علم التاريخ

(ج) الثورة المكابية بقيادة يوناثان (160-143 ق



(ج) الثورة المكابية بقيادة يوناثان (160-143 ق

(ج) الثورة المكابية بقيادة يوناثان (160143
ق.م):

بموت
يهوذا المكابي سنة 160 ق.م ارتخت أيدي الثوار قليلاً، وتعيَّن بكِّيديس
Bacchides والياً على البلاد، وكان يساعده في السلطة الكيمُس (يواقيم) رئيس
الكهنة المعيَّن من قِبَل ديمتريوس الأول، ولكنه مات سنة 159 ق.م، كما كان يشترك
في إدارة الحكم شيعة اليهود اليونانيين. وسارت الأمور هادئة في الظاهر بينما الروح
الثورية تجتاح الشعب من الداخل. وقد انقضت سنتان إلى أن استرد إخوة يهوذا يوناثان
وسمعان قوتهم ونظَّموا شملهم، وقبل أن يبدأوا حركتهم استغاث اليهود اليونانيون بالوالي
بكِّيديس الذي كان قد رحل إلى سوريا، وإذ حضر على عجل استطاع أن يهدئ الثوار الذين
كانوا بقيادة يوناثان وعقد معهم معاهدة سلام ظلَّت سارية لمدة خمس سنوات، حيث أصبح
الحكم في أيدي اليهود الأتقياء والوطنيين، وفقد اليهود اليونانيون سلطانهم تقريباً
(1مك 9: 2331و5773).

وفي
نهاية هذه المدة حدثت اضطرابات في سوريا حيث تنازع الحكم عليها كلٌّ من ديمتريوس
الأول واسكندر بالاس، وابتدأ كلٌّ منهما يتودَّد إلى يوناثان بصفته أقوى شخصية في
اليهودية، وقد فاز اسكندر بالاس بصداقة يوناثان لأنه عيَّنه رئيساً للكهنة سنة 152
ق.م بعد أن خلت رئاسة الكهنوت سبع سنوات، وانتهت منافسة ديمتريوس بقتله سنة 150
ق.م، بعدها ظلَّ يوناثان يحكم فلسطين دون مزاحمة (1مك 10: 150).

ولكن
في نهاية هذه المدة قام لديمتريوس ابن قوي طالب بعرش أبيه وكان يُدعى “ديمتريوس”
أيضاً (147 ق.م)، ولكن يوناثان انتصر لإسكندر بالاس، فأرسل ديمتريوس الابن
(الثاني) جيشاً لمحاربة يوناثان وإخضاع فلسطين ولكن انهزم جيش ديمتريوس الثاني،
فاغتنم يوناثان من وراء ذلك أرضاً جديدة كهدية من اسكندر بالاس وهي عقرون وما
حواليها (1مك 10: 88و89).

وبقيام
بعض اضطرابات في سوريا، انتهز يوناثان الفرصة ليطيح بحكم سوريا كلية، ولكن مات
اسكندر بالاس وتولَّى ديمتريوس الثاني مملكة سوريا، فاستغاث اليهود اليونانيون
بديمتريوس الثاني ليخلِّصهم من حكم يوناثان، ولكن ديمتريوس خيَّب ظنَّهم وثبَّت
يوناثان في رئاسة الكهنوت ورفع عن اليهودية الضرائب وأضاف إليها ثلاثة ربوع جديدة
في إقليم السامرة وهي أفريمة ولُدَّة والرامتائيم أو الرامة (1مك 11: 2537).

ولكن
يوناثان طمع في اتساع أكثر، فخان ديمتريوس وانحاز لتريفون القائد المناصر لابن
اسكندر بالاس غريمه في عرش سوريا، والذي قوي على ديمتريوس الثاني وسحب منه
المملكة، ولكن تريفون كان يخشى من ازدياد قوة يوناثان وخياناته المتكررة، فجرَّد
جيشاً عليه وخادعه حتى قتله (143 ق.م)، فتولَّى سمعان
القيادة بعد يوناثان (11: 5462 و12: 3953). وهذه

التحركات والمعارك يصفها سفر المكابيين بتفصيل كثير في المواضع التي ذكرناها.

ومن
خصائص هذه الفترة الجمع بين رئاسة الكهنوت وقيادة الجيش، الأمر المحرَّم والممنوع
قطعياً حسب شريعة اليهود، ولم يحدث في إسرائيل قبل ذلك على مدى كل تاريخها. ولكن
يُلاحَظ أن تعيينه لم يكن من الرب ولا من الشعب، ولكن بواسطة الحكَّام اليونانيين.

ففي
عيد المظال (أكتوبر سنة 152 ق.م) دخل يوناثان وارتدى حلة رئاسة الكهنوت فأصاب
الشعب ذهول من المنظر، فاعتزاز الكهنوت بقوة السيف- الذي يصفه المؤرِّخون بنوع من
الخبل- ظلَّ يُلازم بيت المكابيين حتى النهاية.

ولكن
هذا الوضع من قِبَل المهتمين بالحكم لم يحزْ الرضى في عين عامة الشعب، لأن يوناثان
تولَّى رئاسة الكهنوت بتعيين السلطات الحاكمة من جهة، ومن جهة أخرى جمع بين رئاسة
الكهنوت وسفك الدم، الأمر الخطير الذي يحذِّر منه الناموس.

ولكن الذي يهمنا جداً في هذه الحقبة من ثورة المكابيين هو
صلتها الرئيسية بسفر زكريا النبي، فهي تشرح النصف الثاني من سفر زكريا إنما بغاية
الوضوح.

ولكي
تستضيء أمامنا النبوَّات في هذا السفر نعود قليلاً إلى الوراء لنشرح حالة رؤساء
الكهنة الثلاثة الذين تعيَّنوا بواسطة السلطات في هذه الحقبة، والذين هم موضوع
النبوَّات في الأصحاحات العاشر والحادي عشر والثالث عشر من سفر زكريا.

عندما اعتلى أنطيوخس إبيفانس العرش في صيف سنة 175 ق.م كان
أونياس الثالث رئيساً للكهنة وكان معيَّناً وممسوحاً من قبل الرب، وكان له أخ شرير
اسمه

“ياسون” الذي قدَّم رشوة كبيرة جداً للملك
فتعيَّن رئيساً للكهنة بدلاً من أخيه
أونياس
الذي عُزل (2مك 4: 7و8)، وكان هذا الإجراء بمثابة جرح بليغ
أصاب قلب اليهود
الأمناء لشريعتهم وناموسهم. ولكن شيعة اليهود اليونانيين الذين كان منهم رؤساء
كثيرون متركزون في أُورشليم، رحبوا جداً بهذا الإجراء لأن ياسون كان مشايعاً جداً
لسياستهم وآرائهم وثقافتهم كواحد منهم.

ولكن
منلاوس، وهو من غير بيت رؤساء الكهنة، قدَّم رشوة أكبر فحظى برئاسة الكهنوت (172
ق.م) بعد أن عزل الملك رئيس الكهنة ياسون (2مك 4: 23و24)، وقد كان ياسون رأساً
لشيعة اليهود المنتمين لسوريا وكان مركزهم أيضاً أُورشليم، ومن هنا بدأ العداء
يستحكم بين يهود أُورشليم وكافة اليهود المستوطنين
في البلاد الأخرى، وظل مستمراً حتى أيام يهوذا
المكابي.

وقد
ازداد التوتر جداً بين شيعة اليهود اليونانيين وبقية اليهود لمَّا عيَّن الملك
ديمتريوس الأول بعد مقتل منلاوس شخصاً يُدعى الكيمُس (يواقيم) سنة 162 ق.م وكان
أيضاً رأساً لنفس الشيعة الموالية لسوريا. ولم يطق اليهود الوطنيون أن يقبلوا هذا
الوضع، فبدأوا الحرب ضد (يواقيم) وحلفائه السوريين الذين كانوا بقيادة نكانور ثم
بكِّيديس من بعده سنة 160 ق.م. وقد ذبح الكيمُس الكثيرين من بني جنسه حول الهيكل
نفسه، ولكن لم يتمتع الكيمُس بانتصاراته لأنه مات بعد يهوذا المكابي بسنة واحدة
(159 ق.م).

وهذا
الصراع الداخلي بين يهود ويهود، وبين رعاة مأجورين ورعية حزينة مبدَّدة كان هو
الصورة التي طغت على كافة الحوادث الخارجية الأخرى من حروب وانتصارات وانكسارات
وذلك من وجهة النظر الروحية.

وسفر
المكابيين الثاني يأتي ويصف هذه الحوادث على مسرح التاريخ كيف تمَّ بالحرف الواحد:

+ “وكان ليسيماكُس في المدينة قد سلب بإغراء منلاوس
(رئيس الكهنة)

كثيراً من مال الأقداس فذاع الخبر في الخارج..
وأُقيم الحكم في هذه
الأمور على منلاوس. فلمَّا قَدِمَ الملك إلى صور أرسلت
المشيخة ثلاثة رجال فرفعوا عليه الدعوى، وإذ
رأى منلاوس أنه مغلوب وعد
بطلماوس بمالٍ
جزيل ليستميل الملك،.. فحكم لمنلاوس (رئيس الكهنة) الذي
هو علَّة الشر كله بالبراءة مما شكُي به، وقضى
بالموت على أُولئك
المساكين الذين لو رفعوا دعواهم إلى الأسكوتيين لحُكِمَ
لهم بالبراءة. ولم يلبث أُولئك المحاجون عن المدينة والشعب والأقداس أن حلَّ بهم
العقاب الجائر، فشقَّ هذا التعدِّي حتى على
الصوريين وبذلوا نفقات دفنهم
بسخاء!!
واستقر منلاوس في الرئاسة بِشَرِّ ذوي الأحكامِ وكان لا
يزداد إلاَّ خبثاً،
ولم يزل لأهل وطنه كميناً مُهلكاً” (2مك 4: 3950)

ويستمر
سفر المكابيين الثاني يصف لنا أعمال رئيس الكهنة السابق “ياسون” الذي عزله
أنطيوخس:

+
“وأرجف قوم أن أنطيوخس (الملك) قد مات، فاتخذ ياسون جيشاً ليس بأقل من ألف
نفسٍ وهجم على المدينة (أورشليم) بغتةً، فلمَّا دفع الذين على الأسوار وأوشك أن
يأخذ المدينة هرب منلاوس إلى القلعة. فطفق ياسون (رئيس الكهنة السابق) يذبح أهل
وطنه بغير رحمة.. لكنه لم يَحُزِ الرئاسة وإنما أحاق به أخيراً خزي كيدهِ فهرب
ثانية إلى أرض بني عمون.. (ولكن) أرتاس زعيم العرب طرده فجعل يفرُّ من مدينةٍ إلى
مدينةٍ والجميع ينبذونه ويبغضونه بغضةَ مَن ارتدَّ عن الشريعة ويمقتونه مقت مَنْ
هو قاتل لأهل وطنه حتى دُحِرَ إلى مصر (حيث كان أنطيوخس إبيفانس يقود حملة هناك).
فلمَّا بلغت الملك (أنطيوخس في مصر) هذه الحوادث اتهم اليهود بالانتقاض عليه فزحف
من مصر وقد تنمَّر في قلبه وأخذ المدينة (أُورشليم) عنوةً، وأمر الجنود أن يقتلوا
كل مَنْ صادفوه دون رحمة ويذبحوا المختبئين في البيوت.. فهلك ثمانون ألف نفس في
ثلاثة أيام، منهم أربعون ألف نفس في المعركة. وبيع منهم عدد ليس بأقل من القتلى.
ولم يكتف بذلك بل اجترأ ودخل الهيكل وكان دليله منلاوس الخائن للشريعة والوطن وأخذ
الآنية المقدَّسة ومضى” (2مك 5: 516)

 

ويعود
أيضاً سفر المكابيين يصف أعمال رئيس الكهنة الثالث الكيمُس (يواقيم):

+
“وكان الكيمُس يجهد في تولي الكهنوت الأعظم، واجتمع إليه جميع المفسدين في
الشعب واستولوا على أرض يهوذا وضربوا إسرائيل ضربة عظيمة، ورأى يهوذا جميع الشر
الذي صنعه الكيمُس ومَنْ معه في بني إسرائيل وكان فوق ما صنعت الأُمم” (1مك
7: 2123)

ويقرِّر
المؤرِّخ يوسيفوس([1])
وسفر المكابيين أن الكيمُس مات بالشلل فعلاً كقول الرب:

+
“في ذلك الزمان ضُرب الكيمُس فكفَّ عن صنيعه، وانعقد لسانه وأصابه الفالج،
ولم يعد يستطيع أن ينطق بكلمة واحدة ولا أن يوصي لبنيه، ومات الكيمُس في ذلك
الزمان في عذاب شديد” (1مك 9: 5556)

ولم
يفت سفر زكريا أن يشير إلى النزاع التقليدي الكبير والطويل الأمد الذي قام بين
اليهود المستوطنين أو الوطنيين وبين بني إسرائيل الذين تغرَّبوا واختلطوا باليونان
وصاروا غير أمناء بالنسبة للشريعة وبالنسبة للوطن أيضاً:

+
“ثم قصفت عصاي الأخرى (المسمَّاه) حبالاً (أي الاتحاد) لأنقض الإخاء بين
يهوذا وإسرائيل” (زك 14: 11)

وهكذا
نرى صدق وانطباق نبوَّة زكريا على عصر المكابيين بوضوح ما بعده وضوح، وكأن زكريا
كان شاهد عيان. وهذا يقودنا إلى الجزء الباقي من النبوَّة التي تخص ذلك العصر
بالضرورة، وهي من أهم وأخطر النبوَّات التي أزاغت فكر كثيرين من المسيحيين واليهود
في العصور الحالية بأنها تختص بحوادث مستقبلية ينتظرونها في المستقبل لعودة
إسرائيل. وهذا الخطأ ناشيء من الجهل بمجريات التاريخ وحوادثه التي تمَّت بالفعل،
كما هو ناشيء أيضاً من الجهل بأن كافة النبوات كانت تمهِّد للمسيح، وقد تمَّت
وانتهت بالفعل بمجيء المسيح. أمَّا المسئول عن حوادث ما بعد المسيح فهو المسيح
وحده لأن المسيح هو “روح النبوَّة
” (رؤ 10: 19). والمسيح لم يُشر قط إلى أي تحركات ستتم
بواسطته في الأُمم أو في إسرائيل عند مجيئه، بل كل ما قاله إنه سيجيء كالبرق
الخاطف في استعلانه الواضح.

ومما
يزيد هذا الأمر وضوحاً أنه بعد استتباب السلام بعد انتصارات يوناثان وتعاهده مع
روما ومع ديمتريوس الثاني، أنه قسَّم بلاد فلسطين من أقصاها بين إخوته، فأخذ سمعان
الولاية على المنطقة “من عقبة صور حتى حدود مصر جنوباً
” (1مك 59: 11)، فكان ذلك بمثابة دعوة تشجيع لكافة المستوطنين
في مصر للعودة إلى بلادهم، وحكم يوناثان كافة المنطقة الشرقية من سوريا شمالاً حتى
أدومية مع شرق الأُردن، وكان هذا أيضاً بمثابة دعوة لعودة اليهود الذين تشتتوا في
سوريا. هذا بالإضافة إلى أن يهوذا المكابي كان قد أرسل بعثات سابقاً إلى كافة
اليهود المستوطنين في بلاد الأُمم المجاورة الذين كانوا واقعين تحت الضغوط
والاضطهاد، وذلك لمساعدة وإنقاذ مواطنيهم وأحضروهم إلى اليهودية([2]).

ويذكر
سفر المكابيين مقدار فرح اليهود العائدين من أدومية وجلعاد وشرق الأُردن بهذا
الكلام:

+
“ثم عبروا الأُردن إلى السهل العظيم قبالة بيت باشان. وكان يهوذا يجمع
المتخلِّفين ويشجِّع الشعب طول الطريق حتى وصلوا إلى أرض يهوذا، فصعدوا جبل صهيون
بسرور وابتهاج وقدَّموا المحرقات لأجل أنه لم يسقط أحدٌ منهم حتى رجعوا
بسلام” (1مك 5: 52و53).

ويذكر
سفر المكابيين كثرة اليهود العائدين من مواضع عديدة من الشمال ومن الجنوب:

+
“وانطلق سمعان إلى الجليل وناصب الأُمم حروباً كثيرة فانكسرت الأُمم من وجههِ
فتتبَّعهم إلى باب بطلمايس (عكا)، فسقط من الأُمم ثلاثة آلاف رجل وسلب غنائمهم
وأخذ الذين في الجليل وعربات مع النساء والأولاد وكل ما كان لهم وجاء بهم إلى
اليهودية بسرور عظيم” (1مك 5: 2123)

+
“وجمع يهوذا كل ما كان من إسرائيل في أرض جلعاد صغيرهم وكبيرهم ونساءهم
وأولادهم مع أمتعتهم جيشاً عظيماً جداً لينصرف بهم إلى أرض يهوذا” (1مك 45:
5)

ولم
يفت سفر المكابيين أيضاً أن ينبه الأذهان إلى حادثة انكسار جيش المكابيين الذي لم
يكن بقيادة أحد من أولاد المكابيين، لأن النصرة في كافة حروبهم واستعادة بني
إسرائيل من الأُمم إلى مواطنهم لم تكن بالقوة والحماس، وإنما كانت عملاً إلهياً
وخلاصاً من قبل الرب:

+
“فانكسر يوسف وعزاريا فتتبعوهما إلى حدود اليهودية وسقط في ذلك اليوم من شعب
إسرائيل ألفا رَجُلٍ. وكانت في شعب إسرائيل حَطْمَةٌ عظيمة ذلك لأنهما لم يسمعا
ليهوذا (المكابي) وإخوته ظنا منهما بأنهما يبديان حماسةً. إلاَّ أنهما لم يكونا من
نسب أُولئك الرجال الذين أُوتوا خلاص إسرائيل على أيديهم” (1مك 5: 6062)

هذه
الحقائق التاريخية تنطبق تماماً على نبوَّة زكريا، وتوضِّح زمن عودة بني إسرائيل
المشتتين وسبب رجوعهم وكيفية رجوعهم، بل والأماكن أيضاً التي رجعوا منها بصورة
واضحة لا تقبل الشك، غير أن رجوعهم لم يكن نهائياً إذ تبقَّى كثيرون في كل أنحاء
الممالك في الأُمم، وذلك ليمهدوا للإيمان بالمسيح، لأن اليهود في كل مدينة كانوا
أول مَنْ تقبَّل الإيمان بالمسيح.

أمَّا
بخصوص تتميم قول النبوَّة “ويُخفض كبرياء أشور ويزول قضيب مصر

” (زك 11: 10)، فيختص
بزوال أداة الحكم نفسه وهي سلطة البطالسة في مصر وسلطة السلوقيين في سوريا. فلو
علمنا أن اليهودية وقعت أولاً تحت حكم البطالسة الذين كان مركزهم مصر، ثم عادت
فوقعت تحت سلطة السلوقيين الذين كان مركزهم سوريا، وأن البطالسة أساءوا معاملة
اليهود جداً وثقَّلوا عليهم الضرائب([3])، كما أساء
السلوقيون استخدام سلطتهم، لعرفنا لماذا خصَّت النبوَّة هاتين السلطتين الغاشمتين
بالزوال والانهيار جزاءً لما لحق اليهود من جورهم وتعسُّفهم.

والملاحَظ
أيضاً أن النبوَّة خصَّت مصر بزوال قضيب الحكم منها فقط، أمَّا أشور فخصَّتها بخفض
كبريائها هي نفسها، وذلك لأن مصر كانت تكره جداً حكم البطالسة كما تكرههم اليهودية
تماماً، أمَّا أشور فكانت معتزة بحكم السلوقيين وتصاهرت مع اليونان وتبنَّت
سلطانهم وسطوتهم وجبرؤوتهم.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى