علم

الفصل الخامس: البنوة الإلهية غير البنوة البشرية



الفصل الخامس: البنوة الإلهية غير البنوة البشرية

الفصل
الخامس: البنوة الإلهية غير البنوة البشرية

 

14-
وهكذا بعد برهنا هذه الامور وأثبتناها، فإنه لا يزالون يجدفون أكثر قائلين:
“أن لم يكن هناك وقت ما، لم يكن فيه الابن موحوداً، بل هو أزلى فى وجوده مع
الآب، إذن فلا يعود يسمى بعد ابناً بل أخاً للآب”. يا لكم من حمقى. مغرمين
بالتشاحن والمخاصمة! لأنه ان كنا نقول أنه هو وحده كائن أزلياً مع الآب، دون أن
نقول – فى نفس الوقت – أنه ابن، لكان هناك بعض العذر لتوقيرهم ولتدقيقهم المصطنع
هذا، ولكن إن كنا فى نفس الوقت الذى نقول فيه أنه أزلى، فإننا نعترف إيضاً أنه ابن
من آب فكيف يكون ممكناً أن يعتبر المولود أخاً للذى ولده؟ فإن كان إيماننا هو
بالآب والابن، فأى رابطة أخوية توجد بينهما؟ إذ كيف يمكن أن يدعى الكلمة أخاً لذلك
الذى (أى الآب) هو أيضاً كلمة له.؟ وان هذا الاعتراض ليس من قوم يجهلون حقيقة
الأمور، لأنهم هم أنفسهم يعرفون الحقيقة. ولكن هذه الحجة إنما هى حجة يهودية، آتية
من قوم “بمشيئتهم يعتزلون الحقيقة” كما يقول سليمان(39). فالآب والابن
لم يولدا من أصل سابق عليهما فى الوجود، حتى يمكن أعتبارهما أخوين، ولكن الآب هو
أصل الابن وهو والده. والآب هو آب، وهو لم يكن ابناً لأحد، والابن هو ابن وليس
بأخ.

 

فإن
كان هو يدعى ابناً أزلياً للآب، فحسناً يقال. لأن جوهر الآب لم يكن ناقصاً أبداً،
حتى يضاف إليه (ابنه) الخاص به فيما بعد. وأيضاً فإن الابن لم يولد (من الآب) كما
يولد انسان من انسان، حتى يعتبر انه قد جاء الى الوجود بعد وجود الآب، بل هو مولود
الله، ولكونه ابن الله الذى هو من ذاته (من ذات الله) الموجود من الأزل. لذلك فإنه
هو نفسه (أى الابن) موجود من الازل. فبينما خاصية طبيعة البشر أنهم يلدون فى زمن
معين. بسبب أن طبيعتهم غير كاملة. أما مولود الله فهو أزلى، بسبب الكمال الدائم
لطبيعته. فإذا لم يكن ابناً. بل مخلوقاً وجد من العدم، فعليهم أن يثبتوا ذلك
أولاً. وبعد ذلك إذ يتصورونه مخلوقاً. يمكنهم أن يصيحوا قائلين “كان هناك وقت
عندما لم يكن الابن موجوداً، لأن المخلوقات لم تكن موجودة قبل أن تخلق” أما
أن يكن هو ابناً – كما يقول الآب وكما تنادى به الكتب المقدسة – فإن
“الابن” ليس شيئاً آخر سوى أنه المولود من الآب. والمولود من الآب هو
كلمته وحكمته وبهاؤه ما يجب أن نقوله. هو أن الذين يعتقدون أنه “كان هناك وقت
عندما لم يكن الابن موجوداً “أنهم يسلبون الله كلمته، ويعلمون بمذاهب معادية كلية
لله معتبرين أن الله كان فى وقت ما بدون الكلمة الذاتى وبدون الحكمة. وكان النور
فى وقت ما بدون بهاء. وكان النبع جافاً مجدباً.

 

حقاً
أنه يتظاهرون أنهم يخشون ذكر اسم الزمن، بسبب أولئك الذين يعيرونهم، ويقولون، بأن
(الابن) كان قبل الأزمنة إلا أنهم يحددون أوقاتاً معينة، فيها يتخيلون عدم وجوده،
مبتدعين أزمنة ويا لسوء ما ابتدعوا – فإنهم بذلك ينسبون لله نقص الكلمة (أى عدم
العقل) وبذلك فإنهم يكفرون كفراً شنيعاً.

 

15-
وحتى أن اعترفوا معنا، بأسم “الابن” وذلك لأنهم لا يريدون أن يدانوا
علناً من الجميع. إلا أنهم ينكرون أن الابن هو المولود الذاتى لجوهر الآب. ويبنون
انكارهم على أساس أن الابن – بحسب كلامهم – يوجد. بلا شك، من جوهر يتجزأ وينقسم
الى أقسام. وهذا الكلام لا يقل بالمرة عن غنكارهم أنه ابن حقيقى، وإنما هم يلقبونه
بلقب ابن. بالاسم فقط. أفلا يرتكبون خطأ جسيماً حينما يتصورون أفكاراً جسدية.
وينسبونها لغير الجسدى (اللاجسدى). وحينما بسبب ضعف طبيعتهم الخاصة. فإنهم ينكرون
طبيعة الآب وذاتيته؟ لقد حان الوقت لهؤلاء الذين لا يفهمون كيفية وجود الله ولا ما
هى هيئة الآب، أن ينكرون أيضاً. لأن هؤلاء الناس الأغبياء يقيسون مولود الآب
بمقاييسهم البشرية الذاتية. وان اناساً يفكرون بمثل هذه الطريقة أنه لا يمكن أن
يكون هناك ابن لله. فإن هذا أمر يستحق العطف والرثاء. ولكن يلزم أن نستمر فى
سؤالهم وفضح أفكارهم.

 

 

إذن
فان كان الابن – كما تقولون – تكون من العدم. ولم يكن موجوداً قبل أن يولد، فإنه –
على ذلك – يدعى ابناً والهاً وحكمة بحسب المشاركة فقد مثله مثل كل الأشياء الأخرى،
فغن كل هذه الأشياء الأخرى (أى المخلوقات) قد تكونت وتقدست وتمجدت بالمشاركة
أيضاً. إذن فهناك حاجة ملحة أن تقولوا لنا. من هو الذى يشاركه (الابن). ما دامت كل
الأشياء الأخرى لها شركة فى الروح (القدس). أما هو – فبحسب قولكم- لمن يستطيع أن
يكون (الابن) مشاركاً؟ هل للروح؟ بل كما قال هو ذاته حقاً بالأحرى ان الروح نفسه
يأخذ من الابن(40) ومن غير المعقول القول بأن هذا (الابن) يقدس من ذلك (الروح).
ولا يتقبى بعد ذلك بالضرورة إلا أن نقول أن الآب هو الذى يشاركه الابن. إذن من هو
الذى يشاركه (الابن). ومن أين هو؟ فلو أن هذا (المشارك فيه) كان شيئاً من الخارج،
مدبراً من الآب، فلن يكون فى الامكان أن يشارك الابن الآب، بل يشارك ذاك الذى هو
من خارج الآب. ولن يكن الابن بعد ذلك، ثانياً بعد الآب. إذ أن ذاك الذى من خارج
سيكون سابقاً على (الابن) ذاته، ولن يكون ممكناً أن يدعى ابن الآب، بل ابناً لذلك
الذى باشتراكه فيه دعى ابناً والهاً.

 

وان
كان هذا أمر غير لائق وكفرى. إذ أن الآب يقول “هذا هو ابنى الحبيب”(41)
وأيضاً يقول الابن أن الله أبوه(42). فيكون واضحاً إذن. أن ما يشترك فيه ليس من
الخارج. وإنما هو من جوهر الآب. ومرة أخرى. إن كانت هذه المشاركة. شيئاً آخر. غير
جوهر الابن، سيحدث نفس الخطأ، إذ فى هذه الحالة – سيكون هناك شئ فى الوسط بين ما
هو من الآب وبين جوهر الابن أياً كان هذا الشئ.

 

16-
وإذ يتضح أن مثل هذه الأفكار غير اللائقة إنما هى بعيدة عن الحقيقة، لذلك فمن
الضرورى أن نقول أن ما هو من جوهر الآب الذاتى كلية، إنما هو الابن. لأن القول بأن
الله يشترك فيه كلية هو نفس القول بأن الله يلد. وأن الله يلد. ماذا يعنى هذا
القول سوى أنه يلد ابناً؟

 

وكل
الأشياء تشترك فى الابن بحسب النعمة النابعة من الروح. ويتضح من هذه ان الابن نفسه
ليس مشاركاً لشئ ما. وأما ما يشترك فيه من الآب، فهذا هو الابن – لأنه بإشتراكنا
فى الابن. يقال عنا أننا نشارك فى الله. وهذا ما قاله بطرس: “لكى تصيروا
مشاركين فى الطبيعة الالهية”(43) وكما يقول الرسول أيضاً “أما تعلمون
أنكم هيكل الله”(44) وأيضاً “لأننا نحن هيكل الله إنما هى معرفة تدور
حول الآب، لان الابن هو مولود ذاتى من جوهره. وكما أن الله يشترك فيه. فلا يستطيع
أحد أن يقول أن هذا (الاشتراك فيه) هو ألم وتقسيم لجوهر الآب (لأنه قد صار أمراً
واضحاً ومعترفاً به أن الله يشترك فيه. والاشتراك فى الله هو نفسه الولادة (هو
نفسه أن الله يلد)). وهكذا يتضح أن الولود ليس بألم (بتغيير) ولا بتقسيم لذلك
الجوهر المبارك. وليس كفراً (من عدم الإيمان) أن يكون لله ولد. مولود ذات جوهره
وحينما نقول أنه “ابن” و “مولود” فلا يعنى هذا تغيراً ولا
تقسيماً لجوهر الله. بل بالاحرى، نحن نعرف أنه ابن الله الوحيد الجنس، الأصيل
والحقيقى. وهذا هو ما نؤمن به.

 

فان
كان المولود من جوهر الآب. إنما هو الابن. – كما أوضحنا، اثبتنا – فليس هناك أدنى
شك. بل هو أمر ظاهر جلى للكل أن هذا المولود هو نفسه. حكمة الله وكلمته والذى به
ومن خلاله خلق (الآب) كل الأشياء. والذى به يعلن نفسه لأولئك الذين يريد أن يعلن
لهم. وهذا المولود هو أيضاً شكله (المعبر عنه) وصورته. التى فيها يرى ويعرف، لذا
فإنه “هو والآب واحد”. ولآن من يرى الابن فإنه يرى الآب أيضاً.

 

وهذا
(المولود) أيضاً هو المسيح، الذى به قد أفتديت كل الأشياء. وبه أيضاً خلقت الخليقة
الجديدة(46). وأيضاً فإذا كان الابن هكذا، فلا يكون ملائماً – بل أن هذا يكون
خطراً جسيماً – أن يقال أنه “مخلوق من العدم”. أو أنه “لم يكن
موجوداً قبل أن يولد”. لأن من يتكلم هكذا عن المولود الذاتى من جوهر الآب،
يكون قد جدف مسبقاً على ذات الآب، إذ أنه يعتقد عن الآب بمثل هذه التعاليم التى
يخادع بها فى تخيلاته عن المولود منه.

(39)
أمثال 1: 18.

(40)
يوحنا 14: 16.

(41)
متى 5: 17.

(42)
يوحنا 18: 5.

(43)
2بط 4: 1.

(44)
1 كو 16: 3.

(46)
أنظر 2 كو7: 5.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى