كان هناك رجل عالِم ظل ثماني سنوات يطلب من الله أن يُريه إنساناً يعلمه الحق , ومرة من المرات أحس بإلحاح شديد في أن يحقق الله له هذه الرغبة ، فجاءه صوت من الله :
أذهب إلى الكنيسة ، وهناك ستجد إنساناً يرشدك
ترك بيته للتو وذهب إلى الكنيسة ، فوجد هناك رجلاً فقيراً حافي القدمين وقد غطتهما الأتربة والقذارة ، وكل ثيابه التي يلبسها لا تساوي ثلاثة مليمات ، فحياه قائلاً :
فليعطك الله حظاً حسناً
فـجاب الفقير : لم يكن عندي أبداً يوم رديء
فقال له العالم : فلتكن سعيداً !!
فأجاب الفقير : لم أكن أبداً غير سعيد .
حينئذٍ تعجب العالِم وسأله قائلاً : ولكن لماذا تجاوبني هكذا ؟! فسر لي ذلك لأني لا أستطيع أن أفهمه ؟
فأجاب الرجل الفقير : بكل سرور ، لقد تمنيت من أجلي يوماً طيباً ، ولكني لم أجد أبداً يوماً رديئاً ، لأني إن كنت جوعاناً فإني أبارك الله ، وإذا نزل الصقيع أو البرد أو الثلج أو المطر ، أو إذا كان الجو صحواً أو عكراً فإني لا أزال أبارك الله . وإن رُذلت أو أُهنت فإني أُبارك الله ، فلهذا لم أجد أبداً يوماً سيئاً .
وتمنيت من أجلي حظاً حسناً ، ولكني لم يكن لي أبداً حظ سيئ ، لأني اعرف كيف أعيش مع الله ، وأنا أعلم أن ما يعمله هو الأفضل وما يعطيني إياه الله وما يرسمه لي ، سواء كان حسناً أم لا ، فإني اقبله بسرور كامل من الله كأفضل ما يُمكن أن يكون ، لهذا لم يكن حظي سيئاً أبداً .
ثم تمنيت أن يجعلني الله سعيداً ، وأنا لم أكن أبداً تعيساً لأن رغبتي الوحيدة أن أعيش في مشيئة الله ، وهكذا سلَّمتُ إرادتي تماماً لمشيئته ، حتى أن ما يرده الله هو ما أريده أيضاً .
فسأله العالِم : لكن إذا أراد الله أن يلقيك في الجحيم فماذا تعمل عندئذ؟
أجاب الفقير : يلقيني في الجحيم !؟ صلاحه يمنع ذلك .
ولكن إذا ألقاني هناك فسأمسكه بذراعين ، ذراع الإتضاع الحقيقي إذ أخضع له تماماً فاتحد ببشريته المقدسة ، وذراع الحب اليمنى المتحدة بألوهيته ، أمسك به ، وهكذا أعانقه حتى يضطر للنزول معي للجحيم . وأني أفضل أن أكون مع الله ولو في الجحيم عن أكون في السماء بدونه .
حينئذ فهم العالِم أن ترك كل شيء ، مع الإتضاع الكامل ، هو أقرب طريق إلى الله .
* فاستطرد العالِم سائلاً : من أي مكان أتيت ؟
+ أجاب الفقير : من الله .
* ومتى وجدت الله ؟
+ عندما تركت كل الخلائق
* وأين تجد الله ؟
+ في القلوب النقية وفي الناس طيبي النية
* وأي نوع من الناس أنت ؟
+ أنا ملك
* وأين مملكتك ؟
+ نفسي هي مملكتي ، لأني هكذا أستطيع أن أحكم نفسي في الداخل والخارج ، حتى أن كل الرغبات وقُى نفسي مُخضعةٌ لي ، وهذه المملكة أعظم من أي مملكة على وجه الأرض .
* وما الذي أوصلك لهذا الكمال ؟
+ سكوتي ( صمتي ) وأفكاري العالية وإتحادي بالله ، لأني لا أستطيع أن أستريح في أي شيء غير الله . والآن وجدتُ الله وفي الله نلتُ راحة أبدية وسلاماً .
__________
أعطانا الله سر الوحدة معه مختبرين كلمات القديس بولس الرسول
( مع المسيح صلبت فلا أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ )
( من التصق بالرب فقد صار روحاً واحداً )
القصة مكتوبة عن قصص مسيحية من واقع الحياة
- 4 -
الكتيب تحت عنوان إني مستعد أن أموت ثانية
وقصص أخرى
عن دار مجلة مرقس – مطبعة دير أنبا مقار برية شهيت