مريم العذراء القديسة

الفصل السادس



الفصل السادس]]>

الفصلالسادس

بتولية مريمالعذراء فى عقيدة البروتستانت

منالخطأ القول بأن كل البروتستانت ينكرون بتولية مريم العذراء، فالتراث البروتستانتيالأصيل يؤمن بضرورة إكرام مريم العذراء والقدّيسين، والواقع أن منكرى بتوليةالعذراء وإن كانوا يندسون الآن وينتمون للمذهب البروتستانتى وهو برئ منهم، فهم فىالأساس أبيونيون ونساطرة ولا يعلمون، ويتبعون بدعة نسطور الذى أنكر بتولية العذراءوأنكر عليها لقب والدة الإله، ليس هذا الإنكار لذاتها، بل لإنكار لاهوت المسيحنفسه، ويلقبون العذراء بأنها أخت لنا ومثل قشرة البيضة التى خرج منها الكتكوت فلاقيمة للقشرة بعد ذلك، أو مثل علبة القطيفة التى تحوى بداخلها جوهرة… ألخ، ولعلهمقد تناسوا أنهم بذلك يفصلون بين جسد العذراء وجسد السيد المسيح الذى إتخذة من مريمالعذراء، فالطبيعة الجسدية واحدة ومتجانسة لهما، بعكس علبة القطيفة والجوهرة،وقشرة البيضة والكتكوت فلا تجانس بينهم وطبيعتهم المادية مختلفة.

وكمايقول بولس الرسول أن أجسادنا هى أعضاء المسيح وهىهيكل الله الساكن فيها الروحالقدس، فكم إذن بالأولى أحشاء السيدة العذراء هيكل الله المقدس التى تجسد منهاالمسيح وحل عليها الروح القدس وظللتها قوة العلى، وكان القدوس المولود منها إبنالله:

+ (لوقا 1: 35) اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُالْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِيُدْعَى ابْنَ اللهِ.

+ (كورنثوس الأولى 3: 16) أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُاللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟

+ (كورنثوس الأولى 6: 15-16) 15أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّأَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟ أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ الْمَسِيحِوَأَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ؟ حَاشَا!. 16أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّجَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ الَّذِي لَكُمْمِنَ اللهِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟

وحتىلا نظلم زعماء ومؤسسى حركة الإصلاح البروتستانتى أنفسهم في القرن السادس عشر وعلىرأسهم مارتن لوثر، الذين أقروا أنّ مريم دائمة البتوليّة نضع هنا بعض أقوالهمالرائعة والخالدة فى حق التأكيد على دوام بتولية مريم العذراء:

وقدأقرّ زعماء الإصلاح البروتستانت أنفسهم في القرن السادس عشر أنّ مريم دائمةالبتوليّة.

1- مارتن لوثر سنة 1539:

كتبلوثر سنة 1539 مقال بعنوان “في المجامع والكنائس”، جاء فيه:

“هكذالم يأت مجمع أفسس بشيء جديد في الإيمان، وإنّما دافع عن الإيمان القديم ضدّ ضلالنسطوريوس الجديد. فالقول إنّ مريم هي والدة الإله كان في الكنيسة منذ البداية، ولميخلقه المجمع جديدًا، بل قاله الإنجيل أو الكتاب المقدّس. ففي القدّيس لوقا (1: 32)،نجد أنّ الملاك جبرائيل بشّر العذراء بأنّ ابن العليّ سوف يولد منها. وقالتالقدّيسة أليصابات: “من أين لي هذا أن تأتي أمّ ربّي إليّ؟” وأعلنالملائكة معًا يوم الميلاد: “اليوم ولد لكم مخلّص، هو المسيح الربّ” (لو1: 11). وكذلك بولس الرسول: “أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة” (غلا 4: 4).

هذه الأقوال التي أؤمن بصحّتها تدعم، وبكلّ تأكيد، الحقيقة القائلةإنّ مريم هي والدة الإله”.

2- مارتن لوثر سنة 1546:

أكدعلى عقيدة بتوليّة مريم الدائمة طول حياتها، حيث قال عن مريم العذراء في الثاني منشباط سنة 1546، يوم عيد تقدمة المسيح إلى الهيكل:

 “كانت بتولاً قبل الحبل والولادة، وظلّت بتولاً حتى الولادةوبعدها”.

3- زفينكلي سنة 1524:

كتب زفينكليسنة 1524 عظة عن “مريم الدائمة البتوليّة الطاهرة والدة الإله”، استعملفيها بحرّية لقب “والدة الإله”، وأعلن في مقطع منها نافيًا اتّهامات ذويالإرادة السيّئة الذين ادّعوا أنّهم سمعوه يتحدّث عن مريم بأنّها امرأة خاطئةشبيهة بأيّة خليقة وقال في عظة عن مريم العذراء أكّد بتوليّتها الدائمة بقوله:

“إنّي أؤمن إيمانًا ثابتًا، استنادًا إلى ما جاء في الإنجيلالمقدّس، أنّ هذه العذراء الطاهرة قد ولدت لنا ابن الله، وأنّها ظلّت، في الولادةوبعدها أيضاً، عذراء نقيّة وبكرًا إلى
الأبد”.

ولمأفكّر إطلاقًا، ولم أعلّم، ولم أقل جهرًا عن العذراء الطاهرة، مريم أمّ مخلّصنا،أيّ قول معيب أو شائن أو سيّئ.

كماتكلّم كثيرًا على بتوليّة مريم الدائمة، فأعلن في مدينة برن في كانون الثاني سنة1528:

إنّي أستشهد بكنيسة زوريخ التقيّة وبجميع مؤلّفاتي لأعترف بمريمبتولاً دائمًا وقدّيسة”.

4- بولينجر:

إنتقدنسطوريوس الذي رفض تسمية العذراء بلقب “والدة الإله”.

5-القسّ الفرنسي شارل دريلانكور:

“بسببهذا الاتّحاد المتين غير المدرك (بين طبيعتي المسيح)، فإن ما يناسب إحدى الطبيعتينيمكن أن يُنسَب إلى الشخص بشكل عام. لهذا قال بولس الرسول: “إنّ اليهود صلبواربّ المجد” (1كو 2: 8). ولا نرى أيّ صعوبة في القول مع الأقدمين:

-إنّ العذراء هي والدة الإله، لأنّ الذي ولدته هو الإله الفائق كل شيء المبارك إلىالأبد

6- كالفين:

ترددفي استعمال لقب “والدة الإله بسبب ما يحمله من خطر على سوء فهم علاقة مريمالعذراء بالله،، ولكنة كان صريحًا في موضوع بتوليّة العذراء الدائمة، ورفض أن يكونلمريم أولاد غير يسوع وقال:

– بتوليّة العذراء دائمة، وأرفض أن يكون لمريم أولاد غير يسوع.

7- ماكس توريان 1963:

يؤكّدتقليد الكنيسة العريق على بتوليّة مريم الدائمة. ويوجز إيمان المصلحين بقوله:

– “إنّ موقف مريم من احترامها سرّ إعدادها الأزلي يجعلنا نقرّأنّ عقيدة مريم الدائمة البتوليّة التقليدية تنسجم، على الأقلّ، مع دعوة مريمالفريدة، المكرّسة تمامًا لخدمة الله، والممتلئة من نعمة الله، والمتّجهة كلّيًانحو ملكوت الله.

– مريم، في بتوليّتها، هي علامة الخليقة المصطفاة والمكرّسةوالممتلئة من ملء الله، التي لم تعد تنتظر شيئًا غير الاكتمال النهائي في ملكوتالله الظاهر، وتعيشه الآن بشكل خفيّ ومسبّق.

– هي علامة الكنيسة المقدّسة التي لا تنتظر ولا ترجو سوى عودةالمسيح”.

 

أسبابإتهام الفكر البروتستانتى بإنكار بتولية مريم العذراء:

بعدكل الأقوال الرائعة التى أقرها زعماء البروتستانت فى حق مريم العذراء بأنها كانتبتولاً قبل الحبل والولادة، وظلّت بتولاً حتى الولادة وبعدها”، وأن مريم هيوالدة الإله. قد يتسائل القارئ، إذن لماذا أصابع الإتهام تشير دائماً أنالبروتستانت هم منكرى دوام بتولية مريم العذراء؟

أحدالأسباب الرئيسية التى دفعت بعض البروتستانت للهجوم على العذراء مريم وإنكار لقبوالدة الإله عليها وأنها دائمة البتولية، هو الفكر الكاثوليكى المتطرف الذى غالىفى تكريم مريم العذراء لدرجة العبادة، نعم فالكاثوليك الآن يقرون بعبادة مريم وأنهاهى الوحيدة من البشر المعصومة من الخطأ والتى حبلت بها أمها حنة بلا دنس الخطيئةالأصلية لآدم، بل ولقبها الكاثوليك أيضاً بأنها سيدة المطهر بمعنى أنها سوف تتشفعمن أجل الخطاة الذين ماتوا وذهبوا إلى الجحيم لكى ما ينقلهم المسيح إلى الفردوس!!.

بلوصل الأمر أن بابا الكاثوليك هو أيضاً معصوم من الخطأ.

والكنيسةالقبطية الأرثوذكسية ترفض كل ذلك ولكن لم تدفعها تلك العقائد الكاثوليكية إلىمهاجمة العذراء نفسها والإقلال من شأنها وكرامتها الموحى بها فى الكتاب المقدس،بعكس بعض البروتستانت الذين ردوا على تطرّف بعض الكاثوليك بتطرّف معاكس، فأنكرواإكرام مريم وأنها لا تمثل سوى قشرة بيضة خرج منها الكتكوت فلا قيمة للقشرة، ولاتعدو كعلبة قطيفة تحوى فى داخلها جوهرة غالية الثمن فإذا أخذنا الجوهرة لا قيمةللعلبة، كما أنكروا شفاعة العذراء والقدّيسين. وأنكروا أن العذراء دائمة البتولية،بل وتزوجت وأنجبت أولادا وإستشهدوا بعبارات إخوة يسوع المقصود بهم أبناء خالتةوأقرباؤة بأنهم إخوة أشقاء له ولدتهم مريم. ولكن بعد أن إنحسرت موجة المجادلاتوالنقاشات الحادّة، وعاد الجوّ الى التحاور بإعتدال و
رصانة، رأى الفكر البروتستانتىحالياً ضرورة تصحيح تلك الأوضاع وإكرام العذراء مريم والدة الإله الإكرام اللائقبها.

وفىالواقع أن ماكس توريان فى عام 1963 وهو أحد إخوة دير تيزيه البروتستانت نشر كتاببعنوان: “مريم أمّ الربّ ورمز الكنيسة”، أوضح فيه نظرة الفكرالبروتستانتي (الذي يدعى اليوم الإنجيلي) في مريم العذراء، ولا سيّما أفكارالمصلحين الأوائل الذين انطلقت منهم مختلف الكنائس البروتستانتيّة. ولقد تطوّرتتلك الكنائس وتشعّبت كثيرًا، بحيث يستحيل تكوين فكرة واضحة عن التعليم البروتستانتىفي مريم العذراء.

والفكرالبروتستانتي الحالى تمتّع في هذا الموضوع بكثير من الحرّية. وأن حق تفسير الكتابالمقدس مكفول للجميع، فإنتشرت مدارس تفسير الكتاب المقدس، إذ أعطى مارتن لوثر حق التفسيرلكل مسيحى مؤمن حسبما يرشده الروح القدس وذلك رداً منه على تسلط الكنيسةالكاثوليكية، وإتسم الفكر البروتستانتى الحديث بأن الكتاب المقدّس هو مصدره الأوحدفى إقرار الأمور، وأن السيّد المسيح المخلّص هو محور تفكيره، والإيمان بالكتابالمقدّس وبالمسيح المخلّص هو ركيزة حياته وروحانيّته. ولا إعتراف بالتقليد أوأقوال الآباء أو تاريخ الكنيسة، لذلك ظهر في نظره كلّ ما يقال عن مريم العذراءبأنه شئ هامشى. وهب الفكر البروتستانتى إلى نقد الكاثوليك والأرثوذكسي فى المغالاةوالتطرّف في إكرام العذراء، وكأنّه يخشى أن يقلل من الإكرامُ المؤدّى للعذراء مريممن الإهتمام بشخص المسيح نفسة المخلّص الأوحد والوسيط الأوحد بين الله والناس.

ولكنإكرام مريم العذراء لا يقود إلى تقليل أهمّية الخلاص بالمسيح ولا إلى إنكاروحدانيّة وساطة المسيح. إنّ إكرام مريم العذراء يستند إلى كونها أمّ المسيح، وشفاعتهاترتكز على ارتباطها بوساطة المسيح. وهذه العلاقة بين مريم العذراء وابنها المسيحالربّ هي التي يؤكّدها المصلحون الأوائل، في مختلف النقاط المرتبطة بمريم العذراء.

ولاشكّ أنّ الفكر البروتستانتي عرف في تطوّره مراحل كثيرة، وفي حدّة النقاش معالكاثوليك ردّ بعض البروتستانت على تطرّف بعض الكاثوليك بتطرّف معاكس، فأنكرواإكرام مريم العذراء والقدّيسين. ولكن بعد أن انحسرت موجة المجادلات والنقاشاتالحادّة، وعاد الجوّ الى التحاور باعتدال ورصانة، رأى البروتستانت ضرورة إكرامالعذراء والقدّيسين، وإن بطريقة تختلف عن الطريقة المتّبعة في كنائس الكاثوليكوالأرثوذكس.

وهذاما نقرأه في كتاب ماكس توريان، إذ يقول في فصل عنوانه: “مريم فيالكنيسة”:

“مريم،حسب الإنجيل، “تطوّبها جميع الأجيال” (لو 1: 48): في الليترجيّا وفيالمواعظ وفي تقوى الكنيسة. لأنّ مريم حاضرة في الكنيسة بكونها المرأة المسيحيّةالأولى، ولأنّها رمز الكنيسة، لها مكانتها في إعلان كلمة الله في الكنيسة وفي حياةالمؤمنين الروحيّة. لا شكّ أنّ هذه الالتفاتة الى مريم في الكنيسة قد عرفت ولاتزال تعرف تطرّفًا قد يسيء الى عبادة الله الثالوث الذي له وحده يجب السجود. ولكنّهذا الخوف من التطرّف يجب ألاّ يقودنا الى الصمت والى غياب مريم عن الضمير المسيحي،فيكون ذلك أيضًا عدم أمانة لإنجيل المسيح.

“لقدأكّدنا، في خلال هذه الدراسة، استنادًا الى الكتاب المقدّس، كلّ ما تستطيع التقوىالمسيحيّة أن تكتسبه من علم راسخ ومحيٍ في التأمّل بدعوة مريم، أمّ الربّ ورمزالكنيسة. بقي علينا هنا أن نحدّد كيف يمكن الإعلان عمّا صنعه الله في مريم أن يجدمكانه المشروع في ليترجيّا الكنيسة، وفي كرازتها، ليتاح لجميع الأجيال أن تطوّبأمّ الرب، حسب قول الكتاب المقدَّس.

“للعذراءمريم مكانتها في الليترجيّا حيث يمكن أن تُعلَن، كما في الكرازة، النعمة التيصنعها الله فيها.

“أوليس الكتاب المقدّس رواية المعجزات التي حقّقها الله لشعبه ولكلّ من أفراده؟ ومريم،بكونها عضوًا متميّزًا في الكنيسة، وصورة لشعب الله الأمين والممتلئ من نعمته، يجبأن تكون المناسبة لليترجيّا لتمجّد بها الله تمجيدًا خاصًّا.

ومارتنلوثر الذي حافظ على عدّة أعياد للعذراء في الليترجيّا قال في عيد البشارة في 25آذار سنة 1539: “هذا العيد هو واحد من أهمّ الأعياد التي يمكننا الاحتفال بهاكمسيحيّين. لأنّنا دعينا، كما يقول بطرس، الى أن نكون شعبًا يبشّر بعجائب اللهويعلنها”. هذا هو معنى الليترجيّا التي تقام بمناسبة الأعياد التي تذكّربدعوة مريم في تصميم الخلاص، لمجد الله وحده. إنّ حضور مريم في الليترجيّا، في بعضالأعياد الأكثر قدمًا، هو فرصة للمسيحيّين ليعلنوا، بمناسبة مريم، أمّ الربّ وصورةالكنيسة، تسابيح الذي دعاها ودعانا من الظلمة الى نوره العجيب.

“إنّذكر الرسل والشهداء وشهود الكنيسة والعذراء مريم في الليترجيّا أمر ضروري لندركأنّنا لسنا وحدنا في سجودنا لله وتضرّعنا له
تضرّع شفاعة من أجل البشر. بل إنّالمسيح يضمّ في جسد واحد معنا كلّ “السحاب من الشهود الذي يحدق بنا”.إنّ شركة القدّيسين توحّد جميع المسيحيّين في صلاة واحدة وحياة واحدة في المسيح.إنّها توحّد كنيسة اليوم وكنيسة كلّ الأزمنة، الكنيسة المجاهدة على الأرض والكنيسةالمنتصرة في السماء. والكنيسة، في عراكها، بحاجة الى التطلّع الى آية سفر الرؤياالإسختولوجية: المرأة الملتحفة بشمس الله، والكون تحت قدميها، وهي مكلّلة باثنيعشر كوكبًا. هذه المرأة هي الكنيسة عينها، التي هي بالرغم من معركتها الضارية معهذا العالم، موعودة بالمجد.

والكنيسةبحاجة الى أن تشعر “بالسحاب الكثير من الشهود” يحيط بها لتسعى بثبات فيميدان المحنة المقدّمة لها (عب 12: 1). الكنيسة تسير نحو الملكوت بموكب عيد حافل: “لقددنوتم الى جبل صهيون، والى مدينة الله الحيّ، الى أورشليم السماويّة، الى ربواتملائكة، والى عيد حافل، الى جماعة الأبكار المكتوبين في السماوات، الى الله ديّانالجميع، الى أرواح الصدّيقين الذين بلغوا الى الكمال، الى يسوع وسيط العهد الجديد،والى دم مطهّر أبلغ منطقًا من دم هابيل” (عبرانيين 12: 22- 24).

إنّشركة القدّيسين هذه التي ترافق الكنيسة في عراكها وفي مسيرها نحو الملكوت تقوّيهافي الإيمان، وتفرّحها في الرجاء، وتنعشها في المحبّة. هذا السحاب الكثيف من الشهوديذكّر الكنيسة بأنّها لا تحصى وبأنّها منتصرة في معركة تبدو وكأنّها ستغمرها.ومريم، أمّ الربّ وصورة الكنيسة، هي فرد من هذه الجماعة العظيمة من المسيحيّين، فيمكان متميّز لكونها المسيحيّة الأولى الممتلئة نعمة. وهي أيضًا للكنيسة رمز أمومتهاالمتألّمة التي تلد المؤمنين الى حياة القيامة. إنّها مثال في الإلهي يمان والطاعةوالثبات والقداسة، والكنيسة المجاهدة، وهي تتطلّع الى الكنيسة المنتصرة، ترى فيهامريم رمز انتصارها الأكيد.

“إنّأمّ الربّ يمكن للكنيسة أنّ “تطوّبها” في الذكرى الليترجيّة للأحداثالكبرى من حياتها، وذلك من خلال أعياد إنجيليّة بسيطة، في تسبيح يُرفَع لمجد اللهوحده، وتقدّم لجميع المؤمنين بالمسيح مثالاً في الإيمان والطاعة والثباتوالقداسة”.

ثمّيذكر المؤلّف كيف حافظ مارتن لوثر على معظم أعياد العذراء ثمّ اكتفى بثلاثة منها: البشارةوالزيارة وتقدمة يسوع الى الهيكل، لأنّه وجد لها مستندًا في الإنجيل المقدّس.

أمّاكلفين، الأكثر تشدّدًا من بين المصلحين، فقد ألغى كلّ أعياد العذراء والرسلوالقدّيسين. ويشير أخيرًا المؤلّف الى ضرورة المحافظة على أربعة من أقدم أعيادالعذراء: البشارة والزيارة وتقدمة يسوع الى الهيكل ورقاد العذراء. ويختم بقوله: “ليسالقصد في هذه الأعياد الأربعة إلاّ أن نرفع آيات المجد والشكر لله لأجل كلّ ماحقّقه في حياة أمّه البشريّة، ونطلب اليه نعمة اتّباع مثل العذراء مريم في إيمانهاوطاعتها وثباتها وقداستها، ونفرح في شركة القدّيسين، بانتظار القيامة وملكوت الله،حيث سنحيا مع مريم وجميع القدّيسين حياة أبدية وفرحًا كاملاً”.

قدلا يجد الكاثوليكي أو الأرثوذكسي في هذه النظرة البروتستانتيّة الجديدة تعبيرًاكافيًا عن إيمانه بما صنعه الله في العالم بواسطة مريم العذراء.

ولكنّنانرى أنّ هذه المحاولة تقرّب وجهات النظر المختلفة التي عبّرت من خلالها كلّ كنيسةعن إيمانها بالله وبعمله الخلاصي في العالم. وهذا هو في النهاية موضوع إيمانناالمسيحي الذي أعلنته الكنيسة منذ المجامع الأولى وأوجزته في قانون الإيمانالنيقاوي القسطنطيني:

“نؤمنبإله واحد آب ضابط الكل… وبربّ واحد يسوع المسيح… الذي من أجلنا نحن البشر ومنأجل خلاصنا نزل من السماء وتجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء وتأنّس…”

إنّإكرامنا لمريم العذراء يهدف أوّلاً الى تمجيد الله والإشادة بما صنعه “منأجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا”، فتجسّد بقدرة الروح القدس من مريم العذراء.ويهدف ثانيًا الى مساعدتنا على قبول هذا الخلاص الذي جاءنا به ربّنا ومخلّصنا يسوعالمسيح المولود من مريم العذراء. وفي مسيرتنا الخلاصية هذه نتّخذ “جميعالقدّيسين”، “وخصوصًا سيّدتنا الكاملة القداسة الطاهرة، الفائقة البركاتالمجيدة والدة الإله الدائمة البتوليّة مريم”، قدوة ومثالاً ورفقاء درب علىطريق الملكوت.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى