقد والتفسير الكتابي بجامعة مانشستر:

كان
المبشرون الأوائل بالإنجيل يدركون قيمة.. الشهادة التي تستند إلى المصادر الأولية
فاحتكموا إليها مراراً وتكراراً. فكان قولهم: إننا شهود لهذه الأمور هو شهادتهم
الدائمة والواثقة. ولم يكن من السهل على الإطلاق، كما يعتقد بعض الكتَّاب، اختلاق
أقوال أو أفعال صادرة عن يسوع في هذه السنوات المبكرة إذ كان هناك الكثير من
تلاميذه الذين يذكرون ما حدث وما لم يحدث.

ولم
يكن المبشرون الأوائل يتعاملون مع شهود العيان الودودين فقط، فقد كان هناك أشخاص
نزَّاعون إلى الرفض وكان هؤلاء على دراية تامة بالأحداث الخاصة بيسوع وخدمته وموته.
لم يكن التلاميذ ليخاطرون بذكر أحداث غير دقيقة (فما بالك بتعمد تغيير الحقائق
والتلاعب بها)، الأمر الذي كان من شأنه أن يفتضح على الفور من قِبَل أشخاص كانوا
سيسعدون بذلك. وعلى النقيض من ذلك، فإن أحد الأدلة القوية للبشارة الرسولية الأولى
هو احتكامهم الواثق لمعرفة السامعين، فلم يقولوا فقط: إننا شهود لهذه الأمور بل
أيضاً: كما أنتم أيضاً تعلمون (أع 2: 22). فلو كانت هناك أية محاولة للحيدان عن
الحقائق في أي من الأمور، لكان الشهود المعارضون لجمهور المستمعين اعترضوا على ذلك.
(
Bruce, NTD, 33, 44-46).

وربما
يعترض البعض قائلين: نعم، ولكن هذا ما إدِّعاه كتَّاب العهد الجديد. ولو أن كاتباً
مزيفاً دوَّن الحدث بعد مائة سنة أو أكثر من حدوثه، يمكنه أن يدَّعي أي شئ. ولكن
الحقيقة هي أن أسفار العهد الجديد لم تدوَّن بعد مائة سنة أو أكثر من الأحداث التي
تصفها، ولكنها دوِّنت أثناء حياة أشخاص تذكرهم هذه الأسفار ذاتها. ومن ثم يجب أن
ينظر العلماء اليوم إلى العهد الجديد كأحد المصادر التاريخية الأولية الموثوقة
للقرن الأول. (
Montgomery, HC, 34,
35
).

الأرقام
الواردة في الجدول السابق مأخوذة عن المصادر التالية:

Werner Georg Kümmel’s Introduction to the New
Testament, translated by Howard Clark Kee, Abingdon Press, 1973
.

Everett Harrison’s Introduction to the New Testament,
William B. Eerdmans Publishing Co., 1971
.

D. Edmonds Hiebert’s Introduction to the New Testament, Vol. II,
Moody Press, 1977
.

Writings and Lectures by
T.W. Manson and F.C. Baur
.

قال
وليم فوكسويل ألبرايت أحد أبرز علماء الآثار المتخصصين في الكتاب المقدس في العالم:
يمكننا أن نقول بكل تأكيد وثقة أنه لم يعد هناك أساس لإرجاع أي سفر من أسفار العهد
الجديد إلى ما بعد عام 80م، وهذا التاريخ يتقدم بجيلين كاملين عن التاريخ الذي
يحدده نقاد العهد الجديد المتطرفين اليوم أي في ما بين عامي 130 و150م. (
Albright, RDBL, 136)

ويؤكد
فوكسويل على الأمر ذاته في حديث صحفي لمجلة « المسيحية اليوم » بتاريخ 18 يناير
1963 قائلاً: في رأيي، كتبت جميع أسفار العهد الجديد على يد يهود تمت معموديتهم
للمسيحية فيما بين الأربعينات والثمانينات من القرن الأول الميلادي (والأرجح فيما
بين عامي 50 و70م).

ويخلص
ألبرايت إلى أنه: بفضل اكتشافات وادي قمران، تبرهن ما كنا نعتقده عن العهد الجديد
من قبل وهو أنه تعاليم المسيح وأتباعه المقربين بين عامي 25 و80م تقريباً. (
Albright, FSAC, 23)

لقد
أصبح الكثير من العلماء الليبراليين اليوم مضطرين إلى وضع تقديرات زمنية أقدم
لكتابة العهد الجديد. وأحد هؤلاء الدكتور جون أ. ت. روبنسون الذي توصَّل إلى نتائج
مذهلة في كتابه «إعادة تحديد زمن كتابة العهد الجديد» الذي أحدث انقلاباً في
المفاهيم. أدت أبحاثه إلى اعتقاده بأن العهد الجديد كله كُتب قبل سقوط أورشليم عام
70م. (
Robinson, RNT)

 

3(أ)
البرهان الخارجي لموثوقية العهد الجديد

هل
كتب التاريخ الأخرى تؤيد الشهادة الداخلية للوثيقة أم تعارضها؟. (
Montgomery, HC, 31) وبعبارة أخري، ما هي المصادر الموجودة – خلافاً للنصوص موضع
الدراسة والتحليل – التي تؤيد صحتها وموثوقيتها ومصداقيتها؟

 

1(ب)
البرهان التاريخي لكتاب مسيحيين من العصر المسيحي المبكر من خارج الكتاب المقدس

يحتفظ
لنا يوسابيوس في كتابه «التاريخ الكنسي» بكتابات بابياس أسقف هيرابوليس (130م)،
والتي يسجل فيها بابياس أقوال الشيخ (الرسول يوحنا):

اعتاد
الشيخ أن يقول هذا أيضاً: لقد دوَّن مرقس، الذي كان تلميذاً لبطرس بدقة جميع ما
ذكره (بطرس) عن أقوال وأفعال المسيح ولكن بدون ترتيب إذ أنه لم يكن قد سمع الرب أو
رافقه، ولكن فيما بعد كما قلت رافق بطرس الذي لقَّنه تعاليمه كلما اقتضت الضرورة.
ولم يكن يكتب مؤلفاً يجمع فيه أقوال الرب. إذن فإن مرقس لم يخطئ في تدوينه بهذه
الطريقة للأشياء التي كان (بطرس) يذكرها، لأن اهتمامه كان ينصبّ على عدم إغفال أي
شئ يسمعه وعدم تدوين أي تعليم كاذب.

ويعلق
بابياس أيضاً على إنجيل متي قائلاً: سجل متي أقوال الوحي باللغة العبرية (أي
الآرامية).

أما
إيريناوس، أسقف ليون (180م)، فقد كان تلميذاً لبوليكاربوس أسقف سميرنا الذي استشهد
عام 156م وظل في المسيحية لستة وثمانين عاماً وكان تلميذاً للرسول يوحنا. كتب
إيريناوس يقول: إن هذه الأناجيل تعتمد على أساس متين حتى أن الهراطقة أنفسهم
يشهدون لصحتها وإنطلاقاً منها (أي من هذه الوثائق)، يحاول كل منهم أن يؤسس عقيدته
الخاصة. (
Against Heresies, III).

لقد
أصبحت الأناجيل الأربعة شيئاً محورياً في العالم المسيحي حتى أن إيريناوس يشير
إليها (الأناجيل الأربعة) كحقيقة راسخة ومعروفة مثلها مثل الاتجاهات الأصلية
الأربعة للبوصلة:

كما
أن هناك أربعة اتجاهات للعالم الذي نعيش فيه، وأربعة رياح أرضية، ولما كانت
الكنيسة قد انتشرت على وجه كل الأرض، ولما كان الإنجيل هو عماد وأساس الكنيسة وهو
نسمة الحياة، فمن الطبيعي أن يكون ذا أربعة أعمدة، آتياً بنسيم الخلود من كل جهة
ومنعشاً حياة الإنسان من جديد. فمن ثم يتبين أن الكلمة، مبدع كل الأشياء والجالس
فوق الكاروبيم والممسك بكل الأشياء معاً، إذ ظهر للبشر، أعطانا أربعة أناجيل ولكن
يجمعها الروح الواحد.

لقد
نشر متي إنجيله بين العبرانيين (أي اليهود) بلغتهم، بينما كان بطرس وبولس يبشران
بالإنجيل في روما حيث أسسا الكنيسة هناك، وبعد انتقالهما (أي موتهما، الذي يشير
التقليد أنه كان في وقت اضطهاد نيرون عام 64م)، سلَّم مرقس تلميذ بطرس والشارح
لأقواله، بنفسه لنا كتاباته لفحوى بشارة بطرس. أما لوقا تلميذ بولس، فقد دون بشارة
معلِّمه. ثم يوحنا، تلميذ الرب، والذي اتكأ على صدره أيضاً (إشارة إلى يوحنا 13: 25
و21: 20)، فقد كتب إنجيله عندما كان يعيش في أفسس بآسيا.
Irenaus, AH)).

ويستخدم
أكليمندس الروماني (حوالي 95م) الكتاب المقدس باعتباره مصدراً أصلياً موثوقاً.

أغناطيوس
(70-110م): كان أسقفاً لأنطاكية واستشهد بسبب إيمانه بالمسيح. كان يعرف الرسل
جميعاً وكان تلميذاً لبوليكاربوس الذي كان تلميذاً للرسول يوحنا. (
Liplady, TIB, 209)

ويقول
إلجين موير في كتاب شخصيات التاريخ الكنسي إن أغناطيوس نفسه قال: إنني أفضل الموت
من أجل المسيح على أن أحكم الأرض كلها. اتركوني للوحوش حتى يكون لي شركة مع الله.
وقيل إنه ألقي للوحوش الضارية في الكولوسيوم بروما. وكتب رسالته في أثناء رحلته من
أنطاكية إلى المكان الذي استشهد به. (
Moyer,
WWWCH, 209
)

وقد
صدَّق أغناطيوس على الكتاب المقدس من خلال الطريقة التي أسس إيمانه بها على صحة
الكتاب المقدس. وقد كان له الكثير من الكتابات والشهادات التي تؤيد موثوقية الكتاب
المقدس.

بوليكاربوس
(70-156م): كان تلميذاً ليوحنا وسلَّم نفسه للاستشهاد عن عمر يناهز الثمانية
والستين عاماً بسبب إخلاصه الشديد للمسيح وللكتاب المقدس. وقد برهن موته على ثقته
في صحة الكتاب المقدس. حوالي سنة 155، أثناء حكم أنطونيوس بيوس، عندما كان
الاضطهاد دائراً في سميرنا حيث استشهد العديد من رفقائه، أفرز كقائد للكنيسة
وعِّين للاستشهاد. وعندما طُلب منه إنكار الإيمان ومن ثم النجاة من الموت، قال
كلماته الشهيرة: ثمانية وستون عاماً خدمته ولم أر منه شراً. فكيف أتكلم بالشر على
ملكي الذي خلصني؟ فأحرق ومات موت الشهداء الأبطال من أجل إيمانه. (
Moyer, WWWCH, 337). ومن المؤكد أن بوليكاربوس كانت له صلات كثيرة لتحري الحقيقة.

تاتيان
(حوالي 170م): قام بترتيب النصوص المقدسة ليؤلف بذلك أول توافق للأناجيل وهو ما
يسمي الدياطسرون.

 

2(ب)
شهادة كتَّاب غير مسيحيين من العصر المسيحي المبكر للعهد الجديد

يشير
خصوم الكتاب المقدس من النقَّاد إلى أن وثائق العهد الجديد لا يمكن الثقة بها إذ
أنها كتبت على يد تلاميذ يسوع أو المسيحيين فيما بعد. وهم يقولون إنه ليس هناك ما
يؤيد شخصية يسوع أو أحداث العهد الجديد في المصادر غير المسيحية. وليس هذا الإدعاء
باطلاً فقط، بل أن جايسلر يقول أيضاً في هذا الصدد:

إن
الاعتراض بأن هذه الكتابات غير حيادية يتضمن إشارة خطيرة وغير صحيحة إلى أنه لا
يمكن الاعتماد على الشهود إذا كانوا على صلة وثيقة بالشخص الذي يدلون بشهاداتهم
عنه. ومن الواضح أن هذا إدِّعاء باطل. فإن من نجوا من مذابح النازية كانوا بالقرب
من الأحداث. كانوا هناك وواجهوا تلك الأحداث بأنفسهم. وينطبق الأمر نفسه على شاهد
المحكمة الذي نجا من هجوم ضاري. وينطبق هذا أيضاً على من نجوا من الغزو النورماندي
أثناء الحرب العالمية الثانية أو الهجوم الأمريكي في حرب فيتنام. لا يجب اعتبار
شهود العهد الجديد فاقدي الأهلية لأنهم كانوا على صلة وثيقة بالأحداث التي يروونها.

ويضيف
قائلاً:

لنفترض
أن هناك أربعة شهود عيان على حادثة قتل. وكان هناك شاهد آخر وصل إلى مكان الحادث
بعد وقوعه ولم ير إلا جثة القتيل. وسمع آخر رواية غير مباشرة عن الحادث. وفي أثناء
المحاكمة ترافع محامي الدفاع قائلاً: فيما عدا شهود العيان الأربعة، تعد شهادة
الإثبات ضعيفة، ويجب رفض الدعوي لعدم كفاية الأدلة. وهنا سوف يعتقد الحضور أن
المحامي يحاول المراوغة، إذ أنه يصرف انتباه القاضي والمحلفين عن الشهادة القوية
إلى الشهادة الضعيفة. ومن الواضح أن هذا المنطق غير سليم. وبما أن شهود العهد
الجديد كانوا هم الشهود وحدهم ليسوع وكانوا معاصرين له، فمن الخطأ تحويل الانتباه
عنهم إلى المصادر العلمانية غير المسيحية. ورغم ذلك، فمن المفيد أن نبين ما هي
البراهين المؤيدة ليسوع والتي يمكن جمعها خارج نطاق العهد الجديد. (
Geisler, BECA, 381).

الشهادات
التالية تمت مناقشتها بتفصيل أكثر في الكتاب الذي ألَّفته مع بيل ويلسون: «سار
بيننا». (
McDowell, HWAU)

1(ج)
تاسيتوس

يعتبر
تاسيتوس الذي عاش في القرن الأول أحد أكثر المؤرخين دقة في العالم القديم. وهو
يروي لنا أحداث حريق روما العظيم الذي يُعتقد أن الإمبراطور نيرون هو السبب فيه:

وعلى
ذلك، وحتى يتخلص من الإشاعات والأقاويل، ألصق نيرون التهمة بطبقة بغيضة من الناس
يطلق عليهم اسم المسيحيين، وأنزل بهم أقسى ألوان العذاب. وكان المسيح، الذي منه
يشتق اسمهم، قد كابد عقوبة الموت في أثناء حكم طيباريوس على يد أحد الحكَّام وهو
بيلاطس البنطي، وبذلك خمدت أحد أشرَّ البدع، ولكنها عادت لتنتشر من جديد ليس في
اليهودية فقط، المصدر الأول لهذا الشر، ولكن في روما أيضاً حيث يجد كل ما هو بغيض
ومخزي من كل بقاع العالم مرتعاً له ومن ثم يشتهر. (
Tacitus, A, 15.44)

إن
أشر البدع التي يشير إليها تاسيتوس هي على الأرجح قيامة يسوع. وهو ما يشير إليه
أيضاً سيوتونيوس كما يلي.

2(ج)
سيوتونيوس

كان
سيوتونيوس واحداً من أهم رجال بلاط الإمبراطور هادريان (الذي حكم فيما بين
117-138م). وأقواله تؤيد ما جاء في أعمال الرسل 18: 2، وهو أن كلوديوس أمر جميع
اليهود (ومن بينهم بريسكلا وأكيلا) بترك روما في عام 49م. وهو يشير إلى اثنين من
الأحداث الهامة:

لما
كان اليهود يقومون بأعمال شغب مستمرة بتحريض من المسيح، طردهم من روما (
Suetonius, Life of Claudius, 25.4)

وفي
حديثه عن الأحداث التي أعقبت حريق روما العظيم يقول سيوتونيوس: لقد فرضت العقوبات
على المسيحيين، وهم جماعة من الناس يتبعون بدعة شريرة جديدة. (
Suetonius, Life of Nero, 16)

ولما
كان سيوتونيوس قد سجل هذه الأحداث بعد حوالي خمسة وسبعين عاماً من وقوعها، لم يكن
في وضع يؤهله لمعرفة ما إذا كانت أعمال الشغب هذه بتحريض من شخص يدعي المسيح أم
بسبب هذا الشخص، وهو يشير على الأرجح إلى النزاع الذي نشأ بين الشعب اليهودي بشأن
شخصية يسوع.

3(ج)
يوسيفوس

كان
يوسيفوس (حوالي 37-100م) مؤرخاً يهودياً وفريسياً من نسل الكهنة، ورغم ذلك كان
يعمل في ظل السلطة الرومانية، وكان حريصاً على ألا يثير استياء الرومان. وبالإضافة
إلى سيرته الذاتية كتب أيضاً اثنين من الأعمال الهامة وهما: الحروب اليهودية (77-
78م)، آثار اليهود (حوالي 94م). وكتب أيضاً عملاً آخر أقل شأناً وهو ضد أبيون
وتقدم الكثير من أقواله، إجمالاً وتفصيلاً، البراهين التاريخية التي تؤكد صحة كل
من العهد القديم والعهد الجديد للكتاب المقدس.

1(د)
شهادته للأسفار القانونية

يؤيد
يوسيفوس وجهة النظر البروتستانتية بشأن الأسفار القانونية للعهد القديم في مقابل
وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية الرومانية التي تبجل أسفار أبوكريفا العهد القديم.
بل إنه يسرد أسماء الأسفار وهي مطابقة للأسفار التسعة والثلاثين للعهد القديم عند
البروتستانت. وهو يصف الأسفار التسعة والثلاثين في اثنين وعشرين مجلداً حتى تتفق مع
عدد حروف الهجاء العبرية فيقول: لأنه ليس لدينا هذا العدد الكبير من الكتب التي
تخالف وتناقض بعضها البعض (كما هو الحال عند اليونانيين)، ولكن لدينا اثنين وعشرين
سفراً فقط تحتوي على سجلات لكل العصور الماضية، ونؤمن حقاً أنها إلهية، ومنها خمسة
أسفار لموسى وهي تحتوي على الشريعة.. الأنبياء الذين أتوا بعد موسى دونوا ما حدث
في أيامهم في ثلاثة عشر سفراً. أما الأسفار الأربعة الباقية فتحتوي على تسابيح لله
وتعاليم لتقويم حياة البشر. (
Josephus,
AA, 1.8
).

ويشير
يوسيفوس إلى النبي دانيال كأحد كتَّاب القرن السادس قبل الميلاد. (
Josephus, AJ, 10-12)

وهذه
الإشارة تؤكد،كما يقول جايسلر: الطبيعة غير العادية لنبوات دانيال العجيبة عن
الأحداث التاريخية اللاحقة لعصره. وعلى خلاف ما ورد في التلمود لاحقاً، فمن الواضح
أن يوسيفوس يذكر دانيال ضمن الأنبياء، إذ أنه ليس ضمن أسفار موسى أو القسم الخاص
ب«تسابيح الله» الذي يحتوي على المزامير والأمثال والجامعة ونشيد الأنشاد. وهذا
يؤيد الزمن المبكر لدانيال. (
Geisler,
BECA, 254
)

2(د)
شهادته للعهد الجديد

1(ه)
يعقوب أخو يسوع

يشير
يوسيفوس إلى يسوع كأخ ليعقوب الذي استشهد. وإشارة إلى رئيس الكهنة حنان كتب: ..
جمع كل مجمع السنهدريم من القضاة وأحضر أمامهم يعقوب أخا يسوع المسمى المسيح،
وآخرون معه (أو بعض رفقاءه) وبعد أن وجَّه إليهم الاتهام بمخالفة الناموس، سلَّمهم
للرجم. (
Josephus, AJ, 20.9.1)

وهذه
الفقرة التي كتبت عام 93م تؤكد ما ورد بالعهد الجديد من أن يسوع كان شخصاً حقيقياً
عاش في القرن الأول، وأنه كان يعرف باسم المسيح، وأنه كان له أخ يسمى يعقوب مات
شهيداً على يد رئيس الكهنة ألبينوس ومجمع السنهدريم.

2(ه)
يوحنا المعمدان

كما
أكد يوسيفوس أيضاً وجود واستشهاد يوحنا المعمدان الذي بشر بيسوع. (
Ant. XVIII. 5.0). وينفي أسلوب الفقرة التالية أي شك في تدخل المسيحيين في إعادة
صياغتها:

اعتقد
بعض اليهود أن الدمار الذي لحق بجيش هيرودس كان من الله، وكان جزاءً عادلاً لما
فعله بيوحنا الذي يطلق عليه اسم المعمدان، لأن هيرودس قتله. وكان يوحنا رجلاً
صالحاً وأمر اليهود باتِّباع الفضيلة والبر مع بعضهم البعض والتقوى أمام الله، ومن
ثم يعتمدون. (
Josephus, AJ, 18.5.20).

والاختلاف
بين رواية يوسيفوس ورواية الإنجيل عن يوحنا المعمدان هو أن يوسيفوس قال إن معمودية
يوحنا لم تكن لمغفرة الخطايا بينما أقر الإنجيل ذلك (مرقس 1: 4)، وقال إن يوحنا
قتل لأسباب سياسية وليس لشجبه لزواج هيرودس من هيروديا. وربما أراد هيرودس، كما
يشير بروس إلى ذلك، أن يصيب عصفورين بحجر واحد باعتقال يوحنا. وفيما يتعلق بالخلاف
حول معمودية يوحنا، يقول بروس إن الأناجيل تقدم رواية أكثر احتمالاً من الناحية
التاريخية الدينية وأنها أقدم من كتابات يوسيفوس ومن ثم فهي أكثر منها دقة. إلا أن
ما يهمنا هو أن الأحداث العامة التي ذكرها يوسيفوس تؤكد ما تذكره الأناجيل. (
Bruce, NTD, 107).

3(ه)
يسوع

وفي
أحد النصوص التي يدور حولها الخلاف يورد يوسيفوس وصفاً مختصراً ليسوع ورسالته:

وكان
في ذلك الوقت رجل حكيم اسمه يسوع، لو كان لنا أن ندعوه رجلاً، لأنه كان يصنع
العجائب وكان معلماً لمن كانوا يتقبلون الحق بابتهاج. وجذب إليه الكثيرين من
اليهود والأمم على حد سواء. وكان هو المسيح. وعندما أصدر بيلاطس الحكم عليه بالصلب،
بإيعاز من رؤسائنا، لم يتركه أتباعه الذين أحبوه منذ البداية. إذ أنه ظهر لهم حياً
مرة أخرى في اليوم الثالث، كما تنبأ أنبياء الله عن هذه الأشياء وعن آلاف الأشياء
العجيبة المختصة به. ولا زالت جماعة المسيحيين، المدعوين على اسمه، باقية حتى هذا
اليوم. (
Josephus, AJ, 18.3.3).

وقد
اقتبس يوسابيوس (حوالي 325م) هذه الفقرة بصيغتها الحالية (
Ecclesiastical History, 1.11)، كما تؤكد ذلك المخطوطات. وهي موجودة بجميع نسخ هذا النص. إلا
أنه يعتقد الكثيرون أن هذه الفقرة موضوعة، إذ أنه من غير المرجح أن يؤكد يوسيفوس
اليهودي أن يسوع هو المسيا وأن ذلك قد تبرهن من خلال النبوات التي تمت عنه وآياته
العظيمة وقيامته من بين الأموات. كما أن أوريجانوس قال إن يوسيفوس لم يؤمن أن يسوع
هو المسيا ولم يناد بذلك. (
Contra
Celsus 2.47, 2.13, Bruce, NTD, 108
).

ويقترح
ف.ف. بروس أن عبارة: لو كان لنا أن ندعوه رجلاً ربما تشير إلى أصالة النص، إلا أن
يوسيفوس يشير بلهجة ساخرة إلى العقيدة المسيحية في أن يسوع هو ابن الله. (
Bruce, NTD, 109) ويقترح بعض العلماء أن النص قد تم تعديله بطريقة تحافظ على
موثوقيته دون الإشارة إلى أن يوسيفوس شخصياً آمن بالمسيح باعتباره المسيا. (
Bruce, NTD, 110-111)

وربما
كان النص العربي التالي (الذي وجد بإحدي المخطوطات العربية التي ترجع إلى القرن
الرابع) ووجدت في القرن العاشر، يعكس المحتوى الأصلي لكتابة يوسيفوس:

وفي
ذلك الوقت كان هناك رجلاً حكيما يدعي يسوع. وكان صالحاً واشتهر بالفضيلة. وتتلمذ
له الكثيرون من اليهود والأمم الأخري. حكم عليه بيلاطس بالصلب والموت. أما تلاميذه
فلم يتركوا تعاليمه. بل أشاعوا أنه ظهر لهم بعد ثلاثة أيام من صلبه وأنه حي. وربما
كان هو المسيا الذي تنبأ الأنبياء بعجائبه. وجد هذا النص في مخطوطة عربية عنوانها:
«كتاب العنوان المكلل بفضل الحكمة المتوَّج بأنواع الفلسفة المندوه بحقائق
المعرفة».

4(ج)
ثالوس

كتب
ثالوس حوالي عام 52م. ولم يتبق من كتاباته أي شئ، رغم أن كتَّاباً آخرين قد
احتفظوا لنا ببعض أجزاء قليلة من كتاباته. وأحد هؤلاء الكتَّاب هو يوليوس
أفريكانوس الذي استشهد بأقوال ثالوس حوالي عام 221 في حوار حول الظلمة التي تبعت
صلب المسيح: لقد خيمت ظلمة رهيبة على العالم كله، وتشققت الصخور بفعل الزلزال،
وتهدمت الكثير من مناطق اليهودية وغيرها. ويطلق ثالوس في الجزء الثالث من تاريخه
على هذه الظلمة: كسوف الشمس، وهو قول لا أري له مبرراً. (
Julius Africanus, Chroongraphy, 18.1 in Roberts, ANF).

ويعتبر
أفريكانوس هذه الظلمة، التي فسَّرها ثالوس على أنها كسوف شمسي، هي الظلمة التي
حدثت عند صلب المسيح والمذكورة في لوقا 23: 44-45. وسبب اختلافه مع ثالوس هو أن
الكسوف الشمسي لا يمكن أن يحدث في وقت كمال وجه القمر: لأن ذلك كان وقت الفصح، وقت
كمال القمر، عندما صلب يسوع.

5(ج)
بلّيني الصغير

كان
رجال الحكومة قديماً في مناصب تمكِّنهم غالباً من الوصول إلى معلومات رسمية غير
متاحة للعامة. كان بلِّيني الصغير حاكماً وكاتباً رومانياً. وفي رسالة بعث بها إلى
الامبراطور تراجان حوالي عام 112م، يصف بلِّيني شعائر العبادة المسيحية الأولى
قائلاً:

كانت
لهم عادة أن يجتمعوا في يوم معين قبل بزوغ النهار ويرنمون ترنيمة للمسيح،كما لو
كان إلهاً، ويتعهدون عهد الشرف ألاَّ يرتكبوا شراً أو كذباً أو سرقة أو زناً، وألا
يشهدوا بالزور وألاَّ ينكروا الأمانة متي طلب منهم أن يؤدوها. وبعد ذلك يتفرقون ثم
يجتمعون للاشتراك في الطعام- ولكنه طعام من نوع مقدس وطاهر. (
Pliny the Younger, L, 10: 96).

إن
هذه الإشارة تقدم دليلاً واضحاً على أن المسيحيين في بداية المسيحية كانوا يقدمون
العبادة ليسوع المسيح عارفين أنه الله، واستمروا يمارسون عادة كسر الخبز معاً كما
ذكر في (أعمال الرسل 2: 42 و46).

6(ج)
الإمبراطور تراجان

ورداً
على خطاب بلِّيني، أرسل تراجان بالتعليمات الآتية لمعاقبة المسيحيين: لا ينبغي
السعي في إثر هؤلاء الناس، ولكن إذا ما أدينوا وثبتت فعلتهم يجب معاقبتهم، إلا إذا
أنكر الشخص مسيحيته وقدم الدليل على ذلك (بعبادة آلهتنا)، ففي هذه الحالة يعفى عنه
على أساس توبته حتى لو كان موضع شبهات من قبل. (
Pliny the Younger, L, 10: 97)

7(ج)
التلمود

من
أهم الكتابات التلمودية التي تتحدث عن شخصية يسوع التاريخية هي تلك التي جمعت فيما
بين عامي 70 و200م خلال الفترة التي تعرف باسم العصر التانيتي
Tannaitic Period. وأهم هذه النصوص ما يلي: علق يسوع في ليلة الفصح. ولكن قبل تنفيذ
الحكم ولمدة أربعين يوماً سار المنادي معلناً: إنه سوف يرجم لأنه مارس السحر وضلل
إسرائيل. وأي شخص يمكنه أن يدلي بأي شئ في مصلحته فليتقدم للدفاع عنه. ولكن إذ لم
يكن هناك ما يمكن أن يبرئه فهذا يؤدي به إلى أن يعلق في ليلة الفصح! (
Babylonian Talmud, Sanhedrin 43a).

وهذا
النص يؤكد ما ورد بالعهد الجديد فيما يتعلق بوقوع حادثة الصلب وتوقيتها، بالإضافة
إلى نية قادة اليهود الدينيين لقتل يسوع.

8(ج)
لوسيان

لوسيان
الساموساطي هو كاتب يوناني عاش في القرن الثاني الميلادي. وحوت أعماله السخرية
والنقد للمسيحية:

إن
المسيحيين كما تعلم يعبدون إلى هذا اليوم رجلاً ذا شخصية متميزة، وقد استحدث
الطقوس الجديدة التي يمارسونها، وصلب لهذا السبب.. انظر كيف أن هؤلاء المضلِّين
يعتقدون أنهم خالدون مدى الدهر، وهو ما يفسر احتقارهم للموت وبذل الذات طواعية وهو
أمر شائع بينهم، وهم أيضاً يتأثرون بمشرِّعهم الأصلي الذي قال لهم إنهم جميعاً
إخوة من اللحظة التي يتحوَّلون فيها وينكرون كل آلهة اليونان ويعبدون الحكيم المصلوب
ويعيشون طبقاً لشرائعه. وهم يؤمنون بهذه كلها، وهذا يؤدي بهم إلى احتقار كل
متعلقات الدنيا على حد سواء واعتبارها متاعاً مشتركاً للجميع. (
Lucian of Samosata, DP, 11-13)

ويذكر
الدكتور جاري هابرماس، (وهو أحد الكتَّاب والباحثين الرواد في الأحداث التاريخية
المختصة بيسوع)، حقائق عدة يمكن استخلاصها من هذا النص: كان المسيحيون يعبدون يسوع..
جاء يسوع بتعاليم جديدة إلى فلسطين.. صُلب بسبب هذه التعاليم.. مثل أن جميع
المؤمنين إخوة، منذ لحظة الإيمان وبعد إنكار الآلهة الزائفة.. (وأيضاً) شملت هذه
التعاليم عبادة يسوع والحياة وفقاً لشرائعه. (
Habermas, HJ, 206-207).

ويضيف
هابرماس: بالنسبة للمسيحيين، يخبرنا النص أنهم أتباع يسوع الذين يعتقدون أنهم
خالدون.. (وأنهم قبلوا تعاليم يسوع بالإيمان وطبقوا إيمانهم باحتقار الممتلكات
المادية). (
Habermas, HJ, 207)

وعن
لوسيان يقول الدكتور جايسلر: رغم كونه واحداً من أعنف النقَّاد للكنيسة، إلا أن
لوسيان يعطينا أفضل الروايات تفصيلاً بعد العهد الجديد عن يسوع والمسيحية في
عصورها الأولي. (
Geisler, BECA,
383
).

9
(ج) مارا بار-سيرابيون

كتب
سوري يدعي مارا بار-سيرابيون رسالة إلى ابنه سيرابيون فيما بين أواخر القرن الأول
وأوائل القرن الثالث. وهذه الرسالة تحوي إشارة ظاهرة ليسوع:

أية
فائدة جناها الأثينيون من قتل سقراط؟ لقد أتي عليهم الجوع والوبأ جزاءً لجرمهم.
وأية فائدة جناها أهل سامون من إحراق فيثاغورس؟ لقد غطت الرمال أرضهم في لحظة.
وأية فائدة جناها اليهود من قتل ملكهم الحكيم؟ لقد تلاشت مملكتهم عقب ذلك. لقد
انتقم الله بعدل لهؤلاء الرجال الثلاثة الحكماء: فقد مات الأثينيون جوعاً وغطى
البحر سكان سامون وطرد اليهود من بلادهم حيث عاشوا في الشتات. ولكن سقراط لم يمت
إلى الأبد فقد عاش في تعاليم أفلاطون، ولم يمت فيثاغورث إلى الأبد فقد عاش في
تمثال هيرا. ولم يمت الملك الحكيم إلى الأبد ولكنه عاش في التعاليم التي أعطاها. (
British Museum, Syriac ms, add. 14, 658; cited
in Habermas, HJ, 200
).

10(ج)
إنجيل الحق

وبعد
عصر المسيح مباشرة، ازدهرت العديد من الجماعات غير المسيحية يربطها بالمسيحية صلات
ضعيفة. وأحد أشهر هذه الجماعات هم الغنوسيون. وأحد كتبهم هو هذا الكتاب الذي يرجع
إلى القرن الثاني، ولعلَّ كاتبه هو فالنتينوس (135-160م) وهو يؤكد على حقيقة وجود
شخصية يسوع التاريخية في مواضع عديدة:

لأنهم
إذ قد رأوه وسمعوه، أعطاهم أن يتذوقوه ويتنسموه ويلمسوا الابن الحبيب. وإذ قد ظهر
لهم يعلمهم عن الآب.. لأنه جاء ظاهراً في الجسد. (
Robinson, NHL, 30: 27-33; 31: 4-6).

كان
يسوع رابط الجأش في تقبله للآلام لأنه كان يعرف أن موته هو حياة للكثيرين.. لقد
سمروه إلى خشبة فأعلن حكم الآب على الصليب.. وضع نفسه إلى الموت عبر الحياة. وبعد
أن جرد نفسه من الثياب البالية القابلة للفناء، لبس الخلود الذي لا يمكن لأحد أن
ينتزعه منه. (
Robinson, NHL, 20: 11-14,
25-34
).

11(ج)
قرارات بيلاطس البنطي

بالإضافة
إلى المصادر غير المسيحية التي وصلت إلينا، هناك بعض الوثائق التي فُقدت ولكن
أشارت إليها كتابات أخرى. رغم ضياع الوثائق الرسمية لقرارات بيلاطس البنطي، إلا أن
چاستن مارتر أشار إليها حوالي عام 150م، كما أشار إليها ترتليان حوالي عام 200م.
كتب چاستن قائلاً:

يشير
التعبير «ثقبوا يدي ورجلي» إلى مسامير الصليب التي دقت في يديه ورجليه. وبعدما
صلبوه، ألقوا قرعة على ثيابه واقتسموها بينهم. ويمكنك التحقق من حدوث هذه الأمور
من قرارات بيلاطس البنطي. (
Martyr,
FA, 35
) ويقول چاستن أيضاً إنه
يمكن التحقق من معجزات يسوع من خلال هذه الوثيقة.(
Martyr, FA, 48)

الخلاصة

يلخص
جايسلر ما سبق قائلاً:

إن
المصادر الرئيسية لحياة المسيح هي الأناجيل الأربعة، ومع ذلك فهناك عدد كبير من
المصادر غير المسيحية التي تؤكد روايات الإنجيل وتضيف إليها. وتتمثل هذه بشكل
رئيسي في مصادر يونانية ورومانية ويهودية وسامرية من القرن الأول. وباختصار فهي
تدلنا على ما يلي:

1-
أن يسوع كان من الناصرة.

2-
أنه عاش حياة الفضيلة والحكمة.

3-
أنه صلب في فلسطين في ظل ولاية بيلاطس البنطي وأثناء حكم طيباريوس قيصر، في عيد
الفصح حيث كان يعتبر ملك اليهود.

4-
كان تلاميذه يؤمنون بأنه قام من الأموات بعد ثلاثة أيام.

5-
أقر أعداؤه أنه قام بأعمال خارقة وغير عادية أطلقوا عليها ‘سحراً’.

6-
تضاعفت جماعة تلاميذه الصغيرة بسرعة وانتشرت حتى روما.

7-
أنكر تلاميذه تعدد الآلهة، وعاشوا حياة الفضيلة وعبدوا المسيح كإله.

وهذه
الصورة تؤيد الصورة التي تقدمها أناجيل العهد الجديد للمسيح. (
Geisler, BECA, 384-385).

ويخلص
الدكتور هابرماس إلى ما يلي: تقدم المصادر القديمة غير الكتابية قدراً كبيراً
ومذهلاً من التفاصيل المختصة بحياة يسوع وطبيعة المسيحية الأولى. وهو يضيف أمراً
آخر يغفله الكثيرون: يجب أن ندرك أنه من غير الطبيعي أن يمكننا تقديم صورة عريضة
لمعظم الحقائق الرئيسية الخاصة بحياة يسوع من التاريخ العلماني وحده. وهذا الأمر
في غاية الأهمية. (
Habermas, HJ,
224
).

ويوضح
ف.ف. بروس هذا قائلاً: من المدهش أن عدد الكتابات التي وصلت إلينا من هذه الفترة
قليل نسبياً، حتى تلك الكتابات التي لا يتوقع أن تذكر أي شئ عن المسيح. (هذا
باستثناء رسائل بولس والأسفار الأخرى للعهد الجديد).
Bruce, JCO, 17)).

ويقول
مايكل ويلكينز وج.ب. مورلاند إنه حتى لو لم يكن لدينا الكتابات المسيحية: لأمكننا
أن نستخلص من الكتابات غير المسيحية مثل تلك التي ليوسيفوس أو التلمود أو تاسيتوس
أو بلِّيني الصغير ما يلي: (1) أن يسوع كان معلماً يهودياً (2)، كان الكثيرون
يؤمنون بأنه قام بمعجزات الشفاء وإخراج الشياطين (3) كان مرفوضاً من قِبَل القادة
اليهود (4) صلب في ظل ولاية بيلاطس البنطي أثناء حكم طيباريوس (5) رغم حادثة موته
المخزية هذه، فإن أتباعه، الذين كانوا يؤمنون أنه لا يزال حياً، انتشروا خارج
فلسطين حتى كان هناك الكثير منهم في روما بحلول عام 64م. (6) كانت مختلف طوائف
الناس في المدن والقرى -رجالاً ونساءً، عبيداً وأحراراً- يعبدونه كإله بحلول القرن
الثاني الميلادي. (
Wilkins, JUF,
222
)

 

3(ب)
الحجارة تصرخ: البرهان الأثري

قدم
علم الآثار – وهو علم جديد نسبياً بين علوم الطبيعة – براهين قوية على صحة الكتاب
المقدس. ولا تكفي المجلدات الضخمة لاحتواء كافة الاكتشافات التي تدعم ثقتنا في
الكتاب المقدس من الناحية التاريخية. ونقدم فيما يلي بعض الاكتشافات لمجموعة من
العلماء البارزين وآراءهم فيما يختص بدلالات هذه الاكتشافات.

كتب
نلسون جلوك، عالم الآثار اليهودي الشهير قائلاً: يمكن القول بأنه لم يكن هناك قط
أي اكتشاف أثري يناقض أي نص في الكتاب المقدس. وهو يواصل حديثه ليؤكد على الذاكرة
التاريخية الدقيقة بشكل عجيب للكتاب المقدس، وخاصة عندما تؤيده الحقائق الأثرية. (
Glueck, RDHN, 31).

ويضيف
و. ف. ألبرايت: إن الشك المفرط تجاه الكتاب المقدس من جانب المدارس التاريخية
الرئيسية للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والذي لا زالت بعض آثاره تظهر من وقت
لآخر، فقد مقوِّماته تدريجياً. إذ أثبتت الاكتشافات، واحداً تلو الآخر صحة عدد لا
يحصى من التفصيلات، وعززت من عوامل إقرار قيمة الكتاب المقدس كمصدر للتاريخ. (
Albright, AP, 127, 128)

وكتب
أيضاً في موضع آخر: إن الاكتشافات الأثرية للجيل الماضي في مصر وسوريا وفلسطين قد
أثبتت تفرُّد المسيحية الأولي كأحد ظواهر التاريخ. (
Albright, AP, 248).

يعرض
جون وارويك مونتجمري لمشكلة عادة ما يواجهها الكثير من الدارسين اليوم: حذَّر
توماس دروبينا الباحث (بالمعهد الأمريكي لدراسات الأراضي المقدسة) من أنه حينما
يبدو أن هناك تعارضاً بين علم الآثار والكتاب المقدس، تكون المشكلة غالباً في
تحديد التاريخ، وهو أكثر مناطق الضعف في علم الآثار الحالي حيث يحلّ الفرض العلمي
والاستنتاج غير المباشر غالباً محل التحليل التجريبي المادي. (
Montgomery, EA, 47, 48).

ويقول
ميريل أونجر: إن الدور الذي يلعبه علم الآثار في أبحاث العهد الجديد (وأبحاث العهد
القديم أيضاً) من إسراع بالدراسة العلمية، وموازنة نظرية النقد، وشرح وتوضيح
وتكميل وتوثيق الخلفيات التاريخية والثقافية، يشكِّل الجانب المضيئ في مستقبل نقد
النص المقدس. (
Unger, AOT, 25, 26)

وينوه
ميللر باروز إلى أن: علم الآثار فنَّد في كثير من الحالات آراء النقَّاد المعاصرين.
لقد بيَّن في عدد من الحالات أن هذه الآراء تستند إلى فرضيات خاطئة وتصورات مصطنعة
وغير حقيقية للتطور التاريخي. (
AS
1938, p. 182
) إن هذا الإسهام حقيقي
ولا يجب التقليل من شأنه. (
Burrows,
WMTS, 2941
)

ويقول
ف.ف. بروس: حيث أن لوقا قد أُتهم بعدم الدقة، وحيث أن بعض النقوش الأثرية قد برأته
من هذا الاتهام، فمن ثم يحق لنا أن نقول إن علم الآثار أكد صحة رواية العهد الجديد.
(
Bruce, ACNT, as cited in Henry,
RB, 331
).

ويضيف
بروس أن الخدمة التي أداها علم الآثار لدراسات العهد الجديد هي في معظمها ملء فراغ
الخلفية التاريخية التي يمكننا على ضوئها أن نقرأ العهد الجديد بشكل أكثر تفهماً
وتقديراً. وهذه الخلفية هي خلفية القرن الأول. ولا يمكن لرواية العهد الجديد أن
تتلاءم مع الخلفية التاريخية للقرن الثاني. (
Bruce, ACNT, as cited in Henry, RB, 331)

ويقول
وليم ألبرايت: أخذت الدراسات النقدية للكتاب المقدس تتأثر أكثر فأكثر بالاكتشافات
الجديدة الوافرة في الشرق الأدنى القديم، ومن ثم فإننا سوف نرى نمواً ثابتاً في
تقدير واحترام الأهمية التاريخية لنصوص وتفاصيل العهدين القديم والجديد المهملة
الآن. (
Albright, FSAC, 81)

ويعرض
باروز لسبب معظم حالات الشك المفرط: لا يصدر الشك المفرط للكثير من علماء اللاهوت
الليبراليين عن التقييم الحذر للبيانات المتاحة، ولكنه يصدر عن النزوع إلى التحامل
على كل ما هو فوق الطبيعة. (
Burrows,
as cited in Vos, CITB, 176
).

ويضيف
العالم الأثري نفسه إلى ما سبق: إلا أنه بوجه عام أدى نشاط علماء الآثار بدون شك
إلى تعزيز الثقة في صدق روايات الكتاب المقدس. لقد ازداد احترام أكثر من عالم من
علماء الآثار للكتاب المقدس من خلال خبرة التنقيب في فلسطين. (
Burrows, WMTS, 1). وإجمالاً فإن مثل هذه الأدلة التي قدمها علم الآثار حتى الآن،
وخاصة بالكشف عن مخطوطات إضافية أكثر قِدَماً لأسفار الكتاب المقدس، تدعم ثقتنا في
صحة النص الكتابي عبر القرون حتى وصل إلينا. (
Burrows, WMTS, 42).

2(ج)
أمثلة من العهد الجديد

1(د)
الدقة المذهلة لإنجيل لوقا

يعد
لوقا أحد المؤرخين الموثوق فيهم لا جدال. ويخبرنا أونجر أن علم الآثار قد أثبت صحة
روايات الإنجيل، وخاصة إنجيل لوقا. وفي ذلك يقول أونجر: هناك الآن إجماع في
الدوائر العلمية على أن سفر أعمال الرسل ينسب إلى لوقا ويرجع إلى القرن الأول
ويتضمن جهد مؤرخ حريص التزم الدقة في استخدامه للمصادر. (
Unger, ANT, 24).

وفيما
يختص بقدرة لوقا كمؤرخ، توصل السير وليم رامسي بعد ثلاثين عاماً من الدراسة إلى ما
يلي:

يعد
لوقا مؤرخاً من الدرجة الأولى، فكتاباته ليست مجرد مصدراً موثوقاً للحقائق
التاريخية.. ينبغي أن يوضع هذا الكاتب ضمن كتب أعظم المؤرخين. (
Ramsay, BRDTNT, 222).

ويضيف
رامسي: إن تاريخ لوقا لا يُضَاهى في موثوقيته. (
Ramsay, SPTRC, 81).

وما
فعله رامسي هو أنه استبعد احتمالات معينة. وفي ضوء البراهين الأثرية، يعكس العهد
الجديد أحوال النصف الثاني من القرن الأول الميلادي، ولا يعكس أحوال أي تاريخ آخر
لاحق. ومن الأهمية بمكان من الناحية التاريخية البرهان على ذلك بشكل قوي. وفي كل
أمور الواقع الخارجي، تظهر دقة كاتب سفر الأعمال وحرصه الشديد وهو ما لا يكون إلا
لكاتب معاصر للأحداث.

كان
يعتقد فيما مضى أن لوقا أخفق تماماً في تسجيل الأحداث التي دارت في فترة ميلاد
يسوع. (لوقا 2: 1-3). قال النقاد إنه لم يكن هناك اكتتاب، وإن كيرينيوس لم يكن
حاكماً لسورية في ذلك الوقت، وإنه لم يكن يتعين على كل واحد أن يرجع إلى موطن
آبائه. (
Elder, PID, 159, 160;
Free, ABH,
،285).

أولاً:
دلت الاكتشافات الأثرية على أن الرومان كانوا يقومون بإحصاء دافعي الضرائب على نحو
منتظم كما كانوا يجرون اكتتاباً عاماً كل أربعة عشر عاماً. وبدأ هذا الإجراء في ظل
حكم أوغسطس حيث أجرى أول اكتتاب في عام 23-22 ق.م. أو في 9-8 ق.م. ولعل هذا الأخير
هو ما أشار إليه لوقا.

ثانياً:
هناك دليل على أن كيرينيوس كان حاكماً لسورية حوالي عام 7 ق.م. وهذا الفرض يستند
إلى نقش وجد في أنطاكية ينسب إلى كيرينيوس هذا المنصب. ونتيجة لهذا الاكتشاف،
يعتقد أنه كان حاكماً مرتين – مرة في 7 ق.م. والأخرى في 6م. وهو التاريخ الذي
(حدده يوسيفوس). (
Elder, PID, 160)

ثالثاً:
فيما يتعلق بإجراءات الاكتتاب، وجدت بردية في مصر تدل على ما كان يجري في الاكتتاب.
وهي تقول: بسبب اقتراب وقت الاكتتاب، يجب على جميع من يقطنون لأي سبب بعيداً عن
مواطنهم أن يعودوا فوراً إلى هناك حتى يتمموا تسجيل نسبهم في الاكتتاب وحتى تنسب
الأراضي الزراعية إلى أصحابها. (
Elder,
PID, 159, 160; Free, ABH, 285
).

ويلخص
الدكتور جايسلر المشكلة وحلَّها في ترجمة النص اليوناني:

هناك
عدة مشكلات في القول بأن أوغسطس أجرى اكتتاباً للإمبراطورية كلها أثناء حكم
كيرينيوس وهيرودس. ومن هذه المشكلات أنه ليس هناك ذكر لمثل هذا الاكتتاب، ولكننا
نعرف الآن أن مثل هذا الاكتتاب كان يجرى بانتظام في مصر وبلاد الغال والقيروان.
ومن المرجح أن لوقا كان يعني أن الاكتتاب كان يجرى في أنحاء الإمبراطورية في أوقات
مختلفة وأن أوغسطس بدأ هذا الاكتتاب. والزمن المضارع الذي يستخدمه لوقا يشير بقوة
إلى فهم هذا الاكتتاب كحدث متكرر. وقد أجري كيرينيوس اكتتاباً بالفعل، ولكن هذا
كان في عام 6م وهو وقت لاحق لميلاد يسوع، ومات هيرودس قبل أن يصبح كيرينيوس حاكماً.

فهل
أخطأ لوقا؟ كلا، بل إنه في الواقع يذكر الاكتتاب اللاحق الذي أجراه كيرينيوس في
أعمال 5: 37. ومن المرجح أن لوقا يميز هذا الاكتتاب الذي أُجري في أيام هيرودس عن
الاكتتاب الأكثر شهرة الذي أُجري في أيام كيرينيوس: وهذا الاكتتاب جرى قبل أن يصبح
كيرينيوس والياً على سورية. هناك عدة ترجمات للعهد الجديد وردت بها هذه العبارة
هكذا. (
Geisler, BECA, 46-47).

لقد
كان علماء الآثار يعتقدون في البداية أن لوقا أخطأ عندما ذكر أن لسترة ودربة في
ليكأونية وأن أيقونية ليست بها. (أعمال 14: 6). وأسسوا اعتقادهم على الكتابات
الرومانية مثل كتابات شيشرون الذي أشار إلى أن أيقونية كانت في ليكأونية. ومن ثم
فإن علماء الآثار قالوا إن سفر الأعمال ليس محل ثقة. إلا أنه في عام 1910م اكتشف
السير وليم رامسي أثراً دلَّ على أن أيقونية كانت إحدى مدن فيرجية. كما أكدت
الاكتشافات اللاحقة على ذلك. (
Free,
ABH, 317
).

ومن
الإشارات التاريخية الأخرى للوقا إشارته إلى ليسانيوس الذي كان رئيس ربع على
الأبلية والذي حكم في سورية وفلسطين (لوقا 3: 1) في بداية خدمة يوحنا المعمدان عام
27م. ولم يعرف المؤرخون القدماء إلا ليسانيوس واحد وهو الذي قتل عام 36 ق.م. إلا
أنه وجد نقش أثري في أبيلا بالقرب من دمشق يتحدث عن ليسانيوس رئيس الربع ويرجع هذا
النقش إلى ما بين عامي 14 و29م. (
Bruce,
ACNT, as cited in Henry, RB, 321
).

ويذكر
بولس في رسالته إلى أهل رومية، والتي كتبها في كورنثوس، أراستس خازن المدينة
(رومية 16: 23). وخلال أعمال التنقيب التي تمت في كورنثوس عام 1929، وجد رصيف حجري
عليه النقش التالي: (
ERASTVS PRO: AED:
S: P: STRAVIT
)

(أراستس،
أمين المباني العامة، أنشأ هذا الرصيف على حسابه الخاص). وطبقاً لما قاله بروس
فإنه يرجح أن هذا الرصيف قد وجد في القرن الأول الميلادي، وأن هذا المانح هو الرجل
الذي يشير إليه بولس. (
Bruce, NTD,
95; Vos, CITB, 185
).

كما
وجد في كورنثوس نقشاً أثرياً غير كامل يُعتقد أنه كان يحمل العبارة التالية: مجمع
العبرانيين، ويُعتقد أنه كان يعلو مدخل المجمع الذي كان يبشر فيه بولس (أعمال 18: 4-7).
كما يذكر نقشاً آخر الملحمة التي يشير إليها بولس في (1كورنثوس10: 25).

وهكذا،
وبفضل الاكتشافات الأثرية الكثيرة، فإن معظم المدن القديمة التي ذكرت في سفر
الأعمال تم التعرف عليها. فرحلات بولس يمكن تتبعها الآن بدقة أكثر نتيجة لهذه
الاكتشافات. (
Bruce, NTD, 95;
Albright, RDBL, 118
).

ويقول
جايسلر: يذكر لوقا اثنين وثلاثين قطراً وأربع وخمسين مدينة وتسع جزر دون أي خطأ. (
Geisler,.BECA, 47)

يكتب
لوقا عن شغب مدينة أفسس ويصف انعقاد مجلس مدني في أحد المسارح (أعمال 19: 23-29).
والحقيقة هي أن هذا المجلس قد انعقد هناك بالفعل كما يدل على ذلك نقش أثري يتحدث
عن التماثيل الفضية لأرطاميس التي وضعت في المسرح أثناء انعقاد دورة كاملة للمجلس.
وبعد الكشف عن المسرح تبين أنه يتسع لخمسة وعشرين ألف شخص. (
Bruce, ACNT, as cited in Henry, RB, 326).

ويحكي
لوقا أيضاً عن اندلاع الشغب في أورشليم لأن بولس أدخل أممياً إلى الهيكل (أعمال 21:
28). وجدت نقوش أثرية باليونانية واللاتينية تقول: لا يتجاوز أجنبي السور الذي
يحيط بالهيكل إلى داخله. وأي شخص يقبض عليه وهو يفعل ذلك سوف يكون مسئولاً مسئولية
شخصية عن موته. ومرة أخرى يتبين صحة ما كتبه لوقا! (
Bruce, ACNT, as cited in Henry, RB, 326).

كما
أن بعض الكلمات التي استخدمها لوقا كانت موضع شك. فهو يشير إلى فيلبي باعتبارها
منطقة أو مقاطعة في مكدونية. ويستخدم الكلمة اليونانية
meris
التي تترجم منطقة أو مقاطعة. ويعتقد ف.ج.أ. هورت أن لوقا أخطأ في استخدامه لهذه
الكلمة. وهو يقول إن كلمة
meris أشار بها لوقا إلى قسم وليس مقاطعة، وتلك هي حجته. إلا أن
الاكتشافات الأثرية قد دلت على أن هذه الكلمة نفسها
meris
كانت تستخدم لوصف أقسام المقاطعات. ومن ثم فإن علم الآثار قد بين مرة أخرى دقة
لوقا. (
Free, ABH, 320).

كما
ينسب إلى لوقا الضعف في استخدام كلمات معينة، إذ لم يكن دقيقاً من الناحية الفنية
في الإشارة إلى الحكام الفيلبيين بكلمة
praetors. فطبقاً للعلماء
كان يحكم المدينة اثنين من الحكام الذين يطلق عليهم
duumvirs.
إلا أن لوقا كان على صواب. دلت الاكتشافات على أن كلمة
praetor،
كانت تستعمل للإشارة إلى حكام المستعمرات الرومانية.
Free, ABH, 321. أما اختياره لكلمة proconsul كلقب لغاليون الوالي (أعمال 18: 12) فهو اختيار صحيح كما أثبت ذلك
نقش دلفي الأثري الذي يقول: لوسيوس جونيوس غاليون صديقي ووالي
proconsul أخائية. (Vos,
CITB, 180
).

ويدلنا
نقش دلفي على أن فترة خدمة بولس في كورنثوس بلغت عاماً ونصف العام. ونستدل على ذلك
من خلال المصادر الأخرى التي تقول إن غاليون تولَّى منصبه في الأول من يوليو وأن
ولايته استمرت سنة واحدة وأن هذه السنة كانت تتقاطع مع فترة عمل بولس في كورنثوس.
(
Bruce, ACNT, as cited in Henry,
RB, 324
)

يصف
لوقا بوبليوس رئيس جزيرة مالطا بلقب مقدم (
first man) الجزيرة (أعمال
28: 7). وقد اُكتشفت نقوش أثرية تدل على صحة هذا اللقب. (
Bruce, ACNT, as cited in Henry, RB, 325).

وهناك
أيضاً استخدام لوقا لكلمة
politarchs للإشارة إلى السلطات المدنية لتسالونيكي (أعمال 17: 6). وحيث أن
كلمة
politarch لا توجد في الأعمال الأدبية الكلاسيكية، فإنه كان يعتقد أن لوقا
قد أخطأ. إلا أنه وجد تسعة عشر نقشاً استخدم فيها هذا اللقب. ومن اللافت للانتباه
أن خمسة منها تشير إلى مدينة تسالونيكي. (
Bruce, ACNT, as cited in Henry, RB, 325) وأحد هذه النقوش تمّ اكتشافه على قوس معماري روماني في تسالونيكي
وعليه أسماء ستة من حكام
politarchs هذه المدينة.

جمع
المؤرخ الشهير للتاريخ الروماني كولين هيمر الكثير من البراهين الأثرية والتاريخية
التي تؤكد دقة لوقا وذلك في كتابه: «سفر أعمال الرسل في ضوء التاريخ الهلِّيني».
وفيما يلي ملخص للكمّ الهائل من التفاصيل التي أوردها (
Hemer, BASHH, 104-107)


تفاصيل دقيقة لم يكن ليعرفها إلا باحث معاصر للأحداث مثل لوقا الذي قام بأسفار
كثيرة. وهذه التفاصيل تتضمن ألقاب الحكام ومعرفة وحدات الجيش ومعلومات عن الطرق
الرئيسية.


تفاصيل يعرف الأثريون صحتها ولكنهم لا يستطيعون تحديد تاريخها بدقة. وبعض هذه
التفاصيل لا يمكن أن يعرفها إلا كاتب قد زار هذه الأقاليم.


توافق تواريخ ملوك وحكام معروفين مع التسلسل الزمني للأحداث.


توافق الأحداث مع عصر بولس ورفيقه المقرب في الكنيسة وليس مع أي عصر آخر سابق أو
لاحق.


التوافق غير المقصود بين سفر الأعمال ورسائل بولس الرسول.


التوافق الداخلي لسفر الأعمال.


الإشارات الجغرافية العابرة التي تنمّ عن الثقافة العامة.


تفاوت أسلوب الصياغة داخل سفر الأعمال الذي يشير إلى تنوُّع المصادر التي استخدمها.


الملامح الخاصة لاختيار الموضوعات، مثل ما يتعلق بعلم اللاهوت، وهو ما يمكن تفسيره
في سياق ما يعرف الآن بالحياة الكنسية للقرن الأول.


الاتصال المباشر بالأحداث التي تدل على أن الكاتب يروي خبراته الحديثة، وليس أنه
يصيغ أو يعدَّل نصاً بعد كتابته بفترة طويلة.


الملامح الثقافية والاصطلاحية التي نعرف الآن أنها خاصة بالقرن الأول.

ويتفق
أ.ن. شيروين وايت، المؤرخ للتاريخ الروماني مع ذلك قائلاً: إن البراهين دامغة على
الصدق التاريخي لسفر أعمال الرسل.. وأية محاولة لرفضه كمرجع تاريخي أساسي تعد غير
منطقية. لقد سلم بصحته مؤرخو التاريخ الروماني منذ زمن بعيد. (
Sherwin- White, RSRLNT, 189).

وليس
مستغرباً أن يصل إ. م. بلاكلوك، أستاذ الأدب الكلاسيكي بجامعة أوكلاند إلى النتيجة
التالية: يعد لوقا مؤرخاً من الطراز الأول وينبغي وضعه ضمن أعظم الكتَّاب
اليونانيين. (
Blaiklock, AA, 89).

2(د)
أقدم السجلات المسيحية

في
عام 1945 اكتشفت اثنتين من المعاظم (وهي أوعية لحفظ العظام) بالقرب من أورشليم.
وكان عليهما نقشاً، قال إليعازر. سوكينك مكتشفهما أنه أقدم السجلات المسيحية. وقد
وجدت هذه الأوعية في قبر يرجع استخدامه إلى ما قبل عام 50م. وهذه الكتابات هي: ليسوس
إيو
lesous iou وليسوس ألوث lesous
aloth
. كما وجد أيضاً نقشاً
لأربعة صلبان. ويعتقد أن العبارة الأولي هي صلاة لطلب المعونة من يسوع، والثانية
صلاة من أجل قيامة الشخص الذي توجد عظامه في المعظمة. (
Bruce, ACNT, as cited in Henry, RB, 327, 328)

3(د)
البلاط

لقرون
طويلة لم يكن هناك ما يدل على الساحة التي حوكم فيها يسوع أمام بيلاطس (وتسمي
جباثا أو البلاط، يوحنا 19: 13).

ويبين
وليم ف. ألبرايت في كتابه « آثار فلسطين» أن هذه الساحة كانت توجد في قلعة أنطونيا
حيث مركز القيادة العسكرية الرومانية في أورشليم. وكانت لا تزال دفينة عندما أعيد
بناء المدينة في زمن هادريان، ولم يتم الكشف عنها حتى وقت قريب. (
Albright, AP, 141)

4(د)
بِركة بيت حسدا

أما
بركة بيت حسدا، وهي موقع آخر لا يرد له ذكر إلا في العهد الجديد، فيمكن الآن تحديد
مكانها بقدر كبير من الثقة في شمال شرقي المدينة القديمة (وهي المنطقة المسماة
‘بيزيثا’ أو ‘المرج الجديد’)، في القرن الأول الميلادي، حيث اكتشفت آثار لها أثناء
عمليات التنقيب بالقرب من كنيسة القديسة حنة عام 1888م. (
Bruce, ACNT, as cited in Henry, RB, 329).

5(د)
إنجيل يوحنا

أثبتت
الاكتشافات الأثرية صحة روايات الأناجيل، ومنها إنجيل يوحنا. يقرر الدكتور وليم
فوكسويل ألبرايت، المدير بالمعهد الإمريكي للأبحاث الشرقية في أورشليم لسبعة عشر
عاماً، أن: مخطوطات البحر الميت التي اكتشفت في قمران أضافت برهاناً جديداً هاماً
على قِدَم إنجيل يوحنا نسبياً. (
Albright,
AP, 249
)

ويواصل
قائلاً: إن نقاط التقارب من حيث التعبير والرمز وتصوير المفاهيم بين أدب نُسَّاك
اليهود وإنجيل القديس يوحنا واضحة بشكل خاص، رغم أن هناك أيضاً عدداً كبيراً من
أوجه التشابه بينها وبين كافة كتَّاب العهد الجديد تقريباً. (
Albright, AP, 249)

6(د)
قرار الناصرة

ويوضح
الدكتور جايسلر هذا الاكتشاف قائلاً:

تم
اكتشاف لوح حجري في الناصرة عام 1878، عليه نقش لأحد قرارات الإمبراطور كلوديوس
(41- 54م) يحذر من العبث بالقبور أو إخراج الجثث أو نقلها. وهذا النوع من القرارات
ليس قليل الشيوع، ولكن الحقيقة المذهلة هي أن المذنب سوف يحكم عليه بالإعدام بتهمة
انتهاك حرمة القبور.(
Hemer, BASHH,
155
) وكانت القرارات الأخرى
تفرض غرامة وليس عقوبة الموت على من يعبث بالقبور. والتفسير المرجح لذلك هو أن
كلوديوس لما سمع عن العقيدة المسيحية في القيامة وقبر يسوع الفارغ في أثناء
استقصائه عن أحداث الشغب التي دارت عام 49م، قرر عدم السماح لمثل هذه الشائعات أن
تظهر مرة أخري. ويمكن فهم ذلك في ضوء إشاعة اليهود بأن الجسد قد سرق (مت 28: 11-15)،
وهذه شهادة مبكرة للعقيدة القوية والراسخة بأن يسوع قام من الأموات. (
Geisler, BECA, 48)

7(د)
يوحانان يواجه عقوبة الصلب

يوضح
الدكتور جايسلر أهمية هذا الكشف الأثري قائلاً:

في
عام 1968 اكتشفت مقبرة قديمة في أورشليم بها حوالي خمس وثلاثون جثة. وقد تبين أن
هؤلاء قد كابدوا عقوبة الموت الفظيعة في الثورة اليهودية ضد روما عام 70م. وأحد
هؤلاء كان يدعى يوحانان بن هاجلجول. وكان عمره يتراوح بين أربعة وعشرين وثمانية
وعشرين عاماً، وكان فكَّه الأعلى مشقوقاً، وكان هناك مسماراً طوله سبع بوصات
مدقوقاً في قدميه كلتيهما. وكانت قدماه تتجهان إلى الخارج حتى يمكن دق المسمار
المفلطح عند العقب في وتر العرقوب تماماً. وهذا كان من شأنه أن يؤدي إلى انحناء
الساقين إلى الخارج ومن ثم لا يمكن استخدامها في حفظ التوازن على الصليب. كان
المسمار ينفذ في قطعة من خشب السنط ثم في العقبين ثم في عرق من خشب أشجار الزيتون.
ودلَّت الاكتشاف أيضاً على أن مسمارين مشابهين قد دُقا بين العظمتين السفليتين في
كل ذراع. وأدى ذلك إلى تآكل عظام أعلى الذراع أثناء الحركة المتكررة للمصلوب
صعوداً وهبوطاً حتى يتمكن من التنفس (حيث أن الذراعين المعلقين يقيدان عملية
التنفس). كان على المصلوب أن يرفع نفسه حتى يحرر عضلات قفصه الصدري، وعندما تضعف
قواه ويصبح غير قادر على ذلك، فإنه يموت اختناقاً.

وكانت
ساقا يوحانان محطمتين على أثر ضربة كما كانت عادة الرومان في الصلب (يوحنا 19: 31-32).
وتؤكد هذه التفاصيل وصف العهد الجديد لعملية الصلب. (
Geisler, BECA, 48).

8(د)
نقش بيلاطس

في
عام 1961 اكتشف عالم الآثار الإيطالي أنطونيو فروفا نقشاً في قيصرية مارتيما على
لوح حجري كان يستخدم وقت الاكتشاف كجزء من السلَّم المؤدي إلى مسرح القيصرية. وكان
النقش باللغة اللاتينية واشتمل على أربعة سطور، ثلاثة منها يمكن قراءتها جزئياً.
ويمكن ترجمتها على النحو التالي:

طيباريوم

بيلاطس
البنطي

حاكم
prefect اليهودية

ويرجح
أن هذا اللوح المنقوش كان يستخدم أصلاً في تأسيس الطيباريوم (وهو معبد ليتعبد فيه
الإمبراطور طيباريوس) ثم أعيد استخدامه لاحقاً في الموقع المكتشف. ويوضح النقش لقب
بيلاطس البنطي كحاكم بوصفه بكلمة
prefect على الأقل في فترة معينة من حكمه. أما تاسيتوس ويوسيفوس فيشيران
إليه لاحقاً بكلمة
procurator. ويطلق عليه العهد الجديد لقب والي governor
(متي 27: 2)، وهو تعبير يتضمن كلا اللقبين السابقين. ويعد هذا النقش هو الدليل
الأثري الوحيد لاسم بيلاطس ولقبه معاً. (
Dockery, FBI, 360).

9(د)
نقش أراستس

وُجدت
كتابة لاتينية على لوح من الحجر الجيري كان جزءً من الرصيف الحجري القريب من
المسرح في كورنثوس. وتترجم هذه الكتابة كما يلي: أراستس، بصفته محتسباً، أنشأ هذا
الرصيف على حسابه الخاص. وفي الرسالة إلى رومية 16: 23 ذكر بولس (وكان يكتب وهو في
مدينة كورنثوس) شخص يدعى أراستس ولقبه بخازن المدينة. ومن المرجح أن يكون هو نفس
الشخص.
Dockery, FBI, 361))

10(د)
عملات العهد الجديد

تم
التعرف على ثلاثة أشكال من العملات المعدنية في العهد الجديد اليوناني:

1-
دينار الجزية (متي 22: 17-21، مرقس 12: 13-17، لوقا 20: 20-26). الكلمة اليونانية
للعملة التي رآها يسوع في هذه المواضع هي
denarius وهي عملة فضية
صغيرة على أحد جانبيها صورة لقيصر. وكانت قيمتها تبلغ أجر يوم للعامل العادي في
فلسطين.

2-
ثلاثون من الفضة (متي 26: 14-15) ويرجح أنها كانت ثلاثين شاقلاً من الفضة. وكان
الشاقل في الأصل وحدة للوزن تساوي حوالي خمس الأوقية. ثم تطورت بعد ذلك لتصبح عملة
فضية لها نفس الوزن تقريباً.

3-
فلسا الأرملة (مرقس 12: 41-44، لوقا 21: 1-4). وتقول عبارة الإنجيل: فلسين قيمتهما
ربع والكلمة الأولى هي ترجمة للكلمة اليونانية
lepta
وهي أصغر عملة نحاسية يونانية، أما الكلمة الأخيرة فهي ترجمة للكلمة اليونانية
quadrans وهي أصغر عملة نحاسية رومانية. والقيمة المالية الضئيلة لهاتين
العملتين تضفي دلالة أعمق على ما يرمي إليه النص. (
Dockery, FBI, 362)

في
إشارة إلى الكتاب المقدس، تلخص لنا كلمات السير والتر سكوت هذا القسم:

في
هذا الكتاب العظيم يكمن

سر
الأسرار الدفين ويسكن

فبالبشر
ياللغبطة

ممن
وهب الله النعمة

لقراءة
ومخافة وترجِّي وصلاة

هذا
الكتاب

لرفع
الحجاب وكشف النقاب

وليت
لمولده ما كان انتصارا

لمن
كان يقرأ شكاً واحتقارا (
Scott, M,
140
)

 

خاتمة

بعد
محاولاتي لهدم موثوقية الكتاب المقدس وصحته التاريخية، توصلت إلى أنه صحيح وموثوق
من الناحية التاريخية. إن من يرفض الكتاب المقدس كمرجع موثوق به، عليه أن يرفض
جميع الكتابات القديمة تقريباً.

إن
إحدي المشكلات التي أواجهها باستمرار هي رغبة الكثيرين في تطبيق معيار أو اختبار
معين على الكتابات العلمانية وتطبيق معيار آخر على الكتاب المقدس. إن على المرء أن
يطبق المعيار ذاته سواء كانت الوثيقة موضوع البحث علمانية أو دينية.

وبعد
أن قمنا بذلك، يمكننا أن نمسك بالكتاب المقدس ونقول: « الكتاب المقدس صحيح وموثوق
تاريخياً».


لمزيد من الدراسة حول هذا الموضوع:

W.
F. Albright
,
ز
Retrospect and prospect in New Testament
Archaelogy
س in E.J.Vardaman, ed,
The Teacher
صs Yoke

F.E.
Bruce, The New Testament Documents: Are They Reliable
?

N.
Glueck, Rivers in the Desert
.

G.
R.Habermas, The Verdict of history

C.
J. Hemer, The Book of Acts in the Setting of Hellenistic History, C.H. Gempgf,
ed
.

J.Mc
Ray, Archaeology and the New Testsment

W.M.
Ramsay,
St. Paul the traveler and the Roman Citizen

J.A.T.
Robinson, Redating the New Testment

A.N.Sherwin-White,
Roman Society and Roman Law in the New Testament

C.A. Wilson, Rocks, Relics and Biblical Reliability

E.Yamauchi,
The Stones and the Scriptures

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى