أولاً بداية لا يظن أحد أني أنتقد أحد بعينه أو أضع الموضوع في صورة نقدية ، ولا أعمم الموضوع على الجميع ، بل أريد أن أكشف سر التسبيح والأناشيد الروحية حسب معناها الإلهي لنمونا وبنياننا الروحي ، لأننا فقدنا هذا البناء الحي بسبب الترانيم الهزيلة والتي فرغت من روح الإنجيل فيها ، وبالطبع لا أقصد الكلمات [ مع أن في كلمات سطحية للغاية ولا تتفق مع المعنى الكتابي الحي ] ، فأنا أقصد على الأخص روح الكلمات وقوة الروح فيها ، لأننا لو نظرنا لتسبحة الكنيسة بكل معانيها سنجدها أنها تشد القلب والفكر بالروح نحو الله !!! وهذا ما نفتقده في هذه الأيام الشديدة السطحية والتي تفتقر لعمل الله في القلوب قبل الأفواه !!!
ثانياً وللأسف الشديد لا يدرك الكثيرين [ وليس الجميع بالطبع ] أهمية الترتيل والتسبيح في سر التقوى والامتلاء بالروح القدس ، فاليوم نجد أن أي شخص يجد في نفسه القدرة على الترتيل أو التأليف لبعض الكلمات والتي قد تبدو جميلة وموفقة في المعاني فينطلق ليرتل ويُلحن وينتج شرائط ويقول ترانيم [ أي كلام × أي لحن = يخرج أي شريط ] ، وتستقبل الناس هذه الشرائط والترانيم بفرح ومسرة وتحفظها غير مميزة كلمات التقوى أو تستطيع أن تتأثر بسر التقوى التي في الترنيمة فتسبح الله كداود المرنم الحلو لإسرائيل ، وهذا كله نتاج أن الكثيرين لا يستطيعون أن يدركوا المعنى الحقيقي للترنيم للرب حسب ما أُعلن في الإنجيل ، فهم يقتطعوا آية ويتمسكوا بها دون أن يدركوا المعنى الشامل لها ، ولكي نفهم أساس الترتيل والترنيم في الكنيسة والتي تعطي مجداً لله الحي نقرأ رسالة أفسس بارتباط الآيات مع بعضها البعض ، فالرسول لا يقول [ مكلمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية ] ويصمت ، كما نسمعها من البعض غافلين المعنى المتكامل التي قصده الرسول ، لذلك علينا أن نعود لهذه الفقرة كاملة من كلمات الرسول الذي أوضح لنا المعنى الكامل للكلام حتى تستقيم حياتنا ونقدم ما يليق بالرب في سر التقوى والإيمان العامل بالمحبة :[ لأن ثمر الروح هو في كل صلاح و بر و حق. مختبرين ما هو مرضي عند الرب. و لا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبخوها. لأن الأمور الحادثة منهم سراً ذكرها أيضاً قبيح. و لكن الكل إذا توبخ يظهر بالنور لأن كل ما أظهر فهو نور. لذلك يقول استيقظ أيها النائم و قم من الأموات فيضيء لك المسيح. فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء. مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة. من أجل ذلك لا تكونوا أغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الرب. و لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح. مكلمين بعضكم بعضا بمزامير وتسابيح و أغاني روحية مترنمين و مرتلين في قلوبكم للرب. شاكرين كل حين على كل شيء في اسم ربنا يسوع المسيح لله و الآب. خاضعين بعضكم لبعض في خوف الله. ] (أفسس5: 9 – 21)
فكثيرين - اليوم - للأسف ليس لهم شركة حية مع الله غير مستيقظين قائمين من موت سلطان الخطية والمسيح الرب يُشرق في قلوبهم بالنعمة ، غير فاهمين مشيئة الرب وغير ممتلئين بالروح ، لأن داود النبي المرنم الحلو ومعلمنا التسبيح والترنيم لله الحي كان يمتلئ بالروح حينما يمسك القيثارة ويرنم للرب ، لذلك نجد الكثيرين ينشدون أغاني سطحية تفتقر للنغم الروحي الأصيل مع التعبيرات اللغوية اللاهوتية والروحية على صوت نغمات وألحان وتخيلوا أنهم يعزفون آلاتهم وينطقون كلماتهم كداود !!!
في الحقيقة يا أحبائي أن المرتل أو من يقدم الترتيل للكنيسة أي شعب الله الحي هو شخص تائب يحيا في عمق أصالة الحياة الروحية بالتقوى ويمتلئ دائماً بالروح مرنماً في قلبه أولاً للرب قبل أن ينطلق صوته ليمجد الله ويرتل له وسط شعبه ، وحينما بحثت في موضوع الموسيقى والألحان في الكتاب المقدس وفي الكنيسة وجدت أنها كانت رتبة في العهد القديم أولاً ، ثم في الكنيسة بعد ذلك ، ورأيت في الموسوعة القبطية أنه يوجد صلاة تُتلى على من سيتم تعيينه مرتلاً في الكنيسة وهي هكذا :[ أيها السيد الرب الكلي القدرة، عبدك هذا الواقف أمامك
هذا متقـدم لكنيستك القبطيـــــة الرسوليـــــة المقدســـــة
فلتُنـــــر عليـــــه ليُرنم كلماتـــــك المقدســـــة بحــــلاوة
وتنعـــــم عليه ليُغني أمامـك التراتيل الروحية بفهـــــم ]
فموضوع الترنيم والترتيل للرب ليس بالأمر الهين ولا البسيط ولا هو أي كلام يوضع في شكل شعري أو أي لحن حتى لو بدا جميل ورائع ، لأن النشيد للرب ينبغي أن يكون له أصول إلهية حسب مقاصد الله في سر التقوى والخضوع لله بالمحبة وإيمان حي واعي جداً وبكل مهابة واحترام شديد جداً وبوقار ، بل ينبغي أن يكون المرنم مستنير بنور الرب [ فلتُنر عليه ] ، فلننظر لطغمة الملائكة التي ترتل وتسبح اسم الرب ، ولننظر للقديسين الذي بخوف وكرامة ومهابة شديدة يرنمون ويسبحون اسم الرب القدوس ، لا من أجل شهرة أو تجارة إنما لأجل تمجيد وتعظيم اسمه القدوس الحي لأنه فدانا وأعطانا باسمه حياة ....
وبإذن المسيح ربنا القدوس الحي قريباً سأضع بحث متكامل عن الموسيقى والتسبيح في الكتاب المقدس والكنيسة موضحاً خصائصها وشروطها وثرائها الروحي واللاهوتي ، فقط صلوا من أجلي كثيراً لأن هذا العمل كبير وضخم جداً يحتاج جهد ، وهو موضوع رائع أن انتبه له أحد لكي يُحيي التراث الحي الذي تسلمناه بكل عمقه الإلهي عبر الأجيال ، لنُعيد مجد التسبيح الإلهي كما هو واضح في عمق الصلوات الكنسية وتسبيحها الرائع ، والتي هي كفيلة أن تعلم الكل كيف يكون التسبيح والتمجيد لله أن نظروها واستشعروها بالروح وليس بمجرد الفكر أو مجرد كلمات مكتوبة بحبر على ورق ، لأنها تحمل في عمقها أصالة الحياة مع الله واستعلان مجده الخاص عبر الأجيال كلها ، أقبلوا مني كل تقدير ، النعمة معكم
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
أرسل هذا الموضوع إلى صديق
نظرة واقعية لترانيم اليوم - الهاذرون المخترعون لأنفسهم آلات الغناء كداود
المواضيع المتشابهه
العرض الشجري