الصوم الذي أريده
,يقول الرب علي لسان إشعياء النبى,أن تحل قيود الظلم وتفك مرابط النير,ويطلق المنسحقون أحرارا,وينزع كل نير عنهم,أن تفرش للجائع خبزك وتدخل المسكين الطريد بيتك,أن تري العريان فتكسوه ولا تتهرب من مساعدة قريبك (إش58:7,6).
في وقت بدأ فيه الشعب العبراني إعادة ترتيب حياته الاجتماعية والدينية بعد تسعة وأربعين عاما من السبي في أرض غريبة,يدعوه الرب إلي طريق عبادة جديدة علي غير ما كان يتوقعه أو يخطط له.إذا أردت أن تكرمني,يقول الرب,فانتبه إلي اخوتك المظلومين والجائعين والبائسين,إذا أردت أن تخدمني,يقول الرب,فاخدم أخاك المحتاج والمتروك,إذا أردت أن تصوم من أجلي,يقول الرب,فافتح قلبك وحياتك للغريب والمسكين.
ما أحوجنا اليوم إلي هذه الكلمات
التي قالها إشعيا للشعب بعد رجوعه من بابل في سنة 538ق.م!! الصيام في المسيحية عن الأكل والشرب ليس هدفا في حد ذاته,بل إذا توقف عند هذا الحد صار نوعا من الوثنية.الصيام عن الأكل والشرب هو لترتيب القلب,لتهذيب الفكر,لانفتاح الأعين علي الآخر,لأن كل إنسان حولي هو أخي.الصيام عن الأكل والشرب هو لتوجيه القلب نحو الله فيوجهنا نحو أخوتنا المحتاجين.
إذا صارت حياتنا المسيحية أكلا وشربا فنحن أتعس الناس,لأننا تصورنا أنه في الأكل أو في الامتناع عنه خلاصنا.خلاصنا هو في كلمة الله التي تفتحنا علي الحياة حين نشاركها مع الآخرين,حين نكتشف نداء الحياة في إخوتنا البشر المحتاجين إلي طعام وملبس وتعليم,وفي إخوتنا البشر العطاشي إلي الكرامة والمحبة والتقدير.
البطولة الحقيقية في الصوم لا تكمن في الامتناع عن بعض الأطعمة فحسب,بل في تحدي روتين حياتنا الدينية التي استقرت في مظاهرها وأشكالها,فلننصت من جديد إلي صوت الله الذي يدعونا إلي الخروج من ذواتنا واكتشافه حاضرا في الجائعين والمسجونين والمرضي والمحتاجين (متي25:31-46).
تعبيرنا عن حبنا لله
هو في محبتنا للآخرين,وترجمتنا لتغيير قلبنا بنعمة الروح القدس هو في عملنا الجاد والحقيقي من أجل تغيير الظروف الصعبة التي يمر بها الناس من حولنا.ليس المهم القيام بإنجاز كبير,بل القيام بخطوة مخلصة نحو إنسان متألم أو مظلوم,القيام بلفتة سخاء وتضامن مع إنسان مريض أو ضعيف.في المسيحية يختلف نظام الصوم من مجتمع إلي آخر,ولكن ما يوحد المسيحيين في صيامهم هو في إحساسهم بآلام الناس وفي تفاعلهم مع احتياجات الفقراء.فلنصم عن الأكل والشراب كما شئنا,ولكن لنفتح قلوبنا وحياتنا علي الناس كما يطلب منا الرب.