أولاً: صفات القديسمقاريوس
أهم صفات القديس مقاريوس التي بدت عليه منذ شبابه "الحكمة"، فكانأصدقاؤه ومحبوه يدعونه باسم الشيوخ". وكانت له قدرة على استبطان الأمور، فبدت وكأنها روح نبوة، فكانوايدعونه بالنبي اللابس الروح، أي حامل الروح القدس. بيدار يوجيرون أي "الشاب الشيخ" أو "الصغير صاحب حكمة
وكان صفوحاً معزياً، مقتدراً بالروح قادراً أن يقود جميع القاماتوالمستويات إلى المسيح. جمع في قطيعه بين أعنف النماذج مثل موسى الأسود، وأرقوألطف النماذج مثل زكريا الصبي الجميل أو أبوليناريا الراهبة السنكليتيكا (ربيبةالقديسين) إبنة أحد رجال البلاط الملكي.
وكان وجهه يضئ بالنعمة، ولكن بصورة ملفتة للنظر، حتى أن آباءًكثيرين شهدوا بأن وجهه كان يضئ في الظلام، فأسموه بالمصباح المضئ. وقد انتقلت هذهالصفة أو هذه التسمية إلى ديره، فدُعى كذلك بمصباح البرية المضئ أو الدير المضئ،مكان الحكمة العالية والصلاة الدائمة.
ولكن أعظم صفات أو مميزات القديس مقاره كانت القوة الإلهية الحالَّةعليه، والتي دُعيت بالشاروبيم التي كانت مصدر قوته وإلهاماته وحسن تدبيره وسلطانهالمخيف على الأرواح النجسة.
ثانياً: ذهاب القديس مقاريوس إلى شيهيت
قدم القديس مقاريوس إلى الإسقيط، أي شيهيت (وادى النطرون) علىأثر رؤيا خاصة رآها وهو يصلي في بلدة شبشير (منوفية) التي رُسم كاهناً عليها،ولم تكن برية شيهيت غريبة عليه، لأنه كانت يتردد عليها في أيام صبوته مع قوافلالجمال التي كانت تعمل لحساب والده كاهن القرية، إذ كانت تنقل النطرون من واديالنطرون إلى ترنوت (الطرانه الآن) على النيل، حيث كان يُحمل في المراكب ويصدرإلى فرنسا وبلاد أخرى كثيرة.
وتحت تأثير الفرح من الرؤيا التي رآها، إذ ظهر له الشاروبيم بمنظرنوراني بهيج وشجعه، قام وسار إلى شيهيت حتى بلغه. ثم وقف حائراً يصلي ويطلب منالله أن يريه مكاناً لائقاً يسكن فيه، فقال له الرب على فم الشاروبيم: "هذهالإرادة هي لك، ها كل البرية أمامك لأني أخشى لئلا أعطيك وصية أن تسكن هنا أو هناكفيقاتلك الضجر أو الإضطهاد وتخرج من ذلك الموضع وتتجاوز الوصية فتخطئ. فليكنسكناك بسلطانك". وشجعه الشاروبيم وقال له: "إني سأكون معك كل وقت، كأمرالرب".
وكان القديس مقاره في ذلك الوقت قد ناهز الأربعين عاماً من عمره،ولما كان مولده في سنة 300م. فتكون بداية توحده في شيهيت حوالي عام 340م.
بداية دير البراموس
وقد اختار القديس مقاره المكان المعروف الآن بدير البراموس، وحفرلنفسه مغارة وبدأ يتعبد بنسك كثير. وسرعان ما ذاع صيته واجتمع حوله عديد منالمريدين الذين أحبوه حباً جماً بسبب أبوته وحكمته والنعمة التي كانت عليه.
وبحسب التحقيق، فإن القديس أنبا مقار مكث في هذا المكان ما يقرب منعشرين سنة حتى اكتمل دير البراموس واكتظ بالمتوحدين الذين كانوا يعيشون في مغائرحول الكنيسة الرئيسية، إذ لم يكن هناك أسوار بعد. وقد قام القديس أنبا مقار في هذه المدة بزيارة القديس أنطونيوسمرتين، المرة الأولى عام 343م. والثانية عام 352م. وقد تسلم من القديس أنطونيوسفضائله وتعاليمه، وألبسه أنطونيوس الإسكيم المقدس، وسلَّمه عكازه. فكان هذا نبوةعن تسلم مقاريوس رئاسة الرهبنة بعد أنطونيوس. وقد شهد له القديس أنطونيوس بأن قوةعظيمة كانت تؤازره بقوله له "إن قوة عظيمة تخرج من هاتين اليدين".
كما كان القديس مقاريوس يتردد على اقليم نتريا - حيث كانت جماعةالرهبان بقيادة القديس آمون، ليصلي في الكنيسة هناك كلما أراد الشركة في جسد الربودمه، لأنه لم تكن قد بنيت كنيسة في شيهيت إلا بعد زيارة القديس مقاريوس الثانيةللقديس أنطونيوس أي سنة 352م.