عبادة الجسد
يُجمع كثيرون على أن زمننا زمن الجسد بامتياز. فالاهتمام المهول بالجسد وما يتصل به يكاد يكون جنون هذا العصر. فالركض المحموم إلى كل ما يجعل الجسد البشري أجمل وأكثر جاذبية يتزايد يوماً بعد يوم. وليس أدل على صحة هذا القول من تكاثر مطرد للنوادي الرياضية والمراكز التجميلية وعمليات التجميل والسعي المحموم إلى امتلاك جسد بمواصفات أقرب إلى المثالية من حيث التناسب واللياقة.
إلى ذلك يغزوك السوق بكل ما يغذي هذه النزعة ويزيد نارها اضطراماً: بدءاً بالأودية والمستحضرات التي تزيد الرغبة في امتلاك ذاك الجسد المزعوم، إلى الثياب التي تبرز المفاتن وتؤجج الشهوة، إلى نمط العيش الاستهلاكي، وازدياد طلب المتع، بدءاً بألوان الطعام وليس انتهاء به. أما عن الأنات التجارية فحدّث ولا حرج عن استخدامها الجسد ومفاتنه وشهواته حتى يكاد يكون هو المادة الأكثر حضوراً في أي إعلان.
هذا النمط من العيش يفتح طاقات الإنسان الجسدية على وسعها، كما يُغرق الإنسان في اهتمامات جسدية لا تنتهي ولا تقف عند حد. بالإضافة إلى تعميم الرخاوة الجسدية كنمط عيش حديث. وإذا أضفنا إلى حياتنا الاهتمامات المعيشية اليومية اللازمة نرى أننا تزداد ماديّة يوماً بعد يوم. هذا الإنسان الجسداني الذي ينمو فينا يخنق الإنسان الروحي الذي نحن مدعوون أن نكونه.
بمقدار ما ينمو الإنسان الجسداني ينقص الروحاني. وبمقدار ما يزداد حُسناً الجسدي بمقدار ما تزداد بلادتنا الروحية، ويضعف الحس الروحي فينا. فالإنسان الغارق في الجسدانيات لا يستطيع أن يتذوق الروحانيات. وهكذا يصبح فريسة سهلة لكل أنواع الخطايا، مما يدفعه إلى حشر كل أمور الحياة في منظاره الجسدي هذا طلباً لتبرير سيرته.
يكفينا مثالاً أن ننظر إلى مقدار التراجع في ممارسة الأصوام، وانتشار التبريرات المختلفة التي تريد أن تقنع الإنسان ببطلان الصوم وشكلانيته.
لن نتكلم عن عدم قدرة الإنسان الجسدي على تلبية متطلباته والحصول على الفرح والسلام والطمأنينة.
يهمّنا في هذه العجالة أن نلفت اهتمام المؤمنين إلى الضرورة الماسة إلى تربية أبنائهم، منذ الطفولة، على تنمية حسهم وطاقاتهم وقدراتهم الروحية، حتى إذا صاروا إلى سن الشباب يستطيعون التحكم بأنفسهم وتمييز المفيد من المؤذي، وفصل الحقيقي عن الزائف.
لعل موسم الصوم المقبل يكون فرصة لنا كي نعطي إنساننا الروحي شيئاً من حقه، فنصل غداة الفصح إلى إنسان أكثر معرفة واتزاناً واعتدالاً في طلب ضروريات حياته.
افتتاحية نشرة العربية- العدد الأول 2011
إقرأ المزيد {الحياة الروحية} عبادة الجسد - للمتروبوليت سابا اسبر
الشبكة الأرثوذكسية العربية الأنطاكية