في السابع عشر من أبريل من كل عام نحتفل بتذكار المعلم ميخائيل البتانوني,الذي تنيح في فجر خميس العهد من عام1957لقد رحل المعلم ميخائيل عنا بالجسد منذ أكثر من خمسين عاما لكن مازالت ألحان الكنيسة التي كان يرددها تتردد إلي اليوم علي أفواه أبنائه المخلصين من المرتلين والشمامسة والخدام,والجميع مدينين له بالفضل في حفظ هذا التراث الروحي الثمين,ويصلون لأجله في كل ليتورجيةهب له خيرات مواعيدك,ما لم تر عين ولم تسمع به بأذن ولم يخطر علي قلب بشر,ما أعددته يا لله لمحبي اسمك القدوس.
إن من يتأمل في شخصية المعلم ميخائيل البتانوني,يكتشف سر محبته لألحان الكنيسة فقد تعلم من خلال اللحن معني وجمال التسبيح.
ومن أهم الصفات التي تحلي بها:
أدائه للحن بفهم فعندما استمع إليه العالم الموسيقيEgon Wellezعام1932في مؤتمر دراسة الموسيقي الشرقية الذي دعت إليه الحكومة المصرية,قال:إنه لم يتأثر في حياته بعذوبة ترديد الصلوات مثلما تأثر بنغمات القداس الإلهي بصوت المعلم ميخائيل البتانوني.
تأثره باللحن كان يحرك مشاعره الداخلية وعبر عن هذه الأحاسيس بذرف الدموع علي الرغم من أنه كان ضريرا,وهذا بشهادة من تتلمذوا علي يديه واستمعوا إليه.وقد ذكر المتنيح الدكتور يوسف منصور رئيس شمامسة الكاتدرائية المرقسية بالأزبكية إنه كان يحلو له أن يقرأ بصوته العذب فصل إنجيل المولود أعمي الذي يقرأ في الأحد السادس من الصوم الكبير فكانت الجموع تتأثر وتبكي انعكاس تأثره بقراءة الإنجيل عليهم.
كان رجلا قنوعا,فلم يهتم بالربح من وراء الألحان بل عاش في بساطة.
كان ملما بالأمور الطقسية,عالما في اللغة القبطية والعربية واليونانية,لذلك كانت ألفاظ كلمات الألحان والتسابيح تخرج من فمه سليمة النطق.
كان خادما روحيا يجول في كل مكان ليسلم اللحن برضي وسرور,ولم يبخل علي أحد طوال حياته بأن يسلمه اللحن الذي يريده.ويذكر نيافة الحبر الجليل الأنبا أرسانيوس مطران المنيا وأبوقرقاص أنه كان يتوجه إلي منزل الأنبا أرسانيوس عندما كان يخدم في شبرا ليقوم بتسليمه هذه الألحان.
هذه الصفات التي تحلي بها لمسناها في تلاميذه المخلصين الذين انطبعت فيهم شخصية معلمهم الكنسي, نذكر منهم:المتنيح المعلم حبيب حنا الميراهم مرتل كنيسة السيدة العذراد مريم بمحرم بك بالإسكندرية,والمتنيح� � المعلم/ لبيب أبو الخير مرتل كنيسة مارمينا بفلمنج بالإسكندرية والمتنيح المعلم/صادق عطا لله مدرس الألحان بالكلية الإكليريكية والمتنيح المعلم/فرج عبد المسيح مرتل الألحان بمعهد الدراسات القبطية,والمتنيح المعلم/توفيق المحرقي مرتل الألحان بالدير المجرق,والمتنيح المعلم/فهيم جرجس مرتل الألحان بالكاتدرائية المرقسية بالأزبكية.هؤلاء يقال عنهم بحق أنهم كانوا قادة التسبيح الروحي في أماكن خدمتهم.
وعندما نتكلم عن المعلم ميخائيل البتانوني وعن الألحان القبطية,لابد أن نذكر بالفخر والإعزاز الدكتور راغب مفتاح رئيس ومؤسس قسم الألحان والموسيقي القبطية بمعهد الدراسات القبطية,الذي كان له الفضل الأول في حفظ التراث الفني الروحي للألحان الكنسية من الضياع وفي اكتشاف المعلم ميخائيل حيث نقل عنه كل ألحان الكنيسة القبطية.وقد سجل هذه الملاحظة بخط يده:أدركت منذ شبابي المبكر أهمية الفن الموسيقي الكنسي القبطي وعمق روحانيته وقوة تأثيره إذا أديت بدقة وأصوات موهوبة فوهبت له حياتي وكل إمكانياتي فحافظت عليه مدي الدهر.
لقد ذهب الدكتور راغب مفتاح إلي أوربا ليبحث عن الفنان الموسيقي الموهوب الذي يقوم بتدوين الألحان بالنوتة الموسيقية الصوتية وأحضر علي نفقته الخاصة السيد نيولاند سميث الذي كان أستاذا في المعهد الملكي الموسيقي بلندن وكان ذلك في عام 1927,ومكث فترة ثمانية أعوام لتدوين كل ألحان الكنيسة مباشرة من المعلم/ميخائيل البتانوني ودونت في ستة عشر مجلدا التي أودعت أصولها في مكتبة الكونجرس الأمريكية لمن يريد البحث في الموسيقي القبطية.وفي عام1940 قام بتكوين خورس من طلبة الكلية الإكليريكية بمهمشة ومن شمامسة موهوبي الصوت وكذلك خورسين من طلبة الجامعة ومن الطالبات الجامعيات.أسس عام1945 مركزا لتسليم الألحان للمرتلين والشمامسة,وطلب من المعلم ميخائيل البتانوني أن يقوم بالتدريس فيه,وفي عام1950 أصبحت الدراسة قاصرة فقط علي كبار المرتلين.كما اشترك في تأسيس معهد الدراسات القبطية عام 1954 وأسس فيه قسم الألحان والموسيقي القبطية وقام بنقل نواة الأستوديو الذي أسسه من قبل في كنيسة العذراء مريم قصرية الريحان بمصر القديمة واستكمل تجهيزاته في معهد الدراسات القبطية.