سلسلة 100 آية للوالدين
(4)
"نسجتنى فى بطن أمى" (مز13:119)
قد لا تسترجع الأم أحاسيس فترة الحمل إلا ومعها شعور الغثيان المصاحب للشهور الأولى لتلك الفترة، أو رفسات الجنين فى الشهور الأخيرة منها، أما ما كان يحدث من عمل غير منظور داخل الأحشاء. فهذا ما لا تفكر فيه. ذلك العمل الذى مهما حاول العلم أن يكشف ألغازه فلن يستطيع أن يدرك سره العجيب.
إنها يد الخالق التى كانت تتسلل إلى ذلك الركن الصغير والعميق فى بطنك – ياعزيزتى الأم – لكى تشكل بمهارة فائقة هذه التقاطيع الجميلة لوجه طفلك الذى تضميه الآن، إنها أنامله التى كانت تنسج بدقة خدوده الملساء، وفرشاته التى اختارت لعيونه هذا اللون الخاص. بل وكم يعوزنا الوقت أن نتتبع هذه اليد وهى تشكل بعناية طبيب ولمسات فنان، أعضاء جسم طفلك التى ترينها أمامك ؟! ثم كم يكون إنذهالك لو كُشفت لك أعضاؤه الباطنية التى لا ترينها ؟! . نعم لقد شاء الله أن يصنع من خلالك معجزاته العظمى.
ولكن هناك أيضاً معجزة أعظم !!
فإن كانت ملامحه الجسمية ومنحنيات أعضائه الرقيقة من أثر لمسات أصابع الله، وهى عطية مختارة منه بعناية خاصة، فإن ملامحه النفسية وتشابك إتجاهات شخصيته إنما هى أيضاً مغزولة بيديه، بخصوصية فائقة لطفلك بالذات. وما ميوله هذه، ومواهبه ومستوى ذكائه، الا خيوط معينة إختارها النساج الأعظم ليشكل بها لوحته الرائعة، وهى نفسية طفلك، التى لم ولن تتكرر. فحاشا للفنان المبدع أن يكرر نفسه.
ألا تنحنى معى – عزيزى الأب وعزيزتى الأم – شكراً لواهب العطية، وأنت تتقبل منه هديته الخاصة، طفلك. وبينما تتعرف على دقائق سماته التى ينفرد بها عن غيره، تتعهد بتنمية هذه الخصائص الطبيعية، دون تدخل زائد منك، وفى داخلك شعور بالقبول بل والفرح، على خصوصية هذه الهدية ؟! ثم تدعوه ليفرح معك وهو يرى إنعكاس ملامح وجهه فى المرآة، ويرى إنعكاس ملامح ميوله فى عينيك ؟! فيثق هو أيضاً أنه أعظم ما أعطى الله.