اللاهوت العقيدي

سر التوبة والإعتراف



سر التوبة والإعتراف

سر
التوبة والإعتراف

الأسقف
عطا الله حنا

 

سر
التوبة والاعتراف مرتبط ارتباطا وثيقا بسعادة الانسان. فبواسطته يواجه الانسان
أكبر عدو لسعادته.. وهذا العدو الأكبر للسعادة البشرية هو الخطيئة.

 

الخطيئة
في الواقع هي سبب كل تعاسة للإنسان. هي التي تمنعه من أن يكون سعيدا. كل مصائب
البشرية لها مصدر واحد: هو الخطيئة. والنفس البشرية لا يمكن لها أن تخلص وتتمتع
بالصحة والسعادة الروحية طالما كانت تحتفظ بالخطيئة فالخطيئة مادة غريبة عن النفس.
إنها تماما كرصاصة تدخل الجسم، فالجسم لا يستطيع أن يكون صحيحا طالما بداخله هذه
الرصاصة.

 

حقيقة
أن الله يغفر عن طريق المعمودية الخطيئة الأصلية وكل خطيئة أخرى يكون قد ارتكبها
الانسان قبل المعمودية. ولكن للأسف الشديد، الانسان يخطىء أيضا بعد المعمودية.
لذلك فإن رحمة الله الواسعة التي لا تريد هلاك الخاطىء بل خلاصه تقدم له ”
معمودية ثانية ” أي سر التوبة والاعتراف معمودية ليست بالماء بل بالدموع.

 

من
الذي أسس سر الاعتراف؟

الرب
يسوع المسيح هو الذي أسس سر الاعتراف، إنه الهدية الأولى التي أهداها الرب يسوع
الى البشرية بعد قيامته الإلهية معلنا محبته لها. فبعد قيامته المجيدة، ظهر
لتلاميذه وقال لهم: ” السلام لكم، كما أرسلني الآب كذلك أنا أرسلكم، ولما قال
هذا نفخ فيهم وقال لهم: اقبلوا الروح القدس. من غفرتم لهم خطاياهم تغفر لهم، ومن
أمسكتم لهم خطاياهم أمسكت ” (يو21: 20-23).

 

فهذه
الكلمات التي تفوه بها له المجد يتضح لنا منها رسم سر التوبة والاعتراف وأن الرب
أقام الرسل وخلفاءهم الكهنة من بعدهم قضاة وجعل حكمهم مناطا لغفران الخطايا
والذنوب في السماء وامساكها. ولما كان لا يتأتى لهم ان يغفروا ذنبا يجهلونه
وبعبارة أخرى لما كانوا لا يستطيعون أن يصفحو ويمسكوا الخطايا ما لم يكونوا على
معرفة به، لذا وجب على التائب أن يعترف بذنوبه أمامهم لتغفر له.

 

فكما
أن القاضي لا يستطيع أن يحكم في قضية دون أن يفحصه، وكما أن الطبيب لا يمكنه
معالجة مريض قبل الكشف عليه كشفا دقيق، كذلك فإن أب الاعتراف لا يستطيع بل ولا
يملك أن يغفر الخطاي ويمسكها دون أن يعلمها ويفحصها.

 

أهمية
سر التوبة والاعتراف:

وسر
الاعتراف له أهمية كبيرة من عدة نواحي:

 

فمن
الناحية الدينية هو الوسيلة الوحيدة لعلاج النفس الخاطئة، بدون توبة واعتراف، خلاص
النفس أمر مستحيل. بدون توبة واعتراف، لا نستطيع أن نتقدم الى تناول الأسرار
الإلهية. يقول بولس الرسول: ” أي من أكل هذا الخبز وشرب كأس الرب بدون
استحقاق يكون مجرما في جسد الرب ودمه ” (1كورنثوس27: 11) ويقول أيضا: ”
من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون ” (1كورنثوس 11: 30).

 

معنى
هذا ايها الاخوة ان تناول جسد الرب ودمه الكريمين، يستلزم الاستعداد الروحي التام
من توبة صادقة واعتراف كامل بالخطاي، وإلا جلب الانسان على نفسه غضب الله. كذلك
لسر الاعتراف أهميته من الناحية النفسية: فالإنسان في ضيقه وحزنه، يحتاج الى صديق
مخلص، ليفتح له قلبه ويبثه ذات نفسه، ليخفف عنه. لأنه بحسب قواعد علم النفس، الفرح
عندما ينتشر يزداد ولكن الحزن عندما ينتشر يقل.فالإنسان في حاجة الى صديق. ولكن
الصديق، مهما كان وفاؤه، لا تستطيع أن تأتمنه على أسرارك، وخاصة الخطير منها
والبشع والدنىء، كما أنه لا يستطيع أن يحلك من خطاياك.

 

أما
الكاهن، أب الاعتراف، فهو صديق صدوق لا يشمئز من سماع خطاياك لأنه تعود سماع
الخطاي، كما أنه أكتم انسان للسر بحكم وظيفته لأنه يعرض نفسه للقطع من الكنيسة إذا
باح بالسر.

 

كذلك
الاعتراف مهم لمعرفة الخطيئة: فهناك أشخاص لهم ضمير واسع يستطيع أن يرحب صدره
بكثير من الأخطاء، وهنالك ضمير ضيق موسوس كثير الشك، يظن الخطأ حيث لا يوجد خطأ. ومهمة
أب الاعتراف أن يوضح الحقيقة كما هي.

 

كذلك
فإن الاعتراف بالخطايا يكون مدعاة الى التواضع وانكسار القلب، فتكون التوبة أجدى
وأرسخ.

 

وأخيرا
وليس آخرا فإن الاعتراف مهم لوصف العلاج: فليس الأمر مجرد خطايا يعترف بها المذنب
ثم ينال الغفران عليها ليعود فيكررها مرة أخرى. وإنما هناك واجب هام على أب
الاعتراف وهو تقديم العلاج اللازم. تقديم النصائح والارشادات اللازمة، ولذا شبهوه
بالطبيب لأنه يداوي النفوس.

 

فالاعتراف
أيها الاخوة أمر واجب على كل المؤمنين لالتماس الرحمة الإلهية وللحصول على المغفرة.

 

اعتراضات
علي هذا السر والرد عليها:

ولكن
نلاحظ للأسف الشديد أن كثيرين من المسيحيين في وقتنا الحاضر قد أهملوا هذا السر
العظيم الذي هو بمثابة معمودية ثانية حتى أن البعض أصبح يعتقد أن الكنيسة
الأرثوذكسية هي أشد الكنائس محافظة على العقائد والتقاليد قد ألغت سر التوبة
والاعتراف من قائمة أسرار الكنيسة السبعة. ولذا نراهم يطلبون من الكاهن إذا كانوا
عازمين على المناولة أن يقرأ لهم ” أفشين الحل “، دون محاولة الإقرار
أمامه بذنوبهم كأن أفشين الحل هو العصا السحرية التي ستغفر لهم ذنوبهم وخطاياهم.
لا شك ان هذه الطريقة خاطئة جد، وتتعارض تماما مع تعاليم كنيستنا الأرثوذكسية
واللاهوت الأرثوذكسي. يبرر البعض مسلكهم هذا بقولهم: إننا نشعر بالخجل ساعة
الاعتراف. والبعض الاخر يقول كسبب لعدم التقدم للاعتراف إنه ليس عندنا الأب الروحي
الجدير بالثقة حتى نصرح له بخطايانا.

 

فإلى
أولئك الذين لا يعترفون بخطاياهم لشعورهم بالخجل، أقول: لا ينبغي أن نجعل الشعور
بالخجل، الذي يخلقه الشيطان في هذه الساعة، يتسلط علينا لأنه متى يجب أن يشعر
الانسان بالخجل؟ على الانسان أن يخجل ساعة ارتكابه الخطيئة وليس ساعة الاعتراف بها
لنيل المغفرة كما أن الله لا يطلب منا أن نظهر خطايانا أمام جميع البشر كما تقضي
بذلك العدالة، بل علينا أن نظهرها فقط أمام الكاهن أب الاعتراف الذي هو وحده من
سيعلم به، وبذلك ستغفر لنا وتمحى أما إذا أخفيناها عن أب الاعتراف، فمعنى ذلك أن
توبتنا ليست صادقة وبالتالي فإن خطايانا لابد أن تعلن في يوم الدينونة الرهيب أمام
الجميع وبدون أي أمل في الغفران، بل هنالك الدينونة والعقاب الأبدي.

 

أما
الذين يبررون عدم تقدمهم لسر الاعتراف بعدم وجود الأب الروحي الجدير بثقتهم،
فإليهم أقول: إذ لم يكن في مدينتنا أب اعتراف قانوني، فلنذهب الى مدينة أخرى. فإذا
لم نجد في البلدة الأخرى، فلنذهب الى بلدة ثالثة. فإذا لم نجد في البلدة الثالثة،
فلنذهب الى الصحراء كي نبحث عن الأب الروحي الذي نثق به ونرتاح إليه، فنعترف له بكل
خطايانا بصدق واخلاص، فنخلص ونجد سلاما.

 

لأنه
ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخصر نفسه؟ ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه؟
إن كل ما في هذا العالم لا يكفي لفداء نفس واحدة. فليس كثيرا على المرء أن ينتقل
من مكان الى آخر بحثا عن أب اعتراف.

 

عندما
تمرض أجسادن، ينتابنا الاضطراب والقلق ونسرع الى أمهر الأطباء ونعري أجسادنا
أمامهم لفحصها بدقة ولا نطمئن حتى تعود إلينا صحتنا. ولكن عندما تمرض نفوسنا وتشرف
على الموت، لا نبدي اهتمام، بل نحاول أن نخفي خطايانا في قلوبن، مع أن النفس هي
أنفس النفائس، خلاص النفس هو أثمن من ممالك الأرض كلها.

 

يجب
علينا أن لا ننتظر حتى آخر لحظه لنذهب الى أب الاعتراف. لأن الذي يحدث عادة هو أن
المؤمنين لا يتقدمون للاعتراف إلا ساعة خدمة القداس الإلهي وقبل فتح الستارة
مباشرة لخروج الكاهن بالكأس لدعوة المؤمنين للتناول. وفي أيام العيد ينتظر الناس
حتى خدمة قداس العيد، هذا لا يجوز مطلق، لأن الاعتراف في هذه الحالة يتم بطريقة
شكلية.

 

لكي
يكون الاعتراف صحيحا وكاملا ومفيد، يجب أن يتم في أوقات أخرى خاصة غير وقت خدمة
القداس حتى يستطيع المعترف أن يعترف بكل خطاياه وحتى يستطيع أب الاعتراف أن يعطيه
التوجيهات والارشادات الروحية اللازمة.

 

ومن
الأصوب أيها الاخوة أن تكون هناك فترة من الوقت بين الاعتراف والمناولة لنعتاد على
ممارسة الفضيلة فنبقى بدون خطايا حتى بعد تناول جسد الرب ودمه الكريمين.

 

فالآن
الوقت مناسب لنعود الى المسيح ونخلص نفوسنا بالتوبة والاعتراف. الوقت الآن مناسب
لكي نفحص ضمائرنا فحصا دقيق، ونظهر ندما حقيقيا عما اقترفناه من الاثام والذنوب
ونتقدم الى أب اعترافنا ونعترف له بكل خطايانا.

 

فالاعتراف
يجدد حياتن، يعيد السلام الى نفوسن، يعطينا التوجيهات والإرشادات اللازمة للنضال
في الحياة، الاعتراف هو البركة الحقيقية لحياتن، به نحصل على مغفرة خطايان، وبه
أيضا نتقبل في داخلنا باستحقاق جسد ودم إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، علينا أن نحب
الاعتراف من كل قلوبنا. لنذهب كلما استطعنا الى سر الاعتراف، فسنرى أياما جديدة في
حياتن، أيام سلام وفرح حقيقيين.

 

وإليكم
بعض الآيات المقدسة الخاصة بالاعتراف:


ومن يكتم خطاياه لا ينجح وم يقر بها ويتركها يرحم ” (أمثال 13: 28).


واعتمدوا منه في الأردن معترفين بخطاياهم ” (متى6: 3).


وكان كثيرون من الذين آمنوا يأتون مقرين ومخبرين بأفعالهم ” (أعمال الرسل 18:
19).


إن اعترفنا بخطايانا فهو امين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا م كل إثم ”
(1يوحنا 9: 1).


اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات ” (يعقوب 16: 5).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى