( 159 )
الأبدية
*******
حياة الإنسان الأرضية المحدودة
إذا ما قيست بالأبدية غير المحدودة
فإنها تزول إلى صفر كأنها لا شيء.
ومع ذلك فالناس يهتمون بحياتهم على الأرض
كما لو كانت هى كل شيء بالنسبة إليهم.
يهبونها عواطفهم ووقتهم وجهادهم
ويضعونها في المكان الأول من قلوبهم.
سواء كانت حياتهم هم على الأرض
أم حياة أحبائهم، وأقربائهم وأصدقائهم ومعارفهم.
وفى كل هذا ينسون أبديتهم
وأبدية هؤلاء.
لكى تهتم بالأبدية
لابد أن تقتنع بها وتفكر فيها
وتعمل من أجلها بكل جهدك، وتجعلها تشغل قلبك.
إن الكنيسة المقدسة تجعل هذه الغاية أمامنا في صلوات الأجبية
وبخاصة فى قطع النوم ونصف الليل وأيضا في قطع الغروب
وفي كثير من المزامير المستقاة.
كل هذا
ليكون هذا الموضوع في ذاكرتنا باستمرار.
هذا الذي من أجله قال السيد المسيح:
(ماذا يستفيد الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه!) وقال بولس الرسول:
(ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى، بل إلى التى لا ترى لأن التي ترى الآن، عاش آباؤنا القديسون في حياة التجرد، وفي الموت عن العالم، وركزوا كل قلوبهم وعواطفهم في محبة الله وحده، مشتاقين إليه وإلى الحياة الدائمة معه. وهكذا بدأوا طريقهم نحو الأبدية والانطلاق من هذا العالم، ونالوا مذاقة الملكوت.
الذي يعمل لأبديته
لا يحب العالم ولا الأشياء التي في العالم
موقتا أن العالم يبيد وشهوته معه.
والذي يعمل لأبديته
يسلك دائما بتدقيق في كل شيء
لئلا يفقد إكليله
بخطأ وتهاون.
والذي يعد نفسه للأبدية
يفكر كثيراً في العالم الآخر
في الله وملائكته وقديسيه
في مسكن الله مع الناس، في أورشليم السمائية
في انطلاق الروح من ثقل الجسد
ويرى أن هذا أفضل جدا.
فيشتاقه.