تذكرنــي
التسجيل التعليمـــات التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة
يمكنك البحث فى الموقع للوصول السريع لما تريد


  †† ارثوذكس †† > كل منتدايات الموقع > المنتديات المسيحية العامه > مدرسة الحياة المسيحية

مدرسة الحياة المسيحية دراسات روحية لاهوتية متكاملة للخبرة والحياة

مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع أرسل هذا الموضوع إلى صديق أرسل هذا الموضوع إلى صديق


اضافة رد

 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

بياناتي
 رقم المشاركة : ( 21 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:22 AM ]


جـ – تقدمة يسوع تُنشئ عهداً جديداً
في الحقيقة أن تقدمة يسوع ذاته للموت أنشأت عهداً جديداً، والعهد يتضمن طقوساً وشريعة وشعب. فالعهد القديم أُنشئ بين الله وشعبه على يد موسى بواسطة دم الحيوانات (كما قلنا سابقاً في خروج 24: 8): [وأخذ موسى الدم ورشه على الشعب وقال: هوذا دم العهد الذي عاهدكم به الرب على جميع هذه الأقوال]، أما يسوع رب المجد الله المتجسد أنشأ عهداً جديداً بدمه الخاص، [دمٍ كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح] [1]، [دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي] [2]


والعهد القديم كان مبنياً على شريعة أُعطيت لموسى (الناموس بموسى أُعطى)، أما العهد الجديد فمبني على تعاليم الرب يسوع التي تُكتب لا على حجر بل في القلب [لأن هذا هو العهد الذي أعهدهُ مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب: أجعل نواميسي في أذهانهم وأكتبها على قلوبهم وأنا أكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً] [3]
وتعاليم الرب يسوع ليست تعاليم كلامية تُحفظ في الفكر كمعلومة لها بريقها ورونقها وكمال إنسانيتها، بل هي قوة حياة تُحيي النفس أبدياً، فهي تُشكلها وتُغيرها على صورة ذاته، ولذلك تُصاحبها نعمة قوية ذات سلطان تعمل في القلب سراً، فتنقي القلب وتُحيي الأموات بالخطايا والذنوب، وترفع الإنسان لمستوى الشركة مع الله بالحب [أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به [4]؛ الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة [5]]، ولذلك قال في إنجيل يوحنا موضحاً أن [الناموس بموسى أُعطيَّ، أما النعمة والحق فبيسوع قد صارا] [6]
وفي العهد القديم نشأ مع موسى شعب الله المكوَّن من الشعب الإسرائيلي الذي يُسمى كنيسة العهد القديم، وكان إسرائيل [7] الابن البكر [8] الذي من خلاله أظهر الله قدرته وسط باقي الشعوب ليُهيئ القلوب لإعلان العهد الجديد بدم حمل الله رافع خطية العالم، أما في العهد الجديد فنشأ بالمسيح شعب الله الجديد، جنس مختار كهنوت ملوكي أمة مقدسة بدم ابن الله الحي القدوس، وصار كل من يؤمن رعية مع القديسين وأهل بيت الله: [وأما أنتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي، أمة مقدسة، شعب اقتناء، لكي تُخبِّروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب[9]؛ فلستم إذاً بعد غرباء ونزلاً بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله [10]]


فالرب يسوع المسيح ملك المجد، صليبه صار نبع الغفران للجميع، لكل من يؤمن، ويصير به الكل مُصَالح مع الله [وأنا أن ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع] [11]



فالمسيح ابن الله الكلمة المتجسد لم يمت فقط عن الأمة اليهودية، بل عن الجميع كما قال القديس يوحنا الرسول: [فجمع رؤساء الكهنة والفريسيون مجمعاً وقالوا: ماذا نصنع فإن هذا الإنسان يعمل آياتٍ كثيرة، إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وأُمتنا، فقال لهم واحدٍ منهم وهو قيافا، كان رئيس للكهنة في تلك السنة: أنتم لستم تعرفون شيئاً ولا تفكرون أنهُ خيرٌ لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها. ولم يقل هذا من نفسهُ بل إذ كان رئيساً للكهنة في تلك السنة، تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة وليس الأمة فقط بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد] [12]
وعندما طُعن أحد الجنود الرب [ولكن واحداً من العسكر طعن جنبه بحربة فللوقت خرج دمٍ وماء][13] فأن بذلك وُلِدَت الكنيسة – كما شرحها الآباء – وُلِدَ شعب العهد الجديد، أي أن الكنيسة شعب الله الحي، وُلِدت من آلام يسوع الخلاصية، بسرّ الماء والدم، وُلِدَت من فيض محبة الله التي ظهرت لنا في موت يسوع المسيح، وهي تترعرع وتنمو بقدر ما تشترك في تلك المحبة وتُحققها في حياتها بالآلام وتذوق قوة القيامة [لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته][14]



لقد عاش يسوع تلك المحبة بتقدمة ذاته على الصليب، ويطلب من كل من يُريد أن يتبعه ويتتلمذ لهُ أن يدخل في تيار محبته: [وقال للجميع (لم يستثني أحد) إن أراد أحد أن يأتي ورائي (يتبعني) فليُنكر نفسه، ويحمل صليبه كل يوم (وكل يوم يعني شريعة يومية دائمة لحياة المسيحي الحقيقي) ويتبعني] [15]


وفي العشاء السري طلب يسوع من تلاميذه أن يأكلوا جسده ويشربوا دمه بالسرّ [خذوا كلوا، هذا هو جسدي.. اشربوا من هذا كلكم، هذا هو دمي]، لأن كل من يأكل – بالإيمان الحي الواعي – ذبيحة المسيح ابن الله الكلمة المتجسد والقائم بمجد عظيم، يدخل في جميع معاني هذه الذبيحة المقدسة جداً ويلتزم بكل متطلباتها، فيقدم حياته مع المسيح [مع المسيح صلبت] ويغفر ويحب كما غفر المسيح لصالبيه، وهكذا يتحقق فيه العهد الجديد الذي أنشأه المسيح يسوع ربنا بدمه الكريم بين الإنسان والله، وذلك عندما تسري في عروقه حياة الله، حياة المحبة والغفران، وهكذا يتحقق – عملياً – على مدى الزمن والتاريخ الخلاص الذي حققه يسوع بموته على الصليب.
عموماً، فأن ذبيحة المسيح (حمل الله) على الصليب هي ذبيحة كاملة ونهائية للتكفير عن خطية الإنسان وخلاصه أبدياً، فالذبائح جميعها – في العهد القديم – لم تكن إلا رمزاً باهتاً لذبيحة المسيح النهائية والكاملة، فلم يكن الناموس بكل ذبائحه وفرائضه وأحكامه [بقادر أن يُحيي]، بل كان الناموس [مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان] [16]، [لأنه لا يُمكن (مستحيل) أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا.. نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة. وكل كاهن يقوم كل يوم يخدم ويقدم مراراً كثيرة تلك الذبائح عينها التي لا تستطيع البتة أن تنزع الخطية، أما هذا (أي المسيح) فبعد ما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلى الأبد عن يمين الله.. لأنه بقربان واحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين] [17]



ومن ثَمَّ فقد أَبطلت ذبيحة المسيح يسوع كل الذبائح القديمة تماماً وأنهت دورها الرمزي، تلك التي كانت تُقدَّم مراراً وتكراراً ولا تقدر أن تنزع الخطية لا من فكر الإنسان ولا من ضميره، لأنها كانت غير نافعه من جهة أنها غير قادرة على أن تقوم بتغيير جذري في حياة الإنسان ليدخل في سرّ حياة جديدة ليكون له ثقة للدخول للأقداس العُليا والوجود في حضرة الله الدائمة بصفته قد تبرأ من الخطية وانفك وأُعتق من سلطان الموت.

ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [لماذا كانت الحاجة إلى ذبائح كثيرة، طالما أن ذبيحة واحدة كانت كافية، لأنه من خلال الذبائح الكثيرة وتقديمها المستمر، يُظهر أن هؤلاء لم يتطهروا أبداً، لأنه تماماً مثل الدواء، عندما يكون قوياً وقادراً على استرداد صحة المريض فأنه يستطيع أن يقضي على المرض كلية ويتمم الشفاء الكامل إذا استُخدم مرة واحدة، وبذلك يكون قد حقق النتيجة المرجوة وأُظهر فاعليته، وبذلك لا يكون هُناك حاجة لتناوله مرة أخرى. أما إذ استُخدم باستمرار، فأن هذا يُعد دليل على ضعفه في أن يمنح الشفاء، لأن سمة الدواء أن يُستخدم مرة واحدة، وليس مرات عديدة، هكذا هُنا أيضاً (فيما يتعلق بالذبيحة). بمعنى أنه لماذا كانوا يحرصون دائماً على تقديم الذبائح (باستمرار).
لأنه إذا كانوا قد تخلَّصوا بالفعل من كل الخطايا بالذبائح، ما كانوا ليقدموها كل يوم، كذلك كان هُناك بعض الذبائح التي كانت تُقدم كل يوم عن كل الشعب، في المساء وفي الصباح. إذاً فما كان يحدث، هو بمثابة اعتراف بوجود الخطايا وليس بمحوها، كان اعترافاً بالضعف، وليس دليل قوة. لأن الذبيحة الأولى لم يكن لها حقيقة أي قوة. لهذا قُدمت الذبيحة الثانية (ذبيحة المسيح)، ولأن الذبيحة الأولى لم تنفع مُطلقاً، فقد تبعتها ذبيحة أخرى، إلا أن كثرة هذه الذبائح كان يُعد دليلاً على وجود الخطايا. بينما تقدماتها بشكل مستمر كان دليل ضعفها..
لقد أظهر بالكلام السابق أنالذبائح كانت بلا فائدة من حيث تحقيق النقاوة الكاملة، وأنها ضعيفة جداً. بل أن الواحدة قد أتت ضد الأخرى، فإن كانت هذه الذبائح أمثلة وظلال، فكيف، بعد ما أتت الحقيقة، لم تتوقف ولا تراجعت، بل كانت تُمارس؟
هذا بالضبط ما يظهره هنا، أنها لم تعد تُقدَّم بعد، ولا حتى كمثال، لأن الله لا يقبلها،وهذا أيضاً يبرهن عليه ليس من العهد الجديد، بل من الأنبياء، مُقدماً منذ البداية أقوى شهادة، أن الذبائح القديمة قد أُنقضت وانتهت، وأنه ليس من المقبول القول بأنها تصنع كل شيء، فهي تأتي باستمرار في تعارض مع الروح القدس. ويُظهر بكل وضوح أن هذه الذبائح لم تتوقف اليوم فقط، بل منذ ظهور المسيح، بل الأفضل أن نقول، بل وقبل ظهوره، وأن المسيح لم يُبطلها مؤخراً، بل توقفت قوتها أولاً ثم أتى بعد ذلك، فقد أُبطلت سابقاً وحينئذٍ أتى المسيح. إذاً لكيلا يقولوا إنه بدون هذه الذبيحة (أي المسيح)، كان يُمكن أن نُرضي الله، فقد أنتظر هؤلاء أن يزدروا بأنفسهم، وحينئذٍ يأتي المسيح، لأنه يقول "ذبيحة وقرباناً لم ترد" [18]
لقد نقض كل شيء بهذا الكلام، وبعدما تكلم بشكل عام، نجده يتكلم بشكل خاص يقول لم تُسّر بالمحرقات التي كانوا يقدمونها، من أجل غفران الخطايا.. كانت تُقدم (الذبائح) مراراً كثيرة؟ لم يتضح، أنها كانت ضعيفة وأنها لم تفد أبداً، من حيث أنها كانت تُقدم مراراً كثيرة فقط، بل ومن حيث إن الله لا يقبلها، لأنها زائدة، وبلا فائدة.هذا تحديداً هو ما يعلن عنه في موضع آخر فيقول: "لا تُسر بذبيحة وإلا فكنت أقدمها" [19]. إذاً بحسب هذا الكلام هو لا يُريد ذبيحة. فالذبائح ليست هي بحسب إرادة الله، بل هو يُريد إبطالها، وبناء على ذلك، فهي تُقدم بحسب إرادة الذين يقدمونها][20]

========================

عموماً فقد تعددت ذبائح العهد القديم – كما سنرى لاحقاً – لأن ذبيحة واحدة لم تكن كافية للتعبير عن الجوانب المختلفة لذبيحة المسيح، ونجد أسفار العهد الجديد (ما عدا يعقوب ويهوذا) تُشير إلى موت المسيح كذبيحة الكاملة عن الخطية، وقد أشار المسيح يسوع نفسه ثم الرسل إلى ذلك، فإليه كانت ترمز وتُشير:
* ذبيحة العهد
+ وقال لهم هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين.
+ لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا.
+ هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُسفك عنكم.
+ ولأجل هذا هو وسيط عهد جديد لكي يكون المدعوون إذ صار موت لفداء التعديات التي في العهد الأول ينالون وعد الميراث الأبدي. لأنه حيث توجد وصية يلزم بيان موت الموصي. لأن الوصية ثابتة على الموتى إذ لا قوة لها البتة ما دام الموصي حياً. فمن ثم الأول أيضاً لم يكرس بلا دم. لأن موسى بعدما كلم جميع الشعب بكل وصية بحسب الناموس اخذ دم العجول والتيوس مع ماء وصوفاً قرمزياً وزوفا ورش الكتاب نفسه وجميع الشعب. قائلاً هذا هو دم العهد الذي أوصاكم الله به. والمسكن أيضاً وجميع آنية الخدمة رشها كذلك بالدم. وكل شيء تقريباً يتطهر حسب الناموس بالدم وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة. [21]
* ذبيحة المحرقة
+ واسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح أيضاً وأسلم نفسه (للموت) لأجلنا قرباناً وذبيحة لله رائحة طيبة
+ لأنه لا يُمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا. لذلك عند دخوله إلى العالم يقول ذبيحة وقرباناً لم ترد ولكن هيأت لي جسداً. بمحرقات وذبائح للخطية لم تُسرّ. ثم قلت هانذا أجيء في درج الكتاب مكتوب عني لأفعل مشيئتك يا الله. إذ يقول آنفاً إنك ذبيحة وقرباناً ومحرقات وذبائح للخطية لم ترد ولا سُررت بها التي تقدم حسب الناموس. ثم قال هانذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله، ينزع الاول لكي يثبت الثاني. [22]
* ذبيحة الخطية
+ لأنه ما كان الناموس عاجزا عنه فيما كان ضعيفاً بالجسد، فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد، لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه
+ فأن الحيوانات التي يدخل بدمها عن الخطية إلى الأقداس بيد رئيس الكهنة تحرق أجسامها خارج المحلة. لذلك يسوع أيضاً لكي يُقدس الشعب بدم نفسه تألم خارج الباب.
+ فأن المسيح أيضاً تألم مرة واحدة من أجل الخطايا البار من أجل الأثمة لكي يقربنا إلى الله مماتاً في الجسد ولكن مُحيى في الروح. [23]
* خروف الفصح
+ إذاً نقوا منكم الخميرة العتيقة لكي تكونوا عجيناً جديداً كما أنتم فطير، لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذُبح لأجلنا.[24]
+ وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم... فنظر إلى يسوع ماشياً فقال هوذا حمل الله [25]
* ذبيحة يوم الكفارة
+ من ثَمَّ كان ينبغي أن يُشبه إخوته في كل شيء لكي يكون رحيماً ورئيس كهنة أميناً فيما لله حتى يُكفر خطايا الشعب
+ وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً. لأنه إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش على المنجسين يُقدس إلى طهارة الجسد. فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي [26]
وعلينا أن ننتبه هنا لما قاله الرسول لأنه في منتهى الأهمية القصوى ومن خلاله نفهم التفرد لذبيحة المسيح الرب ومعنى امتداد هذه الذبيحة الحية أبداً وأزلاً:
· بدم نفسه دخل مرة واحدة الى الأقداس فوجد فداء أبدياً.
· دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي.
======================
[1] (1بطرس 1: 19)
[2] (عبرانيين 9: 14)
[3] (عبرانيين 8: 10؛ إرميا 31: 33)
[4] (يوحنا 15: 3)
[5] (يوحنا 6: 63)
[6] (يوحنا 1: 17)
[7] ישׂראל -Israel = ويعني أمير الله، الأمير الذي غلب مع الله، يجاهد مع الله، وهو الاسم الذي أطلقه الرب على يعقوب (تكوين 32: 28)، ثم أُطلق الاسم على كل نسل يعقوب (تكوين 34: 7)
[8] (خروج 4: 22)
[9] (1بطرس 2: 9)
[10] (أفسس 2: 19)
[11] (يوحنا 12: 32)
[12] (يوحنا11: 47 – 52)
[13] (يوحنا 19: 34)
[14] (فيلبي 3: 10)
[15] (لوقا 9: 23)
[16] (غلاطية 3: 21 و24)
[17] (أنظر عبرانيين 10: 4 – 14)
[18] (مزمور 51: 16)
[19] (مزمور51: 16)
[20] (القديس يوحنا ذهبي الفم عظة 17على شرح رسالة القديس بولس الرسول إلى العبرانيين مترجم عن اليونانية طبعة 2010 صفحة 255 – 256؛ صفحة262، 263)
[21] (مرقس 14: 24؛ متى 26: 28؛ لوقا 22: 20؛ عبرانيين 9: 15 – 22)
[22] (أفسس 5: 2؛ عبرانيين 10: 4 – 9)
[23] (رومية 8: 3؛ 2كورنثوس 5: 21؛ عبرانيين 13: 11و 12؛ 1بطرس 3: 18)
[24](1كورنثوس 5: 7)
[25] (1كورنثوس 5: 7؛ يوحنا 1: 29 و36)
[26] (عبرانيين 2: 17؛ 9: 12 – 14)

رد مع إقتباس
Sponsored Links
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 22 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:23 AM ]


ذبيحة الصليب في ضوء ذبائح العهد القديم
أولاً تمهيـــــــــــــــــــــ ـــــد

سنقوم في هذا الجزء بتوضيح عمل ذبيحة المسيح المُتميزة والمتفوقة بما لا يُقاس:
فينبغي لنا أن نعلم أنهُ لم يكن ممكناً بأي حال من الأحوال أن يوفي العهد القديم أو يُغطي ويوضح عمل ذبيحة المسيح يسوع بنوعٍ واحد من الذبائح، أو في طقس واحد من الطقوس المتعددة التي نراها فيه، وعلى الأخص في سفر اللاويين الذي اختص بهذه التفاصيل بكل دقة.
فذبيحة الصليب، ذبيحة فائقة مُميزة وفريدة جداً من نوعها وفي إمكانيتها، لأنها متسعة جداً، لأن الذبيح هو ابن الله القدوس الحي، فكيف ممكن أن يُحد في ذبيحة أو طقس مهما ما بلغ من دقة الشرح وشدة التفاصيل بكل طولها وعرضها واتساعها!!!

عموماً نرى في سفر اللاويين الإصحاح الخامس أنواع مختلفة كثيرة من الذبائح والتقدمات، كل منها يُعلن عن جانب أو جوانب معينة من جوانب الصليب ويشرحها بكل دقة، ومع هذا يُمكننا أن نقول بأن هذه الأنواع جميعها بطقوسها الطويلة والدقيقة والمتباينة، قد عجزت تماماً عن كشف كل أسرار الصليب لنا، مع أنها وضعت ملامح قوية لنغوص فيها وندخل في سرها العظيم.
وقد قدَّم لنا العهد القديم – بترتيب مُحكم وتنظيم إلهي فائق – رموزاً وتشبيهات وأحداث كثيرة مُكثفة جداُ عَبّر الأجيال، لعلها تدخل بنا إلى أعماق جديدة لهذا السر العظيم والفائق لمداركنا جداً، وهو سرّ الصليب.
ويقول القديس إفرام السرياني: [السرّ الذي كان الخلاص مزمعاً به (أي يدل عليه)، وهو هرق دم الإله المتجسد الذي هو وحده إنسان بلا عيب، بلا خطية، سبق بذلك عليه وأُشار إليه برموز وأمثال، حتى إذا جاء الخلاص الحقيقي بالذبيحة التي تقدر على خلاص الخطاة، يعلم كل من يؤمن أن إليها كانت الإشارة والرموز] [1]
عموماً الذبائح والتقدمات المذكورة في سفر اللاويين فهي كالتالي:
1 – ذبيحة المحرقة [إصحاح 1]
2 – تقدمة القربان [إصحاح 2]
3 – ذبيحة السلامة [إصحاح 3]
4 – ذبيحة الخطية [إصحاح 4، إصحاح 5: 1 – 13]
5 – ذبيحة الإثم [إصحاح 5: 14 إلى إصحاح 6: 7]
ولابد من أن ننتبه لبعض الأشياء أو نضع بعض الملاحظات، قبل أن ندخل في شرح تفصيلي لأنواع الذبيحة ونربطها بصليب ربنا يسوع لنفهم ونستوعب سرّ عمل الله الخلاصي المتسع جداً، أي نستوعب سرّ خلاصنا وندخل إليه لنعيشه ونحياه كخبرة واقعية في حياتنا الشخصية واليومية، لأنه ينبغي أن ننتبه لهذا الموضوع جيداً جداً، لأن حينما شرعت في كتابته لم أقصد قط أن أكتب معلومات لمحبي المعرفة بالشيء أو للدارسين، ولكني كتبت الترتيب الإلهي لإظهار قصد الله المُعلن في كلمته التي تُعلِّمنا طريق الخلاص لنسير فيه، لكي نبدأ السير الفعلي – على المستوى العملي المُعاش – في طريق خلاصنا بمعرفته بدقة حسب التعليم الإلهي الحي، وحينما نعرفه ونفهم قصد الله نبدأ السير فيه ونعي ما صنع ربنا يسوع لنا فنستفيد من ذبيحته ولا تكون لنا معلومة وفكره، إنما قوة حياة نحياها ونتعايش فيها كمسيحيين حقيقيين، فنفرح بالخلاص الثمين العظيم الذي صنعه لنا ليكون لنا شركة معه في حياة أبدية لا تزول، لأن كيف لأي شخص أن يسير في طريق وهو لا يعرف كيفية الوصول إليه، أو أنه رأى الطريق من بعيد وأُعجب به ولم يدخله أو يضع قدمه على أوله ليبدأ أن يدخل فيه ويسير لنهايته!!!
========================
ثانياً بعض الملاحظات الهامة لفهم الشرح عن الذبائح
[أ] - الذبيحة كهبة
أولاً لا بُد أن ندرك أن الذبيحة هي هبة لا رجعة فيها، وذلك لأنها تُذبح كما قلنا سابقاً [وهذا يتضح لمن قرأ الموضوع بدقة منذ بدايته]، فهي تُقدم لله بكمال الوعي والإدراك، بحرية واختيار، بكمال الإرادة الحرة، بمعنى أن حينما تُقدم الذبيحة فمقدمها له الحرية أن يقدم أو لا يُقدم، إنما بفرح محبة الله يُقدم – بحرية إرادته واختياره – ذبيحة صحيحة، كاملة بلا عيب، كهبة مستحيل أن يفكر أن يردها أو يتراجع عن تقديمها، بل يقدمها مرة واحدة لتُذبح فلا تُرد، وهي فيها إجلال وشكر مع طاعة واضحة، طاعة واعية جداً لمشيئة الله، تعي وتعرف وتدرك مسرته.
وهذه الهبة حينما تُقدَّم بهذا المعنى، تُنشئ مسرة خاصة، لذلك كانت ذبيحة المحرقة حينما تقدَّم تُذبح وتحرق بالتمام، فيستنشقها Inhale الله للرضا والمسرة [2]

وحينما نبحث عما يَسُرَّ الله، نجد أن كل سروره في سماع صوته أي الطاعة، لذلك تُعتبر أول ذبيحة تُقدم لله هي المحرقة، التي تدل على الطاعة الكاملة لله (كما سوف نرى في شرح ذبيحة المحرقة بكل تفاصيلها وبكل دقة): [بذبيحة وتقدمة لم تسر أذني فتحت، محرقة وذبيحة خطية لم تطلب، حينئذ قلت هانذا جئت بدرج الكتاب مكتوب عني أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت وشريعتك في وسط أحشائي][3]

ولننتبه للكلام هنا بكل حرص ودقة شديدة، فآدم سقط بالعصيان، حينما خالف وصية الله ولم يستمع لصوت الرب الذي نبهه لطريق الموت، وطلب منه أن يختار الحياة، فلم يسمع آدم وخالف الوصية، وهكذا ظل الإنسان يعصى الله ولا يتمم مشيئته ولا إرادته، وإلى اليوم – رغم أننا في العهد الجديد – لا زال الإنسان لا يسمع صوت الله ويطيع وصاياه أو حتى على الأقل يعلن احتياجه الروحي إليه، ويطلب مشيئته، ويرجع للرب ويتوب توبة حقيقية: [ألستم تعلمون أن الذي تقدمون ذواتكم له عبيدا للطاعة، أنتم عبيد للذي تطيعونه: إما للخطية للموت أو للطاعة للبر] [4]

ولأن الإنسان أصبح غير قادر أن يُرضي الله لأن أذنه لم تُفتح بعد – بسبب قساوة القلب نتيجة العصيان الدائم – فلم يتعرَّف على صوت الله ولا مشيئته، لذلك لم يعد بقادر أن يقدم طاعة؛ لذلك أتى رب المجد يسوع لابساً جسم بشريتنا ليُعطي لنا قوة الطاعة بتقديم ذاته ذبيحة محرقة، فتنسم أبوه الصالح عند المساء [وقت صلبه وموته] رائحة سرور ورضا: [لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة هكذا أيضاً بإطاعة الواحد سيجعل الكثيرون أبراراً] [5]

ومن هنا نقدر أن نفهم كل كلام الرب يسوع الذي قاله – وتعثر فيه الكثيرين – في جثسيماني، وعن أنه ينبغي أن يتمم مشيئة الآب ويتمم عمله حسب التدبير، وأن يشرب الكأس بالتمام، وبخاصة الكلام الذي يظنه الناس أنه كان صراعاً مع الآب في قبول الكأس أو رفضها، مع أنه يكشف حال البشرية ويفضح قلبها العنيد في عدم طاعتها لله، ويُظهر طاعته الكاملة لمشيئة الآب وتتميم عمله بوضوح بالرغم من التكلفة، وذلك ليكون ظاهراً لنا، ويكون هذا هو لسان حالنا فيه، حينما نستفيد من ذبيحته وندخل في سرّ تجسده باتحادنا به كما وهب لنا فيه وأعطانا، فتُقبل تقدمة أنفسنا فيه وتظهر طاعتنا به لمشيئة الآب، فنصير فيه رائحة مسرة في ذبيحته الخاصة لأجلنا (كما سوف نرى بأكثر دقة ووضوح في شرح ذبيحة المحرقة)
========================
[ب] ترتيب الذبائح وارتباطها معاً
جاء ترتيب الذبائح والتقدمات عجيباً ودقيقاً جداً مبهراً في ترتيبه، فقد بدأ بذبيحة المحرقة، وانتهى بذبيحة الإثم، الأمر اللائق من جهة نظرة الآب للذبيحة، وليس من جهة نظرة الإنسان.

فالمؤمن الحقيقي في لقاءه مع المسيح المصلوب، يراه أولاً كذبيحة أثم وذبيحة خطية، إذ يرى فيه: أنه كلمة الله المتجسد الذي حمل أوجاعه الداخلية ودان الخطية في الجسد وأفرغها من سلطانها، ليطهره ويغسل ضميره ويخلقه – في نفسه – خليقة جديدة ليس للخطية سلطاناً عليها بالموت، ليقدر على أن يدخل (بالتقديس) في شركة مع الله المُحب الذي رُفض وطُرح من أمامه وأصبح خارج محضره بسبب خطاياه التي طعنته بأوجاع الموت ففصلته عن نبع الحب والحياة، وصار له شدة وضيق واحتمال كأس غضب قد امتلأ بسبب آثامه وتعديه على وصية المُحب الذي وهبه الحياة: [شدة وضيق على كل نفس إنسان يفعل الشر اليهودي أولاً ثم اليوناني] [6]

ومن خلال هذه النظرة – أي رؤية الصليب الذي فيه غُطيت كل آثامه وخطاياه – يتلمس في الصليب ذبيحة سلامة وشكر، وذلك عوض طبيعته الجاحدة التي صارت بسبب السقوط وحب الشهوة والانحصار في الذات تحت سلطان الموت محفوظة ليوم استعلان الدينونة.
كما يرى أيضاً (في الصليب) تقدمة قربان فيه ينعم بحياة الشركة في المسيح يسوع المصلوب، وأخيراً يدرك الصليب كذبيحة محرقة، إذ يكتشف فيه طاعة الابن الوحيد للآب حتى الموت، موت الصليب، فيقدم حياته في المسيح يسوع المصلوب ذبيحة في طاعة الإيمان، طاعة حب كاملة (غير مشروطة) بحياة كلها شكر لله الحي بابنه الوحيد في الروح القدس.

وهذا هو ترتيب الذبائح والتقدمات من خلال انتفاعنا كمؤمنين، فنراه أولاً من جهة ذبيحة الخطية والإثم، ثم ذبيحة سلامة وتقدمة قربان وذبيحة محرقة؛ أما الآب فيتطلع إلى الصليب – أن صح التعبير – أولاً: كمحرقة طاعة، يتنسم (breathe) فيه رائحة ابنه الحبيب كرائحة مسرة للراحة (שַׁבָּת - سبت)، إذ قد صار محرقة حب كامل في طاعة منقطعة النظير حتى الموت [وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع ὑπήκοος [صفة تعني: مُطيع – خاضع باستمرار حتى الموت موت الصليب] [7]، وينتهي بالنظر إليه كحامل لخطايانا وآثامنا، ليعبر بنا إلى الآب ويرفع عنا كل شدة وضيق وإحساس الغضب من جزاء خطايانا التي صارت فاصل بيننا وبين الله: [بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع [8]& خطاياكم منعت الخير عنكم] [9]


بالطبع، ليس معنى الكلام أننا نُميز بين جانب أو آخر في نظر الله الآب للصليب، أو حتى للمؤمنين، أنها في واقعها الإلهي هي جوانب متكاملة غير منفصلة عن بعضها البعض بأي حال من الأحوال، لأن ربنا يسوع قدم ذاته ذبيحة واحدة غير منقسمة ولا منفصلة بأي شكل من الأشكال، ولكن كل ما نريد أن نوضحه هو أن الصليب يُعلن – في نظر الآب – بأكثر بهاء، لا في انتزاع آثامنا وخطايانا، بقدر ما نحمل في أنفسنا طبيعة المصلوب نفسه، فنصير فيه محرقة طاعة وحب، نصير لهيب نار لا ينقطع، بحملنا ما للابن من طاعة حتى الموت، بحب بلا نهاية أي بالتعبير الإنجيلي الصحيح أن [نلبس المسيح ونوجد فيه]، لذلك يقول الرسول: [فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً، الذي إذ كان في صورة الله (أي الصورة الظاهرة التي تكشف وتستعلن الله في كماله، أو كيان الله نفسه) لم يحسب خُلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه (أفرغ نفسه من مجده، تجرد من مجده البهي) آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس، وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع (صار يطيع) حتى الموت، موت الصليب (كذبيحة محرقة للطاعة)] [10]

عموماً وباختصار شديد يُمكننا أن نقول بأن الله الآب يستنشق رائحة المسيح فينا خلال الصليب هكذا:
· 1 – محرقة الحب الكامل والطاعة له في ابنه الحبيب (ذبيحة محرقة)
· 2 – شركة الحياة معه في ابنه الوحيد μονογενής (تقدمة القربان)
· 3 – حياة السلام الداخلي والشكر الدائم ευχαριστία (ذبيحة السلامة)
· 4 – التمتع بالغسل المستمر من خطايانا العامة والخاصة (ذبيحة الخطية)
· 5 – الخلاص من كل إثم نرتكبه في المقدسات أو ما يخص الله (ذبيحة الإثم)
===================================

[1] (عن تفسير سفر الأحبار (اللاويين) منسوب إلى القديس إفرام السرياني في المخطوطين: الماروني 112 في مكتبة أكسفورد، والسرياني اليعقوبي 7/1 في مكتبة الشرفة)
[2] (طبعاً لا يفهم أحد الكلام خطأ فالله ليس مثل الإنسان له أعضاء وأنف يستنشق ويتنفس به، ولكن هذا تعبير خاص بحرق الذبيحة التي تصعد للعلو فيراها الله أمامه صالحة جداً ومرضية لأنها تُعبِّر عن الهبة الكاملة في طاعة المحبة لذلك فتعبير يشم أو يستنشق هو تعبير يدل على الرضا والمسرة)
[3] (مزمور 40: 6 – 8)
[4] (رومية 6: 16)
[5] (رومية 5: 19)
[6] (رومية 2: 9)
[7] (فيلبي 2: 8)
[8] (إشعياء 59: 2)
[9] (إرميا 5: 25)
[10] (فيلبي 2: 5 – 8)

رد مع إقتباس
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 23 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:24 AM ]


[جـ] الذبائح الدموية والتقدمات الطعامية
لابد أولاً أن نفهم معنى سفك الدم في مفهوم الشعوب وفي الكتاب المقدس، لنقدر أن نستوعب المعنى المقصود ونفرق ما بين فعل الشعوب القديمة وبين عمل الله والفكر الإلهي الصحيح وسط شعبه الخاص إسرائيل:
[1] كقاعدة عامة كانت الذبائح تتمركز حول الدم بكونه يُمثل النفس،
ففي الأزمنة المبكرة قد اُستخدمت الكلمة αἷμα (دم) بشكل فسيولوجي كحامل الحياة، وقوة الحياة. وهو كان يعتبر شرط لكل من الحياة البشرية والحيوانية، حتى أنه دل مجازاً – عند كثير من الشعوب القديمة على النسل، وذلك لكون الدم يُعتبر هو أساس الحياة، وقد أصبح مصطلح (يُريق دماً) مرادفاً لـ (القتل)، وسفك الدم يعني إهدار حياة، وكان يعتبر خطية عظمى جداً في عيني الله، وخطية سفك الدم [القتل] يلزم أن يُكفر عنها بالدم تحت مبدأ [القاتل يُقتل] بكونه سفك دماً بريئاً.

تكتسب كلمة [αἷμα - دم] أهمية خاصة في الاستخدام الديني عند جميع الشعوب قديماً، وبعض الديانات المتخلفة من الشعوب القديمة، لأنه العنصر الأكثر أهمية في القرابين. فالدم القرباني أُعتبر بمثابة امتلاك التقوى وتطهير النفس، فطقوس الدم المتعددة عند شعوب الأمم القديمة، من شرب أو رش الدم، استخدمت خصوصاً في الطقوس السحرية لجلب المطر أو لجلب الرفاهية أو المحبة أو الأذى أو الانتصار على الأعداء في الحروب.. الخ، وقد تتنوع الفكرة حسب فلسفة كل ديانة وثنية قديمة، كما نراها عبر التاريخ الإنساني كله.
وكان شرب الدم، وعلى الأخص دم العدو المقتول، كان يُعتقد – قديماً – أنه يجلب القوة ويعطي هبة النبوة، وأيضاً أحياناً يُستخدم عن طريق وضع دم الذبيحة في كأس ويتشارك فيه الذين يريدون أن يقيموا عهداً للتأكيد على عهدهم الذي لن ينحل أو يُنقَضْ أبداً!!!
===================
[2] يرى العهد القديم أن الدم أساس الحياة:
[غير أن لحماً بحياته دمه لا تأكلوه &لأن نفس الجسد هي في الدم، فأنا أعطيتكم إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم، لأن الدم يُكفر عن النفس، لذلك قلت لبني إسرائيل: لا تأكل نَفس منكم دماً، ولا يأكل الغريب النازل في وسطكم دماً.. لأن نفس كل جسد دَمُهُ هو بنفسه. فقلت لبني إسرائيل لا تأكلوا دم جسدٍ ما. لأن نفس كل جسد هي دمه. وكل من أكله يُقطع [1]؛ لكن احترز ألا تأكل الدم لأن الدم هو النفس فلا تأكل النفس مع اللحم] [2]

وهذا كله ينبه عليه الله، لكيلا يُشابه شعب إسرائيل الأمم، والذين يعتقدون أن لهم السيادة على كل نفس حيوان أو إنسان، فالله هو الإله الواحد الوحيد وسيد الحياة وواهبها ومُعطيها ومُستلمها، وهو ذو السيادة المطلقة على الدم وحياة البشر: "حي أنا يقول السيد الرب. ها كل النفوس هي لي" [3]
لذلك فهو يُجازي لأجل إراقة الدم البريء: [وأطلب أنا دَمَكم لأنفسكم فقط من يد كل حيوان أطلبه. ومن يد الإنسان أطلب نَفس الإنسان. من يد الإنسان أخيه. سافك دم الإنسان بالإنسان يُسفك دمه (من جهة القضاء). لأن الله على صورته عمل الإنسان [4]؛ ظُلمي ولحمي على بابل تقول ساكنة صهيون ودمي على سكان أرض الكلدانيين تقول أورشليم. لذلك هكذا قال الرب: هَأنَذَا أُخاصم خصومتك وأنتقم نقمتك وأُنشف بحرها وأجفف ينبوعها] [5]

ويعود أيضاً الدم الحيواني إلى الله، بصفته الخالق العظيم، الذي له كل الخليقة، لذلك كان يأمر في سفر اللاويين عند ذبح أي حيوان يُسفك دمه: يُغطى بالتراب ولا يُداس عليه بالأقدام أو يترك في العراء، كعلامة أن كل الأنفس الحية هي لله، لأنه هو واهب الحياة، وذلك كاحترام للحياة التي أعطاها الله لكل الخليقة بلا استثناء: [وكل إنسان من بني إسرائيل ومن الغرباء النازلين في وسطكم يصطاد صيداً وحشاً أو طائراً يؤكل، يسفك دمه ويغطيه بالتراب] [6]


واستهلاك الدم مُحرم مع الشحم أيضاً [فريضة دهرية في أجيالكم في جميع مساكنكم: لا تأكلوا شيئاً من الشحم ولا من الدم & وكل دم لا تأكلوا في جميع مساكنكم من الطير ومن البهائم. كل نفس تأكل شيئاً من الدم تُقطع تلك النفس من شعبها & وكل إنسان من بيت إسرائيل ومن الغرباء النازلين في وسطكم يأكل دماً، أجعل وجهي ضد النفس الآكلة الدم وأقطعها من شعبها & لكن احترز ألا تأكل الدم لأن الدم هو النفس، فلا تأكل النفس مع اللحم] [7]؛ [وثار الشعب على الغنيمة فأخذوا غنماً وبقراً وعجولاً وذبحوا على الأرض وأكل الشعب على الدم. فأخبروا شاول قائلين هوذا الشعب يُخطئ إلى الرب بأكله على الدم. فقال قد غدرتم. دحرجوا إليَّ الآن حجراً كبيراً. وقال شاول تفرقوا بين الشعب وقولوا لهم أن يقدموا إلىَّ كل واحد ثوره وكل واحد شاته واذبحوا ههنا وكلوا ولا تخطئوا إلى الرب بأكلكم مع الدم] [8]
===================
[3] الدم قوة تطهير وتقديس وتكفير وعهد:
يعتبر الدم في العهد القديم قوة مطهرة ويقدم للتكفير عن النفس، لذلك يتم رشه على المذبح وتقديس به كل شيء تقريباً: [فتذبح الكبش وتأخذ دمه وترشه على المذبح من كل ناحية؛ يضع يده على رأس قربانه ويذبحه لدى باب خيمة الاجتماع ويرش بنو هارون الكهنة الدم على المذبح مُستديراً] [9]

ويستخدم لتقديس الكهنة وملابسهم: [فتذبح الكبش وتأخذ من دمه وتجعل على شحمه أُذن هرون وعلى شحم آذان بنيه اليُمنى وعلى أَبَاهِم (إبهام) أيديهم اليُمنى وعلى أَبَاهِم أرجلهم اليُمنى. وترش الدم على المذبح من كل ناحية. وتأخذ من الدم الذي على المذبح ومن دهن المسحة وتنضح على هارون وثيابه وعلى بنيه وثياب بنيه معهُ. فيتقدس هو وثيابه وبنوه وثياب بنيه معهُ] [10]

ويُستخدم للتكفير وهي أهم نقطة يركز عليها العهد القديم: (ولا ننسى عند خروج شعب إسرائيل من مصر كيف عبر الملاك المهلك ولم يمس بكر كل من وضع الدم على العتبة العليا والقائمتين، إذ رأى الدم فعبر، لأن الدم كفر عن كل بكر وصار علامة خلاص) [11]
[ويقرب هارون ثور الخطية الذي لهُ ويُكفرّ عن نفسه وعن بيته.. ثم يأخذ من دم الثور وينضح بإصبعه على وجه الغطاء (غطاء تابوت العهد) إلى الشرق وقُدام الغطاء ينضح سبع مرات من الدم بإصبعه. ثم يذبح تيس الخطية الذي للشعب ويدخل بدمه إلى داخل الحجاب ويفعل بدمه كما فعل بدم الثور: ينضحه على الغطاء وقدم الغطاء فيُكفِرّ عن القدس من نجاسات بني إسرائيل ومن سيئاتهم مع كل خطاياهم. وهكذا يفعل لخيمة الاجتماع القائمة بينهم في وسط نجاساتهم، ولا يكن إنسان في خيمة الاجتماع من دخوله للتكفير في القدس إلى خروجه، فيُكَفَّرُ عن نفسه وعن بيته وعن كل جماعة إسرائيل، ثم يخرج إلى المذبح الذي أمام الرب ويكفر عنه، يأخذ من دم الثور ومن دم التيس ويجعل على قرون المذبح مستديراً. وينضح عليه من الدم بإصبعه سبع مرات ويطهره ويقدسه من نجاسات بني إسرائيل] [12]
[ثم تقدموا بتيوس ذبيحة الخطية أمام الملك والجماعة ووضعوا أيديهم عليها، وذبحها الكهنة وكفروا بدمها على المذبح تكفيراً عن جميع إسرائيل لأن الملك قال أن المحرقة وذبيحة الخطية هما عن كل إسرائيل] [13]

وطبعاً من أهم استخدام للدم هو الدخول في العهد، ويُسمى (دم العهد) [فأخذ موسى نصف الدم ووضعه في الطسوس، ونصف الدم رشه على المذبح، وأخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب. فقالوا كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع لهُ، وأخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال: هوذا دم العهد (דַֽם הַבְּרִית֙) الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال] [14]
عموماً نجد أن هذا المفهوم عن الدم [أي التقديس والتكفير والتطهير والعهد] قد استمر في الفكر اليهودي بلا توقف حتى بعد ظهور ربنا يسوع في ملئ الزمان حسب التدبير، وكان تعبير لحمٍ ودم هو وصف مثالي للبشر في هذه الفترة، واعتقد أن هذا التعبير موجود إلى اليوم في ذهن الكثيرين فمن السهل فهم هذا التعبير بشكل جيد إذ يُعرف الإنسان على إنه [من دمٍ ولحم].

===================
[1] (تكوين 9: 4؛ لاويين 17: 11 – 12 و14)
[2] (تثنية 12: 23)
[3] (حزقيال 18: 4 وما قبلها وما بعدها)
[4] (تكوين 9: 5 – 6)
[5] (إرميا 51: 35 – 36)
[6] (لاويين 17: 13)
[7] (لاويين 3: 17؛ لاويين 7: 26 – 27؛ لاويين 17: 10؛ تثنية 12: 23)
[8] (1 صموئيل 14: 32 – 34)
[9] (خروج 29: 16؛ لاويين 3: 2)
[10] (خروج 29: 20 – 21)
[11] (أنظر خروج 12: 21 – 28)
[12] (لاويين 16: 6، 14 – 19)
[13] (2أخبار أيام 29: 23 – 24؛ وللتطهير وتقديس الشعب أنظر لاويين 14، خروج 29: 20 – 21)
[14] (خروج 24: 6 – 8)

رد مع إقتباس
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 24 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:24 AM ]


تعبير ولي الدم
ومن التعبيرات التي تبدو غامضة أحياناً في العهد القديم هوتعبير ولي الدم:
وهو تعبير ظهر في العصور القديمة وهو يعني: أنه إذا قتل إنسان، إنسان آخر، يُصبح الأقرب للقتيل (kinsman) الحق في أن يقتل القاتل ( كمنتقم avenger)، وكان يُطلق على هذا القريب (ولي الدم גֹּאֵ֣ל הַדָּ֔ם).
وربما هذا الأمر يعود في الأصل إلى ما أمر به الله نوحاً بعد الطوفان: [من يد الإنسان أطلب نفس الإنسان. من يد الإنسان أخيه. سافك دم الإنسان بالإنسان يُسفك دمه. لأن الله على صورته عمل الإنسان] [1]

وكانت هذه قاعدة سائدة بين كثير أو الغالبية العُظمى من الشعوب والقبائل من جهة القضاء والحكم. وبمرور الزمن شملت هذه القاعدة القاتل المتعمد والقاتل سهواً أي الذي قتل عن دون قصد أو دراية، وللأسف تحول الموضوع من قاعدة قانونية لشكل فوضوي ثأري، فكان الأخذ بالثأر سبباً في استمرار النزاع بين الأفراد والقبائل بشكل دموي مستمر عبر الأجيال ولا يتوقف لأن كل واحد يقتل للآخر قتيل فيقوم الآخر برد الثأر وهكذا الموضوع يستمر في حلقات مستمرة لا تنتهي، مع أن أساسه هو حكم القضاء وليس حكم يأخذه الناس بأيديهم، ولنا أن نركز في العهد القديم لأن الله لم يقل لأحد خذ ثأرك بذراعك لأن اتفهم – من كثيرين – العين بالعين والسن بالسن أنه حكم عام يأخذه الإنسان بيده وليس حكماً يخص مجلس القضاء، لكن فكرة الثأر كانت موجودة كثقافة مترسخة عند الأمم وفي وجدان الشعب الإسرائيلي مخطوطة بسبب مخالطتهم بالشعوب الأخرى فجرت عندهم نفس العادة عينها خارج القضاء.

وقد نظمت الشريعة في العهد القديم هذا الحق وحدت منه، إذ فرَّقت ما بين القتل العمد والقتل السهو، ووضعت أمام القاتل عن غير عَمد (أي القاتل سهواً) منفذاً للنجاة. فأمر الله بتعيين مدن ملجأ [ليهرب إليها القاتل الذي قتل نفساً سهواً ليهرب إليها حتى يقف أمام الجماعة للقضاء.. فتقضي الجماعة بين القاتل وبين ولي الدم حسب هذه الأحكام.. وتنقذ الجماعة القاتل (سهواً) من يد ولي الدم وترده الجماعة إلى مدينة ملجأه التي هرب إليها، فيُقيم هُناك إلى موت الكاهن العظيم.. وأما بعد موت الكاهن العظيم، فيرجع القاتل (سهواً) إلى أرض مُلكه] [2]، فبموت الكاهن العظيم تعتبر القضية منتهية تماماً ويصبح القاتل سهواً حُراً.

[وهذا هو حكم القاتل الذي يهرب إلى هناك (مدن الملجأ) فيحيا، من ضرب صاحبه بغير علم وهو غير مُبغض له منذ أمس وما قبله (أي لا يوجد سوء نية). ومن ذهب مع صاحبه في الوعر ليحتطب حطباً فاندفعت يده بالفأس ليقطع الحطب وأفلت الحديد من الخشب وأصاب صاحبه فمات فهو يهرب إلى إحدى تلك المدن فيحيا لئلا يَسعى ولي الدم وراء القاتل حين يحمى قلبه (تعبير عن الغضب الشديد للانتقام) ويدركه إذا طال الطريق ويقتله وليس عليه حكم الموت لأنه غير مبغض له منذ أمس وما قبله. لأجل ذلك أنا آمرك قائلاً ثلاث مُدن تفرز لنفسك.. فزد لنفسك أيضاً ثلاث مُدن على هذه الثلاث. حتى لا يُسفك دم بريء في وسط أرضك التي يُعطيك الرب إلهك نصيباً فيكون عليك دم].
ويتكلم الله في يشوع على أهمية هذه المدن والتقنين القضائي للقاتل السهو: [فيهرب إلى واحدة من هذه المدن ويقف في مدخل باب المدينة ويتكلم بدعواه في آذان شيوخ تلك المدن فيضمونه إليهم إلى المدينة ويعطونه مكاناً فيسكن معهم. وإذا تبعه ولي الدم فلا يسلموا القاتل (سهواً) بيده لأنه بغير علم ضرب قريبه وهو غير مبغض له من قبل، ويسكن في تلك المدينة حتى يقف أمام الجماعة للقضاء[3] إلى أن يموت الكاهن العظيم الذي يكون في تلك الأيام. حينئذ يرجع القاتل (سهواً) ويأتي إلى مدينته وبيته إلى المدينة التي هرب منها] [4]، طبعاً لو ثبت أن القتل كان عن عمد يتم الحكم عليه بالموت من قِبل القضاء ولا تنفعه مُدن الملجأ.
===================
[1] (تكوين 9: 5و6)
[2] (عدد 35: 11 – 34)
[3]بمعنى أنهم يتحروا ويحكموا عليه وينظروا في دعواه ويتأكدوا انه فعلاً قتل سهواً وليس عن عمد، لأن من قتل عن عمد لا بد من أن يُحكم عليه فكما قتل يُقتل.
[4] (أنظر تثنيه 19: 4 – 13؛ يشوع 20: 1 – 9)

رد مع إقتباس
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 25 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:25 AM ]


[4] الدم في العهد الجديد:
ترد كلمة αἷμα (دم) حوالي 97 مرة، حيث تُستخدم للدلالة على الدم الإنساني حرفياً ومجازاً:
حرفياً: [وامرأة بنزف دم مُنذُ اثنتي عشر سنة] & [وكان حاضراً في ذلك الوقت قوم يخبرونه عن الجليليين الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم] & [ولكن واحداً من العَسكَر طعن جنبه بالحربة، وللوقت خرج دَمٍ وماء] [1]
ومجازاً من جهة الحكم: [لكي يأتي عليكم كل دمٍ ذكي سُفك على الأرض، من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن بَرَخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح. الحق أقول لكم: إن هذا كله يأتي على هذا الجيل] [2]
وتأتي بمعنى قوي من جهة الجهاد ضد الشرّ والخطية [لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية] [3]
وكما تأتي الكلمة أيضاً لتُعبَّر عن دم الحيوانات عموماً [بل يُرسَلْ إليهم أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام، والزنا، والمخنوق، والدم.. أن تمتنعوا عما ذُبح للأصنام، وعن الدم، والمخنوق، والزنا، التي إن حَفظتم أنفسكم منها فنِعِمّا تفعلون. كونوا معافين] [4]؛ وتعبر أيضاً عن دم الذبائح بوجه خاص: [وقد ذكرت بهذا المعنى في عبرانيين حوالي 12 مرة]

وطبعاً تأتي بشكل أكثر أهمية كتعبير لاهوتي عن دم المسيح، حيث أنها رُبطت مباشرة حوالي 25 مرة تقريباً بأهمية الخلاص بموت ربنا يسوع؛ وأيضاً كإشارة رؤيويه (حوالي 9 مرات).
=============================
[4- أ] كلمة αἷμα (دم) ترد كدم إنساني حامل للحياة ومتصل بالجسد:
[الذين ولدوا ليس من دمٍ ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل] [5]
والتعبير إراقة الدم يُشير إلى موت عنيف لشخص على يد آخرين [أرجلهم سريعة إلى سفك الدم][6]
وبالطريقة نفسها دم يسوع يُمكن أن يُشير إلى موته العنيف وسفك دمٍ بريء، وهذا ظاهر في اعترافات يهوذا وبيلاطس والشعب وكهنة إسرائيل ورؤسائهم: [حينئذٍ لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دينَ، فندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ قائلاً: قد أخطأت إذ سلَّمتُ دماً بريئاً [7]؛ فلما رأى بيلاطس أنه لا ينفع شيئاً، بل بالحري يحدث شغب، أخذ ماءً وغسل يديه قُدام الجمع قائلاً: إني بريء من دم هذا البار! أبصروا أنتم! فأجاب جميع الشعب وقالوا: دمه علينا وعلى أولادنا [8]؛ فلما أحضروهم (الرسل) أوقفوهم في المجمع فسألهم رئيس الكهنة قائلاً: "أما أوصيناكم وصية أن لا تُعلِّموا بهذا الاسم؟ وها أنتم ملأتم أورشليم بتعليمكم، وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان] [9]

وبما إن الله هو وحده رب لكل حياة، لأنه هو الواهب الحياة لكل أحد، فهو الخالق العظيم ولا سلطان لآخر على حياة أحد مهما كان وضعه أو سلطانه الديني أو السياسي أو القضائي (وليس معنى هذا أن القضاء لا يسري كقانون على أي إنسان، بل الكلام هنا يخص السلطان على حياة الناس)، فالله وحده من يهب الحياة ويأخذها، لأنها منه وإليه، حتى لو القضاء حكم بعدل بموت إنسان لأنه قاتل، فهو بذلك لا يضع سلطانه على النفس إطلاقاً لأنه لا يقدر، بل يحكم حكم العدل حسب الأمر الإلهي، من قَتل يُقتل، ولكن عن طريق القضاء فقط بحكم عادل بعد تحري الدقة حتى لو أخذت أيام وشهور، لأن أي حكم مُتسرع أو باطل عن قصد، فأنه كفيل بأن يضع الإنسان في مواجهة مع الله تحت دينونته العادلة، لأنه حكم بالتواء بلا عدل وسفك دماً بريئاً بتسرع دون أن يتأكد تماماً أنه قاتل فعلاً وعن سبق إصرار وترصد.

فالله كرب الحياة ومانحها وحده، لذلك فهو من يُسيطر على الدم والحياة الإنسانية، وهو من يقتص للدم الإنساني البريء [10]، وعلى الأخص دم الشهداء من أنبياء ورجال صالحين أتقياء ومُحبين اسمه، أي المؤمنين به المقتولين ظلماً وعدواناً لأن اسمه عليهم [وتقولون لو كنا في أيام آباءنا لما شاركناهم في دم الأنبياء. فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء. فاملأوا أنتم مكيال آبائكم.. ها أنا أُرسل إليكم أنبياء وحُكماء وكتبة فمنهم تقتلون وتصلبون ومنهم تجلدون في مجامعكم وتطردون من مدينة إلى مدينة. لكي يأتي عليكم كل دمٍ زكي سُفك على الأرض من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا ابن براخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح. الحق أقول لكم أن هذا كله يأتي على هذا الجيل] [11]

وكما نرى في سفر الرؤيا صراخ الأبرار للانتقام لدمهم المراق بسبب بذل حياتهم في سبيل كلمة الله، وطبعاً الانتقام هنا بمعنى الدينونة الأخيرة وانتهاء الأزمنة، وليس معنى الانتقام كتشفي أو دفع ثمن أو أن رغبتهم أن ربنا ينتقم من أعدائهم بالمعنى الانتقامي، فالدينونة تأتي على من سفك دمٍ بريء لأن الدم يصرخ إلى الله، كما قال في العهد القديم لقايين: [ماذا فعلت صوت دم أخيك صارخ إليَّ من الأرض. فالآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك][12]

[ولما فتح الختم الخامس رأيت تحت المذبح نفوس الذين قُتُلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم. وصرخوا بصوتٍ عظيم قائلين حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض. فأُعطوا كل واحد ثياباً بيضاً وقيل لهم أن يستريحوا زمانـاً يسيـراً أيضـاً حتى يَكْمَلَ العبيـد رُفقاؤهم وإخوتهم أيضـاً العتيدون أن يُقتلـوا مثلهم][13]
[وسمعت ملاك المياه يقول: عادلٌ أنت أيها الكائن والذي كان والذي يكون، لأنك حكمت هكذا، لأنهم سفكوا دم القديسين وأنبياء، فأعطيتهم دماً ليشربوا لأنهم مستحقون، وسمعت آخر من المذبح قائلاً: نعم أيها الرب الإله القادر على كل شيء، حق وعادلة هي أحكامك][14]
[ ثم جاء واحد من السبعة الملائكة.. وتكلم معي قائلاً لي: "هلمَّ فأُريك دينونة الزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة التي زنا معها ملوك الأرض وسكر سكان الأرض من خمر زناها "فمضى بي بالروح إلى البرية، فرأيت امرأة جالسة على وحش قرمزي مملوء أسماء تجديف.. والمرأة كانت متسربله بأرجوان وقرمز، ومتحلية بذهب وحجارة كريمة ولؤلؤ، ومعها كأس من ذهب في يدها مملوء رَجاسات ونجاسات زناها، وعلى جبهتها اسم مكتوب: "سرّ بابل العظيمة أم الزواني ورجسات الأرض"؛ ورأيت المرأة سَكرَى من دم القديسين ومن دم شهداء يسوع][15]

فالله سيدين المسكونة بالعدل في الدينونة الأخيرة ويُحاكم من سفكوا دماء عبيده الذين لم يتوبوا ولم يرجعوا عن فسادهم وتجديفهم العنيد ضد الله وتحدي سلطانة على حياة النفوس إذ أخذوا حق لا يملكونه: [ونظرت لما فتح الختم السادس وإذا زلزلة عظيمة حدثت والشمس صارت سوداء كَمسح من شعر والقمر صار كالدم. ونجوم السماء سقطت إلى الأرض كما تَطرح شجرة التين سُقاطها (أي الثمر المـتأخر) إذا هزتها ريح عظيمة. والسماء انفلقت كدرج مُلتف وكل جبلٍ وجزيرة تزحزحا من موضعهما. وملوك الأرض والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء وكل عبد وكل حُرّ أخفوا أنفسهم في المغاير وفي صخور الجبال وهم يقولون للجبال أسقطي علينا وأخفينا من وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف. لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف[16]؛ وبعد هذا سمعت صوتاً عظيماً من جَمعٍ كثير في السماء قائلاً: "هللويا الخلاص والمجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا، لأن أحكامه حق وعادلة، إذ قد دان الزانية العظيمة التي أفسدت الأرض بزناها، وانتقم لدم عبيده من يدها"، وقالوا ثانية: "ودخانها يصعد إلى أبد الآبدين"][17]
================================
[1] (مرقس 5: 25 & لوقا 13: 1 & يوحنا 19: 34)
[2] (مت 23: 35 – 36)
[3] (عبرانيين 12: 4)
[4] (أعمال 15: 20، 29)
[5] (يوحنا 1: 13)
[6] (رومية 3: 15)
[7] (متى 27: 3 و4)
[8] (متى 27: 24 و25)
[9] (أعمال 5: 28)
[10] (تكوين 9: 5)
[11] (متى 23: 30 – 36)
[12] (تكوين 4: 10 – 11)
[13] (رؤيا 6: 10 – 12)
[14] (رؤيا 16: 5 – 7)
[15] (رؤيا 17: 1 – 6)
[16] (رؤيا 6: 12 – 17)
[17] (رؤيا 19: 1 – 3)

رد مع إقتباس
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 26 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:25 AM ]


[4- ب] والدم يُمكن أن يدل على كامل الشخص في نظر الله،
لأن أي فرد ينبغي أن يُعطي حساباً عن نفسه أمام الله الحي، لأن كل واحد مسئول عن نفسه وعن خلاصه، أي تقبله الخلاص بإيمان شخصي واعي وتقديم توبة صادقة وحقيقية وأن يتبع يسوع في نفس الدرب الذي رسمه لنسير فيه، فلا يوجد مسئول آخر عن حياة الإنسان غير الإنسان نفسه، لأن للأسف التملُّص من المسئولية بدأ منذ أول يوم سقط فيه الإنسان عموماً منذ بداية الخلق، فنسمع صوت آدم وحواء في إلقاء مسئولية السقوط لا على أنفسهم بل على الآخر:
[وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة: فنادى الرب الإله آدم أين أنت، فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت. فقال: من أعلمك أنك عُريان. هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؛ فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطيتني من الشجرة فأكلت. فقال الرب الإله للمرأة ما هذا الذي فعلت. فقالت المرأة الحية غرتني فأكلت][1]
والقديس بولس ببصيرة روحية نافذة لأعماق النفس ومرضها الدفين، كشف وشخص المرض ونطق بالحكم حينما كان يكرز ويبشر اليهود ولم يسمعوا بعناد قلب فقال: [دمكم على رؤوسكم! أنا بريء & لذلك أُشهدكم اليوم هذا أني بريء من دم الجميع، لأني لم أؤخر أن أخبركم بكل مشورة الله. احترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع الرعية][2]

وعلى ما يبدو أن القديس بولس كرسول من الله وخادم أمين مُعَيَّن من قِبَل الله كان في ذهنه ما تم كتابته في حزقيال: [يا بن آدم قد جعلتك رقيباً لبيت إسرائيل فاسمع الكلمة من فمي وأنذرهم احترزوا لأنفسكم] من قِبَلي. إذا قلت للشرير موتاً تموت وما أنذرته أنت ولا تكلمت (كرقيب مُعَيَّن) إنذاراً للشرير من طريقه الرديئة لإحيائه فذلك الشرير يموت بإثمه أما دمه فمن يدك أطلبه. وإن أنذرت أنت الشرير (كرقيب أمين) ولم يرجع عن شره ولا عن طريقه الرديئة فإنه يموت بإثمه. أما أنت فقد نجيت نفسك. والبار إن رجع عن بِرِه وعمل إثماً وجعلت معثرة أمامه فإنه يموت. لأنك لم تُنذره يموت في خطيته ولا يُذكر بِرِه الذي عمله. أما دمه فمن يدك أطلبه. وإن أنذرت أنت البار من أن يُخطئ البار وهو لم يُخطأ فأنه حياة يحيا لأنه أُنذر وأنت تكون قد نجيت نفسك][3]

عموماً نجد أن القديس بولس الرسول الوكيل الأمين على رعية الله أنجز مهمته بإخلاص بإعلان الإنجيل، وكل من خدمهم وأرسل لهم رسائل إنذار وتعليم كانوا مسئولين عن حياتهم بالتمام منذ وقت إنذارهم إلى يوم انتقالهم، وهكذا كل نفس اليوم وصل لها بشارة الإنجيل والإنذار من الهلاك الأبدي ودعوتهم للتوبة هم مسئولين عن أنفسهم ودمهم عليهم.
=================
[1] (تكوين3: 8 – 13)
[2] (أعمال 18: 6؛ 20: 26)
[3] (حزقيال 3: 17 – 21)

رد مع إقتباس
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 27 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:26 AM ]


[4- جـ] التعبير [لحماً ودماً]:
يُصوَرُ ضعف الطبيعة الإنسانية وسرعة زوالها، أي يُعبَّر عن ضعف بشريتنا، وأيضاً يُعبَّر كتعبير رئيسي في العهد الجديد على الوقوع تحت سلطان عبودية الخطية والموت، لذلك مكتوب: [أن لحماً ودماً لا يقدران ان يرثا ملكوت الله] [1]، وذلك بسبب طبيعة الإنسان الساقطة تحت سلطان الموت الناشئ من تيار الفساد الذي سطا سطواً على إنسانيتنا التي سقطت بحريتها وإرادتها، فتغيرت الطبيعة البشرية من حالة مجد وشركة مع الله في النور، لحالة من الهوان والظلمة التي لا تقدر أن تتعامل مع الله النور الحقيقي، لأن عندما يُشرق الله تتبدد الظلمة وتتلاشى، لذلك قال الله لموسى لا يراني إنسان ويعيش، لا لأنه يريد أن يُميت الإنسان بل لأن طبيعة ظلمة الإنسان لن تحتمل نور الله وبهاء مجده، لذلك حينما رأى الشعب لمحة من نور الله على وجه موسى صرخوا ولم يحتملوا فوضع برقع ليستطيعوا النظر إليه.
[فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً كذلك فيهما، لكي يُبيد بالموت ذاك الذي له سُلطان الموت، أي إبليس، ويعتق أولئك الذين – خوفاً من الموت – كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية] [2]
فهذا اللفظ [لحم ودم] يُشير لحالتنا الساقطة كمخلوقات من (لحم ودم)، أي في حالتنا الطبيعية كبشر واقعين تحت سلطان الموت (لأن إلى الآن الجسد يفسد ويموت) لا نستطيع المشاركة في مجد الله: [إن لحماً ودماً لا يقدران أن يرثا ملكوت الله، ولا يرث الفساد عدم الفساد][3]، فالذي يرث ملكوت الله فقط هو الإنسان الجديد النوراني المخلوق حسب الله في القداسة والحق، أي المولود من فوق وله طبع سماوي، أي المولود من الله: الذين ولدوا ليس من دمٍ ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله[4]؛ لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها[5]؛ وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البرّ وقداسة الحق[6]
+ مصطلح لحماً ودماً ورؤية الله ومعرفته الحقيقية وحرب القوات الشريرة
أيضاً تعبير لحماً ودماً يوجه قلب الإنسان لمعرفة الله الحقيقية واستعلانه الخاص عن نفسه بواسطة الابن [الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خَبَّرّ – يوحنا 1: 18]، فتعبير لحمٍ ودمٍ يدل على عجز المعرفة الإنسانية بطبيعة الله النورانية، وذلك لأنها مرتبطة بظلمة الموت المُحيطة بالذهن الذي انطفأ فيه النور الإلهي منذ السقوط الأول، لذلك – عادةً – يفشل الإنسان في إقامة علاقة حقيقية اختبارية سليمة وعميقة (متأصلة في الحق) مع الله القدوس، وبالتالي لا يقدر على معرفته الحقيقية، لأن هذا هو الخبر الذي سمعناه منه (المسيح) الله نور وليس فيه ظلمة البتة (1يوحنا 1: 5)، فالظلمة لا تستطيع أن تجتاز السماوات وتأتي للنور، لأن الظلمة حسب طبيعتها سلبية لا تتواجد عندما يُشرق النور، فالظلمة تهرب من أمامه وتتلاشى لأنها لا تحتمل قوة النور وسلطانه، لذلك لا توجد شركة بين الظلمة والنور، لا بد من أن تتغير وتتبدل الظلمة بالنور لكي تحتمل النور: لأن عندك ينبوع الحياة، بنورك نرى نوراً (مزمور 36: 9)

فالإنسان بحسب طبيعته الساقطة وسيطرة الخطية على قلبه بالموت، لا يقدر أن يرى الله أو يتعرف عليه حتى لو حاول أن يقترب إليه عن طريق أعماله الصالحة كلها، لأن النبع التي تنبع منه نفسه مُرّ، لذلك معرفة الله الحقيقية لا تأتي على مستوى اللحم والدم، بل تأتي برؤية خاصة مُعلنه من السماء في داخل القلب سراً كما قال الرب لبطرس حينما قال أنت هو المسيح ابن الله الحي: [إن لحماً ودماً (حسب الترجمة الحرفية) لم يُعلن لك لكن أبي الذي في السماوات] [7]، وهذا يعني بالطبع أن يترك الإنسان نهائياً كل جهد شخصي للاستناد على الرؤية الإلهية بالسلطان الإنساني حسب جهده وعمله الشخصي: [لما سُرَّ الله الذي أفرزني (اختارني وخصصني) من بطن أمي. ودعاني بنعمته. أن يُعلن ابنه فيَّ لأُبشر به بين الأمم، للوقت لم استشر لحماً ودماً] [8]
+ تعبير دمٍ ولحم ومعركة الإيمان [الحرب الروحية]
ويأتي نفس التعبير (دمٍ ولحم) ليدل على معركة الإيمان مع قوات الشرّ، إذ يُظهر أن حربنا الروحية ليست مع دم ولحم لذلك يقول الرسول: فأن مُصارعتنا ليست مع دمٍ ولحم، بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات[9]، وأن لهذه الحرب سلاحها الخاص، ولا نستطيع إيجاد الأسلحة في قدراتنا النفسية ولا طاقتنا الشخصية أو حتى الفكرية، ولا في أخلاقنا الشخصية، ولكن اتكالنا على الله واستنادنا عليه هو سر نصرتنا بسلاحه الكامل: [البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس [10]؛ من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير وبعد أن تتمموا كل شيء أن تثبتوا] [11]

عموماً الإنسان المسيحي يخوض معركتين، معركة داخلية وأخرى خارجية. ويقول القديس مقاريوس الكبير:
[الإنسان الذي يريد حقيقة أن يُرضى الله ويكون معادياً حقاً للعدو الشرير، ينبغي أن يقاتل في معركتين. معركة منهما تكون في الأمور المنظورة لهذه الحياة، وذلك بأن يتحول تماماً ويبتعد من الارتباكات الأرضية ومحبة الارتباطات العالمية ومن الشهوات الخاطئة.
والمعركة الأخرى تحدث في الداخل - في الخفاء ضد أرواح الشر نفسها، كما يقول الرسول "فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء، مع أجناد الشر الروحية في السماويات".

فالإنسان حينما تعدى الوصية وطرد من الفردوس، صار مقيداً من ناحيتين، وبقيدين مختلفين. أحد هذين القيدين كان عن طريق هذه الحياة، أي في اهتمامات المعيشة ومحبة العالم، أعني محبة اللذات الجسدية والشهوات، ومحبة الغنى والعظمة والمقتنيات والزوجة والأولاد، والأقرباء والأهل والبلد، والأمكنة الخاصة، والملابس وكل الأشياء الأخرى المتصلة بالحواس [12]، والتي تحثه كلمة الله على أن ينفك منها باختياره، (حيث أن ما يربط أي انسان بكل أمور الحواس انما يكون باختياره ورضاه)، حتى إذا تحرر من كل هذه الاهتمامات يستطيع أن يحفظ الوصية حفظاً كاملاً. وإلى جانب هذا الرباط - ففي كيان الإنسان الداخلي، تكون النفس محاصرة بسياج ومربوطة بقيود الظلمة من أرواح الشر، فيكون الإنسان غير قادر أن يحب الرب كما يريد، أو أن يؤمن كما ينبغي، أو أن يصلي كما يرغب. فمن كل ناحية توجد مقاومة سواء في الأمور المنظورة والظاهرة أو في الأمور الخفية غير المنظورة، وهذه المقاومة قد نتجت وصارت فينا من سقوط الإنسان الأول.

لذلك فحينما ينصت أي انسان لكلمة الله ويقبلها، ويدخل في المعركة ويلقي عنه اهتمامات [13] هذه الحياة ورباطات العالم وينكر كل اللذات الجسدية ويتحرر منها، فبعد ذلك إذ يلازم الرب وينتظره بمثابرة في الصلاة وبمداومة، فانه يصير في وضع يُمكنه من أن يكتشف وجود حرب أخرى في داخل قلبه، أنه يكتشف مقاومة خفية وحرب أخرى مع إيحاءات أرواح الشر وتنفتح أمامه معركة أخرى.
وهكذا بوقوفه ثابتاً صارخاً إلى الرب بإيمان لا يتزعزع وصبر كثير، منتظراً الحماية والمعونة التي تأتي منه، فأنه يستطيع أن يحصل من الرب على حرية داخلية من القيود والسياجات والهجمات وظلام أرواح الشر التي تعمل في مجال الشهوات والأهواء الخفية.
ولكن هذه الحرب تبطل وتنتهي تماماً بنعمة الله وقوته. فلا يستطيع إنسان بنفسه، أن ينقذ نفسه بقوته الخاصة من مقاومة وغوايات الأفكار والشهوات الداخلية وحيل الشر.
أما إذا كان الإنسان مربوطاً بالأمور المادية الحسية التي لهذا العالم، وواقعاً في شرك الرباطات الأرضية المتنوعة ومنساقاً بشهوات الشرّ، فأنه لا يستطيع حتى أن يكتشف وجود معركة أخرى، وأن هناك حرب تدور في داخل نفسه.
فالإنسان حينما يدخل المعركة ويتحرر من الرباطات العالمية الخارجية ويحل نفسه من الأمور المادية ولذات الجسد ويبتدئ أن يتعلق بالرب ويلتصق به مفرغاً نفسه من هذا العالم فانه حينئذ يستطيع أن يرى ويكتشف حرب الشهوات والأهواء الداخلية التي تحدث في باطنه. ويصير واعياً عارفاً بهذه الحرب الداخلية، حرب الايحاءات الشريرة.
وكما قلت سابقاً، فانه إذا لم يناضل وينكر العالم ويتحرر من الشهوات الأرضية بكل قلبه ويشتهي ويصمم بكل نفسه أن يصير ملتصقاً كُليةً بالرب، فأنه لا يكتشف ويعرف خداع أرواح الشرّ الخفي وشهوات الشرّ الخفية. ويظل غريباً عن نفسه ولا يعرف أنه مجروح من الداخل وأن فيه شهوات خفية وهو لا يدري بها. لأنه لا يزال مربوطاً بالأشياء الخارجية ومتعلقاً بأمور هذا العالم وارتباكاته برضاه وموافقته.

ولكن الإنسان الذي رفض العالم حقاً وطرح عنه ثقل هذه الأرض وألقى عنه الشهوات الباطلة الجسدية، وشهوات المجد والسلطان والكرامات البشرية وابتعد عنها جميعها بكل قلبه - (حيث أن الرب يعطيه النعمة والمعونة سراً في هذا الصراع المستمر، حتى انه يتنكر للعالم تماماً) - ووضع في قلبه بثبات أن يخدم الرب ويعبده ويلتصق به بكل كيانه، جسداً ونفساً، مثل هذا الإنسان، أقول، انه يكتشف وجود المقاومة، أي الأهواء الخفية والقيود غير المنظورة والحرب الخفية - أي المعركة والصراع الداخلي، وهكذا اذ هو يتوسل إلى الرب، فانه ينال السلاح السماوي: سلاح الروح القدس، الذي وصفه الرسول المبارك بقوله "درع البر، وخوذة الخلاص، وترس الايمان، وسيف الروح" [14]. وإذ يتسلح بهذه الأسلحة فانه يستطيع أن يقف ضد خداعات ابليس، حتى رغم كونه محاطاً بالشرور.

واذ قــد سلـَّح نفســه بهذا الســلاح بكل صــلاة ومواظبــة وطلبــة وصــوم مـع الايمــان، فانــه يصيـر قــادراً أن يُحــارب ضد الرئاسـات والسلاطين وولاة ظلمــة هذا العالــم، وهكذا بانتصــاره على القوات المعاديــة بمساعدة الـروح القدس مـع سعيــه وغيرتــه في كل فضيلة فانــه يكون مُعـداً للحيــاة الأبديــة، مُمجـداً الآب والابن والروح القدس الذي له المجـد والقـدرة إلى الأبـد آمين] [15]
==================
[1] (1كورنثوس 15: 50)
[2] (عبرانيين 2: 14 – 15)
[3] (1كورنثوس 15: 50)
[4] (يوحنا 1: 13)
[5] (أفسس 2: 10)
[6] (أفسس 4: 24)
[7] (متى 16: 17)
[8] (غلاطية 1: 15 – 16)
[9] (أفسس 6: 12)
[10] (أفسس 6: 11)
[11] (أفسس 6: 13)
[12] (طبعاً محبة الأهل والأولاد والوطن واجب مطلوب لكن القصد هنا هو الاهتمامات التي تتعدى لتصل أن تكون هي الأساس والقاعدة ومتقدمة على الله، أي هي الأساس في حياة الإنسان التي تمنعه وتعوقه عن تبعيته بأمانة للنفس الأخير)
[13] (الارتباك بالاهتمامات الأرضية)
[14] (أفسس 6: 4)
[15] (من عظات القديس مقاريوس الكبير عظة 21)

رد مع إقتباس
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 28 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:27 AM ]


[4- د] مفهوم الدم القرباني:
في الأساس موضوع إراقة الدم أو سفك الدم قد استخدمت مرة واحدة في العهد الجديد [وكل شيء تقريباً يتطهر حسب الناموس بالدم، وبدون سفك دم لا تحدث مغفرة ] [1] وهي ترجع في الأثاث إلى ميثاق العهد في سيناء – كما رأينا سابقاً في بداية دراستنا في [خروج 24 : 5 – 8]، ومن المؤكد أيضاً أن كلمة إراقة الدم أو سكبه تتضمن أيضاً سكب الدم على قاعدة المذبح كما نرى في: [خروج 29: 12 ؛ لاويين 4: 7 ،18 ، 25، 30، 34؛ لاويين 8: 15، 9: 12]، ويرشه على شعب إسرائيل كما في [خروج 24: 8؛ عبرانيين 9: 19]، ونجد أن في عبرانيين 11: 28 أن سكب الدم يُشير إلى ذبيحة عيد الفصح كما في: [خروج 12: 7، 13، 22 – 23].

عموماً قد أخذ العهد الجديد مفهوم الدم القرباني من العهد القديم ووضح القصد منه:
[هكذا يدخل الكهنة إلى المسكن الأول كل حين صانعين الخدمة. وأما إلى الثاني (قدس الأقداس) فرئيس الكهنة فقط مرة في السنة ليس بلا دم يُقدمه عن نفسه وعن جهالات الشعب.. وأما المسيح وهو جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد، أي الذي ليس من هذه الخليقة، وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً. لأنه إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش على المنجسين يُقدس إلى طهارة الجسد. فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يُطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي..
موسى بعد ما كلم جميع الشعب بكل وصية بحسب الناموس أخذ دم العجول والتيوس مع ماء وصُوفاً قرمزياً وزوفا ورش الكتاب نفسه وجميع الشعب، قائلاً هذا هو دم العهد الذي أوصاكم الله به. والمسكن أيضاً وجميع آنية الخدمة رشها كذلك بالدم وكل شيء تقريباً يتطهر حسب الناموس بالدم وبدون سفك دم لا تحدث مغفرة.. لأنه لا يُمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع الخطايا.. وكل كاهن يقوم كل يوم يخدم ويقدم مراراً كثيرة تلك الذبائح عينها التي لا تستطيع البتة أن تنزع الخطية.. بالإيمان صنع الفصح ورش الدم لئلا يمسهم الذي أهلك الأبكار] [2]

حيث أن دم الذبائح الحيوانية يُشير إلى موت المسيح الكفاري الذي صنع الصلح بدم صليبه الذي يعطي المغفرة والتقديس عن قوة واقتدار، مؤسساً لنا سلاماً مع الله قائماً على ذبيحة ذاته مُثبَّت لا يتزعزع، مُدعماً العلاقة مع الله بشخصه بصفته وسيط عهد جديد، إذ اتحد بنا اتحاداً حقيقياً (حسب التدبير الخلاصي) وجعلنا واحداً معه (بلا امتزاج أو اختلاط أو تغيير) بتجسده وصلبنا معه وداس الموت بموته وأقامنا معه وأصعدنا معه، ودخل بدم نفسه للأقداس فوجد لنا فداءً أبدياً كما قال القديس بولس الرسول.

فدم يسوع المسيح يحتل المركز الأول والرئيسي في العهد الجديد، فنجد عند افتتاح رسالة القديس بطرس الأولى يقول: [بطرس رسول يسوع المسيح إلى المتغربين من شتات بُنْتُس وغلاطية وكَبودوكية وآسيا وبيثينية المُختارين بمقتضى علم الله الآب السابق في تقديس الروح للطاعة ورش دم يسوع المسيح. لتكثر لكم النعمة والسلام] [3]

كما نجد أيضاً الإشارات الكثيرة المصحوبة بكلمات توضح قوة فعل دم يسوع المسيح وقوته وتفوقه بل وتميزه عن العهد القديم الذي كان يُشير إليه بكل طقوسه وذبائحه فيأتي كمصطلح تأكيدي على دم المسيح بهذه الطريقة:
دم يســوع: [عبرانيين 10: 19؛ 1يوحنا 1: 7]
دم المسيح: [1كورنثوس 10: 16؛ أفسس 2: 13؛ عبرانيين 9: 14]
دم الــــرب: [1كورنثوس 11: 27]
دم الحــمل: [رؤيا 7: 14؛ 12: 11]
وكل هذا يشتق معناه في الأساس من ذبائح يوم التكفير من سفر لاويين الإصحاح 16. وهو دم قرباني والذي يتمثل في طاعة ربنا يسوع المسيح في الجسد للآب، كما قال الرسول:
[لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة، هكذا بإطاعة الواحد سيجعل الكثيرون أبراراً] [4]؛ [وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب] [5]؛ [مع كونه ابناً تعلم الطاعة مما تألم به] [6]
وأيضاً هو الذي أعطى الذبيحة الحقيقية من أجل إزالة الخطايا وطمس ملامحها الخفية والظاهرة بكل سلطانها وآلامها ومعاناتها وأعطى المصالحة التامة والكاملة مع الله بحيث لا يعوزنا أن نقدم أي شيء آخر لله حتى ولو كانت أعمالنا، لأنه بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس: [لا بإعمال في برّ عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس [7]] وذلك بالطبع لأن [المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة فبالمسكن الأعظم والأكمل غير مصنوع بيد، أي الذي ليس من هذه الخليقة. وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً] [8]

+ عموماً يسوع بذبيحة نفسه كحمل الله، وسفك دمه الطاهر، حررنا نحن بصفتنا شعب الله الجديد، أي الكنيسة، الذي اقتناها بدمه الكريم [احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي أقتناها بدمه] [9]، وصار لنا فيه الفداء:
+ [الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته [10]؛ عالمين أنكم افتُديتم لا بأشياء تفنى ، بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء بل بدمٍ كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح [11]؛ وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين: مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذُبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمه][12]
وصار لنا به قوة الغلبة والنصرة الدائمة على عدو الإنسان الأول أي الشيطان:
+ [الآن صار خلاص إلهنا وقدرته ومُلكه وسلطان مسيحه لأنه طُرح المُشتكي على إخوتنا الذي كان يشتكي عليهم (من جهة ضمير الخطايا – عبرانيين 10: 2) أمام إلهنا نهاراً وليلاً، وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت] [13]
ودم المسيح يظهر برّ الله من أجل الصفح عن الخطايا وتطهير القلب منها، ويبرر كل من يؤمن، وينال قوة خلاص ومصالحة أبدية مع الله:
+ [متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله، لإظهار برّه في الزمان الحاضر ليكون باراً ويبرر من هم من الإيمان بيسوع] [14]؛ [فإذ تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح.. لأن المسيح إذ كنا بعد ضعفاء مات في الوقت المعين (حسب التدبير) لأجل الفجار.. الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا. فبالأولى كثيراً ونحن متبررون الآن بدمه نخلص به من الغضب. لأنه إن كُنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه فبالأولى كثيراً ونحن مُصالحون نخلص بحياته. وليس ذلك فقط بل نفتخر أيضاً بالله بربنا يسوع المسيح الذي نلنا به الآن المُصالحة] [15]

وفي هذه الحالة فأن دم ربنا يسوع يطهرنا من خطايانا دائماً عندما نعترف بها أمامه:
+ [ولكن أن سلكنــا في النــور كما هو في النـور فلنا شركــة بعضنا مع بعض ودم يسـوع المسيـح ابنه يطهرنــا من كل خطيـة. إن قلنا إنه ليس لنا خطيـة نُضل أنفسنـا وليس الحق فينـا. أن اعترفنــا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويُطهرنــا من كل إثم[16]؛ يسوع المسيح الشاهد الأمين البكر من الأموات ورئيس ملوك الأرض الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه[17]؛ وأجاب واحد من الشيوخ قائلاً لي: هؤلاء المتسربلون بالثياب البيض من هم ومن أين أتوا؟، فقلت له يا سيد أنت تعلم. فقال لي: هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف] [18]

ودم المسيح أيضاً يطهر ضمائرنا ويغسلها من كل الأعمال الميتة حتى أنها لا تلومنا ونخدم الله الحي بقداسة وتقوى حسب قصده متممين مشيئته بسهولة:
+ [فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي[19]؛ فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع. طريقاً كرسه لنا حديثاً حياً بالحجاب أي جسده، وكاهن عظيم على بيت الله، لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقي[20]؛ وهم مطهرون مرة لا يكون لهم أيضاً ضمير خطايا] [21]

ولنلاحظ أن في العهد القديم، كانت المصالحة والتطهير مختلفان، مع أنه كان لهما ذات العلاقة والأعمال. فالمصالحة تُنتج من تقديم الدم القرباني إلى قدس الأقداس في يوم التكفير الذي يتم مرة واحدة في السنة [فرئيس الكهنة فقط مرة في السنة ليس بلا دم يقدمه عن نفسه وعن جهالات الشعب][22]؛ أما التطهير فكان من الممكن بلوغه في أي وقت من السنة، وكان يتم خارج قدس الأقداس. أما في العهد الجديد فكلاهما معاً في وقتٍ واحد يتمان في الخلاص بدم المسيح، فالكفارة قدمت مرة واحدة وإلى الأبد بذبيحة ربنا يسوع الواحدة الوحيدة، الذي منها يتم تطهيرنا الدائم وإلى الأبد، ففي دم يسوع تكمن قوة التقديس الدائم [فأن الحيوانات التي يُدخل بدمها عن الخطية إلى الأقداس بيد رئيس الكهنة تُحرق أجسامها خارج المحلة، لذلك يسوع أيضاً لكي يُقدس الشعب بدم نفسه تألم خارج الباب] [23]

وبذلك صار يحقق لنا القرب من الله بشكل أعمق واشمل من العهد القديم بالرغم من أننا كأمم لم يكن لنا عهود ولا معرفة بالله حتى على مستوى الطقس القديم الذي هيأ القلب لعمل المسيح الرب الخلاصي، وقد كنا غرباء عن رعوية إسرائيل كشعب الله المختار:
+ [لذلك اذكروا أنكم أنتم الأمم قبلاً في الجسد المدعوين غُرله من المدعو ختاناً مصنوعاً باليد في الجسد (الإسرائيليين). أنكم كُنتم في ذلك الوقت بدون مسيح أجنبيين عن رعوية إسرائيل وغرباء عن عهود الموعد لا رجاء لكم وبلا إله في العالم، ولكن الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح. لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحداً ونقض حائط السياج المتوسط (بين الأمم وشعب الله) أي العداوة. مبطلاً بجسده ناموس الوصايا في فرائض لكي يخلق الاثنين في نفسه إنساناً واحداً جديداً صانعاً سلاماً. ويُصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلاً العداوة به. فجاء وبشركم بسلام أنتم البعيدين والقريبين، لأن به كلينا قدوماً في روح واحد إلى الآب. فلستم إذاً بعد غرباء ونُزلاً، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله][24]؛ [فإذ لنا أيها الإخوة ثقة (على أساس سر المصالحة في المسيح) بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع][25]
===================================
[1] (عبرانيين 9: 22)
[2] (أنظر عبرانيين 9، 10، 11: 28، 13: 11)
[3] (1بطرس 1: 1 – 2)
[4] (رومية 5: 19)
[5] (فيلبي2: 8)
[6] (عبرانيين 5: 8)
[7] (تيطس 3: 5)
[8] (عبرانيين 9: 11 و12)
[9] (أعمال 20: 28)
[10] (أفسس 1: 7)
[11] (1بطرس 1: 18 – 19)
[12] (رؤيا 5: 9)
[13] (رؤيا 12: 10، 11)
[14] (رومية 3: 22 – 26)
[15] (أنظر رومية 5: 1 – 11)
[16] (1يوحنا 1: 7 – 9)
[17] (رؤيا 1: 5)
[18] (رؤيا 7: 13 – 14)
[19] (عبرانيين 9: 14)
[20] (عبرانيين 10: 19 – 22)
[21] (عبرانيين 10: 2)
[22] (عبرانيين 9: 7)
[23] (عبرانيين 13: 11 – 12)
[24] (أفسس 2: 11 – 19)
[25] (عبرانيين 10: 19)

رد مع إقتباس
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 29 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:28 AM ]


[د] الذبائح الدموية واستخدام الحيوانات وشروط الذبيحة
===========================
[1] تمركز الذبائح حول الدم والهدف التكفير والتقديس
كقاعدة عامة كانت الذبائح تتمركز حول الدم – كما رأينا سابقاً – بكونه يُمثل نفس الحيوان، وكأن الإنسان وقد فسدت نفسه تماماً وأُسِرَ في الخطية تحت سلطان الموت احتاج لنفس بريئة تحمل عنه أُجرة إثمه وتفتديه من الموت الذي هو النتاج الطبيعي للخطية كثمرة طبيعية لها، ولم يكن هذا العمل إلا رمزاً لسفك دم المسيح المخلص الذي وحده فقط قادر على أن يفدي البشرية ويخلصها بالتمام ويُدخلها في عهد التجديد، لأنه هو الوحيد – في المُطلق – الذي بلا خطية وقال بفمه الطاهر مؤكداً هذه الحقيقة [من منكم يبكتني على خطية][1].

ونجد مفهوم التقديس بالدم منذ عصر مبكر كان أساسي جداً عند شعب الله المختار، فكان الدم في خيمة البرية هو الختم الملكي الذي يتقدس به كل شيء فيصير قدساً للرب، وبغيره لا يصير شيئاً مقدساً على الإطلاق، حتى رئيس الكهنة نفسه: [لأن موسى بعد ما كلم جميع الشعب بكل وصية بحسب الناموس. أخذ دم العجول والتيوس مع ماء، وصوفاً قرمزياً وزوفا ورش الكتاب نفسه وجميع الشعب قائلاً: هذا هو دم العهد الذي أوصاكم الله به. والمسكن أيضاً وجميع آنية الخدمة رشها كذلك بالدم.. وكل شيء تقريباً (يوجد تطهير بالماء وآخر بالنار) يتطهر حسب الناموس بالدم. وبدون سفك دم لا تحدث مغفرة – لأن نفس الجسد هي في الدم فأنا أعطيتكم إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم لأن الدم يُكفَّر به عن النفس] [2]

والدم هو الحياة كما ذكر الوحي: لكن احترز ألا تأكل الدم لأن الدم هو النفس (الحياة) فلا تأكل النفس مع اللحم[3]؛ غير لحماً بحياته (نفسه) لا تأكلوه[4]؛ لأن نفس (حياة) الجسد هي في الدم[5]

إذاً سفك الدم – حسب هذه الآيات وغيرها في الكتاب المقدس – يعني بذل الحياة، فالذي يُقدِّم دمه هو من يُقدِّم حياته فعلياً، وقد آمن اليهود بفكرة افتداء النفس بالنفس، فنذكر بعض عبارات من مفسري اليهود، فيقول راشي اليهودي [ترتبط نفس كل خليقة بدمها، لذلك قُدم الدم للتكفير عن نفس إنسان، فتحل نفس عوض الأخرى وتكفَّر عنها]؛ ويقول ابن عذرا [تحل نفس محل الأخرى]؛ ويقول موسى بن ناخمان [أقدم لك النفس على المذبح، فتكفر نفس الحيوان عن نفس الإنسان]

ومع كل هذا التأكيد، فقد عَبَّر كثير من اليهود عن شعورهم بعجز دم الحيوان عن الإيفاء بدين الإنسان أمام الله، الأمر الذي لأجله كانت القلوب في العهد القديم متطلعة بشوق ولهفة لمجيء المسيا كمُخلص حقيقي لهم، لكي يفديهم، أي يفدي حياة بحياة، لأن الفداء حسب التعليم في ذهن اليهودي هو مبادلة حياة بحياة.
======================
[1] (يوحنا 8: 46)
[2] (عبرانيين 9: 19 – 22 + لاويين 17: 11)
[3] (تثنية 12: 23)
[4] (تكوين 9: 4)
[5] (لاويين 17: 11)

رد مع إقتباس
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 30 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:28 AM ]


[2] الحيوانات المستخدمة في الذبائح
أما الذبائح الدموية فاستُخدم فيها ثلاثة أنواع من الحيوانات ونوعان من الطيور
الحيوانات: البقر وثور البقر – الغنم – الماعز؛
الطيور: الحمام – اليمام

وكان الطقس يُشدد على أن تكون الذبيحة بلا عيب، وإلا تُرفض الذبيحة ويُرفض مُقدمها؛ لذلك كان الكاهن يهتم غاية في الاهتمام ويراعي بدقة فحص الذبيحة على ضوء النهار (في النور) ولا تُفحص في ظُلمة المساء أبداً، فكان يفحص أعضاءها عضواً، عضواً، وحتى بعد أن يذبحها، يظل يعمل فيها بسكينه على المذبح فاحصاً أحشاؤها، ولحمها، وعظامها بتدقيق شديد مع دقة الملاحظة حتى يطمأن تماماً أنها بلا عيب فعلاً، وحينئذ يُشعل النار ويُقدمها.

صحيح أن هذا يُشير إلى المسيح القدوس الكامل لأنه حمل الله الذي بلا عيب [1]، ولكن يلزمنا أن نتمعن متعمقين في كلمة [بلا عيب ἂ μωμος] وسببها لأن الرمز دائماً ليس فقط يُشير إلى المرموز إليه، بل ويحمل أيضاً شرحاً لعمل المرموز إليه.
فالطقس كان دائماً يُشدد جداً على أن تكون الذبيحة بلا عيب، حتى إذا وقف الخاطئ أمام الله معترفاً بخطاياه ويده على رأس ذبيحته يحس ويقتنع أن الله ينظر إليه في (عدم عيب) ذبيحته التي يقدمها عن نفسه، وفي نفس الوقت يكون عدم عيب الذبيحة إمكانية ضمنية بتحملها عيب المعترف بخطاياه، فتصير الذبيحة مستحقة للموت عوضاً عنه وتُدان فيها الخطية (في جسدها) بذبحها وإراقة دمها، أما هو فيخرج مبرراً من أمام الله معتوقاً من حكم الموت!
ولو تعمقنا في فكرة الذبيحة الحيوانية في الطقس القديم، نجدها لائقة جداً ومناسبة لعملها، إذ كان المطلوب منها تطهير الجسد فقط، والإعفاء من حكم الموت. أما من جهة إشارتها لذبيحة المسيح: فكانت في غاية الإحكام، إذ كان يُشترط فيها بعض الشروط الخاصة.

=================================
[1] [ἂ μωμος – بريء، بلا لوم، بلا عيب، بلا خطأ – blamelessWithout blame، والمعنى يحمل أنه لا يوجد فيه ما يستحق التوبيخ عليه، لا يوجد فيه علة تستحق اللوم – ليس له مسئولية عن خطأ أو فشل – أنظر يوحنا 1: 36]

رد مع إقتباس

اضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الذبائح, العامة, الكتاب, المقدس, المقدمة, تفصيلية, دراسة, في, والتقدمات

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
محاضرات تبسيط الايمان للانبا بيشوى marina shohdy دراسات وأبحاث في الكتاب المقدس 3 09-17-2015 03:40 PM
استحالة تحريف الانجيل david201050 المنتدى العام 0 02-02-2014 04:10 PM
فهرس دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس - الذبيحة טֶבַח θυσίας σφάζω aymonded دراسات وأبحاث في الكتاب المقدس 32 07-16-2011 12:46 AM

Rss  Rss 2.0 Html  Xml Sitemap SiteMap Info-SiteMap Map Tags Forums Map Site Map


الساعة الآن 09:00 AM.