تذكرنــي
التسجيل التعليمـــات التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة
يمكنك البحث فى الموقع للوصول السريع لما تريد


  †† ارثوذكس †† > كل منتدايات الموقع > المنتديات المسيحية العامه > مدرسة الحياة المسيحية

مدرسة الحياة المسيحية دراسات روحية لاهوتية متكاملة للخبرة والحياة

مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع أرسل هذا الموضوع إلى صديق أرسل هذا الموضوع إلى صديق


اضافة رد

 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

بياناتي
 رقم المشاركة : ( 11 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:15 AM ]


[جـ – عصر القضاة والملوك]
[فصعد جميع بنو إسرائيل وكل الشعب وجاءوا إلى بيت إيل وبكوا وجلسوا هناك أمام الرب وصاموا ذلك اليوم إلى المساء واصعدوا محرقات وذبائح سلامة أمام الرب] [1]
[في ذلك اليوم قدس الملك وَسَط الدار التي أمام بيت الرب. لأنه قَرَّبَ هُناك المحرقات والتقدمات وشحم ذبائح السلامة لأن مذبح النحاس الذي أمام الرب كان صغيراً عن أن يسع المحرقات والتقدمات وشحم ذبائح السلامة] [2]
===================
[د – عصر ما بعد السبي]
[ولما استهل الشهر السابع وبنو إسرائيل في مدنهم اجتمع الشعب كرجلٌ واحد إلى أورشليم وقام يشوع بن يوصاداق وإخوته الكهنة وزربابل بن شالتئيل وإخوته وبنوا مذبح إله إسرائيل ليصعدوا عليه محرقات كما هو مكتوب في شريعة موسى رجل الله، وأقاموا المذبح في مكانه.. واصعدوا عليه محرقات للرب. محرقات الصباح والمساء وحفظوا عيد المظال كما هو مكتوب، ومحرقة يوم فيوم بالعدد كالمرسوم أمر اليوم بيومه وبعد ذلك المحرقة الدائمة.. ولجميع مواسم الرب المقدسة.. ابتدأ من اليوم الأول من الشهر السابع يصعدون محرقات للرب وهيكل الرب لم يكن قد تأسس] [3]
===========================
+ عموماً نجد من كل ما سبق
أن الذبائح – بشكل عام – تُضفي على حياة الفرد والجماعة إيقاعاً خاصاً، ونجد أن أيوب على المستوى الشخصي، كان يقدم باستمرار ذبائح عن أولاده قائلاً: ربما أخطأ بنيَّ وجدفوا على الله في قلوبهم. هكذا كان أيوب يفعل كل الأيام. [4]؛ وكان غرضه هو التكفير عن أي خطية محتملة، وهنا تظهر التقوى الشخصية والحفاظ على الأسرة في مخافة الله.
ونجد أيضاً أمر الرب لأصدقائه في تقديم محرقات: [الرب قال لأَلِفَازَ التيماني: قد احتمى غضبي عليك وعلى كِلا صاحبيك لأنكم لم تقولوا فيَّ الصواب كعبدي أيوب، والآن فخذوا لأنفسكم سبعة ثيران وسبعة كباش واذهبوا إلى عبدي أيوب واصعدوا محرقة لأجل أنفسكم وعبدي أيوب يُصلي من أجلكم.. وذهب أليفاز التيماني وَبِلدد الشوحي وَصُوفَرُ النعماني وفعلوا كما قال الرب لهم] [5]
وطبعاً نُلاحظ منذ أيام إبراهيم قصة ملكي صادق الغريبة الذي ظهر فجأة ولا نعلم عنه شيئاً من جهة نسبه وميلاده ويوم مماته [وملكي صادق ملك شاليم أخرج خُبزاً وخمراً وكان كاهناً لله العلي] [6]، حيث يعرض التقليد وليمة ذبائحيه، ونشاط ليتورچي [فأخذ يثرون حمو موسى محرقة وذبائح لله وجاء هارون وجميع شيوخ إسرائيل ليأكلوا طعاماً مع حمى موسى أمام الله] [7]

ونجد عموماً خارج شعب الله المختار، أن الذبيحة تُعبِّر عن التقوى الشخصية والجماعية، ونجد هذا في سفر يونان حينما تكلم برسالة الله للتوبة لشعب نينوى: [فخاف الرجال من الرب خوفاً عظيماً وذبحوا ذبيحة للرب ونذروا نذوراً] [8]

ومن كل ذلك نجد أن كل كتبة العهد القديم، عندما يرسمون، بخطوط عريضة لوحة التاريخ، لا يتصورون حياة دينية بدون ذبيحة، وبالطبع العهد الجديد سيُحدد هذا الإحساس بدقة ويقره بصورة فريدة لأن ذبيحة العهد الجديد تتفوق وتتمايز لأنها ذبيحة حمل الله الحقيقي رافع خطية العالم.
============
[1] (قضاة 20: 26)
[2] (1ملوك 8: 64)
[3] (عزرا 3: 1 – 6)
[4] (أيوب 1: 5)
[5] (أنظر أيوب 42: 7 -9)
[6] (تكوين 14: 18)
[7] (خروج 18: 12)
[8] (يونان 1: 16)

رد مع إقتباس
Sponsored Links
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 12 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:16 AM ]


رابعاً: مصدر تشريع الذبائـــــــــــح باختصار
وعلمهم الفرائض والشرائع תּוֹרָה وعرفهم الطريق الذي يسلكونه والعمل الذي يعملونه (ما يستوجب عليهم القيام به من أعمال)؛ هذه هي الفرائض הַֽחֻקִּ֣ים والأحكام וְהַמִּשְׁפָּטִים֮ والشرائع וְהַתּוֹרֹת֒ التي وضعها אֲשֶׁר֙נָתַ֣ן الرب بينه وبين بني إسرائيل في جبل سيناء بيد موسى.[1]

سنجد في هذه الآيات الإشارة ليهوه على أساس أن هو المصدر أي هو الواضع נָתַן (وهي تعني جَعَلَ وأقام، أَعَدَّ ورَتَّبَ، حدد وثَبَّتَ) [الفرائض חֹק – الأحكام מִשְׁפָט – الشرائع תּוֹרָה] والفرائض المقصود بها شيء مَفْرُوض مُحَدّد وهو إلزامي مستحق الأداء، أما الأحكام القصد منها الأحكام والقضاء judgment والعدالة justice؛ والشرائع القصد منها هنا: إِرْشادات؛ أوَامِر؛ تَعْلِيمات؛ تَوْجيهات؛ فالله هو الواضع لتلك الفرائض والأحكام والشرائع فصارت شيء ثَابِت ومُسْتَقِرّ ورَاسِخ ومُحَدَّد بشكل قَاطِع ينبغي أن يتم بنفس ذات الترتيب والنظام الموضوع كما هو دون زيادة أو نقصان.

عموماً تُقدِّم الكثير من الفقرات في العهد القديم الإرشادات والتعليمات والتوجيهات التي تختص بالذبائح وتوضح المغزى الواسع النطاق الذي بلغته الذبيحة في إسرائيل، والذي يتدرج من أول سقوط الإنسان إلى التشريع الموسوي، والذي أظهر الذبيحة كتشريع – بأمر إلهي – لتنظيم علاقة الشعب مع الله بالطاعة والتقوى ومخافة الله واحترامه وتقديره:
+ [فقال الرب لموسى: هكذا تقول لبني إسرائيل. أنتم رأيتم أنني من السمـــاء. تكلمت معكم. لا تصنعوا معي آلهــة فضة ولا تصنعوا لكم آلهـــة ذهب. مذبحـــاً من تراب تصنع لي وتذبـــح عليه محرقاتك وذبائـــح سلامتك، غنمك وبقرك. في كل الأماكن التي فيها أصنع لاسمي ذِكراً آتي إليك وأباركك. وأن صنعت لي مذبحاً من حجارة فلا تبنِهِ منها منحوتــة. إذا رفعت عليها إزميلك تُدنسها. ولا تصعد بدَرَج إلى مذبحي كي لا تنكشف عورتك عليـــــه[2]؛ وأما أقداسك التي لك ونذورك فتحملها وتذهب إلى المكان الذي يختاره الرب.. أحفظ واسمع جميع هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها لكي يكون لك ولأولادك من بعدك خيرٌ إلى الأبد إذا عملت الصالح والحق في عيني الرب إلهك] [3]
وممكن الرجوع لحزقيال من الإصحاح 40 إلى الإصحاح 48، لنجد شمول أكثر في التشريع والتنظيم الإلهي بدقة، والمرتكز على التوبة واتقاء الرب والخضوع بدقة لكل تعليماته ليعود الشعب إليه ويحيا في خوف اسمه العظيم القدوس المملوء مجداً ويُقدِّم لهُ العبادة اللائقة.
=====================
[1] (خروج 18: 20؛ لاويين 26: 46)
[2] (خروج 20: 22 – 26)، (أنظر لاويين من 1 – 7 و16)
[3] (تثنية 12: 26، 28)

رد مع إقتباس
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 13 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:16 AM ]


خامساً: مواقع العبادة وتقديم الذبائـــــــــــح
كان تقديم الذبائح يتم – دائماً – في أماكن العبادة أمام الرب بكل تقوى وخشوع، والتي كانت تتمركز على المذبح، فينبغي إقامة مذبح مخصص لتقديم الذبيحة، لأنه لا تُقدم الذبيحة بإهمال في أي مكان أو على الأرض، بل على المذبح المكرس للرب بكل وقار شديد ومهابة واحترام.
عموماً نجد – عبر التاريخ – أن الآباء بنوا مذابحهم الخاصة وقدموا تقدماتهم – قديماً – قبل الكهنوت وتنظيمه حيث أنهم اعتبروا رؤساء الكهنوت قديماً وآباء بطاركة مثل:
+ نوح
[وبنى نوح مذبحـاً للرب. وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح] [1]
+ إبراهيم
[واجتاز إبرام في الأرض مكان شكيم إلى بلوطة مورة. وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض. وظهر الرب لإبرام وقال لنسلك أعطِ هذه الأرض. فبني هناك مذبحاً للرب الذي ظهر له. ثم نقل من هنالك إلى الجبل شرقي بيت إيل ونصب خيمته. وله بيت إيل من المغرب وعاي من المشرق. فبنى هناك مذبحاً للرب ودعا باسم الرب.. فنقل إبرام خيامه وأتى وأقام عند بلوطات ممرا التي في حبرون. وبنى هناك مذبحاً للرب.. فلما أتيا إلى الموضع الذي قال له الله بنى هناك إبراهيم المذبح ورتب الحطب] [2]
+ إسحق
[فظهر له الرب في تلك الليلة وقال أنا إله إبراهيم أبيك. لا تَخف لأني معك وأباركك وأكثر من نسلك من أجل إبراهيم عبدي، فبنى هناك مذبحاً ودعا باسم الرب. ونصب هناك خيمته وحفر هناك عبيد اسحق بئراً] [3]
+ يعقوب
[ثم أتى يعقوب سالماً إلى مدينة شكيم التي في أرض كنعان. حين جاء (عاد) من فدَّان آرام (سهل آرام). ونزل (خيَّمَ) أمام المدينة. وابتاع قطعة الحقل التي نصب فيها خيمته من يد بني حمور أبي شكيم بِمَئة قسيطة (مئة من الفضة) وأقام هناك مذبحاً ودعاه إيل، إله إسرائيل... ثم قال الله ليعقوب: قم أصعد إلى بيت إيل وأقم هناك واصنع هناك مذبحـاً لله الذي ظهر لك حين هربت من وجه عيسو أخيك.
فقال يعقوب لبيته ولكل من كان معهُ: اعزلوا الآلهة الغريبـة التي بينكم وتطهروا وأبدلوا ثيابكم. ولنقم ونصعد إلى بيت إيل. فأصنع هناك مذبحـاً لله الذي استجاب لي (أعانني) في يوم ضيقتي وكان معي في الطريق الذي ذهبت فيه. فأعطوا يعقوب كل الآلهة الغريبة التي في أيديهم والأقراط التي في آذانهم. فطمرها يعقوب تحت البطمة التي عند شكيم. ثم رحلوا وكان خوف الله على المدن التي حولهم. فلم يسعوا وراء بني يعقوب. فأتى يعقوب إلى لوز التي في أرض كنعان وهي بيت إيل. هو وجميع القوم الذين معه. وبنى هناك مذبحـاً ودعا المكان إيل، بيت إيل. لأنه هناك ظهر له الله حين هرب من وجـه أخيـه] [4]
+ موسى
[فبنى موسى مذبحاً للرب ودعا اسمه يهوى رايتي] [5]؛ ونجد عموماً أن المذابح كانت تُصنع من الأرض: [مذبحاً من تراب تصنع لي وتذبح عليه محرقاتك وذبائح سلامتك غنمك وبقرك. في الأماكن التي فيها أصنع لاسمي ذكراً آتي إليك وأباركك. وأن صنعت لي مذبحاً من حجارة فلا تبنه منها منحوتة. إذا رفعت عليها أزميلك تُدنسها] [6]
ونجد أن إيليا
بنى مذبحاً على جبل الكرمل من أثنى عشر حجراً غير مكسور تمثل الاثني عشر سبطاً:
[ثم أخذ إيليا اثني عشر حجراً بعدد أسباط بني يعقوب الذي كان كلام الرب إليه قائلاً: إسرائيل يكون اسمك. وبنى الحجارة مذبحاً باسم الرب وعمل قناة حول المذبح تسع كيلتين من البذر، ثم رتب الحطب وقطع الثور ووضعه على الحطب] [7]
+ وأيضاً بنى يشوع مذابح وجدعون وداود [8]
ونجد أيضاً مذبح سليمان
لذبائح المحرقة وكان عشرون ذراعاً مربعاً، وعشرة أذرع ارتفاعه ومكانه في القاعة الداخلية [9]، وهكذا نتعرف على مكان العبادة وشكل المذبح منذ بناءه من تراب وحجر إلى خيمة الاجتماع وختاماً في هيكل سُليمان.
==============
[1] (تكوين 8: 20)
[2] (تكوين 12: 6 – 18؛ 13: 18؛ 22: 9)
[3] (تكوين 26: 24 – 25)
[4] (تكوين 33: 20؛ 35: 1 – 7)
[5] (خروج 17: 15)
[6] (خروج 20: 24 – 25)
[7] (1ملوك 18: 31 – 32)
[8] (أنظر يشوع 8: 30 – 31؛ قضاة 6: 24 – 31؛ 2صموئيل 24: 18 – 25)
[9] (أنظر 1ملوك 8: 22، 54، 64؛ 9: 25؛ 2أخبار 4: 1)

رد مع إقتباس
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 14 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:17 AM ]


الملامح العامة للذبائح في العهدين
أولاً العهــــــــــــدالقديـــــــم
أولاً: تطور طقوس الذبائح من البساطة إلى التشعب
============================
1 – البساطة البدائية
في حقبة بعيدة القدم، يُشير إليها تاريخ الكتاب المقدس، تتميز مجموعة الطقوس بالبساطة البدائية التي تناسب عادات البدو الرُحَّل، أو نصف الرُحَّل وهي تتسم بإقامة مذابح، ورفع الدعاء للاسم الإلهي ببساطة، مع تقديم حيوانات أو محاصيل الأرض: [وحدث من بعد أيام أن قايين قدَّم من أثمار الأرض قرباناً للرب..؛ وظهر الرب لإبرام وقال لنسلك أُعطي هذه الأرض فبنى هناك مذبحاً للرب الذي ظهر لهُ، ثم نقل من هُناك إلى الجبل شرقي بيت إيل ونصب خيمته وله بيت إيل من المغرب وعاي من المشرق، فبنى هناك مذبحاً للرب ودعا باسم الرب، ثم ارتحل إبرام ارتحالاً متوالياً نحو الجنوب] [1]

ونلاحظ أنه لا يوجد أماكن ثابتة لتقديم الذبائح، بل عادةً تُقدَّم في المكان الذي يظهر الله فيه؛ والمذبح الترابي البدائي البسيط جداً في مظهره، والخيام التي تفك وتُبسط، يشهدان بطريقتهما الخاصة على الطابع غير الثابت والمؤقت لأماكن العبادة القديمة: [مذبحاً من تراب تصنع لي وتذبح عليه محرقات وذبائح سلامتك، غنمك وبقرك في كل الأماكن التي فيها أصنع لاسمي ذكراً آتي إليك وأُباركك] [2]؛ [تحفظ عيد الفطير، تأكل فطيراً سبعة أيام كما أمرتك في وقت شهر أبيب لأنهُ فيه خرجت من مصر ولا يظهروا أمامي فارغين (ذكورك)] [3]

وكذلك نلاحظ أنه لم يكن هناك خدام مخصصون لبناء المذبح أو تقديم الذبيحة أو العطايا لله، فرب الأسرة أو رئيس القبيلة، والملك، هم الذين يقدمون الذبائح. إلا منذ زمن مبكر (بالنسبة لشعب إسرائيل على وجهٍ خاص)، أخذ بعض الرجال المختارين خصيصاً ليقوموا بهذه الخدمة والوظيفة الخاصة: [وللاوي قال تُميمُك وأُريمُك لرجلك الصديق الذي جربته في مسه وخاصمته عند مريبة، الذي قال عن أبيه وأمه لم أَرَهما وبإخوته لم يعترف وأولاده لم يعرف، بل حفظوا كلامك وصانوا عهدك يُعلِّمون يعقوب أحكامك وإسرائيل ناموسك، يضعون بخوراً في أنفك على مذبحك][4]
فكما أن الهيكل على عهد يوشيا سيصبح المركز الوحيد لكل نشاط خاص بالذبائح، كذلك الكهنة سيجعلون إقامة الذبائح وقفاً على أنفسهم حسب أمر الله.
==================
2 – تشعب الطقوس
نلاحظ بعد ذلك أن الطقوس تشعبت بشكل كبير ومتسع جداً، وقد نجم هذا عما أتى به التاريخ من تجديدات متوالية. ونلمس – في الواقع – تطوراً في الاتجاه نحو الكثرة والتنوع والتخصص في الذبائح، وهناك أسباب كثيرة توضح هذا التطور الذي حدث بعد البساطة التي كانت تقدم بها العبادة والذبائح كما رأينا: فالانتقال من الحياة البدوية والرعوية وكثرة الترحال في خيام من مكان لآخر إلى حياة الاستقرار والزراعة، والتأثير الكنعاني وخطورة الكهنوت المتزايدة، فشعب إسرائيل نجده كثيراً ما يقتبس عناصر كثيرة من جيرانه المحيطين به والشعوب التي اختلط بها: فهو ينقيها ويُصححها ويروحنها، ليُقدِّم العبادة لله كبكر وسط الشعوب حسب تدبير الله وإرشاداته بشكل منضبط تتأصل فيه التقوى والورع وتقديم العبادة اللائقة بالإيمان.

وبالرغم من التمادي في تقديم العبادة لله بشكل أصبح مبالغ فيه بسبب التأثير الحادث بباقي الشعوب، لكن وقع إسرائيل – عن عدم وعي – في خطر العبادة الباطلة والتي لا تُرضي الله إطلاقاً، والذي أخذ تحذير بشأنها لكيلا يُشابه الشعوب الذي طردها الرب من أمامه:
+ [هل يُسرّ الرب بألوف الكباش، بربوات أنهار زيت، هل أُعطي بكري (تقديم البكور) عن معصيتي ثمرة جسدي عن خطية نفسي] [5]
+ [ونذر يفتاح نذراً للرب قائلاً: إن دفعت بني عمون ليدي فالخارج الذي يخرج من أبواب بيتي للقائي عند رجوعي بالسلامة من عند بني عمون يكون للرب وأصعده محرقة] [6]
ويرفض إسرائيل حسب تحذير الرب أن يُقدم ذبائح بشرية، فهو جُرم عظيم، ولا يعتبر عبادة بل هو حرم وإيقاع شرّ، لذلك فأن يفتاح يعتبر أخطأ لأنه فعل عكس الوصية:
+ [لا تعمل هكذا للرب إلهك لأنهم قد عملوا لآلهتهم كل رجس لدى الرب، مما يكرهه، إذ أحرقوا حتى بنيهم وبناتهم بالنار لآلهتهم [7]؛ لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته في النار، ولا من يعرف عرافة ولا عائف (ممارس سحر بجميع أشكاله) ولا متفائل، ولا ساحر، ولا من يرقي رقيه، ولا من يسأل جاناً أو تابعة (امرأة تعمل في السحر)، ولا من يسأل يستشير الموتى (تحضير الأرواح)، لأن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب. وبسبب هذه الأرجاس الرب إلهك طاردهم من أمامك][8]

عموماً، قد اغتنى شعب إسرائيل بالاقتباس من بعض تُراث الشعوب الأخرى في العبادات، مُمارساً بذلك وظيفته كوسيط، موجهاً من جديد نحو الإله الحق بعض ممارسات طرأ عليها تحريف المفاهيم الوثنية. فهو نقاها حسب أمر الله ووصيته، وبذلك أخذت الطقوس الأولية البسيطة في التكامل والتشعب، بالرغم من الانخراط فيها أحياناً ونسيان حق الرب من جهة صلاح القلب، مع بعض الانحرافات الخطيرة التي ظهرت ونراها في أحداث العهد القديم وخاصة التشبه بالأمم، لأن عوض ما يكون إسرائيل معلم الأمم بالحق الإلهي الظاهر في الوصية صار يتعلم من الأمم ويحيا مثلهم فلوث التراث الروحي واللاهوتي بتمسكه بعادات لا تليق بمن يعرف الله الحي المستعلن لهُ بآيات وعجائب جعلت الأمم نفسها تشهد بعمل الله وسط إسرائيل.
==================

[1] (تكوين 4: 3؛ 12: 7 – 9)
[2] (خروج 20: 24)
[3] (خروج 23: 15)
[4] (تثنية 33: 8 – 10)
[5] (ميخا 6: 7)
[6] (قضاة 11: 30 – 31)
[7] (تثنية 12: 31)
[8] (تثنية 18: 10 – 12)

رد مع إقتباس
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 15 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:17 AM ]


ثانياً: جوانب الذبيحة المختلفة
=================
(1) أنواع مختلفة تظهر في التاريخ
شهد الكتاب المقدس – منذ البداية – بوجود أنواع مختلفة من الذبائح. مثل المحرقة وذبيحة السلامة والذبائح التكفيرية. فالمحرقة (عُوْلَه עֹלָה) وهي تظهر في التقاليد القديمة، وفي عهد القضاة.
+ [وبنى نوح مذبحاً للرب. وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح] [1]
+ [فدخل جدعون وعمل جدي معزى وإيفة (حوالي 45 لتر) دقيق فطيراً.. فقال لهُ ملاك الله خذ اللحم والفطير وضعهما على تلك الصخرة.. ففعل ذلك. فمد ملاك الرب طرفي العُكاز الذي بيده ومس اللحم والفطير فصعدت نار من الصخرة وأكلت اللحم والفطير] [2]
+ [فأخذ منوح جدي المعزى والتقدمة وأصعدهما على الصخرة للرب. فعمل عملاً عجيباً (ملاك الرب) ومنوح وامرأته ينظران فكان صعود اللهيب عن المذبح نحو السماء أن ملاك الرب صعد في لهيب المذبح] [3]
+ فكانت الذبيحة تُحرق بجملتها [(ثور، خروف، جدي، طائر) وذلك – كما رأينا في المقدمة – تعبيراً عن الهبة الكاملة التي لا رجعة فيها]

وهناك نوع آخر من الذبائح كثير الانتشار عند الساميين، كان يقوم أساساً على مأدبة مقدسة، ذبيحة سلامة (ذَبحْ شيلميم – זֽבָח שׁלָמִים)، وأخذت معنى أعمق وسط شعب إسرائيل إذ كانت ذبيحة شركة، فيأكل المؤمن ويشرب [أمام الرب] فيفرح ويُسرّ بشركته أمام الله:
+ [بل أمام الرب إلهك تأكلها في المكان الذي يختاره الرب إلهك أنت وابنك وابنتك وعبدك وأَمَتك واللاوي الذي في أبوابك وتفرح أمام الرب [4]؛ وأنفق الفضة في كل ما تشتهي نفسك في البقر والغنم والخمر والمسكر وكُل ما تطلب منك نفسك وكُل هناك أمام الرب إلهك وافرح أنت وبيتك] [5]
وقد خُتم عهد سيناء بذبيحة من هذا النوع: [فكتب موسى جميع أقوال الرب وبكَّر في الصباح وبنى مذبحاً في أسفل الجبل واثني عشر عموداً لأسباط إسرائيل الاثني عشر، وأرسل فتيان بني إسرائيل فأصعدوا محرقات وذبحوا ذبائح سلامة للرب] [6]

ومن المؤكد أن كل مأدبة مقدسة لا تفرض – بالضرورة – وجود ذبيحة، إلا أنه في الواقع، ولائم الشركة هذه، في العهد القديم، كانت تشتمل على ذبيحة، فجزء من الذبيحة (سواء كانت حيوان صغير أم كبير)، كان يُصبح من حق الله – سيد الحياة – كدمٍ مراق والدهن (بحرقه على المذبح)، في حين كان يُستخدم اللحم كطعام للمدعوين (وهنا بالطبع تتضح روح الشركة بين الله والإنسان، والإنسان مع أخيه في محضر الرب)، ونرى ذلك مشروح في الطقس بكل دقة في لاويين 3، فيقول الطقس بالنسبة للمحرقة: يضع المقدم (مقدم الذبيحة) على رأس الحيوان ويذبحه. يرش الكاهن الدم على المذبح وحوله. تُنزع الأحشاء ويُحرق الدهن كرائحة رضا ليهوه.

وأيضاً هناك طقوس تكفيرية (ذبائح كفاريه - כַּפֵּר): [ولذلك أقسمت لبيت عالي إنه لا يُكفر عن شرّ بيت عالي بذبيحة أو بتقدمة إلى الأبد] [7]
ولكننا نجد أن الذبيحة الأساسية والرئيسية منذ القديم هي (ذبيحة المحرقة): وبنى نوح مذبحاً للرب.. وأصعد محرقات.. فتنسم الرب رائحةרֵיחַ – الرضا، وقال الرب في قلبه: لا أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان لأن تصورات قلب الإنسان شرير منذ حداثته، ولا أعود أيضاً أُميت كل حي كما فعلت] [8]
وقد اعتبرت هذه الذبيحة: رائحة سرور، إذ أنها تُمثل الطاعة القلبية لله
+ [وأما أحشاؤه وأكارعهُ فيغسلها بماء ويوقد الكاهن الجميع على المذبح محرقة وقود رائحة سرور للرب [9]؛ ويوقدهن الكاهن على المذبح طعام وقود لرائحة سرور (راحة)، كل الشحم للرب [10].
========================
(2) نحو صورة جامعة في سفر اللاويين
سفر اللاويين يعرض بأسلوب فني وصور نظامية للعطايا المقدمة لله، وهذا نجده من لاويين الإصحاح الأول إلى لاويين الإصحاح السابع:
+ [وكلم الرب موسى قائلاً: كلم هارون وبنية وجميع بني إسرائيل وقُل لهم: كل إنسان من بيت إسرائيل ومن الغرباء في إسرائيل قرب قربانه من جميع نذورهم وجميع نوافلهم [11] التي يقربونها للرب محرقة للرضا عنكم يكون ذكراً صحيحاً من البقر والغنم أو الماعز؛ كل ما كان فيه عيب لا تقربوه لأنه لا يكون للرضا عنكم [12].
وإذا قرب إنسان ذبيحة سلامة وفاء لنذر أو نافلة [13] من البقر أو الأغنام، تكون صحيحة للرضا [14]، كل عيب لا يكون فيها، الأعمى والمكسور والمجروح والبثير [15] والأجرب والأكلف [16]، هذه لا تقربوها للرب، ولا تجعلوا منها وقوداً على المذبح للرب. وأما الثور أو الشاه [17] الزوائدي أو القزم فنافلة (تبرعاً) (لـ) تعمله، ولكن لنذر لا يُرضى به، ومرضوض الخصية ومسحوقها ومقطوعها لا تقربوا للرب، وفي أرضكم لا تعملوها ومن يد ابن الغريب لا تُقربوها خُبز إلهكم من جميع هذه، لأن فيها فسادها. فيها عيب لا يُرضى بها عنكم [18]
وكلم الرب موسى قائلاً: متى وُلِدَ بقر أو غنم أو معزى يكون سبعة أيام تحت أمه، ثم من اليوم الثامن فصاعداً يُرضى به قُرباناً وقود للرب، وأما البقرة أو الشاه فلا تذبحوها وابنها في يومٍ واحد، ومتى ذبحتم ذبيحة شكر للرب فللرضا عنكم تذبحونها، في ذلك اليوم تؤكل، لا تبقوا منها إلى الغد. أنا الرب] [19]
ومن الواضح أن سفر اللاويين يختص بتنظيم العطايا المقدمة لله: الدموية (الذبائحية من الغنم والبقر.. الخ) والغير دموية (النبات والبذور والخبز.. الخ)، وجميع أنواع العطايا بلا استثناء.
ونلاحظ دقة السفر في سرد العطايا وتقديمها بدقة بدون أن يطغي طقس التقديم على روح الطقس نفسه الذي تُقدَّم به العطايا لله، لأن الحركات الدقيقة في الطقس تحمل معنى مقدساً يعمل سراً في قلب الإنسان مُقدِّم العطية أو الذبيحة، مثل رفع الشكر لله القدوس، والرغبة في التكفير عن نفسه بإعلان توبته الصادقة ليقدر أن يقترب من الله ويتصالح معه ويُنشئ معه علاقة حقيقية، وذلك يظهر في تقديم المحرقة: "ويضع يده على رأس المحرقة فيُرضى عليه للتكفير عنه"[20]
[وكان لما دارت أيام الوليمة أن أيوب أرسل (أبناؤه) فقدسهم، وبكر في الغد وأصعد محرقات على عددهم كلهم. لأن أيوب قال: ربما أخطأ بَنيَّ وجدفوا على الله في قلوبهم، هكذا كان أيوب يفعل كل الأيام] [21]

وفي خلفية بعض الاصطلاحات، يُكشف شعور عميق بقداسة الله، مع خوف ملازم من الخطية التي تُدمر حياة الإنسان وتضعه في خصومة مع الله، وحاجة داخلية مُلَّحه للتطهير والتنقية.

عموماً أن مفهوم الذبيحة في هذه المجموعة الطقسية – التي تظهر في سفر اللاويين – يتجه إلى التركيز حول فكرة التكفير، والدم في ذلك يلعب دوراً هاماً، إلا أن فاعليته تتعلَّق في النهاية بالمشيئة الإلهية، إذ تشترط توفر مشاعر التوبة الصادقة من كل القلب بإيمان حي بالله:
+ [التكفير عن النفس بالدم] [لأن نفس الجسد هي في الدم، فأنا أعطيتكم إياهُ على المذبح للتكفير (Cover - כַּפֵּר) عن نفوسكم. لأن الدم يُكفَّر عن النفس] [22]
+ [المشيئة الإلهية] [أنا، أنا، هوَّ الماحي ذنوبك لأجل نفسي وخطاياك لا أذكُرها] [23]

* والتعويض عن النجاسات الطقسية والأخطاء غير المقصودة كان يدفع المؤمنين عملياً نحو تطهير قلوبهم، كما أن الشرائع الخاصة بالطاهر والنجس (كتمثيل لحقيقة داخلية) كانت توحي للنفوس بالابتعاد عن الشرّ وكل ما يُمثل لهم شكل تدنيس القلب والنفس.

ووليمة الشيلميم (السلامة) تُتَرجَّمْ وتُحَقَق في الفرح والابتهاج الروحي، وحدة الشركة بين المدعوين لهذه الوليمة، بعضهم مع بعض ومع الله أولاً، لأن الجميع يشتركون بالفرح والشكر في الذبيحة عينها (كما سبق ورأينا في ذبيحة السلامة: ذَبحْ شيلميم – זֽבָח שׁלָמִים).
===================================
[1](تكوين 8: 20)
[2](قضاة 6: 19و20و21)
[3](قضاة 13: 19 – 20)
[4](تثنية 12: 18)
[5](تثنية 14: 26)
[6](أنظر خروج 24: 4 – 8)
[7](1صموئيل 3: 14)
[8](تكوين 8: 20 – 21)
[9](لاويين 1: 9)
[10](لاويين 3: 16)
[11](تبرعاتهم: أي تقدمة غير مفروضة على الإنسان هو يُقدمها من نفسه بنفسه كتبرع اختياري)
[12](لا يرضى به منكم ولا يصلح تقدمة للرضا)
[13](تبرع)
[14](ليرضى به الرب)
[15](ليس به بثور أو خُرَّاج)
[16](من له بقع مختلفة في جسمه – مرض جلدي أو بقع لونية مختلفة عن طبيعة جلدة الطبيعي)
[17](غنم أو ماعز)
[18](لا يُرضى به منكم)
[19](لاويين 22: 17 – 30)
[20](لاويين 1: 4)
[21](أيوب 1: 5)
[22](لاويين 17: 11)
[23](إشعياء 43: 25)

رد مع إقتباس
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 16 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:18 AM ]


ثالثاً: من الطقوس إلى الذبيحة الروحية
======================
(1) الطقوس كعلامة للذبيحة الروحية
الله في الكتاب المقدس لا يستفيد – بل وعلى الإطلاق – من ذبائح الإنسان المقدمة إليه، ولا يأخذ منها شيئاً ليحتفظ به لنفسه، فالله غير مدين للإنسان بشيء، بل الإنسان هو المدين لله بكل شيء، والإنسان هو الذي يحتاج لله بشدة، لأنه هو حياته ومصدر وجوده الحقيقي، فالله في ذاته في حالة كمال مُطلق وليس في حاجة لشيء ولا حتى لعبادة الإنسان ولا لجميع عطاياه.
والطقس – في العهد القديم بكل اتساعه وشموله – يظهر بعض المشاعر الباطنية ويجعلها مرئية بالممارسة اليومية: كالسجود والطاعة (محرقة) والاهتمام بالوحدة الحميمة مع الله (شيلميم = سلامة)، والاعتراف بالخطايا والتماس الغفران (طقوس تكفيرية).

وتدخل الذبيحة في الاحتفالات بالعهد مع المعبود الإلهي العظيم والمتعجب منه بالمجد: [وبنى نوح مذبحاً للرب. وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح فتنسم الرب رائحة الرضا، وقال الرب (عهد) في قلبه لا أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان، لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته، ولا أعود أيضاً أُميت كل حي كما فعلت، (وذلك) مدة كل أيام الأرض زرع وحصاد وبرد وحر وصيف، وشتاء ونهار وليل لا تَزَال] [1]
وخاصة في سيناء: [وأرسل فتيان بني إسرائيل فاصعدوا محرقات وذبحوا ذبائح سلامة للرب من الثيران فأخذ موسى نصف الدم ووضعه في الطسوس ونصف الدم رشه على المذبح وأخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب، فقالوا كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع لهُ، وأخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال هوذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال] [2]
عموما مفهوم الذبيحة عند الإسرائيليين الأتقياء،
هو أنها تُقدس الحياة القومية والأُسرية والفردية، وتُعمَل خصوصاً بمناسبة مزارات الحج والأعياد: [وكان هذا الرجل (أَلفانه) يصعد من مدينته من سنة إلى سنة ليسجد ويذبح لرب الجنود في شيلوه] [3]؛ [وإذا افتقدني أبوك فقل قد طلب داود مني طلبة أن يركض إلى بيت لحم مدينته لأن هناك ذبيحة سنوية لكل العشيرة] [4]؛ [وأمر الملك آحاذ أوريا الكاهن قائلاً: على المذبح العظيم أوقد محرقة الصباح وتقدمة المساء ومحرقة الملك وتقدمته مع محرقة كل شعب الأرض وتقدمتهم وسكائبهم ورش عليه كل دم محرقة وكل دم ذبيحة ومذبح النُحاس يكون لي للسؤال] [5]
وعموما فأن الحوار والخبر بعمل الله، والاعتراف بالإيمان، والاعتراف بالخطايا، وتلاوة المزامير، تَبرز أحياناً وبشكل متسع المعنى الروحي ضمن الحركة المادية في تقديم الذبائح:
+ الحوار والخبر بعمل الله
· للأهمية أنظر (خروج 24: 3 – 8)
· ويكون حين يقول لكم (يسألكم) أولادكم: ما هذه الخدمة لكم [6]؛
· وتُخبِّر ابنك في ذلك اليوم قائلاً:
من أجل ما صنــع إليَّ الرب حين أخرجني من مصر [7]
+ الاعتراف بالإيمان
· ثم تصرح وتقول أمام الرب إلهك. آرامياً كان أبي فانحدر إلى مصر وتغرَّب هُناك في نفر قليل فصار هناك أمه كبيرة وعظيمة وكثيرة، فأساء إلينا المصريون وثقلوا علينا وجعلوا علينا عبودية قاسية، فلما صرخنا إلى الرب إله آباءنا سمع الرب صوتنا ورأى مشقتنا وتعبنا وضيقتنا فأخرجنا الرب من مصر بيدٍ شديدة وذراع رفيعة ومخاوف عظيمة وآيات وعجائب وأدخلنا هذا المكان وأعطانا هذه الأرض أرضاً تفيض لبناً وعسلاً. فلآن هأنذا قد أتيت بأول ثمر الأرض التي أعطيتني يا رب ثم تضعه أمام الرب إلهك وتسجد أمام الرب إلهك وتفرح بجميع الخير الذي أعطاه الرب إلهك لك ولبيتك أنت واللاوي والغريب الذي في وسطك [8]
+ والاعتراف بالخطايا
· فاجتمعوا إلى المصفاة واستقوا ماء وسكبوه أمام الرب وصاموا في ذلك اليوم، وقالوا هُناك: قد أخطأنا إلى الرب [9]
فإن كان يُذنب في شيء من هذه يُقرّ بما قد أخطأ به ويأتي إلى الرب بذبيحة لإثمه عن خطيته التي أخطأ بها [10]
+ وتلاوة المزامير
· يا خائفي الرب سبحوه. مجدوه يا معشر ذُرية يعقوب. واخشوه يا زرع إسرائيل جميعاً، لأنهُ لم يحتقر ولم يُرذل مسكنة المسكين، ولم يحجب وجهه عنه، بل عند صراخه إليه استمع من قِبَلك.
تسبيحي في الجماعة العظيمة أوفي نذوري قُدام خائفيه، يأكل الودعاء ويشبعون، يُسبح الرب طالبوه، تحيا قلوبكم إلى الأبد، تذكر وترجع إلى الرب كل أقاصي الأرض، وتسجد قدامك كل قبائل الأمم، لأن للرب الملك وهو متسلط على الأمم [11]
والآن يرتفع رأسي على أعدائي حولي، فاذبــح في خيمتــه ذبائــح الهُتــاف. أُغني وأُرنم للرب [12]
أذبح لك منتدباً [13]. أحمد أسمك يا رب لأنه صالح [14]

وطبقاً لتكوين 22، ولعله بمثابة الميثاق بالنسبة لذبائح الهيكل، يرفض الله الضحايا البشرية ويتقبل الذبائح الحيوانية فقط. إلا أنه لا يُسرّ بهذه العطايا، إلا إذا قدمها الإنسان بقلب أهل للتضحية والبذل بإيمان حي صادق بمحبة قلب، بإعطاء أغلى ما عنده، على مثال أب الآباء إبراهيم حينما رضى أن يُقدم أغلى ما عنده (بلا تردد أو صراع مع نفسه) وهو ابنه الوحيد ولم يحجبه أو يعزه عن الله.
============================
[1] (تكوين 8: 20 – 22)
[2] (خروج 24: 5 – 8)
[3] (1صموئيل 1: 3)
[4] (1 صموئيل 20: 6)
[5] (2ملوك 16: 15)
[6] (خروج 12: 26)
[7] (خروج 13: 8)
[8] (تثنية 26: 5 – 11)
[9] (1صموئيل 7: 6)
[10] (لاويين 5: 5 – 6)
[11] (مزمور 22: 23 – 27)
[12] (مزمور 27: 6)
[13] (الذي دُعيَّ للقيام بعمل ما ولبى طوعاً واختياراً)
[14] (مزمور 54: 6)

رد مع إقتباس
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 17 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:19 AM ]


(2) الديانة الباطنية
===============
أ - أولوية الديانة الباطنية
حينما أندمج الشعب في حرفية الطقوس، وعلى الأخص الكهنة، إذ تعلَّقوا بالرتبة الطقسية وافتخروا بوضعهم وسط الشعب كنوع من أنواع التمايُز، مع إهمال العلامة المتعلَّقة بها. ومن هنا أتت تحذيرات الأنبياء الذين أعلنوا صوت الله وتوبيخه بسبب ذلك الانحراف[1]!!!

وقد نُخطئ أحياناً في تبين نية الأنبياء حينما يوبخون على العبادة الشكلية ونظن أنهم يلغون الطقس، ولكن في الحقيقة والواقع الاختباري الحي، فإنهم لا يشجبون الذبيحة في ذاتها لأنها موضوعه بأمر إلهي في الأساس، ولكن ينددون بالانحرافات الطارئة عليها، وعلى وجه الخصوص الممارسات الكنعانية الدخيلة التي لا تُرضي الله أبداً، لأن حتى على مستوانا الشخصي أحياناً نبالغ في شكل العبادة الخارجية التي تكون عادةً بلا روح أو قلب مستقيم، بل وأحياناً كثيرة نضع فكرنا الشخصي ونُضيف عليها ما هو جديد بحسب الشكل والمظهر الذي يُرضينا نحن وليس ما يُرضي الله الحي، وهذا ما أعلنه هوشع في كلماته التي توبخنا نحن بالدرجة الأولى، وتوبخنا جداً وتظهر عورة القلب الداخلية: [شعب يسأل خشبة، وعصاه تخبره لأن روح الزنى قد أضلَّهم، فزنوا من تحت إلههم، يذبحون على رؤوس الجبال ويبخرون على التلال تحت البلوط واللُبْنى والبطم [2] لأن ظلها حسن، لذلك تزني بناتكم وتفسق كناتكم] [3]

فكثرة الطقوس وتشعبها ليست في حد ذاتها تُمجد لله، بل إن هذا التعدد لم يوجد في السابق:
+ [هل قدمتم لي ذبائح وتقدمات في البرية أربعين سنة يا بيت إسرائيل] [4]
+ [لم تحضر لي شاة محرقتك، وبذبائحك لم تُكرمني (تُمجدني). لم أستخدمك (ألزمتك) بتقدمه، ولا أتعبتك بلبان (لبان البخور). لم تشترِ لي بفضة قصباً، وبشحم ذبائحك لم تروني (أرويتني)، لكن استخدمتني (ألزمتني) بخطاياك وأتعبتني بآثامك] [5]
+ [لأني لم أكلم آبائكم ولا أوصيتهم يوم أخرجتهم من أرض مصر من جهة محرقة وذبيحة، بل إنما أوصيتهم (أمرتهم) بهذا الأمر قائلاً: اسمعوا صوتي فأكون لكم إلهاً وأنتم تكونون لي شعباً، وسيروا في كل الطريق الذي أوصيكم به ليحسُن إليكم (يطيب إليكم)، فلم يسمعوا ولم يميلوا أُذنهم، بل ساروا في مشورات وعناد قلبهم الشرير وأعطوا القفا لا الوجه (أداروا لي ظهورهم لا الوجه)] [6]

فالطقس وعلى الأخص تقدمة الذبيحة، إذا تجردت من استعدادات القلب من توبة وإيمان حي وطاعة صوت الله، تنقلب عملاً باطلاً ورياء فج، إذ تتحول للشكل والصورة، فضلاً على أنها تُغضب الله إذا صاحبها مشاعر كلها شرّ، وأفكار ملوثة بالخطية وسلوك منافي لوصية الله!!!
+ [هلم إلى بيت إيل (اذهبوا إلى بيت إيل) وأذنبوا إلى الجلجال وأكثروا الذنوب (تعالوا إلى بيت إيل وارتكبوا المعاصي، وفي الجلجال أكثروا من ارتكابها) واحضروا كل صباح ذبائحكم وكل ثلاثة أيام عشوركم وأوقدوا من الخمير تقدمة شكر ونادوا بنوافل (تبرعات) وسَمِعوُا (نادوا بتقدمات وأذيعوها)] [7]
+ [لماذا لي (ما فائدتي – ماذا استفيد من) كثرة ذبائحكم يقول الرب. أتخمت (شبعت) من محرقات كباش وشحم مسمنات، وبدم عجول وخرفان وتيوس، ما أُسرّ (لا يُرضيني) حينما تأتون لتظهروا أمامي (تعبدوني)، من طلب هذا من أيديكم أن تدوسوا دُوري (دياري – بيتي). لا تعودوا تأتون (إليَّ) بتقدمة باطلة، البخور (الرجس – الغريب عن التقوى) هو مكرهة لي، رأس الشهر والسبت ونداء المحفل (الأعياد الإلهية)، لست أطيق الإثم والاعتكاف (التفرغ للعابدة مع عدم التوبة عن الإثم)، رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسي وصارت عليَّ ثقلاً مللت حملها، فحين تبسطون أيديكم أستر عيني عنكم، وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع، أيديكم ملآنة دماً، اغتسلوا تنقوا (تزكوا)، اعزلوا (أزيلوا وأقطعوا) شرّ أفعالكم من أمام عيني، كفوا عن فعل الشرّ] [8]

ويُركز الأنبياء بشدة، بحسب بلاغتهم في اللغة، على أولوية النفس في علاقة طاعة تنعكس على سلوكها اليومي، فتستقيم الحياة وتنشأ علاقة حية سوية مع الله:
+ [وليجر الحق كالمياه والبرّ كنهرٍ دائم [9]؛إني أُريد رحمة لا ذبيحة، ومعرفة الله أكثر من محرقات [10]؛ قد أُخبرك أيها الإنسان ما هو الصالح، وماذا يطلبه منك الرب؛ إلا (ليس غير) أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعاً مع إلهك] [11]

ولنا أن نعرف أن الأنبياء لا يضيفون شيئاً جديداً أو يشرحوا أصول العبادة بطريقة جديدة، لأن تعليمهم ليس إلا امتداد لنفس التعليم الذي خُطْ في عهد سيناء بصوت الرب نفسه عن طريق موسى النبي:
+ [فالآن إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون ليس خاصة من بين جميع الشعوب. فأن لي كل الأرض [12]؛ وأخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب: فقالوا كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له، وأخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال هوذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال] [13]

وهذا التعليم تقليد ثابت لا يتغير ومحفوظ لكل زمان بالطبع ونافع لنا أيضاً:
+ [فقال صموئيل: هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب، هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة، والإصغاء أفضل من شحم الكباش] [14]
+ [وقد علمت يا إلهي أنك أنت تمتحن القلوب وتُسرّ بالاستقامة. أنا باستقامة قلبي انتدبت (تبرعت) بكل هذه، والآن شعبك الموجود هنا رأيته بفرح ينتدب (يتبرع) لك] [15]
+ [ذبيحة الأشرار مكرهة الرب وصلاة المستقيمين مرضاته] [16]
+ [فعل العدل والحق أفضل عند الرب من الذبيحة.. ذبيحة الشرير مكرهة فكم بالحري حين يقدمها بغش] [17]
+ [بذبيحة وتقدمة لم تُسرّ – أُذني فتحت محرقة وذبيحة خطية لم تطلبحينئذٍ قلت هنذا جئت (ها أنا آتٍ) بدرج الكتاب مكتوب عني أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت (في هذه مسرتي). وشريعتك في وسط أحشائي (في صميم قلبي شريعتك) بشرت ببرّ في جماعة عظيمة. هوذا شفتاي لم أمنعهما أنت يا رب عَلِمْتَ] [18]؛ [وللشرير قال الله: ما لك تُحدث (وتروي) بفرائضي وتحمل عهدي على فمك وأنت قد أبغضت التأديب وألقيت كلامي خلفك (ورائك – أهملت أن تعيش به)، إذا رأيت سارقاً وافقته، ومع الزناة نصيبك (إذا رأيت سارقاً صاحبته، ولا تُعاشر إلا الزُناة)، أطلقت فمك بالشرّ ولسانك يخترع غشاً (يختلق مكراً)، تجلس وتتكلم على أخيك (بكلام غير صالح)، لابن أمك تضع معثرة (تفتري على ابن أُمك وتضع أمامه ما يعثره ليسقط)، هذه صنعت وسكت (فعلت هذا وأنا ساكت عنك أتمهل عليك)، ظننت إني مثلك، أوبخك (لكني الآن أُوبخك)، وأصف (أُعدد – أضعها في صف) خطاياك أمام عينيك، أفهموا هذا يا أيها الناسين الله لئلا يفترسكم (أمزقكم – القصد العقاب) ولا منقذ، ذابح الحمد يُمجدني والمقوِّم طريقه أريه خلاص الله (الحمد هو الذبيحة التي تُمجدني، ومن قَوَّم طريقه أريه خلاصي)] [19]
+ [أُسبح اسم الله بتسبيح وأُعظمه بحمد فيُستطاب عند الرب أكثر من ثور بقر ذي قرون وأظلاف، يرى ذلك الودعاء فيفرحون وتحيا قلوبكم يا طالبي الله] [20]
+ [الذابح من كسب الظلم يُستهزأ بتقدمته (الذبيحة بمال الحرام مهزلة)، واستهزاءات الأثماء ليست بمرضية (كل ما يقدمه الظالمون غير مقبول)، الرب وحده للذين ينتظرونه في طريق الحق والعدل، ليست مرضاة العلي بتقادم المنافقين ولا بكثرة ذبائحكم يغفر خطاياهم (العلي لا يرضى بقرابين الأشرار، ولا بكثرة ذبائحهم يغفر خطاياهم)، من قدم ذبيحة من مال المساكين فهو كمن يذبح الابن أمام أبيه.. واحد صلى والآخر لعن فأيهما (فلمن منهما يستمع) يستجيب الرب لصلاته، من اغتسل من لمس ميت ثم لمسه فماذا نفعه غسله، كذلك الإنسان الذي يصوم عن خطاياه ثم يعود يفعلها من يستجيب لصلاته وماذا نفعه (ينفعه) اتضاعه] [21]

وفي الواقع أن تقديم الذبيحة الباطنية أي من دخل القلب قبل الخارج، ليست بديلاً عن تقدمة العبادة الخارجية، فلا تلغيها أو تشجبها أو تنسخها، بل هي تعتبر الأساس أو الجوهر: لأنك لا تُسر بذبيحة وألا فكنت أُقدمها. بمحرقة لا تَرضَى. ذبائح الله هي روح منكسرة، القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره. أحسن برضاك إلى صهيون، ابن أسوار أورشليم، حينئذٍ تُسرّ بذبائح البرّ محرقة وتقدمة تامة حينئذٍ يصعدون على مذابحك عجولاً] [22]

وهذه الذبيحة الباطنية هي جوهر وأساس الطقس الحقيقي:
+ [من حفظ الشريعة فقد قدَّم ذبائح كثيرة، من رعى الوصايا فقد ذبح ذبيحة الخلاص (ذبيحة السلامة)، ومن أقلع عن الإثم فقد ذبح ذبيحة الخطية وكفر ذنوبه، من قدم السميذ فقد وفى بالشكر، ومن تصدق فقد ذبح ذبيحة الحمد، مرضاة الرب الإقلاع عن الشرّ، وتكفير الذنوب الرجوع عن الإثم، لا تحضر أمام الرب فارغاً فأن هذه كلها تُجري طاعة للوصية (تأمر بها الشريعة)، تقدمة الصديق تُدَسمُ المذبح (دسم على المذبح) ورائحتها طيبة أمام العلي، ذبيحة الرجل الصديق مرضية (مقبولة) وذكرها لا يُنسى، مجد الرب عن قُرَّة عين (أكرم الرب بعين سخية) ولا تُنقص من بواكير يديك (لا تبخل عليه من بواكير غلالك)، كن بشوش الوجه في كل عطية، وكرس للرب عُشر غلالك بفرح... إياك والذبيحة التي بها عيب (لابد من أن تكون اي عطية لله أفضل ما عندك)، الرب ديان، وهو لا يعرف المُحاباة.. من يتعبد للرب بكل قلبه يَتَقَبلهُ الرب، وصلاته تبلغ اليوم، صلاة المتواضع تخترق الغيوم، ولا يتعزى إلى أن يبلغ غايته، ولا يستريح حتى يراه العلي.. (الرب) يُجازي الناس بحسب أعمالهم، ونياتهم] [23]

وهذا التيار الروحي الأصيل يشجب التقوى السطحية القائمة على المصلحة التي تقوم على كبرياء القلب وطلب مديح الناس، أو مخالفة الوصية التي هي حياة النفس، وقد أثار في النهاية هذا المنهج الروحي الأصيل، جدلاً حول الطقوس ذاتها – من جهة النسك بحرفيتها وشكلها بدون جوهرها – التي أدت لمقاومة الأنبياء ورفض صوت الله على أفواههم، لأن الكثيرين فضَّلوا الشكل عن الجوهر لأجل كبرياء القلب ومديح الناس، وكان الأنبياء في هذا كله بمثابة الممهدين للعهد الجديد بشأن جوهر الذبيحة وفعلها الحقيقي وليس في مجرد طقس مُقدَّم في عبادة شكلية، ويلزمنا هُنا أن ندرك أن الطقس وترتيبه ونظامه مهم جداً ولم يلغه الله بالرغم من كل كلمات الأنبياء الشديدة التحذير والتوبيخ، إنما كان يُشير إلى الانحرافات التي حدثت كما رأينا من عدم استقامة النفس وتقديم توبة حقيقية من القلب والالتزام بكل حرفية العبادة من جهة الشكل والمظهر فقط، لكن أن قُدِّم الطقس حسب أمر الله بكل طاعة وقلب مستقيم، فأنها كفيلة ان ترفع الإنسان لأعلى مستوى سماوي فائق يُفرِّح القلب ويُعطي قوة شركة حقيقية مع الله الحي.
============================
[1] الذي لا زال البعض يُعاني منه اليوم في الكنيسة
[2] (شجرة برية صغيره الورق صمغها قوي الرائحة)
[3] (هوشع 4: 12 – 13)
[4] (عاموس 5: 25)
[5] (أشعياء 43: 23 – 24)
[6] (إرميا 7: 22 – 24)
[7] (عاموس 4: 4و5)
[8] (إشعياء 1: 11 – 16)
[9] (عاموس 5: 24)
[10] (هوشع 6: 6)
[11] (ميخا 6: 8)
[12] (خروج 19: 5)
[13] (خروج 24: 7 – 8)
[14] (1صموئيل 15: 22)
[15] (1أيام 29: 17)
[16] (أمثال 15: 8)
[17] (أمثال 21: 3 و27)
[18] (مزمور 40: 7 – 9)
[19] (مزمور 50: 16 – 23)
[20] (مزمور 69: 30 – 32)
[21] (سيراخ 34: 21 – 31)
[22] (مزمور51: 16 – 19)
[23] (مقتطفات من سفر سيراخ إصحاح 35 حسب الترجمة السبعينية)

رد مع إقتباس
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 18 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:20 AM ]


ثانياً العهــــــــــــدالجديد
(1) استمرار وتفوق
نجد في العهد الجديد استمرار وتفوق من ناحية الكمال،
فعوض ما كانت تمثله الذبيحة كرمز، أصبحت تنطبق على المرموز إليه تمام الانطباق بل وتتفوق عليها جداً، لأنها تحققت في كمال اتساعها وحققت وحدتها بعد ما كانت منفصلة غير متصلة، إذ كانت كل ذبيحة منفردة ومرتبطة بأخرى ولكنها لم تكن واحدة في تقديمها، وعموماُ – كما أوضحنا في العهد القديم – نجد أن شخص ربنا يسوع يرجع إلى الفكرة النبوية عن أولوية النفس على الطقس بالرغم من أهميته كما ذكرنا سابقاً: [فأن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك فاترك هُناك قُربانك قُدام المذبح واذهب أولاً اصطلح مع أخيك وحينئذٍ تعالى وقدم قُربانك] [1]
ويتضح هذا ويظهر بقوة بالنسبة لعلاقتنا معه وبالتالي مع القريب: [ومحبته (الله) من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل النفس ومن كل القدرة، ومحبة القريب كالنفس هي أفضل من جميع المحرقات والذبائح] [2]
وبرجوعه للمفهوم الباطني الذي شُرح في العهد القديم لتوضيح الديانة الباطنية من القلب، يعدّ الأذهان لتفهم معنى ذبيحته الخاصة أي ذبيحة نفسه التي تفوقت على ذبائح العهد القديم كلها.
فنجد أنه من عهد لعهد يقوم استمرار وتفوق، فالاستمرار يبدو في انطباق عناصر الذبيحة – في العهد القديم – على موت المسيح له المجد في العهد الجديد، والتفوق يظهر بفضل طابع الأصالة المطلقة في تقدمة يسوع المسيح الله اللوغوس المتجسد:
+ [الذي هو رمز للوقت الحاضر الذي فيه تُقدَّم قرابين وذبائح لا يُمكن (مستحيل) من جهة الضمير أن تُكمل الذي يخدم (تجعله كامل)] [3]؛ [وليس بـدم تيوس وعجـول بل بـدم نفســه دخل مـــرة واحــدة إلى الأقداس فوجــد فـــداءً أبديـــاً][4]؛ [لأنه لا يمكن (مستحيل) أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا] [5]؛ [لأنه أن كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش على المنجسين يقدس إلى طهارة الجسد، فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي] [6]
والواقع أن هذا التفوق والتميز يُدخل في العالم حقيقة جديدة في ملئ جوهرها وطبعها الإلهي، وهي حقيقة الفداء والخلاص الأبدي الذي صُنع بدم عهداً جديداً، دم ابن الله الذي يطهر النفس والضمير والقلب، طُهراً كاملاً أبدياً يفوق كل حدود إمكانيات البشر وفكرهم الخاص: [في تقديـــس الــروح للطاعـــة ورش دم يســـوع المسيـــح لتكثـــر لكم النعمـــة والسلام] [7]؛ [ فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع ] [8]؛ [أن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية ] [9]
=========================
(2) معنى الذبيحة
على ضوء دراستنا في العهد القديم، نستطيع أن نتعرف على معنى الذبيحة، فالسبب الرئيسي لتقديم ذبيحة هو التقديس، فأولاً تُفرز الذبيحة، أي يتم انتقائها بدقة وتدقيق شديد بحيث تكون بلا عيب، ثم يتم وقفها على الله وحده، أي تكريسها وتخصيصها لغرض تقديمها لله القدوس الحي، ومن هنا تأتي صفة التكريس، تكريس أي تخصيص الشخص أو الشيء للرب، أي لتقريبه للرب، أو استخدامه لأغراض مقدسة، بمعنى إعطاء شيء أو شخص وضعاً مقدساً، أي أن يجعله مُقدساً، والمعنى أن يكون الشخص أو الشيء مفرزاً ليكون وقفاً على الله وحده، بمعنى استبعاده من حالة الاستخدام العادية أو الاستعمال الطبيعي ليُقدَّم لله الفائق النقاوة.

+ [وكلم الرب موسى قائلاً: وأنت تأخذ لك أفخر الأطياب، مُراً قاطراً خمس مئة شاقل، وقرفة عطرة نصف ذلك مئتين وخمسين، وقصب الذريرة مئتين وخمسين. وسليخة خمس مئة بشاقل القدس، ومن زيت الزيتون هينا. وتصنعه دهناً مُقدساً للمسحة، عطر عطارة صنعة العطار دهناً مقدساً للمسحة يكون. وتمسح به خيمة الاجتماع وتابوت الشهادة. والمائدة وكل آنيتها والمنارة وآنيتها ومذبح البخور. ومذبح المحرقة وكل آنيته والمرحضة وقاعدتها. وتُقدسها فتكون قُدس أقداس كل ما مسها يكون مقدساً. وتمسح هرون وبنيه وتُقدسهم ليكهنوا لي. وتكلم بني إسرائيل قائلاً: يكون هذا لي دهناً مُقدساً للمسحة في أجيالكم. على جسد إنسان لا يُسكب وعلى مقاديره لا تصنعوا مثله، مقدس هو ويكون مقدساً عندكم. كل من ركب مثله ومن جعل منه على أجنبي يُقطع من شعبه] [10]

عموماً كان التركيز الأساسي في الذبيحة على التقديس والتكريس للرب (تقدسوا، كونوا قديسين): [إني أنا الرب إلهكم فتتقدسون وتكونون قديسين لأني أنا قدوس، ولا تنجسوا أنفسكم بدبيب يدب على الأرض، إني أنا الرب الذي أصعدكم من أرض مصر ليكون لكم إلهاً فتكونون قديسين لأني أنا قدوس] [11]
وذلك – بالطبع – لكي يكون شعب إسرائيل شعب مُفرز ومخصص للرب وحده من بين جميع الشعوب، متطهراً من الخطية والإثم وكل طمع، لكي يدخل في شركة مقدسة خاصة مع الله، متوسطاً ما بين الشعوب كلها والله الحي، أي بصفته وسيط يعلن مجد الله الحقيقي الحي الواحد:

· [وقال يشوع للشعب تقدسوا لأن الرب يعمل غداً في وسطكم عجائب [12]؛ قم قدس الشعب وقل تقدسوا للغد لأنه هكذا قال الرب إله إسرائيل في وسطك حرام يا إسرائيل فلا تتمكن للثبوت أمام أعدائك حتى تنزعوا الحرام من وسطكم [13]؛ فقال سلام قد جئت لأذبح للرب، تقدسوا وتعالوا معي إلى الذبيحة وقدس يسى وبنيه ودعاهم إلى الذبيحة] [14]
================================
عموماً مُلَّخص معنى الذبائح كالآتي (كما جاء في القاموس اللاهوتي الألماني لكيتل):
v الذبيحة هي استحداث وَضع، من خلاله يُمكن أن يُستعلن الله نفسه بقصد تنظيم علاقة بينه وبين شعبه. فبواسطة نظام الذبائح – في العهد القديم – أراد الله أن يكون له علاقة وتعامل شخصي مع شعبه. وأول مثل لذلك – كما رأينا سابقاً – ما جاء في بداية تعامل الله مع إبراهيم أب الآباء: [فآمن بالرب فحسبه له براً. وقال له أنا الرب أخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها. فقال أيها السيد الرب بماذا أعلم أني أرثها. فقال له خُذ لي عجلة ثلاثية وعنزة ثلاثية وكبشاً ثلاثياً ويمامة وحمامه. فأخذ هذه كلها وشقها من الوسط وجعل شق كل واحد مقابل صاحبه.. ولما صارت الشمس إلى المغيب وقع على إبرام ثبات وإذا رعبه مظلمة عظيمة واقعة عليه.. في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقاً] [15]

كذلك حينما أراد الله أن يُجرب إبراهيم في محبته وطاعته لله أكثر من كل شيء آخر طلب منه أن يقدم ابنه وحيده الذي يحبه وقبل فيه المواعيد ذبيحة، فأطاع ولم يتردد، ومنعه الله في آخر لحظة والسكين على رقبة ابنه، وأعدَّ له كبشاً للذبيحة عوضاً عن ابنه.
وفي هذا كان الله يُعبَّر أعظم تعبير – من خلال ابراهيم – عن أن الذبيحة لله هي في عينيه أقوى تعبير عن الحب والطاعة اللذين ارتبط بهما الإنسان بالله، ورد فعل الذبيحة بهذا الشكل هو رد الله على إبراهيم بعد تقديم ابنه بمحبة لله وطاعة منقطعة النظير:
+ [بذاتي أقسمت يقول الرب، إني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تُمسك ابنك وحيدك أباركك مباركة.. ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض] [16]
وإذا أضفنا على شكل هذه الذبيحة الأشكال الأخرى التي وردت في الناموس، نستطيع القول إن الذبيحة دائماً ما تُعبَّر عن حضور الله ومعه نعمته وبره.

وإذا كان الأنبياء في أواخر الأيام – في العهد القديم – بدئوا يعلنون رفض الله لذبائح شعب إسرائيل، وكذلك المزامير – كما رأينا وشرحنا سابقاً – فلم تكن المعارضة على الذبائح في حد ذاتها، ولا حتى على الطقس بكل ما جاء فيه، ولكن لأن الشعب بكهنته أهملوا القصد الأساسي من الذبائح التي قامت عليه روحياً، وهو الوجود في حضرة الله لتكوين علاقة روحية حقيقية تنمو مع الأيام، مع التواضع والتقوى والإيمان والمحبة التي هي روح الطقس الذبائحي ومحوره كله، والتي كانت هي – بحد ذاتها – الذبائح الحقيقية. وهكذا حلَّت التقدمات المادية والشكلية عوض العلاقة الشخصية الروحية والتسبيح والشكر للخلاص في حضرة الله بالقداسة. وهذا كان بالنص، محور تبكيت الأنبياء والمزامير:
+ أسمـــع يا شعبي فأتكلم يا إسرائيل فأشهد عليك. الله إلهك أنا (إني أنا الله إلهك)، لا على ذبائحـك أوبخـك، فأن محرقاتك هي دائمــاً قدامي.. هل آكل لحـــم الثيـــران أو أشـــرب دم التيوس؛ أذبـــــح لله حمـــداً وأوفِ العلي نذورك، وادعني في يوم الضيق أُنقـــذك فتُمجدني [17]؛ إني أُريد رحمة لا ذبيحة، ومعرفة الله أكثر من محرقات (وهو تحول باطني صادق = ذبيحة حقيقية مقبولة وليس أدق من موقف أب الآباء إبراهيم للتعبير عنها)] [18]؛ بذبيحة وتقدمة لم تُسرّ (لم تشأ)، أُذنيَّ فتحت، محرقة وذبيحة خطية لم تطلب. حينئذٍ قلت هانذا جئت بدرج الكتاب مكتوب عني. أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت (أعمل بمشيئتك يا الله، شريعتك في صميم أحشائي)] [19]

عموماً طلب الله للعلاقة الروحية والحياة حسب الوصية بتقوى ومحبة كاملة له لم يكن يتعارض مع الذبائح. ولكن بسبب التوقف عن القصد الأساسي من هذه الذبائح رفضها الله تماماً، لأن الله لا يرضى بشكل أو مظهر خارجي، لأنه لا يتعامل مع المرائي أو من له صورة التقوى وينكر قوتها:
+ [ومتى صليت فلا تكن كالمرائين فإنهم يحبون أن يُصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس، الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم] [20]
+ [يعترفون بأنهم يعرفون الله ولكنهم بالأعمال ينكرونه إذ هم رجسون غير طائعين ومن جهة كل عمل صالح مرفوضون] [21]
+ [واكتب إلى ملاك الكنيسة التي في ساردس هذا يقوله الذي له سبعة (الكمال) أرواح الله والسبعة الكواكب أنا عارف أعمالك أن لك اسماً إنك حي وأنت ميت] [22]
=====================
[1] (متى 5: 23 – 24)
[2] (مرقس 12: 13)
[3] (عبرانيين 9: 9)
[4] (عبرانيين 9: 12)
[5] (عبرانيين 10: 4)
[6] (عبرانيين 9: 13و 14)
[7] (1بطرس 1: 2)
[8] (عبرانيين 10: 19)
[9] (1يوحنا 1: 7)
[10] (خروج 30: 22 – 33)
[11] (لاويين 11: 44و 45)
[12] (يشوع 3: 5)
[13] (يشوع 7: 13)
[14] (1صموئيل 16: 5)
[15] (تكوين 15: 6 – 10 و12 و18)
[16] (تكوين 22: 16 – 18)
[17] (أنظر مزمور 50: 7 و15)
[18] (هوشع 6: 6)
[19] (مزمور 40: 6 – 8)
[20] (متى 6: 5)
[21] (تيطس 1: 16)
[22] (رؤيا 3: 1)

رد مع إقتباس
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 19 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:21 AM ]


(3) يسوع يقدم نفسه ذبيحـــــــــة
===================
أ - تمهيــــــــد
نجد في العهد الجديد أن يسوع عندما كان يُنبئ عن آلامه، يستخدم نفس ذات الكلمات والألفاظ التي كانت تتميز بها ذبيحة التكفيرية التي ذُكرت في سفر أشعياء النبي:
+ إنه يأتي "ليخدم" διακονηθηναι - to serve
+ "يبذل حياته – يبذل نفسه – يعطي حياته"δοναι τήν ψυχήν – to give life
+ ويموت " فداءً " λύτρον – ransom/atonement عن كثيرين (يفتدي أسير أو يحرر أسير – يكفر بالآلام حتى الموت)
+ لأن ابن الإنسان أيضاً لم يأتِ ليُخدَّم، بل ليخدِّم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين [1]
+ لأني أقول لكم إنه ينبغي (يجب – يتحتم) أن يتم فيَّ أيضاً المكتوب وأُحصيَّ مع أثمه [2]
+ وأما الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن. إن جعل نفسه ذبيحة إثم.. من تعب نفسه يرى ويشبع، وعبدي البار بمعرفته يُبرر كثيرين، وآثامهم هو يحملها لذلك أقسم له بين الأعزاء.. من أجل أنه سكب للموت نفسه (بذل نفسه) وأُحصيَّ مع أثمه، وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين [3]
وفضلاً عن ذلك ففي العشاء الفصحي الأخير، يؤكد الرب يسوع المسيح على وجود علاقة مقصودة ومحدده بين موته وذبيحة الحمل الفصحي. ولنتتبع قول الرب في الأناجيل ونلاحظ ما قيل بترتيب عجيب مُذهل في الأناجيل:
· 1 – وكان فصح اليهود قريباً فصعد كثيرين من الكور إلى أورشليم قبل الفصح ليطهروا أنفسهم فكانوا يطلبون يسوع ويقولون فيما بينهم وهم واقفون في الهيكل ماذا تظنون هل هو لا يأتي إلى العيد وكان أيضاً رؤساء الكهنة والفريسيون قد أصدروا أمراً إن عرف أحد أين هو فليدل عليه لكي يمسكوه. [4]
· 2 – ثم قبل الفصح بستة أيام أتى يسوع إلى بيت عنيا حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من الأموات فصنعوا له هناك عشاء. [5]
· 3 – تعلمون أنهُ بعد يومين يكون الفصح وابن الإنسان يُسّلَّم ليُصلب (صيغة مبني للمجهول، الآب يُسَلَّم، والابن يُسلَّم ذاته بإرادته وسلطانه). [6]
· 4 – وأما يسوع قبل عيد الفصح (الفصح يعني العبور، وهنا الإشارة إلى عبور المسيح الموت، وهذا هو الفصح الحقيقي، أي الانتقال من الوضع الحاضر إلى المشاركة في مجد الآب بالبشرية التي اتحد بها في سر تجسده) وهو عالم أن ساعته قد جاءت ((يعي الرب وعياً تاماً بمجيء ساعته وأهمية الأحداث التي ابتدأت ويستقبلها بملء حريته وإرادته)) لينتقل من هذا العالم إلى الآب إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلى المنتهى[7]
وأخيراً يرجع صراحة إلى خروج 34: 8، مبيناً الصورة التي استخدمها موسى (دم العهد):
· وأخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال: هوذا دم العهد דַם־הַבְּרִת الذي قطعه الرب معكم على هذه الأقوال. [8]؛ وقال لهم يسوع: هذا هو دمي الذي للعهد covenant الجديد αἷμά μου τῆς διαθήκς الذي يُسفك من أجل كثيرين. [9]

على أن الإشارة هنا إلى الحمل الذي يُخلّص بدمه الشعب، وإلى ضحايا سيناء التي تُثبت العهد القديم، وإلى موت العبد التكفيري، وهي إشارة تؤكد بوضوح طابع الذبيحة في موت الرب يسوع: فهذا الموت الذي يموته المسيح الرب ليس كذبائح العهد القديم تُفيد مُقدِّمها إلى طهارة الجسد وتعجز عن تطهير الضمير وتغيير القلب من الداخل، بل موته يُفيد الجميع فعلاً وعملاً على مستوى واقعي مُعاش، إذ يُعطي غفران الخطايا ويغسل الضمير من الداخل، فبذبيحته يكرس العهد النهائي لشعباً جديداً مولود من الله، وموته – لكل من يؤمن – يصبح ينبوعاً للحياة الأبدية.

أما الإفخارستيا التي أُسست لتجعل قربان الصليب الواحد حاضراً كذكرىάνάμνησις anamnesis [10] في إطار مائدة مقدسة، فهي تربط الطقس المسيحي الجديد بذبائح وحدة الاتحاد القديمة والتي كانت تحمل في طياتها رمز الذبيحة الجديدة والنهائية:
+ [وتأخذ دقيقاً وتخبزه أثني عشر قُرصاً عُشرين يكون القرص الواحد، وتجعلها صفين، كل صف ستة على المائدة الطاهرة أمام الرب، وتجعل على كل صف لُباناً نقياً فيكون للخبز تذكاراً وقوداً للرب] [11]

وعلى هذا النحو فإن تقدمة يسوع المسيح في واقع تقديمها اللاهوتي الذبائحي وتعبيرها السري، توجز وتُتمم تدبير الذبائح كلها معاً في العهد القديم: وذلك بصفتها ذبيحة واحدة كاملة مُقدَّمة في وقتٍ واحد، ليست منفصلة أو متصلة، لأن المسيح الرب الواحد الذي هو الكاهن والمذبح والذبيحة معاً قدَّم نفسه بالتمام ليصير ذبيحة أبدية وهي في ذات الوقت صارت – بسبب طبيعته – أزلية، وهذا ما سوف نوضحه بأكثر تفصيل فيما بعد، لأن الذبيحة هنا تتفوق على العهد القديم بكل رموزه التي هي ظل باهت ضعيف للغاية للحقيقة المسيانية التي تمت في ملء الزمان كالتدبير.

ويلزمنا أن نفهم – بشكل مُحدد – معنى المحرقة والفرق بين التقدمة والذبيحة كالآتي:
+ معنى المحرقة ὁλοκαύτωμα
Holocaust – a whole burnt-offering
وهي تقدمة (قربان = ذبيحة) صحيحة وسليمة لا عيب فيها، غير مكسورة أو مقسومة، تُقدَّم لتُحرق بالتمام، أي بتمامها وكاملها (وسوف نشرحها بالتفصيل الشديد حينما نتكلم عن ذبيحة المحرقة وطقس وسبب تقديمها)
+ الفرق بين التقدمة προσΦορά ؛ الذبيحة θύσια
الذبيحة = فعل التقدمة مضافاً إليه عنصر الألم حتى الموت.
+ فالتقدمة تتم أولاً بالفرز والتخصيص، لأن الرب يسوع قدَّم نفسه أولاً بحريته وإرادته وسلطانه وحده كحمل طائع مشيئة الآب، ثم تُرفع كذبيحة أمام الله، وهذا ورد في التقليد الليتورچي الكنسي القديم، فأن القداس الإلهي يبدأ بتقديم الحمل، وهذا هو عمل ليتورچي قائم بذاته كفعل تقدمة مُقربة للآب بالطاعة وهذا يعبر عنه بمجيء المسيح الذي جاء في الجسد، ثم يليه قداس تقدمة المسيح كذبيحة، لأنه تجسد أولاً وعاش بيننا ثم قدَّم نفسه للموت، أي أن التقدمة قُدمت أولاً مُفرزة مُكرسه مُعينة من الله لتصل إلى الطاعة حتى الموت كذبيحة حمل رافع خطية العالم.
+ ففي تقديم الحمل يُقدَّم مُهيأ للذبيحة θύσια، وفي القداس الإلهي ندخل في سرّ الحمل المذبوح[12]، وتُرفع الذبيحة بالتقدمة προσΦορά
=================
[1] (مرقس 10: 45)
[2] (لوقا 22: 37)
[3] (إشعياء 53: 10 – 12)
[4] (يوحنا 11: 55 – 57)
[5] (يوحنا 12: 1و2)
[6] (متى 26: 2)
[7] (يوحنا 13: 1)
[8] (خروج 24: 8)
[9] (مرقس 14: 24)
[10] هذه الكلمة ليست بالمعنى الدارج المشهور للجميع، مجرد ذكرى، ولكنها في الترجمة الأصلية تُستخدم في الأعمال التي تخص الله، وتُعَّبر عن حدوث "صلة شخصية" على وجه خاص بين الإنسان والله. ومعناها على وجه الخصوص – كما قصد الرب منها – استعلان وظهور عمل الرب إلى أن يُستعلَّن الرب نفسه في اليوم الأخير أي في المجيء الثاني، وعموماً هي ليست من الكلمات العادية التي تدخل ضمن الحديث العادي أو التعبير الشخصي، لكنها اصطلاح طقسي ليتورجي وذلك بحسب ورودها واستخدامها في الطقس القديم.
[11] (لاويين 24: 5 – 7)
[12] وينبغي أن نعلم بيقين ان هذا ليس معناه أننا نصلب المسيح الرب مرة أخرى على الإطلاق، لأنه قدَّم نفسه مرة واحدة ولن تعاد ذبيحة الصليب إطلاقاً، وفي القداس الإلهي نحن لا نصنع ذلك إطلاقاً ولا هذا إيماننا ولا هو عقيدتنا ولا هو غرض القداس أو هدفه لأن بعدم وعي أو فهم فأن كثيرين يتصورن هذا الأمر الخاطئ للغاية وسوف نضع الشرح السليم عن القداس الإلهي في موضوع آخر مستقلاً بذاته.

رد مع إقتباس
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 20 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:22 AM ]


ب – يسوع المسيح حمل الله
في العهد القديم قدَّم إبراهيم ذبيحة لله كبشاً عوضاً عن ابنه اسحق: [فناداه ملاك الرب من السماء وقال: إبراهيم، إبراهيم: فقال هاأنذا، فقال لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئاً، لأني الآن علمت أنك خائف יְרֵ֤א(من الناحية الأخلاقية، وتعني تبجيل أو توقير reverent) الله فلم تُمسك ابنك وحيدك عني، فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراءه مُمسكاً في الغابة بقرنيه، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضاً عن ابنه] [1]
أما في العهد الجديد فيسوع هو نفسه وبشخصه الحمل الوحيد الحقيقي الحي الذي رفع خطية العالم بتقدمة ذاته على الصليب بإرادته وسلطانه وحده، كما يصفه إنجيل يوحنا: [ها هوذا Ἴδε حمل الله الذي يرفع خطية العالم] [2]
ويلزمنا هنا ننتبه للكلمة (ها هوذا Ἴδε) فهذا التعبير يأتي بمعنى رؤية يقين (والرؤيا هنا = انتبه ورصد وعاين فأشار بتأكيد ليوثق حقيقة – حاضرة الآن – كشهادة أمام الجميع)، فهنا يوجد توجيه لملاحظة شيء جديد أو مُثير للإعجاب ويستحق الاهتمام البالغ والالتفات إليه.

ولذك نجد أن يسوع يتمم النبوات وينطبق عليه كل ما لذبيحة الفصح، إذ قد مات يسوع في الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الجمعة السابق لعيد الفصح حسب الطقس اليهودي الأصيل، وهي الساعة التي كانت تُذبح فيها أمام الهيكل بأورشليم الحملان الفصحية، ويؤكد إنجيل يوحنا هذا الشبه بين يسوع والحمل الفصحي، عندما يُشير إلى أن يسوع وهو على الصليب لم يُكسر له عظم على مثال الحمل الفصحى نفسه كما جاء في خروج ولننتبه لهذه الآيات قصاد بعضها:
+ ثم إذ كان استعداد، فلكيلا تبقى الأجساد على الصليب في السبت، لأن يوم ذلك السبت كان عظيماً، سأل اليهود بيلاطس أن يُكسر سيقانهم ويُرفعوا، فأتى العسكر وكسروا ساقي الأول والآخر المصلوب معهُ وأما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات.. والذي عاين شهد وشهادته حق، وهو يعلم أنهُ يقول الحق لتؤمنوا أنتم، لأن هذا لكي يتم الكتاب القائل عظم لا يُكسر منه [3]
+ وقال الرب لموسى وهارون: هذه فريضة الفصح... في بيت واحد يؤكل، لا تخرج من اللحم من البيت إلى خارج وعظماً لا تكسروا منه [4]
+ يحفظ جميـــع عظامــه. واحـــده منها لا ينكسر [5]
لقد افتدانا يسوع من الخطية مُظهراً أن العبادة الحقيقية ليست تقدمة ذبائح حيوانات، بل تقدمة الذات في سرّ الموت والقيامة مع المسيح لتتميم إرادة الله في البرّ والقداسة. وهذا ما يشرحه القديس بولس الرسول بقوله: [لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع، قد أعتقني (حررني وفك قيدي) من ناموس الخطية والموت، لأنه ما كان الناموس عاجزاً عنه فيما كان ضعيفاً بالجسد (ما لم يستطيعه الناموس لعجزة بسبب الجسد – لأن الإنسان عايش في الجسد وليس في الروح) فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية، ولأجل الخطية دان الخطية (قضى وأنهى على الخطية) في الجسد، لكي يتم حكم (برّ) الناموس فينا] [6]

ولنفهم كلمات القديس بولس الرسول على ضوء النبوات التي تشرح سرّ عمل الله في قلوبنا بناموس روح الحياة في المسيح يسوع:
+ هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل سيقولون بعد هذه الكلمة في أرض يهوذا وفي مدنها عندما أرد سبيهم يباركك الرب يا مسكن البرّ يا أيها الجبل المقدس.. لأني أرويتُ النفس المُعيية وملأت كل نفس ذائبة.. ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً. ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب. بل هذا هو العهد الذي أقطعهُ مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب: أجعل شريعتي في داخلهم واكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً. ولا يُعلِّمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين: اعرفوا الرب، لأنهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم يقول الرب. لأني أصفح عن أثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد (وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابته فيكم، ولا حاجة بكم إلى أن يُعلِّمكم أحد، بل كما تُعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء، وهي حق وليست كذباً. كما علمتكم تثبتون فيه). [7]
+ وأرش عليكم ماءً طاهراً فتطهرون من كل نجاساتكم ومن كل أصنامكم أطهركم. وأعطيكم قلباً جديداً واجعل روحي في داخلكم (لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع، قد أعتقني من ناموس الخطية والموت) وأجعلكم تسلكون في فرائضي وتحفظون أحكامي وتعملون بها.. وتكونون لي شعباً وأنا أكون لكم إلهاً. وأخلصكم من كل نجاساتكم. [8]
+ هكذا قال السيد الرب: هانذا أفتح قبوركم وأصعدكم من قبوركم يا شعبي وآتي بكم إلى أرض إسرائيل [وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع – أفسس 2: 6) ]. فتعلمون إني أنا الرب عند فتحي قبوركم وإصعادي إياكم من قبوركم يا شعبي. واجعل روحي فيكم فتحيون، وأجعلكم في أرضكم فتعلمون أني أنا الرب تكلمت وأفعل، يقول الرب. [9]
ومن خلال هذه النبوات وكلمات القديس بولس يتضح لنا أنه إذا تجدد الإنسان داخلياً بسرّ عمل الله في المسيح يسوع وتحوَّل بروح الله الذي يرسله الآب لنا باسم يسوع ليسكن ويحل فينا "واجعل روحي فيكم فتحيون - وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم [10]" يستطيع بسهولة ومحبة أن يطيع مشيئة الله، فهي لم تعد إكراها وغصباً، لأنها لا تُفرض عليه من الخارج – من ناحية الجسد – لتنفيذها غصباً وقسراً، بل صارت الشريعة، شريعة روح الحياة، مكتوبة بالحفر على القلب من الداخل بنور الله، لتُناسب الحياة الجديدة التي أخذناها بولادتنا الجديدة من فوق، لأننا صرنا نتشكل بها على صورة الابن الوحيد.

فالمسيح يسوع اتخذ على وجه تام مصير وضعنا الخاطئ، بدون أن يكون هو خاطئ لأنه بار (في المُطلق)، وببره يبرر الكثيرين: [لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن برّ الله فيه [11]؛ الذي حَمَلَ هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة، لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبرّ. الذي بجلدته شُفيتم [12]؛ وتعلمون أن ذاك أُظهر لكي يرفع خطايانا ] [13]
[المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا. لأنه مكتوب: "ملعون كل من عُلق على خشبة "، لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع. لننال بالإيمان موعد الروح] [14]

فقد صار الرب يسوع نفسه وبشخصه ذبيحة كفارة فريدة من نوعها، وهنا تحقق كمال فعل الذبيحة القديمة (الرمزية) في المسيح يسوع، فأُبطلت كل الذبائح وانتهت تماماً لأن المسيح نفسه وبذاته أي بشخصه الإلهي هو الذبيحة الحقيقية الكاملة التامة الأبدية، والذي بموته دان الخطية في الجسد وقضى على فعلها تماماً، وأفرغها من سلطانها، وأبطل الموت الذي كان نتيجة طبيعية ملازمة لها، لأنه ثمرتها الخاصة.

ففي ذبيحة الخطية في العهد القديم، يكشف موت الضحية الحيوانية المقدمة عوض الخاطئ، عن الحكم المُلازم للخطية حسب طبيعتها الخاصة، لأن الخطية خاطئة جداً ومن يفعلها يموت بالضرورة، تلقائياً، لأن نتاجها الموت لأنها تحمله في باطنها طبيعياً، أما في المسيح يسوع، يتم إماتة الخطية في الجسد مرة واحدة، ليُميت الجسد التي تعمل فيه الخطية كمجال خصب لعملها، وبالتالي يفرغها من سلطانها إذ يصنع بحياته إنساناً جديداً سماوياً، أي إنسان نوراني لا يتعامل مع الظُلمة، فلا يعود للخطية أي سلطان عليه لأنها ميتة، فالإنسان المؤمن في المسيح الخطية ميتة بالنسبة له، فلا يتعامل معها مرة أخرى لأن لا سلطان لها عليه بسبب قوة الله التي تُساكنه، حتى لو تعثر وسقط، فأنه يقوم فوراً لأن الموت أُبتُلع لحياة، ومن المستحيل أن يسود موت على حياة، ولا الحياة نفسها تستطيع أن تحيا في الموت، لذلك من دخل في سرّ حرية المسيح الرب فأنه ينفك من سلطان الخطية ويستطيع أن يغلبها دون عناء، لأنه حُرّ منها وغير مقيد، بسبب إيمانه بكفارة المسيح التامة الأبدية، لأنه صار حُر المسيح [وتعرفون الحق والحق يُحرركم؛ فَإِنْ حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً][15]

وتتوسع الرسالة إلى العبرانيين في معنى الفداء: [لأنه إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش على المنجسين، يُقدس إلى طهارة الجسد (الطهارة الطقسية المطلوبة للاشتراك في العبادة القديمة)، فكم بالحري (بالأولى) يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدَّم نفسه (قرباناً وذبيحة) لله بلا عيب، يُطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي] [16]
+ وطبعاً بلا عيب في هذه الآية: تضع ذبيحة ربنا يسوع المسيح من جهة الأفضلية عن كل الذبائح الحيوانية التي لم تقوى على طهارة النفس والضمير من الداخل، لأنها ذبيحة تحمل حياة الله وقوته فيها، ومن ذلك تأتي فاعليتها لتطهير الضمير واتحاد الإنسان بالله بالسرّ في المسيح يسوع، لأنها قُدِّمت ليست بحسب برّ الناموس، بل بحسب برّ ابن الله الشخصي.
والرسالة للعبرانيين توضح أن كل ذبائح العهد القديم ما هي إلا مُجرد رمز لذبيحة العهد الجديد ولا تساويها في قيمتها الجوهرية، بكونها صارت بدم حي مُحيي يُعطي شفاء داخلي واقعي حقيقي لأنها ذبيحة حية إلى الأبد قادرة على التطهير العميق الكامل والشامل للعالم كله، لأن الدم هنا صار غير منتسب للجسد الطبيعي بل لجسد ابن الله الحي، فصار الدم المسفوك هو دم ابن الله الحقيقي الآتي في الجسد حسب التدبير.
[لأنه لا يمكن (مستحيل) أن دم ثيران وتيوس يرفع (يُزيل) الخطايا. لذلك عند دخوله إلى العالم (المسيح) يقول: ذبيحة وقرباناً لم تَرد، ولكن هيأت لي جسداً، بمحرقات وذبائح للخطية لم تُسرّ، ثم قلت: هنذا أَجيء في درج الكتاب مكتوب عني لأفعل مشيئتك يا الله، إذ يقول آنفاً (أولاً) إنك ذبيحة وقرباناً ومحرقات وذبائح للخطية لم تُرد، ولا سُررت بها، التي تُقَدَم حسب (بموجب أو بحسب) الناموس، ثم قال: هنذا أَجيء لأفعل مشيئتك يا الله، ينزع الأول (العبادة الأولى بكل طقسها) لكي يُثبت الثاني (تتميم الوعد وتحقيق الرمز في كماله حسب قصد الله وإعلان مشيئته)، فبهذه المشيئة نحن مُقدسون بتقديم (بالقربان الذي قُدمَ فيه) جسد يسوع المسيح مرة واحدة] [17]
وفي العهد الجديد عموماً يظهر في موت الرب تحقيق النبوات القديمة، ولاسيما نبوة إشعياء عن عبد الرب [لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائرا في شبه الناس [18]] الذي سيحمل خطايا كثيرين [19]

وهذا المعنى المتسع للغاية، الذي نجده في العهد الجديد وفي الكنيسة الأولى لموت المسيح، قد عَبَّرَ عنه يسوع نفسه في العشاء الفصحي الأخير الذي تناوله مع تلاميذه فيقول بولس الرسول: [لأنني تسلمت παρέλαβον (accept the truth of) من الرب ما سلمتكم παρέδωκα (transfer) [20] أيضاً: أن الرب يسوع في الليلة التي أُسلِمَ فيها أخذ خبزاً وشكر فكسر وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور (يُعطى) لأجلكم، أصنعوا هذا لذكري] [21]
ويوضح القديس لوقا عبارة "الذي هو لأجلكم" بقوله: [وأخذ خبزاً وشكر وكسر وأعطاهم قائلاً: هذا هو جسدي الذي يُبذل عنكم (لأجلكم)] [22]؛ [وكذلك الكأس أيضاً بعد العشاء قائلاً: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُسفك عنكم (لأجلكم)] [23]؛ ويُضيف إنجيل متى الرسول: [لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد، الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا] [24]

لقد رأى يسوع – حسب معرفته بالقلوب – أن رفض اليهود لرسالته وحقدهم عليه، بسبب كشفه لقلوبهم وضمائرهم، سيقودهم إلى قتله، فانتظر الموت بسبب التدبير [لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة [25]]، إلا أنه جعل من موته: لحظة مغفرة ومسامحة وغفران للذين سيقتلونه، فلقد أعطى موته معنى الفداء الحقيقي المتسع جداً [في الليلة التي سَلَمَ فيها نفسه]، وبينما كان معه على العشاء يهوذا [الذي سَلَمهُ للموت] مُمثلاً حقد اليهود وخطايا العالم أجمع [26]، فقد شهد الرب – سابقاً لتلك الساعة – عن نفسه قائلاً:
+ [أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه (حتى الموت) عن الخراف، وأما الذي هو أجير وليس راعياً، الذي ليست الخراف لهُ، فيرى الذئب مُقبلاً ويترك الخراف ويهرب، فيخطف الذئب الخراف ويُبددها، والأجير يهرب لأنه أجير ولا يُبالي بالخراف، أما أنا فإني الراعي الصالح وأعرف خاصتي، وخاصتي تعرفني، كما أن الآب يعرفني وأنا أعرف الآب، وأنا أضع نفسي عن الخراف، ولي خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي أن آتي بتلك أيضاً، فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراعٍ واحد، لهذا يُحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضاً، ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها من ذاتي، لي سلطان أن أضعها، ولي سلطان أن آخذها أيضاً. هذه الوصية قبلتها من أبي][27]
فهو قبل موته يسبق ويُعطيه معنى الفداء، فيبذل حياته بحريته، إذ يُعطي جسده ودمه، لأجل أحباؤه وأعداءه، ويكسر الخبز ويقول: [هذا هو جسدي الذي يُبذل لأجلكم]؛ ويسكب الخمر في الكأس ويقول: [هذا هو دمي الذي يُسفك عن كثيرين]؛ وقال وحدد بدقة: [هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي]

لقد أعطى يسوع حياته ليُنشئ عهداً جديداً بين الله والناس. وهكذا كان موته نقطة انطلاق لحياة جديدة في العالم، ومن البشرية التي قتلته بُعث شعباً جديداً مقدساً، وهم أولاً جماعة التلاميذ الذين آمنوا به وبذل يسوع حياته لأجلهم كما جاء في إنجيل لوقا: [هذا هو جسدي الذي يُبذل لأجلكم]، كما هو أيضاً للعالم كله – بلا استثناء – بحسب ما جاء في متى ومرقس بوضوح شديد: [هذا هو دمي الذي يُسفك عن كثيرين πολλῶν (many – much – high in number)] ولفظة الكثيرين = الجميع، وكما قال القديس بولس الرسول: [لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس (أجمعين)، الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع ] [28].
==================
[1] (تكوين 22: 11 – 13)
[2] (يوحنا 1: 29)
[3] (يوحنا 19: 31 – 36)
[4] (خروج 12: 43و 46)
[5] (مزمور 34: 20)
[6] (رومية 8: 2 – 4)
[7] (1بطرس 2: 27) ] (إرميا 31: 23 ، 25 ، 27 – 34)
[8] (حزقيال 36: 25 – 29)
[9] (حزقيال 37: 12 – 14)
[10] (يوحنا 14: 26)
[11] (2كورنثوس 5: 21)
[12] (1 بطرس 2: 24)
[13] (1يوحنا 3: 5)
[14] (غلاطية 3: 13 – 14)
[15] (يوحنا 8: 32، 36)
[16] (عبرانيين 9: 13 و14)
[17] (عبرانيين 4 – 10؛ أنظر للأهمية إشعياء 53: 4 – 12)
[18] (فيلبي 2: 7)
[19] (أنظر للأهمية إشعياء 53: 4 – 12)
[20] (أنظر لوقا 22: 14 – 20)
[21] (1كورنثوس 11: 23و 24)
[22] (لوقا 22: 1)
[23] (لوقا 22: 20)
[24] (متى 26: 28)
[25] (يوحنا 12: 27)
[26] (متى 26: 21 – 25)
[27] (يوحنا 10: 11 – 18)
[28] (1 تيموثاوس 2: 5 و6)

رد مع إقتباس

اضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الذبائح, العامة, الكتاب, المقدس, المقدمة, تفصيلية, دراسة, في, والتقدمات

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
محاضرات تبسيط الايمان للانبا بيشوى marina shohdy دراسات وأبحاث في الكتاب المقدس 3 09-17-2015 03:40 PM
استحالة تحريف الانجيل david201050 المنتدى العام 0 02-02-2014 04:10 PM
فهرس دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس - الذبيحة טֶבַח θυσίας σφάζω aymonded دراسات وأبحاث في الكتاب المقدس 32 07-16-2011 12:46 AM

Rss  Rss 2.0 Html  Xml Sitemap SiteMap Info-SiteMap Map Tags Forums Map Site Map


الساعة الآن 11:36 AM.