اللاهوت المقارن

[3] الخلاص والمعمودية



[3] الخلاص والمعمودية

[3] الخلاص والمعمودية

 إن
خطة الله للخلاص تقتضي ممارسة سر المعمودية كقناة شرعية، ووسيلة حتمية لسريان
بركات الصلب والخلاص للإنسان. ولهذا قال السيد المسيح: “من آمن واعتمد
خلص” (مر16: 16) وتطبيقاً لهذه القاعدة الإيمانية قال معلمنا بطرس الرسول
للذين آمنوا يوم الخمسين: “توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع
المسيح لمغفرة الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس” (أع38: 2).

 

 وتعميقاً
لهذا المفهوم ربط القديس بطرس الرسول بين الفُلك والمعمودية كوسيلة إلهية للخلاص
فقال: “إذ كان الفلك يبنى، الذي فيه خلص قليلون، أي ثماني أنفس بالماء، الذي
مثاله يخلصنا نحن الآن أي المعمودية” (1بط20: 3،21).

 

 وفي
حديثنا عن الخلاص، والمعمودية ينبغي أن نتكلم عن بعض الجوانب الهامة مثل:

 

·                
مفاعيل المعمودية.

·                
ضرورة المعمودية.

·                
معمودية الأطفال.

·                
المعمودية واللحظة.

 

1-
مفاعيل المعمودية:

 تنقل
المعمودية إلى المعتمد بركات الصليب الكثيرة والمجيدة من تلك البركات والنعم:

(أ)
الخلاص:

 هذا
ما وضحه الرب يسوع المسيح بقوله: “من آمن واعتمد خلص” (مر16: 16). وعن
هذا المفعول المقدس قال معلمنا بطرس الرسول: “
إذ كان الفُلك يبني الذي فيه خلص قليلون أي ثماني أنفس بالماء
الذي مثاله يخلصنا نحن الآن أي المعمودية
” (1بط20: 3،21).

 

+
ويقول القديس أوغسطينوس عن نعمة الخلاص بالمعمودية:

 {
يعطي المسيحيون القرطاجيون اسماً ممتازاً للأسرار المقدسة عندما يقولون عن
المعمودية إنها ليست سوى “الخلاص” … وكما أظن من أين أخذوا هذا إلاَ
من التقليد الرسولي الأول حيث كانت كنائس المسيح تعتمد عليه كأساس (للإيمان)، لأنه
بدون العماد والاشتراك في عشاء الرب يستحيل على الإنسان أن ينال ملكوت الله أو
الخلاص والحياة الدائمة}

(On Fovgiveness of Sins and Baptism 1: 34).

 

(ب)
غفران الخطايا:

 النعمة
الأخرى التي ينالها المعتمد هي غفران الخطايا في استحقاقات الصليب المقدس، وعن هذه
النعمة قال معلمنا بطرس الرسول: “توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع
المسيح لغفران الخطايا … ” (أع38: 2).

 

+
وقال القديس يوستينوس الشهيد:

 {
يجب أن نفتش ونعرف من أي طريق يمكننا أن ننال صفح الخطايا ونمتلك رجاء
ميراث الخيرات الموعود بها، ولنا في ذلك طريق واحد فقط، وهو أن نعرف يسوع ونغتسل
بالمعمودية لغفران الخطايا، وهكذا نبتدئ أن نعيش بالقداسة}

(Dialogus with Trypho. Ch. XLIV)

 

(ج)
الولادة الثانية:

 وضح
السيد المسيح هذه النعمة في حديثه مع نيقوديموس بقوله: “الحق. الحق أقول لك
إن كان أحد لا يولد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله” (يو5: 3).
وعن هذه النعمة قال معلمنا بولس الرسول: “لا بأعمال في بر عملناها نحن بل
بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس” (تى5:
3).

 

+
وفي هذا الصدد قال القديس أوغسطينوس:

        {
إن لنا ميلادين، أحدهما أرضي، والآخر سماوي. الأول من الجسد، والثاني من الروح.
الأول صادر عن مبدأ قابل للفناء، والثاني مبدأ أبدي. الأول من الرجل والمرأة،
والثاني من الله والكنيسة. الأول يجعلنا أولاد الجسد، والثاني أبناء الروح. الأول
يصيرنا أبناء الموت، والثاني أبناء القيامة. الأول يجعلنا أبناء الدهر، والثاني
أبناء الله. الأول يجعلنا أبناء اللعنة والغضب، والثاني أبناء البركة والمحبة.
الأول يقيدنا بأغلال الخطية الأصلية، والثاني يحلنا من رباطات كل خطية}

(In Joan Ch. 19).

 

(د)
التبني
:

 هذه
نعمة أخرى ننالها بالمعمودية إذ يقول معلمنا بولس الرسول: “لأنكم جميعاً
أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع، لأنكم كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد
لبستم المسيح” (غل26: 3،27).

 

 +
وعن نعمة التبني كثمرة من بين ثمار المعمودية قال القديس كيرلس الأورشليمى:

        {عظيمة
هي المعمودية المعدة فداء عن المأسورين … وولادة ثانية للنفس، وثوباً نيراً …
ومنحة التبني}

(Procatechesis 16).

 

(ه)
التجديد:

 ومن
بركات سر المعمودية التجديد بالروح القدس كما يقول معلمنا بولس الرسول: “لا
بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد
الروح القدس” (تى5: 3).

 

+
وعن هذه النعمة قال القديس إغريغوريوس النيسى:

 {
المعمودية إذاً تنقية من الخطايا ومحو الآثام ومصدر التجديد والولادة الثانية}

(N.P.F 2nd Ser. Vol. V.P.519)

 

(و)
التبرير:

 يوصل
معلمنا بولس الرسول حديثه عن مفاعيل المعمودية إلي جوار تجديد الروح القدس فهي
تبرير بنعمة الله إذ يقول: “لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته
خلّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح
مخلّصنا حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية” (تى5:
3-7). ولهذا يقول أيضاً: لكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح
إلهنا” (1كو11: 6).

 

+
ولذلك يقول القديس يوحنا ذهبي الفم:

 { إن معمودية النعمة تطهر كل إنسان سواء كان
فاسداً أو زانياً عابداً للأصنام أو غير ذلك، لأنه مهما كان غارقاً في الخطية
فحالما يدخل مياه المعمودية يخرج من هذه المياه الإلهية أنقى من أشعة الشمس عينها،
وليس نقياً فقط بل قديساً بل باراً أيضاً }

(N..P.F 1st Ser. Vol. IX P 161)

 

(ز)
التطهير والتقديس:

 وعن فاعلية سر
المعمودية في التطهير والتقديس قال معلمنا بولس الرسول: “

وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها مطهرا إياها بغسل الماء بالكلمة” (أف25: 5،26).
فالمعمودية تطهر المؤمن وتقدسه من كل خطية.

 

وعن
هذا قال القديس أوغسطينوس:

 {
إننا بولادتنا من الماء والروح القدس نتطهر من كل خطية سواء كانت من آدم الذي به
أخطأ الجميع أو بفعلنا وقولنا لأننا نُغسل منها بالمعمودية }

(Letter 178: 28).

 

(ح)
ميراث الملكوت:

 تتضح
هذه النعمة التي تهبها المعمودية من قول رب المجد يسوع لنيقوديموس: “أجاب
يسوع الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت
الله” (يو5: 3).

 

 من أجل ذلك قال معلمنا بولس الرسول: ” …
بمقتضى رحمته خلّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا
بيسوع المسيح مخلّصنا حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة
الأبدية.” (تى5: 3-7).

 

 ويقول
معلمنا بطرس الرسول: “ولدنا ثانية لرجاء حيّ بقيامة يسوع المسيح من الأموات
لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السموات لأجلكم. (1بط3: 1،4).

 

+
ولقد بلغ القديس يوحنا ذهبي الفم ذروة التعبير عن مفاعيل المعمودية في عبارة شاملة
إذ قال: { إن الذين كانوا قبل عمادهم أسرى فإنهم يتمتعون الآن ببهاء الحرية،
وصاروا أعضاء الكنيسة سالكين في نور البر البهي بعد ما كانوا سائرين في فيافي
الضلال الحالك وظلام الخطية القاتم. حقاً إنهم الآن محررون، وليس ذلك فقط بل
قديسون فأبرار فأبناء فورثة فأخوة المسيح وارثون معه، فأعضاء لجسده الطاهر، فهياكل
للروح القدس}.

 

 ثم
يكمل حديثه قائلاً: { فتأمل في العطايا الجزيلة والمواهب الثمينة التي يمنحها
سر العماد. إن كثيرين يظنون أنه يغفر الخطية فقط. وأما نحن فقد أحصينا له عشرة
مفاعيل تجعل النفس في مركز سام ومقام جليل لا يوصف}

(I nst Tuc. 2Catech).

 

+ أما قداسة البابا شنوده الثالث فقد أوجز كل
هذه المفاعيل في قوله: {المعمودية لازمة لأن بها المغفرة (أع38: 2)، والغسل من
الخطايا (أع26: 22)، وصلب الإنسان العتيق، والدخول في جدة الحياة (رو4: 66)،
وأيضاً بها نلبس المسيح (غل27: 3). ونصير أولاد الله، إذ نولد من الماء والروح
(يو5: 3)، وهي موت مع المسيح وقيامة معه.(كو12: 2)، (رو2: 64).}

(بدعة الخلاص في لحظة قداسة البابا شنوده الثالث ص26).

 

 بعد
أن تكلمنا عن مفاعيل المعمودية ننتقل إلى الحديث عن:

 

2 ضرورة المعمودية:

 المعمودية
ضرورة حتمية مع إيمان الإنسان فلا يكتفي بالإيمان وحد. ونستطيع أن نتأكد من هذه
الحقيقة مما يلي:

 

 1 تصريح الرب يسوع المسيح نفسه إذ قال: “من آمن
واعتمد خلص” (مر16: 16).

 

 2 تعميد الذين أمنوا يوم الخمسين. كما يسجل سفر أعمال
الرسل قائلاً: “فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة
آلاف نفس” (أع41: 2).

 

 3 تعميد أهل السامرة بعد أن صدقوا كلام فيلبس كما يسجل
الكتاب: “ولكن لما صدقوا فيلبس وهو يبشر بالأمور المختصة بملكوت الله وباسم
يسوع المسيح اعتمدوا رجالاً ونساء” (أع12: 8).

 

 4 تعميد خصي الحبشة كما هو واضح من قول الكتاب: “وفيما
هما سائران في الطريق اقبلا على ماء. فقال الخصي هوذا ماء. ماذا يمنع أن اعتمد.
فقال فيلبس أن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز. فأجاب وقال أنا أؤمن أن يسوع المسيح هو
ابن الله. فأمر أن تقف المركبة فنزلا كلاهما إلى الماء فيلبس والخصي فعمده.”
(أع36: 838).

 

 5 تعميد شاول الطرسوسي (القديس بولس الرسول)
فرغم ظهور الرب له بنفسه في الطريق، إلاَ أنه قاده إلى المعمودية حنانيا، كما يسجل
الكتاب المقدس قصة عماده قائلاً: “فمضى حنانيا ودخل البيت ووضع عليه يديه
وقال أيها الأخ شاول قد أرسلني الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق الذي جئت فيه لكي
تبصر وتمتلئ من الروح القدس. فللوقت وقع من عينيه شيء كأنه قشور فأبصر في الحال
وقام واعتمد.” (أع17: 9،18).

 

 6 تعميد بيت كرنيليوس على يد القديس بطرس الرسول الذي قال:
“أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس
كما نحن أيضاً. وأمر أن يعتمدوا باسم الرب.حينئذ سألوه أن يمكث أياما.”
(أع47: 10،48).

 

 7 تعميد ليديا بائعة الأرجوان وأهل بيتها بعد أن
قبلت كلمة الرب كما يوضح الكتاب المقدس قائلاً: “ففتح الرب قلبها لتصغي إلى
ما كان يقوله بولس. فلما اعتمدت هي أهل بيتها طلبت قائلة أن كنتم قد حكمتم آني
مؤمنة بالرب فادخلوا بيتي وامكثوا. فألزمتنا” (أع14: 16،15).

 

 8

تعميد سجان فيلبي
الذي أمن بالرب ثم اعتمد هو وأهل بيته، كما هو واضح من
الكتاب المقدس “وخر لبولس وسيلا وهو مرتعد. ثم أخرجهما وقال يا سيدي ماذا
ينبغي أن أفعل لكي أخلص. فقالا: آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك.
وكلماه وجميع مَن في بيته بكلمة الرب. فأخذهما في تلك الساعة من الليل وغسلهما من
الجراحات. واعتمد في الحال والذين له أجمعون” (أع30: 1633).

 

 9 تعميد الذين آمنوا من أهل كورنثوس إذ يقول كتاب سفر أعمال
الرسل: “وكريسبس رئيس المجمع آمن بالرب مع جميع بيته. وكثيرون من الكورنثيين
إذ سمعوا آمنوا واعتمدوا.” (أع8: 18).

 

 10 تعميد تلاميذ أفسس الذين وجدهم القديس بولس الرسول معتمدين
بمعمودية يوحنا فقط، فحدثهم عن معمودية الرب يسوع المسيح. فيقول الكتاب: “فلما
سمعوا إعتمدوا باسم الرب يسوع.” (أع5: 19).

 

 11 والواقع أن المعمودية هي وصية إلهية واجبة التنفيذ إذ
يقول الرب: “إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح
القدس.” (مت19: 28).

 

 12 وعلاوة على ذلك فإن رفض المعمودية هو رفض لمشورة الله.
هذه الحقيقة أشار إليها الكتاب بخصوص معمودية يوحنا، فكم وكم يكون الحال مع
معمودية الماء والروح التي باسم الرب يسوع المسيح والتي أشار إليها يوحنا المعمدان
نفسه بقوله: “أنا أعمدكم بماء للتوبة. ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني الذي
لست أهلا أن احمل حذاءه. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار.” (مت11: 3). أما
الفصل الكتابي الذي أشار إلي أن رفض معمودية يوحنا هو رفض لتدبير الله ومشورته،
فهو ما سجله معلمنا لوقا البشير بقوله: “وجميع الشعب إذ سمعوا والعشارين
برروا الله معتمدين بمعمودية يوحنا. وأما الفريسيون والناموسيون فرفضوا مشورة الله
من جهة أنفسهم غير معتمدين منه.” (لو29: 7،30).

 

 هذا
عن ضرورة المعمودية ولزومها مع الإيمان للخلاص. وفي هذا الخصوص كتب قداسة البابا
شنوده الثالث تحت عنوان: { لزوم المعمودية للخلاص} قائلاً: {ولكن الكتاب يعلمنا أن
المعمودية لازمة للخلاص للأسباب التالية:

 قول السيد المسيح: “مَن آمن واعتمد
خلص” (مر16: 16). ولم يقل مَن آمن فقط، ولكنه جعل المعمودية شروط الخلاص.
وذلك لأنها موت مع المسيح وقيامته معه.(رو2: 64)
}

(بدعة الخلاص في لحظة قداسة البابا شنوده الثالث ص24).

 

 وذكر
قداسته اثني عشر سبباً لتأكيد لزوم المعمودية للخلاص من بين هذه الأسباب نذكر بصفة
خاصة حديث غبطته في السبب الرابع إذ يقول:

 {والذي
حدث في يوم الخمسين، حدث لشاول الطرسوسي لما آمن. لقد سأل الرب: “ماذا ترى
يارب أن أفعل؟” (أع 6: 9). فلم يقل له الرب: مادمت قد آمنت فقد خلصت! بل
أرسله إلى حنانيا الدمشقي، الذي قال له “أيها الأخ شاول
لماذا تتوانى؟ قم اعتمد واغسل خطاياك” (أع16: 22). وهنا نرى
عجباً، إنساناً تقابل مع المسيح شخصياً، وتكلم معه فماً لأذن، وسمع دعوته، وانتخبه
الرب إناءً مختاراً، وشاهداً لجميع الناس، ومع ذلك لم يكن قد اغتسل من خطاياه بعد
واحتاج إلى المعمودية لغسل خطاياه} (بدعة الخلاص في لحظة قداسة البابا شنوده الثالث ص25).

 

3-
معمودية الأطفال:

 تكلمنا
فيما سبق عن المعمودية والخلاص من جهة مفاعيلها ولزومها، وننتقل إلى نقطة ثالثة
أساسية في هذا المجال وهي معموديتهم الأطفال. إذ يعترضون على تعميدهم دون بلوغ سن
الإدراك وتكامل الوعي، وينادون بتأجيل معمودية، ويعتقدون أن المعمودية ليست لها
مفاعيل بالنسبة لهم في هذا السن.

 

 والواقع
أن المعمودية هي نعمة تسرى إلى الطفل من خلالها بركات الصليب، وإن كانت نعمة
الحياة والوجود في هذا العالم أساساً توهب للأطفال دون إكمال إدراكهم ووعيهم، فما
الذي يمنع نعمة المعمودية والولادة الروحية من الله، على نفس القياس!.

 

 ومن
جانب آخر إن كانت لعنة الخطية الأصلية قد سرت إلى الأطفال دون إدراكهم أو وعيهم
بالوراثة والولادة الجسدية، أفلا تسرى نعمة الله إليهم بنفس المنطق المقابل. خاصة
وأن “الرحمة تفتخر على الحكم” (يع13: 2).!

 

 وعلاوة
على ذلك دعنا نستخلص من الكتاب المقدس بعض الأدلة التي تبرهن على قانونية تعميد
الأطفال، ونيلهم نفس البركات التي ينالها الكبار.

 

1 أبكار الفصح: فجميع أبكار شعب الله المحتمين في البيوت التي
رشت أبوابها بدم الحمل، قد نجوا من ضربة الهلاك، وتساو في ذلك الأبكار من الرجال
والأطفال. (خر7: 1213).

2 عبور البحر الأحمر: لقد عبر الشعب كله
الكبار والأطفال وكان البحر معمودية لموسى، ترمز إلى المعمودية باسم المسيح كما
يقول القديس بولس الرسول: “وجميعهم اجتازوا في البحر، وجميعهم اعتمدوا لموسى
في السحابة وفي البحر” (1كو1: 10،2).

 

3-
الختان:
كان
الختان يتم للطفل في اليوم الثامن (تك12: 17) والطفل الذي لا يختن “تقطع تلك
النفس من شعبها. لأنه نكث عهد الرب” (تك14: 17). والختان هو أيضاً رمز
للمعمودية كما وضح معلمنا بولس الرسول قائلاً: “وبه أيضاً ختنتم ختانا غير
مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح. مدفونين معه في المعمودية التي
فيها أقمتم أيضاً معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات. وإذ كنتم أمواتا في
الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحا لكم بجميع الخطايا.” (كو11: 213).

 

 والمدهش
في الموضوع هو أن الختان كان ختماً لبر الإيمان “وأخذ علامة الختان ختماً لبر
الإيمان” (رو11: 4). فإن كان الختان يتم للطفل الوليد في يومه الثامن، فأين
إيمانه الذي به يحصل على البر، فيعطى ختم البر؟!.

 

 فحيث
أن الختان رمز للمعمودية، كما سبق التوضيح تهب بر المسيح – أي بر الإيمان – فماذا
يمنع أن يُعمد الطفل تماماً كما يختن؟!.

 

4 يوحنا المعمدان: وامتلاؤه بالروح القدس وهو بعد جنين في
بطن أمه صرح الملاك في بشارته لزكريا الكاهن قائلا: “ومن بطن أمه يمتلئ من
الروح القدس” (لو15: 1).

 هل
يستطيع أحد أن يحدد عطاء الله ويضعه تحت المقاييس الإلهية. هو يريد أن يهب
الأطفال، بل والأجنة نعمته، فمن يقدر أن يعترض؟!.

 

5

دعوة السيد المسيح للأولاد:
لقد حاول التلاميذ منع الأولاد من الاقتراب من
السيد المسيح، ربما لاعتراضهم على عدم اكتمال وعيهم وإدراكهم، ولكن الرب انتهرهم
قائلاً: “دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت
السموات” (مت14: 19).

 

 فمن
يستطيع الآن أن يكرر نفس الفعلة ويمنع الأولاد عن الإقتراب إلى السيد المسيح
بالمعمودية.

 

6

تعميد بيت ليديا بائعة الأرجوان:
يقول الكتاب: “فلما اعتمدت هي وأهل
بيتها طلبت قائلة إن كنتم قد حكمتم أنى مؤمنة بالرب فادخلوا بيتي.” (أع15:
16).

هل
استثنى الأولاد من المعمودية؟

 

7-
تعميد بيت سجان فيلبى:
كما يقول الكتاب: “فلما اعتمد هو والذين
له
أجمعون” (أع33: 16) ولعل هذا التعبير “الذين له
أجمعون” يوضح عدم استثناء أية فئة ومن بينهم الأطفال.

 

8-
تعميد بيت إستفانوس:
يقول معلمنا بولس الرسول “وعمدت أيضاً بيت
إستفانوس” (1كو16: 1) وينطبق على هذا البيت ما انطبق على بيت ليديا وسجان
فيلبى.

 

وعن
معمودية الأطفال كتب قداسة البابا شنوده الثالث قائلاً:

 { لابد أن نعمد الأطفال من أجل خلاصهم لأننا لو
تركناهم بدون معمودية وبدون إيمان، فمعنى ذلك هلاكهم، ومَن الذي يقبل على نفسه هلاك
كل أطفال العالم}

(بدعة الخلاص في لحظة قداسة البابا شنوده الثالث ص33).

 

وأكمل
قداسته الحديث قائلاً:

 {وأما من جهة قواعد الإيمان والمعرفة، فنحن
نعمده على إيمان الوالدين في أمور عديدة، أمر مألوف في الكتاب المقدس. ومن أمثلته:
الختان، وخلاص الأبكار بدم الخروف وخلاص الأطفال بعبور البحر…}

(بدعة الخلاص في لحظة قداسة البابا شنوده الثالث ص34).

 

واستطرد
قداسته في التوضيح قائلاً:

 { الكنيسة كانت تعمد الأطفال منذ البداية، من
عصر الرسل، كما يتضح من عماد عائلات بأكملها، كباراً وصغاراً، كما قيل في عماد
سجان فيلبى: “والذين له أجمعين” (أع33: 16) وعماد ليديا بائعة الأرجوان
“هي وأهل بيتها” (أع15: 16)… ومن غير المعقول أن كل هؤلاء وأمثالهم لم
يكن بينهم أطفال }

(بدعة الخلاص في لحظة قداسة البابا شنوده الثالث ص35).

 

 وكنيستنا
القبطية الأرثوذكسية تهتم ليس فقط بطقس تعميد الأطفال، بل تهتم أيضاً بتربيتهم
التربية المسيحية، وتلقينهم الإيمان وتنميتهم فيه، عن طريق والديهم وأشابينهم،
ومدارس التربية الكنسية، ومنابر الوعظ بالكنيسة، وأباء الاعتراف، والمرشدين
الروحيين.

 

وعن
هذا قال قداسة البابا شنوده الثالث:

 { والطفل يحتاج أن يتربى في الإيمان، داخل
الكنيسة، وينمو في هذا الإيمان. فنحن نعمده لنعطيه أيضاً هذه الفرصة، ولا نحرمه من
كل وسائط النعمة التي تساعده في الطريق الروحي، وإلاَ نكون كمَن يجنى عليه. كما لا
نضع كل أمور الإيمان داخل مقاييس العقلانية }

(بدعة الخلاص في لحظة قداسة البابا شنوده الثالث ص34).

 

4-
المعمودية واللحظة:

من
الثابت أن طقس المعمودية يستغرق فترة زمنية ليست بالقليلة. فعلاوة على طقس الصلاة
الخاصة بتقديس الماء، هناك طقس جحد الشيطان حيث ينظر المعتمد إلى الغرب ويده
اليمنى مرفوعة ويقول ما يأتي (وإن كان طفلاً فليقل عنه أبوه أو أمه أو إشبينه):

 

 {
أجحدك أيها الشيطان. وكل أعمالك النجسة، وكل جنودك الشريرة، وكل شياطينك الرديئة،
وكل قوتك، وكل عبادتك المرذولة، وكل حيلك الرديئة والمضلة، وكل جيشك، وكل سلطانك
وكل بقية نفاقك. أجحدك. أجحدك. أجحدك}

(كتاب
صلوات الخدمة
ص35).

 

 وهناك
أيضاً طقس إقرار الإيمان حيث يستدير المعتمد إلى الشرق ويده مرفوعة إلى فوق ويقول:

 {
أعترف إليك أيها المسيح إلهي، وكل نواميسك المخلَصة، وكل خدمتك المحيية، وكل
أعمالك المعطية الحياة . أؤمن بإله واحد، الله الآب ضابط الكل، وابنه الوحيد يسوع
المسيح ربنا، والروح القدس المحي، وقيامة الجسد، والكنيسة الواحدة الوحيدة المقدسة
الجامعة الرسولية آمين } (كتاب صلوات الخدمة
ص35).

 ويأتي
بعد ذلك طقس التغطيس ثلاث دفعات باسم الآب والابن والروح القدس .

 من
هذا نرى أن طقس المعمودية المقدسة يستغرق بالتأكيد أكثر من لحظة زمنية، بل قل أكثر
من ساعة.

 فحيث
أن طقس المعمودية يستغرق أكثر من لحظة. وحيث أن المعمودية لازمة للخلاص حسب قول
الرب: “من آمن واعتمد خلص” (مر16: 16) إذاً فالخلاص لا يتم في لحظة
زمنية خاطفة.

 

وفي
هذا قال قداسة البابا شنوده الثالث:

 { كيف يمكن للإنسان أن يخلص في لحظة إيمان بدون
عماد؟! وإن كان لابد له أن يعتمد، فلا يمكن أن نقول أنه خلص في لحظة. لأن الإيمان
والمعمودية لا يتمان في لحظة، وهما لا زمان للخلاص حسب قول الرب: “من آمن
واعتمد خلص” (مر16: 16)}

(بدعة الخلاص في لحظة قداسة البابا شنوده الثالث ص26).

وأكمل
قداسته قائلاً:

 { وإن كان لابد للمعتمد من التوبة قبل
المعمودية (أع38: 2). فمن المحال أن تتم التوبة والإيمان والمعمودية في لحظة}

(بدعة الخلاص في لحظة قداسة البابا شنوده الثالث ص26،27).

 

 هذه
لمحة سريعة عن الخلاص والمعمودية، من حيث لزوم المعمودية، وقانونية تعميد الأطفال،
واستغراق الخلاص بالمعمودية والإيمان والتوبة أكثر من لحظة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى